مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: (نور على الدرب).
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز!
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم!
المقدم: حياكم الله!
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع علي الصبيو علي ، أخونا يسأل ويقول: ما حكم التبليغ وراء الإمام؟ وهل هو لازم في كل صلاة، أم يكون عندما لا يسمع الإمام؟ فنرجو أن توضحوا لنا ذلك، وعدد المرات التي يبلغ فيها، جزاكم الله خيراً؟ وهل كان لهذا الأمر مثيل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن التبليغ مشروع إذا كان الإمام لا يبلغ الناس لمرضه، أو ضعف صوته، أو اتساع المسجد وكثرة العالم؛ فإنه يشرع أن يكون هناك مبلغ يبلغ تنقلات الإمام، حتى يستطيع المأمومون متابعة الإمام، وأصل هذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه في مرضه صلى الله عليه وسلم في بعض الأيام صلى بالناس، وكان أبو بكر عن يمينه، وكان يصلي قاعداً عليه الصلاة والسلام وقد ضعف صوته بسبب المرض، فكان الصديق يبلغ عنه، الصديق يقتدي به عليه الصلاة والسلام، والناس يقتدون بـأبي بكر ، وما ذاك إلا لضعف صوته عليه الصلاة والسلام بسبب المرض؛ فكان أبو بكر يبلغ عنه.
وهذا هو الأصل في هذا الباب، فإذا دعت الحاجة إلى مبلغ واحد أو أكثر فإنه يشرع أن يوجد مبلغ أو أكثر، حتى يبلغا جميع المأمومين، سواء كان في المساجد، أو في الصحراء في حال المسافرين، وإذا كفى واحد فالحمد لله، وإلا جعل جماعة حتى يبلغوا حركات الإمام من الركوع إلى رفعه وإلى سجوده، إلى غير ذلك.
المقدم: جزاكم الله خيراً!
إذاً: هذا الأمر عرف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: نعم، وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفعله صلى الله عليه وسلم، يعني: أقره صلى الله عليه وسلم.
الجواب: عليك أن تحرم من محل إقامتك، من بحرة والحمد لله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر المواقيت قال بعد ذلك: (ومن كان دون ذلك)، أي: دون المواقيت؛ (فمهله من حيث أنشأ)، وفي اللفظ الآخر: (من حيث أهله، حتى أهل مكة يهلون من مكة).
فإذا أردت الحج أهللت من بحرة.. لبيت بالحج من بحرة، وهكذا العمرة تلبي بها من بحرة والحمد لله، هذا هو السنة.
الجواب: الهدي يكون في نوعين: في التمتع، والقران، أما إفراد الحج فليس فيه هدي، وإنما الهدي في التمتع، وهكذا القران يسمى تمتع أيضاً ففيه الفدية؛ لقوله جل وعلا: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196].
فقوله: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) هذا يشمل القارن ويشمل المتمتع.
فالقارن يلبي بهما جميعاً.. يلبي بالحج والعمرة جميعاً، يقول: لبيك عمرة وحجاً، ويبقى على إحرامه حتى يكمل حجه وعليه الفدية.
والمتمتع: يلبي بالعمرة ثم يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، يقال له: متمتع؛ لأنه تحلل من عمرته.
والقارن: يبقى على إحرامه حتى يحل منه حجه وعمرته جميعاً يوم النحر، وهذا إذا كان معه هدي، أما إذا لم يكن معه هدي فإن السنة أنه يطوف ويسعى ويقصر ويحل، ولا يبقى على إحرامه، بل يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، ويكون متمتعاً، وعليه الهدي شاة واحدة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة؛ لقوله جل وعلا: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، يعني: فليذبح ما استيسر من الهدي، أو فعليه ما استيسر من الهدي، وأقل ما استيسر شاة، أو سبع بدنة أو سبع بقرة.
والفرق بين المتمتع والقارن: أنه إن حل من عمرته سمي متمتعاً، وإن بقي على إحرامه ولم يحل سمي قارناً، والقارن: عليه التحلل إذا لم يكن معه هدي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى أصحابه الذين أحرموا بالحج والعمرة جميعاً ولم يحرموا بالحج وحده، أمرهم أن يتحللوا ثم يجعلوها عمرة، إلا من كان معه الهدي، وهذا هو السنة.
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم وضح للأمة مناسك العمرة ومناسك الحج، بفعله وقوله عليه الصلاة والسلام.
أما العمرة: فالمشروع أن يحرم بها من ميقات بلده إذا مر عليه، فإن كان مر على ميقات آخر أحرم من الميقات الذي يمر عليه، وإن كان دون المواقيت كأهل مكة أحرموا من مكانهم بالعمرة، يقول: اللهم لبيك عمرة، ويلبس الإزار والرداء إن كان رجلاً، وإن كانت امرأة لبست ما تيسر لها من ثيابها، وأحرمت بالعمرة، وتلبي كما يلبي الرجل فيقولان: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويستمر كل منهما في التلبية حتى يصلا إلى مكة، فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت سبعة أشواط، وصلى ركعتين عند المقام، ثم سعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة، ثم قصر أو حلق؛ هذه هي العمرة.. هذه أنساكها، يحرم بها من ميقات بلده إن كان من طريق بلده، وإن جاء من ميقات آخر أحرم من الميقات الذي يمر عليه، وإن كان دون المواقيت أحرم من مكانه، كبحرة وجدة ونحو ذلك، ثم إذا دخل مكة طاف وسعى وقصر؛ هذه هي العمرة، وعليه أن يلبي من ميقات بلده إن كان مر عليه وإلا من الميقات الذي يمر عليه، وعرفت أنه إذا كان دون الميقات فيحرم من مكانه مثل بحرة يحرم من مكانه يقول: اللهم لبيك عمرة، ثم يستهل بالتلبية الشرعية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويستمر يلبي في طريقه حتى يصل إلى مكة، فإذا وصل إلى مكة طاف وسعى وقصر، وتمت العمرة.
والطواف كونه يدور حول الكعبة سبعة أشواط، من الحجر إلى الحجر.. من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، يذكر الله أو يقرأ القرآن، أو يدعو؛ هذا هو السنة، فإذا فرغ صلى ركعتين خلف المقام، يقرأ فيهما بالفاتحة وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] في الأولى، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] في الثانية، هذا هو الأفضل.
ثم بعد ذلك يتوجه إلى الصفا، ويسعى سبعة أشواط من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، فيبدأ بالصفا ويختم بالمروة سبعة أشواط، ثم يحلق رأسه أو يقصر، والحلق أفضل إذا كان الوقت بعيد عن الحج، الحلق أفضل.
أما إذا كانت العمرة قريبة من الحج وهو يريد أن يحج فإنه يكتفي بالتقصير هذا الأفضل، إن كانت العمرة في ذي القعدة مثلاً، أو في أول ذي الحجة، وهو يريد أن يحج فإن الأفضل أن يقصر حتى يبقى الحلق للحج.
والحج مثل ذلك، إذا أراد الحج يحرم من ميقاته إن كان مر عليه، أو من الميقات الذي يمر عليه، وإن كان دون ذلك أحرم من محله من البحرة ونحوها، يلبي بالحج يقول: لبيك حجاً، ويشتغل بالتلبية الشرعية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويحرم في إزار ورداء، هذا هو الأفضل، إزار ورداء أبيضين، يعقد الإزار عليه، والرداء يجعله على كتفيه ويطوف، وإذا كان في طواف القدوم.. الطواف الأول جعل الرداء تحت إبطه.. جعل وسطه تحت إبطه وجعل أطرافه على عاتقه الأيسر؛ ويسمى الاضطباع في الطواف الأول، هذا هو الأفضل في السبعة الأشواط يضطبع، يعني: يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، ويجعل أطرافه على عاتقه الأيسر ويطوف سبعة أشواط، طواف القدوم، ويرمل في الشوط الأول والثاني والثالث، يعني: يركض فيه، يسمى الخبب بين المشي وبين الركض القوي، خبب، في الثلاثة الأشواط الأولى في الحج والعمرة جميعاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رمل في هذه الأشواط الثلاثة الأول والثاني والثالث، يعني: أسرع مع مقاربة الخطا، ويمشي في الأربعة الأخيرة في طواف العمرة وطواف الحج.. القدوم.. طواف القدوم.
ثم يسعى بين الصفا والمروة كما فعل في العمرة، يسعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة، يبدأ من الصفا ويختم بالمروة، سبعة أشواط، يدعو فيها ويذكر الله جل وعلا على الصفا وعلى المروة يذكر الله جل وعلا، ويدعو بما تيسر من الدعاء؛ لأن الدعاء مطلوب، وهو من جوامع الكلم، فيدعو الله بالطريقة التي يعرفها ويفهما.
ثم بعد ذلك إذا طاف وسعى وقصر أو حلق فإنه يتحلل، يكون حينئذ أدى عمرة متمتعاً بها إلى الحج.
ثم يحرم بالحج يوم الثامن مع الناس من مكانه.. من منزله، يقول: اللهم لبيك حجاً، ويحرم بإزار ورداء كما فعل في الميقات، ثم بعد ذلك يتوجه إلى منى فيقيم بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يعني: يصلي بها الظهر ركعتين والعصر ركعتين والمغرب ثلاث والعشاء ركعتين، ويصلي بها الصبح، ثم يقيم ما شاء الله.
ثم يتوجه إلى عرفات بعد طلوع الشمس يصلي بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء قصراً بدون جمع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويصلي بها الفجر مع سنتها ركعتين، فإذا طلعت الشمس توجه ملبياً أو مكبراً إلى عرفة، والتلبية أفضل، وإن كبر في الطريق فلا بأس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تركهم الملبي يلبي، والمهل يهل، فإن كبر أو سبح أو نحوه فلا بأس، وإن اقتصر على التلبية فالتلبية أفضل، هذا عمله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع؛ لأنه حج قارناً، فلما طاف وسعى بقي على إحرامه لم يحل، طاف ورمل في الطواف في الأشواط الثلاثة، ومشى في الأربعة، واضطبع عليه الصلاة والسلام في طواف القدوم، وجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن، وطرفه على عاتقه الأيسر، واستمر مضطبعاً حتى كمل الطواف، هذا هو السنة، وبقي على إحرامه لم يتحلل لأنه معه الهدي، قد أهدى، والمهدي لا يتحلل.. يبقى على إحرامه، يطوف ويسعى ويبقى على إحرامه، ويضطبع في طواف القدوم كما سبق في العمرة والحج جميعاً، يضطبع يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وأطرافه على عاتقه الأيسر.
أما الرمل فهو في الثلاثة الأشواط الأول فقط، وهو المسارعة في المشي مع تقارب الخطا، يعني: يخب حتى يكمل.
والسنة أنه يستلم الحجر الأسود ويقبله في كل شوط، يبدأ به أولاً فيستلمه بيده ويقبله كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول عند ذلك: الله أكبر! عندما يستلم الحجر يقول: الله أكبر! أو بسم الله والله أكبر! فإن عجز عن التقبيل استلمه بيده وقبل يده، أو بعصا وقبل طرفها، فإن عجز كبر وإن لم يستلم شيئاً.. كبر وأشار إليه فقط كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وهو سنة.. التقبيل والاستلام والتكبير كله سنة، ليس بفريضة، لكن إذا تيسر له أن يقبله ويستلمه استلمه بيده اليمنى وقبله وكبر، فإن عجز استلمه بيده وقبلها أو بعصا وقبلها وكبر، حتى يكمل الطواف لكل شوط.
ثم بعدما يقف بعرفات.. بعد الزوال يوم عرفة الناس يجتمعون في عرفات ويقفون بها، يعني: يجلسون فيها ذاكرين مهللين داعين مستغفرين.. الذي في خيمته والذي خارج خيمته، يدعون الله ويضرعون إليه حتى تغيب الشمس وهم في عرفات في دعاء وذكر وقراءة قرآن.. يرفع يديه ويدعو كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير).
فالدعاء في يوم عرفة مشروع، والإكثار من الذكر مشروع كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، والأفضل أن يقف راكباً على مطيته أو سيارته، فإن جلس في الأرض فلا بأس.. في خيمته، أو تحت شجرة فلا حرج، وذلك بعدما يصلي الجمع، يذهب إلى عرفات بعدما يصلون الجمع الظهر ركعتين، والعصر ركعتين بأذان واحد وإقامتين، يصلونها بعد الزوال مباشرة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، يصلون الظهر ركعتين والعصر ركعتين بأذان واحد وإقامتين.
ثم يتوجه الحجاج إلى عرفات، يلزم كل حاج أن يقف بعرفة.. لا يخرج عن عرفة حتى تغيب الشمس، وإن خرج ورجع فلا بأس.. خرج إلى حاجات ثم رجع إلى عرفات قبل غروب الشمس فلا بأس، المهم أن يبقى فيها جزءاً من النهار إلى غروب الشمس، بهذا يؤدي الواجب، ولكن إذا وقف بعد صلاة الجمع واستمر وصبر على طول الوقوف كان أفضل وأكمل.
والسنة أيضاً لمن كان في عرفات أن يكثر من الذكر، وقراءة القرآن، والدعاء رافعاً يديه حتى تغيب الشمس، سواء كان على الأرض، أو على السيارة، أو على مطية، يكثر من الذكر كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بقي على دابته حتى غابت الشمس يذكر الله ويحمده سبحانه وتعالى، والحكم واحد في حق الرجال والنساء.
ثم ينصرف الجميع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة ملبين، ويصلون بها المغرب والعشاء جمعاً، وقصراً للعشاء، المغرب ثلاثاً والعشاء ثنتين، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بأذان واحد وإقامتين، المغرب لا تقصر يصليها ثلاثاً ثم يصلي العشاء بعدها ثنتين، سواء وصل مبكراً أو متأخراً، إن وصل مبكراً فلا بأس، وإن وصل متأخراً كذلك، يجمع بين المغرب والعشاء متى وصل إلى مزدلفة؛ لفعله عليه الصلاة والسلام، قد جاء في حديث أسامة أنهم لما صلوا المغرب أمرهم فأناخوا رواحلهم، ثم صلى العشاء، وكونه ينيخ راحلته بعد المغرب لا يضر.
أما وضع الفرش وطرحها من ظهور الدواب أو من السيارات هذا يكون بعد الصلاة، يبدءون بالصلاة كما بدأ بها النبي صلى الله عليه وسلم، يبدءون بالمغرب والعشاء قصراً وجمعاً، سواء جاءوا مبكرين أو متأخرين، فيصلون المغرب والعشاء ثم بعد هذا ينظرون في حط رواحلهم والنظر في حاجاتهم وطعامهم ونحو ذلك.
المقدم: بالمناسبة لو تكرمتم سماحة الشيخ! فيما إذا وصلوا إلى مزدلفة متأخرين بعض الشيء هل ينتظرون دخول وقت صلاة العشاء أم يبدءون حينما يصلون؟
الشيخ: من حين يصلون ولو في وقت المغرب، من حين يصلون ولو في وقت المغرب، يصلون المغرب والعشاء جمعاً وقصراً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال للناس: من جاء قبل العشاء فلا يجمع، ترك الناس منهم العجل الذي يعجل بنفسه، ومنهم البطي، لكن لو تأخر في الطريق بسبب زحمة أو غيرها فليس له أن يؤخرها إلى بعد نصف الليل يصليها في الطريق، لو زحم أو تعطلت سيارته لا يؤخر إلى مزدلفة، يصليها في الوقت.. يصليها قبل نصف الليل ولو في الطريق، إنما يؤخر إلى مزدلفة إذا كان سليماً، أما إذا زحم أو تعطلت سيارته فليس له التأخير إلى بعد نصف الليل؛ لأن حد وقت العشاء إلى نصف الليل، بل يصلي في الطريق.
المقدم: إنما يبدأ حينما يصل إلى مزدلفة يبدأ مباشرة بالصلاة!
الشيخ: نعم.
المقدم: ولا يؤخرها إلى وقت العشاء.
الشيخ: لا يؤخرها ولا إلى حط الرحال، وبعد هذا كله، كما صنع في حجه صلى الله عليه وسلم انصرف من مزدلفة.. بات بها تلك الليلة ثم صلى بها الفجر، ثم ذكر الله عند المشعر ذكره كثيراً حتى أسفر، والمسلمون معه، مستقبل القبلة فلما أسفر انصرف إلى مكة، وأقام في منى عليه الصلاة والسلام يوم العيد والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، يقصر ولا يجمع، يصلي الظهر في وقتها، والعصر في وقتها، والعشاء في وقتها، والمغرب في وقتها، هذا هو الأفضل؛ لأنه مستريح، ليس عنده زحمة، ودخل ضحوة يوم العيد بعدما رمى الجمرة وطاف عليه الصلاة والسلام؛ لأن عليه طواف، لأنه قارن، قد طاف وسعى قبل ذلك وما بقي عليه إلا الطواف، فلما رمى الجمرة يوم العيد ونصح الناس ووعظهم دخل بعدما حلق وطيبته عائشة وطاف طواف الإفاضة يوم العيد، رمى يوم العيد، ثم حلق ووزع شعره على الصحابة، ثم طيبته عائشة ، ثم نزل إلى مكة عليه الصلاة والسلام؛ فدل على أن بعد الطواف وبعد الرمي والحلق يتحلل بالطيب ويتأخر الطواف؛ لأن من رمى وحلق صار متحللاً التحلل الأول، ولهذا طيبته عائشة رضي الله عنها، ثم توجه إلى مكة فطاف طواف الإفاضة ولم يسع؛ لأنه قارن، والقارن كالمفرد يجزيه سعي واحد، وقد سعى عند طواف القدوم فأجزأه ذلك، فمن فعل فعله صلى الله عليه وسلم فقد أصاب السنة، إذا جاء يوم العيد ورمى الجمرة بسبع حصيات -جمرة العقبة- وحلق أو قصر فقد أصاب النسك، وإن كان عنده هدي ذبحه بعد الرمي.. ينحر الهدي بعد الرمي كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، يرمي الجمرة، ثم ينحر، ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل، ثم يتطيب ويتحلل، ثم يذهب إلى مكة للسعي، سواء كان السعي عن تمتع أو قران أو إفراد، لكن إن كان قد سعى مع طواف القدوم أجزأه في القران وفي الإفراد، ويبقى عليه سعي التمتع إذا كان متمتعاً.
أما إذا كان ما سعى مع طواف القدوم فإنه يسعى بعد طواف الإفاضة في يوم العيد أو بعده؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف طواف الإفاضة ولم يسع لأنه قد سعى قبل ذلك، وعائشة لما كانت لم تسع بسبب الحيض أمرها بالطواف والسعي يوم العيد.
وهكذا كل إنسان أحرم بالحج أو بالقران ولم يسع مع طواف القدوم فإنه يسعى بعد طواف الإفاضة يوم العيد أو بعده، وأما المتمتع فلا بد من سعيه بعد طواف الإفاضة؛ لأنه أفرد الحج أو أفرد العمرة أولاً وانتهى منها، ثم أحرم بالحج ففصل كل واحد على حده، فالعمرة لها طوافها وسعيها، والحج له طوافه وسعيه.
ثم من تمامه أنه رمى الجمار أيضاً في الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر على سبع.. سبع بعد الزوال، يرمي الجمار الثلاث كل جمرة بسبع حصيات بعد الزوال يكبر مع كل حصاة في الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر؛ لأنه لم يتعجل عليه الصلاة والسلام، وكان يكبر مع كل حصاة ودعا عند الأولى جعلها عن يساره ووقف مستقبل القبلة يدعو طويلاً، ثم ذهب إلى الوسطى ورماها بسبع حصيات، ثم جعلها عن يمينه، وأخذ ذات الشمال وجعل يدعو، ثم رمى جمرة العقبة ولم يقف عندها، بل رمى وانصرف، دل ذلك على أنه في رمي الجمار يقف عند الأولى والثانية يدعو ربه.. يطيل للدعاء بعد الرمي، وأما الثالثة فلا يقف عندها يعني: في الحادي عشر والثاني عشر، وهكذا في الثالث عشر إذا لم يتعجل.. إذا لم يتعجل فإنه أيضاً يرمي بعد الزوال يوم الثالث عشر، ويكمل حجه برمي الجمار الثلاث، يكبر مع كل حصاة مثل ما فعل في الحادي عشر والثاني عشر.
لكن المتعجل ينصرف يوم الثاني عشر بعد أن رمى، يعني: ينفر إلى مكة بعد الرمي يوم الثاني عشر بعد الزوال؛ لأنه في هذه الحال قد انتهى من الجمار ما دام نوى التعجل، يتوجه إلى مكة ويقيم بها أو يطوف طواف الوداع ويسافر.
أما من أقام في منى ليلة الثالث عشر ولم يعجل فإنه يرمي الجمار الثلاث في اليوم الثالث عشر بعد الزوال، كما رماها في الحادي عشر والثاني عشر، وبذلك انتهى وقت الرمي، ولم يبق عليه إلا طواف الوداع إذا كان طاف للحج في شوال فإنه يبقى عليه طواف الوداع؛ لأن طواف الإفاضة قد أداه في يوم العيد.
المقدم: سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل -بعد شكر الله سبحانه وتعالى- على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر