إسلام ويب

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الدفاع عن موسى عليه السلامللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد بين العلماء حقيقة لطمة موسى لملك الموت عليهما السلام وأنه لا مطعن في الحديث الراوي لها، ذلك أنه لما أمر الله تعالى ملك الموت بقبض روح موسى عليه الصلاة والسلام تمثل ملك الموت لموسى عليهما السلام في صورة آدمي وفاجأه بقوله: أجب ربك، فلطمه موسى حتى فقأ عينه؛ لأنه لم يكن يعلم أنه ملك الموت، ولأنه فاجأه بالكلام ولم يستأذنه، وظن موسى أن الرجل صائل فأراد دفعه وصده.

    1.   

    بيان مقالة مفتر على الصحيحين

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    يقول أحد الملاحدة: إن الذي دس الروايات الإجرامية هو البخاري ومسلم! فهذا المجرم والملحد والزنديق ما تعلم أدب الحوار وأدب المناقشة العلمية حتى رمى خصمه بالإجرام، وأنه دس في عقيدة الأمة ما ليس من عقيدتها، فيقول: حتى يهدم فينا العقيدة الصحيحة، ويوقع بيننا وبين ربنا سبحانه فيحول بيننا وبين رضاه جل شأنه، فتشقى أمتنا بذلك إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل! ترى من فعل هذا؟

    هي والله ما دست، إنما هي صحيحة النسبة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، فالدفاع عن هذا الحديث وجلاء أمره إنما يلزمه بيان عدة أمور قبل أن أدخل فيه:

    الأمر الأول: الكلام عن الملائكة، وعن خلق الله تبارك وتعالى للملائكة، فالملائكة عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور كما خلق الجن أو الجان من نار، وكما خلقك أنت من تراب، فأصل الخلق عند الملائكة يختلف عن أصل الخلق عند الجان، ويختلف عن أصل الخلق عند الإنسان، فالله عز وجل خلق الملائكة من نور، وهم أجسام لا أرواح، ولذلك فإن الله تبارك وتعالى جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة، والأجنحة لا تكون إلا في الأجساد، أما الأرواح فلا أجنحة لها، وخلقهم الله عز وجل من نور وجعلهم طائعين لهم متذللين خاضعين، لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، وموسى عليه السلام مأمور بالإيمان بملك الموت، بل وبجميع الملائكة؛ لأن هذا أصل الإيمان في كل شريعة جاء بها رسول أو نبي.

    إذاً: الذي يكفر بملك واحد كالذي يكفر بجميع الملائكة، والذي يكفر بنبي واحد كالذي يكفر بجميع الأنبياء، وهذا وجه من وجوه تكفير اليهود والنصارى أنهم آمنوا بموسى وبعيسى وكفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام، فاستحقوا أن يكونوا كفاراً بعيسى وبموسى عليهما الصلاة والسلام.

    وهذا وجه من وجوه تكفيرهم.

    والملائكة هم خلق من خلق الله، وقد أمر الله تبارك وتعالى بقية الخلق أن يؤمنوا بأن الله تعالى خلق الملائكة وجعل لكل ملك مهمة يقوم بها، فمنهم من كلف بالوحي، ومنهم من كلف بالمطر، ومنهم من كلف بالرعد، ومنهم من كلف بكتابة الحسنات والسيئات، ومنهم من كلف بقبض الأرواح، وهو ملك الموت المعلوم عند كثير من الناس أنه عزرائيل، وهذه التسمية لملك الموت تسمية غير صحيحة، فإن اسمه الذي سماه الله تعالى به هو ملك الموت لا عزرائيل، وليس في الملائكة قط ملك اسمه عزرائيل، وجعل الله تعالى لكل ملك رسالة ومهمة يقوم بها، لا يقصر في أدائها، ورسالة ملك الموت إنما هي قبض الأرواح، وقد جاء في ذلك آيات كثيرة، فموسى عليه السلام مكلف أن يؤمن بملك الموت لا بضربه وفقء عينه، فلم فقأ عينه؟!

    1.   

    الجمع بين آيات الإخبار عمن يتوفى الأنفس

    قبل الجواب عن هذا السؤال نقول: إنه قد وردت ثلاث آيات في كتاب الله فيما يتعلق بمهمة قبض الروح، الله تبارك وتعالى يقول: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [السجدة:11]، هذه الآية تقضي بأن ملك الموت هو الذي يميت ويقبض الأرواح من الأبدان، وهذا لا خلاف عليه بل هو مستقر معلوم في أذهان العامة فضلاً عن أهل العلم، فإذا قبضها سلمها إلى رسل آخرين ليصعدوا بها إلى الله عز وجل، ولذلك هذا تأويل الآية الثانية: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61]، (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا) أي: كانوا في انتظار عند رأسه في حال الاحتضار، فالذي يتولى نزع الروح هو ملك الموت، ثم الذي يتولى استلام الروح من ملك الموت هم هؤلاء الرسل، فيصنعون بها ما أمرهم الله عز وجل به، فإذا كان صاحب هذه الروح من أهل الجنة فإنهم ينتظرون عند رأسه ومعهم حنوط من حنوط الجنة، وكفن من أكفان الجنة، فيلفون تلك الروح في حنوط الجنة وكفن الجنة، فيصعدون بها حتى يبلغوا بها السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي هذا في عليين، ثم أعيدوه إلى الأرض. فتعاد الروح إلى الأرض وقد قبر الميت ودفن جسده فتركب فيه الروح، فيقام ويقعد ويسأله منكر ونكير، وهو حي حياة برزخية تليق بالبرزخ، فيسأل: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، وديني هو الإسلام، فينيمانه نومة العروس، ويفتح له في قبره حتى يكون مد بصره ويكون له روضة من رياض الجنة.

    وإذا كان صاحب هذه الروح من أهل النار فإنهم يكون معهم حنوط من حنوط النار، وكفن من أكفان النار، فيلفون هذه الروح في هذا الحنوط وفي هذا الكفن، فإذا أرادوا أن يصعدوا بها أغلقت السماء دونها، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سجيل، أي: في أسفل سافلين، فتعاد الروح إلى البدن، فيسأل في قبره: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فيقول: هاه. هاه.. هاه. كأنه لا يدري ما يقول؛ لأنه لم يكن عاملاً بمقتضى هذه الأسئلة في الدنيا، فلا بد أن يشقى بها في حياته الدنيوية وفي برزخه وبين يدي الله عز وجل.

    والآية الثالثة تقول: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42].

    فالمتوفي حقيقة هو الله عز وجل؛ لأنه الآمر لملك الموت بقبض الروح فينسب الفعل إليه، كما لو أن فلاناً انتصر في غزوة كذا، فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم انتصر في غزوة بدر مع أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن في غزوة بدر وحده، ولكنه لما كان القائد الأعلى والآمر بهذه الغزوة ينسب النصر إليه، فالله عز وجل -ولله المثل الأعلى- لما كان هو الآمر لملك الموت بقبض الروح نسبت الوفاة إليه فكان هو المتوفي في الحقيقة، وهذا تأويل قول الله عز وجل: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42]، فلا إشكال حينئذ بين هذه الآيات الثلاث، حتى لا يقول قائل: لقد وقعت على اختلاف وتضاد في كلام الله عز وجل!

