الأمور العظيمة لا تقع فجأة ومباغتة، بل لابد لها من مقدمات وإرهاصات، ومن ذلك قيام الساعة، فإنه أعظم حوادث هذا الكون؛ ولذلك كانت هناك علامات سابقة لهذا الحدث مؤذنة بقربة ووقوعه، ومن تلك العلامات: طلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة تكلم الناس، وظهور الدخان العظيم، وثلاثة خسوفات في الأرض، ثم خروج نار عظيمة من قعر عدن تسوق الناس إلى أرض المحشر.
-
الشمس آية دالة على وحدانية الله
-
حديث: (أتدرون أين تذهب هذه الشمس)
-
الدخان من علامات الساعة الكبرى
العلامة الخامسة: الدخان.
والدخان هو آخر العلامات التي سيشهدها المؤمنون على ظهر الأرض، وبقية العلامات لا يراها المؤمنون، ولا يشهد عذابها الموحدون، بل لا تقوم إلا على الكفرة الفجرة من شرار الخلق.
الدخان علامة كبرى، قال
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن هذا الدخان كان علامة من العلامات التى وقعت فى الدنيا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين.
والدخان قد وقع بالفعل، ولكن الدخان الوارد في حديث
حذيفة بن أسيد الغفاري الذي هو علامة من علامات الساعة الكبرى يختلف تمام الاختلاف عن تلك العلامة التي رآها المشركون في مكة؛ بدعاء الصادق صلى الله عليه وسلم عليهم.
قال تعالى في حق هذه العلامة:
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10] أي: واضح بين
يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:11].
وإذا خرج الدخان فلا يقبل الله التوبة كما تقدم، وبعد ظهور هذا الدخان يبعث الله ريحاً ألين من الحرير، وظيفتها قبض أرواح المؤمنين على ظهر الأرض، فلا يبقى على ظهر الأرض مؤمن.
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (
فلا تدع أحداً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ويبقى شرار الخلق) أي: الكفرة الفجرة الذين لم يؤمنوا بالله عز وجل.
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق).
وفي رواية
مسلم من حديث
أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله).
كلمة (الله) لا تقال في الأرض أبداً؛ لأن الموحدين قد قبضوا، ولأن المؤمنين قد ماتوا، فلا يبقى إلا الكفرة الذين لا يعرفون الله، ولا يوحدون الله جل وعلا، وعلى هؤلاء تقوم الساعة، بل وتقوم عليهم بقية العلامات الكبرى التي هي عذاب في عذاب، وبلاء في بلاء.
ما هي هذه العلامات؟!!
العلامات المتبقية أربع هي:
الخسوف الثلاثة: فيقع الخسف الأول بالمشرق
والخسف -كما هو معلوم- انشقاق الأرض، قال تعالى حكاية عن
قارون :
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81].
فيقع الخسف الأول بالمشرق، على شرار الخلق، وأين المؤمنون؟ قد قبضوا، وهذا من رحمة الله بالموحدين.
والخسف الثاني: بالمغرب، والخسف الثالث بجزيرة العرب.
-
خروج نار عظيمة من قعر عدن
وبعد هذه الخسوف تخرج العلامة الأخيرة من علامات الساعة الكبرى ألا وهي: نار ضخمة تخرج من قعر عدن (مدينة عدن المعروفة في اليمن) فتطرد الناس جميعاً إلى محشرهم.
عبد الله بن سلام هو حبر اليهود الذين وحد الله وآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيوم أن وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً، ذهب
عبد الله بن سلام إليه فقال: لما نظرت إلى وجه النبي عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سأل النبي صلى الله عليه وسلم أسئلة جيدة، ومن بين هذه الأسئلة: ما هي أول أشراط الساعة؟ فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام : (
أول أشراط الساعة نار تخرج من قعر عدن تحشر الناس من المشرق إلى المغرب) رواه
البخاري من حديث
أنس.
وقد يلمح طالب العلم الذكي تعارضاً ظاهراً بين رواية
أنس في صحيح
البخاري التي فيها: (
أول أشراط الساعة نار) وبين رواية
حذيفة بن أسيد الغفاري التي فيها: (
وآخر ذلك نار)، ولكن لا تعارض، فقول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية
حذيفة : (
وآخر ذلك نار) أي: هي العلامة الأخيرة بالنسبة لما سبقها من العلامات في الدنيا، وفي رواية
البخاري : (
وأول أشراط الساعة نار) أي: أنها العلامة التي إن وقعت وقعت القيامة بعدها: من النفخ في الصور، والبعث من القبور، وتغير كل شيء، هذا كله يبدأ بعد خروج هذه النار.
-
هدم الكعبة من علامات الساعة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! وهكذا تنتهي علامات الساعة الكبرى التي ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث
حذيفة بن أسيد الغفاري الذي كنا معه طيلة اللقاءات الأربعة الماضية.
وهناك علامة أخرى عجيبة غريبة، إذا وقعت كادت أن تخلع القلوب، وهي لم ترد في حديث
حذيفة، ألا وهي هدم الكعبة! بيت الله الذي تهوي إليه الأفئدة، وتحن إليه القلوب، الذي قال في حقه علام الغيوب:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا [البقرة:125] (مثابة للناس)، أي: لا يملون منه، كلما نظروا إليه وانصرفوا عنه تجدد الشوق إليه والحنين لزيارته ورؤيته، هذا البيت المشرف العظيم من علامات الساعة الكبرى أن يهدم حجراً حجراً!
إن عيسى بن مريم -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال عليه من الله ما يستحقه، ويدعو الله أن يهلك يأجوج ومأجوج، فيستجيب الله دعاءه، ويهلك يأجوج ومأجوج، وينزل مطراً فتصبح الأرض كالزُلقة أو كالزَلقة أو كالزُلفة، أي: كالمرآة في صفائها ونقائها، ثم تخرج البركة من الأرض، وتنزل الرحمات، ويعيش الناس في أمن وسلام طيلة وجود نبي الله عيسى، ويذهب نبي الله عيسى ليحج بيت الله الحرام.
إذاً: يبقى الحج حتى في عهد نبي الله عيسى، فإذا قدر الله على عيسى الموت
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
فإنه يموت في المدينة المنورة، ويصلي عليه المسلمون من أمة محمد، ويدفنونه مع الحبيب المصطفى في الحجرة المباركة.
بعد ذلك تقع العلامات التي ذكرت الآن، ولا يبقى إلا شرار الخلق، تمحى آيات المصحف، ولا يقول أحد في الأرض: لا إله إلا الله، ولا يحجون البيت، بل ولا يعرفون عن البيت شيئاً، ومن بين هؤلاء الأشرار رجل من الحبشة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد وصف شكله وكأنه ينظر إليه وهو يهدم الكعبة
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى *
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى *
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى *
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:1-5].
يقول المصطفى: (
لا تقوم الساعة حتى يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة).
رجل يقال له
ذو السويقتين من الحبشة، وفي رواية
البخاري من حديث
ابن عباس قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (
كأني أنظر إليه: أسود أفحج- أي: متسع ما بين ساقيه- ينقض الكعبة حجراً حجراً)
وبهذا تنتهى الحياة الدنيا بحلوها ومرها، بحلالها وحرامها، بخيرها وشرها، ولا يبقى إلا الكفرة من شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة، فيأمر الله جل وعلا إسرافيل عليه السلام أن ينفخ النفخة الأولى، ألا وهي: نفخة الفزع، مصداقاً لقوله جل وعلا:
وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل:87]، ينفخ إسرافيل في الصور نفخة الفزع فتتزلزل الأرض، وتنفصل عرى هذا الكون، وتدك الجبال بالأرض دكاً دكاً، وتنسف الجبال نسفاً نسفاً، وتثور البحار والأنهار، وتتحول إلى برك ضخمة من النار، قال الله جل وعلا:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا *
فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا*
لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا *
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا [طه:105-108].
والله أسأل أن يسترنا في الدنيا والآخرة .
اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، ولا مفرطين ولا مضيعين، ولا مغيرين ولا مبدلين.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها -يا مولانا- أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا.
اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً بيننا إلا هديته، ولا طائعاً معنا إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضي ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين!
اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض. اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين.
اللهم احمل المسلمين الحفاة، واكس المسلمين العراة، وأطعم المسلمين الجياع، اللهم وحد صفوف المسلمين، وألف بين قلوبهم وأرواحهم يا أرحم الراحمين! واجعل الدائرة على كل من ناصبهم العداء يا رب العالمين!
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون به إلى الجنة ويلقى به في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.