إسلام ويب

يوم القيامةللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قبل أن يذكر الشيخ حفظه الله مشاهد يوم القيامة ذكر عقيدة التوحيد في عيسى عليه السلام وما وقع من الاختلاف فيه، ثم تحدث عن يوم القيامة، وإنذار الله تعالى وتحذيره منه، وزلزاله وما يقع فيه من حسرة، مذكراً بالنفخ في الصور، وفناء الخلق وبعثهم، وحالهم يوم العرض على الله، ومبيناً وجوب الاستعداد لذلك بمحاسبة النفس قبل أن تحاسب.

    1.   

    عيسى عليه السلام وتوحيده لله

    الحمد لله المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه، ذلك بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير.

    حمداً لك يا من اعترف بفضلك وكرمك ونعمك كل حاضرٍ وباد.

    حمداً لك يا من اغترف من بحر جودك وكرمك وإحسانك كل رائحٍ وغاد.

    حمداً لك يا من نطقت بوحدانيتك جميع الكائنات، فالسماء دائماً وأبداً تقول: سبحان من رفعني بقدرته، وأمسكني بقوته، فهو ركني وعمادي، والأرض دائماً وأبداً تقول: سبحان من وسع كل شيء علماً ومهد مهادي، والبحار دائماً تقول: سبحان من بمشيئته وقدرته وإرادته أجراني، وأسال عيون مائي لقصادي وورادي، والعارف به يقول: سبحان من دلني عليه، وجعل إليه مرجعي ومعادي، والمذنب يقول: سبحان من اطلع علي في المعصية ورآني، فلما رآني سترني وغطاني، ولما تبت إليه تاب علي وهداني.

    أحمدك يا ربي وأستعينك وأستغفرك وأستهديك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، جل ثناؤك، وعظم جاهك، ولا إله غيرك.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الواحد الذي لا ضد له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، وهو القوي الذي لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو جبار السماوات والأرض، لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه، إنما قوله لشيءٍ إذا أراده أن يقول له: كن فيكون.

    وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا ومعلمنا وقدوتنا وأستاذنا محمداً رسول الله، اللهم صلَّ وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله، صلاةً وسلاماً يليقان بمقامك يا أمير الأنبياء! ويا سيد المرسلين! وأشهد لك يا سيدي ويشهد معي الموحدون أنك قد أديت الأمانة، وبلغت الرسالة، ونصحت الأمة، وكشف الله بك الغمة، وعبدت ربك يا سيدي حتى لبيت داعيه، وجاهدت في سبيل ربك حتى أجبت مناديه، وعشت طوال أيامك ولياليك تمشي على شوك الأسا، وتخطو على جمر الكيد والعنت، تلتمس الطريق لهداية الضالين، وإرشاد الحائرين، حتى علمت الجاهل، وقومت المعوج، وأمنت الخائف، وطمأنت القلق، ونشرت أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فصلى الله وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله، وجزاك الله عنا خير ما جزى الله نبياً عن أمته، ورسولاً عن قومه.

    أما بعد:

    فيا أيها الأحباب: تعالوا بنا لنطوف سوياً في روضة القرآن الكريم ومع اللقاء الثاني عشر على التوالي، ما زلنا نطوف مع حضراتكم في بستان سورة مريم، وبفضلٍ من الله وبحوله ومدده وطوله وقوته أنهينا الحديث في اللقاء الماضي عن قصة عيسى وعن قصة مريم عليهما السلام، وكانت هذه النهاية عن رفع عيسى وعن نزوله بين يدي الساعة كعلامة من علامات الساعة الكبرى، وقلنا بأن اليهود والنصارى قالوا: بأن عيسى قُتل وصلب، ولكننا رددنا عليهم بما رد عليهم به ربنا جل وعلى فقال: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157].

    ونحن اليوم أيها الأحباب على موعدٍ مع قول الله جل وعلا بعد أن أقر عيسى لله بالوحدانية وأقر لنفسه بالنبوة والرسالة، فقال على نبينا وعليه الصلاة والسلام: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً مريم:30-33] قال الله بعدها: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [مريم:34-35] وقال عيسى: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [مريم:36] ثم قال الله جل وعلا: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ * أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:37-40] نحن اليوم على موعدٍ مع هذه الآيات المباركات من كتاب رب الأرض والسماوات، فانتبهوا معي جيداً أيها الموحدون.

    اختلاف النصارى في عيسى عليه السلام

    فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ [مريم:37] بعد أن بين الله حقيقة عيسى اختلف الأحزاب أي: اختلف أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فقال اليهود في عيسى: إن عيسى ولد زنا -والعياذ بالله- واختلف النصارى في عيسى على ثلاثة طوائف:

    قالت الطائفة الأولى: إن عيسى هو الله نزل من السماء إلى الأرض فأحيا من أحيا، وأمات من أمات، ثم صعد مرةً ثانيةً إلى السماء، وهذه هي الطائفة التي تسمى بـاليعقوبية.

    الطائفة الثانية قالت: بأن عيسى ابن الله، وهذه الطائفة تسمى بـالنسطورية.

    الطائفة الثالثة قالت: إن عيسى ثالث ثلاثة، فالله إله وعيسى إله ومريم إله، وهذه الطائفة تسمى بـالمنسية .

    وهناك طائفة رابعة ولكنها تختلف تماماً عن هذه الطوائف كلها، قالت: إن عيسى هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء وروحٌ من الله، وهذه الطائفة هم الموحدون من أمة إمام الموحدين وسيد الأولين والآخرين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذه هي الطائفة التي قالت بالحق وعرفت الحق فقالت بأن الله واحدٌ لا شريك له، واحدٌ في ذاته، وصفاته، وأفعاله، لا يشبهه شيء، منزه عن كل نقصٍ، ومنزهٌ عن كل عيب، لا تدركه العقول، ولا تكيفه الأفهام، فكلما دار ببالك فالله بخلاف ذلك: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] الذي قال ذلك هم الموحدون من أمة إمام الموحدين سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

    تهديد الله لكل من افترى عليه الكذب

    فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ [مريم:37] في عيسى كلمة الله، وعبد الله، ورسول الله فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [مريم:37] تهديدٌ ووعيدٌ شديد من الله العزيز الحميد لكل من افترى على الله الكذب، لكل من زعم أن لله ولداً، والله جل وعلا يقول عن نفسه: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:3-4].. فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [مريم:37] من مشهد يوم القيامة.

    1.   

    إنذار الله تعالى وتحذيره من يوم القيامة

    وبعد هذه الآيات ينذر الله تبارك وتعالى، ويحذر ويبين حال المشركين والكفار في يومٍ تشخص فيه الأبصار، وافتقارهم إلى رحمة العزيز الغفار، فيقول جل وعلا: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [مريم:38] تعجب من حدة سمعهم وحدة بصرهم في يوم القيامة، فسوف يبصرون ما يسود وجوههم، وسوف يشاهدون ما يخلع قلوبهم: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ [مريم:38] يسمعون كل شيء، وينظرون كل شيء، وصدق الله إذ يقول: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12] كلا، هيهات هيهات، إنهم يسمعون كل شيء ويبصرون كل شيء، ولكن قد انقضى كل شيء.. لا عودة قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ * كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-101] كلمة لا يسمعها الله، كلمة لا يجيبها الله، بل يأتيه جواب في وجهه كالقنبلة: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [المؤمنون:101] لا يسمعها الله ولا يجيبها الله: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:101].

    أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا [مريم:38] أي يوم القيامة لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ [مريم:38] أي: في الدنيا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [مريم:38] لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13] إذا قيل لهم: آمنوا، قولوا لا إله إلا الله، وحدوا الله حق توحيده، واعبدوا الله حق عبادته، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13].

    من مشاهد يوم القيامة

    أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [مريم:38] لكن الظالمون في حياتهم الدنيا في ضلال، لا يسمعون ولا يبصرون، ولا يعقلون، ولا يعرفون حقاً، ولا يعرفون طريقاً مستقيماً، أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [مريم:38].

    ثم بعد ذلك -انتبهوا معي جيداً- يأتي الإنذار العام، فيقول الله جل وعلا: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ[مريم:39] أنذر الناس جميعاً يا محمد، أنذر الخلائق جميعاً يا رسول الله؛ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم:39] يوم القيامة وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39].

    ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم والإمام أحمد في مسنده ، وابن ماجة في سننه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ورواية البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت على صورة كبشٍ أملح فيوقف بين الجنة والنار، ثم ينادى: يا أهل الجنة! فيشرئبون وينظرون، ثم يُقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقول أهل الجنة: نعم. إنه الموت، ثم ينادى على أهل النار: يا أهل النار! هل تعرفون هذا؟ فيقول أهل النار: نعم. إنه الموت، فيأمر الله جل وعلا أن يُذبح الموت في صورة هذا الكبش، ثم ينادى ويقال: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار خلودٌ فلا موت ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قول الله جل وعلا: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39] ثم أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده وقال: إن أهل الدنيا في غفلة) نعم والله يا رسول الله إن أهل الدنيا في غفلة.

    وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39] يوم الحسرة يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يوم الصيحة، يوم الحاقة، يوم القارعة، يوم الزلزلة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم ترجف الأرض والجبال، يوم تسير الجبال، يوم تكون الجبال كالعهن المنفوش يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6].. يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] يوم الطامة، يوم الصاخة.

    وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم:39] يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48] .. يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104] وأنذرهم يا محمد يوم الحسرة، يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، هذا اليوم الذي تنقلب فيه كل الموازين، وتتغير وتتبدل فيه كل القوانين يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48] تُغير هذه الأرض، وتُبدل هذه الأرض، الجبال ينسفها ربي نسفاً.

    زلازل الدنيا عظة وعبرة

    سبحان الله العظيم، يأبى الله جل وعلا إلا أن يظهر الحق ويزهق الباطل، ما أحداث زلزال أرمينيا منكم ببعيد، ما الذي حدث وما الذي جرى في ثوانٍ قليلة معدودة، في لحظاتٍ قليلة بدل الله الأرض غير الأرض، دمر الله الحضارات، ودمر الله المدنيات، ودمر الله الكفرة والمشركين، في ثوانٍ ثلاث دمر الله مدينة بأسرها، وحطم الله حضارةً بعينها، بنوها في مئات السنين، بل في آلاف السنين، وفي ثوانٍ قليلة أمر الله الذي لا راد لأمره ولا معقب لحكمه فدمر هذه المدنيات، ودمر هذه الحضارات بزلزالٍ قليل، بزلزالٍ بسيط لم يتجاوز الثواني الثلاث دمر الله المدنيات، وحطم الله الحضارات، فأين كانت أجهزة الإنذار المبكر عند الشيوعيين؟ أين كانت قوتهم؟ أين كان جبروتهم؟ أين كان طغيانهم الذي صبوه على رءوس إخواننا من الموحدين في أفغانستان؟ أين كانت هذه القوة وأين كان هذا الجبروت؟ وأين كان هذا الظلم؟ أين كانت الأجهزة؟ إن الله الذي أمر لا راد لأمره: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40] دمر الله المدنية، ودمر الله الحضارة بهذا الزلزال البسيط الضعيف.

    وأعجبتني عبارة عجباً كثيراً لصاحب ظلال القرآن الشيخ سيد قطب عليه رحمة الله وقدس الله روحه بقدر ما أعطى للقرآن من معانيه، قال صاحب ظلال القرآن: وإن هذه الزلازل وتلك البراكين التي تدمر المدنيات، وتحطم الحضارات، إنها إلى جوار زلزلة يوم القيامة كتسليات أطفال، هذا الزلزال الذي دمر وحطم وأباد الناس إنما هي تسليات أطفال إلى جوار هول وزلزلة يوم القيامة، فتعالوا بنا أيها الأحباب لنرى ماذا قال الله عن يوم الحسرة.