    فالجواب: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، فلما كان من عند الله يقيناً دل هذا على أنه ليس فيه اختلاف البتة، والله تعالى قادر على أن يهلك أعداءه، قال الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ [فاطر:1]، أي: يزيد في خلق الأجنحة للملائكة ما يشاء، (والنبي عليه الصلاة والسلام رأى جبريل عليه السلام على صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق) وقد جاء في رواية: (أن جناحاً واحداً يسد الأفق) يعني: لو أراد ناظر أن ينظر إلى السماء ما رأى من السماء شيئاً، لا نجماً ولا قمراً ولا شمساً ولا ضباباً ولا غيماً؛ بسبب جناح واحد من أجنحة ملك واحد، فما بالكم بملك قد ركب فيه ستمائة جناح، من يقوى عليه؟! والله تعالى خلق ملكاً واحداً ووكله بالجبال فهو يحفظها بأمر الله، وأنتم تعلمون أن ملك الجبال أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: (لو شئت يا محمد لأطبقت عليهم الأخشبين)، أي: لهدمت عليهم الجبلين، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعل الله تعالى أن يخرج من أصلابهم من يعبده) وفي رواية: (من يوحده).

    فالنبي صلى الله عليه وسلم عفا عنهم وكان بإمكانه أن يأمر ملك الجبال فيأتي بعاليها على سافلها، وبسافلها على عاليها، ولكنه عفا وأصلح.

    فالملائكة غلاظ شداد، لا يقوى على أحدهم موسى عليه السلام، ولكن الملاحدة أبوا إلا أن يرفعوا عقيرتهم في هذا الزمان لأنه لا حارس، من أراد أن يطعن في الله فليتفضل! ومن أراد أن يطعن في الرسول فليفعل! ومن أراد أن يطعن في شرع الله فهنيئاً له ثم هنيئاً له ثم هنيئاً له، ولكنه يشقى بذلك؛ لأن الله تبارك وتعالى يحرمه الأمن، والطمأنينة في الدنيا، وينال ما ينال من العذاب المهين في قبره، ثم هو يوم القيامة في دركة أسفل من دركة الكافرين؛ لأن الكافر معلوم أصله وفصله، أما هذا الذي يدعي أنه مسلم ويدعي أنه موحد، والأدهى من ذلك أنه يقول: فلا ندري من دس علينا هذه الروايات الإجرامية، ثم يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل! يظهر بصورة الحارس والمدافع وهو ألد الخصام، فعليه من الله ما يستحق، اللهم جنبنا الشياطين من الإنس والجن، اللهم احرسنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.

    1.   

    صور الدفاع عن موسى عليه الصلاة والسلام في لطمه ملك الموت

    ثم الدفاع عن موسى بعد ذلك يأتي في صور:

    أولها: أن الله تعالى أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، لينظر ماذا يصنع موسى، والله تبارك وتعالى عالم بما يصنع موسى، لكنها على أية حال رسالة ابتلاء واختبار، والله تبارك وتعالى لما أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده لم يكن يريد هذا الأمر؛ لأن إبراهيم عليه السلام لما عزم على ذبح ولده وتله للجبين، أي: ألقاه على جبينه، وأراد أن يذبحه، فجاءه الله عز وجل بالذبح العظيم.

    إذاً: الله عز وجل أراد بهذا ابتلاء إبراهيم واختبار إبراهيم ليظهر إيمان إبراهيم، وغير ذلك.

    وكذلك الملائكة تتصور في غير صورتها، وإذا تصورت في غير صورتها لا يعرفها أحد حتى الأنبياء والمرسلون، ألا ترون أن الملائكة أتوا إلى إبراهيم عليه السلام فأوجس منهم خيفة، فقالوا: لا تخف. ثم إنه عد هؤلاء أضيافاً، وجاءهم بعجل حنيذ وقربه إليهم وقال: ألا تأكلون؟ قالوا: إنا رسل ربك، فلو رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ملائكة الله على الهيئة والوصف الذي خلقهم الله عز وجل عليه لبهت، ولكنه ولأول مرة يرى ملائكة قد تصوروا في صورة آدميين، وأوجس منهم خيفة؛ لأنهم أضياف لا يعرفهم، فقام بواجب الضيافة إليهم فذبح العجل وقربه إليهم، فاعتذروا لأن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون.

    والنبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه جبريل فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ثم سأله عن الإيمان وعن الإسلام وعن الإحسان وأشراط الساعة فأجاب النبي عليه الصلاة والسلام على أسئلته، ثم أمر الصحابة أن يحضروه مرة أخرى، فذهبوا ليأتوا به، والمدينة صغيرة يرى فيها كل الناس فضلاً عن الغريب، فلما ذهبوا ليلتمسوه لم يجدوا أحداً، فقالوا: ما وجدناه يا رسول الله؟ قال: إنه جبريل، في وقت الأسئلة لم يفطن النبي عليه الصلاة والسلام إلى أنه جبريل، لحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، وهي رؤية النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة للملائكة، كما أن هذه القدرة -وهي التصور في صورة غير الصورة الحقيقة التي خلقهم الله عز وجل عليها- كانت كذلك للجن والشياطين، فإنهم يتصورون في صورة طير وحيوان ودواب وإنسان.

    فإن النبي عليه الصلاة والسلام كلف أبا هريرة رضي الله عنه بحراسة بيت المال، فأتاه شيطان في صورة إنسان يشكو فاقة وفقراً وعيالاً، فقال: أعطني فإني صاحب عيال وذو فاقة، ثم أتاه في الليلة الثانية ففعل مثلما فعل في الأولى، ثم أتاه في الليلة الثالثة ففعل مثلما فعل في الليلتين السابقتين، وفي كل ليلة يقول النبي عليه الصلاة والسلام لـأبي هريرة : (ماذا فعل صاحبك؟ قال: يا رسول الله! أتاني رجل فسألني حاجة وقال إنه ذو فقر وذو عيال) وفي الليلة الثالثة لما امتنع أبو هريرة عن إعطاء هذا الرجل شيئاً، قال: ألا أعلمك آية في كتاب الله لو قلتها من الصباح لا يزال عليك من الله حافظ حتى المساء، ولو قلتها في المساء لا يزال عليك من الله حافظ حتى الصباح. فقال: بلى. قال: اقرأ آية الكرسي حين تصبح وحين تمسي، فلما قال أبو هريرة للنبي عليه الصلاة والسلام: إنه قال لي كيت وكيت.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب).

    فقوله: (صدقك) هذا كلام حق لا مصلحة؛ لأن يكذب فيه الشيطان، ولكن الأصل فيه أنه كذاب، بل كذوب، فتبين أن الملائكة إنما منحهم الله تبارك وتعالى القدرة على أن يتشكلوا في غير الصورة التي خلقهم عليها وأنهم أجساد نورانية لهم أجنحة.

    هذا الكلام ستأتي فائدته فيما بعد بإذن الله تعالى.

    وبعض الشرائع تتفق مع بعضها في بعض الأحكام، فهذا جبريل عليه السلام نزل إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وصلى به الخمس الفرائض في أول الوقت مرة وفي آخرها مرة، وقال: (يا محمد! هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك).

    إذاً: الأنبياء كانوا مكلفين بفرض الصلاة في مواقيت معينة ومحددة، وتبين بهذا النص أن بعض الشرائع تتفق مع بعضها، ولذلك لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن النظر في كتب بني إسرائيل قال: (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، قال العلماء: ما وافق من شريعة من قبلنا شريعتنا يعمل به استئناساً، وإذا خالف شرع من قبلنا شرعنا لا نعمل به، وإذا لم يخالف ولم يوافق فنحن مخيرون بين العمل به وتركه.

    قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من نظر في دار أخيه بغير إذنه ففقأ عينه فلا حرج عليه ولا قود).

    ومعنى فلا حرج عليه، أي: لا يقاد، فلا يطبق هنا العين بالعين والسن بالسن، لأنه انتهك حرمة البيت، فكان جزاؤه من جنس عمله، ولأن صاحب الدار دافع عن نفسه، وعن حريمه، وعن أهل بيته.

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الاستئذان لأجل النظر)، فإذا صوبت عينيك في البيت ثم طرقت الباب فما قيمة هذا الطرق؟! والشرع إنما أوجب علينا الاستئذان وطرق الباب وصرف البصر إلى الناحية الأخرى حتى لا نقع على محارم أصحاب البيت فنستاء من ذلك إن كنا من أهل الإيمان، أو يستاء أهل البيت بالنظر إليهم بغير إذن.

    1.   

    بيان تأويل قصة موسى في لطمته لملك الموت عليهما السلام

    فموسى عليه السلام فوجئ في داره برجل لا بملك، والملك كان يأتي عياناً لقبض الأرواح، وهذا فرق بين رحمة الله لهذه الأمة وبين ما جعله على الأمم السابقة، أن ملك الموت كان يأتي على صورته التي خلقه الله عليها لمن أراد أن يقبض روحه، وكم من إنسان قبض روحه في مجلس موسى، فرأى موسى ملك الموت على صورته التي خلقه الله عليها كما رآه من جاء إليه ملك الموت ليقبض روحه، أما غيره فإنهم لا يرون ملك الموت، بل لا يراه إلا من جاءه الموت.

    أما الأنبياء والمرسلون فإن الحجب قد كشفت لهم فرأوا الملائكة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي اهتز له عرش الرحمن : (والله! لم يكن هناك شبر أو موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد).

    وهذا يبين أن النبي عليه الصلاة والسلام قد كشفت له الحجب حتى رأى الملائكة وهم على هذا النحو، فكذلك موسى عليه السلام، ولكن لما أتى ملك الموت ولأول مرة في صورة رجل غريب لا يعرفه موسى عليه السلام، ثم فوجئ موسى بأنه في داخل داره ويقول له: أجب ربك. لأن موسى لما رآه في داره قام إليه فلطمه، وهذا من باب دفع المعتدي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد)، فهذا موسى عليه السلام قد اتفقت شريعته مع شريعة محمد عليه الصلاة والسلام في دفع الصائل ومقاتلة من دخل الدار بغير إذن، وأنا أصر على أنه قام إلى الرجل ولم يقم إلى ملك الموت، ولكن ملك الموت قال له لما لطم: أجب ربك. قال العلماء: وما المانع أن يكون موسى قد ظن أن ملك الموت لما لطم وفقئت عينه قال لموسى أجب ربك تعوذاً وهروباً أن تفقأ عينه الأخرى؟!

    وأنتم تعلمون أن التعوذ في مثل هذه المواطن أمر قد وقع فيه كثير من الناس، فصعد ملك الموت إلى الله بعينه التي فقئت، فقال: يا رب! إنك أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت وفقأ عيني، فرد الله عز وجل على ملك الموت عينه؛ لأنه أراد أن يبقى في صورته قبل التحول على خلقته التي تخلق فيها لا على أصل صورته التي عليها أولاً، فلما ردت عينه أتى هذا الرجل إلى موسى عليه السلام في صورة الرجل الذي أتاه أول مرة، وقال: يا موسى! الله تعالى يقول لك: آلحياة تريد؟

    وهنا لا بد من وقفة عظيمة، وهي أنه ما من نبي مرض مرض الموت إلا خير بين الدنيا والآخرة، والنبي عليه الصلاة والسلام كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث عائشة قالت: (غشي على النبي عليه الصلاة والسلام وهو في حجري. ثم أفاق، فأشخص بصره إلى السماء، ثم قال: اللهم الرفيق الأعلى، فعلمت أنه خُيِّر).

    وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي أتاه أجله إلا خير بين الموت والحياة).

