أما بعــد:
فيا إخوة الإسلام! ويا جموع حجاج بيت الله الحرام! أوصيكم ونفسي في هذا الجمع المبارك، وفي هذا المكان والزمان المبارك بتقوى الله عز وجل، حجاج بيت الله الحرام اشكروا الله سبحانه على ما يسر لكم من الوصول إلى بيته الحرام؛ لأداء فريضة عظيمة من فرائض الإسلام، واستغلوا -رحمكم الله- وجودكم في هذه البقاع الشريفة بالاجتهاد في الأعمال الصالحة، والإخلاص لله وحده في الأقوال والأفعال، والإلحاح على الله بالدعاء في الطواف والصلاة والوقوف بـعرفة ، والتنقل في المشاعر المقدسة، واستشعار عظمة هذه المواقف، وأهمية هذه الفرائض وأدائها كما شرع الله وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم ).
اعلموا أن للحج منافع عظيمة، وآداباً عالية، وحكماً سامية، أهمها إعلان التوحيد الخالص لله، والإقرار بوحدانيته وألوهيته، وأنه المستحق للعبادة بجميع أنواعها دون ما سواه.
ومنها وحدة المسلمين وتلاحمهم، والمساواة بينهم، وإن تباعدت أقطارهم، وتباينت ديارهم، واختلفت لغاتهم وأجناسهم وألوانهم، وتوثيق عرى المودة والإخاء فيما بينهم، فيحس المسلم إحساس إخوانه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ويشعر شعورهم ، ويشاطرهم آمالهم وآلامهم، وما أحوج المسلمين اليوم إلى استشعار هذه الحكم العظيمة، ما أحوجهم وقد جمعهم صعيد واحد، ومقصد واحد، ومظهر واحد إلى الاجتماع على قلب رجل واحد، على صراط واحد، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، والاعتصام بحبل الله جميعاً، والسير على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عقيدةً وشريعةً، سلوكاً ومعاملةً، والبعد عن الفرقة والاختلاف واتباع الأهواء، ليكونوا يداً واحدة على أعداء الإسلام الذين أجمعوا أمرهم على حرب الإسلام، والنيل من أهله وأرضه، لا سيما ونحن نعيش في هذه الأيام ذكرى مؤلمة على النفوس المؤمنة ألا وهي ذكرى اعتداء أعداء الله ورسوله والمؤمنين على المسجد الأقصى، أولى القبلتين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فاتقوا الله عباد الله! اتقوا الله يا حجاج بيت الله! وأدوا هذه الفريضة على وجهها الشرعي، وتذكروا أنكم تؤدون عبادةً من أجل العبادات، وشعيرةً من أعظم الشعائر قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].
فتخلقوا بأخلاق الإسلام، وعاملوا إخوانكم الحجاج معاملة الرفق والسماحة والإيثار، وإياكم واللغو والرفث والفسوق والجدال والإيذاء قولاً وفعلاً، وتجردوا من هوى نفوسكم، وأسر شياطينكم، واستعينوا بالله على إتمام مناسككم فإنه نعم المعين.
نسأل الله تعالى أن يتقبل من حجاج بيته الحرام، وأن يوفقهم لأداء مناسكهم على الوجه المشروع، وييسر لهم أمورهم، ويجعل حجهم مبروراً، وسعيهم مشكوراً، وذنبهم مغفوراً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعــد:
فيا حجاج بيت الله! اتقوا الله تعالى واشكروه، وعظموا أمره ولا تعصوه.
أيها الإخوة حجاج بيت الله الحرام: إن من السنة أن تتجهوا غداً إلى منى ، فتصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر كل صلاةٍ في وقتها، وتقصر الرباعية ركعتين، وفي اليوم التاسع تتوجهون إلى عرفات وتبقون فيها إلى غروب الشمس وجوباً، وتجتهدون في هذا اليوم العظيم، الذي يجود الله فيه على عباده، ويباهي بهم ملائكته، وتكثرون من الذكر والتهليل والاستغفار، وتلحون على الله بالدعاء لكم ولإخوانكم المسلمين مع إظهار التضرع له والافتقار إليه.
ثم بعد غروب الشمس تفيضون إلى مزدلفة وتبيتون بها وجوباً، وفي اليوم العاشر تتوجهون إلى منى لرمي جمرة العقبة والحلق والنحر لمن عليه هدي، ثم تذهبون إلى البيت لطواف الإفاضة، قال تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29] ويسعى من عليه سعي، ثم ترجعون إلى منى للمبيت بها ليالي وأيام التشريق، ورمي الجمار، ثم تنتهون من مناسككم بطواف الوداع عند عزمكم على السفر إلى بلادكم، فهذه سنة رسولكم صلى الله عليه وسلم، فاتبعوها، ولا تتساهلوا في أدائها، فإن ذلك مما يعرض حجكم للنقص وأعمالكم للخلل.
ألا وصلوا وسلموا على نبي الرحمة والهدى، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ وسلم وبارك على إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض عنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم سلم الحجاج والمعتمرين، اللهم تقبل منهم مناسكهم، اللهم أعنهم على أدائها بيسرٍ وسهولةٍ، اللهم اجعلهم متبعين لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق، وانصرهم على أعدائهم يا أرحم الراحمين!
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر