وذكرنا أيضاً مسألة مهمة هي حكم إتيان السحرة، وذكرنا أن إتيان السحرة ينقسم إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: أن يأتيهم ويسألهم ويصدقهم في الغيب المطلق، فهذا حكمه أنه كفر محرج من الملة.
والقسم الثاني: أن يأتيهم ويسألهم ويصدقهم في الغيب النسبي، مع اعتقاد أن الشياطين لا تخدمهم، وهذا أيضاً كفر مطلق مخرج من الملة.
والقسم الثالث: أن يسألهم ويصدقهم في الغيب النسبي، مع اعتقاد أن الشياطين تخبرهم، وهذا قلنا: يترتب عليه عقوبتان كما جاء في السنة:
العقوبة الأولى: أنه كفر أصغر، كفر بما أنزل على محمد.
والعقوبة الثانية: أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً.
والقسم الرابع: مجرد أن يأتيهم، وقلنا: بأن هذا محرم ولا يجوز لحديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه.
والقسم الخامس: أن يأتيهم لكي يبين دجلهم وكذبهم وينكر عليهم، وهذا مشروع؛ لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد ، وهو دجال من الدجاجلة.
أيضاً من المسائل المتعلقة بالسحر: الفرق بين السحر وبين الكرامة:
الكرامة: هي أمر خارق للعادة يجريه الله عز وجل على يد من شاء من أوليائه، والفرق بين السحر وبين الكرامة من وجهين:
الوجه الأول: أن السحر إنما يكون على يد فاسق، وأما الكرامة فإنما تكون على يد ولي من أولياء الله.
والفرق الثاني: أن السحر يحتاج إلى معالجة وعمل، وأما الكرامة فإن الله سبحانه وتعالى يجريها على يد من شاء من أوليائه دون أن يكون هناك شيء من المعالجة والعمل والعناء ونحو ذلك.
النوع الأول: ما يتعلق بالأدوية الإلهية كما سبقت الإشارة إليها، ما يتعلق بالتحصن بأذكار الصباح والمساء، وبالمحافظة على الورد من كتاب الله عز وجل.. إلخ، هذا من أهم ما يحل به السحر، ويتقى به السحر.
النوع الثاني: اللجوء إلى الله عز وجل، وكثرة الدعاء، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا، ثم دعا، ثم دعا حتى استجاب الله عز وجل لدعائه.
النوع الثالث: الرقية، كما سيأتي في الحديث فإنه يلجأ إلى النشرة، وذلك بحل السحر عن طريق القراءة، والأدعية المباحة، والأذكار المشروعة كما جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
النوع الرابع: استخراج السحر وإبطاله، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما سُحر، كما ذكر ابن القيم رحمه الله أن من أنجع الأدوية لإبطال السحر هو استخراج السحر وإبطاله، وذلك بأن يلجأ المسلم إلى الله عز وجل إذا حصل له السحر أن يمكنه من السحر لكي يبطله، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا كان هذا السحر مكتوباً، فإن إبطاله مع الرقية، بأن يوضع في الماء، وتحل الكتابة، وإذا كان عقداً فإنه ينفث على هذه العقد وتحل هذه العقد، وإذا حلت هذه العقد أو هذه الكتابات تتلف، مع القراءة عليها، هذا من أنجع الأدوية في إبطال السحر.
النوع الخامس من علاج السحر: ما جاء في الصحيح في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تصبح بسبع تمرات من تمر العجوة لم يصبه ذلك اليوم سم ولا سحر).
النوع السادس كما جاء عن طائفة من السلف: أنه يؤتى بسبع ورقات من ورق السدر الأخضر، وتدق بين حجرين وتخلط بالماء، ويقرأ عليها آية الكرسي، والمعوذات، وآيات السحر في سورة الأعراف، في سورة يونس، في سورة طه.. إلخ، ثم بعد ذلك يشرب من هذا الماء، ويصب باقي هذا الماء على البدن، هذا أيضاً بإذن الله من أنجع الأدوية في علاج السحر.
كذلك من علاج السحر: إخراج السحر من البدن، وذلك إذا كان السحر عن طريق الطعام والشراب، فقد يكون السحر عن طريق وضعه في الطعام والشراب، وعلاجه بالاستفراغ، أي: التقيؤ، وأيضاً بأخذ الأدوية المسهلة للبدن، لإخراج ما في البدن من طعام.. إلخ.
ومن ذلك أيضاً: الحجامة، يعني إذا كان السحر في موضع من البدن، فإنه يحجم ويستفرغ الدم، وهذا يكون أيضاً من أفضل الأدوية في علاج السحر.
هذه الأنواع هي الأنواع المشروعة التي جاءت في الكتاب والسنة.
هذا دليل للقسم الأول من أقسام السحر، وهو سحر التخييل، كما تقدم أن السحر سحران: سحر تخييلي، وسحر حقيقي.
قال: [( قالت: حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا، ثم دعا )].
وفي هذا: أنه ينبغي للمسلم إذا وقعت به الكربة أو الشدة والنازلة أن يلجأ إلى الله عز وجل، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، فينبغي للمسلم أن ينزل حاجته بالله عز وجل، وألا ينزلها بالمخلوقين، وطلب الدعاء من الغير سبق أن تكلمنا عليه.. إلخ؛ لكن يؤخذ من هذا أن المسلم حتى لو قلنا بأنه يجوز طلب الدعاء من الغير بشرط كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ومع ذلك نقول: الأولى أن المسلم لا يطلب الدعاء من غيره، وأن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى، وأن ينزل حاجته بالله سبحانه وتعالى؛ لأن المضطر أقرب إلى الله عز وجل من الداعي، أنت الذي وقعت بك الكربة والشدة أقرب إلى الله عز وجل ممن تطلب منه الدعاء، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا، ولجأ إلى الله عز وجل، دعا، ثم دعا، ثم دعا.
وفي هذا أيضاً: أنه ينبغي للمسلم أن يكرر الدعاء، وأن لا يستبطئ الإجابة، النبي صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالآيات والسور، ومع ذلك يدعو ثم يدعو ثم يدعو، ما توقف النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء، ما قال بأنه هو النبي، وأن دعوته مستجابة، وأنه قد اكتفى بأول مرة، بل دعا، ثم دعا، ثم دعا، فينبغي للمسلم إذا نزلت به الكربة والشدة أن يلجأ إلى الله عز وجل، وأن يكثر من الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، ويكفي أن مجرد الدعاء عبادة، وما من مسلم يدعو بدعوة إلا استجيب له، إما أن الله يسرع له دعوته في الدنيا، أو أن الله يدخرها له في الآخرة، أو أن الله يدفع عنه من القضاء والقدر بمقدار دعوته.
قال: [ثم قال: (يا
وفي هذا: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن عشرته لأهله، أمور النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة يذكرها لأزواجه، وهذا من حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم شيء من التكبر أو الترفع بحيث لا يذكر لأهله ما يتعلق بأموره الخاصة، وكذلك أيضاً فيه تبشير المسلم، وإخباره بما يسهل؛ لأن عائشة يسرها شفاء النبي صلى الله عليه وسلم.
هذان الرجلان ملكان، ويحتمل أن هذا في المنام أو في اليقظة؛ لأن رؤيا الأنبياء حق ووحي.
قال: [(قال: مطبوب)]، يعني: مسحور، [(قال: من طبه؟ قال:
قال: [(وجب طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان)].
(جب طلعة ذكر) يعني: فحل ذكر النخل، أتى بهذا الفحل ووضع فيه هذا السحر، ثم بعد ذلك وضعه في بئر ذي أروان، هذه البئر المسماة بهذا الاسم.
قالت: [( فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه، ثم قال: يا
[(ولكأن نخلها رؤوس الشياطين)]، هذه البئر في بستان من بساتين اليهود، وهذه البستان فيها هذا النخل من نخل اليهود، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم نخلها كأنه رؤوس الشياطين.
قالت: [ ( فقلت: يا رسول الله! أفلا أحرقته؟ قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شراً، فأمرت بها فدفنت )].
وفي هذا كما تقدم لنا: أن من طرق علاج السحر إبطال السحر، فإذا تيسر أن يبطل السحر بأن يعثر عليه ويحل هذا السحر إن كان عقداً، أو إن كانت كتابات تمسح وتمحى، بأن تبل بالماء مع القراءة عليها، هذا من أنجع الأدوية كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا أيضاً: أن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح، لدينا هذه القاعدة العظيمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك إحراق هذا النخل ونحو ذلك، وإنما اكتفى بحل السحر، ودفن البئر؛ لئلا يتحدث الناس بسحر النبي صلى الله عليه وسلم، فيتولد ذلك شر، وتحصل فتنة بين المسلمين واليهود..
وفي هذا أيضاً: نسبة النعمة إلى الله عز وجل في قول النبي عليه الصلاة والسلام: (أما أنا فقد عافاني الله).
قال: [ وحدثنا أبو كريب ، قال: حدثنا أبو أسامة ، قال: حدثنا هشام ، عن أبيه، عن عائشة قالت: ( سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وساق أبو كريب الحديث بقصته نحو حديث ابن نمير ، وقال فيه: ( فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل، وقالت: قلت: يا رسول الله! فأخرجه، ولم يقل: أفلا أحرقته؟ ولم يذكر: فأمرت بها فدفنت) ].
اللهوات: جمع لهوة وهي اللحمة المتدلية في أقصى الحنك، يعني: اللحمة الحمراء المتدلية في أقصى الحنك.
قوله: (لا زلت أعرفها في اللهوات)، قالوا بأن فيها شيئاً من السواد من أثر السحر.
وفي هذا الحديث: قبول الهدية من الكفار، ويدل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذه الهدية من هذه المرأة اليهودية.
وفي هذا أيضاً: أكل طعام الكفار، وأنه لا بأس أن المسلم يأكل من طعام الكفار.
وفي هذا الحديث أيضاً أن الكتابي من أهل الذكاة؛ لأن الذكاة والصيد يشترط فيهما أن يكون المذكي والصائد عنده الأهلية، والأهلية أن يكون ذا دين، والمراد بالدين: إما أن يكون مسلماً، أو أن يكون كتابياً، الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5].
وفي هذا أيضاً: أنه لا بأس أن يأكل المسلم من الطعام المحرم لكسبه، إذا كان الطعام محرماً لكسبه فلا بأس أن تأكل منه، والتحريم ثلاثة أنواع:
إما أن يكون التحريم بحق الغير، كالمغصوب والمسروق، فهذا لا يجوز أن تأكل منه، فإذا كنت تعلم أن هذا مسروق أو مغصوب أو منتهب أو نحو ذلك، فلا يجوز لك أن تأكل منه.
وإما أن يكون محرماً لكسبه، كما لو كان يتعامل بالربا أو يتعامل بالميسر، أو يتعامل ببيع المحرمات كالدخان ونحو ذلك، فهذا لا بأس أن تأكل من طعامه لو دعاك، ويدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من طعام اليهود، والله عز وجل ذكر عنهم: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ [النساء:161]، أي: أنهم يتعاملون بالربا؛ لكن العلماء رحمهم الله قالوا: بالكراهة، قالوا: وتقوى الكراهة وتضعف بقدر كثرة الكسب الحرام، وقلة الكسب الحرام.
والقسم الثالث: أن يكون الطعام محرماً لعينه، وهذا الأمر ظاهر، إذا كان محرماً لعينه وذاته كالخنزير والخمر ونحو ذلك، فهذا الأمر فيه ظاهر.
وفي هذا الحديث أيضاً: آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: أردت لأقتلك، قال: (ما كان الله ليسلطك على ذلك)، فيه آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله سبحانه وتعالى عصم نبيه كما قال سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67]، فهذه آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك أيضاً من آيات النبي صلى الله عليه وسلم أنه عرف أن هذه مسمومة، ولهذا جاء في القصة وإن كان في غير الصحيح: أن بشر بن البراء أكل من هذه الشاة وأنه توفي رضي الله تعالى عنه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره الذراع، لأنها سألت -وكما جاء في غير الصحيح- عن أحب المواضع للنبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيه من السم، فأخبر الذراع النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسموم.
وفي هذا أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر كسائر البشر، ولهذا أكل منها؛ لكنه لم يتمكن السم منه، وإلا فإن السم أصاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أنه من سائر البشر.
وفي هذا أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل هذه المرأة، قالوا: ألا نقتلها؟ قال: (لا)، وأكثر أهل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قتلها، وقد جاء في غير الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قتلها، وجمع بين ما جاء في الصحيح: وما جاء في غير الصحيح، بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتلها في أول الأمر، لكن لما توفي بشر بن البراء قتلها النبي صلى الله عليه وسلم، ودفعها لأولياء بشر بن البراء فقتلت.
وفي هذا أيضاً: حقد اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم وبغضهم له، وحقدهم على الإسلام والمسلمين.. إلخ، وأن هذا شيء متأصل من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأنهم أهل غدر وخيانة، وإلا فكيف تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً وتسم هذا الطعام، فهذا يدل على الغدر والخيانة، لو أنها ما دعت الرسول عليه الصلاة والسلام وهمت بقتله لكان الأمر أسهل.
قال: [وحدثنا هارون بن عبد لله ، قال: حدثنا روح بن عبادة ، قال: حدثنا شعبة ، قال: سمعت هشام بن زيد ، يقول: سمعت أنس بن مالك يحدث أن يهودية جعلت سماً في لحم، ثم أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحو حديث خالد ].
تقدم أن سبق لنا هذا الحديث، وقوله: (اشتكى) يعني: مرض.
وفيه أيضاً: من آداب الرقية أن من رقى شخصاً، أو إذا مرض شخص فإنه يستحب لمن زاره أن يرقيه، وأن يمسح عليه بيمينه، وأن يقول كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من الرقية: (اذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً).
قالت: (فلما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل أخذت بيده لأصنع به نحو ما كان يصنع، فانتزع يده من يدي ثم قال: اللهم اغفر لي واجعلني مع الرفيق الأعلى)]، أي: الملائكة المقربين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بين الحياة وبين الموت فاختار الموت واللحاق بالرفيق الأعلى، ولهذا انتزع النبي صلى الله عليه وسلم يده من يد عائشة رضي الله تعالى عنها.
وفيه أيضاً: أن رقية المريض تكون بلا طلب منه، وأن هذا لا يخالف التوكل، وأيضاً كون المريض يرقي نفسه لا يخالف التوكل، لكن الذي يخالف التوكل هو طلب الرقية كما ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله.
قال: [وحدثنا يحيى بن يحيى ، قال: أخبرنا هشيم ، ح، قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ، قال: حدثنا أبو معاوية ، ح، قال: حدثني بشر بن خالد ، قال: حدثنا محمد بن جعفر ، ح، وحدثنا ابن بشار ، قال: حدثنا ابن أبي عدي ، كلاهما عن شعبة ، ح، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو بكر بن خلاد ، قالا: حدثنا يحيى وهو القطان ، عن سفيان ، كل هؤلاء عن الأعمش بإسناد جرير .
في حديث هشيم وشعبة : مسح بيده، قال: وفي حديث الثوري : مسحه بيمينه، وقال في عقب حديث يحيى عن سفيان عن الأعمش ، قال: فحدثت به منصور فحدثني عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة بنحوه.
وحدثنا شيبان بن فروخ ، قال: حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، عن عائشة ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا عاد مريضاً يقول: (أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً) ]. تقدم هذا.
قال: [وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالا: حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المريض يدعو له، قال: (أذهب البأس، رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)، وفي رواية أبي بكر : فدعا له، وقال: ( وأنت الشافي)].
هذا تقدم، وفيه: أن الشافي من أسماء الله عز وجل، وفيه أيضاً أن الشفاء كله من الله سبحانه وتعالى، (لا شفاء إلا شفاؤك)، فهذا حصر، وأن الشفاء كله من الله سبحانه وتعالى، لكن الإنسان يتخذ الأسباب، وهذه الأسباب لا تنفع إلا بإذن الله عز وجل ومشيئته وإرادته.
قال: [وحدثني القاسم بن زكريا ، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن منصور عن إبراهيم ومسلم بن صبيح عن مسروق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي عوانة وجرير .
قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لـأبي بكر ، قالا: حدثنا ابن نمير ، حدثنا هشام ، عن أبيه، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي بهذه الرقية: (أذهب البأس رب الناس، بيدك الشفاء لا كاشف له إلا أنت)].
في هذا إثبات صفة اليد لله سبحانه وتعالى، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة .
قال: [ وحدثنا أبو كريب ، قال: حدثنا أبو أسامة ، ح، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عيسى بن يونس ، كلاهما عن هشام بهذا الإسناد مثله.
النفث قيل: بأنه النفخ بلا ريق، وقيل: بأنه النفخ مع الريق، وكلاهما وارد، وعلى هذا نقول: بأن كلا الأمرين جائز، وإلا فإن أهل العلم اختلفوا، هل النفث يكون معه ريق أو لا يكون معه ريق؟ نقول: بأن كلا الأمرين جائز.
[قالت: ( فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه؛ لأنها كانت أعظم بركة من يدي )، وفي رواية يحيى بن أيوب : ( بمعوذات )].
وفي هذا: الرقية بمعوذات، وفيه كما تقدم: أن يكون الإنسان يرقيه غيره، أن هذا لا ينافي التوكل، وأيضاً لو رقاك غيرك، فإن السنة أن تتركه يرقي وأن لا تمنعه من الرقية، لفعل عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: بركة يد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: المسح على بدن المريض، ومكان الوجع.
وفيه أيضاً: استخدام المرأة، وأن هذا جائز ولا بأس به، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة.
قال: [حدثنا يحيى بن يحيى ، قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة ، ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيده رجاء بركتها ).
وحدثني أبو الطاهر وحرملة ، قالا: أخبرنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس ، ح، وحدثنا عبد بن حميد ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، ح، وحدثني محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا روح ، ح، وحدثنا عقبة بن مكرم وأحمد بن عثمان النوفلي ، قالا: حدثنا أبو عاصم ، كلاهما عن ابن جريج ، قال: أخبرني زياد كلهم عن ابن شهاب بإسناد مالك نحو حديثه، وليس في حديث أحد منهم: (رجاء بركتها) إلا في حديث مالك ، وفي حديث يونس وزياد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده ).
الحمة: هي ذات السموم كالعقرب ونحو ذلك، وفي هذا الرقية من ذات السموم، وفي الحديث: (لا رقية إلا من عين أو حمة)، يعني الرقية الكاملة هي الرقية التي تكون من العين أو من الحمة، فدل ذلك أيضاً على أن ذات السموم من عقرب أو ثعبان ونحو ذلك، أنه يشرع لها الرقية.
قال: [حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت من الأنصار في الرقية من الحمة)].
في هذا أيضاً: مشروعية مثل هذه الرقية، وأن الإنسان إذا أصابه جرح أو قرحة يقول بيده هكذا، يعني: يضع إصبعه السبابة في الأرض، يبلها بشيء من الماء أو بالريق، ويضعها في الأرض، ثم يضعها على هذا الجرح على القرحة مع الرقية، وهذا يكون من أسباب الشفاء.
وهل هذا يكون خاصاً بأهل المدينة أو أنه شامل لكل أرض؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم، والذي يظهر والله أعلم أنه شامل، وأن هذا من أسباب العلاج بإذن الله عز وجل، والذي يظهر والله أعلم أن أصل الآدمي مخلوق من التراب، يعني: أصله مخلوق من التراب، فيكون علاجه بهذا التراب، والله أعلم، ولا أدري الطب هل له شيء في هذا؟
هذا تقدم لنا العين، وتقدم الكلام على العين، وأن من طرق الشفاء من العين هي الرقية، تقدم لنا.
قال: [حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال: حدثنا أبي، حدثنا مسعر بهذا الإسناد مثله.
وحدثنا ابن نمير ، قال: حدثنا أبي، حدثنا سفيان ، عن معبد بن خالد ، عن عبد الله بن شداد ، عن عائشة قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين ).
وحدثنا يحيى بن يحيى ، قال: أخبرنا أبو خيثمة ، عن عاصم الأحول ، عن يوسف بن عبد الله ، عن أنس بن مالك في الرقى، قال: ( رخص في الحمة والنملة والعين )].
الحمة تقدم معناها، والعين أيضاً تقدمت، والنملة: هي عبارة عن قروح تصيب باطن الجنب، ومن طرق علاجها الرقية.
قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا يحيى بن آدم عن سفيان ، ح، وحدثني زهير بن حرب، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، قال: حدثنا حسن وهو ابن صالح ، كلاهما عن عاصم عن يوسف بن عبد الله عن أنس قال: ( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة، والنملة )، وفي حديث سفيان : يوسف بن عبد الله بن الحارث .
حدثني أبو الربيع سليمان بن داود ، قال: حدثنا محمد بن حرب ، قال: حدثني محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيت
الجارية: هي البنت الصغيرة، والسفعة كما جاء في الحديث تفسيرها: هي التي بوجهها صفرة، وقيل: كأن بوجهها سواداً.. إلخ، فذكر أن بها نظرة، يعني: العين، أي: أصابتها العين.
قال: [وحدثني عقبة بن مكرم العمي ، قال: حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، قال: وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: رخص النبي صلى الله عليه وسلم لآل حزم في رقية الحية، وقال لـأسماء بنت عميس : (ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة، قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم، قال: أرقيهم، قالت: فعرضت عليه. فقال: أرقيهم )].
قوله: (ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة)، يعني: ضعيفة، تصيبهم الحاجة، هل هذا من الفقر تكون ضعيفة؟ فقالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم، فقال: (أرقيهم).
في هذا أيضاً: تفقد النبي صلى الله عليه وسلم لأتباعه، فيسن للكبير والمتبوع تفقد أتباعه، والسؤال عنهم..
في هذه الروايات تفسير لما تقدم من أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لبيت من الأنصار أنهم بنو عمرو..إلخ، والحمة كما تقدم في هذا الحديث الحية.
قال: [قال أبو الزبير : وسمعت جابر بن عبد الله يقول: ( لدغت رجلاً منا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله! أرقي؟ قال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )].
في هذه الرواية الرقية: من ذوات السموم، وفيه أيضاً: أن الرقية نافعة لذوات السموم، وفيه أيضاً مشروعية نفع المسلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج ، قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: ( كان لي خال يرقي من العقرب، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، قال: فأتاه فقال: يا رسول الله! إنك نهيت عن الرقى، وأنا أرقي من العقرب، فقال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )].
هذا النهي إما أن يكون في أول الأمر ثم نسخ، أو أن النهي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً)، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهاه، يخشى أن تكون من الشرك، وهي الرقية بالطلاسم أو بأسماء الأصنام أو بأسماء الجن والشياطين ونحو ذلك، أو الاستغاثات بغير الله عز وجل مما يكون شركاً لناقله، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم رقيته رخص له في الرقية.
وبهذا نأخذ أن من شروط الرقية أن تكون بالأدعية، وبالقراءات والأذكار المشروعة، والأدعية المباحة، هذا الشرط الأول.
والشرط الثاني: أن تكون باللغة العربية أو بمعناها من غيرها، يعني بمعنى الأذكار المشروعة من غير اللغة العربية.
والشرط الثالث: أن يعتقد أنها مجرد سبب، وأنها ليست مؤثرة لذاتها.
والشرط الرابع: إذا كانت مكتوبة فلابد أن تكون مكتوبة بخط واضح، ما تكون مجرد خطوط..، وإلا أصبحت من الطلاسم.
والشرط الخامس: إذا كانت مكتوبة.. إلخ، ويراد أن تعلق ونحو ذلك، فإنه لابد أن يكون ذلك بعد وقوع البلاء كما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها، إذا كان المراد التعليق يكون بعد وقوع البلاء، يعني وقوع المرض.
قال: [وحدثناه عثمان بن أبي شيبة ، قال: حدثنا جرير عن الأعمش بهذا الإسناد مثله.
قال: حدثنا أبو كريب ، قال: حدثنا أبو معاوية ، قال: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأساً، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه )].
هذه الرواية تبين الرواية السابقة وسبب النهي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم خلوها من الشرك..، وأيضاً يدل على ذلك الحديث الذي بعده.
قال: [ حدثني أبو الطاهر ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: أخبرني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال: (كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك؟ قال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك)].
وفي هذا أيضاً أن الرقية كانت موجودة قبل الإسلام، وأنها كانت موجودة في الجاهلية، لكن الإسلام جاء وأقرها وصحح ما يحتاج إلى تصحيح، والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر