إسلام ويب

عقيدة أهل السنة والجماعةللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ في هذا الدرس عن أسئلة مهمة، وقد أفرد هذا الدرس للإجابة عن بعضها، فكان السؤال الأول عن عقيدة أهل السنة والجماعة فأجاب مبيناً مجمل عقيدتهم، وأن منها: وحدة الأمة، ووجوب الاعتصام بالوحيين على فهم السلف، وذكر أركان الإيمان، وعقيدتهم تجاه الصحابة، وولاة الأمر ... ثم أجاب عن أسئلة حول: الضوابط والآداب لخروج المرأة المسلمة من بيتها، والتعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعقوبة تارك الصلاة ... وغيرها.

    1.   

    مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    أيها الأحبة في الله: أولاً: أعتذر للإخوة الطلبة الذين يستعدون لأداء امتحانات الفصل الدراسي الأول من هذا العام، لوقوع المحاضرة في هذا الوقت المحرج، الذي هم فيه أحوج إلى الساعة أو الدقيقة لصرفها في الاستعداد للامتحان، ولكني أرجو الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل في هذه الساعة التي يقضونها في طلب العلم عوناً لهم، وفتحاً في قلوبهم، وتهيئة لفهمهم على تلك العلوم التي ينتظرونها إن شاء الله؛ لأن التقوى من أعظم وسائل التوفيق في هذه الحياة، يقول الله عز وجل: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً [الأنفال:29].

    فأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يفتح على إخواننا الطلاب مغاليق العلوم، وأن يوفقهم ويعينهم على أداء امتحاناتهم، وأن يكلل مساعيهم بالنجاح، إنه على كل شيء قدير.

    الأمر الثاني: في نهاية كل درس من الدروس الماضية كانت ترد مجموعة من الأسئلة، ولا نتمكن من الإجابة عليها لضيق الوقت، ووعدت الإخوة بأن نجيب عليها في إحدى الحلقات، وكان من المناسب أن تكون الإجابات في هذه الليلة إن شاء الله، خصوصاً الأسئلة ذات الصيغة العامة التي تنفع العموم، وليست مختصة بقضية شخصية، ومن أهمها وهي التي دفعتني إلى تخصيص حلقة للإجابة على هذه الأسئلة، سؤال مهم جاءني من بعض طلبة العلم الذين يجلسون في مجالس العلم ويتابعون المحاضرات والدروس، وأقرأ عليكم السؤال:

    السؤال يقول: نحن طلبة علم نحرص على حضور المحاضرات وسماع الخطب ومتابعة الدروس، ونسمع عن الفرقة الناجية وعن أهل السنة والجماعة، وعن معتقد أهل السنة والجماعة، وعن أصول أهل السنة والجماعة، ولكنا نسمع هذا ولا نعرف شيئاً عنه، وإذا رجعنا إلى الكتب لم نجد فرصاً أو كتباً تعالج هذا الموضوع بشيء من الاختصار دون الإطالة، ونسمع عن الجماعات الإسلامية التي تعمل في الساحة، وأن كل جماعة تدّعي أنها هي الفرقة الناجية ، وأنهم هم أهل السنة والجماعة ، فهل من بيانٍ يكشف هذا اللبس، وهل من توضيحٍ لهذا الموضوع؟

    الجواب: هذا السؤال -أيها الإخوة- مهم؛ لأن عدم الإدراك والإلمام به؛ قد يؤدي إلى وقوع الشاب وهو متدين وملتزم في الفرق الضالة وهو لا يدري، بينما هو يحب أن يسير في رضا الله، وأن يحقق طاعة الله، لكن إذا لم يعرف هذه الأصول والمعتقدات، معتقد أهل السنة والجماعة، معتقد الفرقة الناجية، ربما يقع بجهله وبعدم علمه وباندفاعه إلى الوقوع في الفرق الضالة وهو لا يدري، فقد يكون خارجياً أو قدرياً أو مرجئاً أو رافضياً وهو لا يدري.

    إذاً من هم أهل السنة والجماعة؟ ومن هم أهل الفرقة الناجية ؟ وما أصولهم؟ وما معتقدهم؟

    هناك شيءٌ مهم جداً ينبغي أن يعرفه الشاب حتى يسير على نور وهدىً وبصيرة، ولقد رجعت في بحث هذا الموضوع إلى كلام العلماء، واستطعت أن أخرج بزبدة الموضوع بشكل مختصر من غير إطالة، بما يكفي ويستوعبه طالب العلم؛ لأن طالب العلم المبتدئ لا يريد أن يُكثر عليه في المسائل، وإنما يكفيه من المسائل رءوس الأقلام التي تحفظ له عقيدته وتنور بصيرته ويستقيم بها على مذهب أهل الحق، مذهب أهل السنة والجماعة ، مذهب الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.

    الالتزام بالوحدة العامة وفق الوحيين

    أولاً: أمة الإسلام أمة واحدة، وربها واحد، ودينها واحد، ونبيها واحد، وكتابها واحد، يقول الله عز وجل: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92] والمسمّي لهذه الأمّة بأمة الإسلام هو الله عز وجل: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78] فلا مسمَّى لهذه الأمّة غير هذا الاسم، ولا داعي للعاملين في ساحات الإسلام من أن يرفعوا لوحات أو شعارات بغير مسمّى الإسلام؛ لأن الانتماء إلى أي مسمّى والالتفاف حول أي شعار يلزم منه الولاء له وترك الولاء لغيره، وبالتالي تتشتت الأمّة وتتفرق، وإذا تفرقت فشلت؛ لأن الله قد أمرنا بالاعتصام وبأن نكون مجتمعين، يقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَق تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [آل عمران:102-103] ويقول أيضاً: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] ويقول: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159].

    فلا سبيل -أيها الإخوة- إلى نصرة الإسلام عن طريق التشتت والتشرذم والتفرق، لا بد من الاجتماع على الحق، وما دامت هذه الجماعات تدّعي أنها كلها على مذهب أهل السنّة والجماعة فلمَ الفرقة ولمَ الخلاف؟ ولمَ التنازع؟ ولمَ الشتائم والسباب؟ ولمَ التفسيق والتبديع؟ ولمَ التجهيل؟

    إن هذا كله من كيد الشيطان، ما دامت أمتنا واحدة، وربنا واحد، وكتابنا واحد، ومنهجنا واحد، وطريقنا واحد، فيجب أن نسير في هذا الخط، أما إن اختلفت الأساليب فقط، يعني: أنا أدعو إلى الله على منهج أهل السنّة والجماعة بأسلوب أرى أنه هو الذي ينفع الناس، ويأتي رجل آخر فيدعو إلى الله على مذهب أهل السنّة والجماعة لكن يرى أن أسلوبه هو أفضل من أسلوبي، ليعمل هو بأسلوبه وأعمل أنا بأسلوبي وذاك يعمل بأسلوبه، وفي النهاية نلتقي كلنا عند نقطة واحدة وهي: نصرة هذا الدين، فلا بأس في ذلك، أما أن أختلف معه في الرأي وفي الأسلوب، فيأخذ من الاختلاف في الأسلوب ذريعة إلى الاختلاف في المنهج والطريق، فهذا شر لا ينبغي أن يقع.

    أهل السنّة والجماعة هم الفرقة الناجية التي قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) هذا هو المنهج، فإذن جميع الفرق التي تنتمي إلى الإسلام، وتقول: إنها تعمل للإسلام، إن لم تكن على مثلما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فإنها في النار.

    حسناً! كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان أصحابه؟

    هاهو المنهج أمامنا: كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولقد شرع الله عز وجل للأمة وأمرها بالاعتصام، وشرَّع لها من العبادات ما يدعوها إلى الاعتصام، وما يؤهلها إلى الاجتماع، فما الصلوات الخمس، والجمعة، والحج، والعيدين؛ إلا طريقٌ من الطرق التي يهيئها الله عز وجل للاجتماع حتى لا تتفرق هذه الأمّة.

    وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بخبر الافتراق وتحقق، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، قال: (... وستفترق هذه الأمّة ...) وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فافترقت الأمّة في أواخر عهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، بينما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ما كانت هناك فرق أبداً، وفي عهد أبي بكر الصديق وعمر وعثمان ما كانت هناك فرق، وإنما كان كلهم معتصمين بالكتاب والسنّة، أما في عهد علي فقد بدأت الفتن تخرج أعناقها، وبدأت الصراعات تحصد، وخرجت فرقة اسمها الرافضة، وجاءت أخرى كردة فعل للرافضة اسمها الخوارج، فـالرافضة تُؤَلِّهُ علياً، والخوارج تكفر علياً، فكانت ردة فعل!

    ثم جاءت الفرق من بعدهم، فجاءت القدرية، والمعتزلة، والأشعرية، كل هذه الفرق ضلت عن منهج الحق وعن منهج الكتاب والسنّة، وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وازداد هذا التفرق، فكلما بعدت الأمّة عن القرون المفضلة -قرن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والقرن الثاني، والثالث- كلما ازدادت الأمة تفرقاً، وتوسعت زاوية الانفراج والبعد عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن هدي أصحابه رضوان الله عليهم؛ وكثرت النحل وتعددت الملل، وكثرت المذاهب الباطلة.

    ولكن بقيت الفرقة الناجية والطائفة المنصورة المتمسكة بالإسلام الصحيح تدعو إلى الله، ولا تزال ولن تزال بحمد الله مستمرة صادقة حتى يأتي وعد الله عز وجل.

