إسلام ويب

اعترافات عاشقللشيخ : محمد بن عبد الرحمن العريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هذه رسالة إلى أولئك الشباب والشابات الذين فتنت أعينهم النظرات، وغرتهم اللمسات، فوقعوا في شراك العشق، ومواقعة الحرام. إنها رسالة إلى كل شاب شغل قلبه عن خالقه، وأذل نفسه لعاشقه. إنها رسالة إلى أولئك الذين يعشقون الملاحة والجمال، والتغنج والدلال. رسالة من رجل محب نصوح يحذرهم من خطر هذا المرض العضال، مبيناً أسباب الوقوع فيه، والعلامات المميزة له عن غيره من الحب العادي، حيث يسرد بعض قصص العاشقين وسوء الخاتمة التي صاروا إليها، وكذلك بعض أخبار العفيفين والعفيفات، ثم يختم رسالته بذكر العلاج من هذا الشؤم والبلاء.

    1.   

    وقفة مع العشاق

    الحمد لله الذي جمع قلوب أهل حبه على طاعته، وأورثهم من الخيرات ما نالوا به كرامته، أحمده سبحانه، فهو الذي جعل محبته إلى جنته سبيلاً، وأبغض العصاة وأورثهم حزناً طويلاً، وسبحان من نوَّع المحبة بين محبة الرحمن، ومحبة القرآن، ومحبة الأوثان، ومحبة النسوان، ومحبة الصبيان، ومحبة الألحان.

    وأصلي وأسلم على أشرف نبي وأحسنه وأزكاه، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.

    أما بعد:

    فهذه جلسةٌ مع العاشقين والعاشقات من الشباب والفتيات، لا لأزجرهم وأخوفهم، وإنما لأَعِدَهم وأبشرهم.

    وهذا حديثٌ إلى أولئك الشباب الذين أشغلوا نهارهم بملاحقة الفتيات في الأسواق، وعند أبواب المدارس والكليات، وأشغلوا ليلهم بالمحادثات الهاتفية، والأسرار العاطفية.

    وحديثٌ إلى أولئك الفتيات اللاتي فُتِنَت عيونهن بالنظرات، وغَرَّتْهن الهمسات، فامتلأت حقائبهن بالرسائل الرقيقة، وصور العشيق والعشيقة.

    فلماذا أتحدث مع هؤلاء؟!

    أتحدث معهم؛ لأنَّ كثيراً من العاشقين والعاشقات وقعوا في شراك العشق فجأة بسبب نظرة عابرة، أو مكالمة طائشة، فأرْدَتْ أحدَهم قتيلاً، وأورثته حزناً طويلاً.

    أتحدث معهم لأن التساهل بالعشق والتمادي فيه يجر إلى الفواحش والآثام، ومواقعة الحرام، ويشغل القلوب عن علام الغيوب.

    فكم أكبَّت فتنةُ العشق رءوساً في الجحيم! وأذاقتهم العذاب الأليم؟!

    وكم أزالت من نعمة! وأحلت من نقمة؟!

    فلو سألت النِّعَم: ما الذي أزالكِ؟! والهموم والأحزان: ما الذي جلبكِ؟! والوجه: ما الذي ذهب بنوركَ وكسفكَ؟! لأجابوك بلسان الحال: هذا بجناية العشق على أصحابه لو كانوا يعقلون.

    نعم. أتحدث عن العشق؛ لأن انتشار العلاقات المحرمة لا يضر الفاعلين فقط، بل يتعداهم إلى غيرهم، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: [ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها].

    وفي الحديث الحسن عند ابن ماجة وغيره قال صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا).

    فكم من فتاة ضيَّعت شبابها، وفضحت أهلها، أو قتلت نفسها بسبب ما تسميه: العشق؟!

    وكم من فتى أشغل أيامه وساعاته، وأضاع أنفاس حياته فيما يسميه: العشق؟!

    وما كَيِّس في الناس يُحمَد رأيُه     فيوجَدُ إلا وهو في الحب أحمقُ

    وما أحدٌ مـا ذاق بؤس عشيةٍ     فيعشقُ إلا ذاقها حين يعشقُ

    ونحن في زمن كثرت فيه المغريات، وتنوعت الشهوات، وتَرَك المفسدون في قنواتهم ومجلاتهم مخاطبةَ العقول والأفهام، ولجئوا إلى مخاطبة الغرائز وإثارة الحرام.

    أصبح الشباب والفتيات حيارى بين مجلات تُغْرِي، وشهوات تَسْرِي، وقنوات تُعَرِّي، وأفلام تُزَيِّن وتُجَرِّي، فاشتغل الشباب والفتيات بعضُهم ببعض، واغتـروا بالصـحة والفراغ، كما قال الله تعالى: كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، وإلا فلو كان أحدهم فقيراً معدماً، أو مريضاً مقعداً لَمَا وجد في عقله مكاناً لفلان أو فلانة.

    ومن طريف ما يُستشهَد به على أن الترفُّه والتنعُّم الزائد مع عدم الدين يوقع في مثل هذه التوافه: أن رجلاً كان يسكن في إحدى الدول المجاورة التي يظهر فيها السفور، وقد كان غنياً متنعِّماً.

    وذات يوم طلبت منه ابنتُه الجامعية أن يشتري لها سيارة خاصة، فقال لها: يا بنيتي! السيارة مفتاح كل شر، وتزيد اختلاطك بالرجال، وأخوك تحت يدك يذهب بك إلى حيث تريدين.

    فأصرت الفتاة وبكت حتى اشترى لها سيارة، فبدأت تذهب وتجيء كما شاءت.

    فلما جاءت العطلة قالت لأبيها: أريد أن أقضي الإجازة في بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية.

    قال الأب المسكين: يا بنيتي! لا ضرورة لذلك.

    فأصرت عليه وتباكت وبكت، فاقترح أن تذهب العائلة كلها معها، فغضبت وقالت: أنا واثقة في نفسي، ولا يمكن أن أتعرض لمكروه. ثم بكت وأضربت عن الطعام والشراب حتى رقَّ لها قلبُه ودمعت عينُه، وأظهر الموافقة.

    ففَرِحت الفتاة وبدأت تجمع حقائبها، لكن الأب رفع سماعة الهاتف واتصل بقريب لهم يسكن في مدينة تقع على طريق مكة، اتصل به وقال: يا فلان، هل تذكر فلاناً ابن عمنا الذي يسكن في خيمة في البر؟

    قال صاحبه: نعم. وهو لا يزال على حاله في البر، يرعى الغنم، وعنده إبل، ويشتغل ببيع السمن والإقط.

    فسأله صاحبنا: هل تزوج؟

    قال: لا. ومَن يزوج هذا وهو لا يقر له قرار، يرحل بخيمته في كل حين؟!

    قال: حسناً! أنا آتٍ إليك بعد يومين، وأريد أن أراه.

    ثم جاء الأب إلى ابنته وقال: سوف نذهب للعمرة بالسيارة، ثم تسافرين إلى بريطانيا عن طريق مطار جدة .

    فلما انطلقوا وانتصف بهم الطريق إلى مكة توجه الأب إلى مدينة صاحبه، وقال لأهله: نرتاح قليلاً في بيت فلان، ثم نكمل السفر.

    نزل النساء عند النساء، ودخل هو عند الرجال، فرأى صاحبَه راعي الإبل والغنم، فتحدث معه طويلاً، ثم عَرَض عليه أن يزوجه ابنته.

    وافق الرجل فوراً، ثم عُقِد النكاح.

    وخرج الأب ونقل حقائب البنت العروس من سيارته إلى سيارة زوجها، ثم صاح بأهله ليخرجوا، فخرجت زوجتُه بأطفالها، وخرجت البنت الرقيقة تنفض يديها من غبار هذا المنزل، وتتأفف من ذبابه وحشراته.

    فلما ركبت مع أبيها زفَّ إليها بشرى زواجها.

    ظنت أنه يمزح؛ لكنه بدا جاداً، وأمرها بالنزول إلى سيارة زوجها، فأبت، وبكت، فذهب الأب إلى الزوج وقال له: زوجتك فرحت بالزواج؛ لكنها تستحي أن تأتي بنفسها لتركب معك، فتعال أنت وخذها.

    فأقبل الرجل فرحاً مستبشراً وفتح سيارة أبيها، وحملها معه، ثم أركبها في سيارته، ومضيا إلى خيمة السعادة.

    فشق الصحراء، وغاب بين كثبان الرمال.

    أما الأب فكان حازماً، وتغلب على بكاء الأم وتوسلاتها، ورجع ببقية العائلة إلى بلده.

    وبعد أسبوع اتصل الأب بصاحبه الأول، وسأله عن الأخبار.

    فقال: ابنتُك وزوجُها بخير، قد رأيتُهما في السوق قبل يومين.

    قال: الحمد لله.

    ثم مضت الأيام والشهور، والأب يتلقى الأخبار من صاحبه هاتفياً، فلما مضت سنة اتصل به صاحبُه، وبشَّره بأنه قد أصبح جداً، وأن ابنتَه رزقت بغلام.

    ثم بعدها بشهور ذهبت العائلة لزيارة ابنتهم، فلما أقبلوا على خيمتها فإذا امرأة حاملة، وبجانبها طفل صغير، فاقتربوا، فإذا هي ابنتُهم، فرحَّبت وحيَّت وفرحت، ثم نادت زوجها، فجاء وأكرمهم.

    تأملوا في حال هذه الفتاة! كيف صار زواجها من هذا الأعرابي في الصحراء خيراً لها من بريطانيا ودراستها هناك؟! مع التنبية إلى أن تزويج البنت بغير رضاها لا يجوز؛ لكني أوردتُ هذه القصة مستشهداً بها على عاقبة الترفُّه والفراغ.

    1.   

    البحث عن عشيق

    أيها العاشقون والعاشقات! بعض الناس قد يسمع عن العشق والعشاق، ويجالس العاشقين، ويقرأ أخبارهم، فيصل إلى درجة يشعر معها أنه عاشق وهو ليس كذلك، فيجتهد في البحث عن معشوق أو معشوقة، ثم يبدأ يتغنى بالعشق والغرام وهو ليس من أهله أصلاً.

    كما ذكروا أن أعرابياً مر بمسجد، فجلس مع قوم صالحين يتذاكرون التعبُّد في الليل، وكل واحد منهم يذكر فضل نوع من العبادات، هذا يذكر الصلاة، وذاك يمدح الاستغفار، والأعرابي ساكت.

    فالتفتوا إليه، وقالوا له: أنت! هل تنام طوال الليل أم أنك تقوم؟

    قال: كلا. بل والله إني أقوم.

    فاستبشروا وسألوه: إذا قمتَ فماذا تفعل؟!

    فقال الأعرابي: أبول، ثم أرجع وأنام.

    وقد يزين الشيطان أحياناً للفتى أو الفتاة أنه جميل وجذاب، وأن الطرف الآخر معجب به أشد الإعجاب، فإذا مشى في الأسواق، أو ضاحَكَ الرفاق ظن أنه يلفت الأنظار، ويفتن الواقف والمار، فيدفعه ذلك للتعرض والتبذُّل، ويحتال عليه أصحاب الشهوات حتى يعبثوا به أو بها، فإذا قضوا شهواتهم منه أو منها ذهبوا يبحثون عن فريسة أخرى.

    ولو أنه ترفع عن ذلك كله، واشتغل بما خُلِق من أجله، لكان أسلم لدينه وعقله.

    وتأمل في حال يوسف عليه السلام الذي أوتي من الحسن والجمال ما يفوق الخيال!

    تراوده الملكة، وهو عبد مملوك لها، غريب لا يخشى الفضيحة، شاب، أعزب، تشتاق نفسه إلى مثلها، وهي ذات منصب وجمال، وقد أسرعت إلى أبوابها فغلَّقتها، وإلى ثيابها فجمَّلتها، وإلى فُرُشها فزيَّنتها، ثم قالت له في تغنُّج ودلال: هَيْتَ لَكَ [يوسف:23].

    فيصرخ بها العفيف عليه السلام قائلاً: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف:23].

    بل تأمل في حاله عليه السلام لما جمعت امرأة العزيز زوجات الكبراء، وحليلات الأمراء، ووضعت لهن أطايب الفاكهة: وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً [يوسف:31]، ثم جعلت يوسف يمرُّ أمامهن، فلما رأينه ما تحملن النظر إليه، وغابت عقولهن من حسنه وبهائه، فقطَّعن أيديهن بالسكاكين، وقلن: مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف:31]!

    فهل التفت يوسف إليهن؟! أو اغتر بشبابه وجماله؟!

    كلا. بل صاح بأعلى صوته وقَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ [يوسف:33].

    قال الله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف:34].

    نعم. السجن خير له من الفاحشة.

    قارن ذلك بما ذُكِر عن شاعر الغزل عمر بن ربيعة ، أنه مر بامرأة في الطريق، فحكَّت عينَها بيدها، فظن المسكين أنها تغازله، فوقع في حبها، ثم أنشد متغزلاً بها يقول:

    أشارت بطرف العين خيفة أهلها     إشارة محزونٍ ولم تتكلمِ

    فأيقنتُ أن الطرف قد قال: مرحباً     وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيَّمِ

    قارن حال يوسف بهذا!

    أو قارنه إن شئتَ بذلك الشاب الذي خرجتُ مرة من المسجد وهو ينتظرني عند سيارتي بجسم نحيل، ووجه شاحب، ومظهر مخيف، فلما رأيتُه فزعتُ وقلتُ له: ماذا تريد؟

    قال: يا شيخ! أنا قررتُ أن أتوب.

    ظننتُ أنه سيتوب من تهريب المخدرات، أو قطع الطريق، أو القتل، إذ أن مظهره المخيف يوحي بذلك؛ لكني سألتُه وقلتُ: تتوب من ماذا؟

    فقال: أتوب من مغازلة الفتيات.

    فعجبتُ؛ لكني سكتُ وقلت له مشجعاً: نعم. الحمد لله أن وفقك إلى التوبة.

    فصاح بي قائلاً: ولكن يا شيخ هناك أمر يمنعني من التوبة.

    قلتُ: وما الذي يمنعك من التوبة؟!

    فقال: إذا مشيتُ في السوق، فالبنات لا يتركنني، بل يغازلنني في كل زاوية.

    مع أنني أجزم أنه لو غازل عجوزاً شمطاء ما التفتت إليه.

    وهذا الشاب يذكرني بما ذُكِر عن أحد المفتونين بمغازلة الفتيات، فقد تعرف على فتاة من خلال الهاتف، فأعجبه صوتها، وتمنى أن يراها، فما زال هو والشيطان بها حتى قابَلَتْه في طريق، فلما كشفت غطاء وجهها ليراها فإذا وجه قبيح بشع، فصاح بها وقال: أعوذ بالله! ما هذا الوجه؟!

    فقالت له: الجمال -أصلاً- غير مهم، أهم شيء الأخلاق.

    ما شاء الله! الأخت تقول: أهم شيء الأخلاق! وأي أخلاق بقيت وقد سلكت هذا السبيل؟!

    1.   

    أسباب المحبة

    أيها الإخوة والأخوات! أسباب المحبة كثيرة:

    المحبة من أجل دين المحبوب وصلاحه

    فقد تحب أحداً لأنه قوَّام لليل، أو صوَّام للنهار، أو حافظ للقرآن، أو داعٍ إلى الله، فهذه المحبة لله، وأنت مأجور عليها، والمتاحبون في الله ولأجل الله يوم القيامة على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء.

    هذا هو النوع الأول من أسباب المحبة، وهو نوع نافع في الدنيا والآخرة.

    أما نفعه في الدنيا فهو ما يقع من تعاون على الخير، ومحبة صادقة.

    وأما نفعه في الآخرة فهو الاجتماع في جنات النعيم، قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ [التوبة:20].

    المحبة من أجل الملاحة والجمال

    وقد تحب شخصاً لجمال وجهه، أو رقة كلامه، أو تغنُّجه ودلاله، دون أن تنظر إلى صلاحه وطاعته لله، فهذه المحبة لغير الله، ولا تزيدك من الله إلا بُعداً، وقد هدد الله أصحابها فقال: الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]، وفي الآية الأخرى قال عزَّ وجلَّ: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً [الفرقان:27-29].

    بل إن هؤلاء المتحابين الذين اجتمعوا على ما يغضب الرحمن يعذَّبون في النيران، وينقلب حبهم إلى عداوة، كما قال تعالى عن فريق من العصاة: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ[العنكبوت:25] نعم. مأواهم النار، ولماذا لا يكون جزاؤهم كذلك، وهم طالما اجتمعوا على الحرام، وتحدثوا عن الحب والغرام، ولعبت بهم الشهوات، وولغوا في الملذات؟! فهم يوم القيامة يجتمعون، نعم يجتمعون؛ ولكن أين يجتمعون؟!

    في نار لا يخبو سعيرها، ولا ينقص لهيبها، ولا يبرد حرها، إلا أن يشاء الله، قال الله عزَّ وجلَّ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف:36-39].

    وتلك لَعَمْرُ الله البلية الكبرى والفتنة العظمى التي استعبدت النفوس لغير خلاقها، وملَّكت القلوب لعُشَّاقها، فأحاطت القلوب بمحنة، وملأتها فتنة، فالمحب بمن أحبه قتيل، وهو له عبد خاضع ذليل، إن دعاه لبَّاه، وإن قيل له: ما تتمنى؟ فهو غاية ما يتمناه!

    1.   

    أسباب العشق المحرم:

    هذا هو العشق المحرم الذي يكون الدافع إليه ليس صلاح المحبوب وإنما جماله ومَلاحته.

    النظر إلى الأفلام الهابطة

    ومن أكبر أسباب وقوعه: النظر إلى الأفلام الهابطة، التي يختلط فيها الرجال بالنساء :-

    حتى يقع في قلب الناظر إليها أن الاختلاط أمر عادي، فيبدأ في البحث عن عشيق أو عشيقة، وأعظم من ذلك إذا كانت هذه الأفلام يقع فيها الحب والغرام، واللمسات، والقُبُلات، فإذا رآها الشباب والفتيات حرَّكت فيهم الساكن، وأظهرت الباطن، ونزعت الحياء، وقربت البلاء، فمن رأى صور الفسق والفجور، ومشاهد العُهْر والمجون اندفعت نفسُه إلى تقريبها في كل حين، في السوق، وعلى فراشه، وفي مكتبه، ولا يزال الشيطان يدعوه إليها، ويحثه عليها حتى يقع فيها، عياذاً بالله.

    لذلك لما أمر الله تعالى المؤمنين بحفظ الفروج عن الزنا أمر قبل ذلك بغض البصر، فقال عزَّ وجلَّ: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30].

    وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (العين تزني، وزناها النظر) نعم. جعل النظر إلى الحرام نوعاً من الزنا يأثم عليه صاحبه، كما أن كثرة الكلام عن العشق والحب والغرام في مجالس الشباب والفتيات، أو في المدارس والكليات يهيِّج النفوس إليه، بل يُشْعِر العفيف الذي صان نفسه عن هذه الأمور يُشْعِره أنه شاذ بينهم، فيبدأ في البحث عن خليل أو خليلة، فعلى العاقل أن يحذر من مثل هذه المجالس.

    الاستماع إلى الأغاني

    ومن أسباب التعلق بهذا العشق: الاستماع إلى الأغاني :-

    نعم. الأغاني التي حرمها الله من فوق سبع سماوات، فقال الله عزَّ وجلَّ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6].

    فالأغاني هي صوت العصيان، وعَدُوَّة القرآن، بل هي مزمار الشيطان الذي يزمِّر به، فيتبعه أوليـاؤه، قال عزَّ وجلَّ: وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ[الإسراء:64].

    قال ابن مسعود رضي الله عنه: [الغناء رُقْية الزنا]، أي: هو طريقه ووسيلته.

    عجباً! كان ابن مسعود يقول هذا لَمَّا كان الغناء يقع من الجواري والإماء المملوكات، يوم كان الغناء بالدف والشعر الفصيح، يقول: هو رُقْية الزنا!

    فماذا يقول ابن مسعود لو رأى زماننا هذا وقد تنوعت الألحان، وكثُر أعوان الشيطان، فأصبحت الأغاني تُسمَع في السيارة، والطائرة، والبر، والبحر، وما يكاد يُذكَر فيها إلا الحب والغرام والعشق والهيام؟!