    فما من نبي قبضه ربه إلا بعد أن خيره، ولما أتى ملك الموت إلى موسى عليه السلام في أول مرة لم يخيره، وإنما دخل عليه ففوجئ موسى برجل غريب فقام إليه فلطمه ففقأ عينه، فصعد الملك ثم نزل، فقال: يا موسى! الله تعالى يقول لك: آلحياة تريد؟ وهذا هو التخيير، فلما علم موسى أنه ملك الموت وأنه تصور بصورة رجل، وأن موسى يعلم علماً يقيناً أنه لن يقبض حتى يخير، فلما لم يخير في الأولى وخير في الثانية علم أن هذا الرجل الذي أتاه أولاً هو الذي أتاه ثانياً، ولكنه في هذه المرة أتاه بالعلامة التي ينتظرها موسى، فقال: الله تعالى يقول لك: آلحياة تريد؟ فوقف موسى ولم يلطمه؛ لأنه عرف وهو مؤمن به، والأصل أن من آمن بأحد استجاب وامتثل أمره، فقال ملك الموت: الله تعالى يقول إذا كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ظهر ثور، فلك بكل شعرة غطتها يدك سنة، ولكن موسى سأل: ثم ماذا؟ أي: بعد هذه الآلاف السنين بعدد شعر رأس الثور. قال: الموت. لأن كل شيء هالك إلا وجهه، ومعنى التخيير: إذا كنت تريد البقاء فلك ذلك، وإذا كنت تريد الموت فلك ذلك، واعلم أنك لو اخترت البقاء فستختاره بإذنك وأمرك وبينك وبين ربك علامة، وهي أنك ستعيش بكل شعرة غطتها يدك من جلد الثور عاماً كاملاً، قال موسى: ثم ماذا؟ قال: الموت. قال: فالآن.

    فموسى عليه السلام لم يكن محباً للحياة ولم يكن كارهاً للقاء الله، وإنما ظن أن الذي دخل عليه رجل غريب يريد أن ينتهك حرمة بيته، فدافع عن نفسه، والمعلوم في كل الشرائع أن الدفاع عن النفس مباح وجائز على قدر ما يدفع به الصائل، فإن دخل عليك رجل يريد أن يأخذ مالك، وينتهك عرضك، ولا يمكن دفعه إلا بالقتل؛ فالقتل جائز، وإذا كان دفعه بالضرب يؤدي المهمة فقتله غير مباح، وإذا كان تخويفه حتى يهرب من البيت فلا يجوز ضربه، وهذه أحكام الصائل، فلما لم يندفع هذا الرجل وثبت في موقفه وقال: أجب ربك، ومعنى (أجب ربك) أي: سلمني روحك أقبضها، وهذا كلام يخرج من الآدميين، أنا إذا أردت أن أهدد واحداً بالقتل قلت له: سلم لي نفسك أنا سأقتلك، أو سأزهق روحك، وهذا الذي حدث من ملك الموت، وما المانع أن يكون هذا تهديداً منه لموسى عليه السلام في مفهوم موسى في ذلك الوقت؛ خاصة وأنه لم يعرفه؟ فتبين بهذا أن موسى عليه السلام محق فيما فعل.

    وجاء من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب قومه فقال: (إن الله تعالى خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله، فبكى أبو بكر رضي الله عنه، قال أبو سعيد: فعجبنا لبكاء أبي بكر فلما مات النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أنه العبد المخير) أي: علمنا أن الذي خير هو النبي عليه الصلاة والسلام (وكان أبو بكر أعلمنا وأفقهنا؛) لأنه لما سمع هذه الموعظة بكى لعلمه أن الذي خير هو النبي عليه الصلاة والسلام.

    قال المازري كما نقله عنه النووي في شرح مسلم : وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث وأنكروا تصوره -أي: في صورة إنسان- أو أنكروا أن يكون الحديث صحيحاً، فقالوا: كيف يجوز على موسى فقء عين ملك الموت؟ والجواب: أنه لا يمتنع أن يكون موسى صلى الله عليه وسلم قد أذن الله تعالى له في هذه اللطمة امتحاناً للملطوم، والله تعالى يفعل ما يشاء في خلقه ويمتحنهم بما أراد.

    والجواب الثاني: أن موسى عليه السلام لم يعلم أنه ملك من الله، وظن أنه رجل قصده يريد نفسه، فدافع عنها فأدت المدافعة إلى فقء عينه، لا أنه قصد فقأها، وهذا ما رجحه ابن خزيمة رحمه الله، وتؤيده المرة الثانية التي جاء بها ملك الموت وأنه لما أتاه بعلامة عرفها موسى وعرف ملك الموت أن موسى اختار الموت دون البقاء، بخلاف المرة الأولى.

    ثم قال: موسى عليه السلام: يا رب! فادنني من بيت المقدس رمية بحجر، يعني: إذا كنت أخير بين الموت والبقاء فأنا أختار الموت بالقرب من بيت المقدس رمية حجر، أي: على قدر ما يرمى حجر بيني وبين بيت المقدس، أو في سرعة رمي الحجر، قال الإمام النووي : وأما سؤاله الإدناء من الأرض المقدسة فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء والمرسلين وغيرهم.

    وقال بعض العلماء: وإنما سأل موسى الله تعالى الإدناء، ولم يسأل نفس بيت المقدس؛ لأنه خاف أن يكون قبره مشهوراً عنده فيفتتن به الناس، وهذا يبين أن في شريعة موسى عليه السلام كانت الفتنة بالأموات، وسؤال الحاجات منهم أمر غير مشروع كما هو في شريعتنا وكما جاء به نبينا عليه الصلاة والسلام.

    أسأل الله تعالى أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال والأقوال؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    1.   

    مناقب موسى عليه السلام

    الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على الرسول المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأصلي وأسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وأهل بيته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    جاء في مناقب موسى عليه السلام أنه كان رجلاً حيياً، مهذب الخلق، أرسل في قوم لا حياء لهم، ولا خلق لهم كما جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى بعض، وهذا الخلق موجود إلى الآن في حمامات السباحة، وفي شواطئ البحار والأنهار والترع وغيرها، خاصة في الريف، فإن الناس يتجردون من ملابسهم كيوم ولدتهم أمهاتهم ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، فهذا الخلق إنما هو خلق اليهود لا أخلاق المسلمين، فكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى عليه السلام رجلاً حيياً يغتسل وحده، وفي هذا جواز الاغتسال عرياناً في الأماكن البعيدة عن الأنظار، والأولى ستر العورة؛ لأن الله تعالى أحق أن يستحيا منه، فقال بنو إسرائيل لما رأوا موسى عليه السلام يغتسل وحده ويبتعد عنهم: إنه آدر. أي: به عيب خلقي، وهو أنه عظيم الخصيتين. وقيل: (آدِر)، ومن هنا تأتي خطورة قولك لعبد القادر: يا عبد الآدِر؛ لأن الآدر عيب، والله تعالى لا يتسمى باسم فيه عيب، بل هو المتصف بالكمال والجلال والمسمى بالأسماء الحسنى سبحانه، فلا بد من قولك ونداءك لعبد القادر يا عبد القادر، يا عبد الخالق، وليس (يا عبد الخالئ!) بالهمز، هذا خطأ عظيم جداً في الاعتقاد وفي جناب المولى عز وجل، بل لا بد من نداء العبد الذي انتسب إلى الله في التسمية بما سمى الله تبارك وتعالى به نفسه، نحو: يا عبد الخالق، يا عبد القادر، وغير ذلك.

    قالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فذهب موسى مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر) يعني: على عادة من ينزل البحر فإنه يخلع ثوبه ويجعله على حجر أو على الشط ثم ينزل الماء، قال: (ففر الحجر بثوبه) أي: بثوب موسى عليه السلام، (فجنح موسى خلفه) أي: فأسرع موسى خلف الحجر. (ويقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر. ويضربه بالعصا حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى) لأن موسى ظل يجري خلف الحجر حتى دخل في ملأ وفي جمع من بني إسرائيل، فرأوا موسى على هذا النحو دون أن يقصد موسى أن يظهر عورته، ولكنه انشغل بالجري والإسراع خلف الحجر ليأخذ ثوبه وملابسه، وإلا فكيف يفعل موسى حينئذ؟ (قالوا: والله ما بموسى من بأس) أي: لما رأوه.

    انظروا إلى سفالة ووقاحة اليهود أنهم يسبون ويتهمون ويعيبون نبيهم، ثم لما رأوه رأي العين قالوا: والله ما به من بأس، ولذلك قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا [الأحزاب:69]، فهذه تزكية الله تعالى لموسى: (وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا).

    قال: (فأخذ موسى وطفق بالحجر ضرباً وقال أبو هريرة : إن بالحجر ندباً -أي: أثر الضرب- ستة أو سبعة)، فبقي أثر الضرب على الحجر إلى زمن الصحابة حتى رأوها عليه، ليعتبر من اعتبر، وإن شئت فقل: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال:42].

    وفي هذا الحديث معجزتين لموسى عليه السلام: أن الحجر مشى بثوبه حتى وصل إلى بني إسرائيل، وإظهار براءة موسى أمام قومه وملئه، وهذا ليس فيه كبير ما ينكر، وليس فيه غضاضة، فإن الحجر سلم على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وإن الجذع الذي كان يقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين يخطب الناس، فلما صنع للنبي صلى الله عليه وسلم منبر ووقف عليه كان الجذع بجواره، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوقوف بجوار الجذع ووقف على المنبر بكى الجذع، حتى سمع له صوت وبكاء، فليس بغريب أن يأتي هذا من الحجر بموسى عليه السلام.

    وهذا الحديث فيه: إظهار ما ابتلي به الأنبياء والصالحون من أذى السفهاء والجهال وصبرهم على ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل) ويقول: (إن الله ليبتلي عبده بالبلاء فإذا كان في دينه صلابة زيد له في البلاء حتى يمشي في الأرض وليس عليه خطيئة).

    فالبلاء منحة من الله عز وجل، إن كان عندك ذنب غفره، وإن لم يكن رفعت لك بهذا البلاء درجات، فالابتلاء إما تكفير للسيئات وإما رفع للدرجات.

    وما نزل من البلاء بالأنبياء فله حكم آخر، منها: رفع الدرجات حتى يكونوا في أعلى عليين، في جنة عرضها السماوات والأرض، ومنها: أن الله تبارك وتعالى يبتلي الأنبياء حتى يكونوا قدوة لمن وقع به البلاء ممن أتى بعدهم من أممهم فيصبروا كما صبر أنبياؤهم، وغير ذلك من الحكم العظيمة.

    وآخر فائدة أن الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم منزهون عن النقائص والمعايب الخلقية والخُلقية سالمون من العاهات كما قال المحققون، خلافاً لمن قال غير ذلك.

    ولذلك فإن السيوطي عليه رحمة الله صنف كتاباً للدفاع عن الأنبياء فذكر فيه ما ذكر وقال: لا ينبغي لأحد في زمن من الأزمان، وفي وقت من الأوقات، وفي مكان من الأماكن، أن يعيب نبياً بصنعة كان يصنعها، أو بحرفة كان يحترفها، إذا كانت هذه الحرفة أو هذه الصنعة محل امتهان أهل هذا العصر.

    يعني: النبي عليه الصلاة والسلام رعى الغنم، بل جاء عنه عليه الصلاة والسلام: (ما من نبي أرسله ربه إلا ورعى الغنم) فإذا كانت رعاية الغنم في زمن من الأزمان مهينة وعمل محتقر وذليل ومتدن، فلا يجوز لأحد أن يقول: إن الأنبياء رعوا الغنم؛ ورعي الغنم في هذا الزمان ذل ومهانة وعمل حقير متدن، فلا يجوز نسبة هذا العمل إلى الأنبياء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766812270