إسلام ويب

أسباب السعادة وطريق الفلاح [2]للشيخ : عبد الرحمن السديس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد منَّ الله على عباده المؤمنين بنعمة إرسال الأنبياء والرسل ليقودوهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض، وهذا هو طريق الفلاح، والطريق إلى الجنة ليس بالطريق السهل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عانى معاناة شديدة من قومه حتى أتم الله على يديه هذا الأمر، فيجب علينا الاقتداء به صلى الله عليه وسلم لنيل السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.

    1.   

    نِعْمة إرسال الرسل

    الحمد لله الملك القدوس العزيز الحكيم، الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بعث رسله مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ولم يترك شيئاً يقرب إلى الله ويسعد البشرية إلا بينه وأمر به، ولا شيئاً يبعد عن الله وشرعه، إلا حذر عنه، حتى ترك أمته على محجة بيضاء، وطريقة مثلى، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.

    أما بعد:

    فيا إخوة الإسلام: اتقوا الله تبارك وتعالى، واعلموا أن أعظم منة وأكبر نعمة منّ الله بها على عباده، أن بعث فيهم الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق؛ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وباتباعهم ولزوم هديهم؛ تنجو سفينة الأمة من عواصف المنكرات، وتسلم من أعاصير المحدثات، وبتنكب طريقهم واتباع غير سبيلهم تتقاذفها أمواج الفتن والضلال، حتى يعم الغرق الخبيث والطيب، قال تعال: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25].

    يقول الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله: وإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح، لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل؛ إلا من جهتهم، ولا ينال رضا الله البتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاءوا به، فهم الميزان الراجح، الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأعمال والأخلاق، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فرضت، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير.

    وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عينٍ فسد قلبك، وصار كالحوت إذا فارق الماء، فحالُ العبد عند مفارقة قلبه ما جاء به الرسول، كهذه الحال بل أعظم، ولكن لا يحس بهذا إلا بقلبٍٍ حي.

    وما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ

    فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها، أن يعرف من هديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به، ويدخل في عِداد أتباعه وشيعته، وحزبه.

    1.   

    صفحات مشرقة من حياته صلى الله عليه وسلم

    أمة الإسلام: لقد كان نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخر الرسل عدداً، وأعظمهم قدراً وأبلغهم أثراً، وأعمهم رسالة، بعثه الله تعالى على حين فترة من الرسل، والناس في أشد ضرورة إلى نور الرسالة حيث كانوا قبلها في ضلالٍ وجاهلية وشقاء، ووثنية وفرقة وعداء، فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وهدى به من الضلالة، وأصلح به بعد الغواية، وألف به بعد التمزق والفرقة، فتح الله به قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، وأعيناً عمياً، وأنار به السبيل، وأقام به الحجة، حتى أصبح الناس إخواناً بنعمة الله، أعواناً في دين الله، أنصاراً لسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

    أيها المسلمون! يا أتباع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد جعل الله لكم في هذا الرسول قدوة، وفي أخلاقه وأفعاله وسيرته أسوة، فالحق ما جاء به، والدين ما شرعه، والباطل كل الباطل ما حذر عنه وتركه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] وقال جل وعلا: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) فهو عليه الصلاة والسلام القدوة في كل الأمور، وسنته الميزان لكل فعلٍ وترك.

    تضحية النبي صلى الله عليه وسلم وصبره على تبليغ الرسالة

    والمتأمل في سيرته عليه الصلاة والسلام يجد أنه قد نذر نفسه لتبليغ رسالة الله، والدعوة إليه والجهاد في سبيل الله، وقد أولى عمارة القلوب بتوحيد الله وتطهيرها من التعلق بغيره كل اهتمامه، ولقي في سبيل ذلك صنوف الأذى، فصبر وصابر، وأيقن بنصر الله له، وكلما اشتد عليه الأذى القولي والفعلي كلما ازداد حلماً وصبراً وثقة بنصر الله، وكلما اشتد عليه الأذى ، وكلما رماه قومه بالسحر والشعر والكهانة، ويوقعون به ألواناً من العذاب، لا يزيد على قوله: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون }.