    تصوير الله ليوم الحسرة

    وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ [مريم:39]ماذا قال الله جل وعلا عن ذلك اليوم؟ ماذا قال الله جل وعلا عن يوم الحسرة، والقيامة، والندامة، عن يومٍ يعض الظالم فيه على يديه ويقول: يا ليتني وحدت الله حق توحيده، ويا ليتني عبدت الله حق عبادته، ماذا قال الله جل وعلا؟

    يقول سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2].

    بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [التكوير:1-14].

    بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ * يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار:1-19].

    بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:1-6].

    بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:1-8].

    وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم:39] يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يوم الزلزلة، وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ [مريم:39]، إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1] ذهب ضياؤها وضاع نورها.

    وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [التكوير:2] أي: تناثرت من عقدها الفريد، ونظامها البديع.

    وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ [التكوير:3].. وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً [طـه:105] فتكون كالعهن المنفوش.

    وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ [التكوير:4] والعشار هي النوق الحبالى في شهرها العاشر أغلى ما يملكه العربي، ولكنه يوم في القيامة لا يلتفت إليها ولا يهتم بها لأنه قد حل به ما يشغله عنها.

    وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [التكوير:5] المفترس مع الأليف.

    وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6] تفجرت بالنيران.

    وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ [التكوير:7-11].. يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48].

    وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ [التكوير:12] .. يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30].

    وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ [التكوير:13] أي: قربت للموحدين، للمؤمنين، للمخلصين، للمتقين، للمسلمين.

    عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [التكوير:14] وفي آية أخرى: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [الانفطار:5] هذا هو اليوم الذي ينقلب فيه كل مسئول، هذا هو اليوم الذي ينقلب فيه كل معهود، هذا هو اليوم الذي سيفنى فيه كل موجود يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48] هذه مرحلة من مراحل هذا اليوم، مرحلة كلها فزع، مرحلةٌ كلها رعب، قال الله جل وعلا عنها: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل:87] ثم ماذا عن هذا اليوم؟ ثم ماذا عن يوم الحسرة والندامة؟

    ثم ماذا عن قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم:39] يأمر الله جل وعلا إسرافيل أن ينفخ في الصور لماذا؟ ليموت كل حيٍ على ظهر هذه الأرض، ليموت كل حيٍ في السماوات وفي الأرض إلا من شاء الله جل وعلا، فإذا ما أمر الله تبارك وتعالى إسرافيل بالنفخ في الصور: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68] مات كل مخلوقٍ بعد هذه النفخة، مات كل حيٍ بعد هذه النفخة، ويأتي ملك الموت إلى الملك ويدور بين الله جل وعلا وبين ملك الموت هذا الحوار:

    يقول ربنا تبارك وتعالى لملك الموت: يا ملك الموت! من بقي؟ وهو أعلم سبحانه وتعالى!

    فيقول ملك الموت: يا رب! بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقي جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وحملة العرش.

    فيقول ربنا جل وعلا: ليمت جبريل وميكائيل، وهنا ينطق العرش ويقول: جبريل وميكائيل فيهتف الحق جل وعلا وينادي على عرشه ويقول: اسكت فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي، ليمت جبريل ويمت ميكائيل فيموتان.

    ويأتي ملك الموت إلى الملك فيقول ربنا لملك الموت: يا ملك الموت! من بقي؟

    فيقول ملك الموت والله أعلم بمن بقي: يا رب! قد مات جبريل وميكائيل وبقي إسرافيل وبقي حملة العرش وبقيت أنا، أما أنت فأنت حيٌ لا تموت.

    فيقول الملك: يا ملك الموت! ليمت إسرافيل لام الأمر.. ولام العظمة.. ولام الإرادة.. ولام الذل والقهر إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40] ليمت إسرافيل فيأمر الله العرش أن يلتقم الصور.

    فيقول الله جل وعلا لملك الموت: من بقي؟ وهو أعلم، فيقول: بقيتَ أنت الحي الذي لا يموت، وبقيتُ أنا وبقي حملة العرش، وعرش الرحمن غير محتاج إلى الحملة الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طـه:5] استوى كما أخبر وعلى الوجه الذي أراد، وبالمعنى الذي قال، استواءً منزه عن الحلول والانتقاص، فلا العرش يحمله، ولا الكرسي يسنده، بل العرش وحملته، والكرسي وعظمته، الكل محمولٌ بلطف قدرته، مقهورٌ بجلال قبضته، فالاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعةٌ، ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ؛ لأنه تعالى كان ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان، لا يحويه زمان، ولا يحده مكان، علم ما كان وما هو كائن وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40].

    فيقول الله لملك الموت: ليمت حملة العرش، فيموت حملة العرش ويبقى ملك الموت.

    وهنا يقول الملك: يا ملك الموت! من بقي وهو أعلم. فيقول: يا رب ما بقي إلا عبدك الذليل الضعيف الماثل بين يديك ملك الموت، فيقول الله جل وعلا لملك الموت: يا ملك الموت! وأنت خلقٌ من خلقي، خلقتك لما ترى، فمت يا ملك الموت، مات جبريل ومات إسرافيل، ومات ميكائيل، ومات حملة العرش، ومات ملك الموت.

    إذاً: من الباقي؟

    الله..

    وهنا لم يبق إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، كان آخراً كما كان أولاً، هو الآن الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيءٍ عليم، وهنا يُقضى على المتكبرين، ويلجأ المتكبرون في وسط هذا الذهول، وفي وسط هذا السكون ينطلق صوت الجليل، يسأل صاحب الصوت ويجيب، لأنه يومئذٍ في هذا الكون لا سائل غيره ولا مجيب إلا هو، يسأل الله ويجيب الله، وينادي الحق جل وعلا، يهتف الخالق بصوته في وسط هذا السكون، وفي وسط هذا الذهول، كما ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد ومسلم : (يهتف الملك جل وعلا وينادي بصوته ويقول: أنا الجبار، أنا الجبار، أنا الجبار، أنا الملك، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الحكيم، وبعدها يسأل المولى جل وعلا سؤالاً ويجيب على ذاته ويقول: لمن الملك اليوم؟! لمن الملك اليوم؟! لمن الملك اليوم؟! الملك اليوم لله) لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16].

    يا ظالم! يا فاسق! يا فاجر! يا آكل الربا! يا آكل مال اليتيم! يا تارك الصلاة! يا تارك الصيام! يا تارك الزكاة! يا من حاربت شرع الله! يا من قلت بأن اللحية عفن! ويا من قلت بأن النقاب رجعية! يا من حاربتم العلماء! يا من حاربتم الدعاة! أين الملوك وأبناء الملوك؟! أين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟! أين الذين كانوا يأكلون خيري ويعبدون غيري؟! لمن الملك اليوم؟!

    الملك اليوم لله الواحد القهار، مات جبريل، وإسرافيل، وميكائيل، وملك الموت، وحملة العرش، إذاً: لم ولن يبقى إلا الله، مات كل حيٍ على ظهر هذه الأرض.

    1.   

    أيها الإنسان! إنك إلى ربك راجع فاستعد

    إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] وصدق الله إذ يقول: كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:26-30].

    بسم الله الرحمن الرحيم أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ * فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:81-96].

    أيا من يدعي الفهـم     إلى كم يا أخا الوهم

    تعب الذنب والذم     وتخطي الخطأ الجم

    أما بان لك العيـب     أما أنذرك الشيب

    وما في نصحه ريـب     ولا سمعك قد صم

    أما نادى بك المـوت     أما أسمعك الصوت

    أما تخشى من الفوت     فتحتاط وتهتم

    فكم تسدر في السهو     وتختال من الزهو

    وتنصب إلى اللهـو     كأن الموت ما عم

    كأني بك تنحط     إلى اللحد وتنغط

    وقد أسلمك الرهـط     إلى أضيق من سم

    هناك الجسم مـمدود     ليستأكله الدود

    إلى أن ينخر العود     ويمسي العظم قد رم

    فزود نفسك الخير     ودع ما يعقب الضير

    وهيئ مركب السيـر     وخف من لجة اليم

    بذا أوصيك يا صـاح     وقد بحتت كمن باح

    فطوبى لفتـى راح     بآداب محمد يأتم

    كل بـاكٍ فسيبكـى     كل ناعٍ فسينعى

    وكل مذكورٍ سينسى     وكل مذخورٍ سيفنى

    ليس غير الله يبقى     من علا فالله أعلى

    يا ظالم حاكماً كنت أو محكوماً، يا فاسق! يا فاجر! يا من حاربت الله! يا من بارزت شرع الله! يا من استعبت اللحية بأنها عفن! ويا من اتهمت النقاب بأنه رجعية وتخلف! ستموت والله ستموت، والله لو دام الكرسي لغيرك ما وصلَ إليك، والله لو دامت الدنيا لغيرك ما وصلت إليك، والله ستلقى الله يوماً؛ فأعد للسؤال جواباً، أعد للعرض على محكمة الله بياناً، ثم ماذا؟

    يقول الملك: لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار، لا ملك اليوم إلا لله، ولا ملك قبل ذلك اليوم إلا لله، فالملك في الدنيا وفي الآخرة لصاحب الملك، الملك اليوم لله الواحد القهار.

    ثم ماذا عن قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39]؟ مات الجميع، بعد ذلك يأتي الأمر من الله جل وعلا إلى إسرافيل أن يحيى، وأن يحيى ميكائيل، وجبريل، وملك الموت، وحملة العرش، يحيي الله هذه الملائكة، ويقبض الله جل وعلا الأرواح، وأرواح المؤمنين لها ضياء، وأرواح الكافرين والمشركين لها ظلمة، ويقبضها رب العزة بيمينه جل وعلا، ويقذفها رب العزة في الصور، ويأمر الله إسرافيل أن ينفخ فلما ينفخ إسرافيل في الصور تخرج الأرواح تملأ ما بين السماء والأرض لها دويٍ كدوي النحل، فيقول الحق جل وعلا: وعزتي وجلالي لترجعن كل روحٍ إلى جسدها، فتدخل الأرواح إلى الأجساد وتسري في الأجساد كما يسري السم في جسد اللديغ، وتبدأ الأجسام بالتكامل والبناء، وتنشق الأرض عن الناس، وأول من تنشق عنه الأرض سيد الناس، فيخرج الناس من القبور حفاةً عراةً غرلاً.

    1.   

    حال الناس يوم العرض على الله

    يا من ملأت بطنك بالمال الحرام! ويا من لبست على جسدك من اللباس الحرام! ستخرج من قبرك يوم القيامة حافياً عرياناً، (يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلاً) كما قالت عائشة والحديث في البخاري ومسلم، فقالت: (يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر كلٌ منهم إلى الآخر قال: يا عائشة إن الأمر أكبر من أن يهمهم ذلك) وفي رواية الإمام النسائي قالت عائشة : (الرجال مع النساء يا رسول الله! فكيف بالعورات؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لكل امرئ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه).. فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:33-37].

    فيقف الناس يبكون بالدموع حتى تنقطع الدموع، فيبكون دماً ينتظرون، وفجأة يرون أهل السماء من الملائكة ينزلون ليقفوا معهم في أرض المحشر، في الأرض التي أعدها الله للحساب، أرضٌ غير هذه الأرض.. يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48].. يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104] ينـزل أهل السماء الأولى بضعفي من في الأرض، ثم الثانية، فالثالثة، فالرابعة، فالخامسة، فالسادسة، فالسابعة على قدر ذلك من التضعيف، فلما ينظر الناس إلى أهل السماء الأولى من الملائكة، مخلوقات عجيبة، مخلوقات جديدة تراها لأول مرة، فيقول الناس للملائكة: أفيكم ربنا؟ فتقول الملائكة: سبحانه! كلا. وهو آت، آتٍ إتياناً يليق بكماله وجلاله، فكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك.

    ثم تنـزل حملة العرش بكرسي الملك حيث شاء الله، وحيث أراد الله، يتنزلون ولهم تسبيح وتحميد، يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان من كتب الفناء على خلقه ولا يموت، قدوسٌ قدوسٌ قدوس، رب الملائكة والروح.

    ويتنزل الملك.. ويستوي الملك على كرسيه استواءً لا تدركه العقول ولا تكيفه الأفهام.. وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طـه:108] لا ينطق مخلوق، ولا يجرأ على الكلام أحد، إنما هو همس فقط وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طـه:108] وفجأة يشق هذا السكون، وهذا الذهول، وهذا الموقف صوت الملك ينادي على الخلائق من الإنس والجن ويقول: يا معشر الإنس والجن! لقد أنصت إليكم كثيراً في الدنيا فأنصتوا اليوم إلي، لا ينطق أحد، لا يتكلمون لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً [النبأ:38].

    يا معشر الجن والإنس! لقد أنصت إليكم كثيراً في الدنيا فأنصتوا اليوم إلي، ثم ينادي الحق بعدها ويقول: (إنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) ويأمر الله جهنم فتُخرج عنقاً أسود مظلماً، وينادي الحق جل وعلا قائلاً: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [يس:60-64].

    وفي واحة هذا الموقف فجأة: أين فلان ابن فلان، أين فلان ابن فلان ؟! من؟! هذا هو اسمي؟! هل أنا صاحب هذا النداء..؟! هل أنا صاحب هذا الدعاء..؟! ماذا تريدون؟!

    أقبل إلى عرش الواحد الديان.

    فتتخطى الصفوف.. صفوف الإنس والجن والملائكة، تتخطى هذه الصفوف، وفجأة ترى نفسك واقفاً أمام محكمة أحكم الحاكمين، تلكم المحكمة التي لا تقبل رشوة، ولا محسوبية، ولا محاماة، ولا تقبل الاستئناف للأحكام؛ لأن قاضيها هو الواحد الديان، عنوانها: لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:17] فتُعطى صحيفتك، هذه الصحيفة التي لا تغادر بلية كتمتها، ولا مخبأةً أسررتها، فكم من معصية قد كنت نسيتها ذكرك الله إياها، وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها أظهرها الله لك وأبداها، فيا حسرة قلبك في وقتها على ما فرطت من طاعة ربك، فإن كنت من السعداء الفالحين أخذت كتابك باليمين، وإن كنت من الأشقياء الهالكين أخذت كتابك بغير اليمين والعياذ بالله، وصدق الله إذ يقول: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ [الحاقة:19-33].

    وصدق الله إذ قال: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم:39] وهل هناك حسرة أبشع وأشد من هذه الحسرة؟

    أسأل الله تبارك وتعالى أن ينجينا وإياكم من هول هذا اليوم، وأن يجعلنا وإياكم ممن يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:18].

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

    1.   

    حقيقة لاشك فيها وعظة عليك أن تصغي إليها

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله، صلاةً وسلاماً يليقان بمقامك يا أمير الأنبياء! ويا سيد المرسلين!

    وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم:39] فهذا الذي سمعتموه قليلٌ من كثير عن يوم الحسرة: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ [مريم:39] أصبح أهل الجنة في الجنة، وأصبح أهل النار في النار، وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39] وبعدها قال الله الحقيقة التي لا تقبل هراءً ولا جدالاً ولا مناقشة: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:40] إنا: عظمة؛ لأن صاحب العظمة والكبرياء هو الله: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:40] فذكر نفسك وقل لها:

    يا نفس قد أزف الرحيل     وأظلك الخطب الجليلُ

    فتأهبي يا نفس لا     يلعب بك الأمل الطويلُ

    فلتنزلن بمنـزلٍ     ينسى الخليل به الخليلُ

    وليركبن عليك فيـه     من الثرى ثقلٌ ثقيلُ

    قرن الفناء بنا فما     يبقى العزيز ولا الذليلُ

    كل شيءٌ هالكٌ إلا وجهه كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27] .. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [العنكبوت:57] .. إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:39-40].

    لا تقنطوا من رحمة الله

    فاستعدوا أيها الأحباب للقاء الله جل وعلا، ولكن لست مقنطاً ولست مثبطاً، وإنما فلتفرحوا برحمة الله لكل من قال: لا إله إلا الله، أبشروا بسعة رحمة الله لكل موحدٍ أعلن التوحيد لله، يقول رب العزة: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

    ويقول ربنا في الحديث القدسي الجليل: (إني والإنس والجن لفي نبأٍ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليَّ صاعد، أتحبب إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أحوج شيءٍ إلي، أهل ذكري هم أهل مجالستي، فمن أراد أن يجالسني فليذكرني، وأهل طاعتي هم أهل محبتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، فإن تابوا إليَّ فأنا حبيبهم، وإن أقبل واحدٌ منهم إليَّ تائباً تلقيته من بعيد، وإن أعرض عني واحد منهم عاصياً ناديته من قريب قائلاً له: إلى أين تذهب؟ ألك ربٌ غيري؟ الحسنة عندي بعشر أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وقد أعفو، وعزتي وجلالي وإن استغفروني غفرتها لهم).

    قال إبليس لرب العزة: (وعزتك وجلالك لأضلنهم ما دامت أرواحهم في أبدانهم، فقال أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين لإبليس: وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما داموا يستغفرونني) فتوبوا إلى الله أيها الأحباب، وارجعوا إلى الله، من كان لا يصلي فليصل، من كانت سافرة متبرجة أو لبست حجاب الفتنة وحجاب التبرج فلتتقي الله ربها، ولترجع إلى الله عز وجل، من كان يحارب الإسلام فليتب إلى الله، من عادى العلماء ومن عادى الدعاة فليتق الله، وليعلم أنه موقوفٌ بين يدي الله جل وعلا، ومن جلس بيننا واندس بيننا ليثير بيننا الفتنة نسأل الله عز وجل له أن يشرح صدره، وأن يأخذ بيديه من الظلمات إلى النور.

    دعوة للمحاسبة

    فيا أيها الأحباب! اعلموا أنكم ستعرضون على الله فرداً فرداً، وستُسألون عن كل شيءٍ حرفاً حرفاً، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وأعدوا للسؤال جواباً قبل أن تُسألوا أمام من يعلم السر وأخفى.

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واستر لنا عيوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم لا تدع لأحدٍ منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، وانصر بفضلك كلمتي الحق والدين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وألف بين قلوب الإخوة يا رب العالمين، ووحد صفوف المسلمين، اللهم نق قلوبنا من الحقد والغل والحسد، اللهم نق قلوبنا من الغل والحقد والحسد، ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوفٌ رحيم.

    اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع الفتن عن أمتنا، وارفع الغلاء عن بلادنا، وارفع الغلاء عن شعوبنا، اللهم اجعل مصرنا بلد الأمن والأمان، اللهم اجعل مصرنا بلد الأمن والأمان، اللهم اجعل مصرنا بلد الأمن والأمان، اللهم جنبه الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم جنب مصرنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، ووفق ولاة أموره للعمل بكتابك، ووفق ولاة أموره للعمل بكتابك، والاقتداء بشرع نبيك صلى الله عليه وسلم.

    عباد الله أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755824530