    بالله عليكم هل سمعتم مغنياً غنى يوماً في التحذير من الزنا، أو في الأمر بغض البصر، أو في حفظ أعراض المسلمين؟!

    كلا. بل كل إناء بما فيه ينضح.

    التساهل في مخالطة النساء

    كما أن من أسباب العشق المؤدي غالباً إلى الفاحشة: التساهل في مخالطة النساء عموماً :-

    أو مخالطة الخادمات في المنازل، أو الخلوة بهن عند غياب أهل البيت، (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وفي رواية في المسند قال: (ما خلا رجل بامرأة إلا همَّ بها).

    التساهل في استعمال شبكة الإنترنت

    ومن أسبابه أيضاً: التساهل في استعمال شبكة الإنترنت، والمحادثات التي تقع من خلالها بين الشباب والفتيات :-

    وقد يصاحب ذلك نقل الصوت أو الصورة، أو إرسال الصور من خلال البريد الإلكتروني.

    قراءة الروايات العاطفية، والقصص الغرامية

    كما أن من أسبابه: قراءة الروايات العاطفية، والقصص الغرامية.

    فمن تساهل بهذه الأسباب وقع في العشق المذموم، وحلت عليه الكربات والهموم.

    أيها العاشقون والعاشقات! قد يزعم البعض أن وقوعه في هذا العشق أمر اضطراري لا يستطيع التخلص منه، كما قال الشاعر:

    يلومونني في حب سلمى

    وإنمـا     يرون الهوى شيئاً تَيَمَّمْتُه قَصْدا

    ألا إنما الحب الذي صدع الحشا     بلاءٌ من الرحمن يبلو به العَبْدا

    بل قد كتب إليَّ أحد العاشقين رسالة يلومني فيها على إثارة هذا الموضوع، وسطر فيها أبياتاً بلهجته العامية، ولا بأس أن أنقل لكم شيئاً منها، فيقول:

    لَوْ يِتَداوَى كِلْ -يا شيخ- مَنْ حَبّْ     وُشْلُوْنْ بالفى لِيْ وَلِيْفٍ نَصُوْحِ

    لِيْ صاحِبٍ بالحُبّْ شاطِِرْ مْدَرَّبْ     ما اظِنْ مَن شافِهْ يُصُدْ وُيْرُوْحِ

    عَنِ الهَوَى لا تَنْشِدِ إلاَّ مْجَرِّبْ     تَلْقَى دَوا العُشَّاقْ إنْ كانَ انْتْ تُوْحِي

    وانتْ لَوِ انِّكْ يا العريفي تِكَهْرَبْ     في حُبْ مَجْمُوْلٍ شَحُوْحٍ نُزُوْحِِ

    كان اعتَرَفْتْ وقُمْتْ -يا شيخ- تَقْلِبْ     عُنْوان درسِكْ بالعَنا والجرُوْحِ

    ومهما زعم هؤلاء من أن العشق يأسر قلوبهم بغير اختيارهم فهذا باطل، بل هم الذين يستدعونه ويمنُّون أنفسهم به، حتى يقعوا فيه.

    وقد يتساهل الفتى أو الفتاة حتى يقع في المرض الأعظم والخطب الأطم، وهو أن يتعلق الشاب بشاب مثله، أو أن تفتتن الفتاة بفتاة أخرى؛ لأن ظاهر هذه العلاقة أنها صداقة سليمة نظيفة؛ لكن باطنها على غير ذلك.

    وقد يعترض البعض ويقول: أنت يا شيخ مشدِّدٌ علينا، فأنا لي مكالمات ونظرات؛ لكنها كلها علاقات بريئة، كما كتب إليَّ أحد العاشقين مشكلته مع عشيقته في رسالة طويلة، وكان مما قال فيها:

    وأنا يا شيخ آخذها معي في السيارة، ونمضي الساعات الطوال ونحن نتمشى.

    ثم قال: ووالله يا شيخ لا يقع بيننا شيء يغضب الله؛ لكن الجلسة لا تخلو من القبلات الشريفة.

    ولا أدري ماذا يعني بالقبلات الشريفة؟!

    وهذا مسكين، فإن مجرد الخلوة بينهما محرمة، (ما خلا رجل بامرأة إلا هم بها)، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء) يعني: الخلوة بهن، بل أمر الله المرأة بالتستر حتى لا يراها الرجال، فقال الله عزَّ وجلَّ لنبيه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59].

    بل قد نهى الله الصحابة جميعاً عن الاختلاط بالنساء، فقال عزَّ وجلَّ: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً[الأحزاب:53] يعني: إذا سألتم أزواج النبي وهن أطهر النساء، إذا سألتموهن متاعاً ماذا تفعلون؟ فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ[الأحزاب:53] وحسبك بالصحابة طاعة وخوفاً وتعبُّداً.

    فكيف الحال اليوم مع شبابنا وفتياتنا، وقد فسد الزمان؟! كيف يخلو اليوم شاب بفتاة ثم يقولان: هذه صداقة بريئة؟!

    عجباً! أين الذين يتساهلون بالاختلاط بزميلاتهم الموظفات في المستشفيات والفنادق والشركات، حيث يقول أحدهم: نحن زملاء، وهي مثل أختي؟!

    قال سفيان الثوري لرجل صالح من أصحابه: [يا فلان! لا تخلوَنَّ بامرأة ولو لتعلِّمها القرآن] نعم. هذا ديننا، ليس فيه تساهل مع الأعراض أبداً.

    1.   

    الدلائل المبينة للفرق بين المحبة المحرمة، والمحبة الشرعية

    حتى يعرف الشاب أو الفتاة الفرق بين المحبة المحرمة المبنية على العلاقات العاطفية، وبين المحبة العادية أذكر بعض الدلائل في ذلك:

    عدم الاهتمام بدين المحبوب

    أولاً: تجد أن المحب العاشق لا يهتم بدين محبوبه، ولا بصلاحه، وإن اهتم بذلك فهو يهتم به ظاهرياً فقط، ليبعد اللوم عن نفسه، وأكثر ما يعجبه في محبوبه نظراته وحركاته، بل قد يضل ويقع في الآثام من أجل موافقة محبوبه الفاسق، كما قال أحدهم وقد أحب امرأة فاسقة، فأرسل إليها قائلاً:

    فإن تُسْلِمي نُسْلِم وإن تتنصري     يعلِّق رجالٌ بين أعينهم صُلبا

    الانبساط والراحة الزائدة عند وجود المحبوب

    ثانياً: تجد أن هذا العاشق ينبسط انبساطاً زائداً عند وجوده في مجلس مع معشوقه، وينشرح صدره، ويكثر كلامه وضحكه، ويحاول أن يجذب الأنظار إليه، بل يحاول الجلوس بجانبه دائماً، والمشي معه مع قبض اليدين، ونحو ذلك.

    إدامة النظر إلى المحبوب

    ثالثاً: تجد أنه يديم إحداد النظر إليه، لا يكاد يصرف عنه بصره، مع الغيرة الشديدة على من يحب، فإذا رآه مع غيره ضاق صدره، ويحس أن ذلك الإنسان قد اعتدى على بعض خصوصياته، ولا يصبر عنه أبداً، بل إما أن يراه كل يوم، أو يتصل به بالهاتف، أو ينظر إلى صوره، أو يقرأ رسائله.

    فمن كانت عنده هذه الأعراض فليسارع إلى علاج نفسه، فإنه مبتلى.

    يا من يرى سُقْمي يزيدُ     وعلتي أعيت طبيبي

    لا تعجبن فهكذا     تجني العيون على القلوبِ

    ما هو السبب الأول، والداهية العظمى، والمصيبة الكبرى التي توقع في هذا الداء؟!

    1.   

    أثر إطلاق العنان للعين في العشق

    إنه السهم المسموم، وإنها جناية العين.

    كل الحوادث مبدؤها من النظرِ     ومعظم النار من مستصغر الشررِ

    كم نظرة فتكت في قلب صاحبها     فتك السهام بلا قوس ولا وترِ

    والمرء ما دام ذا عين يقلِّبها     في أعين الغيد موقوف على الخطرِ

    يسر مقلتَه ما ضَرَّ مهجتَه     لا مرحباً بسرور عاد بالضررِ

    نعم. هي جناية العين، بل إن هذه الجناية هي عقوبة المخالفة لقوله تعالى للمؤمنين: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] ولقوله للمؤمنات: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31].

    ما زلتَ تتبع نظرة في نظرةٍ     في إثر كل مليحة ومليحِ

    وتظن ذاك دواء قلبك وهْو في التْـ     ـتَحقيق تجريحٌ على تجريحِ

    نعم. قد أفسد قلبه وجرَّحه.

    ومستفتحٌ بابَ البلاء بنظرةٍ     تزودَ منها قلبُه حسرة الدهرِ

    فوالله ما تدري أيدري بما جنت     على قلبه أم أهلكته ولا يدري

    قال ابن القيم: إن الله لما أمر بغض البصر أعقب ذلك بالأمر بحفظ الفرج؛ ليدل بذلك على أن من أطلق بصره أداه ذلك إلى إطلاق فرجه.

    وفي الحديث الذي أخرجه الحاكم وصححه، قال صلى الله عليه وسلم: (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه جلَّ وعزَّ إيماناً يجد حلاوته في قلبه).

    وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدِّق ذلك أو يكذِّبه).

    تأمل كيف بدأ بالعين وختم بالفرج، ليدل على أن إطلاق البصر هو طريق الزنا.

    لكن المرء لو تعوذ بالله من أول نظرة، وصاح بنفسه كما صاح يوسف وقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف:23] لو كان فعل ذلك لأفلح ونجح.

    فهذا هو حال الأبرار المتقين: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202].

    1.   

    قصص من سوء الخاتمة بسبب إطلاق النظر

    وإطلاق البصر في الشهوات سبب لسوء الخاتمة والعياذ بالله.

    قصة عاشق أسلم

    هل سمعتم بذلك الرجل الذي قيل له عند موته: قل: لا إله إلا الله!

    فصاح قائلاً:

    يا أسلم

    يا راحة العليلِ     ويا شفاء المدنفِ النحيلِ

    حبُّكَ أشهى إلى فؤادي     من رحمة الخالق الجليلِ

    هل سمعتم بذلك الرجل؟!

    هذا رجل يطلق بصره في المحرمات، فرأى غلاماً حسناً، فتعلقت نفسُه به، أراده على الفاحشة فأبى عليه، فاشتد به العشق والهيام حتى أمرضه وأقعده على فراشه، بل حتى أنزل به الضعف والموت، فلما كاد أن يموت ذهب رجل إلى أسلم، وقالوا له: يا أسلم! تعال إلى صاحبك، وانظر إليه نظرة قبل أن تخرج روحه.

    قال: نعم.

    فلما أقبل أسلم - وهو ذلك الغلام- إلى صاحبه المريض، جاءوا إلى هذا المريض وقالوا له: إن أسلم آتٍ إليك في الطريق، ففرح وعادت إليه بعض صحته، فلما كاد أسلم أن يدخل البيت قال: أعوذ بالله! والله لا أضع نفسي في موضع تهمة، ثم ولاهم ظهره ومضى، وصاحبه ينتظر وينتظر، فقال لهم: أين أسلم ؟!

    قالوا له: لما أراد أن يدخل نظر إلى السماء، ثم تعوَّذ بالله من الفضيحة وتولى.

    فصاح بأعلى صوته وقال:

    يا أسلم ! فما ردَّ عليه. وأعاد فقال: يا أسلم ! فما ردَّ عليه.

    فقال:

    يا أسلم

    يا راحة العليلِ     ويا شفاء المدنفِ النحيلِ

    حبُّكَ أشهى إلى فؤادي     من رحمة الخالق الجليلِ

    قالوا له: نعوذ بالله! اتقِ الله!

    فأخذ يشهق وهو على هذه الحال حتى مات.

    قصة عاشق المرأة التي تبحث عن حمام منجاب

    وذكر ابن القيم أيضاً أن رجلاً قيل له عند موته: قل: لا إله إلا الله!

    فأخذ يردد قائلاً:

    يا رُبَّ قائلةٍ يومـاً وقد تَعِبَتْ     كيف الطريق إلى حَمَّام مِنجابِ؟!

    هذا رجل كان واقفاً عند باب بيته يوماً، فمرت امرأة فقالت له: أين حمام مِنجاب؟

    حمامٌ مثل البيت كانت النساء تأتي وتغتسل فيه، فأشار لها إلى بيته وقال: هذا حمام مِنجاب، وأنا حارس على الباب.

    فدخلت المرأة، ثم دخل وراءها، وأغلق الباب، وأرادها على نفسها، فاحتالت عليه -عَلِمت أنها لن تستطيع أن تدفعه بقوتها- فاحتالت عليه وقالت له: اذهب وأحضر لنا شيئاً من الطعام نأكله، قال: حسناً.

    فخرج من فوره فرحاً مستبشراً، ونسي أن يغلق عليها الباب أو أن يجعل عليه قفلاً، ثم لما ذهب خرجت المرأة إلى بيتها.

    وعاد الرجل فبحث عنها وقد اشتد هيامه بها، فلم يجدها، فأخذ بعدها يطوف في الشوارع والأسواق، ويبحث عنها، ويسأل الناس عنها، وهو يردد قائلاً:

    يا رُبَّ قائلةٍ يومـاً وقد تَعِبَتْ     كيف الطريق إلى حَمَّام مِنجابِ؟!

    فبينما هو يسير مرة في طريق يردد هذا البيت إذ أطلت عليه جارية من طاقة منزل فقالت:

    هلاَّ جعلتَ سريعاً إذْ ظفرتَ بها     حرزاً على الدار أو قفلاً على البابِ

    فصاح بأعلى صوته وقال:

    كيف الطريق إلى حَمَّام منجابِ؟!     كيف الطريق إلى حمام منجابِ؟!

    ولم يزل يشهق حتى مات.

    فهذا من سوء عاقبة إطلاق البصر.

    قصة مؤذن بغداد

    بل قد ذكر ابن القيم أيضاً في الجواب الكافي: أن مؤذناً كان بـبغداد ، وكان رجلاً صالحاً، فصعد مرة على منارة المسجد ليؤذن، فالتفت يمنة ويسرة أثناء أذانه، فإذا ببيت نصراني بجانب المنزل، وإذا ببنت ذلك النصراني في فناء المنزل، فتعلق قلبه بها لَمَّا أتبعها بصرَه، ثم قطع أذانَه، ونزل حتى أتى وطرق عليها الباب.

    قالت: ما تريد؟

    قال: أريدك أنتِ بحلال أو بحرام أو بما تريدين.

    قالت: لا تصل إليَّ إلا بزواج، وأبي يأتي بعد غياب الشمس، فتعال إليه.

    فانتَظَر حتى غابت الشمس، ثم لما أقبل أبوها، أتى هذا الرجل وتعلق به، وقال: أريد أن أتزوج ابنتك.

    قال: لا نزوجك وأنت مسلم حتى تتنصَّر.

    قال: نعم. أتنصَّر.

    قال: قل الله ثالث ثلاثة. فقالها. ثم أعطاه صليباً وعلقه على صدره، وقال له: الليلة تدخل بها، فلما صعد على سطح منزله قبل أن يحين عليه الليل وتأتي ساعة اللقاء زلَّت قدمه من فوق السطح، ثم وقع على رقبته فانكسرت ومات، وقد علق الصليب على صدره.

    نعوذ بالله من هذه الحال!

    1.   

    حرص السلف على غض البصر

    لذا كان للسلف في الحرص على غض البصر شأن عجيب:

    فقد خرج حسان بن أبي سنان في يوم عيد، فلما رجع قالت له امرأته: يا أبا سنان! كم من امرأة جميلة رأيتَ اليوم؟!

    قال: أعوذ بالله!

    قالت: كم من امرأة متزينة رأيتَ اليوم؟!

    فقال لها: يا امرأة! اسكتي عني، والله ما جاوز نظري موضع قدميَّ منذ أن خرجتُ إلى أن عُدتُ.

    وكان محمد بن واسع يأتي إلى صديق له، فإذا طرق عليه الباب خرجت الجارية، فكان يغمض عينيه ويقول: أين سيدكِ؟

    فتدخل تلك الجارية إلى سيدها، وتقول له: رجل يريدك على الباب.

    فيقول: من هو؟

    فتقول: هو صاحبك الأعمى الذي يأتيك في كل يوم.

    كانت تظنه أعمى من كثرة إغماضه لعينيه لئلا ينظر إليها.

    هؤلاء كانت لهم أبصار، وعندهم غرائز، ونفوسهم تشتهي الملذات؛ لكنهم يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:37].

    ومن تساهل بالنظرة الأولى ولم يسارع إلى علاج نفسه وقع في الداهية العظمى، وهي تعلق القلب، فإذا تمكن المحبوب من القلب بدأ المحب يستحسن كل ما يقع منه، وتعجبه حركاتُه، وتثيره ضحكاتُه، ويُفتن بابتسامته، ويأنس بمجالسته، بل ويُعْجَب منه بكل شيء، وإن كان قبيحاًَ.

    كما ذكروا أن رجلاً أحب امرأة سوداء، فلما تمكن حبها من قلبه صار كل سواد يذكِّره بها، فأحب كل شيء أسودَ، وكان يتغزل بها ويقول:

    أحب الكلاب السود من أجل حبهـا     ومن أجلها أحببتُ ما كان أسود

    ومن تساهل بالنظر أوقعه ذلك في أحد الخطرين:

    - إما في عشق النسوان.

    - أو في عشق الغلمان.

    فيصرفه ذلك عن طاعة الرحمن إلى وسوسة الشيطان.

    1.   

    قصيدة نبطية تبين أسباب الوقوع في العشق

    كما كتب إليَّ أحدهم رسالة يشرح فيها قصة وقوعه في العشق، وضمَّنها أبياتاً نظَمها بلهجته العامية، ولا بأس أن أسوق لكم شيئاً منها، يقول:

    بِسْمَ اللهَ الرحمنْ بابْدأْ كـلامي     واكْتُبْ على بيضِ الوَرقْ كِلْ ما اخفِيْتْ

    بعد اذْنُكمْ باشرَحْ حكايةْ غرامي     والعذر منكم إن كان بالهَرْجْ زَلِّيتْ

    يا شيخَنا واللهْ ما ادريْ عَـلامِ     حبيتْ ما ادريْ لِيْهْ يا شيخ حبيتْ

    لو ادري ان الحبّْ هَمّْ وهِيامِ     ما كان لا حبيتْ ولا تعنَّيتْ

    عَلَّقني بحُبِّه وزادِ اهتمامي     ودارتْ بِيْ الدنيا وقَصَّى وقَصِّيتْ

    واليومْ عُقْبِ الهَجِرْ عُفْتْ المنامِ     ما غير افكِّر فيه إذا اصبحتْ وامسيتْ

    وان جيتْ أبَى انسَى قِلْتْ: هذا حـرامِ     لا يمكن أنسى صحبتِه لو تِناسِيتْ

    يا اهل الهوى ما في المحبةْ مـلامِ     إما شقا والاَّ دموعْ وتِناهِيْتْ

    نعم. هي شقاءٌ ودموعٌ وتَنَاهِيت.

    ولا يزال الشيطان بهذا العاشق حتى يقع في الفاحشة عياذاً بالله.

    1.   

    عظم فاحشة الزنا

    وقد عظم الله هذه الفاحشة وقرنها بالشرك والقتل، فقال الله عزَّ وجلَّ: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] ثم ذكر الله عذاب من فعل ذلك يوم القيامة فقال عزَّ وجلَّ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:68-69] ثم دعاهم الكريم الرحيم إلى رحمته، فقال تعالى: إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً [الفرقان:70-71].

    ونفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني فقال كما في الصحيحين : (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن).

    وسبيل الزنا هو شر السبل، لذا قال عزَّ وجلَّ: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].

    وروى البخاري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه آتيان في المنام، فابتعثاه معهما، فاطَّلعَ على أنواع من عذاب العصاة، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال: فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور -والتنور هو نقْبٌ مثل الحفرة، يشعل فيه الخباز النار، ويطرح الخبز على جدرانها حتى ينضج- قال: فأتينا على مثل التنور، فإذا فيه لَغَط وأصوات، فاطَّلعنا فيه فإذا رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضَوْضَوا -أي: صاحوا-، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم فزع من حالهم، وسأل جبريل عنهم، فقال جبريل: هؤلاء هم الزناة والزواني).

    وفي رواية ابن خزيمة بإسناد صحيح: قال صلى الله عليه وسلم: (ثم انطُلِق بي، فإذا بقوم أشد شيء التصاقاً، وأنتنه ريحاً، كأن ريحهم المراحيض، قلتُ: من هؤلاء؟ فقال جبريل: هؤلاء الزانون والزواني).

    وذكر الهيثمي أنه مكتوب في الزبور: إن الزناة يعلَّقون بفروجهم في النار، ويُضربون عليها بسياط من حديد، فإذا استغاث أحدهم من الضرب نادته الملائكة وقالت: أين كان هذا الصوت وأنت تضحك وتفرح وتمرح ولا تراقب الله ولا تستحي منه؟!

    وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أصحابه فقال: (يا أمة محمد! والله لا أحد أغير من الله أن يزني عبدُه أو تزني أمَتُه، يا أمة محمد! والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً).

    نعم. كم من لذة ساعة أورثت حزناً عظيماً، وعذاباً أليماً! وليس ربهم والله بغافل عنهم: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80] فليس بعد مفسدة الشرك والقتل أعظم من مفسدة الزنا، ولو بلغ الرجلَ أن ابنتَه قُتِلَت لكان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زَنَت.

    فأُفٍّ للزنا! ما أقبح أثره! وأسوأ خبره! وكم من شهوة ذهبت لذتها، وبقيت حسرتها! وأول مَن يشهد على الزناة والزواني أعضاؤهم التي متَّعوها بالزنا؛ أرجلهم التي مشوا بها، وأيديهم التي لمسوا بها، وألسنتهم التي تكلموا بها، بل تشهد عليهم كل ذرة من جلودهم، وكل شعرة من شعراتهم، قال الله تعالى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:19-24] نعوذ بالله من هذه الحال!

    وفي الدنيا أمر الله بتغليظ العقوبة على الزاني والزانية وإن كانا شابين أعزبين، ونهى الله عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة، وأمر أن يكون الحد بمشهد من الناس، قال الله عزَّ وجلَّ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2].

    هذا غير عقوبات الدنيا التي تتتابع على الزاني:

    - كالفقر الذي ينزله الله به ولو بعد حين.

    - والبلاء والكرب المبين.

    - وضيق الصدر.

    - وتعسر الأمر.

    - هذا غير دعاء الصالحين عليه.

    فكم من يد في ظلمة الليل بُسطت تدعو عليه وعليها!

    وكم من جبهة بين يدي الله سجدت تستنزل العذاب عليه وعليها!

    وكم من عين دمعت ودعوةٍ رُفعت تستعدي رب العالمين على المفسدين!

    فكيف يتلذذ عاقل بمتعةٍ هذه عاقبتها، وشهوةٍ هذه نهايتها؟!

    تلكم أيها الشباب والفتيات عاقبة الزنا في الدنيا والآخرة.

    أما أول طريق الزنا فهو خطوة، ونظرة، وضحكة، وتبرُّج، وسفور.

    وبعض الفتيات إذا مشت في السوق أو في الشارع صارت كأنها بغي تدعو الناس إلى فعل الفاحشة بها!

    وإلا فبماذا تفسرون تبرُّجَ بعض الفتيات في عباءتها، وإخراجها كفيها، وقدميها، بل ووجهها أحياناً، وقد تخرج غير ذلك؟!

    وبماذا تفسرون وضعها للطيب وهي تمشي بين الرجال، فيشمون ريحها؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد والنسائي : (أيما امرأة استعطرت ثم مرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية).

    إضافة إلى تكسُّرها في مشيتها، وجرأتها في مخاطبة الرجال، والله تعالى يقول: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:32-33].

    وإنك لتعجب وتعجبين إذا علمتَ وعلمتِ أن قوله تعالى للمؤمنات: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31] معناه: أن لا تضرب المرأة برجلها الأرض بقوة وهي لابسة خلاخل في قدميها، حتى لا يسمع الرجال صوت الخلاخل، فيُفتنون!

    عجباً! إذا كان سماع الرجال صوت الخلاخل حراماً، فما بالك بمن تحادث شاباً لساعاتٍ طوال في الهاتف! أو ترفع صوتها بالضحكات والهمسات! وتنظم القصائد الشعرية! وتكتب الرسائل العاطفية؟!

    ومثل ذلك بعض الشباب الذين لا هم لهم إلا التزيُّن والتسكُّع في الأسواق، وهذا كله من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وقد توعد الله من فعل ذلك بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19].

    وهذا الوعيد في اللذين يحبون أن تشيع الفاحشة، فقط مجرد محبة، لهم عذاب أليم، فكيف بمن يعمل على إشاعتها! أو يقع فيها؟!

    بل قد تقع هذه العاشقة أو العاشق فيما هو أكبر من مجرد الشهوة، إذْ قد يفعلون ما يخل بالعقيدة، من التشبه بالكفار، والاحتفال بأعيادهم التي هي من مظاهر دينهم، أو الاحتفال بعيد الحب بأي صورة من الصور، كإرسال الهدايا، أو الرسائل العاطفية، أو غير ذلك، ولو رأينا مسلماً أو مسلمة قد علق صليباً على صدره، أو رسم على لباسه نجمة اليهود السداسية لأنكرنا عليه، وهذا لا يختلف كثيراً عمن يحتفل بعيد الحب الذي هو عيد القسيس فالن تاين ، إذْ كلاهما قد أحيا مظهراً من مظاهر الكفار.

    ومن ادعى أنه يكلم الفتيات أو ادعت أنها تكلم الشباب لمجرد الصداقة والتسلية فقد وقع في الحرام.

    قال تعالى في حق المؤمنات: مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ [النساء:25].

    وقال تعالى في حق المؤمنين: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة:5].

    والخِدْن هو: العشيق والعشيقة.

    نعم. هذا حال من يتساهلون بذلك.

    أما أهل العفاف الذين غضوا أبصارهم عن الحرام فليبشروا، فإن من حفظ لسانه وفرجه دخل الجنة، وبشر النبي صلى الله عليه وسلم النساء خاصة، فقال: (أيما امرأة اتقت ربها، وأحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها يوم القيامة: ادخلي من أي أبواب الجنة شئتِ).

    1.   

    مع العفة أخبار وأسرار

    وللعفيفين والعفيفات أقول: مع العفة أخبار وأسرار.

    فهم قوم عفوا عن المحرمات، فكشف الله عنهم الكربات، واستجاب لهم الدعوات.

    فيصيح أحدهم بالفتنة إذا عَرَضت له ويقول:

    والله لو قيل لي: تأتي بفـاحشةٍ     وأن عقباك دنيانا وما فيها

    لقلت: لا والذي أخشى عقوبته     ولا بأضعافها ما كنتُ آتيها

    فهؤلاء الصالحون والصالحات إذا دَعَوا ربهم عرفهم كما عرفوه، فاستجاب لهم.

    ولا يخفى عليكم حديث الثلاثة الذين قص النبي صلى الله عليه وسلم علينا خبرهم، (وأنهم ثلاثة نفر كانوا يمشون في وادٍ، فأصابهم مطر، فدخلوا في غار يستكنُّون من المطر، فاشتدت الريح، فانحدرت صخرة عظيمة من أعلى الجبل حتى سدت عليهم فم الغار، فإذا الغار الذي أُدْخِلوا فيه كالصندوق، فأغلق عليهم الغار، وبدءوا يصيحون ويستغيثون، فلا سامع لهم ولا مغيث، فالتفت بعضهم إلى بعض وقالوا: والله إنه لن ينجيكم مما أنتم فيه إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فرفع الأول يديه وقال: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها أعظم ما يحب الرجال النساء، فأردتُها على الزواج، فأبت عليَّ، ولا زالت نفسي متعلقة بها حتى ألمت بها سنة من السنين -أصابها فقر- فأقبلت إليَّ وقالت: يا فلان! أعطني مالاً، فقلتُ: لا والله حتى تمكنيني من نفسكِ، ففعلَتْ، فأعطيتها مائة دينار، فلما تمكنتُ منها قالت لي: يا فلان! اتقِ الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فتركتُها وهي أحب الناس إليَّ، وتركتُ المال لها، فاللهم إن كنتَ تعلم أني ما فعلتُ ذلك إلا ابتغاء وجهك، والتماس مرضاتك فافرج عنا ما نحن فيه، فتحرَّكت الصخرة عنهم).

    هنا تظهر العبودية لله، ويبرز الخوف من الله، فيعظُم قدر المرء عند ربه.

    وليبشر من عف عن المحرمات بظل عرش الرحمن يوم القيامة، فإن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله).

    وهذا ليس خاصاً بالرجال، بل حتى المرأة التي تُزَيَّن لها الفاحشة، فتتركها خوفاً من الله هي في ظل عرش الرحمن يوم القيامة.

    تعرضت امرأة لأحد الصالحين، فأخذت نفسُه توسوس له أن يقع في الفاحشة ثم يتوب، وكان أمامه سراج فيه فتيلة تشتعل، فقال: يا نفس! أدْخِلُ إصبعي في هذا السراج، فإن صبرتِ على حر النار مكنتُكِ مما تريدين، ثم وضع إصبعه على لهيب النار فاضطرب من حرها وسحب إصبعه، ثم قال: يا نفس! لم تصبري على حر هذه النار التي خُفِّفت سبعين مرة عن نار الآخرة، فكيف تصبرين على عذاب الله تعالى؟!

    فكم ذي معاصٍ نال منهن لذةً     فمات وخلَّاها وذاق الدواهيا

    تَصَرَّمُ لذاتُ المعاصي وتنقضي     وتبقى تِباعات المعاصي كما هِيا

    فيا سوءتا واللهُ راءٍ وسامعٌ     لعبدٍ بعين الله يغشى المعاصيا

    (ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه).