    ويزداد الأذى الحسي والمعنوي، حتى وصل إلى إلقاء سلى الجزور عليه، وهو ساجدٌ في ظل الكعبة، بل حاولوا قتله والقضاء عليه، فلم يجد الضعف لنفسه سبيلاً، بل ضل صابراً محتسباً، راجياً أن يخرج الله من أصلاب من آذوه من يعبده لا يشرك به شيئاً، وخرج في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، فوجد ما لم يكن في حسبانه من الأذى والنكال، فرفع يديه إلى ربه، معلناً ثقته به، ومظهراً افتقاره إليه بقوله: {اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني، أم إلى عدوٍ ملكته أمري، إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل عليّ غضبك أو ينزل بيّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك } هذه صفحة -يا أحباب رسول الله- مشرقة من كفاحه وفضله وتضحيته، فلنا فيه الأسوة الحسنة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وعبادته

    وإذا قلبت صفحة أخرى من حياته المباركة، وجدت السجايا الحميدة والأخلاق الكريمة وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] قد تحلى بدماثة الخلق، ورجاحة العقل، وحصافة الرأي، وعلو الهمة، ورحابة الصدر، وكرم النفس، وصفته خديجة رضي الله عنها، مطمئنة له أول ما بعث، بقولها [[كلا! والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ]]

    وكما أنه صاحب الأخلاق العالية، فهو صاحب العبادة الخاشعة، فقد قام من الليل حتى تفطرت قدماه، وصاحب الشجاعة النادرة، فقد قاد المعارك والغزوات لإعلاء كلمة الله.

    1.   

    الرسول هو القدوة الحسنة

    فالواجب على كل محبٍ له، أن يجعل منه القدوة الحسنة، في العقيدة والإيمان، وفي العبادة، والأخلاق، والمعاملة، وفي التربية، والسلوك، والدعوة، والجهاد، ويأخذ منه الأسوة في البيت، والمسجد، والسوق وغيرها، فما عز الناس وصلحوا إلا يوم كانوا يتحرون القدوة الحسنة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما وهن أمرهم وظل سعيهم، إلا يوم عميت عليهم السبل وأفلتت من أيديهم سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو كادت، حين كادت ظلمات الجاهلية تخيم على القلوب من جديد، ورجعت وثنياتها تدك المعاقل والحصون، وتفرق الأمة شيعاً وأحزاباً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن العاقبة للمتقين، الذين يلتزمون سنة المصطفى الأمين، ويلزمون سنن السلف الصالحين، ويحذرون كل ما أحدث في الدين ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

    اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بهدي سيد المرسلين، وارزقنا السير على سنة المصطفى الأمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    الحث على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم

    الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبيٌ شرح الله صدره ورفع ذكره، ووضع وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عليه وعلى آله وصبحه، ومن تبع سنته واهتدى بهديه.

    أما بعد:-

    فاتقوا الله -عباد الله- واتبعوا سنة رسولكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخير الهدي هدي محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، واعلموا رحمكم الله أنه لا يصح إيمان عبدٍ حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به المصطفى عليه الصلاة والسلام، فوالله ما فارق الدنيا إلا وقد ترك الناس على شريعة الكمال والنقاء والطهر والصفاء، فجزاه الله عن أمته خير الجزاء، فمن أراد الله سعادته وهدايته، وفقه للزوم سنته، ومن أراد به غير ذلك، فليحذر أن تصيبه فتنة ، أو يصيبه عذابٌ أليم، وأكثروا من الصلاة والسلام عليه، كما أمركم الله بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]

    اللهم صل وسلم على إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، اللهم ارزقنا صدق المحبة له، وتجريد المتابعة لسنته، وأوردنا حوضه، واجعلنا في سلك شفاعته يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين يا رب العالمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولاية المسلمين فيمن يخافك ويتقيك ويتبع رضاك يا رب العالمين.

    اللهم وفق إمام المسلمين بتوفيقك، وأيده بتأييدك، وأعلِ به دينك يا رب العالمين، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، اللهم ارزقه البطانة الصالحة ، اللهم وفق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى العودة إلى كتابك وسنة نبيك يا أرحم الراحمين، اللهم وفق المسلمين، قادة وشعوباً، علماء وعامة، شباباً وشيباً إلى ما تحب وترضى.

    اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وبلادنا بالخيرات والأمطار يا رب العالمين، واجعلها عوناً لنا على طاعتك يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766762431