ثم أما بعد:
إن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة، وبعد:
فما زلنا مع كتاب الذكر.
قال المصنف رحمه الله: [ عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك خير هذه الليلة، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر) ]. وهذا الدعاء يقال في أول الليل.
وقوله: (اللهم إني أسألك خير هذه الليلة) جاء في رواية من طريق ابن سويد: (وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة) أي: ما يقدر فيها من نزول الشر.
والنبي عليه الصلاة والسلام أمر بإيكاء الأواني. أي: بتغطية الأواني التي فيها طعام أو شراب؛ لأن الداء ينزل في ليلة في السنة، فلا تدري لعل الليلة التي تركت فيها آنيتك مكشوفة هي الليلة التي وافقت نزول الشر والداء من السماء، فحينئذ يصيب هذا الشر الإناء أو الطعام فتأكله فيصيبك ما قدر الله عز وجل لك.
فقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أسألك خير هذه الليلة) أو من خير هذه الليلة، فكأنه عليه الصلاة والسلام سأل ربه أن يصيبه من خير هذه الليلة المقبلة عليه، أو يصيبه خيرها كله، فهو إما أن يسأله من بعض خير هذه الليلة أو يسأله الخير كله.
قوله: (وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر) بفتح الباء وكسر ما قبلها، وهو: وسوء العمر، وأن أرد إلى أرذل العمر.
والكبر هو العمر المتقدم وهو السن. وفي رواية: (وسوء الكبر)، الذي هو غمط الناس. أي: ظلم الناس ورد الحق.
قوله: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر). هذا دليل على أن القبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وأن عذاب القبر ثابت في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير -وهو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي- عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له) قال: أراه قال فيهن ]. أي: إبراهيم النخعي ينقل عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر)، وإذا أصبح قال ذلك أيضاً: (أصبحنا وأصبح الملك لله) إلى آخر الحديث.. وإذا قاله في المساء قال: (أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له) إلى آخر الحديث، فهذا الدعاء يقال في كل صباح ومساء.
وفي رواية قال: (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها) ولم يقل: وشر ما بعدها، إنما قال: (وشر ما فيها) أي: من شر. (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر). والهرم: الذي هو أرذل العمر. (وفتنة الدنيا وعذاب القبر). (فتنة) هنا اسم جنس، يشمل جميع الفتن التي يمكن أن يمر بها الإنسان في حياته، فتنة مال، فتنة نساء، فتنة جاه، فتنة سلطان، فتنة الدين، كلها فتن، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ بالله عز وجل أن يقع في فتنة من فتن الدنيا أو الآخرة.
وهذا إما أن يكون لتمام وكمال العبودية لله، فهو عليه الصلاة والسلام معصوم أن يقع في مثل هذا، أو لأنه أراد أن يعلم أمته كيف يدعون الله عز وجل. وفي رواية بزيادة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
قال: [ (وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده) ]. وفي رواية: (وهزم الأحزاب وحده). والأحزاب: هم القبائل المتحزبون على حزب الإيمان.
ومعنى (غلب الأحزاب وحده) أي: من غير قتال دار بينهم وبين أهل الإيمان، بل أرسل الله عز وجل عليهم ريحاً اقتلعت خيامهم حتى انهزموا بغير قتال دار بينهم وبين أهل الإيمان.
أما قوله: (فلا شيء بعده) أي: فلا شيء سواه هزم الأحزاب، فهو سبحانه وتعالى وحده لا أحد معه هزم وغلب الأحزاب.
قال: [ حدثنا أبو كريب -وهو محمد بن العلاء الهمداني- قال: حدثنا ابن إدريس -وهو عبد الله- قال: سمعت عاصم بن كليب عن أبي بردة عن علي رضي الله عنه قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سداد السهم) ] أي: هدايتك الطريق حتى لا تنسى. فالنبي عليه الصلاة والسلام يعلم علياً دعاءً يدعو به دائماً في كل أحواله وأحايينه، وأتى له بأمارات من أجل لو نسي أصل الدعاء يذكر أن هداية الطريق هداية، فيقول: (اللهم اهدني وسددني) وأن سداده وحرصه على إصابة الهدف بالسهم سداد. والتقدير: فإذا نسيت هذا فاذكر بالهداية هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم.
يعني: أنا قلت أربع كلمات بعد أن غادرتك وتركتك على هذه الحال ورددتها ثلاث مرات، فهي تزن جميع أذكارك في يومك وليلتك.
ومعنى (لو وزنت هذه الكلمات بما قلت لوزنتهن). أي: لفاقتهن في الفضل والثواب. قال: [ (سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، وزنة عرشه، ورضا نفسه، ومداد كلماته) ].
وسبحان الله وبحمده كلمة حبيبة إلى الرحمن، خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، كما جاء بذلك الحديث: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) وهو آخر حديث في صحيح البخاري .
فالنبي عليه الصلاة والسلام بين لـجويرية بالدرجة الأولى فضل هذه الكلمات؛ لأنها المخاطبة بهذا، والمخبرة بهذا الثواب وفضل هذه الكلمات وإن كان الخطاب والخبر للأمة إلى قيام الساعة.
ولا يعني ذلك أنه عليه الصلاة والسلام سبح عدد الخلق؛ لأن عدد الخلق لا يمكن إحصاؤه، فلما غلب عليه الصلاة والسلام على الإحصاء لم يفكر فيه أصلاً؛ لأن الخلق نعمة من نعم الله عز وجل، والله تعالى يقول: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]. فإذا كانت نعمة الخلق لا يمكن إحصاؤها فأراد النبي عليه الصلاة والسلام إجمال ذلك وبيان أنه يريد أن يسبح الله وأن يحمده عدد خلقه، وإن كان عدد الخلق بالنسبة إليه أمراً مجهولاً ولا يمكن إحصاؤه، فإنما أجمل الكلام إجمالاً؛ ولذلك سن للذاكر المتعبد أن يثني على الله عز وجل بما هو أهله، فلما عز الإنسان أن يثني على الله عز وجل بما هو أهله؛ لأن أحداً لا يكافئ الله عز وجل في الثناء والحمد والشكر والتمجيد، فسن أن نقول: (أنت كما اثنيت على نفسك) لأن أحداً لا يبلغ الثناء الكامل التام لله عز وجل. (لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)، بعض الناس يقرؤها منقطعه؛ فيقول: (لا نحصي ثناءً عليك أنت) ويقف، ثم يقول: (كما أثنيت على نفسك)، فيصير المعنى غير مستقيم، ولكن القراءة الصحيحة التي يثبت بها الفهم الصحيح: (لا نحصي ثناءً عليك)، يعني: إذا أردنا إحصاء الثناء عليك فلا نقوى على ذلك، ولا نقدر عليه، (أنت كما أثنيت على نفسك)؛ لأن الله عز وجل أعلم بما له من ثناء وحمد وتمجيد، فإن العبد يثني على الله عز وجل بعظيم المحامد والثناء، ثم يرى أنه عاجز عن الوفاء بالحمد والشكر لله عز وجل، فيفوض الأمر إلى منتهاه، أو في منتهاه إلى الله عز وجل، يقول: يا رب! أنت تستحق أكثر من هذا الثناء والحمد، وأنت أعظم مما يمكن أن يتصوره المرء من ثناء وحمد، فأنت في النهاية كما أثنيت على نفسك، لكن ليس معنى هذا أنك تكل وتعجز عن الثناء والحمد، ولكن تحمد وتمجد وتعظم الله عز وجل.
فهنا قال عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه) يعني: سبحانك وبحمدك حتى ترضى، أي: أسبحك وأحمدك حتى ترضى عني.
وقوله: (وزنة عرشك) لا أحد يعمل زنة العرش إلا الله عز وجل؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام ضرب مثلاً بالكرسي في العرش كحلقة في فلاة، قال: (السماوات السبع والأراضين السبع في الكرسي كحلقة في صحراء، والكرسي في العرش كحلقة في فلاة)، إذاً: زنة العرش فوق طاقة البشر، وفوق عقول البشر، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (سبحانك وبحمدك وزنة عرشك ومداد كلمات) يعني: أسبحك وأنزهك وأحمدك حمداً لا منتهى له.
(ومداد كلماتك)، المداد الذي هو الحبر، لو أن الله عز وجل جعل الأشجار جميعاً أقلاماً، والبحار مداداً وجعل عباده يأخذون هذه الأقلام التي هي من مجموع أشجار الأرض ويأخذون من حبر البحار يكتبون كلمات الله عز وجل لا تفنى.
إذاً: الله تبارك وتعالى يتكلم بحرف وصوت متى شاء وبما شاء، كلماته لا تنفد سبحانه وتعالى، فلما كانت هذه الكلمات لا منتهى لها ولا تنفد أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يقول له: أسبحك وأحمدك تسبيحاً وتحميداً لا ينفد كما لا تنفد كلماتك، وكما يثقل عرشك ثقلاً لا يعلمه أحد، وغير ذلك من هذه المحامد التي حمد بها النبي عليه الصلاة والسلام ربه.
وإذا كانت هذه الكلمات بهذا الفضل العظيم والخير العميم فإنها جديرة أن يحرص عليها المرء في كل صباح ومساء، يقول هذه الكلمات الأربع ثلاث مرات، (سبحان الله وبحمده عدد خلقه، وزنة عرشه، ورضا نفسه، ومداد كلماته) أو يقول: (سبحان الله وبحمده زنة عرشه، سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته).
ولذلك جاء في الرواية الثانية وهي من رواية كريب أيضاً وهو المعروف أو المكنى بـأبي رشدين [ عن ابن عباس عن جويرية قالت: (مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى صلاة الغداة) ]، وصلاة الغداة التي هي صلاة الفجر، [ (أو بعدما صلى الغداة) فذكر نحو الحديث السابق غير أنه قال: (سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته) ].
وبقية أحاديث الباب ليست متعلقة بأذكار الصباح والمساء وإنما متعلقة بأذكار النوم.
فهذه الأحاديث التي جاءت في صحيح الإمام مسلم على شرطه في أذكار طرفي النهار أو الصباح والمساء.
وعند أبي داود والنسائي والترمذي بسند صحيح من حديث عبد الله بن خبيب قال: (خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا، فلما أدركه
إما أن يقرأ (قل هو الله أحد) ثلاث مرات متتاليات، ثم (الفلق) ثلاث مرات متتاليات ثم (الناس) كذلك، وإما أن يقرأ (قل هو الله أحد) ثم (قل أعوذ برب الفلق)، ثم (قل أعوذ برب الناس)، وهذا أولى، ثم يعيد هذه السور الثلاث مرة ثانية وثالثة. إذا فعل العبد ذلك كفاه الله عز وجل شر يومه إلى المساء، وإذا قالها في المساء كفاه شر ليله حتى الصباح والناظر في كتب الأذكار إما في الصحيحين أو في كتب السنن، وإما في الكتب التي صنفت في الأذكار خاصة؛ يعلم أن حياة المسلم كلها ذكر لله عز وجل، فالشرع ما تركك قط بغير ذلك، لا في يقظتك وقومتك، ولا في نومك ولا في صباحك ولا في مسائك، ولا في صلاتك ولا في سائر عبادتك، حتى في أفعالك العادية التي تفعلها من باب العادة فيسن لك في كثير منها الدعاء، فطاعة تسلمك إلى طاعة، لتجد نفسك في النهاية ذاكراً لله تبارك وتعالى في كل أوقاتك وأحايينك.
والنبي عليه الصلاة والسلام كان دائماً مسبحاً وذاكراً لله عز وجل، حتى قال: (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة) وقال أبو هريرة : (وإنا لنعد عليه -عليه الصلاة والسلام- في المجلس الواحد مائة تسبيحة أو مائة استغفار).
وذكر أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلم أصحابه: (إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت). يعني: لا حول لنا ولا قوة في حياتنا ومماتنا، كلنا لله عز وجل، وكلنا في قبضة الملك تبارك وتعالى، اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، لا يمكن لنا أن نصبح إلا بك، ولا نمسي إلا بك، ولا غنى لنا عنك طرفة عين، فصباحنا ومساؤنا بك.
وهذا توكل كامل على الله عز وجل في الحياة والموت؛ ولذلك يسن لك إذا نمت أن تنام على خدك الأيمن وعلى جنبك الأيمن وتقول: (باسمك اللهم أموت وأحيا) يعني: أنام على اسم الله عز وجل، ولا يمكن أن أقوم من نومتي إلا بإذن الله عز وجل، وعلى اسم الله عز وجل.
قال: (وإليك النشور). أي: البعث من هذا النوم الذي هو الموتة الصغرى، فشبه أهل العلم النوم بالموت، واليقظة بالبعث، ولذلك جاء في الحديث الصحيح: (إنكم تموتون كما تنامون وتبعثون كما تستيقظون) فشبه هذا بذاك، عندما الشخص يصحو يقول: (اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا)، وإذا أمسى قال: (اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا)، وإذا كان في الصباح قال: (وإليك النشور)، الذي هو البعث والانتشار، وإذا كان في المساء قال في نهاية الدعاء: (وإليك المصير)، أي: نحن عائدون إليك، وصائرون إليك، وراجعون إليك.
ثم قال: (وأنا عبدك)، فالعبادة تصرف للإله الحق وهو الله سبحانه وتعالى، ولما كانت العبادة من خصائص الإلهية جمع النبي عليه الصلاة والسلام بين صفة الخلق وصفة العبادة، فالخلق من لوازم الربوبية والعبادة من لوازم الإلهية، فاعترف في هذا إجمالاً في الأول ثم فصل بعد ذلك، قال: (اللهم أنت ربي) أي: أنت خلقتني. (لا إله إلا أنت) وأنا عبدك، يعني: لا أصرف شيئاً من العبادة لغيرك؛ لأنك الإله الحق المستحق لهذه العبادة.
قال: (وأنا على عهدك) يعني: لا أحيد عن العهد الأول والميثاق الإيماني الذي أخذه الله عز وجل على العباد أن يعبدوه وأن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً، وإقرارهم في الميثاق الأعظم في كتاب الله عز وجل؛ لأنهم قد آمنوا به إلهاً ورباً، والله عز وجل أشهدهم على أنفسهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:172] لأنه قد يكون منهم يوم القيامة منكر لهذا الميثاق وهذا العهد، فالنبي عليه الصلاة والسلام يذكر هذا ابتداءً من عنده فيقول: (وأنا على عهدك ووعدك) أي: أنا على العهد والميثاق والوعد الذي أخذه الله عز وجل على عباده، ولكنه عليه الصلاة والسلام قال: (ما استطعت). والطاعة والأمر يختلفان باختلاف الأشخاص، وباختلاف الأحوال والظروف؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه).
يقول ابن تيمية وغيره من أهل العلم: إن الأمر بالطاعة يختلف بحسب أحوال الناس وظروفهم، فالله عز وجل أمرنا إذا صلينا أن نقوم في صلاتنا، فالقيام من واجبات الصلاة، أو من فرائض الصلاة، وتبطل صلاة الفرض إذا صلى الرجل قاعداً وهو قادر على القيام، لأن القيام واجب وفرض، وهو صلى جالساً بغير عذر.
لكن إذا كان لديه العذر الذي يمنعه من القيام صلى جالساً ولا حرج عليه، وثوابه كثواب من صلى قائماً، بخلاف النافلة فللرجل القادر على أن يصلي النافلة قائماً أن يصليها قاعداً ولكن أجره على النصف من أجر صلاة القائم، وهنا كلام طويل قاله ابن القيم عليه رحمة الله في كتابه (الأذكار)، مرده إلى أن من الألفاظ المترادفة: العهد والوعد، قال: (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت) يعني: آتي من الطاعات ما استطعت؛ لأن الطاعة أحياناً تكون فوق طاقة الإنسان؛ ولذلك فإن جرير بن عبد الله البجلي قال: (بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم، فلقنني ما استطعت) يعني: جرير أراد أن يبايع النبي عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم، والسمع والطاعة، فقال عليه الصلاة والسلام: (يا
ومعنى الحديث: أنا أسمع وأطيع إذا كان السمع والطاعة في حدود قدرتي واستطاعتي، وإذا كانا خارجين عن قدرتي وإمكانياتي فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
قال: (أعوذ بك من شر ما صنعتُ) ولا بد من ضم التاء؛ لأنك لو فتحتها نسبت الشر إلى الله عز وجل، والخير والشر من عند الله عز وجل، ولكن الأدب النبوي في سياق هذا الحديث من أوله إلى آخره إنما ينسب الشر إلى المخلوق.