    ذكر الدمشقي في كتابه مطالع البدور عن أمير القاهرة في وقته شجاع الدين الشرزي قال: بينما أنا عند رجل في الصعيد، وهو شيخ كبير شديد السمرة، إذْ حضر أولاد له بيضٌ حسانٌ، فسألناه عنهم: كيف يكون هؤلاء بيضاً، وأنت شديد السمرة؟!

    فقال: هؤلاء أمهم إفرنجية، ولي معها قصة.

    فسألنها عنها.

    فقال: ذهبتُ إلى الشام وأنا شاب أثناء احتلال الصليبيين له، واستأجرتُ دكاناً أبيع فيه الكتان، فبينما أنا في دكاني إذْ أتتني امرأة إفرنجية زوجة أحد قادة الصليبيين، فرأيتُ من جمالها ما سحرني، فبعتُها، وسامحتُها في السعر، ثم انصرفَتْ، وعادت بعد أيام، فبعتُها وسامحتُها، فأخذتْ تتردد عليَّ، وأنا أتبسَّط معها، فعلمَتْ أني أعشقها، فلما بلغ الأمر مني مبلغه قلت للعجوز التي معها: قد تعلَّقَت نفسي بهذه المرأة، فكيف السبيل إليها؟!

    فقالت العجوز: هذه زوجة القائد فلان، ولو علم بك وبنا لقتلنا نحن الثلاثة.

    فما زلتُ بهذه العجوز حتى طلَبَت مني (50) ديناراً لتجيء بها إليَّ في بيتي، فاجتهدتُ حتى جمعتُ (50) ديناراً، وأعطيتها لها.

    وانتظرتُها تلك الليلة في الدار، فلما جاءت إليَّ أكلنا وشربنا.

    فلما مضى بعض الليل قلتُ في نفسي: أما تستحي من الله وأنت غريب وبين يدي الله وتعصي الله تعالى مع نصرانية؟! فرفعتُ بصري إلى السماء وقلتُ: اللهم إني أشهدك أني عففتُ عن هذه النصرانية حياءً منك وخوفاً من عقابك.

    ثم تنحيت عن موضعها إلى فراش آخر، فلما رأت ذلك قامت وهي غضبى ومضَت.

    وفي الصباح مضيتُ إلى دكاني، فلما كان الضحى مرَّت عليَّ المرأة وهي غضبى، ووالله لكأن وجهها القمر حين مرَّت، فلما رأيتها قلت في نفسي: ومَن أنت حتى تعف عن هذا الجمال؟! أأنت أبو بكر ؟! أم عمر ؟! أم أنت الجنيد العابد ؟! أم أنك الحسن الزاهد ؟! ثم بقيتُ أتحسر عليها، فلما جاوزتني لحقتُ بالعجوز، قلت لها: ارجعي بها إليَّ هذه الليلة، فأقسَمَت العجوز بالمسيح وقالت: ما تأتيك إلا بمائة دينار، قلت: نعم.

    فاجتهدتُ حتى جمعتُها، ثم أعطيتها إياها.

    فلما كان الليل وانتظرتها في الدار جاءت، فكأنها القمر أقبل عليَّ، فلما جلسَتْ حضرني الخوف من الله، وكيف أعصيه مع نصرانية كافرة، فتركتُها خوفاً من الله.

    وفي الصباح مضيتُ إلى دكاني وقلبي مشغولٌ بها، فلما كان الضحى مرَّت عليَّ المرأة وهي غضبى، فلما رأيتها لُمتُ نفسي على تركها، وبقيتُ أتحسَّر عليها، فسألتُ العجوز.

    فقالت: والله ما تفرح بها ولا تمسها إلا بخمسمائة دينار، أو تموتُ كمداً.

    قلتُ: نعم.

    وعزمت على بيع دكاني وبضاعتي لأعطيها الخمسمائة دينار.

    فبينما أنا على ذلك إذ منادي النصارى ينادي في السوق يقول: يا معشر من هاهنا من المسلمين: إن الهدنة التي بيننا وبينكم قد انقضت، وقد أمهَلْنا مَن ها هنا من التجار المسلمين أسبوعاً، فمن بقي بعده قتلناه.

    فجمعتُ ما بقي من متاعي، وخرجتُ من الشام وفي قلبي من الحسرة ما فيه.

    ثم أخذتُ أتاجر ببيع الجواري، عسى أن يذهب ما بقلبي من حب تلك المرأة، فمضى عليَّ في ذلك ثلاث سنين، ثم جرت وقعة حطين، واستعاد المسلمون بلاد الساحل.

    فطُلب مني جارية للملك الناصر، وكانت عندي جارية حسناء، فاشتروها مني بمائة دينار، فسلَّموني (90) ديناراً، وبقيت لي (10) دنانير، فقال الملك: امضوا به إلى البيت الذي فيه المسْبِيات من نساء الإفرنج فليختر منهن واحدة بالعشرة دنانير التي بقيت له.

    فلما فتحوا الدار رأيتُ صاحبَتِي الإفرنجية، فأخذتُها.

    فلما مضيتُ بها إلى بيتي قلت لها: أتعرفينني؟!

    قالت: لا.

    قلت: أنا صاحبك التاجر الذي أخذتِ منه (50) ديناراً، و(100) دينار، وقلتِ لي: لا تمسني إلا بخمسمائة دينار، فهأنذا أخذتك مِلْك يمين بعشرة دنانير.

    فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

    فأسلمَتْ وحسُنَ إسلامها، فتزوجتُها.

    فلم تلبث أن أرسلتْ أمُّها إليها بصندوق، فلما فتحناه، فإذا فيه الصرتان اللتان أعطيتها إياهما، في الأولى الخمسون ديناراً، وفي الأخرى المائة دينار، وفيه لباسها الذي كنتُ أراها فيه.

    فهي أم أولادي هؤلاء، وهي التي طبخت لكم هذا العشاء.

    نعم، (مَن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه).

    1.   

    أسباب العفة

    وهذه الطائفة لعفتهم أسباب:

    إجلال الجبار جل وعلا

    أقواها: إجلال الجبار جلَّ جلاله، ومراقبته في السر والعلن، والخوف منه تعالى :-

    فهو الذي وهبهم القوى، والأسماع، والأبصار .. والعبدُ قد يختفي عن الناس؛ ولكن أنَّى له أن يختفي من الله وهو معه، والمرأة العفيفة لا تهتك سترها، ولا تدنس عرضها، وإن كان في ذلك فقدان حياتها.

    ذكر الخطاب في كتابه عدالة السماء ، أنه كان بـبغداد قبل قرابة الأربعين سنة رجلٌ يعمل جزَّاراً -يبيع اللحم- وكان يذهب قبل الفجر إلى دكانه فيذبح الغنم، ثم يرجع إلى بيته، وبعد طلوع الشمس يفتح المحل ليبيع اللحم.

    وفي إحدى الليالي بعدما ذبح الغنم رجع في ظلمة الليل إلى بيته، وثيابُه ملطخة بالدماء، وفي أثناء الطريق سمع صيحة في أحد الأزقة المظلمة، فتوجه إليها مسرعاً، وفجأة سقط على جثة رجل قد طُعِن عدة طعنات، ودماؤه تسيل، والسكين مغروسة في جسده، فانتزع السكين، ثم أخذ يحاول حمل الرجل ومساعدته، والدماء تنزف على ثيابه؛ لكن الرجل مات بين يديه.

    فاجتمع الناس، فلما رأوا السكين في يده، والدماء على ثيابه، ورأوا الرجل وهو فَزِع خائف اتهموه بقتل الرجل، ثم حُكِم عليه فيما بعد بالقتل.

    فلما أُحْضِر إلى ساحة القصاص وأيقن بالموت صاح بالناس وقال: أيها الناس! أنا والله ما قتلتُ هذا الرجل؛ ولكني قتلتُ نفسَين أخرَيَين منذ (20) سنة، والآن يُقام عليَّ القصاص.

    ثم قال: قبل (20) سنة كنتُ شاباً فتياً أعمل على قارب أنقل الناس بين ضفتي النهر.

    وفي أحد الأيام جاءتني فتاة غنية مع أمها فنقلتُهما.

    ثم جاءتا في اليوم التالي، وركبتا في قاربي.

    ومع الأيام بدأ قلبي يتعلق بتلك الفتاة وهي كذلك تعلقت بي، فخطبتُها من أبيها؛ لكنه أبى أن يزوجني لفقري، ثم انقطَعَت عني بعدها، فلم أعد أراها ولا أرى أمها، وبقي قلبي معلقاً بتلك الفتاة.

    وبعد سنتين أو ثلاث كنتُ في قاربي أنتظر الركاب، فجاءتني امرأة مع طفلها، وطلَبَت أن أنقلها إلى الضفة الأخرى، فلما ركبت وتوسطنا النهر نظرتُ إليها فإذا هي صاحبتي الأولى التي فرَّق أبوها بيننا، ففرحتُ بلقياها، وبدأتُ أذكرها بسابق عهدنا، والحب والغرام؛ لكنها تكلمت بأدب، وأخبرتني أنها قد تزوجتْ، وأن هذا ولدها.

    فزين لي الشيطان الوقوع بها، فاقتربتُ منها فصاحت، وذكَّرتني بالله؛ لكني لم ألتفت إليها، بدأت المسكينة تدافعني بما تستطيع، وطفلها يصرخ بين يديها، فلما رأيتُ ذلك أخذتُ الطفل وقرَّبتُه من الماء، وقلتُ: إن لم تمكنيني من نفسكِ غرَّقتُه.

    فبكت، وتوسَّلَت؛ لكني ما التفتُ إليها، وأخذتُ أغمس رأس الطفل، فإذا أشفى على الهلاك أخرجتُه، وهي تنظر إليَّ وتبكي وتتوسل؛ لكنها لا تستجيب لي، فغمستُ رأس الطفل في الماء، وشدَّدتُ عليه الخناق وهي تنظر، وتغطي عينيها، والطفل تضطرب يداه ورجلاه، حتى خارت قواه وسكنت حركاته، فأخرجتُه، فإذا هو قد مات، فألقيتُ جثته في الماء، ثم أقبلتُ عليها فدفعتني بكل قوتها، وتقطَّعت من شدة البكاء، فسحبتُها بشعرها وقربتُها من الماء، وجعلتُ أغمس رأسها في الماء، وأخرجه، وهي تأبى عليَّ الفاحشة، فلما تَعِبَت يداي غمستُ رأسها في الماء فأخذت تنتفض وتنتفض حتى سكنت حركتُها وماتت، فألقيتُها في الماء، ثم رجعتُ، ولم يكتشف أحدٌ جريمتي.

    وسبحان مَن يمهل ولا يهمل!

    ثم قُطع رأسُه.

    فتأملوا في حال هذه الفتاة العفيفة التي يُقتل ولَدُها بين يديها، وتموت هي، ولا ترضى بهتك عرضها! أين هذه العفة اليوم من فتيات تبيع إحداهن عرضها بمكالمة هاتفية، أو هدية شيطانية، وتنساق وراء كلام معسول من فاسق، أو تنجرُّ وراء شبهة من منافق؟!

    الرغبة في الدار الآخرة

    ومن أسباب العفة: الرغبة في الدار الأخرى :-

    ففيها مُتَع عظيمة، والتفكر في الحور الحسان في دار القرار؛ فإن من صرف استمتاعه في هذه الدار إلى ما حرم الله عليه قد يمنعه ذلك من الاستمتاع هناك، قال صلى الله عليه وسلم: (من يلبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة)فلا يكاد يُجمَع للعبد بين لذائذ الدنيا المحرمة، ولذائذ الآخرة الدائمة.

    فمن تلذذ بشرب الخمر، ولبس الحرير، وتمتَّع بما حرم الله عليه من النساء والصبيان في الدنيا خُشِي عليه أن يُحرَم من مُتع الآخرة، ومن تعلقت نفسه بالجنة، وما أعد الله فيها من المُتَع هانت عليه متع الدنيا.

    وكذلك من اشتاقت نفسها إلى الجنة وما فيها من زيادة حسن وجمال لها لم تدنِّس عرضها في الدنيا.

    ويُكَمَّل الجمال ويُزَيَّن للمؤمنات في الجنة، فتكون المؤمنة في الجنة أكمل وأجمل!

    فإذا كان الله تعالى قد وصف الحور العين بما وصف وهن لم يقمن الليل، ولم يصمن النهار، فما بالك -أيتها المسلمة- بجمالكِ أنتِ، وحسنكِ، وبهائكِ، وأنت التي طالما خلوتِ بربك في ظلمة الليل، يسمع نجواكِ، ويجيب دعاءكِ، طالما تركتِ لأجله اللذات، وفارقتِ الشهوات؟! قال الله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:72].

    فعلِّق نفسكَ بجمالٍ آخر في الجنة، وعلِّقي نفسكِ به، واسمعي.

    واسمع صفات عرائس الجناتِ ثُمْـ     ـمَ اختر لنفسكَ يا أخا العرفانِ

    حور حسان قد كَمُلْن خلائقاً     ومحاسناً من أجمل النسوانِ

    كَمُلَت خلائقها وأُكْمِل حسنُها     كالبدر ليل الست بعد ثمانِ

    والشمسُ تجري في محاسن وجهها     والليلُ تحت ذوائب الأغصانِ

    حُمْرُ الخدود، ثغورهـن لآلئٌ     سودُ العيون، فواتر الأجفانِ

    والبرق يبدو حين يبسُم ثغرها     فيضيء سقف القصر بالجدرانِ

    ولقد رُوِينا أن برقاً ساطعاً     يبدو فيسأل عنه من بجنانِ

    فيقال هذا ضوء ثغرٍ ضـاحكٍ     في الجنة العليا فما تريانِ

    لله لاثِمُ ذلك الثغر الذي     في لثمه إدراكُ كل أمانِ

    قال يزيد الرقاشي: بلغني أن نوراً سطع في الجنة، حتى لم يبق موضع في الجنة إلا دخل من ذلك النور فيه.

    فقيل: ما هذا؟!

    فيقال: حوراء ضحكت في وجه زوجها.

    هذا جمال ثغرها، وتلك حلاوة بسمتها.

    والمعصمان فإن تشأ شبههمـا     بسبيكتين عليهما كفَّانِ

    كالزُّبْد ليناً في نعومة مـلمسٍ     أصداف دُرٍّ دُوِّرت بوِزانِ

    لا الحيض يغشاها، ولا بولٌ، ولا     شيءٌ من الآفات في النسوانِ

    وإذا يجامعها تعود كمـا أتت     بكراً بغير دم ولا نقصانِ

    أقدامها من فضة قـد ركِّبت     من فوقها ساقان ملتفانِ

    والريح مسكٌ، والجسوم نواعمٌ     واللون كالياقوت والمرجانِ

    وكلامهـا يسبي العقول بنغمةٍِ     زادت على الأوتار والعيدانِ

    بكرٌ فلم يأخذ بكارتَها سوى الـ     ـمحبوب من إنس ولا من جانِ

    يعطَى المجامع قوة المائة التي اجـ     ـتمعت لأقوى واحدِ الإنسانِ

    وأعفُّهم في هذه الدنيا هو الـ     أقوى هناك لزهده في الفاني

    فاجمع قواك لِمَا هناك، وغمِّض الـ     ـعينين واصبر ساعةً لزمانِ

    ما هاهنا والله مـا يسوى قلا     مة ظفر واحدة ترى بجنانِ

    لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن     تفعل رجعتَ بذلة وهوانِ

    وإذا بدت في حـلة من لبسها      وتمايلت كتمايل النشوانِ

    تهتز كالغصن الـرطيب وحمله     وردٌ وتفاحٌ على رمانِ

    وتبخترت في مشيهـا ويحق ذا     كَ لمثلها في جنة الحيوانِ

    ووصائفٌ مِن خلفِها وأمـامِها     وعلى شمائلها ومن أيمانِ

    كـالبدر ليلةَ تَمِّه قد حُفَّ في     غسق الدجى بكواكب الميزانِ

    فلسانه وفؤاده والطرف في     دَهَشٍ وإعجابٍ وفي سبحانِ

    فـالقلب قبل زفافها في عرسهِ     والعرس إثر العرس متصلانِ

    حتى إذا ما واجهته تقابلا     أرايتَ إذْ يتقابل القمرانِ

    فسل المتيم هل يحل الصبر عن     ضم وتقبيل وعن فَلَتانِ

    وسل المتيم أين خلف صبره؟!     في أي وادٍ أم بأي مكانِ

    وسـل المتيم كيف عيشتُه إذاً     وهما على فُُرُشَيهما خَلَوانِ

    وسل المتيم: كيف مجلسُه مع الـ     ـمحبوب في رَوح وفي ريحانِ

    وتدور كاسات الرحيق عليهما     بأكفِّ أقمارٍ مِن الوِلدانِ

    يتنازعان الكأس هذا مرة     والخود أخرى ثم يتكئانِ

    فيضمها وتضمه، أرأيتَ معـ     ـشوقين بعد البُعد يلتقيانِ

    غاب الرقيب وغاب كل منكِّدٍ     وهما بثوب الوَصل مشتملانِ

    أتراهما ضجرين من ذا العيش؟! لا     وحياةِ ربك ما هما ضجرانِ

    هذا حالهما، ولا يَمَل أحدُهما من الآخر أبداً.

    ويزيد كل منهما حباً لصا     حبه جديداً سائر الأزمانِ

    ووصاله يكسوه حباً بعده     متسلسلاً لا ينتهي بزمانِ

    فالوصل محفوفٌ بحب سـابق     وبِلاحِِقٍ وكلاهما صنوانِ

    هذا والله النعيم الحقيقي.

    أما نعيم الدنيا ومتعتُها، فمهما طالت فهي منقطعة.

    تفنى اللذاذة ممن نال صفوتهـا     من الحرام ويبقى الذل والعارُ

    تبقى عواقب سوء في مغبتهـا     لا خير في لذة من بعدها النارُ

    قال الله: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207].

    هذا هو النوع الأول من العاشقين والعاشقات، الذين تعلق كل جنس منهم بالجنس الآخر.

    أما النوع الثاني من العشاق: فهم من شذوا عن الفطرة، فعشق الشاب شاباً مثله، والفتاة فتاة مثلها، وهؤلاء أعظم شذوذاً، وأكثر ضلالاً.

    وقد ذكر الله خبرهم في القرآن، وأن لوطاً صاح بهم وقال: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ[الأعراف:80].

    وإذا وقعت هذه الفاحشة تكاد الأرض أن تميد من جوانبها، والجبال أن تزول عن أماكنها.

    ولم يجمع الله على أمة من العذاب ما جمع على قوم لوط، فإنه طمس أبصارهم، وسوَّد وجوههم، وأمر جبريل، فقلع قراهم من أصلها، ثم قلبها عليهم، ثم خسف بهم، ثم أمطر عليهم حجارة من سجيل، قال عزَّ من قائل: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ[هود:82] جعلهم آية للعالمين، وموعظة للمتقين، ونكالاً للمجرمين: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ[الحجر:75] أخذهم على غرة وهم نائمون: فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[الحجر:84] ذهبت اللذات، وأعقبت الحسرات، وانقضت الشهوات، تمتعوا قليلاً، وعُذِّبوا طويلاً، وأعقبهم عذاباً أليماً، ندموا والله يوم لا ينفع الندم، وبكوا بدل الدموع الدم.

    فلو رأيتهم والنار تشوي وجوههم وتخرج من أفواههم وأنوفهم وهم بين أطباق الجحيم يشربون كئوس الحميم، ويقال لهم وهم على وجوههم يُسْحبون: ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ[الزمر:24].. اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[الطور:16] .. وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ[هود:83].

    نعم. هذا هو حال هؤلاء الفساق.

    وبعض الشباب قد يتساهل بمثل ذلك، بل قد يظهر منه ما يدل على استدعائه لذلك، فكم نرى من الشباب المائعين في حركاتهم، وضحكاتهم، بل وأسلوب الكلام، وطريقة المشي، إضافة إلى لبس الملابس الضيقة، أو الثوب الضيق المخصَّر، أو استعمال العطورات المتنوعة، أو الاعتناء الزائد بالمظهر وقصة الشعر؟! كم نرى من هؤلاء الشباب في هذه المظاهر في بعض المدارس وفي الشوارع وفي بعض الكليات؟! فلماذا يفعل الشاب ذلك؟! لماذا يفعل ذلك؟!

    أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه فيما رواه الترمذي أنه قال: (إن أخوف ما أخاف على أمتي: عمل قوم لوط).

    وصح فيما رواه ابن حبان : (لعن الله مَن عَمِل عَمَل قوم لوط! لعن الله مَن عَمِل عَمَل قوم لوط! لعن الله مَن عَمِل عَمَل قوم لوط).

    وصح في مسند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (مَن وجدتموه يعمل عَمَل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به).

    أما الصحابة فكانوا يحرِّقون اللوطية بالنار.

    وقال ابن عباس : [اللوطي إذا مات من غير توبة مُسِخ في قبره خنزيراً].

    فمن كان قد أسرف على نفسه ووقع في شيء من ذلك فليسارع إلى التوبة والاستغفار والإنابة إلى العزيز الغفار، فإن الله تعالى يفرح بتوبة التائبين إليه.

    والتوبة أمرها يسير، ولا يلزم مِمَن وقع في الفاحشة أن يسلِّم نفسه ليُقام الحد عليه، بل يتوب بينه وبين ربه، ويستتر بستر الله.

    وإن كانت الفتاة قد وقع لها تصوير أو تسجيل تهدد به، فلا يمنعها ذلك من التوبة، بل تستعين بثقةٍ من أهل العلم والدين، ولا تستجيب للتهديد والوعيد، بل حتى لو وقعت الفضيحة فإن خزي الدنيا أهون من خزي الآخرة.

    هذه هي أنواع المحبة.

    ولا ننسى أقواماً من المحبين سَمَت نفوسهم عن التعلق بمحبة الخلق إلى التعلق بمحبة الخالق جلَّ جلاله، يحبهم ربهم ويحبونه، فهو أحب إليهم من أهلهم وأموالهم وأنفسهم، فلطالما تملقوا إليه في الأسحار، وبكوا من خشيته في النهار، واشتاقوا إلى رؤيته، وتقطعت قلوبهم من عِظَم محبته!

    هؤلاء الصالحون لهم شهوات، نعم. لهم شهوات، وفيهم غرائز؛ لكنها سَمَت وارتفعت عن المعاصي، قال محمد بن سيرين : [ما غشيتُ امرأة في يقظة ولا في منام غير أم عبد الله

    ، وإني أرى المرأة في المنام فتعجبني فأذكر أنها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها].

    فكن من هؤلاء القوم تفلح، وإنما الدنيا ساعة، فاجعلها طاعة.

    1.   

    علاج داء العشق

    وختاماً: أيها العاشقون والعاشقات! ما هو العلاج من هذا الداء؟!

    العلاج سهل ميسور؛ لكنه يحتاج إلى جزم وإصرار.

    غض البصر

    أول العلاج: أن تعلم أنه لا اختيار لك في إطلاق بصرك :-

    نعم، لا اختيار لك، هل تنظر أم لا تنظر! بل يجب عليك أن تصرف بصرك فوراً، فالله يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، وإطلاق البصر باب من أبواب النار.

    مجاهدة النفس، وتذكر مساوئ المحبوب

    ثانياً: مجاهدة النفس بترك هذا الفعل المحرم، وصرف النفس عن التفكير فيه، وأن تتذكر ما يبغِّضك في هذا المعشوق :-

    قال عبد الله بن مسعود : [إذا أعجبت أحدَكم امرأة فليتذكر مَناتِنَها] يعني: يتذكر رائحة الفم الكريهة، والغائط، والبول، ويتذكر قيئها الذي يملأ فمها، ومخاطها الذي يقذِّر أنفها، ويتخيل حالها لو أصابها جدري أو جذام، واعلم أن الشيطان يزين لك المعشوق وإن كان قبيحاً.

    ذُكر أن أحد الشعراء كان فاسقاً ماجناً، فكان إذا أراد أن يفعل بامرأة فاحشة دعاها إلى نفسه، فإن أبت هدَّدها بأن ينشئ فيها شعراً يهجوها به، تسير به الركبان.

    فدعا يوماً امرأة إلى فاحشة، فأبت عليه، فلما هدَّدها بذلك أظهرت له الموافقة وقالت له: أنا آتيك في مكان كذا وكذا؛ لكني امرأة أستحي، فلا تشعلن سراجاً ولا تحدثني.

    قال: نعم.

    فلما أقبل الليل وذهب الرجل إلى ذلك المكان ذهبت هذه المرأة إلى زوجة هذا الشاعر وأخبرتها بالقصة وقالت: اذهبي أنتِ إليه، فذهبت زوجتُه إليه، ثم دخلت عليه في هذه الدار المظلمة، ثم لما انتهى من وطئها قالت له: يا فلان! أما عرفتني؟! أنا فلانة.

    فقال لها: أعوذ بالله! ما أقبحكِ في الحلال! وألَذَّك في الحرام!

    وذكر ابن الجوزي في المواعظ أن شاباً فقيراً كان بائعاً يتجول في الطرقات.

    فمر ذات يوم ببيت، فأطلت امرأة وسألته عن بضاعته، فأخبرها، فطلبت منه أن يدخل لترى البضاعة.

    فلما دخل أغلقت الباب، ثم دعته إلى الفاحشة، فصاح بها.

    قالت له: والله إن لم تفعل ما أريده منك صرختُ، فيحضر الناس، فأقول لهم: هذا الشاب اقتحم عليَّ داري، فما ينتظرك بعدها إلا القتل أو السجن.

    فخوَّفها بالله، فلم تنزجر.

    فلما رأى ذلك منها، قال لها: أريد الخلاء.

    قالت: نعم.

    فلما دخل إلى الخلاء في بيتها أقبل على الصندوق الذي يُجمع فيه الغائط، وجعل يأخذ منه غائطاً ويُلقي على ثيابه ويديه وجسده، ثم خرج إليها.

    فلما رأته صاحت، وألقت في وجهه بضاعته وطردته من البيت.

    فمضى يمشي في الطريق، والصبيان يصيحون وراءه: مجنون! مجنون! حتى وصل بيتَه، فأزال عنه النجاسة واغتسل، فلم يزل يُشَم منه رائحة المسك حتى مات.

    الإقبال على الله، ومحبة الصالحين

    ثالثاً: من العلاج: الإقبال على الله تعالى، ومصاحبة الصالحين، وتقوية العلاقة بالله بالإكثار من قراءة القرآن، والمحافظة على صلاة الوتر، وحضور مجالس الذكر :-

    وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها).

    الابتعاد عن كل ما يذكر بالمعصية

    رابعاً: من العلاج: الابتعاد عما يذكرك بهذه المعاصي :-

    فلا تجالس أهلها، فإن كان عندك صور تذكرك بتلك المعاصي أتلفها، وأحرق كل ما لديك من رسائل وأشرطة.

    الابتعاد عن أماكن الاختلاط

    خامساً: من العلاج: الابتعاد عن الأماكن التي يختلط فيها الرجال بالنساء :-

    سواءً في الأسواق، أو الجامعات، أو غير ذلك، ولا تكن ممن يبيع دينه بعَرَض من الدنيا.

    الابتعاد عن المثيرات

    سادساً: من العلاج: الابتعاد عن المثيرات :-

    من الأفلام، والصور الفاتنة، والقصص، والروايات، التي تذكرك بالعشق والغرام.

    إدامة ذكر الله في جميع الأحوال

    سابعاً: من العلاج: إدامة ذكر الله على جميع الأحوال :-

    في الصباح، والمساء، وعند النوم.

    مفارقة بلاد المحبوب

    ثامناً: من العلاج: مفارقة بلاد المحبوب، والسفر إلى بلد آخر :-

    فإن البعيد عن العين بعيدٌ عن القلب، وإن كان المحبوب زميلاً في مدرسة، أو كلية، أو وظيفة فابحث عن مكان آخر: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2].

    ملء أوقات الفراغ بالنافع المفيد

    تاسعاً: من العلاج: ملء وقت الفراغ بالنافع المفيد.

    الزواج

    عاشراً: من العلاج: الزواج :-

    فإنه الطريق الشرعي لحماية الفطرة، ونشر الفضيلة، ولا تقل: لا أريد إلا فلانة، فإن النبي صلى الله عليه وسـلم قال: (إذا أعجبتْ أحدَكم امرأةٌ فليأتِ أهله فإن معها مثل الذي معها).

    وأنبِّه هنا إلى أن تقصير أحد الزوجين في حق الآخر، وعدم مشاركته في عواطفه يجعله يبحث عن بديل، فيبدأ الرجل يتطلع إلى من يفرِّغ فيه عواطفه، وتبدأ المرأة تميل مع كل من يتلطف معها، أو يلين لها الكلام.

    استعمال الطب في العلاج

    عاشراً: لا بأس من استعمال الطب في العلاج من الزنا أو من اللواط خاصة.

    فابدأ حياة جديدة من هذه الساعة قبل أن تقوم قيامتك، وجهنم قد سُعِّرَت، والأغلال قد نُصِبَت، والزبانية قد أُعِدَّت، وأنت تبكي وتقول: كيف كنتُ أتتبع الشهوات؟! وأواقع الملذات؟! قد غرني فيما مضى شبابي! وجمال سيارتي وثيابي! وقد عَظُمت كربتُك، وذهبت قوتُك!

    آهٍ إذا زلت يوم القيامة القدم، وارتفع البكاء، وطال الندم!

    والله لو علمتَ ما وراءك     لما ضحكت ولأكثرت البكاء!

    قد حفت الجنة بالمكارهِ     والنار بالذي النفوس تشتهي

    وإن عملتَ سيئاً فاستغفرِ     وتب إلى الله بداراً يغفرِ

    وبادرنْ بالتوبة النصوحِ     قبل احتضارٍ وانتزاعِ الروحِ

    أسأل الله تعالى أن يخلص محبتنا له وفيه عزَّ وجلَّ، وأن يعيذنا جميعاً من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل حبنا له سبحانه فوق كل حب، وطاعتنا له فوق كل طاعة، وأن يجعلنا ممن يتبعون الحق إذا تبين لهم.

    آمين.

    هذا والله تعالى أعلم.

    وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755828746