مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج (نور على الدرب).
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من الكويت، وباعثتها إحدى الأخوات من هناك تقول: (ع. ص. ع)، أختنا لها مجموعة من الأسئلة، في سؤالها الأول تقول: هل يجوز وضع المساحيق "المكياج" والذهاب إلى الكوافير، علماً بأني متغطية وأرتدي اللباس الشرعي، وذلك في الحفلات والأعراس، علماً بأنه لا يوجد رجال في العرس، ولا في الكوافير (صوالين الحلاقة) أرجو التكرم بتوجيهنا جزاكم الله خيرا؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فما يتعلق بالمساحيق هذا شيء فيه تفصيل: إن كانت هذه المساحيق أشياء مباحة ليس فيها محذور، ولا تؤثر ضرراً على المرأة في وجهها فلا بأس.
أما إن كانت مساحيق من أشياء مسكرة أو أشياء تضر الوجه وتسبب فيه بقعاً سوداً أو أشياء تضر المرأة؛ فإنها لا تجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، فالمؤمن والمؤمنة كلاهما لا يجوز لهما أن يتعاطيا شيئاً يضرهما لا في الوجه ولا في غيره من البدن، فإذا كان هذا المكياج -الذي هو المساحيق- ينور الوجه ولا يضره بشيء وليس من مادة محرمة؛ فلا حرج في ذلك.
أما الذهاب إلى الكوافير هذا أمر خطير ولا ينبغي الذهاب إليها، ولا ينبغي فتح هذا الباب؛ لأنه يترتب عليه شر عظيم وإضاعة أموال، وربما صار وسيلة إلى شر كثير وفساد عظيم إذا تولاه من لا يؤمن، فالحاصل أني أنصح بعدم فتح الكوافير وبعدم الذهاب إليها، وأن كل امرأة تكتفي بما جرت به العادة في بيتها مع أهلها وأخواتها وأمها ونحو ذلك، ولا حاجة إلى الكوافير، ولا ينبغي فتح الكوافير، ولا ينبغي للدولة السماح بذلك؛ لأن هذا يترتب عليه أخطار عظيمة، نسأل الله للجميع الهداية والعافية.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرا، إذاً تنصحون الأخوات بعدم الذهاب إلى هذه المحلات؟
الشيخ: نعم، ننصحهن ألا يذهبن إليها، وأن تكتفي المرأة في بيتها بما جرت به العادة من إصلاح نفسها بالغسل والنظافة وطريقة الناس في تعديل الشعر وتصليح الشعر بما جرت به العادة فيما بينهن.
وقد أغنى الله الأولين عن هذا ولم يحتاجوا إلى الكوافير.
الجواب: نعم، جاء هذا الحديث بإسناد جيد رواه الترمذي وغيره: (أنه لا تقوم الساعة حتى يكلم الرجل فخذه بما صنعه أهله، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه بما صنعه أهله).
و(عذبة السوط): طرف السوط.
والمعنى: أنه يكون في آخر الزمان شيء يجعل في السوط أو في العصا أو نحو ذلك، يترتب عليه حفظ كلام الأهل، وذلك كالمسجلات التي وقعت الآن هي من هذا الباب، فقد تجعل في السوط قد تجعل في العصا، وقد تجعل في شبه ساعته في البيت صغيرة، وقد يجعلها الإنسان في عضده؛ فيحفظ كل شيء.
المقدم: أو في الأقلام.
الشيخ: كل هذا واقع، فإذا جعل المسجل في محل في البيت عند أهله وحول أهله؛ سجل عليهم كل ما يقولون.
وأما الفخذ فقد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وسيقع؛ لم نسمع به الآن ولكنه في آخر الزمان يقع ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام. نعم.
المقدم: إذاً هذا من المعجزات النبوية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
الشيخ: نعم؛ لأنه أخبر بها قبل أن تقع فوقعت كما أخبر، وهذا مما يدل على أن الله أوحى إليه من السماء وأخبره؛ لأنه لا يعلم الغيب، وإنما يخبر بما خبره الله به، كما قال الله سبحانه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4]، فقوله: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ) يعني: محمد عليه الصلاة والسلام، (وَمَا غَوَى): أي: ليس بضال وهو الجاهل، وليس بغاو وهو الذي يعمل بخلاف العلم، بل هو رشيد مؤمن بصير عالم بما أوحى الله إليه عليه الصلاة والسلام، (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى): ليس ممن ينطق عن هواه وشهوته بغير علم ولا هدى، بل إنما ينطق عن علم وعن وحي من الله عز وجل أوحاه الله إليه عليه الصلاة والسلام. نعم.
المقدم: سماحة الشيخ! أعتقد أنني قرأت الحديث خطأً وهو حديث له أهميته، حبذا لو تكرمتم بإعادته؟
الشيخ: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يكلم الرجل فخذه بما صنعه أهله، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه بما صنعه أهله)، السوط، السوط: يطلق على العصا ويطلق على ما يفتل من شيء من سيور أو غيرها يقال له: سوط؛ لأنه يساط به الأشياء، وتساق به الأشياء.
الجواب: نعم لا مانع من ذلك، لا مانع من ذلك، والنفقة في المجاهدين الأفغان من أعظم النفقة ومن أفضل النفقة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا)، متفق على صحته.
فمن أراد أن يتبرع للمجاهدين الأفغان وأرسل ذلك إلينا؛ أوصلناه إليهم بالطريقة المتبعة، وإن سلمه لمحل السبيعي أو محل الراجحي وصل أيضاً؛ لأن الحكومة أمرت السبيعي والراجحي والبنك الأهلي وبنك الرياض أن تتقبل المساعدات.
المقدم: هذا بالنسبة للمملكة وأختنا من الكويت سماحة الشيخ؟
الشيخ: ما في بأس، إذا أرسلت إلينا لا بأس، من أرسلنا إلينا من الكويت أو غيرها للمجاهدين هو يصلهم إن شاء الله.
الجواب: نعم نعم، أنا قرأت الكتاب المذكور، وسألت جماً غفيراً من المجاهدين وغير المجاهدين، فذكروا بعض هذه الكرامات التي في الكتاب، فهي بين صحيح وبين محتمل، فجملة منها صحيحة ومعروفة وواقعة، وجملة منها قاله بعض المجاهدين وقاله بعض الإخوان؛ فيحتمل أنه واقع، ويحتمل أنه ليس بواقع؛ لأنه ليس كل خبر يكون معتبراً حتى يخبر به الثقة المضبوط.
المقصود أن كرامات الأولياء ثابتة، والمجاهدون في سبيل الله من أفضل عباد الله الصالحين إذا أخلصوا لله وصدقوا في الجهاد، وهم من أولياء الله؛ فكراماتهم يقينية ليس فيها شك، وقد وقع هذا للصحابة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع لمن بعدهم من أولياء الله المؤمنين إلى يومنا هذا.
والمجاهدون الأفغان جهادهم عظيم وجهادهم من الجهاد في سبيل الله، وهو جهاد لأكفر الدول وأقبحها وأشنعها، وهي لدولة الشيوعية دولة السوفييت، هذه الدولة أكفر الدول، وأشدها خطراً على المسلمين، نسأل الله العافية.
فجهاد الأفغان من أفضل الجهاد، ومعاونتهم من أفضل المعاونة، والواجب على المسلمين أن يساعدوهم في كل شيء، الله المستعان.
المقدم: في الزكاة أو في غيرها.
الشيخ: بالزكاة وغيرها.
الجواب: الله سبحانه قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في غالب الآيات.
المقدم: الجهاد بالمال مقدم.
الشيخ: قدمه على الجهاد بالنفس؛ لقوله تعالى: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:41]، وقال تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:19].
فالمقصود أن الجهاد في سبيل الله له شأن عظيم، وهو بالمال أفضل من بعض الوجوه، وبالنفس أفضل من بعض الوجوه، فالنفس أغلى شيء عند الإنسان، فإذا جاهد بنفسه فهذا أفضل الجهاد؛ لأنه جاهد بنفسه.
لكن قدم الله المال؛ لأن المال ينفع في جهات كثيرة، يستطاع أن يستأجر به المجاهد، يستطاع أن يجهز به المجاهد، يستطاع أن يشترى به السلاح، يشترى به الطعام والشراب، تشترى به الكسوة، تشتري به المئونة الذخيرة، فنفع المال متنوع، أما الجهاد بالنفس فهو جهاد خاص، وهو بذله نفسه في سبيل الله عز وجل، لكن ما يستفاد من المال أنواع منوعة.. كثيرة.. أصناف؛ فلهذا قدم في غالب الآيات، وذكرت النفس في آية واحدة في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111]، فلما كان المقام مقام تقديم النفس وتقديم المال، فتقديم النفس أعظم من تقديم المال وأغلى عند الله وعند المؤمنين.
المقدم: جزاكم الله خيرا، يا أخت (ع. ص. ع) من الكويت سنعود إلى بقية أسئلتك في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.
الجواب: نعم، هذا قاله بعض السلف، ليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما قاله بعض العلماء، قالوا: الساكت عن الحق شيطان أخرس، والناطق بالباطل شيطان ناطق، فالذي يقول الباطل ويدعو إلى الباطل هذا من الشياطين الناطقين، والذي يسكت عن الحق مع القدرة ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ولا يغير ما يجب تغييره ويسكت وهو يستطيع أن يتكلم؛ هذا يقال له: شيطان أخرس، من شياطين الإنس يعني؛ لأن الواجب على المؤمن إنكار الباطل والدعوة إلى المعروف، وإذا استطاع هذا وجب عليه، كما قال الله جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، وقال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقابه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، خرجه الإمام مسلم في صحيحه، هذا يبين لنا وجوب إنكار المنكر على حسب الطاقة: باليد ثم اللسان ثم القلب، فالذي يسكت عن إنكار المنكر وهو قادر ليس له مانع؛ هذا هو الشيطان الأخرس.
الجواب: نعم هو الأفضل، الأفضل بالماء الدافئ لأنه أبلغ في الإسباغ، لكن إذا احتاج الماء البارد وصبر عليه له فضل عظيم، لما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات ويمحو به الخطايا؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره -وفي لفظ قال: في السبرات، يعني: في البرد- وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط)، خرجه مسلم في صحيحه، فإسباغ الوضوء في المكاره في حال شدة البرد عند الحاجة إليه؛ هذا يدل على قوة الإيمان، ويكون الأجر أعظم، لكن إذا تيسر له الماء الدافئ يكون أفضل؛ لأن هذا الماء الدافئ يكون أعون له على الإسباغ، وإكمال الوضوء كما شرع الله سبحانه وتعالى، وأبلغ أيضاً في إزالة الأوساخ والنظافة.
المقدم: هذا الدافئ؟
الشيخ: هذا الدافئ. نعم.
الجواب: هذا فيه تفصيل يا أخي: إن كان المقصود من كلامك هذا منعها من العمل، وليس قصدك إيقاع الطلاق، وإنما أردت تهديدها وتخويفها لعلها تستجيب؛ فعليك كفارة يمين، ويكون هذا الطلاق في حكم اليمين في أصح قولي العلماء، كما أفتى بذلك جماعة من أهل العلم منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله، وجماعة من أهل العلم، هذا إذا كان قصدك منعها وتهديدها وتخويفها، ثم رجعت عن ذلك ورأيت أن تسمح لها؛ فلا بأس وعليك كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام -كما بينه الله في سورة المائدة- وإطعام المساكين: هو أن يعطى كل واحد نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز، يعني: كيلو ونصف تقريباً، أو كسوة تجزئهم في الصلاة كإزار ورداء أو قميص، أو إعتاق رقبة كما بينه الله سبحانه وتعالى.
أما إن كنت قصدت إيقاع الطلاق، يعني: نيتك إيقاع الطلاق أو ناو هذا وهذا: قصدت منعها وقصدت إيقاع الطلاق جميعاً؛ فإنه يقع عليها بهذا طلقة على الصحيح، ولو قلت بالثلاث يقع طلقة واحدة؛ لأن الطلاق بالثلاث بكلمة واحدة ولفظ واحد يعتبر طلقة واحدة في أصح قولي أهل العلم؛ لأنه ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه جعل الطلاق الثلاث واحدة)، لفظ ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصديق أبي بكر وأول خلافة عمر طلاق الثلاث بواحدة، وفي لفظ سئل: ألم تكن الثلاث تجعل واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وفي أول خلافة عمر؟ قال: بلى، يعني: ابن عباس رضي الله عنهما، فالمقصود أنه أخبر ابن عباس أن الطلاق كان يجعل واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: الطلاق بالثلاث بكلمة واحدة يجعل واحدة في عهد الصديق رضي الله عنه، ثم في عهد عمر ، كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رأى عمر إمضاء الثلاث ولو بكلمة واحدة، فأمضاها رضي الله عنه وأرضاه ردعاً للناس عن التساهل بالطلاق.
فالحاصل أنك إذا كنت أردت الطلاق أو أردت الأمرين: الطلاق والمنع جميعاً، ثم سمحت لها أو عصتك وذهبت إلى العمل؛ فإنه يقع عليها طلقة واحدة بهذا، ولك مراجعتها ما دامت في العدة، إذا كنت لم تطلقها طلقتين قبل ذلك، أما إن كنت طلقتها طلقتين قبل ذلك تكون هذه هي الأخيرة، ولا تحل إلا بعد زوج، بعد زوج شرعي، وبعد وطئه لها، ثم فراقه لها بموت أو طلاق.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر