قال الشارح رحمه الله: [والصحابة رضي الله عنهم لا سيما أهل السوابق منهم كالخلفاء الر،اشدين ولم ينقل عن أحد منهم ولا عن غيرهم أنهم أنزلوا حاجتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، حتى في أوقات الجدب، كما وقع لـعمر رضي الله عنه لما خرج ليستسقي بالناس خرج بـالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يستسقي؛ لأنه حي حاضر يدعو ربه، فلو جاز أن يستسقى بأحد بعد وفاته لاستسقى عمر رضي الله عنه والسابقون الأولون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يظهر الفرق بين الحي والميت؛ لأن المقصود من الحي دعاؤه إذا كان حاضراً، فإنهم في الحقيقة إنما توجهوا إلى الله بطلب دعاء من يدعوه ويتضرع إليه، وهم يدعون ربهم، فمن تعدى المشروع إلى ما لا يشرع ضل وأضل، ولو كان دعاء الميت خيراً لكان الصحابة إليه أسبق وعليه أحرص، وبهم أليق، وبحقه أعلم وأقوم، فمن تمسك بكتاب الله نجا، ومن تركه واعتمد على عقله هلك. وبالله التوفيق].الاستشفاع والتوسل من الأمور المجملة التي تحتمل حقاً وتحتمل باطلاً عند كثير من الناس، فالاستشفاع أو التوسل يحتمل حقاً ويحتمل باطلاً، وفي وقتنا تستعمل هذه الألفاظ غالباً في الباطل لعدم الفهم، ولعدم التفريق بين الحق والباطل لأجل الجهل، فكثير من الناس يجهل معنى التوسل، ويجهل معنى الاستشفاع، والتوسل المستحب هو التوسل بأهل الصلاح والخير في وقت الجدب عند الاستسقاء في الصلاة، وهذا هو الذي يقول العلماء معناه: التوسل بدعاء الصالحين إذا كانوا أحياءً حاضرين فقط، أما إذا كانوا غائبين أو كانوا ميتين فلا أحد من العلماء يقول بذلك، ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت بإبطال هذا.
وكذلك يكون حكم الاستشفاع إذا كان المقصود به الدعاء؛ لأن كلمة (شفع) مأخوذة من الشفع الذي هو ضم الشيء إلى غيره، فهو يضم دعاءه إلى دعائه، ولكن كثيراً من الناس جهل هذا المعنى وقال: الاستشفاع هو أن أطلب به الشفاعة من الله، أو أطلبه أن يشفع لي ولو كان ميتاً، ولو كان غائباً، وأقول: يا فلان! اشفع لي، أو أنا أدعوك أن تشفع لي، وهذا -في الحقيقة- هو دين المشركين، فلم يكن المشركون يعتقدون أن مع الله خالقين ومدبرين ومتصرفين في الكون لا في الدنيا ولا في الآخرة، وإنما كانوا يعبدون أصناماً أو أحجاراً أو أشجاراً أو رجالاً صالحين من الجن والإنس أو الملائكة أو الأنبياء، يعبدونهم ويقولون: نحن نطلب الشفاعة منهم وأن يتوسطوا لنا عند الله، هذه عبادتهم، وهذا هو الذي جاءت الرسل بإبطاله وبالتصريح بأنه شرك بالله جل وعلا، فيجب على المسلم أن يفرق بين دين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ودين أبي جهل ولكلٍ وارث، فالأنبياء لهم ورثة، والمشركون لهم ورثة، فيجب على العبد أن يفرق بين الحق والباطل.
والصحابة رضوان الله عليهم سلكوا الطريق الحق الذي جاءهم به كتاب الله ودعوة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلما حصل الجدب في خلافة عمر رضي الله عنه -والسنة التي أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن المسلمين إذا أجدبوا فإنهم يصلون لله، ويدعونه، ويخشعون ويتضرعون، ويظهرون فقرهم لله جل وعلا لعله يرحمهم -خرج المسلمون في زمن عمر رضي الله عنه يستسقون ويطلبون المطر من الله جل وعلا، وتوسلوا بـالعباس ، ومعنى (توسلوا بـالعباس ): أنهم أخذوه معهم فدعا؛ لأنه أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الحي الذي يقدر أن يدعو، فقال عمر : (يا عباس ! قم فادع) فجعل العباس يدعو وهم يؤمنون على دعائه.
فتبين بهذا أن التوسل الذي قصده هو التوسل بدعائه، وإلا فلو كان التوسل بذاته لتوسلوا بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا فرق -إذا كان التوسل بالذات- بين الحياة والموت، بل كله سواء، فلما عدلوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العباس وقال عمر رضي الله عنه: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) تبين بهذا أن المقصود بالتوسل التوسل بدعاء الحي الحاضر، وهذا هو الذي تقرر في دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يجوز أن يدعى أحد مع الله، ولا يجوز أن يُسأل الله بالمخلوق، كأن يقول الإنسان: يا رب! أسألك بفلان، فكون الإنسان يسأل ربه بمخلوق كأن يقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك، أو أسألك بعمل فلان، أو أسألك بفلان هذا من البدع التي حدثت ولم يأت بها الشرع، وإنما إذا كان الإنسان ترجى إجابته فيستحب أن يطلب منه الدعاء، فيقال له: ادع الله لنا، فيدعو هذا الذي ترجى إجابة دعوته والحاضرون يؤمنون على دعائه كما فعل الصحابة، هذا هو الذي يجوز.
أما أن يذهب الإنسان إلى ميت فيقول لهذا الميت: اشفع لي، أو أعطني كذا، أو امنعني من كذا، أو أنا أستجير بك من كذا، أو فلان ظلمني فانتصر لي منه، أو ما أشبه ذلك، فهذا دين المشركين، وليس من دين الإسلام في شيء، بل هو الشرك بعينه، ومن اعتقده ومات عليه فإنه يكون مشركاً، وهو داخل في قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
[النساء:48] وليس دين المشركين إلا هذا، فالمشركون ما كانوا يعتقدون أن الحجر يدبر، ولا كانوا يعتقدون أن الصنم ينزل المطر أبداً، بل كانوا إذا وقعوا في الشدائد أخلصوا الدعاء لله، كما قال تعالى:
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
[العنكبوت:65]، وقد جاء أنهم كانوا إذا ركبوا في السفينة فهبت ريح شديدة يلقون أصنامهم في البحر ويقولون: هذه لا تنفع ولا تضر، ويتجهون بدعائهم إلى الله خالصاً، ثم إذا أنجاهم الله جل وعلا إلى البر وجاء الرخاء عادوا إلى شركهم، هكذا كان صنيعهم.
فهم في الحقيقة أصح عقولاً ونظراً ممن ينزل فقره بالمقبور الذي قد دفن وأصبح طعاماً للدود، لا يستطيع أن يخلص بدنه من الدود الذي يأكله، فكيف يذهب إنسان يدعوه ويترك رب العالمين الذي بيده كل شيء؟!
والله جل وعلا لم يجعل بينه وبين عبده وساطة تدعى، بل أمر بأن يدعى وحده ولا يدعى معه غيره، ففي أي مكان كنت فاتجه إلى ربك جل وعلا، فإنه سميع قريب عليم يعلم ما في النفوس، بخلاف الخلق فإنهم عاجزون، وهم أيضاً فقراء إلى الله كلهم ملائكتهم وبشرهم، إنسهم وجنهم، ولا يملكون مع الله شيئاً، ولهذا يقول الله جل وعلا:
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ
[سبأ:22]، فكل من يدعى من دون الله لا يملك مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، فلا فائدة من دعوتهم، وهذا أمر عام:
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
هؤلاء الذين زعمتم أنهم يُدعون من دون الله سواء أكانوا عقلاء، أم غير عقلاء، كانوا أنبياء أم غير أنبياء، ملائكة أم جناً أم غيرهم، كلهم داخلون في هذه الآية:
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ
فإذا كانوا لا يملكون مثقال ذرة فكيف يدعوهم العاقل؟! وماذا تجدي دعوتهم؟!
ثم قال:
وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ
يعني: ما لهؤلاء المدعوين من دون الله من شركة في السماء ولا في الأرض، بل هم ملك لله يتصرف فيهم كيف يشاء، وإذا أراد أن يهلكهم أهلكهم.
ثم قال جل وعلا:
وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ
يعني: من معاون ومساعد تعالى الله وتقدس.
إذاً: فإذا كان ما لهم شيء يملكونه استقلالاً، ولا يشاركون المالك في شيء منه، ولا المالك أيضاً يتخذهم معاونين ومساعدين، فماذا بقي؟ بقيت الشفاعة، فنفاها جل وعلا بقوله:
وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ
[سبأ:23]، فبين أن الشفاعة ما تنفع إلا إذا أذن رب العالمين.
قد يقول قائل -مثلاً-: إذا كانت تنفع فأنا أطلبها من الولي أو من النبي والله يأذن له! فيقال: ليس هذا الطلب طريقاً للإذن بالشفاعة، وإنما طريق الإذن للشفاعة هو إخلاص الدعوة لله، وإخلاص الدعاء له، وإخلاص العبادة، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم: (من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟! قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) يعني أن الشفاعة تكون لأهل الإخلاص، أما الذين يدعون مع الله غيره فالله لا يأذن بالشفاعة فيهم.
وقال جل وعلا في الآية الأخرى:
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ
[الزمر:43]يعني: كيف تتخذونهم ليكونوا شفعاء وهم لا يملكون شيئاً؟! فهو جل وعلا ينكر عليهم.
ثم قال جل وعلا:
قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
[الزمر:44]، وسائر سور القرآن مملوءة من معنى هذا الذي ذكرنا.
فلا يجوز للمسلم أن يجهل مثل هذا؛ لأن هذا من أصول الدين، وكل من مات سيسأل عن هذا، فإذا وضع في قبره أول ما يوضع يأتيه ملكان عظيمان ينتهرانه بقوة وشدة ويقولان له: من ربك؟ ومن كنت تعبد؟ وبأي شيء تعبد؟ ومن الذي جاءك بما تعبد؟ يسألانه عن هذه المسائل الثلاث، فإذا كان الإنسان ليس عابداً على الحقيقة وليس عالماً بذلك يتلعثم ولا يستطيع أن يجيب، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا سئل وكان غير موقن فإنه يتلعثم ويقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته؛ لأنه بنى دينه على تقليد، وكان يرى الناس يفعلون شيئاً فيفعل كما يفعلون، فهكذا يقول في القبر، يقول: رأيت الناس يفعلون شيئاً ففعلته. أو سمعتهم يقولون قولاً فقلته، وهل هذا يجدي؟ هذا لا يجدي ولا ينفع، فعند ذلك يقولان له: لا دريت ولا تليت، أي: لا علمت، ولا أيقنت بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عبدت ربك على اليقين، ولا اتبعت طريقه، ولا استمسكت بكتابه الذي أنزله على رسوله. (ولا تليت)، أي: ما تلوت كتاب الله وعلمته وعملت به.
أما إذا كان موقناً فإنه يجيب بكل هدوء وبكل طمأنينة، فقد جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـعمر : (كيف بك إذا جاءك ملكان أصواتهما كالرعد القاصف مع كل واحد منهما مطراق من حديد لو ضرب به جبل لا نهد ينتهرانك بصوتهما؟! فقال له: أكون بعقلي كالآن؟ قال: نعم، قال: إذن أكفيكهما)يعني أنه سيجيب الجواب الصحيح، ولا يهمه هول المنظر وشدة الصوت، بخلاف المرتاب وبخلاف المقلد؛ لأن عبادة الله ومعرفة الله ومعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز فيها التقليد، بل يجب أن يكون الإنسان موقناً في ذلك، عارفاً به، لا أن يكون الإنسان مثل ما يقال: مسلم الدار، أي: وجد أهل الدار يعملون عملاً فعمل مثلهم بل يجب أن يكون مسلم الاختيار، ويكون اختياره الإسلام اختياراً مقتنعاً به.
فالمقصود أن دعوة غير الله جل وعلا بأن يقول الداعي للمدعو: اشفع لي عند الله وهو ميت أو غائب فإن هذا هو دين المشركين، وهو خلاف دين المسلمين، فيجب على الإنسان أن يفتدي نفسه قبل أن تزل به قدم بعد ثبوتها، ويجب عليه أن يعرف الحق قبل أن يقول عندما يتبين له الحق بين يدي الله: واحسرتاه، فإن هذا لا يفيده ولا ينفعه، فإذا انتهت هذه الحياة انتهى وقت العمل النافع، بل إذا حضر الملك لقبض روحه انتهى الأمر ولا يقبل منه تعديل عمله ولا استقالته لو استقال واستعتب ربه، وإنما يكون وقت الاستدراك في الحياة، ولن ينفع الإنسان أحدٌ من الناس أبداً.
والرسول صلى الله عليه وسلم هو أقرب الخلق إلى الله وأكرمهم على الله جل وعلا، وهو أفضلهم، ومع ذلك يقول لأخص الناس به بنته فاطمة رضي الله عنها يقول لها: (أنقذي نفسك من النار، لا أغني عنك من الله شيئاً) (أنقذي نفسك من النار) يعني: بالعمل وبالإيمان، وباتباع الرسالة، لا طريق إلا هذا.
ويقول لأصحابه: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة يأتي وعلى رأسه بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله! أنقذني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى رأسه شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله! أنقذني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى رأسه صامتة -يعني: مثل الذهب والفضة- فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتك) وهذا في الغلول، يعني: لو أن أحداً جحد من الغنيمة شيئاً فإنه يأتي يحمله يوم القيامة ويستغيث بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولما حصل ما حصل عليه صلوات الله وسلامه عليه يوم أحد فقد كسرت ثنيته، وجرح وجه، وسال الدم على وجهه صلوات الله وسلامه عليه، جعل يدعو على الكفار الذين فعلوا هذا الفعل، ويقول: (اللهم العن فلاناً وفلاناً) وبقي شهراً يلعنهم في الصلاة ويدعو عليهم، ويقول: (كيف يفلح قوم فعلوا بنبيهم هذا؟!)وسادة الناس الصحابة رضوان الله عليهم خلفه يقولون: آمين، أي: اللهم استجب، فأنزل الله جل وعلا عليه:
لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ
[آل عمران:128] فتاب الله على الذين فعلوا هذا الفعل، فهل للرسول صلى الله عليه وسلم مع الله شيء بعد هذا؟ الجواب: لا. لأن الله يأمره أن يقول:
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا
[الأعراف:188] يأمره أن يقول للناس: لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً؛ لأنه رسول يبلغ رسالة الله جل وعلا، فكيف ينفع غيره؟! ومن باب أولى كيف ينفع من ادعى أن غيره ولي؟! بل كيف يتجه الإنسان العاقل إليه ويدعوه ويقول: يا فلان! أعطني كذا، أو أنا في حسبك، أو أنا متوكل عليك وعلى الله، وما أشبه ذلك مما يسمع الآن في كثير من البلاد ممن يصنعون هذا الصنيع، نسأل الله العافية.
فيجب على الإنسان أن يتعرف على الحق قبل ألا ينفعه الندم والاستقالة.
فالمقصود أن التوسل والاستشفاع قد صار في مفهوم كثير من الناس باطلاً، وإنما الباطل ما جاء الكتاب والسنة بإبطاله، وهو أنهم يدعون الله بالمخلوقين، بل ويدعون المخلوقين ويجعلون ذلك توسلاً، سواء أكانوا غائبين أم كانوا أمواتاً، أما طلب الدعاء من المخلوق فجائز بشرط أن يكون حاضراً قادراً على أن يدعو لك إذا كانت دَعْوَته مظنة الاستجابة، فإذا كان ذلك استشفاعاً وتوسلاً بدعائه إلى الله فهذا جائز.