قوله: (أعوذ بك) يعني: ألجأ إليك من فعل كل شر يمكن أن يبدر مني، وأكون أنا الفاعل والممارس لهذا الفعل.
قال: (أبوء لك). يعني: أرجع وأعترف. (أبوء لك بنعمتك علي) يعني: أعترف أنه لا منعم على الخلق غيرك، فكل النعم التي تصيب العبد إنما هي من الله عز وجل.
قال: (وأبوء بذنبي) أي: كما اعترفت بأنك المنعم صاحب النعم السابغة الظاهرة والباطنة علي أعترف في نفس الوقت أنني مذنب أي: أنا كذلك أتوب إليك من ذنبي.
قال: [ (أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي) ] طلب المغفرة لما بدر من الذنب. (فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) من قال هذا الدعاء حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة، ومن قاله في الصباح فلا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة، ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة) والحديث أخرجه البخاري.
إذاً: الغيب والشهادة بالنسبة لله عز وجل شهادة يراها ويعلمها، فأقر بعلم الله عز وجل الذي لا يقاس عليه علم، لو أتينا بأعلم أهل الأرض فيكون علمه في علم الله عز وجل لا شيء، وأعلم أهل الأرض هو نبينا عليه الصلاة والسلام وعلمه في جنب علم الله لا شيء، بل المقارنة لا تصح.
وكذلك السمع، تعرفون زرقاء اليمامة في البصر، لما جاءوا بـزرقاء اليمامة المرأة التي كانت عيناها زرقاء وجميلة، وكان نظرها حاداً جداً، فكان بين قومها وبين أعدائهم حروب طاحنة، فقالوا: نأتي بـزرقاء اليمامة تنظر إلى جهة العدو، واليمامة في نجد بجوار الرياض، فكانوا يخشون إغارة عدوهم، ولكن على أي حال تحزبوا واقتطعوا شجرة أو نخلة فجعلوها في وسط الجيش، وهم يمشون في الصحراء، فنزلت زرقاء اليمامة فقالت: أتاكم الجيش ومعه شجرة أو نخلة، قالوا: هذه المرأة مجنونة ولم يصدقوها، حتى فاجأهم وباغتهم الجيش ومعهم النخلة، فأقروا لها بحدة البصر.
وأظن أن تاريخ البشرية لم يذكر امرأة أحد في النظر من زرقاء اليمامة ، وماذا يكون نظرها في نظر الله عز وجل، وبصرها في بصر الله عز وجل؟ زرقاء اليمامة لو إبرة ألقيت في بحر لا تراها، لا ترى ما تحت عينها إذا ألقيت إبرة في فلاة أو في بحر لا تراها، والله عز وجل يعلم كل شيء، ما دق وجل، ما عظم وحصر، ما صغر وكبر، لا منتهى لصفاته سبحانه وتعالى؛ ولذلك نحن نقول: الله تعالى واحد في صفاته. يعني: متوحد ومتفرد في كل صفة أثبتها لنفسه أو أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، فالمخلوق يسمع، والله تعالى يسمع، لكن الله متفرد في سمعه، لو جمع أسماع جميع المخلوقين ما ساوت سمع الله تعالى، بل وما قورنت بسمع الله عز وجل، وجميع العلم عند الخلق على اختلاف ألوانهم وأشكالهم لو جمع في عقل واحد لا يساوي قط علم الله عز وجل، والله تعالى يقول: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم الخلق، ومع هذا يقول له: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، أي: في جنب علم الله عز وجل، والعلم الذي أوتيه الناس إنما هو من فضل الله عز وجل.
إذاً: المقارنة غير صحيحة وجائرة وظالمة، ولذلك فالله سبحانه وتعالى واحد في أسمائه وصفاته وأفعاله. يعني: إذا فعل الله تعالى فعلاً لا يمكن أن يشبه هذا الفعل أفعال المخلوقين، أو أفعال المكلفين، ولا يمكن أن يخلق الخلق مجتمعون شيئاً يضاهون به خلق الله عز وجل، ولو أجمع الخلق أجمعون منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الأرض ومن عليها لا يمكن أن يخلقوا ذبابة أو جناح ذبابة بنفس الكفاءة التي خلقها الله عز وجل.
فلا يمكن للخلق أجمعين أن يفعلوا كفعل الله، وأن يخلقوا كخلق الله، وأن يسمعوا كسمع الله، وأن يبصروا كبصر الله، وأن يعلموا كعلم الله، فهو سبحانه وتعالى واحد في كل شيء، واحد في ذاته، فلا يمكن لجميع الذوات أن تشبه ذات الله عز وجل، واحد في أسمائه، هو السميع وأنا سميع، لكن الله تعالى متفرد في سمعه، أما أنا فلست متفرداً به، وهو من فضل الله، ويشبه سمعي سمع جميع المخلوقين، والحيوانات تسمع أحسن منا وأكثر منا، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا شيعت الجنازة فإن كانت صالحة قالت -أي: الجنازة تنطق- قدموني قدموني، وإذا كانت غير ذلك قالت: يا ويلها أين تذهبون بها بصوت يسمعه كل أحد إلا الإنسان ولو سمعه لصعق). أي: يسمعها كل شيء حتى الحيوانات والدواب والحشرات والطير إلا الثقلين: الإنس والجن.
فقوله: (ولو سمعه لصعق) فلو سمعنا صوت الجنازة وهي تقول: يا ويلها أين تذهبون بها؟ لصعقنا، فلا أحد فينا يفكر أن يصلي بعد ذلك على جنازة أو يشيعها في يوم من الأيام، ولتركنا الموتى يعطبون في بيوتنا مخافة أن نصعق، فمن رحمة الله عز وجل بالآدمي أياً كان كافراً أو مسلماً، عاصياً أو طائعاً: أن يوارى الميت بالتراب حتى لا يتأذى الأحياء.
قال: (قل: اللهم عالم الغيب والشهادة) يعني: الغائب والمشاهد، والغيب بالنسبة لله تعالى مشاهد؛ لأنه لا يغيب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.
فالمسلم يقول في كل صباح ومساء وعند النوم: (اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السماوات والأرض، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشَرَكه، وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم).
وقال: (ما نزل أحدكم منزلاً -أي: يخشى منه- فيقول: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء حتى يخرج) أي: حتى يخرج من هذا الذي يخافه، فلم يضره شيء حتى يصبح أو حتى يمسي.
تصور أن أسداً يقابلك أو ذئباً أو كلباً أو عدواً خفت منه فقل: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، وهذا الأمر يحتاج إلى يقين أن هذا العدو لن ينالك بأذى، ولما تقول الكلام هذا وأنت ما عندك عقيدة راسخة يصيبك ما يصيبك، بسبب ضعف إيمانك، لكن أنا أعرف أن الكلام هذا حق وصدق، قاله النبي صلى الله عليه وسلم ويحتاج إلى قلوب مؤمنة قوية في إيمانها، وإن شاء الله تعالى لن يضرك، بل تكون أنت أمامه كالأسد.
لا تقل هذا الدعاء شعرك واقف ونفسيتك تحت الأرض، وحالتك تغم، فربنا معك، سم الله وتوكل على الله، ولا يمكن مع ذكر الله أن يلحقك شيء أو يضرك أو ينالك أذى، إذا كنت تعتقد هذا وقلته ثلاث مرات لا يضرك شيء بإذن الله.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح). يعني: كان يداوم عليها في كل صباحه ومسائه. (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي). يعني: الخسف. كما قال وكيع بن الجراح رحمه الله تعالى.
هذا الحديث قال الترمذي فيه: حسن صحيح، وصححه جماعة عظيمة من أهل العلم. والذي يترجح لدي: تحسين هذا الحديث، وإن كان الشيخ الألباني عليه رحمة الله يضعف هذه الرواية.
وحديث: عبد الله بن غنام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه. ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته) أخرجه أبو داود وسنده ضعيف.
والحديث الذي رواه طلق بن حبيب رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب: بمجرد أن رأيتها ووقعت في قلبك ليس لك أن تراها إلا بعد العقد، والرؤية ليست مرهونة بعدد معين، لا واحد ولا اثنين ولا ثلاثة ولا أربعة، وإنما أقل مجالس الرؤية واحد، رآها مثلاً ماشية في الشارع، كانت جارة له وترقبها حتى رآها هذا مأذون له شرعاً، كما فعل جابر ، ومحمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة وغيرهم من الصحابة أنهم كانوا يختلسون النظر إلى المرأة، وهذا يجرنا إلى مسألة مهمة جداً، وهي: ماذا يرى الرجل من المرأة؟؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـابن مسلمة : (هل رأيتها؟ قال: لا. قال: انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً).
وقال للمغيرة : (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما فنظرت إليها حتى رأيت منها ما يسرني. وفي رواية: قال: فاختبأت لها فرأيتها من نخل..) يعني: اختبأ في بستان حتى رآها.
والمرأة في بيتها قد تكون لابسة ملابسها العادية وقد تكون كاشفة شعرها، والرقبة وشيئاً من الصدر، وقد تكون كاشفة الذراعين، أو كاشفة شيئاً من الساقين، فيجوز النظر إلى هذا، بل هذا هو المذهب الراجح في القضية، وجمهور الفقهاء يقولون: لا ينظر إلا إلى الوجه والكفين، ولا دليل معهم في ذلك.
وهم يقولون: الوجه يدل على النضرة، واليد تدل على السمنة والنحافة؛ لأن جمال المرأة في وجهها في الغالب؛ لأن المرأة لو كان جسمها جميلاً لكنها دميمة الخلقة فإنها لا تعجب الرجال، فتبين أن جمال المرأة دائماً إنما هو في وجهها.
المذهب الثالث في القضية هو مذهب الظاهرية: قالوا: للرجل أن يجردها -بالدال- لأن بعض أهل العلم صحفها إلى الباء، وهذه مصيبة سوداء، فقال: له أن يجربها، وهذا بلاء عظيم جداً، ولم ينتبه إلى هذا التصحيف، وهذا المذهب قد اعتمد على قصة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب لما أرسلها علي إلى عمر ليراها، فكشف عمر عن ساقها، قالت: لولا أنك أمير المؤمنين لفقأت عينيك.
وهذه البنت كان عمرها (10- 11) سنة ، وهذه الرواية غير صحيحة لا تثبت من جهة الإسناد، ولا من جهة المعنى، وإن هذه ليست أخلاق عمر رضي الله عنه، حتى لو كان هذا من حقه فالظن به أنه يتورع عن ذلك.
أما من جهة الرواية والسند فإن السند إلى عمر منقطع، فيبقى أمامنا مذهبان:
المذهب الأول: مذهب جماهير الفقهاء وهو: للخاطب أن يرى من مخطوبته الوجه والكفين، ولو طلب الخاطب أن يرى المرأة في حالتها الطبيعية في بيتها فله ذلك، وهذا الذي يترجح إلي من جهة الدليل، ولكني لو تعرضت لمثل هذا لرفضت وكرهت ذلك.
الجواب: الحقيقة أن فتوى الشيخ الألباني عليه رحمة الله، وقال بهذه الفتوى بعض أهل العلم كذلك: أن الخاطب لا يكلم مخطوبته بل ولا يراسلها عن طريق الخطابات والبريد، ولا يكلمها في الهاتف. هكذا سمعت الشيخ الألباني يشدد جداً في هذه القضية؛ لأن المخطوبة أجنبية.
الأمر الثاني: أنه لا يصار إلى مثل هذا حتى لو قلنا بأنه ليس حراماً بل إنه شبهة لمنع بعض أهل العلم لذلك، ومن الورع ترك الشبهات.
الجواب: قوله عليه الصلاة والسلام (فإن في أعين الأنصار شيئاً) محل نزاع بين أهل العلم.
(شيئاً) أي: ضيقاً، ونقل أن شيئاً هنا هو الاتساع، واتساع عين المرأة دليل جمالها، إما أن تكون عين المرأة واسعة بمعنى جريئة، وهذا ذم، أو تكون عين المرأة واسعة من جهة الخلقة فهذا مدح.
الجواب: الحديث الوارد في قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة حسنه ابن تيمية في الفتاوى، والراجح أنه حديث حسن.
