إسلام ويب

أساليب المشركين في محاربة الدعوةللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • منذ بداية الدعوة الإسلامية والمشركون يسعون للحيلولة دون وصولها إلى الناس بأساليب مختلفة، منها: محاولتهم صد النبي صلى الله عليه وسلم عنها بالتأثير على عمه أبي طالب، وإلصاق التهم به، والاستهزاء به والسخرية منه والتعالي على أصحابه، وتحذير الناس منه وطلب المعجزات للتحدي والإعجاز، ثم ساوموه على التنازل عن بعض مبادئه مقابل إغراءات دنيوية، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان ثابتاً أمام هذه التحديات، فلم يفتر ولم يركن إليهم، وواجه تلك الأعباء حتى انتشر نور الإسلام في أرجاء الأرض.

    1.   

    فضيلة مجالس الذكر

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

    أما بعد:

    أيها الأحبة في الله! مرحباً بكم وحياكم الله على مائدة العلم والإيمان، تلك المائدة التي ترفع العمر وتباركه وتزكيه، المائدة الربانية، التي من أقبل عليها ورتع فيها وعاش في ظلالها أدرك السعادة بحذافيرها، ونال خيري الدنيا ونعيم الآخرة.

    ومجالس العلم هي مجالس الهدى، ومجالس النور، ومجالس الروح، ومجالس الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، وحاجة القلوب إلى سماع العلم الرباني والهدي السماوي أعظم من حاجة الأرض إلى نزول الغيث، فكما أن المطر هو غيث الأرض، كذلك الذكر والعلم هو غيث القلوب، وكما أن المطر إذا انقطع عن الأرض اغبرت وأقفرت وانقطع خيرها وكثر شرها، كذلك القلوب إذا انقطع عنها الغيث السماوي، وانقطع عنها العلم القرآني، والهدي الرباني، قست وتحجرت وأظلمت، وكثر شرها وانعدم خيرها، وما ترونه اليوم في كثيرٍ من الأحوال من قسوة في القلوب وتحجر في العيون، وجرأة على المعاصي وكسل في الطاعات؛ كل هذا بسبب حرمان القلوب من سماع ذكر الله سبحانه وتعالى، ومن بعد القلوب عن مجالس الرحمة، هذه المجالس التي تحفها الملائكة، وتغشاها السكينة، وتنزل على أهلها الرحمة، ويذكر الله سبحانه وتعالى الجالسين فيها عنده في الملأ الأعلى، أي كرامة أعظم من هذه الكرامات وأي عزة يبلغها الإنسان أعظم من هذه العزة، أن تجلس والملائكة تحفك، والسكينة تنزل عليك، والرحمة تغشاك، ويباهي بك الله عز وجل في الملأ الأعلى، فهنيئاً لكم -أيها الإخوة- وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الجلسة التي نقضيها في هذا المجلس ثواباً في موازيننا يوم نلقى الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    دعوة لدراسة السيرة النبوية

    أيها الإخوة! دراسة السنة أو السيرة النبوية الطاهرة من الضرورات للمسلم؛ لأن السيرة هي التطبيق العملي الصحيح لتعاليم الكتاب والسنة؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم والجيل الأول جيل الصحابة الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم هم الذين تمثلوا هذه التعاليم، وأبرزوها في واقع الحياة، ولذا من الضروري أن نترجم تلك المعاني التي نقرأها نصوصاً في الكتاب والسنة، نجد لها ترجمة عملية في واقع الحياة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تطبيق أصحابه رضي الله عنهم في السلف الأول وفي القرون المفضلة.

    إن دارسة السيرة النبوية من الأوليات ومن الضروريات حتى تعرف كيف تعبد الله، وكيف تتعامل مع الحياة من حولك، وكيف تدعو إلى الله، وكيف تنظر إلى المجتمع، وكيف تنظر إلى الفرد، وكيف تنظر إلى الأمة، تلك النظرات لا تكون صائبة ولا مسددة إلا إذا كان الإنسان على علم وعلى فهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

    وقد درسنا طرفاً من هذه السيرة في الجلسات الماضية، واليوم نستأنف هذه المجالس لنتعرف على سيرة الحبيب العطرة صلوات الله وسلامه عليه، وعنوان هذا الدرس هو: (أساليب المشركين في محاربة الدعوة).

    حينما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصدع بما يؤمر به من الدين وأن يعرض عن المشركين، استجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر، وشمر عن ساعد الجد، وصدع بالحق، ودعا إلى هجر الأوثان، وإلى عبادة الرحمن، وبين حقائق الإسلام، ودحض أباطيل وشبهات المشركين التي عشعشت في عقولهم وخيمت على قلوبهم، وعندما رأى المشركون في مكة أن أثر هذه الدعوة لم يكن محدوداً كما كان الحال في الماضي، وإنما رأوا أن هذه الدعوة بدأت تنتشر وتنفذ إلى قلوب الناس في القريب والبعيد، بدءوا في المواجهة للصد عن دين الله ولإطفاء نور الله، وسلكوا في ذلك أساليب متعددة.

    1.   

    محاولة التأثير على عم النبي صلى الله عليه وسلم

    من أبرز تلك الأساليب: محاولة التأثير على عمه أبي طالب حتى يكفه عن الدعوة أو يجرده من الحماية والجوار الذي كان يتمتع به في ظل وجود عمه أبي طالب ، فقد ذهبت مجموعة من أشراف قريش إلى أبي طالب وقالوا له: إن ابن أخيك سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفنا أو تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه؛ لأن أبا طالب كان على الشرك ومات عليه، لكنه كان يحمي النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال عليه الصلاة والسلام: (ما زلت في عز ومنعة حتى مات أبو طالب ).

    وما نال المشركون منه شيئاً حتى مات أبو طالب ، كان يشكل الحماية الخارجية، ولهذا سمي العام الذي مات فيه أبو طالب وماتت فيه خديجة سمي (عام الحزن)؛ لأنه انكشف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم في المواجهة الخارجية، وأيضاً فقد الدعم الداخلي في المنزل من صاحبة الرأي والمشورة، وصاحبة المواقف البارزة وهي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها، فحزن صلى الله عليه وسلم حزناً عميقاً بعد وفاة أبي طالب ووفاة خديجة، ولذا قال الكفار لـأبي طالب: إنك على مثل ما نحن عليه. أي: أنت مشرك مثلنا، والذي يتعرض لنا هو -أيضاً- ينالك أنت أولاً، فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً ورد عليهم رداً جميلاً وانصرفوا عنه، لكن لم يستجب أبو طالب لهم ولم يتكلم على النبي صلى الله عليه وسلم.

    ومضى الرسول صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه، يدعو إلى دين الله، ويستمر في نشر الدعوة، وهنا غضبت قريش وحقدت على النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءوا مرة أخرى إلى عمه أبي طالب ، لكن جاءوا إليه بأسلوب آخر، الأسلوب الأول كان طلباً، الأسلوب الثاني تهديداً وقالوا له: يا أبا طالب ، إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا -أي: لك مكانة- لست رجلاً مغموراً ولا رجلاً هامشياً؛ لأنه من أشرافهم وكبرائهم، فذكروه بمكانته وبمنزلته، قالوا: لك سن، ولك شرف، ولك منزلة فينا، وإنا قد استنهيناك عن ابن أخيك فلم تنهه عنا، وأقسموا له بأنهم لن يصبروا على أفعاله حتى يكفه عنهم أو ينازلوه -أي: ينازلوا أبا طالب، حتى يهلك أحد الفريقين- عند هذا عظم خطب أبي طالب؛ لأنه شق عليه أن يفارق قومه ويعاديهم، وأيضاً شق عليه أن يسلم الرسول صلى الله عليه وسلم ويخذله، ولذا استدعى النبي صلى الله عليه وسلم وأبلغه بالذي قاله له الكفار، وطلب منه أن يبقي عليه وعلى نفسه، وألا يحمله من الأمر ما لا يطيقه، وقال له: وضعتني في خيار صعب: إما أن أسلمك لهم، وإما أعاديهم، وكلاهما صعب، فالأفضل والحل الوسط أنك تتركهم وتترك آلهتهم وتترك محاربتهم؛ حتى لا تعرضني أنا لضرر منهم، أو تعرض نفسك لأذى لا تطيقه؛ لأنه ليس بإمكانك أن تواجه القبيلة بأسرها.

    وفي رواية لـابن إسحاق : أن النبي صلى الله عليه وسلم لمس من عمه في هذه العبارات الضعف والإشارة إلى عدم القدرة على نصرته، ولذا قال له في جواب عظيم: (والله يا عم! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه) ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فقد علق ترك الدين والدعوة إليه على المستحيل، يقول: على فرض أنهم جاءوا بالشمس ووضعوها -وهذا مستحيل- في يميني والقمر في يساري -وهذا مستحيل- ما تركت، حتى لو فعلوا المستحيل، حتى يظهره الله أو أموت دون هذا الدين، ثم بكى صلى الله عليه وسلم، ولم يبكِ صلى الله عليه وسلم بكاء الضعيف، ولكنه بكاء الشجاع الذي يقول هذه الكلمات العظيمة التي تهتز الجبال الرواسي أمامها وأمام قوتها وصلابتها، ثم يستجيش العاطفة في قلب أبي طالب، وكأنه يقول له: أنت عمي وما أرى أن تخذلني، ثم قام من عند عمه، وولى عنه، فلما ولى ناداه أبو طالب، وقال: أقبل يا ابن أخي، فلما أقبل قال: اذهب على ما أنت عليه فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لهم أبداً.

    ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على إسلامه؛ ليس لأنه عمه من حيث النسب، لا. ولكن لمثل هذه المواقف التي وقفها في حماية الدعوة، ولهذا كان حريصاً حتى آخر لحظة من لحظات حياته، وهو يلفظ الروح جاء إليه يقول: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) يريد فقط مبرراً وحجة، يقول: لا إله إلا الله، ما عاد في صلاة ولا صوم، لكنه وبتأثير من قرناء السوء الذين قالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب ، فنظروا إليه ونظر إليهم، ثم قال في آخر لحظة من لحظات حياته: على ملة عبد المطلب . ومات مشركاً.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) فاستغفر صلى الله عليه وسلم لعمه، فأنزل الله عز وجل النهي له وللمؤمنين من بعده إلى يوم القيامة، وقال: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] لأن القرابة قرابة العقيدة، والصلة صلة الدين، فإذا كان ليس على مثل ما أنت عليه من الدين فلا صلة ولا قربى، ولو كان أباك، ولو كان ولدك، قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22] لماذا؟

    أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ [المجادلة:22] من كتب الله في قلبه الإيمان تجد في قلبه التجرد، والحب في الله والبغض في الله، يحب عباد الله ولو كانوا من أبعد مكان ومن أي لون ومن أي جنس، ويبغض أعداء الله ولو كانوا أقرب الأقربين إلى نفسه، ولهذا نوح عليه السلام لما قال الله له: فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ [المؤمنون:27] ظن عليه السلام أن معنى أهلك أي: أهلك في النسب، زوجتك وأولادك وجماعتك، فركب وركب أهله لكنه ابنه أبى أن يركب، قال: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ [هود:42-43] فقال نوح لربه: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ [هود:45] أنت قلت: وأهلك، وهذا من أهلي، أي: لا تغرقه، دعه يسلم مع بقية الناس، قال الله له: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود:46] وهو ابن نوح، لكن الله ينفي عنه الأهلية، ويقول: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود:46] ما دام ليس هو على دينك، ليس من أهلك.

    وكذلك -أيها الإخوة- هذا هو الضابط ويشكل مبدأ من مبادئ المسلم وهو: أن يحب في الله ويبغض في الله، ولهذا جاء حديث في صحيح مسلم وصحيح البخاري : (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار).

    فكان موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أبي طالب بسبب مواقفه تلك التي وقفها، لكن لما نهاه الله لم يعد يستغفر له، وقد خفف على أبي طالب من العذاب في النار، ولكن لا تخفيف في النار، جعله الله في ضحضاح من نار، والضحضاح في اللغة هو: الماء الذي يغطي الكعب، فالنار تغطي أهل النار كلهم إلا أبا طالب فالنار إلى كعبه فقط، ما رأيكم هل هذا تخفيف؟ هل تستطيع أن تمشي في النار، إذا أتيت مكاناً حاراً هل تمشي عليه؟ جرب عندما تخرج من الحرم وما معك حذاء، فتمشي من الباب إلى السيارة لا تستطيع المشي، تنسلخ رجليك من حرارة الأرض فكيف بالنار!

    ولهذا لا يرى أبو طالب أن في النار أشد عذاباً منه، وهو في ضحضاح من نار -نعوذ بالله وإياكم من عذاب النار-.

    في هذا الموقف وفي هذا الأسلوب عبرة وحكمة وهو: أن هذا الموقف القوي من الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين ينسجم مع ما أمر به من البلاغ، فإن الله فقال له: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94] وبعد ذلك طمأنه قال: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ [الحجر:95].

    موقف فيه عبرة وهو موقف أبي طالب، وهذا الموقف عجيب: مشرك وكافر ولكن يقوم بهذه الخدمة للدين، وليس لهذا تفسير، وقد اجتهد العلماء على هذا منهم ابن كثير قال: إن الله سبحانه وتعالى امتحن قلب أبي طالب بحب محمدٍ صلى الله عليه وسلم حباً طبيعياً لا حباً شرعياً؛ لأنه لو أحبه حباً شرعياً لأحب دينه، لكن أحبه حباً طبيعياً؛ لأنه ابن أخيه، وكان استمراره على دين قومه من حكمة الله، ومما صنعه لرسوله من الحماية، إذ لو أسلم أبو طالب لما كان له عند مشركي مكة وجاههة ولا مكانة، ولحاربوه مثلما حاربوا غيره من المسلمين، لكن ليحمي رسول الله بقي على دين قومه، ولما هابوه واحترموه، لو عرفوا أنه قد أسلم لتجرءوا عليه ولمدوا أيديهم عليه وألسنتهم إليه بالسوء، ولكن سبحان الله! وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].

    وقد قسم الله العباد إلى أقسام:

    فهذان العمان كافران، أبو طالب وأبو لهب ، اثنان أحدهما يحمي والآخر يحارب، فـأبو طالب كان يحمي النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو لهب كان يحارب الرسول حرباً شعواء، ولكن يوم القيامة يكون أبو طالب في ضحضاحٍ من نار، ويكون أبو لهب في الدرك الأسفل من النار، بل أنزل الله عز وجل فيه سورة تتلى وتقرأ على المنابر وفي القلوب وفي السطور تتضمن خبراً من الله أنهسَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [المسد:3-4] وظل أبو طالب طوال حياته يحمي النبي صلى الله عليه وسلم ويذود عنه، وينأى عن الدخول في الإسلام.

    1.   

    إلصاق التهم والادعاءات الباطلة بالنبي صلى الله عليه وسلم

    من الأساليب التي طرقها الكفار بعد هذا الاتجاه إلصاق التهم والادعاءات الباطلة؛ لتشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس؛ لأنهم رأوا النفوذ قوياً، والاستجابة جارفة، وأيديهم تفلس، والناس ليس في مكة فقط بل في الطائف والمدينة في كل مكان بدءوا يدخلون في الدين، فما بقي إلا التضليل الإعلامي والتشويه لصورة النبي صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس، فألصقوا به العديد من التهم.

    اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مجنون

    منها: اتهامه بالجنون، كما قال الله عنهم: وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر:6] وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم في أول سورة القلم: نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم:1-2] ويكفيه تزكية الله له.

    وأيضاً يحكي الله عز وجل هذا عنهم ويقول: إنهم يقولون: إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ [القلم:51] وهذا من عجائب الأمور أن تنعكس المفاهيم، وتنقلب التصورات، ويوصف أعقل البشرية وأهدى الإنسانية المعلم الأول للإنسانية بأنه مجنون، وهم أصحاب القلوب المتحجرة، وأصحاب العقول المنكوسة الضالة هم العقلاء، وهم يعبدون الأحجار، ويزنون بحلائل الجار، ويشربون الخمور، ويفعلون المنكرات، ويصفون أنفسهم بأنهم أصحاب العقول، ومن يأتي لينقذهم من هذه الضلالات ويحررهم من هذه الخرافات والخزعبلات يوصف بأنه مجنون، هذا والله من عجائب الأمور، ولذا فقد توجه مثل هذه التهم إلى بعض الناس في كل زمان وفي كل مكان، ولكن يكفيك -يا أخي- أنك على الحق.

    اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر

    أيضاً من اتهاماتهم وتشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس: أنهم اتهموه بأنه ساحر، يقول الله سبحانه وتعالى: وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ [ص:4].. وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً [الفرقان:8].

    وقد تحير الوليد بن المغيرة حينما أرسله كفار قريش ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم ويساومه على تقديم أي شيء يريده نظير أن يترك الدين، قال له: يا ابن أخي! إن كنت إنما أتيت بما جئت به تريد مالاً جمعنا لك حتى تكون أغنانا، وإن كنت تريد جاهاً سودناك أي: جعلناك ملكاً، وإن كنت تريد زوجاً زوجناك بأجمل فتاة، وإن كان الذي يأتيك رئي من الجن -أي: يأتيك شيء من الجن صرع- بذلنا لك حتى نعالجك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اسمع يا أبا الوليد ، وقرأ عليه فواتح سورة فصلت، حتى بلغ قول الله عز وجل: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً [فصلت:13] فوضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وخاف من الصاعقة، قال: أسألك الله والرحم، ثم رجع وقد تغير موقفه، بناء على سماع القرآن، وقال: والله يا قوم! إن لكلامه لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمورق، وإن أسلفه لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، والله ما هو بالشعر ولا بالنثر. فلما قال هذه الكلمات نخر في كفار قريش، قالوا: أصبأت يا أبا الوليد ؟ ماذا يقول السفهاء إذا سمعوا كلامك؟ والله لا تقوم حتى تقول فيه قولاً يؤثر عنك، قم فكر، قال: دعوني أفكر، فقام وفكر، ثم فكر، ثم قدم وأخر، فلعن كيف قدر، وقال كما قال الله عنه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [المدثر:11] يقول: اتركني يا محمد، اترك هذا الذي يقول هذا الكلام: وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً [المدثر:12-16] الآيات الواضحات والدلائل البينات التي سمعها ورفضها موقفه منها العناد كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً [المدثر:16]والجزاء: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً [المدثر:17] صعود جبل في جهنم اسمه صعود، سيكلف بصعود هذا الجبل، لماذا؟ قال: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:18-25] قال الله: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:26-30] والعياذ بالله.

    وكانوا يتلقون الركبان والذين يقدمون إلى مكة ويحذرونهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يقولون: إنه ساحر يفرق بين الرجل وبين ولده، وبين الزوج وزوجته، ولكن لم يكن الناس يستجيبون لهم، إلا البسطاء المغفلين، وأما العقلاء فيقولون: نسمع منه، ومنهم: الطفيل بن عمرو الدوسي، هو من أشراف قومه، ومن نبلاء عشيرته، رجل عظيم من بلاد زهران ، من بلاد دوس، دخل مكة وتلقوه على أبوابها، وقالوا: هذا قطن ضعه في أذنك، قال: لماذا؟ قالوا: هناك رجل عند الكعبة إذا سمعته يسحرك، يقول: فوضعت الكرسف -القطن- في أذني وجئت أطوف، وإذا بي أسمع، قلت: حسناً.. يا طفيل أنت رجل عاقل ولبيب، أخرج القطن واسمع إن كان خيراً، فلما سمع القرآن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداًً رسول الله. الله أكبر! لا إله إلا الله!

    اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب

    أيضاً من الاتهامات الباطلة التي رمي بها النبي صلى الله عليه وسلم: اتهامه بالكذب، وهم يعرفون أنهم كاذبون، وأن أصدق البشرية على الإطلاق هو محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لم يعرفوا عنه كذبة واحدةً في حياته قبل الرسالة ولا بعد الرسالة، أربعين سنة ما كذب كذبة واحدة على الناس، هل يتصور أن يكذب على الله؟! ولهذا قال هرقل لـأبي سفيان لما سأله قال: أتتهمونه بالكذب؟ قال: لا. وأبو سفيان كان كافراً، ولو عرف أنه يكذب كذبة واحدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لقالها، لكن لا يستطيع، لماذا؟ لأنه يوجد أناس وراءه، قال هرقل : إذا كذب أخبروني. وكان يخشى أبو سفيان أن يقول كلمة فتنقل عنه كذبة، وكانوا يتعيرون بالكذب في الجاهلية، قال هرقل بعد ذلك: سألتك هل جربتم عليه كذباً؟ فقلت: لا. فقلت: ما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله، بل هو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

    وكانوا يسمونه -أيضاً-: مفترٍ. يقولون: كما قال الله عنهم: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ [الفرقان:4].

    وقالوا: إنه يكتتب هذه الآيات، وهذه الآيات سموها أساطير، قال تعالى: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفرقان:5] وقالوا: إن هذا الكلام ليس من عند الله وإنما يتعلمه من الناس، لكن من الذي يتعلمه منه؟ نسبوا هذا إلى رجلٍ أعجمي، كان يصنع السيوف في مكة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عنده ينظر إلى صنعته قبل البعثة، فأخذوا بأثر رجعي، قالوا: نعم كان يجلس عنده إذاً هو الذي علمه.

    قال الله عز وجل ليبطل هذه الشبهة: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل:103] لكن ماذا؟ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103] كيف يعلمه وهو أعجمي؟! فالأعجمي لا يعرف الكلام بالعربية، وإذا تكلم تكلم بغير الفصحى، وهذا قرآن عربي بلسان مبين، وقد عجزتم أنتم أيها الفصحاء والبلغاء، ملوك البيان وأساطير الفصاحة في العالم -قريش- أن تأتوا بمثله، أو بعشر سور مفتريات من مثله، أو بسورة واحدة، ثم أقام التحدي عليهم وعلى الجن إلى يوم القيامة: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الإسراء:88] ليس الإنس فقط عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] كيف يأتي به من عند أعجمي؟!!

    انظروا الضلال والعقول المقلوبة، هذه كلها افتراءات باطلة.

    1.   

    لجوء المشركين إلى الغمز والضحك على النبي صلى الله عليه وسلم

    ولما لم تنجح تلك الأساليب وهي أساليب إلصاق التهم؛ لأن التهم لا تلصق إلا بصاحبها، الثوب النظيف نظيف، لا يلصق به أي شيء، لكن المتسخ والملوث يمكن أن تلصق به أي شي، أما الثوب النظيف فأي شيء تضعه عليه يظهر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم نظيف في حياته، أنظف مخلوق على وجه الأرض، اختاره الله، كما قال: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124] يقول عليه الصلاة والسلام: (اختارني الله عز وجل، فأنا خيار من خيار) صلى الله عليه وسلم، ما اجتمع عليّ أو لي أبوان على باطل، أو على سوء، من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

    لما عجزوا أن يلصقوا به شيئاً من التهم الباطلة، لجئوا إلى الغمز واللمز والضحك والاستهزاء والسخرية والتعالي على المؤمنين، وأوضح الله جل وعلا هذا في كتابه، يقول الله: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا [الأنعام:53] يقولون: لم يجد الله من يمتن عليهم إلا هؤلاء الضعفاء: بلال الحبشي ، وصهيب الرومي ، وسلمان الفارسي ، وابن مسعود الهذلي ، ضعفاء القوم، أي: أنتم الذين تدخلون، لماذا لم ينزل القرآن على رجل صاحب شخصية؟ وقالوا: لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31] ما وجد الله إلا أنت يا محمد؟ قال الله: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [الزخرف:32] فالله هو الذي قسم الرحمة بين العباد.

    وروى البخاري في صحيحه: أن امرأة قالت للرسول صلى الله عليه وسلم -امرأة مشركة كافرة- وهي ساخرة ومستهزئة: إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثاً -تقول: لماذا لم يأتك شيطانك؟ أي: تتصور أن الذي يأتي بالوحي أنه الشيطان- فأنزل الله عز وجل: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:1-3].

    وروى البخاري -أيضاً-: أن أبا جهل قال مستهزئاً متحدياً كما قال الله: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:32] فنزل قول الله عز وجل: وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:32] قال الله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال:33] وجود النبي صلى الله عليه وسلم كان أماناً من العذاب وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الأنفال:23-34].

    وذكر ابن إسحاق حديث العراشي الذي باع لـأبي جهل الإبل ومطل بأثمانها، فـأبو جهل كافر مماطل خبيث اشترى من شخص من قبيلة عراش قطيعاً من الإبل، ثم وعده بأن يعطيه الثمن بعد ذلك وماطله، فلما جاء الأعرابي إلى قريش قالوا له: ما تريد؟ قال: أبو جهل اشترى مني ولم يعطني المال، قالوا: تريد رجلاً يعطيك؟ قال: نعم. قالوا: اذهب إلى محمد، لماذا؟ من باب الاستهزاء والتهكم؛ لأن وضع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة مستضعف، لا يستطيع أن يحمي نفسه، وأبو جهل هو سيد القوم وكبيرهم، فالأعرابي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا إليه، فذهب معه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي جهل ، وقال له: أعطه حقه، قال: حسناً.. وذهب أبو جهل وأعطاه ماله، ما له كاملاً، فلما سمعت قريش أنه أعطاه، سألوه، قالوا: ما هذا؟ كيف تعطيه؟ كيف سلمته؟ قال: ويحكم والله ما هو إلا أن طرق بابي، وسمعت صوته حتى ملئت رعباً وفزعاً، ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلاً من الإبل فاغراً فاه ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه، والله لو أبيت لأكلني. فقد كان فاغراً فاه الناب الأعلى عند رأسي والناب الثاني عند رجلي، يريد أن يبلعني.

    وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أنهم كانوا يسخرون من الرسول صلى الله عليه وسلم ويستهزئون به، يقول الله: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:29-30] كل شخص يقول: انظر وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ [المطففين:31]. وهذه الآية وإن كانت تفسر حادثة من حوادث الزمن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنها خلق العصاة والمجرمين في كل زمان، وهو الاستهزاء بالذين آمنوا، ولذا انتبه واحذر من أن تستهزئ بشيء فيه ذكر الله؛ لأنه يعرضك للوقوع في الكفر والعياذ بالله.

    ثبت -أيضاً- من طرق صحيحة في مسند أحمد في بعض الأحاديث: أن أشراف قريش اجتمعوا يوماً في الحجر وتذاكروا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وبينما هم في شأنه إذ طلع عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت، فسكتوا، ثم بدءوا يغمزونه، فقال لهم: (يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح) وكان في وقته وقت ضعف الإسلام والمسلمين لا يقدر أحدهم أن يسلم، فالذي يسلم يحارب، ومع هذا يقول لهم هذه الكلمة لرفع شعار من شعارات التقوى، وهذا يدل على قوة النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وعلى رده على استهزاء هؤلاء، ومن منطلق الاستعلاء والكبرياء على الصحابة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا نجالس هؤلاء -أي: صهيباً وبلالاً وخبيباً - اطردهم عنا، اجعل لنا مجلساً، فهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يوافق ويجعل لهؤلاء مجلساً ولهؤلاء مجلساً طمعاً في إسلامهم، فأنزل الله عز وجل : وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنعام:52] ويقول عز وجل: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28].

    وفي يومٍ من الأيام مر صلوات الله وسلامه عليه على مجموعة من المشركين فاستهزءوا به، فغاضه وامتلأ قلبه غيضاً، فأنزل الله عليه: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأنعام:10].

    ومن كبار المستهزئين الذين تولوا كبر الاستهزاء والسخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم مجموعة: منهم: الأسود بن عبد المطلب بن أسد، والأسود بن عبد يغوث ، والوليد بن المغيرة المخزومي أبو خالد بن الوليد رضي الله عنه، والعاص بن وائل السهمي أبو عمرو بن العاص رضي الله عنه، والحارث بن الطلاطلة الخزاعي، فأنزل الله عز وجل في هؤلاء: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ [الحجر:95] أي: سوف نقضي عليهم، وقد ثبت أن جبريل رمى في وجه الأسود بن عبد المطلب ورقة خضراء فعمي، أذهب الله بصره وطمس عينيه؛ لأنه كان مستهزئاً كبيراً، ومر الأسود بن عبد يغوث بجبريل فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه -انتفخ- حتى صار مثل الجرة ثم مات، ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى جرح صغير في أسفل كعبه فانتقض الجرح، وكان قبل سنين قد سل، فانتقض الجرح ثم مات، ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص رجله فخرج على حمار يريد الطائف ، فربض به حماره على نبات خفيف فدخلت شوكة في أخمص رجله فقتلته، ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فتحرك الصديد فيه وقتله، ومن كبار المستهزئين أبو جهل وأمية بن خلف ، والنضر بن الحارث ، والأخنس بن شريح ، وأبي بن خلف ، وهؤلاء كلهم قتلوا وقضي عليهم في معركة بدر وبعدها، نصراً لنبيه صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    تشويش المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب المعجزات

    من الأساليب -أيضاً-: أسلوب التشويش بإحداث ضجة عندما يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، حتى لا يسمع أحد القرآن فيفهم مراد الله: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [فصلت:26] أي: أحدثوا لغواً وضوضاء لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26] لكن هذا الأسلوب لم ينجح.

    طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم في نوع من التحدي والتعجيز، أن يأتي بالمعجزات ومزايا ليست عند البشر، من ذلك قولهم: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ [الفرقان:7] ما هذا؟! رسول يأكل مثلنا ويمشي معنا لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ [الفرقان:7] يمشي معه فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا [الفرقان:7-8] ويقولون أيضاً: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا [يونس:15] يقولون: هذا القرآن لا نريده أَوْ بَدِّلْهُ [يونس:15] هات شيئاً آخر، فرد عليهم سبحانه وتعالى بقوله: قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [يونس:15] ما هو من عندي حتى أبدله، ولو كان من عندي وهو لا يصلح لكم سوف آتي بغيره، لكن هذا من عند الله كيف أبدله وهو ليس من عندي؟ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي [يونس:15] بتبديل كلام الله وإعطاؤكم ما تريدون وترك ما لا تريدون قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأنعام:15].

    وقالوا أيضاً: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء:90] لأنه لم يكن عندهم ماء إلا ماء زمزم القليل، فكانوا يريدون ينابيع وأنهار أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ [الإسراء:91] لأنه لا يوجد عندهم مزارع، ومكة منطقة غير زراعية، فيريدون نخيلاً وأعناباً فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً [الإسراء:91-92] يقولون: ائت بربك والملائكة معك من أجل أن نؤمن بك، وبعد ذلك: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ [الإسراء:93] فأنت ساكن في غرف بسيطة، نريد أن يكون لك بيت من زخرف مزخرف وجميل أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ [الإسراء:93] اصعد وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ [الإسراء:93] حتى لو صعدت لن نسلم لك، لماذا؟ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ [الإسراء:93] أي: ائت بكتاب مكتوب من السماء ليس من الأرض، قال الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً [الإسراء:93] تطلبون شيئاً ليس مني أصلاً، فأنا بشر رسول مكلف بأداء رسالة، أوحى الله بها إليَّ وأنا أبلغها لكم، أما ما تطلبون ليس إليَّ، فلست إلهاً حتى أعطيكم ما تريدون، وإنما أنا رسول لا أملك إلا الرسالة.

    وسألوه -أيضاً-: أن يسير لهم جبال مكة، قالوا: هذه الجبال نريدك أن تجعلها أرضاً مبسوطة من أجل أن نزرعها.

    وطلبوا منه أن يبعث لهم الآباء أمثال قصي ليسألوه عن صدقه، فرد الله عز وجل عليهم بقوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً [الرعد:31].. وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:109] وهذا إخبار بأن حقيقة الكفر عندهم ليست ناتجة عن نقص الآيات، الآيات واضحة، لكن الكفر عندهم ناتج عن إصرارهم وعنادهم، ولهذا قال الله عز وجل: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ [الأنعام:111] وبعد ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً [الأعراف:146] لماذا؟ قال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:146] فالقضية ليست نقصاً في الدلالة، أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أنه رسول من عند الله أوضح من الشمس، لكن المعاند الذي لا يريد الدليل لا تستطيع إقناعه، ولهذا سمي الكافر كافراً؛ لأنه مغطي للحقيقة، ومعنى الكفر في اللغة: التغطية، كفر الشيء أي: غطاه، فهم يغطون الحقائق، فالحقائق ناصعة والبراهين ساطعة والدلائل واضحة، لكن لا يريدون الإيمان بها أصلاً فيكفرون بها ويغطونها.

    وسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم: أن يجعل لهم جبل الصفا المقابل للمروة أن يجعله ذهباً، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ربه وقال: رب اجعلها لهم ذهباً، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت الأمم التي قبلهم، قال: لا. بل أستأني بهم صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن الله يقول: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا [الإسراء:59] عندما تأتي آية واضحة يرفضها الكافر بعدما تأتي، وبعد ذلك يحصل تدمير مباشرة، كما حصل لقوم صالح، تحدوه وقالوا له: أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء، أي: في الشهر العاشر، حامل، قد لقحت، فدعا ربه، فخرجت الناقة، وقال لهم: هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ [الأعراف:73] هذه مخلوقة من عند الله لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء:155] فعقروها، فماذا حصل لهم؟ قيل لهم: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [هود:65] فاليوم الأول اسودت وجوههم، واليوم الثاني احمرت، واليوم الثالث قطع الله قلوبهم في أجوافهم، وصاح فيهم جبريل صيحة واحدة فأصبحوا خامدين عن بكرة أبيهم، فمن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة أنه ما سأل الله عز وجل أن ينزل آية؛ لأنها لو نزلت آية لعرف الرسول أنهم سوف يكذبونه مثل سابقيهم ويحق عليهم العذاب، وهو رسول رحمة وليس رسول عذاب، قال: لا. أستأني بهم، أي: أنتظر وأتمهل لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده، كما قال لجبريل لما رجع من الطائف -هذا سيأتي معناه بعد-: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين -جبلين عظيمين في مكة - قال له: (لا. إني لأرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله) كانت نظرة النبي صلى الله عليه وسلم نظرة بعيدة، ما كانت نظرة قصيرة مؤقتة، لا. فهؤلاء الكفار إذا أصروا على كفرهم اتركهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده، وفعلاً تحقق -كما سمعتم- خالد ابن من؟ ابن الوليد بن المغيرة، وعمرو بن العاص بن وائل، وعكرمة بن أبي جهل ، أولئك رءوس الكفر وهؤلاء رءوس الهداية والدين والنضال والجهاد في سبيل الله.

    1.   

    مساومة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم

    لما عجزت كل هذه الأساليب في رد النبي صلى الله عليه وسلم ومنعه عن مزاولة الدعوة، لجئوا إلى أسلوبٍ آخر: هو المساومة، أي: نعطيك شيئاً وتترك لنا شيئاً، وهو أن يعملوا شيئاً من الدين ويعمل هو شيئاً من الشرك، وقالوا له: اعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، هذا عدل، أما أن تريد منا جميعاً أن نعبد إلهك ونترك آلهتنا أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] فقالوا له: إن كنت منصفاً وعادلاً، فنحن نوافقك على أن تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، لكن لا تنفع أوساط الحلول بين الشرك والإسلام، وبين الكفر وبين الحق والهدى، لا يوجد إلا نور، إما أسود وإما أبيض، وإذا أخذت القليل فلا يصح، فأنزل الله عز وجل عليه: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ [الكافرون:1-4] كررها للتأكيد لَكُمْ دِينُكُمْ [الكافرون:6] وهو الكفر ودين الشرك وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6] وهو التوحيد ودين الإسلام. وهذه تمثل الآية التالية: وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون:3] قاعدة الثبات على العقيدة، وعدم الرضا بالمساومة، لا مساومة على الدين، إما حق وإما باطل، وإما تنازلات في عقيدة المسلم، لا. لأنك بقدر ما تتنازل بقدر ما تضيع من دينك.

    وساوموا عمه على هذا، ولكنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه).

    لم يوافقهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المساومة بدءوا بالتحرش المباشر، بسب القرآن، وبسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وبسب الذات الإلهية، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، روى البخاري ومسلم في قوله سبحانه وتعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء:110] أن ابن عباس قال: [نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختفٍ بـمكة ، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله لنبيه: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ [الإسراء:110] أي: بقراءتك، فيسمع المشركون قراءتك فيسبوا القرآن وَلا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء:110] حتى لا يسمع أصحابك، وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [الإسراء:110] وهي القراءة المعتدلة التي يسمعها أصحابك فيستفيدون، ولا يسمعها المشركون فيسبوا الله ويسبوا الرسول صلى الله عليه وسلم] وفي هذا إرشاد نبوي وتوجيه للدعاة إلى أن تكون مواقفهم مواقف معتدلة، ومواقف مصلحة ومنفعة للدعوة، من غير تعنت ولا اندفاعات ولا مواقف فيها نوع من التشنجات، إنما للمصلحة التي من أجلها شرعت القراءة، من أجل أن يسمعها المسلمون بعدك، فلا داعي أن ترفع صوتك حتى يسمعك الكفار فيسبونك ويسبوا القرآن، لا. بل نهى الله أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم عن سب آلهة المشركين، قال: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] لأن المسلمين كانوا يسبون أصنام الكفار، فأخذ المشركون يسبون الله، فنهاهم الله.

    وفي هذا تعليم للمسلم أنه إذا كان يترتب على فعلك لأمرٍ معروف مشروع، فعل منكر أعظم لزمك ألا تفعل هذا المشروع، فسب آلهة الكفار أمر مشروع وأمر من الدين أن تسب اللات والعزى والأصنام، لكن لما كان يترتب على هذا السب منكر أعظم؛ وهو أن يسبوا الله، قال الله: لا تسبوا آلهتهم، ولهذا ذكر ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين أن شيخ الإسلام ابن تيمية مر على قوم من التتر وهم سكارى، فأراد بعض تلامذة الشيخ أن يأمرهم وينهاهم عن المنكر عن الخمر، فمنعه الشيخ، فاستغرب الطالب؛ لأن الشيخ كان أمَّاراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ومن أبرز الناس في الأمر والنهي، فقال له: إنما حرم الله الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء -أي: التتر- تصدهم عن قتل المسلمين وهتك أعراضهم، فدعهم وما هم فيه. يقول: اتركهم سكرانين؛ لأنك إذا أقمته من السُكر لا يقوم يصلي ويذكر الله بل يقوم يقتل المسلمين ويعتدي على أعراضهم، فأنت عملت أمراً مشروعاً وهو الأمر بالمعروف، لكن ترتب على الأمر المشروع هذا أمر أنكر منه وهو قتل المسلمين، إذاً لا تفعل.

    هذه قاعدة من قواعد التغيير التي ذكرها ابن القيم وهي أربع درجات:

    الدرجة الأولى: أن يزول المنكر ويعقبه المعروف، فهذا مشروع باتفاق أهل العلم.

    الدرجة الثانية: أن يزول المنكر ويعقبه منكر لكن أقل منه، أي: المنكر (100%) بالتغير يصبح (50%) هذا -أيضاً- مشروع بالاتفاق.

    الدرجة الثالثة: أن يزول المنكر ويعقبه منكر مثله في درجته، فهذا موضوع نظر واجتهاد.

    الدرجة الرابعة: أن يزول المنكر ويعقبه منكر أعظم منه، فهذا محرم بالاتفاق، مثلاً: رجل لا يصلي في المسجد ويصلي في بيته، فغضب عليه رجل، بدل أن يدعوه إلى الله ويمارس معه أسلوب الدعوة غضب عليه وهجره، ولم يعد يزوره في البيت، وأبلغه أنه لا يدخل عليه، فسأل هذا وقال: لماذا هو غضبان؟ قالوا: لأنك لا تصلي في المسجد، قال: هذا الذي أغضبه؟ قال: والله لا أصلي حتى في البيت من أجله. هذا هو التغيير الذي لا يريده الشرع، لماذا؟ لأن الهجر دواء، فإذا كان ينفع استعمله، وإذا كان يضر لا تستعمله؛ لأنك إذا هجرته زدته عناداً، لكن لو هجرت زوجتك لا يزيدها عناداً؛ لأنها محتاجة لك، تبحث عن رضاك، لو هجرت ولدك، ما يزيده عناد؛ فهجرك للولد، وهجرك للزوجة، وهجرك للعامل، ولمن تحت يديك وهو محتاج إليك فهذا مشروع، لكن هجرك للناس فهذا ولد الناس، وعلم أنك غضبان، قال: ما شأني وشأنه؟ ما دام أنه غضبان هكذا أغضبه أكثر، والله لا أركع ركعة، فترك الصلاة، هرب من فعل المحرم الذي هو ترك الصلاة في المسجد فوقع في الكفر والخروج من الملة بتركه للصلاة، من الذي حمله على هذا؟

    موقف الأخ، أراد أن يكحله فأعماه، ما معنى هذا المثال؟ رأى عنده مرضاً في عينيه، فأخذ المكحل يريد أن يداويه بالمكحلة فأعماه بالكلية، وهذا من الخطأ، فإن من فقه الدعوة: أن تعرف هل التغييرات في صالحك أم في صالح الشر، فمتى كان التغيير مضموناً في أن نتائجه حسنة بعد دراسة وبعد تأمل ونظر من قبلك، اعمل، أما إذا عرفت أن في ذلك ضرراً ومنكراً أعظم من المنكر الذي عليه هذا الرجل، فعليك أن تسلك أسلوباً آخر.

    1.   

    الأسئلة

    حكم التدخين

    السؤال: نصحت مدخناً فقال لي: التدخين ليس حرام، أريد دليلاً؟

    الجواب: في قرارة نفس المدخن وقناعته أن التدخين حرام، لكنه يغالط، وأقرب دليل ندحض به حجته نسأله: هل الدخان طيب أم خبيث؟ إن كان منصفاً سيقول: خبيث، وإذا قال: خبيث فقد حكم بالحرمة عليه؛ لأن الله يقول: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] وأقرب دليل على أنه خبيث: شهادة الشركة الصانعة، وأي شركة ترسل معها دعاية لها، إلا الدخان، يصنعونه ويكتبون عليه دعاية ضده، مكتوب على كل كرتون: التدخين يضر بصحتك، تحذير رسمي، والذي يضر طيب أم خبيث؟ خبيث، فالشركة تقول: خبيث وأنت تقول: طيب، فهو خبيث وما دام أنه خبيث إذاً هو حرام، المغالط الذي يقول: إنه طيب، هذا مسكين ومنكوس، والمنكوس لا يقتنع وهذه أبيات تقولها سيجارة:

    أنا السرطان والقار     أنا سل وأخطار

    أنا الأمراض أجمعها     ومنها أنت تختار

    تقول: عندي مستودع الأمراض وخذ واحداً منها.

    أنا علب ملونة     وعندي الموت أشكال

    حرمت بنيك من زاد     وهان لأجلي المال

    بعض الناس يترك أولاده ويشتري دخان.

    لقد سممت أجواءك     وناري أصبحت داءك

    فكم آذيت أبناءك     وكم أحرقت أحشاءك

    بجيبك لي مكانات     ومن رئتيك أقتات

    يغرك شكلي الجذاب     لكني نفايات

    أنا أغلى من الذهب     وللأعواد منتسب

    فكم أوهمت ذا هم     بتدخيني لدى الغضب

    مقامي في الشرايين     كوسواس الشياطين

    فحتى ما تلوموني     وبالرئتين تغذو لي

    تقول: لماذا تلوموني وتغذوني على الرئتين؟

    أعاديكم وتحموني     وبالأموال تفدوني

    إلى الأمراض أدعوكم     وأنتم لا تعادوني

    تعالوا يا أحبائي     لأقتلكم بأوبائي

    وأجعلكم مهازيلاً     وأهدافاً لأدوائي

    ثم سألها شخص: من هم أصدقاؤك؟ قالت: صديقتي الشيشة؛ لأنها بنت عمها، فالدخان مصيبة وحده.

    أنا وصديقتي الشيشة نعكر صافي العيشة

    بعض الناس يقول: تركت الدخان، الحمد لله، لكني أشرب شيشة، قلنا: هرب من منكر إلى منكر أعظم منه.

    أنا وصديقتي الشيشة     نعكر صافي العيشة

    ونجعل من له كيف     كطير نتفوا ريشه

    أحدهم سألها قال: من عدوك؟ قالت:

    عدوي صاحب الصبر     به يقوى على قهري

    نجا بالعزم والإيمان     من كدري ومن شري

    فقام الرجل الذي سألها وأمسك بها وداسها بقدمه، ثم توضأ وتناول السواك، وقال: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه. فلا مجال أبداً للتردد بأن السيجارة خبيثة وحرام.

    حكم الاستعانة بالأشخاص لمعرفة مكان الماء

    السؤال: نستعين بشخص يقال له (المُودة) وذلك لتعيين المكان المناسب لحفر الآبار؟

    الجواب: نحن نسميه في الجنوب (المسمِّع) ويسمونه في نجد (الصنَّات) هذا ينقسم إلى قسمين: قسم مباح وقسم حرام، فالقسم المباح: أن بعض الناس عندهم خبرة في الأرض وطرقها وجبالها ووديانها ويستدلون على باطنها بظاهرها، فإذا جاءوا على وادٍ فيه أشجار وفيه عتل أخضر، قالوا: لا ينبت الشجر ولا العتل إلا على ماء، فيقولون: احفروا هنا حفرة، وإن شاء الله تكون خيراً، هذا لا شيء فيه؛ لأنه اجتهاد نظري وعقلي، مثل الجولوجيا يستدلون على البترول في الأرض بظاهر طبقات الأرض.

    وقسم شركي محرم: وهو الاستعانة بالجن؛ لأن الجن عندهم قدرة على الغوص في طبقات الأرض، فإذا استعان بهم الإنسان المشرك قدموا له خدمة، وأروه أين الماء، فيأتي إلى الناس ويحدثهم ويقول: احفروا في هذا المكان، احفروا عشرة أمتار، تجد مترين طيناً، وبعد ذلك مترين يأتيك (جرشة) الحمرة، وبعد ذلك مترين يأتيك صلب وحجر يحتاج إلى دينميت، وبعد ذلك تلقى بعده (جرشة) بيضاء تختلف وبعده يأتيك الماء، أبشر بالماء، من علمه؟ هو يقول: أرى فوق وتحت الأرض. لا. ما ترى كذباً في كذب، هذا الجني أراك واستعنت به، وهذا شرك ولا يجوز تصديقه.

    حكم استعمال المنشطات في العمل

    السؤال: أبي يستخدم حبوب منشطة ليسعى في طلب الرزق، وأنا شاب ملتزم، هل يجوز أن آكل معه من طعامه؟

    الجواب: هذه الحبوب المنشطة هي من المخدرات؛ لأنها تبعث في الإنسان النشاط لكن على حساب الصحة، وهي جزء من المخدرات وهي محرمة ولا يجوز تعاطيها.

    أما والدك فعليك أن تنصحه، وإذا لم ينتصح وأنت محتاج إلى أن تأكل من أكله فإن أكله الذي يأتي به حلال؛ لأنه من طريق الكد والتعب، لكن تناوله للحرام حرام هو عليه، ولا ينقلب وينسحب عليك أنت، فعليك أن تناصحه وتبين له أن هذا حرام ونسأل الله أن يتوب عليه.

    حكم لبس خاتم الفضة للرجال

    السؤال: هل يوجد وزن معين لا يمكن تجاوزه في لبس الخواتم الفضية بالنسبة للرجال؟

    الجواب: الخاتم بالنسبة للرجل ليس ضرورياً وإنما عند الحاجة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً بعد أن كاتب الملوك، فقالوا له: إن الملوك لا يقبلون الرسائل إلا بختوم، فاتخد خاتماً كتب عليه (محمد رسول الله) فإذا كنت عمدة أو قاضٍ أو لك مكانة تحتاج فيها إلى ختم، والختم تريده في الخاتم، لا بأس، ولا مانع، وإذا كان ليس له ضرورة فلا داعي له، بعض الناس يتخذ الخاتم للتزين والتجمل، وهذا منهي عنه؛ لأن جمال الرجل ليس في خاتمه ولا في أصابعه، جمال الرجل في رجولته وشجاعته ومروءته ودينه، أما إذا اتخذ الجمال في الخاتم والسلاسل والحمرة فما بقي إلا أن نلبسه لبس النساء ويتحول إلى امرأة، ونبحث له عن رجل يتزوج به.

    أما الوزن فقد حدده النبي صلى الله عليه وسلم، قال للرجل: (خذ خاتماً من فضة ولا تتمه مثقالاً) والمثقال بالوزن (4.2) فإذا كان في هذا الحدود فلا بأس، وبعضهم يلبس خاتماً كبيراً ولو وزنته لكان عشرة أو عشرين جراماً، بل بعضهم يضارب به، يتخذه ويقول: من أجل أن أضارب به.

    حكم سب الله ورسوله ودينه

    السؤال: شخص سب الدين عند تعرضه لموقفٍ من المواقف، فهل يخرج من الملة مع أنه من غير قصد؟

    الجواب: سب الدين على ثلاثة أنواع: إما سب الدين، أو سب الرسول، أو سب الله سبحانه وتعالى، فإن كان السب لله أو للدين فإنه يكفر، وإذا تاب تاب الله عليه، وكذلك إذا سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر ولكن إذا عرف عنه فإنه يتوب إذا تاب الله عليه لكن لا بد من قطع رأسه، وإقامة الحد عليه وتنظيف الأرض منه، انظروا إذا سب الله وتاب أمام القاضي، يعزره تعزير إما بسجن أو ضرب لكن لا يقتله، أما شخصية الرسول إذا سبت قتل، لماذا؟ قد يقول شخص سب الله أعظم من سب الرسول؟ لا. ليس أعظم، لأن مقام الله سبحانه وتعالى أرفع من أن يناله شيء من سب الذي سبه، ولكن مقام الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يناله شيء، ولهذا يقطع رأسه حتى لا يتعرض أحد لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بأي أذى. وهذا مقرر في كتب الفقه.

    حكم قول: (إن شاء الله)

    السؤال: شخص قال لصديقه: هيا إلى الصلاة، فرد عليه: إن شاء الله، فقال الداعي إلى الصلاة: هذه لا تحتاج إلى إن شاء الله، فما الحكم مع أن الداعي إلى الصلاة يقصد الخير ونيته زيادة عزم الشخص الآخر؟

    الجواب: لا شيء فيها إذا كان يقول: إن شاء الله، أي: أقوم، فلا شيء يتم إلا بمشيئة الله، أما إن كان يقول إن شاء الله على سبيل التهاون أو الاستهزاء، فهذا لا يجوز وهذا حرام والعياذ بالله.

    حكم الدعاء على الأولاد عند الغضب

    السؤال: أرجو توجيه كلمة إلى الأخوات في الله، في الأمور التالية:

    هناك بعض النساء عندما تغضب على أولادها تدعو عليهم، مثل: الله يأخذ عمرك، ويريحني منك، الله لا يوفقك، وقد يصل الأمر إلى اللعن، وعندما ينصحون يقولون: هذا ليس من القلب؟

    الجواب: هذا من الأخطاء سواءً عند النساء أو عند الرجال، ولهذا جاء النهي يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يلعن أو يسب أو يدعو أحد على ولده فقد توافق ساعة إجابة) نحن نعرف أن الأم حين تدعو على ولدها ليس من قلبها، وكذلك الأب حينما يدعو على ولده ليس من قلبه، لكن إذا دعت عليهم ووافقت ساعة إجابة استجاب الله، وبالتالي من المتضرر؟ أنت، فلا تقل: الله يأخذ عمرك، تقول: الله يهديك، الله يصلحك، الله يوفقك، خير من أن تقول: يأخذ عمرك، الله يجعلها في وجهك، الله ينتقم منك، لماذا؟ ليست دعوة واحدة، لكن بعض الناس لا يبرد قلبه حتى يدعو عليهم، يقول: الله يهديك، لا الله لا يهديك، لماذا الله لا يهديه؟ هل هدفك أن الله لا يهديه؟ لا. فالكلمة الطيبة أحسن من الكلمة السيئة، ولذا عود نفسك -يا أخي- أنك لا تدعو على أحد من أولادك أو مالك أو شيء آخر، وأذكر أني ذكرت لكم القصة التي أنا أعرف صاحبها: هذا رجل كان نائماً في فراشه وولده نائم، وبعد ذلك طرأ عند ولده فكرة أن يخرج، يأخذ له دورة بعد المذاكرة، فجاء إلى والده، الولد طيب ولا يخرج إلا بإذن، فجاء إلى أبيه وقال: يا أبت! نفسي ضيقة أريد أن أدور كذا، فمن شفقة الأب على الولد ومن حرصه عليه قال له: لا يا ولدي الساعة الآن الثانية عشر، اذهب ونم، فرجع الولد غضبان، وذهب إلى أمه، وطلب منها الشفاعة، فجاءت الأم تشفع عند الأب، وأصروا عليه حتى وافق لكن قال كلمة، قال: اذهب الله لا يردك. وكأن الكلمة هذه وافقت وقت إجابة، وذهب الولد وركب سيارته ودار دورة وفي إحدى التقاطعات اصطدم بسيارة، وقطعته قطعاً حتى مات، وجلس الأب والأم في البيت ينتظرون، ومرت ساعة وساعتان وثلاث وما جاءهم النوم، أذّن الفجر وخرج يصلي، رجع من المسجد إلى البيت ما جاء الولد، طلعت الشمس، ذهب إلى الشرطة يسأل: هل حصل شي؟ قالوا: هناك حوادث، دعه يذهب إلى المستشفى ينظر، فذهب إلى المستشفى ففتحوا الثلاجة فوجد ولده آخر واحد وضع في الموتى، فعرفه بثيابه التي خرج وهي عليه، وندم لكن حين لا ينفع الندم، يقول: أتمنى أن الشوكة التي في رجله هي في عيني، وما أنا صادق عندما قلت له: الله لا يردك، لكن من باب الغضب، وكان الأولى بأن يقول: حسناً.. اذهب الله يسهل أمرك، الله ييسر لك، الله يرجعك، أحسن من الله لا يردك.

    حكم الكذب على الأطفال

    السؤال: من المشاكل التي تقع فيها بعض النساء الكذب على الأطفال للتخلص من بعض طلباتهم؟

    الجواب: هذا من وسائل التربية الغير مجدية؛ لأن القدوة من أهم أسس التربية، إذا كانت الأم تقول للولد: لا تكذب وهي تكذب يصبح كذاباً، وإذا قالت: لا تسرق وهي تسرق يصبح سارقاً، وإذا قالت: لا تلعن وهي تعلن يصبح لعاناً، وإذا قالت صل وهي لا تصلي لا يصلي، التربية بالقدوة من أهم أنواع التربية، فلماذا تكذبين على الولد؟ كوني صريحةً دائماً، وعلمي الولد الصراحة والصدق؛ لأنك إذا علمته الصدق صار صادقاً، ولا تتخلصين بالكذب، وإنما تخلصي منه بالأسلوب الجاد والصادق والإقناع، أو لبي الطلبات إذا كنت تستطيعين.

    حكم وضع الطعام في القمامة

    السؤال: من الأخطاء عند بعض النساء: أنهن يضعن بقية الطعام في القمامة، وبعضهن تضعه حتى مع حفاظات الأولاد؟

    الجواب: هذه معضلة اجتماعية ومشكلة خطيرة تنذر بغضب الله وسخطه؛ لأن الله عز وجل غيور على هذه النعم، ونحن وإن كنا في نعمة لا نشعر بها، لكن غيرنا يتمنى أن يعيش على ما في القمائم التي نضعها في الزبالات، وما من بيت يوضع فيه طعام من بيوتنا إلا وما يُترك بعد الأكل أكثر مما أكل، يكسر القرص ويأخذ منه نصفه والباقي يترك، وتفتح التفاحة ويأخذ منه شقرة والباقي يترك، واللحم يأخذ جزءاً ويترك مثله، والرز يأكل من الطرف والباقي يترك، والإدام يأكل نصف الصحن ويبقى النصف، والباقي أين يذهب؟

    بدل أن يقدم في السفرة القدر المطلوب، لا. لا بد أن يزيد أي: يشبعون فوق هذا والباقي يرمونه في الزبالة، ولهذا ترون الآن ما من بيت ولا شقة إلا وعنده في كل يوم قمامة، رز ولحم وإدام وعيش، كما يقول أحدهم: ضاع المسلم بين الزنبيل والقمامة، يرفع زنبيلاً وينزل قمامة، أحدهم كانت امرأته تقول له دائماً: هات وهات، قالت: وكان كل يوم يقول لي: وأنتِ هات هات، ما قلت لي في يوم من الأيام: خذ، قالت: خذ القمامة وأنزلها.

    أما وضع القمامة ووضع الحفاظات مع النعمة فهذه كارثة، يجب أن توضع الحفاظات في سلة مستقلة وتوضع بعيده عن الطعام؛ لأن هذا إهانة، ولا يوضع في القمامة شيء من الطعام، القرص أو العيش أو الإدام أو الرز يوضع في أوانٍ، ويجعل في الثلاجة، وإذا كان هناك أناس من الفقراء والمساكين يعطى إياه وإذا ما وجد فقراء ومساكين يحمل هذا كله ويخرج إلى البادية أو الصحراء أو إلى مكان بعيد، فيضعه هناك لتأكله الطير، والأفضل من هذا كله أن تكون المرأة ذات عقل وذات تدبير، بحيث إذا جاءت تطبخ طبخت بالقدر الذي يكفي الأسرة فقط، بل يقومون وهم جائعون، لأن أفضل طعام وأبرك طعام هو الطعام الذي ينتهي قبل أن تشبع، ولهذا جاءت السنة بلعق الإناء، ما معنى لعق الإناء؟ أي: أنه لعق الطعام، لكن من منا يلعق الإناء، سوف تنفطر بطنك إذا لعقت الإناء؛ لأن الإناء ممتلئ.

    حكم ترك النساء قراءة القرآن

    السؤال: عدم قراءة القرآن من قبل بعض النساء بحجة أن الوقت لا يكفي وأن هناك مشاغل؟

    الجواب: من الأسوأ ما يمكن أن تجد المرأة لكل شيء وقت إلا القرآن لا تجد له وقتاً، وهذا من ضعف دينها، ومن هزال إيمانها، عندها وقت لكل شيء، حتى المسلسلات لها وقت في برنامجها، والتزين له وقت، والطبيخ له وقت، والحدائق لها وقت، والملاهي لها وقت، حسناً.. والقرآن ليس له وقت؟ لأنه أصلاً لا يوجد عندك إيمان قوي، لا. القرآن مهم، ولا بد أن يكون لها ورد معين من كتاب الله، وأفضل الأوقات بعد الفجر أو بعد المغرب، أو عند النوم أو بعد العصر، حسب ظروف المرأة، وإذا التحقت بإحدى مدارس القرآن لتعلم كتاب الله وحفظه، فهذا من أفضل ما يمكن.

    حكم دخول الحائض إلى المسجد

    السؤال: هل يجوز دخول المرأة وهي حائض إلى المسجد أو المرور به؟

    الجواب: لا يجوز لها أن تدخل المسجد، وإذا كانت حائضاً والمسجد فيه مدرسة لا تأتِ المدرسة؛ لأن الشارع أمرها باجتناب المساجد.

    كفارة اليمين

    السؤال: حلفت بالله ألا أكمل الدراسة بعد تخرجي من الجامعة، ولكن بعد فترة عدت وأكملت الدراسة ما الحكم؟ وما هي الكفارة؟

    الجواب: كفارة الحلف، تخرجت من الجامعة وأنت لا تعرف كفارة الحلف! أي جامعة هذه التي تخرجت منها، معنى جامعي أي: الذي جمع العلوم كلها، وإلى الآن لا تعرف كفارة اليمين، كفارة اليمين: أن تطعم عشرة مساكين، أو تعتق رقبة، أو تكسو عشرة مساكين، إذا لم تجد هذه ولا تلك كلها فإنك تصوم ثلاثة أيام.

    والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756001971