الحمد لله الملك القدوس العزيز الحكيم، الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بعث رسله مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ولم يترك شيئاً يقرب إلى الله ويسعد البشرية إلا بينه وأمر به، ولا شيئاً يبعد عن الله وشرعه، إلا حذر عنه، حتى ترك أمته على محجة بيضاء، وطريقة مثلى، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أما بعد:
فيا إخوة الإسلام: اتقوا الله تبارك وتعالى، واعلموا أن أعظم منة وأكبر نعمة منّ الله بها على عباده، أن بعث فيهم الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق؛ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وباتباعهم ولزوم هديهم؛ تنجو سفينة الأمة من عواصف المنكرات، وتسلم من أعاصير المحدثات، وبتنكب طريقهم واتباع غير سبيلهم تتقاذفها أمواج الفتن والضلال، حتى يعم الغرق الخبيث والطيب، قال تعال:
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً
[الأنفال:25].
يقول الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله: وإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح، لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل؛ إلا من جهتهم، ولا ينال رضا الله البتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاءوا به، فهم الميزان الراجح، الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأعمال والأخلاق، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فرضت، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير.
وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عينٍ فسد قلبك، وصار كالحوت إذا فارق الماء، فحالُ العبد عند مفارقة قلبه ما جاء به الرسول، كهذه الحال بل أعظم، ولكن لا يحس بهذا إلا بقلبٍٍ حي.
فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها، أن يعرف من هديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به، ويدخل في عِداد أتباعه وشيعته، وحزبه.
فالواجب على كل محبٍ له، أن يجعل منه القدوة الحسنة، في العقيدة والإيمان، وفي العبادة، والأخلاق، والمعاملة، وفي التربية، والسلوك، والدعوة، والجهاد، ويأخذ منه الأسوة في البيت، والمسجد، والسوق وغيرها، فما عز الناس وصلحوا إلا يوم كانوا يتحرون القدوة الحسنة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما وهن أمرهم وظل سعيهم، إلا يوم عميت عليهم السبل وأفلتت من أيديهم سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو كادت، حين كادت ظلمات الجاهلية تخيم على القلوب من جديد، ورجعت وثنياتها تدك المعاقل والحصون، وتفرق الأمة شيعاً وأحزاباً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن العاقبة للمتقين، الذين يلتزمون سنة المصطفى الأمين، ويلزمون سنن السلف الصالحين، ويحذرون كل ما أحدث في الدين ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ 
[التوبة:128].
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بهدي سيد المرسلين، وارزقنا السير على سنة المصطفى الأمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبيٌ شرح الله صدره ورفع ذكره، ووضع وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عليه وعلى آله وصبحه، ومن تبع سنته واهتدى بهديه.
أما بعد:-
فاتقوا الله -عباد الله- واتبعوا سنة رسولكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخير الهدي هدي محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، واعلموا رحمكم الله أنه لا يصح إيمان عبدٍ حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به المصطفى عليه الصلاة والسلام، فوالله ما فارق الدنيا إلا وقد ترك الناس على شريعة الكمال والنقاء والطهر والصفاء، فجزاه الله عن أمته خير الجزاء، فمن أراد الله سعادته وهدايته، وفقه للزوم سنته، ومن أراد به غير ذلك، فليحذر أن تصيبه فتنة ، أو يصيبه عذابٌ أليم، وأكثروا من الصلاة والسلام عليه، كما أمركم الله بقوله:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
[الأحزاب:56]
اللهم صل وسلم على إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، اللهم ارزقنا صدق المحبة له، وتجريد المتابعة لسنته، وأوردنا حوضه، واجعلنا في سلك شفاعته يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين يا رب العالمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولاية المسلمين فيمن يخافك ويتقيك ويتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق إمام المسلمين بتوفيقك، وأيده بتأييدك، وأعلِ به دينك يا رب العالمين، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، اللهم ارزقه البطانة الصالحة ، اللهم وفق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى العودة إلى كتابك وسنة نبيك يا أرحم الراحمين، اللهم وفق المسلمين، قادة وشعوباً، علماء وعامة، شباباً وشيباً إلى ما تحب وترضى.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وبلادنا بالخيرات والأمطار يا رب العالمين، واجعلها عوناً لنا على طاعتك يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.