الجواب: قولنا: فلان رحمه الله يشعر أنه في الجنة، ونحن لا نزكي على الله أحداً وإنا لنرجو له الجنة، وإنا نحسبه في الجنة كذلك، لكن لا نستطيع أن نقطع لأحد بعد النبي عليه الصلاة والسلام بجنة.. وكذلك ليس كل الصحابة مقطوعاً لهم الجنة، نحن نرجو الله عز وجل أن يكون جميع الصحابة من أهل الجنة، لكن لا نشهد لأحد بالجنة قطعاً حتى من أصحابه عليه الصلاة والسلام إلا من قطع له القرآن والسنة، فقولنا: فلان رحمه الله من باب الدعاء لا الخبر.
وإلا فما يدريني أن الله تعالى قد رحمه، وبلا شك أن الورع عن هذه الألفاظ أولى، لكن أنا أريد أن أقول: إذا قيلت فالقصد منها الدعاء لا الخبر، والورع ترك ذلك؛ لأنك تقول: فلان شهيد، ومن المعلوم قطعاً أن الشهداء في الجنة إذا لم يأتوا ما يستوجب لهم النار كالغلول وغير ذلك من الأعمال التي تؤثر على الشهادة.
فلو قلنا: فلان شهيد وقطعنا له بالشهادة الحقة فكأننا نقول: فلان في الجنة، ونتألى على الله عز وجل بهذا، فالأولى ترك هذه الألفاظ.
الجواب: يا أخي الكريم! لا بد أن تعلم أن الأمر دائماً يتعلق بطاعة الله عز وجل أو بمعصيته، فكونك أدركت أن هذه معصية فهذا نصف العلاج، ولا بد أن تعلم أن المذهب الراجح في هذه القضية هو مذهب الشافعية أن الاستمناء أو العادة السرية أو اللعب بالقبل عند المرأة والرجل حرام، وهو أرجح المذاهب في هذه القضية، لقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، أي: من فعل غير ذلك فهو معتد، ومعنى الْعَادُونَ [المؤمنون:7] أي: المعتدون الآثمون.
فالذي يترجح لدي: حرمة الاستمناء، والاستمناء في الغالب لا يأتي إلا في وقت غفلة، وفي وقت تسلط شهوة، وإنما يكون هذا تأثير الشيطان على العبد في حال معصيته لله عز وجل وبعده عن قراءة القرآن والعلم ومصاحبة الخلان الذين يعينونه على طاعة الله عز وجل وغير ذلك.
فلا بد لهذا العبد الذي يطلب التوبة النصوح أن يهتم بكتاب الله عز وجل، وأن يراجع نفسه دائماً في الحلال والحرام، وأن يخوف نفسه بآيات التخويف، وأن يقدم ذلك على باب الرجاء، بمعنى يغلبه على باب الرجاء ما دام واقعاً في هذه المعصية.
الأمر الثاني: ألا ينفرد قط؛ لأن الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية، يتسلط الشيطان على الشارد عن الجماعة؛ ولذلك أحد العلاجات أنك دائماً تكون في صحبة إخوانك، وألا تتركهم إلا في وقت لا بد لك من تركهم، أما ما دامت الصحبة ممكنة فلا تفرط فيها قط، ثم هذه المجلات وهذه الجرائد القومية وإن شئت فقل: الجنسية فحذاري أن تخالطها أو تخالطك فنحن قد انتقلنا نقلة سوداء في عام واحد في تصوير العرايا والمومسات والعاهرات على صفحات الجرائد.
تصور لو أن شاباً في ريعان شبابه وثوران شهوته يغلق على نفسه باب مكتبه أو غرفته ثم هو معه من هذه المجلات، مجلة الكواكب ومجلة حواء وغيرها، فينظر في صورة هذه المرأة، وفي صورة هذه المرأة، وفي صورة هذه المرأة، فلابد أن شهوته تثور وتفور فيقع في المحظور، فالعبد لا يقتني هذا، وإن كان لابد له من قراءة هذه الجرائد لحاجة فليقرأ خارج بيته أو في بيته ثم يستغني عنها فوراً بالحرق أو الرمي أو غير ذلك، أما أن يحتفظ بها في مكانه الذي يأمن أنها في مكان معين يرجع إليها إذا اشتهى إلى هذه الصورة فإن هذا باب عظيم جداً من أبواب الشر.
نكتفي بهذا، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر