إسلام ويب

الإيمان أركان وشعبللشيخ : عبد الرحمن السديس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإيمان سلاح قوي لا يعرفه إلا من ذاق حلاوته، وهو قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وكما أن للإيمان أركان وأصول فله أيضاً شعب وأجزاء.

    كل ذلك تجد مضمونه خلال هذه الأسطر والكلمات.

    1.   

    حقيقة الإيمان

    الحمد لله، يمن على من يشاء من عباده بهدايته للإيمان، أحمده تعالى وأشكره وأستعينه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الفضل والإحسان، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المؤيد بالنصر والبرهان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الموصوفين بقوة الإيمان، والتابعين ومن تبعهم بخيرٍ وإحسان إلى يوم القيام للملك الديان.

    أما بعد:

    أيها الناس: اتقوا الله ربكم حق التقوى، وآمنوا به حق الإيمان، تسلموا من الشقاء والخسران.

    عباد الله: في غمرة مشاغل الحياة ودوامة الأعمال الدنيوية، وزوابع الأفكار المناهضة للإسلام، المصادمة لأساس الملة، ولبعد كثيرٍ من الناس عن دوحة الإيمان الوارفة، وشجرته الباسقة، وذبول كثيرٍ من المشاعر والأحاسيس تجاه الأصل الذي ينتمي إليه كل مسلم، كان التنبيه على أهم واجب على المكلفين أمراً متعيناً، يجدد العهد به، ويذكي الشعور بأهميته، ويذكر الغافلين عنه، فما أجملها من لحظات مباركة، نعيش من خلالها مع الإيمان، نتفيأ وارف ظلاله، ونقتطف يانع ثماره، ونشم عاطر شذاه، ونرتوي من نميره العذب، وننهل من معينه الزلال، نورده تعريفاً وأهمية، أركاناً وشعباً، واجباً وواقعاً، لنربط الحاضر بالماضي، ونتذكر أقوى سلاحٍ وأمضى قوة، ليعرف أهل الإسلام وهم في مسيرتهم الإسلامية مواطن الضعف من نفوسهم، ويعقد العزم على التمسك بالثوابت والأصول والأسس، التي جاء بها دينهم، مع الأخذ بعوامل التطور والحضارة والإرتقاء.

    أمة الإيمان: إن المفهوم الحقيقي للإيمان يتلخص في التصديق واليقين بالله، واستحقاقه للعبادة دون سواه، وأن له الكمال المطلق، فلا يعتريه نقصٌ بوجهٍ من الوجوه، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، فالإيمان: قولٌ باللسان واعتقادٌ بالجنان وعملٌ بالجوارح والأركان، هو الإيمان بالأصول الستة المعروفة، وما يتفرع عنها من كل ما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله سبحانه، ومن الأمور الغيبية، ومن جميع ما ورد في الكتاب والسنة، فليس الإيمان مجرد التصديق القلبي، ولا الكلام اللفظي، دون عملٍ وتطبيق، فالأعمال هي دليل الإيمان، إذ ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولا بالدعوى والتسمي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.

    فالذين يزعمون أن مجرد التصديق كاف في الإيمان، أو مجرد التسمي والتلفظ دون عمل، كاذبون في إيمانهم، مخادعون لأنفسهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:8-9].

    كما أن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، قال تعالى: لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4].

    1.   

    بيان الإيمان وأصوله من الكتاب والسنة

    إخوة الإسلام: لقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة في بيان الإيمان وأصوله، يقول تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177] ويقول سبحانه: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة:285] وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً [النساء:136].

    وأما السنة فقد جاء فيها الحديث المشهور، الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ، من حديث عمر رضي الله عنه: (أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ).

    1.   

    أركان الإيمان

    وهذه الأركان كلٌ لا يتجزأ، وسلسلة مترابطة الحلقات، فمن كذب بشيءٍ منها، أو أنكره فقد عرض نفسه لوعيد الله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5].

    الإيمان بالله والملائكة

    أيها الإخوة في الله: إن الإيمان الصحيح بالله عز وجل يقتضي العلم بمدلول هذا الأصل العظيم، والعمل بمقتضاه إثباتاً ونفياً، أما الإيمان بملائكة الله فيتضمن الإيمان بهم جملةً وتفصيلاً، فيعتقد المسلم بأن لله ملائكةً خلقهم لطاعته، وهم كما وصفهم سبحانه: عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء:26-27].

    وهم أصنافٌ كثيرة لكل منهم عملٌ موكل به، ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمى الله ورسوله منهم، كجبريل وميكائيل وغيرهما عليهم السلام.

    الإيمان بالكتب والرسل

    وكذلك الإيمان بالكتب والرسل إجمالاً وتفصيلاً، فنؤمن بأن لله كتباً ورسلاً، ونؤمن بمن سمى الله على سبيل التفصيل، فمن الكتب: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، ومن الرسل: نوحٌ وهودٌ وصالحٌ وإبراهيم وموسى وعيسى، وغيرهم عليهم وعلى نبينا محمدٍ أفضل الصلاة والسلام.

    وأهم مقتضيات الإيمان بكتب الله ورسله، وخاصةًً القرآن المنزل على نبينا المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم، الوقوف عند ما جاء به الكتاب والسنة، ولزوم المنهج الذي رسماه، والصراط الذي بيناه، فعلاً للأوامر واجتناباً للنواهي.

    أما الذين يدعون التصديق بالقرآن والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وهم يخالفون سنته، ويجهلون سيرته، ويرتكبون ما نهى القرآن والسنة عنه، وقد يحدثون في شرع الله ما لم يأذن به الله، ويزيدون فيه ما لم يشرعه رسول الله، فهؤلاء بحاجةٍ إلى تجديد إيمانهم، وتصحيح منهجهم، إن أرادوا سلوك طريق الإيمان الموصل إلى جنة الله ورضوانه.

    الإيمان باليوم الآخر

    إخوة الإيمان: وخامس أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر: ويدخل في ذلك الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، مما يكون بعد الموت، كفتنة القبر وعذابه ونعيمه، وما يكون يوم القيامة من الأهوال والشدائد، وما في الآخرة من الصراط والميزان والحوض والجنة والنار، ونحو ذلك، فيجب الإيمان بذلك إيماناً حقيقياً يورث العمل لهذا اليوم العصيب، وينمي الزهد في الدنيا، ويحذر من الاغترار بها، كما يدفع إلى الاستعداد بالعمل الصالح لظلمة القبر وأهوال يوم القيامة، والأخذ بأسباب دخول الجنة، والبعد عن الطرق الموصلة إلى عذاب الله وناره.

    الإيمان بالقدر خيره وشره

    أما الإيمان بالقدر: فيتضمن الإيمان بأمورٍ أربعة:

    أولها وثانيها: علم الله سبحانه بكل شيء، وكتابته لما قدره وقضاه، قال تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ [الحج:70].

    الثالث: الإيمان بمشيئة الله النافذة، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

    الرابع: خلقه سبحانه لجميع الموجودات، فلا خالق غيره ولا رب سواه، والإيمان بالقدر يقتضي التسليم بأمر الله، والرضى بقدره، والصبر على ذلك ابتغاء ثواب الله.

    هذا مجمل الإيمان بالله وأصوله.

    1.   

    شعب الإيمان

    وكما أن للإيمان أركاناً وأصولاً، فله شعبٌ وأجزاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضعُ وستون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبةٌ من الإيمان ) متفق عليه.

    وكل امتثال لأوامر الله واجتناب لنواهيه في العقيدة والعبادة والخلق والمعاملة والسلوك والآداب، ونحو ذلك، يعد من شعب الإيمان المقربة إلى الله سبحانه، ونصيب العبد من الإيمان، بقدر نصيبه منها قلة وكثرة، قوةً وضعفاً، تكميلاً ونقصاً.

    1.   

    نماذج إيمانية

    أمة الإيمان: بهذا المفهوم الحيوي الشامل للإيمان التزم الرعيل الأول، وبتطبيقه حصلت لهم العزة والسيادة والقوة والنصر والمجد والسعادة، وكم في تاريخهم الحافل بالأمجاد من أمثلةٍ وشواهد على قوة الإيمان، ويأتي في مقدمة الشواهد إيمانُ قدوتنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وصحابته الأكرمين.

    وما إيمان خبيب وبلال ومصعب وآل ياسر إلا سببٌ وراء ثباتهم على ما لاقوه من الشدائد، وما عدل عمر بن عبد العزيز ، وثبات الإمام أحمد يوم المحنة، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وغيرهم من الأعلام إلا دليلٌ على ما يصنعه الإيمان من العجائب، إذا خالطت بشاشته القلوب، الله المستعان! أين نحن من هؤلاء؟!

    1.   

    تحقيق الإيمان

    ما أجدرنا -معشر المؤمنين- أن نحقق الإيمان الصحيح، ونحن في زمن ضَعُف فيه الإيمان، وكثرت الصوارف عنه، وبذل دعاة الكفر والإلحاد جهودهم لإبعاد المسلمين عن مصدر عزهم، وسبب سعادتهم وحضارتهم ألا وهو الإيمان، حتى ذابت عند كثيرٍ من المسلمين، وفي كثيرٍ من مجتمعاتهم شخصيتهم الإيمانية، وما مظاهر الانحراف والمعاصي إلا شواهد على ذلك، فحذار -يا أمة الإيمان- من التفريط في هذا الأمر العظيم، لنفكر في حالنا، ولنحاسب أنفسنا، من منا حقق الإيمان الصحيح؟! ومن منا التزم بصفات أهله؟!

    والله لن يعود للمسلمين ما كانوا عليه، ويحققوا ما يصبون إليه إلا بالتربية السليمة للأنفس والأسر والأبناء والمجتمع على ضوء الإيمان الصحيح، وتلك مهمة كل مسلم، على حسب القدرة والمكانة، فلا تمكين في الأرض، ولا حياة آمنة إلا بالإيمان، ولا نصر ولا قوة ولا تضامن إلا به، وتلك حقيقةٌ يجب أن يعيها المسلمون اليوم، ويعملوا على ضوئها ويسيروا على هداها، ليحسن لهم عز الدنيا وسعادة الآخرة.

    اللهم إنا نسألك الإيمان، والعفو عما سلف وكان، من الذنوب والعصيان، اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767796758