    هذه الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة، وهم الذين على الكتاب والسنّة، على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتتميز هذه الفرقة بميزة غير موجودة في جميع الفرق، وهو الذي جعلنا نجزم بأنها هي الفرقة الناجية ، هذه الميزة هي: الاعتصام بالكتاب والسنّة وبالاجتماع وعدم التفرق، هذه ميزتهم: أنهم يقفون عند النص، فإذا سمعوا: قال الله! صدروا عنه، فإذا لم يجدوا في كتاب الله رجعوا إلى السنّة: قال رسول الله، فأخذوا بها، فإذا لم يجدوا من السنّة نظروا فيما قال السلف، ثم ما أجمعت عليه الأمّة وأخذوا به.

    هؤلاء الذين يأخذون أحكام الله من هذه المصادر ويقفون عندها، هم أهل السنة والجماعة ، بخلاف الفرق والملل والنحل الأخرى الذين يقدمون الآراء على كتاب الله، فإن وافق القرآن معتقدهم أخذوا به، وإن عارضه أَوَّلُوْه، وإن وافقت السنّة معتقدهم أخذوا بها، وإن خالفته أبطلوها، وقالوا: هذه أحاديث غير صحيحة، وهي صحيحة لكنها تخالف ما يعتقدون.

    إذن الذي يرجعون إليه ليس الكتاب ولا السنّة، وإنما ملتهم.. نحلتهم.. فرقتهم.. مذهبهم.. إذاً ليسوا هم الفرقة الناجية، فالفرقة الناجية هي من تقف عند كلام الله وعند سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند التطبيق المثالي الصحيح للكتاب والسنّة، وهم: الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اعتقاد أهل السنة في أركان الإيمان الستة

    وهذه الفرقة فرقة أهل السنة والجماعة لها ثوابت ومعتقدات وأصول يسيرون عليها، ويدعون إليها في العقيدة والعبادة والسلوك، وكلها مدعَّمة ومُدللٌ عليها من كتاب الله، ومن سنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، وهذه الأصول يمكن جمعها فيما يلي، وسوف أذكرها لكم باختصار إن شاء الله:

    الإيمان بالله وترسيخ توحيد الربوبية

    أولاً: الإيمان بالله. هذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة ، ويقتضي الإقرار بأنواع التوحيد الثلاثة:

    توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

    توحيد الربوبية: هو توحيد الله بفعله، وفعله مثل: الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، والضر والنفع، والخفض والرفع، والبسط والمنع، كل هذه من أفعال الله، فهو الذي يحيي ويميت، ويخلق ويرزق، ويرفع ويخفض، ويعز ويذل، هذه كلها من أفعال الله، ينبغي لك أيها الموحد! أن توحد الله بها فلا تشرك معه أحداً، فلا تعتقد أن أحداً يرزق غير الله أو مع الله، أو أن أحداً يخلق غير الله أو مع الله، أو أن أحداً يضر أو ينفع غير الله، أو أن أحداً يحيي أو يميت غير الله، بل له الأمر وله الخلق، وهذا كله اسمه: توحيد الربوبية، وهذا التوحيد لا يكفي وحده، فقد أقر به الكفار، ومع هذا قوتلوا ولم يدخلوا في الإسلام، يقول الله عز وجل عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] يقول الله عن الكفار المشركين: لو سألتهم: من خلق السماوات والأرض؟ لقالوا: الله، ولكن هل نفعهم هذا؟ لا. لا ينفع وحده. حتى يُعتبر الإنسان موحداً، لا بد أن يقر بالأنواع الثلاثة.

    الإيمان بالله وترسيخ توحيد الألوهية

    الثاني: توحيد الألوهية وهو: توحيد الله بفعلك أنت، فكما وحَدَّته بفعله توحده بفعلك، ما هو فعلك؟ العبادة، فلا تجعل مع الله في عبادتك شريكاً، فتصرف جميع أنواع العبادة منك إلى الله، وإذا صرفت منها شيئاً لغير الله فهذا هو الشرك، مثل الدعاء، والدعاء نوع من العبادة، بل هو العبادة، يقول الله عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر:60] أي: عن دعائي، فسمّى الله الدعاء عبادة، وقال عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] .. وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجـن:18] فالدعاء يجب أن يصرف منك -أيها العبد- لله: فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18] فلا يُصرف لنبي، ولا لولي، ولا لإنس، ولا لجن، ولا لأحد؛ لأن الدعاء إذا صرفته لغير الله أشركت، حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا تدعُه، بعض الناس يقول: مدداً يا نبي! وهذا هو الشرك الأكبر، لا تقل ذلك. بل قل: مدد يا ألله؛ لأنك تدعو النبي والنبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن ينفعك أو يعطيك أو يمنعك، بل لا يعلم شيئاً بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه، إلا أن الملائكة تبلغه السلام فقط.

    أما ما تحدثه الأمّة من بعده فهو لا يعلم عنه شيئاً، ولهذا جاء في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أقوام من أمّته يذادون عن الحوض، فتقول الملائكة: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ ... [المائدة:117] سحقاً سحقاً وبعداً بعداً لمن غير وبدل)

    فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن ينفعك الآن إذا قلت: مدداً يا نبي! وكذلك لا يجوز دعاء الأولياء أصحاب الأضرحة والقبور، كما يُصنع في بعض البلدان، يأتي الرجل أو المرأة إلى صاحب القبر يدعوه من دون الله، يدعونه دعاءً لا يُصرف إلا لله، يقول الرجل منهم: (يا سيد العارفين! العارف لا يُعرّف، والشكوى على أهل البصيرة عيب، أنت تعرف ما في قلبي، وتعرف غرضي؛ أعطني غرضي). من الذي يعرف ما في قلبك إلا الله، هذا هو الشرك الأكبر، فلا تصرف الدعاء إلا لله، والذبح إلا لله قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي ... [الأنعام:162] والنسك يعني: الذبح وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] فلا تذبح لغير الله: لا لقبر، ولا لولي، ولا لجن، ولا لأي غرض، فإنك إن ذبحت لغير الله أشركت، ولا يدخل في هذا ذبيحتك في بيتك لضيوفك، حتى لا يأتي بعض الناس فيقول: أنا لن أذبح للضيف؛ لأن الذبح لغير الله شرك، لا. اذبح للضيف فإنه لله، لماذا؟ لأنك تقول: باسم الله والله أكبر.

    أما الذبح لغير الله؛ فهو أن تذبح عند القبر ولا تسمي الله، أو تسمي باسم القبر أو باسم الولي، أما إذا ذبحت لله وذكرت اسم الله وكان الغرض من هذه الذبيحة إكرام ضيفك، أو الذبح لأهلك حتى تأكل في بيتك، فهذه لله إن شاء الله.

    كذلك النذر، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والاستعانة، والاستغاثة، والاستعاذة، كل هذه من أنواع العبادة فلا تصرف منها شيئاً إلا لله، وإذا صرفت -أيها العبد- منها شيئاً لغير الله؛ فهذا هو الشرك الأكبر المخرج للإنسان من الملة.

    هذا هو التوحيد الثاني واسمه توحيد الألوهية، وهو: توحيد الله بأفعال العبد.

    الإيمان بالله وترسيخ الاعتقاد في الأسماء والصفات

    الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهذا هو التوحيد الذي ضلت فيه أكثر الأمّة، من أهل الكلام من الأشاعرة والمعتزلة والجهمية والقرامطة فقد ضلوا في هذا الباب؛ لأنهم دخلوا بعقولهم الصغيرة، وبأفئدتهم وألبابهم المحدودة في هذا المجال المقفل الذي لا يدخله إلا من عنده دليل من كتاب وسنّة، فعطلوا صفات الله، بل بعض غلاة الجهمية سلبوا عن الله النقيضين، حتى قالوا: ( إن الله لا موجود ولا معدوم ) وقالوا: إن أثبتنا لله الوجود شبهناه بالموجودات، وإن قلنا: إنه معدوم شبهناه بالمعدومات، فوصفوه بالممتنعات، لأن الذي ليس معدوماً ولا موجوداً هو الممتنع، فهربوا من شيء ليقعوا في شر منه.

    أهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل جميع الأسماء والصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تشبيه ولا تعطيل، بل يؤمنون بأن الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] هذا معتقد أهل السنة والجماعة .

    بينما أثبت الأشاعرة لله سبع صفات فقط: العلم، والسمع، والقدرة، والإرادة، والحياة، والكلام، سبع صفات فقط، والباقي نفوها عن الله، لماذا؟ قالوا: إذا أثبتناها شبهنا. حسناً! كيف يكون محذوراً في الباقي، ولا يكون محذوراً في السبع التي أثبتموها، فإما أن تنفوا أو أن تثبتوا كل شيء.

    وجاءت المعتزلة لتنفي عن الله الصفات كلها وأثبتوا الأسماء، فقط، يقولون: إن الله عليم لكن بلا علم، يقولون: هذه الأسماء مثل اسم سعيد، لا يعني أنك سعيد؟ أو اسم محمود، لا يعني أنك محمود؟ أو اسم علي، لا يعني أنك علي، فهذه الأسماء فقط لا تدل على معاني، فيقولون: إن الله عليم بلا علم، وسميع بلا سمع، وحكيم بلا حكمة.

    لا إله إلا الله!! كيف هذا؟

    قالوا: إذا أثبتنا الصفة لزم من إثبات الصفة التشبيه بالمخلوق، فنحن ننفي الصفة عن الله حتى لا نشبه الله بالمخلوقين.

    ومن قال لكم: إن صفة الله مثل صفة المخلوقين؟!

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة التدمرية : كما أن لله ذاتاً تختلف عن ذوات المخلوقين، فإن لله صفات تختلف عن صفات المخلوقين، ولذا السؤال عن الصفة بدعة وضلالة:

    لا تقل كيف استوى كيف النزول     أنت لا تعرف من أنت ولا كيف تبول

    جاء رجل إلى الإمام مالك فقال له: كيف الاستواء؟ قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

    وسأل آخر ربيعة فقال: كيف الاستواء؟ قال ربيعة : كيف الله؟ قال: ما أدري، قال ربيعة : وأنا لا أدري كيف صفته.

    فلا نعرف ذاته ولا نعرف صفته، ولكن نؤمن بها على حقيقتها دون توقف، بل نؤمن بجميع الصفات ونثبتها لله كما أثبتها لنفسه، وكما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم. هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وفيه مخرج مما ضلت فيه الأمم والفرق الضالة الذين نفوا عن الله الصفات.

    وهناك فرق ضالة نفت عن الله الاسم والصفة وهم الجهمية، قالوا: إن الله عز وجل لا اسم له ولا صفة، وغلاة الجهمية نفوا عن الله كما ذكرت لكم النقيضين وقالوا: ( إن الله لا موجود ولا معدوم ) فشبهوه بالممتنعات: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4] وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. هذا هو الإيمان بالله وتوحيده، هذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة.

    الإيمان بالملائكة

    ومن أصول أهل السنة والجماعة : الإيمان بالملائكة، والتصديق بوجودهم، وأن الله عز وجل خلقهم لعبادته، وأنهم موكلون ببعض الوظائف.

    فنؤمن بهم على الإجمال والتفصيل، فعلى الإجمال: نؤمن بأنهم من جنود الله: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح:4].. وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31] أما على التفصيل فنعرف بعضهم وبعض وظائفهم، فنعرف جبرائيل وأنه أمين الوحي، ونعرف ميكائيل وأنه ملك الغيث الموكل بإنزال الغيث، ونعرف إسرافيل وأنه نافخ الصور، ونعرف مالكاً وأنه خازن النيران، ونعرف رضوان وأنه خازن الجنان، ونعرف رقيباً وعتيداً الموكلان بكتابة الحسنات والسيئات، وغير ذلك ممن وردت بهم الأدلة، هذا على التفصيل.

    وأيضاً يقتضي الإيمان بالملائكة وبوظائفهم: أن نلتزم بما يقتضيه هذا الإيمان، فإذا آمنتُ أن هناك رقيباً يسجل حسناتي، وعتيداً يسجل سيئاتي، فإنني أصنع الحسنة وأبتعد عن السيئة، فأحذر من أن يُسجل علي شيء، وأرغب في أن يسجل لي شيء، لكن الذي يقول: أنا مؤمن برقيب وعتيد، ولا يعمل سوى السيئات؛ فهذا كاذب، فلو أنه صدر أمر، مثلاً: أن الناس يذكرون الله، ولذا تقرر أن يعلق مع كل شخص مسجل في رقبته، وفي نهاية كل يوم يُفتح هذا المسجل، وتحسب ألفاظه، فمن ذكر الله عز وجل: سبح الله أو حمد الله أو هلل أو أثنى على الله، فإن له في كل تسبيحة ريالاً، وبكل تحميدة ريالاً، وبكل تهليلة ريالاً، بينما الذي يلعن أو يسب أو يشتم، أو يغتاب أو ينم، أو يكذب؛ على كل كذبة ضربة، ما رأيكم من منا لن يذكر الله عز وجل؟! والله لن نشتغل إلا بذكر الله! وإذا أتاك شخص يكلمك فستقول له: لا يا شيخ! سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لماذا؟ قال: سأكسب ريالاً على كل ذكر، ويجيء آخر النهار ويفتح المسجل ويجد عشرة آلاف تسبيحة ويأخذ عليها شيكاً بعشرة آلاف ريال، بينما آخر لم يجد سوى ألف تسبيحة أي بألف ريال، ما رأيكم في شعور هذا الذي حصل على ألف ألا يحزن ويندم؟ سيبيت الليل كله يقول: يأخذ عشرة آلاف وأنا ألف فقط! والله ما أقول كلمة في الغد إلا سبحان الله، لماذا؟ لأنه آمن بقيمة الريال الشرائية.

    حسناً! ما الذي يمنع الناس الآن من التسبيح والتهليل؟ وما الذي يدفعهم إلى اللعن والسب والشتيمة والغناء واللهو إلا عدم إيمانهم بأن هناك من يسجل الحسنات والسيئات، وما آمنوا أن الله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ [ق:18] أي: أي كلمة تخرج من فيه: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]!

    فهذا معنى الإيمان بالملائكة، أنك تؤمن بالملك وبوظيفته، وينقدح في ذهنك شيء من إيمانك به، ..

    وهكذا تؤمن بمنكر ونكير، وأنهما ملكا سؤال، وتؤمن بمالك خازن النيران، ولا تود أن تمر من عنده، وتؤمن برضوان وتتمنى أن الله عز وجل يدخلك الدار التي هو مسئول عنها، هذا هو معنى الإيمان بالملائكة.

    ومن أعظم ما يقوي الإيمان في قلب الإنسان بإذن الله: الحديث عن الملائكة: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20] يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره السيوطي في صحيح الجامع وصححه الألباني يقول: (أُذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام) أي: رقبته فقط، فأنت لا تتجاوز رقبتك بضع أصابع، بينما هذا الملك طول عنقه مسيرة خمسمائة عام، لا يعصي الله طرفة عين، وأنت رقبتك أربع أصابع وتعصي الله، ماذا أنت بالنسبة له وهو من حملة العرش؟ وحملة العرش ثمانية، قيل ثمانية من الملائكة، وقيل ثمانية صفوف وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17].

    الإيمان بالكتب المنزلة والرسل

    ومن أصول أهل السنة والجماعة : الإيمان بالكتب المنزلة التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله.

    فالتوراة أنزلها الله على موسى، والإنجيل أنزله على عيسى، والزبور أنزله على داود، والقرآن الكريم أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن القرآن الكريم هو المهيمن، وهو الناسخ لجميع الرسالات، وهو الكتاب الذي ليس بعده كتاب؛ لأنه آخر الكتب، ونبينا آخر الأنبياء، وأمتنا آخر الأمم.

    ويعتقد أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق حروفه ومعانيه، لم يُخلق منه شيء، خلافاً للجهمية والمعتزلة والأباضية الذين يقولون: أن القرآن كله مخلوق حروفه ومعانيه. وخلافاً للأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله هو المعاني فهو منزل، أما الحروف فهي مخلوقة، وكلا القولين باطل، والقول الصحيح المدعَّم بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو: أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ [الكهف:1].. اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ ... [الزمر:23] أدلة كثيرة بالنسبة لتنزيل القرآن، لكن سبحان الله! كيف ضلت تلك العقول، وذهبت إلى ما يضلها في دنياها وآخرتها من غير حاجة؟ لكن الشيطان سول لهم وأملى لهم.

    أيضاً من أصول أهل السنة والجماعة : الإيمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وأن أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه لا نبي بعده، ونؤمن بالرسل كلهم ولا نتبع شريعتهم، وإنما نتبع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع، لو أن أحداً أتانا وقال: أنا أؤمن بكل الأنبياء إلا نبياً واحداً لا أؤمن به، قلنا: كفرت بكل الأنبياء، لا بد أن تؤمن بكل الأنبياء الذين جاء ذكرهم في الكتاب والسنّة، وأنهم رسل، فنعتقد عقيدة من قلوبنا أنهم أنبياء الله ورسله، ولكن لا يلزمنا اتباع شريعتهم، وإنما نتبع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.

    الإيمان بالبعث وما يترتب عليه

    أيضاً من أصول أهل السنة والجماعة : الإيمان بالبعث بعد الموت، وبكل ما يكون بعده مما أخبر الله به، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم.

    أولاً: عذاب القبر ونعيمه، فإن هذا غيب، ومن معتقد أهل السنة والجماعة الإيمان به، والإيمان به يقتضي الاستعداد له، فإذا عرفت أنك مسئول في القبر وأنك معذب أو منعم؛ فإنك مباشرة تقف عند الأوامر وتنتهي عند النواهي، فتفعل ما أمرك الله به، وتنتهي عما نهاك الله عنه.

    وأيضاً البعث: وهو إعادة الناس إلى الحياة كما كانوا أحياء، وأن الله يردهم مثلما كانوا، وأن الناس يفنون، وتتفرق أجسامهم، وتتقطع أوصالهم، ولا يبقى منهم إلا عَجبُ الذنب؛ وهي: حبة صغيرة في آخر العمود الفقري، وهذه أصل الإنسان، تبقى في التراب إلى أن يُنزل الله عز وجل ماء من بحر يقال له الحيوان من السماء، فتنبت منه هذه الحبَة كما تنبت الحِبة في حميل السيل، حتى يعود الناس كلهم كما كانوا أول مرة يوم أن خلقهم الله عز وجل، وهذا بعد النفخة الأولى، أما في النفخة الأولى فيصعقون، ثم ينزل هذا الماء وينبتون، ثم يُنفخ النفخة الثانية فتطير الأرواح من الصور إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَق وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الزمر:68-69].

    ثم بعد البعث الحشر، إلى المكان الذي هيأه الله عز وجل وأعده ليكون موعد الفصل والحساب للناس، ثم الحساب، وهو: محاسبة الناس على الأعمال، ووزن الأعمال ونشر الدواوين.. والدواوين هي: الكتب التي قد كتبت علينا، ما من إنسان إلا وله كتاب وديوان مسجل فيه كل عمله، فإذا مات قيل له: اقرأ كتابك: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:13-14] وقال تعالى: هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَق إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثـية:29].

    ثم الصراط: وهو جسر على متن جهنم لا يمكن الوصول إلى الجنة إلا عن طريقه، والناس يجتازونه على ضوء أعمالهم وتمسكهم بكتاب الله وسنة رسوله في هذه الدار.

    والإيمان بالجنة وما أعد الله فيها من النعيم، وبالنار وما أعد الله فيها من العذاب الأليم، والاستعداد لهذا كله بالإيمان والعمل الصالح.

    هذا معتقد أهل السنّة والجماعة في البعث بعد الموت.

    الإيمان بالقدر خيره وشره

    ومن الأصول عند أهل السنة والجماعة : الإيمان بالقدر خيره وشره من الله عز وجل.

    ومعنى الإيمان بالقدر: أن الله عز وجل قد علم كل شيء؛ ما كان وما سيكون، وقدره الله عز وجل وكتبه، وأن للعباد إرادة وقدرة واختياراً لما يقع منهم من طاعة أو من معصية، ولكن ذلك تابعٌ لإرادة الله ومشيئته، وهذا خلافاً للجبرية ، الذين يقولون: إن العبد مجبر على أفعاله، وكثير من الناس الآن جبري، إذا قلت له: يا أخي! أترك المعاصي قال: الله جبرني، هذا جبري؛ لأنه يدعي أن الله جبره على المعصية، وطائفة الجبرية فرقة من الفرق الضالة فيكون جبرياً وهو لا يدري، ولو درى أنه جبري لتوقف، فـالجبرية يقولون: إن العبد مجبر على فعله.

    وخلافاً أيضاً للقدرية الذين يقولون: إن العبد يخلق فعله، وإن إرادة العبد غالبة على إرادة الله. وهذا باطل، إذ لا يمكن أن يكون في الكون شيء خارج عن إرادة الله عز وجل، ولكن للعبد إرادة ولله إرادة، والله عز وجل يقول: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] فأثبت الله للعبد مشيئته رداً على الجبرية ، وأثبت الله مشيئته التي تتبعها مشيئة العبد رداً على القدرية ، وهذا من أعظم ما أجيب به في هذا الموضوع، وهو الذي يتمشى مع عقل الإنسان، إذ كيف يسلبك الله الإرادة ويجعلك مجبوراً على عمل ثم يحاسبك عليه؟ هل هذا معقول؟! الله منزه عن هذا، بدليل: ألست -أيها المسلم- مأموراً بالصلاة في المسجد؟ وإذا سمعت حي على الصلاة حي على الفلاح ولم تأت وأنت قادر على الصلاة فأنت آثم معرض نفسك للعذاب، لكن إذا مرضت فمن الذي أمرضك؟ الله، ومن الذي أمرك بالصلاة في المسجد؟ الله، فسلبك الله القدرة على القيام بالصلاة وعندها هل يطلب منك أن تصلي في المسجد؟ لا. بل صلِّ في بيتك، وهل يحاسبك الله إذا صليت في بيتك؟ لا. لحديث: (صلِّ قائماً فإن لم تستطع فصل جالساً ...) مع أن القيام في الصلاة ركن، القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة، فلو أن شخصاً صلى جالساً وهو قادر على القيام لبطلت صلاته.

    وكم أركان الصلاة؟ أربعة عشر، القيام مع القدرة أول ركن، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة.. هذه أركان الصلاة، لكن لو أن شخصاً لا يستطيع أن يقوم ليصلي، سلبه الله العافية، فكيف يصلي؟ يصلي جالساً، لماذا؟ لأن الله سلبه العافية فرفع عنه التكليف، وهذا يتماشى مع كل أحكام الشرع.

    فالله لا يمكن أن يأمرك بشيء وقد سلبك القدرة على فعله ثم يحاسبك عليه؛ لأن الله منزه عن الظلم، يقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40].

    1.   

    وسطية أهل السنة بين الفرق

    وسطيتهم في الإيمان

    ومن معتقد وأصول أهل السنة والجماعة : أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، قول بالألسن، وعمل بالأركان والجوارح، واعتقاد بالقلوب، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وليس الإيمان قول وعمل دون اعتقاد، فهذا إيمان المنافقين، فالمنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: آمنا وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8] وكانوا يصلون، يقول الله عز وجل: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] وكانوا أيضاً يتصدقون، يقول الله عز وجل: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54] فأثبت الله لهم صلاة وصدقة، لكن افتقدوا الشرط الثالث وهو الاعتقاد، فما كانت عقائدهم سليمة، ولو كانوا يعملون عملاً صالحاً، ويقولون قولاً صالحاً لكن عقائدهم من الداخل كانت فاسدة، فهم يؤمنون بألسنتهم ويكفرون بقلوبهم فلم ينتفعوا، فليس الإيمان قولاً وعملاً دون اعتقاد، وهذا إيمان المنافقين.

    وليس الإيمان مجرد المعرفة بدون قول ولا عمل فهذا إيمان الكافرين، فالكافرون إذا سألتهم من خلق السماوات والأرض يقولون: الله، لكن لا يؤمنون ولا يعملون.

    وليس أيضاً مجرد اعتقاد وقول من دون عمل، فهذا عمل المرجئة، والمرجئة فئة من الفئات الضالة يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، ولا ينفع مع الكفر طاعة، وقالوا: إن إيمان جبريل مثل إيمان الشيطان الرجيم، لماذا؟ قالوا: لأن جبريل مؤمن بالله وإبليس مؤمن بالله، يقول: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [ص:79] قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82] فما دام مؤمناً مُقراً بقلبه ولسانه فإنه يكفيه الإيمان فقط، ولا يوجد حاجة إلى العمل، وهؤلاء هم المرجئة الذين دمروا الإسلام في فترة من فتراته، حيث أعطوا مؤشراً وتصريحاً للناس في ترك الدين، عندما قالوا لهم: أنتم مسلمون بمجرد أن يقول الواحد منكم: لا إله إلا الله، وإن لم يصلِّ ويصم، ولم يمتنع عن فعل المحرمات، وهذه يسمونها عقيدة الراحة والإباحة، راحة من التكاليف وإباحة للمنهيات، يزني ويسكر ويعمل كل شيء ثم يقول: الحمد لله أنا أشهد أن لا إله إلا الله، والإيمان في القلب، ربنا رب قلوب، وهؤلاء هم المرجئة .

    وما أكثر المرجئين في هذا الزمان تراه وهو منغمس إلى أذنيه في المعاصي وتقول له: اتق الله، فيقول لك: يا أخي: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم -وما أكملُ الحديث- وأعمالكم) يقولون: إن الله ينظر إلى القلوب! هذه قاعدة الإرجاء، وهي مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة ، أما مذهب أهل السنّة والجماعة فإن الإيمان قول باللسان، واعتقادٌ بالجنان، وتطبيق وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعات، وينقص بالعصيان، والدليل على زيادته قول الله عز وجل: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً [الأنفال:2] فالإيمان يزيد بالطاعة، ودليل النقص قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) لأنه ينقص إيمانه، ويرتفع عنه الإيمان والعياذ بالله إذا مارس هذه الجريمة.

    وسطيتهم في حكم مرتكب الكبيرة

    من أصول أهل السنّة والجماعة: أنهم لا يُكَفِرون أحداً من المسلمين، انتبهوا! لا يكفرون، أما التفسيق والتبديع لمن يستحق فهو من معتقدات أهل السنّة والجماعة، فهم لا يطلقون كلمة الكفر على مسلم إلا إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام العشرة، أو ترك شيئاً تركه كفر مثل الصلاة، لأن الصلاة أتت فيها أدلة خاصة بأن تاركها كافر، والدليل في مسلم عن جابر بن عبد الله قال: قال عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) وفي سنن أبي داود ومسند أحمد عن بريدة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).

    أما الكبائر كبائر الذنوب؛ فإن أتى شخص بالأركان ولم يأت بناقض من نواقض الإسلام ولكن وقع في معصية أو كبيرة أو صغيرة فإنهم لا يكفرونه بها وإنما يرون أنه فاسق عاصٍ لله، ناقص الإيمان، وهو تحت مشيئة الله في الدار الآخرة، إن شاء الله عز وجل عذبه، وإن شاء غفر له، وهذا هو المذهب الوسط، وهو الوسط بين الخوارج الذين يكفرون بالكبيرة -إذا وقع أي أحد في كبيرة يرون أنه كافر- وبين المرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، أما مذهب أهل الحق فيكفرون من نقض إسلامه، أما بالكبائر والذنوب فلا يكفرونه، والأدلة على ذلك كثيرة لا أستطيع حصرها.

    أول دليل في مسلم : (أن رجلاً جيء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد شرب الخمر فحدَّه -أي: ضربه وأقام الحد عليه- ثم ذهب فشرب الخمر مرة أخرى فجيء به فحدَّه، فشرب الخمر مرة أخرى فجيء به فحدَّه، فقال أحد الصحابة: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه: لا تقل هذا! لا تعينوا الشيطان على أخيكم، والله إني لأعلم أنه يحب الله ورسوله) هذا الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد لهذا السكير مرتكب الكبيرة، لكن مسكين وقع في هذه المعصية بحكم ضعفه البشري ولكنه يحب الله ورسوله.

    فنحن لا نكفر صاحب الذنب ولو كان كبيراً ولكن نسميه عاصياً، ونسميه فاسقاً، وهو تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه بقدر معصيته وكبيرته، لكن نهايته إلى الجنة متى ما أقام أركان الإسلام، أما إذا ترك الصلاة، ولو لم يشرب الخمر فهو كافر، ولو لم يسمع الأغاني فهو كافر، لماذا؟ لأن ترك الصلاة كفر يخرج من الملة والعياذ بالله.

    1.   

    عقيدة أهل السنة في الأبواب الأخر

    وجوب طاعة ولي الأمر

    ومن عقيدة أهل السنّة والجماعة، ومن معتقدهم وأصولهم: وجوب طاعة ولي الأمر المسلم.

    وهذه المسألة تخفى على كثير من طلبة العلم، وينبغي أن نتوسع ونتوقف فيها، لأن القضية ليست قضية مجاملات أو مداهنات، بل هو أصل من أصول أهل السنة والجماعة ، يجب أن تفهمه على أنه عقيدة، ليس هوىً ولا خوفاً ولا مجاملة للسلطان، ولا رغبة فيما عند السلطان.

    والله! ما نقول هذا إلا براءة لذمتنا، وبياناً لعقيدتنا التي هي عقيدة أهل السنّة والجماعة أنه يجب على كل مسلم طاعة ولي الأمر المسلم ما لم يأمر بمعصية الله، طاعته في المعروف، أما إذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له فيما أمر به من معصية، وتجب طاعته في خلاف ذلك، يعني: إذا أمرك بمعصية فلا تطعه في المعصية، لكن لا تعصه في بقية الأوامر؛ لأنه لا يجوز لك أن تخرج عن طاعته، فعقيدة أهل السنّة والجماعة أنه يجب طاعة ولي الأمر المسلم فيما ليس بمعصية، أما المعصية فلا يجوز طاعته فيها ويجب طاعته فيما بقي، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ويقول عليه الصلاة والسلام: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد ...) وحديث العرباض بن سارية حديث مشهور، والذي قال فيه: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب فقال في نهايتها: وعليكم بالسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌ كأن رأسه زبيبة) هكذا معتقد أهل السنّة والجماعة .

    وهذا ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ، وذكره شيخ الإسلام ابن القيم وذكره الإمام أحمد ، وذكره الإمام البغوي في كتاب شرح السنّة ، وذكره الأئمة كلهم، منهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى عليه، ذكره في المسائل التي خالف الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية فيها، وهي مائة مسألة ذكر في المسألة الثالثة: اعتقاد بعض الناس -وهذه مصيبة حتى بعض الشباب قد يقع فيها وهو لا يدري- أن مخالفة ولي الأمر وعدم طاعته فضيلة وقوة في الله وصدع بالحق وعدم الخشية في الله من لومة لائم، وأن السمع والطاعة لولي الأمر ذل وإهانة ومداهنة، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم، والنصيحة لهم وغلَّظ في ذلك وأبدأ وأعاد، لما في عدم طاعة ولاة الأمر من المفاسد التي لا يعلمها إلا الله.

    ويقول عبد الله بن المبارك : أصل جميع الفرق الضالة وهي اثنتان وسبعون فرقة تجتمع في أربع فرق، القدرية والمرجئة والرافضة والخوارج، فمن قدم أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترضى عن الصحابة كلهم، ولم يتكلم في بقيتهم إلا بخير، ودعا لهم، وكف عما حصل بينهم فقد خرج من التشيع أوله وآخره، ومن قال: الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره، ومن قال بالصلاة خلف كل إمام بر أو فاجر وجاهد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره، ومن قال: المقادير كلها من الله خيرها وشرها، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره، وهو صاحب سنّة.

    هذا هو معتقد أهل السنّة فيما يتعلق بولي الأمر، إذ أن الخروج على ولي الأمر المسلم .. انتبهوا! ولي الأمر المسلم مقيدة بالإسلام أما ولي الأمر الكافر هذا له تعامل آخر.. لكن ولي الأمر المسلم الذي يحكم بالشريعة فإنه يجب طاعته حتى ولو حصل منه ظلم، ولو حصل منه مخالفة أو جور، فلا ينبغي الخروج عليه، ولا ينبغي طاعته إذا أمر بمعصية، ولكن يطاع في غيرها ويدعى له، فإن الدعاء له طاعة لله.

    يقول: الفضيل بن عياض: لو أني أعلم أن هناك دعوة مستجابة لصرفتها لولي الأمر، وتروى هذه الحكاية عن الإمام أحمد رحمة الله تعالى عليه؛ لأن في الدعوة له مصلحة للإسلام والمسلمين، نسأل الله عز وجل أن يصلح وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه الله ويرضاه.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من المفاسد أكثر من الذي خرجت لإزالته.

    اقرأ التاريخ؛ فلا يكاد يعرف عن طائفة خرجت على ذي سلطان إلا ووقع بخروجها من المفاسد عليها وعلى الأمّة أعظم مما خرجت من أجله، فهي خرجت لتزيل مفسدة فوقعت في مفسدة أكبر، ولهذا تقدم المصالح وتدرأ المفاسد، هذا معتقد أهل السنّة والجماعة.

    الكف عما شجر بين الصحابة

    ومن أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبهم لهم، والترضي عنهم، والكف عن الخوض فيما دار بينهم، خلافاً للرافضة والخوارج .

    فيرون أن الخليفة بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، ثم إنهم يحبون أهل بيت رسول الله -هذه عقيدة أهل السنة والجماعة - فنحن لا نكره أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل نحبهم ونتولاهم، وآباؤنا وأمهاتنا وأنفسنا فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته.

    ومن أهل بيته أزواجه خلافاً للرافضة ، فـالرافضة يقولون: إن أزواجه لسن من أهل بيته، سبحان الله! أزواجه هن أهل بيته، ومَن أهل بيته إن لم تكن أزواجه من أهل بيته؟! فأول أهلك زوجتك، وأهل بيت رسول الله زوجاته رضي الله عنهم وأرضاهم، وأهل بيته قرابته وهم الصالحون منهم، أما غير الصالحين فليسوا من أهل بيته كعمه أبي لهب، ما رأيكم في أبي لهب؛ هل هو من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ هو عم رسول الله، والرسول صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وأبو لهب هو: أبو لهب بن عبد المطلب ، هو: عبد شمس ويُدعى أبا لهب ؛ لأنه من أهل اللهب والعياذ بالله في النار، فـأبو لهب عم الرسول ولكنه ليس من أهل بيته، بل أهل بيته من سار على نهجه واتبع سنته وكان له قرابة، فنتولاه ونحبه بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    يقول عليه الصلاة والسلام: (يا معشر قريش! لا أغني عنكم من الله، يا عباس ! يا عم رسول الله! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد ! سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئاً) ويقول: (يا فاطمة ! يا آل محمد! لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، اعملوا لا أغني عنكم من الله شيئاً) وهؤلاء القرابة لهم علينا حق الإكرام، وحق المحبة، وحق الاحترام، من غير غلو فيهم، فلا نتقرب إليهم بشيء من العبادة، ولا نعتقد أنهم يتصرفون في الخلق، أو أنهم ينفعون أو يضرون، يقول الله لنبيه: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً [الجن:21].. قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [يونس:49] فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فكيف بغيره، وهذا خلاف لمعتقد الرافضة الذين يعتقدون أن الأئمة ينفعون ويضرون، وأن بهم قامت السماوات والأرض، وأن الرعد والبرق صوت علي، وأن كل شيء بيده، وهذا كله من الشركيات والضلالات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

    التصديق بكرامات الأولياء

    ومن معتقد أهل السنة والجماعة : التصديق بكرامات الأولياء.

    ما هي الكرامة؟

    الكرامة: هي أمر خارق للعادة يجريه الله عز وجل على أيدي بعض عباده الصالحين، أما المعجزة: فهي أمر خارق للعادة يقصد به التحدي، يجريه الله على أيدي أنبيائه، والكرامات مثل كرامة عمر وهو في المدينة يخطب الجمعة فرأى الجيش يأتي من وراء سارية فقال: [يا سارية! الجبل] هذه كرامة من كرامات عمر رضي الله عنه.

    والكرامة تختلف عن الشعوذة والكهانة، فإن الكرامة تجري على أيدي الصالحين وسبيلها الطاعة، أما الشعوذة والكهانة فتجري على أيدي السحرة وسبيلها الكفر والمعصية والعياذ بالله، حتى لا يختلط على الناس معنى الكرامة ومعنى السحر، فإن من الناس من يعمل على يديه أشياء يتضح بها أنه يسحر الناس.

    وقد أخبرني أحد الإخوة عن بلدهم يقول: كنت أزور شيخ طريقة، ظناً مني أنه رجلٌ صالح يقربني إلى الله، يقول: فجلسنا عنده من المغرب إلى العشاء، وكان يأمرنا بالأذكار والتسبيح وذكر الله، يقول: ولما حان وقت الصلاة، قال لنا: قوموا صلوا، فقلت أنا .. -وأنا جديد على الجلسة، يقول ما أعرف آداب المريد ولا آداب التابع للشيخ- وأنت يا شيخ! لماذا لا تصلي؟ قال: أنا أصلي في الحرم، وهو في بلد بعيد بينه وبين المسجد الحرام ألفا كيلو تقريباً، يقول: فقمنا وذهبنا نصلي، يقول: لم يدخل في عقلي أنه يصلي في الحرم، كيف يصلي بالحرم وهو في الغرفة؟ يقول: فلما أقيمت الصلاة وأنا في المسجد خرجت من الصف وذهبت إلى بيت الشيخ، أريد أن أرى كيف يصلي في الحرم، يقول: فجئت وهو مقفلٌ على نفسه الباب، والباب خشب لكن فيه شقوق في الطول، فنظرت وإذا بالرجل راقد لا يصلي.

    فهو أصلاً يعرف أنه ليس له صلاة، هو ضال، ولكن يضحك على هؤلاء بأنه يصلي في الحرم، هذا من الضلال، فإذا رجعوا إليه قالوا: أين صليت؟ قال: صليت في الحرم، هذه كرامة لي، وهذه ليست بكرامة وإنما ضلالة والعياذ بالله.

    الاعتماد في التشريع على الكتاب والسنة وفق فهم السلف

    ومن أصول أهل السنة والجماعة : أنهم يستدلون بالكتاب والسنّة، واتباع ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يستدلون بالآراء ولا بكلام العلماء، إلا إذا كان كلام العلماء مقتبساً ومستنداً إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولذا سُمُّوا أهل السنة والجماعة ؛ لأنهم مجتمعون على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولا يعتقدون العصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل عقيدتهم: أن العصمة لرسول الله، وأن كل من بعده قد يخطئ، حتى الصحابة قد يخطئون؛ لأنهم بشر غير معصومين.

    وأيضاً: لا نتعصب إلا للحق، ونعتقد أن المجتهد يصيب ويخطئ، وأنه إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر الاجتهاد وليس عليه ذنب الخطأ، وأن الاجتهاد لا يزال مسموحاً به ومفتوحاً لمن توفرت فيه شروط الاجتهاد إلى يوم القيامة.

    ويعتقد أهل السنّة والجماعة أن الاختلاف وارد، لأن الناس ليسوا متساوين جميعاً في الفهم، فالله خلق الناس مختلفين: ..... وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ...... [هود:118-119] ولكن هذا الخلاف لا يفسد للود قضية، ولا يُوجِد بين المؤمنين عداوة، بل يحب بعضهم بعضاً، ويوالي بعضهم بعضاً، ويصلي بعضهم خلف بعض، ويلتمس مصيبهم لمخطئهم العذر، مع اختلافهم في المسائل الفرعية التي هي محل نظر واجتهاد، فإذا أخطأ واحد منهم يأتون إليه وينصحونه ويصححون خطأه، ولا يلتقطون هذا الخطأ عليه ويفسقونه ويبدعونه به، ويخرجونه من الملة، ويحذرون الناس منه، لا. بل يصححون خطأه ويعتذرون له، ويدعون له.

    يقول الشافعي رحمة الله عليه: كلامنا صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب. انظروا كيف أدبهم رحمة الله عليهم، يقول: كلامي صواب، ما أعتقد إلا الصواب، لكنه يحتمل الخطأ، وكلام خصمي خطأ ولو أعرف أنه صواب لاتبعته لكن يحتمل أن يكون صواباً، لكن أين الكلام الصواب الذي لا يحتمل الخطأ؟ إنه كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أما ما دمنا بشراً فإن كلامنا مهما كان صواباً فإن احتمال وقوع الخطأ فيه وارد، وهذا مذهبهم رحمة الله تعالى عليهم.

    تعظيم شعائر الله

    وأخيراً من أصول أهل السنة والجماعة : أنهم يحافظون على إقامة شعائر الإسلام، خصوصاً الصلاة في جماعة المسلمين، وينصحون لكل مسلم وخصوصاً ولاة الأمر لأن (الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم) والحديث في مسلم .

    ويتعاونون على البر والتقوى ويصبرون عند البلاء، ويشكرون عند الرخاء، ويرضون بمر القضاء، ويتحلون بمكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، مثل: بر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والظلم؛ لأن (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا).

    هذا معتقد أهل السنّة والجماعة .

    أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم من هذه الفرقة الناجية ، وأن يثبتنا جميعاً عليها إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم.

    وصلى الله على نبينا محمد.

    1.   

    خروج المرأة أحكام وضوابط وآداب

    السؤال: ما هي ضوابط وآداب خروج المرأة المسلمة من بيتها؟

    الجواب: الأصل في المرأة المسلمة أن تستقر في بيتها، وتمضي معظم عمرها في بيتها؛ لأن بيتها عرشها، ومكان عزها وسترها، ولا يستطيع الشيطان أن يتسلط عليها ما دامت في بيتها، لكن إذا خرجت.. جاء في الحديث: (إذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان) يعني: استفزها، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان) والله أمر المرأة بأن تستقر، قال عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] فعلى المرأة المؤمنة أن تربي نفسها على هذا الطبع، وأن تَلزم البيت باستمرار، وتستطيع المرأة أن تعرف هل هي مؤمنة أم غير مؤمنة عن طريق عرضها على حب البيت وعدم حبه، فإن كانت تألف البيت وتحبه ولا تحب الخروج منه إلا مغصوبة وكارهة فهي مؤمنة، أما التي تضيق في البيت، ولا ترتاح إلا إذا أخذت عباءتها وخرجت، فهذه ليست بمؤمنة، هذه تعرِّض نفسها للفتنة، وعليها أن تتوب إلى الله عز وجل، هذا الأصل.

    لكن هل يجوز الخروج؟

    نعم يجوز الخروج في حالات، منها: الخروج للصلاة، وخصوصاً إذا كان هناك مصلحة علمية كحضور درس -مثل هذا الدرس- أو حضور صلاة تراويح في رمضان، إذا كانت المرأة في بيتها لم تصلِّ التراويح كما ينبغي، يشغلها أطفالها في البيت، لكن في المسجد تصلي صلاة كاملة، أو حضور صلاة الجمعة مع أنها لا تجب عليها، لكن لو حضرتها أجزأتها من أجل أن تسمع الخطبة، أو حضور صلاة العيدين، تقول أم عطية: [كنا نُخرج الحُيَّض وذوات الخدور يشهدن الخير ودعوة المسلمين ] فيجوز في هذه الأمور، أيضاً أن تخرج إلى العمل إذا كان عملها مباحاً -مثل: التعليم، ففيه مصلحة لبنات المسلمين- وهي ملتزمة ومتدينة، فيحصل على يديها خير من تعليم بنات المسلمين، أو الخروج لزيارة رحم أو قريب، أو عيادة مريض، أو زيارة جار، وفي أضيق الظروف هذا يجوز كله، لكن بآداب شرعية أذكرها لكم وهي خمسة آداب:

    الأدب الأول: ما يتعلق باللباس، أن يكون لباسها ساتراً لها من أخمص قدميها إلى مشاش رأسها، لا يبدو منها شعرة ولا ظفر ولا إصبع، ولا يد، ولا رجل، ولا شعر، ولا شيء.. حتى الأيدي مُلبسة حتى الأقدام عليها جوارب أسود، ويكون هذا الستار نفسه غير ملفت للنظر؛ لأن بعض العباءات الآن مزينة بحيث تحتاج المرأة إذا لبستها أن تلبس عليها عباءة ثانية؛ لأنها مطرزة، أو موشاة بالقصب (الذهب)، أو بالفضة، والقصد من العباءة الستر، فإذا كانت العباءة فاضحة؛ فإنها تستتر عليها بعباءة ثانية لكي تستر نفسها. هذا أول شرط من شروط اللباس.

    الشرط الثاني: أن يكون هذا اللباس هادئاً غير ملون، وغير ملفت للنظر، ليس مزركشاً، حتى ولو كان تحت العباءة، فتلبس لوناً واحداً رمادياً أو بنياً أو أي لون هادئ ليس مزركشاً ولا ملفتاً للنظر؛ لأن هذه الألوان تثير الغرائز، أنت إذا رأيت لوناً مزركشاً ملفتاً للنظر يستثيرك، أما إذا كان لوناً عادياً هادئاً فإنه لا يكون هناك إثارة، هذا المطلوب في ثوب المرأة الذي تخرج به إلى تلك التجمعات، وعليها أن تدع الثوب المزركش والجميل للزوج في البيت، وهو المطلوب من المرأة؛ لأن بعض النساء تلبس في البيت أسوأ الثياب، تطبخ وتكنس وتغسل تعمل كل ذلك في ثوب واحد، فإذا دخل زوجها يراها في ثوبها فكأنها قردة والعياذ بالله، فإذا أرادت أن تخرج تلبس الثياب الجميلة للشارع وللزيارات، والثياب السيئة للبيت، فإذا دخل وراءها كأنها شيطانة، فيكرهها ويخرج إلى الخارج يبحث عن المتزينة، لكن لو أنه كلما دخل وإذا بها في لون جديد، وكل يوم وهي في ثوب، فسيرى أنها أجمل امرأة في الدنيا، وإذا خرجت تلبس الثوب السيئ الذي لا يلفت أنظار الناس إليها، هذا الشرط الثاني من آداب اللباس.

    الشرط الثالث: أن يكون سميكاً.. أي: يكون هذا الثوب متيناً سميكاً، ليس بشفاف ولا يصف؛ لأن بعض الثياب ترى الجلد وراءه، فهي كاسية عارية، فلا يجوز أن يكون الثوب إلا سميكاً لا يشف ولا يصف.

    الشرط الرابع: أن يكون واسعاً فضفاضاً مثل الخيمة، عباءة كاملة، ويدخل في هذا التحريم (الكاب) الذي تلبسه النساء الآن، هذا (الكاب) ليس عباءةً ولا ستاراً، ولا يكفي للحجاب، بل لا بد من العباءة، لأن (الكاب) يُظهر رقبة المرأة ورأسها ويظهر أثداءها ويظهر أكتافها، ويظهر أردافها، وبالتالي كأنها لابسة ثوباً معتاداً لا حجاباً، لكن إذا لبست عباءة فإن العباءة تنزل من الرأس على الجسم بشكل هرمي فتخفي جميع تقاسيم المرأة ومحاسنها.

    وفي هذا فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أنَّ لبس (الكاب) غير جائز للمرأة المسلمة إذا أرادت أن تخرج به وينبغي أن تلبس العباءة الساترة.

    أيضاً من شروط اللباس: ألا يكون فيه تشبه بالكافرات، مثل لبس القصير، فإن هذا مما اختص به نساء أهل الكفر، فلا ينبغي للمرأة أن تتشبه بهم؛ لأن (من تشبه بقوم فهو منهم).

    ولا أن يكون فيه تشبه بالرجال، مثل لبس البنطال، الآن نعرف أن بعض النساء بدأت تلبس بنطالاً، كأنها رجل، وهذا من التشبه بالرجال، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، ولعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء) هذا الأدب الأول في اللباس.

    الأدب الثاني ويتعلق بالعطر: إذ يحرم على المرأة أن تتعطر ثم تخرج، والعطر إما أن يكون في ثيابها من السابق أو أخذته في نفس الوقت إذا خرجت؛ لأن بعض النساء لا تتعطر في ذاك الوقت ولكن تخرج وثيابها معطرة، فإذا قيل: في ثوبك عطر، قالت: لا. هو فيه منذ زمن، ولو كان فيه منذ زمن، دعي الثياب التي فيها العطر، وخذي الثياب غير المعطرة، لما روى الإمام أحمد في المسند أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات) وتفلة يعني: غير متعطرة، رائحتها رائحة عادية، ليس فيها أي شيء مُلفت للنظر؛ لأن العطر يثير غريزة الرجل، فإذا مرت من عنده وفيها رائحة فإنها تفتنه، وروى الإمام أحمد ومسلم -أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد الصلاة معنا) فمنعها الرسول صلى الله عليه وسلم من دخول المسجد إذا كانت رائحتها بخور.

    وفي مسند أحمد وفي السنن الأربعة إلا ابن ماجة -وهو صحيح- قال: (أيما امرأة استعطرت في بيتها ثم خرجت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية) وهذا وعيد شديد، حتى ولو خرجت إلى بيت الله تبارك وتعالى.

    الأدب الثالث فيما يتعلق بالخروج: وفيه أن تتصف المرأة بصفة الحياء، فالحياء قرين الإيمان، فإذا نزع الحياء نزع الإيمان، وأكثر ما ينبغي أن تكون عليه المرأة حياءً إذا خرجت من بيتها، ويكون هذا بأمرين: فالحياء يظهر في صورتين:

    الصورة الأولى: أن لا تمشي في وسط الطريق، إذا خرجت فعليها أن تمشي في الطرف، لا تمشي في الطريق كأنها عسكري أو رجل، وإنما تمشي في طرف الطريق، حتى إذا تعرضت للفتنة تتعرض من جانب واحد فقط، والجانب الآخر هو الجدار، لكن عندما تمشي في الوسط، فإن الذين على جنبات الطريق ينظرون إليها ويفتنونها وتفتنهم، وهذا فيه حديث صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (يا معشر النساء! استأخرن والزمن حافة الطريق) فلا ينبغي أن تمشي المرأة إلا في حافة الطريق، هذا الأدب الأول في الحياء. يثني الله على المرأة التي دعت موسى عليه السلام: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص:25].

    الصورة الثانية: أن تغض طرفها وأن ترخي رأسها وأن لا تلتفت يميناً ولا شمالاً؛ لأنها إذا تلفتت فإن في هذا إشارة مرور من الشيطان أنها ما التفتت إلا تريد شيئاً، وإلا لماذا التفتت! فليس هناك إلا الأمام فقط وعلى الأرض، لا ترفع رأسها ولا تلتفت، وتغض بصرها لأن الشرع نهى المرأة عن النظر إلى الرجال كما نهى الرجال عن النظر إلى النساء، والآية في سورة النور، قال الله عز وجل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] وقال بعدها: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] فكما أن الرجل مأمور بغض بصره؛ فالمرأة مأمورة بغض بصرها، فلا تقول أنه لا يراها أحد، فهي لا تُرى ولكنها تَرى، والفتنة تقع منكِ وعليكِ -أيضاً- وهناك حديث صحيح رواه الإمام أحمد في المسند ورواه الترمذي وصححه ابن حبان من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كنت عند ميمونة -أمهات المؤمنين- فدخل ابن أم مكتوم الأعمى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: احتجبا عنه، قلنا: أوليس أعمى يا رسول الله؟! قال: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه) فإذا كان الرجل لا يراك لأنه أعمى، فإنك ترينه، فغضي بصرك أيتها المرأة المؤمنة؛ نظراً لأن في غض البصر مصلحة وتنفيذ لآداب الله تبارك وتعالى، وهذا الأدب الثالث وهو الحياء.

    الأدب الرابع: أن تدخل المسجد من باب النساء المخصص لهن، وأن تدخل السوق المخصص للنساء، وأن تشتري السلعة في وقت لا يكون فيه رجال ولا زحام رجال، وألا تتكلم هي إذا دخلت السوق فتشتري وتبيع مع الرجل؛ لأن في بيعها وشرائها فتنة لها وللرجل الذي يبيع ويشتري معها، هذه كلها آداب المرأة.

    الأدب الخامس: أن يكون معها محرم إذا خرجت، فلا تخرج لوحدها، فإنها إذا خرجت لوحدها كانت عرضة لسطو المعتدين عليها من الرجال، إما بالكلام أو بالغمز أو بالملاصقة، أو بأي تصرف يكون، لكن إذا رأى الرجل الشرير أن امرأة معها رجل بجانبها فإنه يصرف النظر عنها، ولا يمد يده أو عينه أو يحاول أن يؤذيها بأي أذى، فإذا خرجت إلى المسجد فأنت معها، أو إلى السوق وأنت معها .. وليس شرطاً أن يكون زوجها، المهم أن يكون محرماً لها، قد يكون الأب وقد يكون الابن وقد يكون الأخ، المهم أنه محرم.

    وليس السائق من المحارم، لأن بعض النساء تقول: معي سائق.

    نقول: ما شاء الله! معك ذئب، ما رأيكم إذا أغلقنا الأبواب وأدخلنا الذئب الحظيرة وقلنا: الحمد لله لم يعد هناك سارق؟! لم يعد هناك سارق من الخارج، ولكن هناك ذئب داخل مع الغنم!! هذا هو الذئب، لا يجوز أن تخلو بالسائق لأنه ليس بمحرم، ولا ينبغي له أن يسوق المرأة، ولا أن يخرج بها إلى السوق، ولا أن يذهب بها إلى المدرسة، هذا هو الأدب الخامس من آداب خروج المرأة المسلمة إلى السوق.

    1.   

    التعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    السؤال: نرجو توجيه كلمة للذين يجادلون رجال الهيئة ولا يتعاونون معهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    الجواب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مسئولية رجال الهيئة فقط، إنه مسئولية كل مسلم، واسمعوا ماذا يقول الله في سورة آل عمران: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] فالذي لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر كأنه يقول: أنا لست من هذه الأمّة، كأنه ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقول: كُنْتُمْ [آل عمران:110] أي: أنتم كلكم، وليس رجال الهيئة بمفردهم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] قدَّم الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان، مع أنه لا يصح الأمر ولا النهي إلا بالإيمان؛ لبيان عظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    فهي مسئوليتك ومسئوليتي، فإذا وجدتُ رجلاً من رجال الهيئة الذين جعلتهم الدولة مسئولين فوق مسئوليتهم؛ لأنهم مكلفين من قبل الدولة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومسئولين -أيضاً- أمام الله، فإذا وجدتُ رجلاً من رجال الهيئة في السوق أو في أي مكان يأمر وينهى فموقفي أن أساعده، وأقول: نعم. صدقت! وأتعاون معه ويقوم السوق كله مناصراً لهذا الرجل؛ لأننا أمة الأمر والنهي، أمة الدعوة، أمة النهي عن المنكر، لكن إذا قام رجل الهيئة يتكلم: يا امرأة غضي بصرك، صاح عليه ذاك: ماذا عملت؟ ما لك ولها؟ أعوذ بالله! إذاً أنت تأمر بالمنكر، والله قد ذكر في سورة التوبة أن الذين يأمرون بالمنكر هم المنافقون، يقول الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71] -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين- حسناً! والذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر بل بالعكس قال الله فيه: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67].

    فإذا رأيت رجلاً صالحاً من أهل الحسبة ممن كلف بهذا العمل، وهو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر يجب أن تشد أزره وأن تساعده وتتعاون معه، وتقمع المنكر؛ لأنك إذا قمت بهذا برهنت على أنك مؤمن، أما إذا قمت ضده وساعدت صاحب المنكر عليه فأنت بهذا تُعَدُّ آمراً بالمنكر، وهذه صفة والعياذ بالله من صفات المنافقين.

    1.   

    عقوبة تارك الصلاة

    السؤال: ما عقوبة تارك الصلاة والمتهاون فيها بعد النصح والإرشاد؟

    الجواب: الناس ثلاثة: تارك بالكلية، فهذا كافر بالإجماع.

    والثاني: متهاون يصلي ويترك، أي: في غير جماعة كسلاً فيصلي في البيت، وهذا منافق.

    والثالث: مصلٍّ مواظب في جماعة المسلمين وهذا مؤمن.

    ذاك تارك الصلاة الأول حكمه وعقوبته: أنه كافر وعليه أن يتوب إلى الله؛ لأنه يلزم من كونه كافراً أن تطبق عليه الأحكام الشرعية السبعة وهي:

    الأول: أنه لا يُزوَّج مسلمةً لأنه كافر.

    الثاني: وإذا كان متزوجاً فإن امرأته تحرم عليه، ولا ينبغي لوليها أن يرضى لها أن تبقى في بيت هذا الرجل، وإذا بقيت هي في بيته فإنما يزني بها، وأولادها منه أولاد سفاح وزنا، لأنها حرمت عليه بمجرد كفره وتركه للصلاة، والله يقول: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10].

    الثالث: ثم لا يجوز له دخول مكة لأن مكة بلد محرم مطهر مقدس، أرضه طاهرة لا يجوز أن تطأها إلا قدم مسلم طاهر، أما الكافر فهو نجس، يقول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28] وإذا دخل مكة وهو لا يصلي نجسها، ووالله إنه أنجس من الكلب، يدخل الكلب ولا يدخل هذا.

    الرابع: أنه لا يجوز له أن يذبح ذبيحة، ولا أن تؤكل ذبيحته؛ لأنه إذا ذبح فإن ذبيحته تأكلها الكلاب ولا يأكلها مسلم.

    الخامس: أنه لا يرث ولا يورث، لا يَرث إذا مات وليه، ولا يُورث إذا مات، بل ماله لبيت مال المسلمين.

    السادس: لا يؤاكل ولا يشارب ولا يُجالس ولا يُسلم عليه، ولا يزار إذا مرض، ولا تتبع جنازته، ولا يُغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.

    السابع: أنه لا يترحم عليه بعد موته، فلا يقال: رحمة الله تعالى عليه؛ لأن الله نهى عن الترحم على الكفار وقال: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113].

    1.   

    حكم النظر إلى النساء

    السؤال: يقول: مشكلتي أنني أنظر إلى النساء منذ زمن بعيد، وكلما أردت التوبة رجعت إليها؟

    الجواب: مشكلتك خطيرة، وأنت عبد شهوة، وينبغي لك أن تحارب نفسك، وهذا الموضوع يخصك، فليس هناك أزرار نستطيع أن نركبها في عينك بحيث إذا رأيت امرأة تغلقها، إنما الأزرار في قلبك، أزرار الشعور بأن الله أمرك وقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] واعلم بأن النظر مضرة عليك، وما دمت عاقلاً فلا تتبع نظرك في منظر يضرك، غض بصرك! فإنه أتقى لربك وأهنأ لقلبك، وأكثر راحة لبالك، وأسلم لدينك، أما إطلاق النظر فليس منه مصلحة بأي حال من الأحوال، لأن الله يقول: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] ووالله ليس هناك أهنأ في الدنيا ممن يغض بصره، ولا أتعس وأشقى ممن يطلق بصره؛ لأن الذي يطلق بصره يرى أشكالاً غريبة وعجيبة وبالتالي..:

    وإنك إن أرسلت طرفك رائداً     لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ

    رأيت الذي لا كله أنت قـادرٌ     عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ

    وطريق السلامة أن تغض بصرك، قد يقول شخص: كيف أغض بصري؟

    بالمجاهدة، جاهد! فعينك برأسك ومن الذي سوف يفتح عينك بالقوة، من الذي يفتح عينك ويقول لك انظر؟ الشيطان! الشيطان يأتي إليك ويقول: التفت! هذا منظر جميل؛ لأن بعض الناس يغض عن المناظر العادية، ثم إذا رأى شيئاً باهراً قال: لا يفوتني هذا، لا. غضك للبصر واجب عن كل منظر، فإذا أتاك هذا الشعور قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

    1.   

    حكم الشدة والعنف عند المصافحة

    السؤال: نرجو منك توضيح حكم الشرع في: شخص يصافحني ويشد على يدي ويهز يدي حتى يكاد يخلعها من كتفي أو يكسرها؟

    الجواب: لا حول ولا قوة إلا بالله! هذا الذي يشد على يدك ويهزها ينبغي أن لا تعطيه يدك، وإنما تعطيه رجلك لكي يقبضها؛ لأن الإنسان يحتاج إلى تدليك الرجل، وقل له: أما أن أعطيك يدي لكي تحييني فتهز يدي حتى تخلعها من كتفي فلا.

    بعضهم إذا كان قوياً يمسكها، فيجمع الأربع الأصابع ثم يضغطها بشدة، فإن قيل له: ما هذا؟ قال: أحبه في الله، هذا ليس حباً في الله، وإنما سوء أدب.

    وأيضاً ليس من الأدب أن تعطيه يدك كأنه سارق، بل أعطه بتوسط واعتدال، وشد عليه بلطف وحنان، أما شد العداوة فهذا مخالف لتعاليم الشرع.

    السائل: يقول: شخص آخر إذا مددت له يدي صافحني، ولكن يسحب يده مني بسرعة؟

    الشيخ: هذا أيضاً من سوء الخلق، وقد لاحظته في بعض الناس، ما إن يعطيك يده إلا ويسحبها، وأنا أحد الناس حياني وعانقني ومد يده، وإذا به بسرعة يسحب يده من يدي، فقلت: ما بك تسحب يدك من يدي، ماذا بك؟ قال: لا شيء، قلت: فلماذا تسحبها بقوة؟ قال: عادة، قلت: بئس العادة! اجعل يدك في يدي حتى أنتهي، ثم مع السلامة، فتسأل عن الحال ثم تفك وأفك، لكن منذ أن تسلم علي تسحب يدك كأني ممسوس، أو كأن يدي ثعبان التف على يدك، أو أن في يدي ناراً أحرقتك، أو نجاسة أصابتك، فإذا كنت لا تريد أن تحييني فلا تحيني أصلاً، فهذا من سوء الأدب من المسلم مع أخيه المسلم.

    1.   

    حكم صلاة الرجل منفرداً خلف الصف

    السؤال: أفيدونا أثابكم الله: ما حكم من صلى منفرداً خلف الصف؟

    الجواب: هذه المسألة موضوع خلاف بين العلماء، دخل رجل المسجد والصف الأول مكتمل ولم يجد أحداً يصلي معه خلف الصف، وانتظر فما رأى أحداً، فماذا يصنع؟ هذه قضية خلافية:

    مجموعة من أهل العلم يقولون: ينتظر حتى يأتي شخص آخر، فإذا لم يأت أحد فيبقى واقفاً حتى تنتهي الصلاة، فإذا انتهت الصلاة يقيم الصلاة ويصلي وحده، لماذا؟ قالوا: لحديث: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) وإذا صليت وحدك وكبرت وحدك فالصلاة باطلة؛ لأنك منفرد، وهذا قول طائفة من أهل العلم، ويرى بهذا الرأي شيخنا سماحة الوالد عبد العزيز بن باز .

    وقال بعضهم: يسحب شخصاً، وردوا عليه فقالوا: لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصفوف ...) وهذا نقص من الصف، وإذا سحبته من الصف الأول نقص أجره لأنه رجع إلى الصف الثاني، ثم لماذا زعزعة الصف؟ فإنك بمجرد أن تسحبه فإن الصف يضطرب لأن الكل يتحرك ليسد الخلل، إذاً لا يصح هذا.

    وقال آخرون: يبحث له عن فرجة، بحيث يقارب الصفوف قليلاً ثم يدخل، أو يدخل مع الإمام إن وجد، أو ينتظر إن أمكن، فإن لم يجد فيصلي لوحده خلف الصف، قالوا: لأن حديث المنفرد هذا إنما هو إن صلى وهو يجد فرجة في الصف الذي أمامه، انطلاقاً من الحديث الآخر: (أتموا الصفوف الأول فالأول) وبهذا القول يفتي الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وشيخه الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمة الله تعالى عليهم، وهو الذي يميل إليه القلب لأن الشرع قد حض على الجماعة، والأدلة قد رغبت في الجماعة، وما دام هذا الشخص دخل المسجد ولم يجد ما يفعل فلا تفوته الجماعة، يصلي وأمره إلى الله عز وجل والله أعلم.

    1.   

    حكم مسح اليد بعد الأكل بالخبز

    السؤال: هناك شاب وجدته في مطعم يأكل ولما انتهى من الأكل مسح يده بقرص العيش؟

    الجواب: أعوذ بالله! هذا مما لا يليق بالمسلم، وليس من شكر نعمة الله عز وجل؛ لأن هذا العيش وضع للأكل وليس للتمسح، لكن من سوء الأدب مع الله ومن بطر النعمة أصبح الشخص يمسح يده في قرص العيش، فلا ينبغي أن يمسح به، وعليه أن يتوب إلى الله.

    والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756321353