قال المؤلف: (يلزم الزوج نفقة زوجته قوتاً، وكسوة، وسكنى بما يصلح لمثلها).
يلزم. يعني: يجب على الزوج أن ينفق على زوجته، ويدل لهذا ما تقدم من قول الله عز وجل:
لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ
[الطلاق:7]، وأيضاً حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـهند : ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، والعلماء يتفقون على وجوب نفقة الزوج؛ ولأن الزوجة محبوسة لمصلحة الزوج فيجب عليه أن ينفق عليها.
قال: (قوتاً وكسوة وسكنى بما يصلح لمثلها.. إلخ).
هذا كله داخل في النفقة في اللغة، القوت.. الطعام، والكسوة داخلة في النفقة، وكذا السكنى.
وقال المؤلف رحمه الله تعالى (فيما يصلح لمثلها) كما سيأتي إن شاء الله.
قال: (ويعتبر الحاكم ذلك بحالهما عند التنازع، فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع خبز البلد وأدمه.. إلخ).
الزوجان لا يخلوان من أمرين:
الأمر الأول: أن يتفقا على شيء من النفقات فالأمر راجع إليهما.. اتفقا على دراهم.. اتفقا على أن يأتيها كما هو عُرف الناس يأتي بالطعام الزوج.. إلخ، المهم أنهما إذا اتفقا على شيء فإن الأمر راجع إليهما.
الأمر الثاني: ألا يتفقا بأن يحصل بينهما نزاع وشقاق، فهنا قال لك المؤلف رحمه الله: (ويعتبر الحاكم) هذا عند حصول الخصام والنزاع والشقاق.
هل المعتبر حال الزوجة أو المعتبر حال الزوج أو المعتبر حالهما جميعاً؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن المعتبر حال الزوجين جميعاً، وعلى هذا يقسمون الزوجين إلى خمسة أقسام:
الأول: أن يكونا موسرين، فتجب نفقة موسرين.
الثاني: أن يكونا فقيرين، فتجب نفقة فقيرين.
الثالث: أن يكونا متوسطين، فتجب نفقة متوسطين.
الرابع: أن يكون الزوج غنياً والزوجة فقيرة.
الخامس: أن تكون الزوجة غنية والزوج فقير، فتجب نفقة متوسطين في الحالتين الأخيرتين، فأصبح عندنا في ثلاث حالات تجب نفقة متوسطين، وفي حالة واحدة تجب نفقة أغنياء، وفي حالة أخرى تجب نفقة فقراء.
إذاً: هذا المشهور من المذهب أن المعتبر هو حال الزوجين جميعاً.
الرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله: وأن المعتبر هو حال الزوجة، وعلى هذا ننظر حال الزوجة، إن كانت غنية فتجب نفقة أغنياء، وإن كانت فقيرة فتجب نفقة فقراء .. إلخ.
الرأي الثالث رأي الشافعي رحمه الله: وأن المعتبر هو حال الزوج، وعلى هذا إذا كان الزوج غنياً فإنه تجب عليه نفقة أغنياء، وإن كان فقيراً تجب عليه نفقة فقراء.. إلخ، ودليل الشافعي قول الله عز وجل:
لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ
[الطلاق:7]، ودليل أبي حنيفة : أن المعتبر هو حال الزوجة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـهند : (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).
وجاء الحنابلة فأخذوا بمجموع الأدلة، والأقرب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى، وأن المعتبر هو حال الزوج، وهذا هو الذي دل عليه القرآن، وهو القول الصواب في هذه المسألة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله تنبيهاً على ما ذهب إليه الحنابلة، (ويعتبر الحاكم بحالهما) يعني: بحال الزوج والزوجة جميعاً، (فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع خبز البلد)، يعني: ما يأكله الأغنياء من الخبز، (وأدمه)، يعني: ما يغمس به هذا الخبز.
قال رحمه الله: (ولحماً عادة الموسرين بمحلهما).
يعني: بلد الزوجين. يعني: كيف يأكل الموسرون اللحم؟ هل يأكلونه كل يوم أو يوم ويوم وهكذا؟ يعني: ينظر، فهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان.. إلخ.
قوله: (وما يلبس مثلها من حرير وغيره) الأغنياء ماذا يلبسون؟ نعم، (من حرير وغيره..) إلخ.
(وللنوم، فراش ولحاف وإزار ومخدة).
يعني: الأغنياء ما الذي ينامون عليه من الفرش.. إلخ.
قال: (وللجلوس حصير جيد، وزلي).
يعني: بساط.
قال: (وللفقيرة.. إلخ).
المهم هذه الأشياء السكن والطعام والشراب واللباس بالنسبة إذا كانا غنيين يُرجع إلى نفقة الأغنياء في هذه الأشياء، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان.
قال: (وللفقيرة تحت الفقير من أدنى خبز البلد وأدم يلائمه وما يلبس مثلها ويجلس عليه).
يعني: الفقراء يكونون في المرتبة الأخيرة، وهذا عند التنازع، أما إذا حصل التراضي فالأمر في ذلك ظاهر.
قال: (وللمتوسطة مع المتوسط والغنية مع الفقير وعكسها ما بين ذلك عرفاً).
يعني: للمتوسطة مع المتوسط نفقة متوسطة، وغنية مع فقير وفقيرة مع غني نفقة متوسطة، كما سيأتي.
ثم قال: (لا دواء وأجرة طبيب).
لا دواء ولا أجرة طبيب يجب عليه، يعني: لو أن الزوجة مرضت واحتاجت إلى دواء، أو احتاجت إلى الذهاب إلى المشفى لكي تتعالج فهل يجب على الزوج أو لا يجب؟
المؤلف يقول بأن هذا ليس داخلاً في النفقة، وعلى هذا تكون أجرة الطبيب من مالها، فلا يجب عليه شراء الدواء، فيكون من مال الزوجة، ولا يجب على الزوج أن يأتي بهذه الأشياء.
وجماهير العلماء على هذا، يعني: الحنفية والمالكية والشافعية كلهم يرون هذا الرأي، وأنه لا يجب على الزوج ما يتعلق بالعلاج وغير ذلك، والصحيح في هذا عندنا قاعدة في باب النفقة وهي قول الله عز وجل:
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
[النساء:19]، وليس من المعاشرة بالمعروف أن تتألم الزوجة ولا يشتري لها علاجاً، لكن نقول: هذا يختلف، فإذا كانت من الأمور المتيسرة للزوج فيجب على الزوج أن يقوم بها، يعني بأن تكون في متناول الزوج، أما إذا كانت علاجات تحتاج إلى تكاليف مالية كبيرة ونحو ذلك، فيظهر أن الزوج لا يلزم بها، لكن إن التزم بها أو إن وفاها للزوجة فهذا من حسن العشرة، لكن إذا لم يحصل شيء من ذلك فإنه لا يجب ذلك على الزوج إذا كانت شيئاً كثيراً، أما إذا كان شيئاً في متناول الزوج كونه شيئاً يسيراً، فهذا يظهر أن الزوج يقوم به.