وبعد:
أحب في الحقيقة أن أذكر الإخوان جميعاً بأمرٍ مهم لابد من العناية به، خاصةً في هذه الأيام، وهو ما أصاب إخواننا الألبان في كوسوفا، وهم الآن في أشد الحاجة إلى معونة إخوانهم المسلمين، والوقوف معهم، فإن الله جمع بالإسلام بين المسلمين، وألّف بين أرواحهم، وجعلهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ومن كمُل إيمانه وإسلامه كان مع أخيه كالجسد الواحد، يتألم بآلامه! ويفرح بأفراحه! وإن المسلم ليأرق ويتألم وهو في مشرق الأرض لأخيه في مغربها؛ لأن أخوة الإسلام أعز من أخوة النسب، وأعز من كل أخوة، وإن الله ليرضى عن المسلم الذي تدمع عينه، ويتقرح قلبه لإخوانه المسلمين؛ لأن هذا الألم والحزن يدل على كمال الإيمان والرحمة التي أودعها الله في القلوب، ومن رحم أخاه المسلم رحمه الله في الدنيا والآخرة.
الواجب على المسلم أن يبذل كل ما يستطيع، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ لنصرة إخوانه المسلمين، وهذا أمر محتم يوجبه علينا إسلامنا وديننا أن نرى هؤلاء المسلمين يشردون ويقتلون، وما نقموا منهم إلا الإسلام، والله لا الأرض، ولا المال، ولا النسب، ليس هناك إلا الإسلام! والمسلم العاقل الواعي يدرك هذه الحقيقة، فليس هناك أي أمر يؤذون من أجله إلا الدين، وما نقموا منهم إلا الإيمان بالله عز وجل، في تلك البقعة التي قلَّ أن يوجد فيها مسلم.
حنق أعداء الله -شتت الله شملهم، وفرق جمعهم، وجعل بأسهم بينهم- كيف يكون الإسلام في عقر تلك الدار التي قل أن يوجد فيها مسلم! ويبقى هذه القرون وهذا الردح من الزمن! وهذه الأمة تفتخر بإسلامها، متمسكةً بدينها، تحس أنها مرتبطة بالدين! مرتبطة بأعز شيء! وهي اليوم تقف في أمس الحاجة إلى رحمة ربها أولاً وقبل كل شيء، ثم رحمة إخوانهم من المسلمين، الله الله إخواني في الله!
كان بعض العلماء يمرض إذا سمع بكارثة نزلت على المسلمين في صقع من الأرض، وكان بعضهم ربما يمرض حتى يعاد مما يجد من الأسى والحزن، ونحن لا نبدي الخور والضعف، فالله يعلم بما يسكن قلوبنا من الثقة بالله جل جلاله، وخير ما تنصرون به إخوانكم أولاً قبل كل شيء ألا تنسوهم من صالح الدعاء، فإن الدعاء حبل متين، ولا يستهن الإنسان بدعوة، فلعل الله أن يجعل دعوتك تفتح لها أبواب السماء يكتب لك أجرها. فأنت إذا قلت اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، كتب الله لك كل ما يكون من هذه الدعوة، فتكون معهم بالدعاء، في سجودك وبين الأذان والإقامة وفي الأسحار.
تصور أن هذه المرأة المنكوبة المكلومة المفجوعة المفزوعة أنها أمٌ لإنسان! أو أنها أخت! أو أنها بنت! ماذا يكون حال الإنسان؟!
أليس بيننا وبينهم الإسلام؟ أليست هناك وشيجة أعز وأعظم من وشيجة النسب؟ لو أن إنساناً من ذي قرابتك أصابه عشر ما أصابهم لتقرح قلبك! وشعرت بالأسى والحزن فكيف بإخوانك في الله والإسلام؟!
فالله الله أيها الأئمة والخطباء وطلاب العلم أن توجهوا الناس وتذكروهم، وأن تعظوهم بهذه الحقوق، ومن نصر مسلماً نصره الله في الدنيا والآخرة، وليس هناك أعز من أن نعتز بديننا، وأن نشعر أن بيننا وبين إخواننا حقاً عظيماً يحتم علينا الوقوف بجوارهم.
فاحتسبوا الأجر عند الله سبحانه وتعالى، تكون المساعدة بالمال وبكل ما يستطيع الإنسان، تجب علينا نصرتهم ومعونتهم بكل ما تعنيه هذه الكلمة، فالمسلم أخو المسلم! ونصوص الكتاب والسنة واضحة جلية في هذا الأمر وجب علينا أن نستشعر هذا الأمر، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه استنصر، وأنه رفع يديه وكفه إلى الله مستغيثاً مستنصراً.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، اللهم إنا نسألك أن تجعل لإخواننا في كوسوفا وفي كل مكانٍ من كل همٍ فرجاً، اللهم اجعل لهم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية.
اللهم ثبت أقدامهم، اللهم ثبت أقدامهم، وسدد سهامهم، وصوب آراءهم.
اللهم اعطف قلوب عبادك عليهم يا حيُ يا قيوم!
اللهم اجبر كسرهم، وارحم ضعفهم، وفرج عنا وعنهم يا حيُ يا قيوم!
اللهم إن نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، أن تدمر الكافرين ومن أعانهم.
اللهم شتت شملهم، اللهم فرق جمعهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم أحصهم عدداً، اللهم اقتلهم بدداً، اللهم لا تغادر منهم أحداً، اللهم اجعل بأسهم بينهم، وسلم المسلمين من شرورهم، يا حيُ يا قيوم! يا حيُ يا قيوم! يا حيُ يا قيوم! إنك على كل شيءٍ قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر