إسلام ويب

تفسير سورة النمل (4)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كثير من الآباء يتركون للأبناء ما يورثونهم إياه من المال والمتاع، أما داود عليه السلام فقد ورث ابنه سليمان الملك والنبوة، فقد أنعم الله على آل داود بهذه النعمة التي لم يؤتها أحداً قبلهم ولا بعدهم، وبالإضافة إلى هذا الإرث العظيم فقد آتى الله سليمان العلم بمنطق الطير والحيوان، وحشر له جنوده من الإنس والجن وغيرهم، والله عز وجل يختص بفضله من يشاء من عباده.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل:15-19].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه القصص التي يقصها الله تعالى تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الدار الآخرة حق، والجزاء فيها يتم بحسب نوع العمل كان خيراً أو كان شراً.

    ومحمد صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، وقد عاش أربعين سنة لم يقل فيها شيئاً، ثم نبأه الله وأرسله بعدما بلغ الأربعين سنة. فلولا أنه رسول الله ونبي الله لما أمكنه أن يقصص هذا القصص العجيبة، التي سمعناها وسنسمعها.

    والسور المكية تقرر أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الدار الآخرة حق، والجزاء فيها يتم بحسب العمل في هذه الدنيا. هذه هي الحقيقة التي قررتها كل السور المكية، ومن بينها سورة النمل التي ندرسها.

    قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا [النمل:15]. الذي آتى داود وسليمان علماً الله جل جلاله، وهو الذي علم الرسول هذا حتى يقوله، وإلا فهو لم يعاصر ويشاهد داود وسليمان، بل هذا والله وحي الله.

    فهو القائل: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا [النمل:15]. وهذا العلم علم عظيم، جامع شامل لصناعة الدروع، إذ كان داود يصنع الدروع للجهاد. وهو شامل للقضاء الشرعي والحكم بشرع الله عز وجل، شامل لكل العلوم والمعارف. هذا العلم الذي آتاه الله داود وسليمان. ويخبر تعالى بهذه النعمة، التي يستدل بها على وجوده، وعلى تنبئته وإرسال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

    فقال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ [النمل:15]. وداود الأب وسليمان الابن. عِلْمًا وَقَالا [النمل:15]، أي: داود وسليمان: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل:15]. فشكرا الله وحمداه وأثنيا عليه بما آتهما من هذا العلم الذي تفوقا فيه، ولم يعطه غيرهما أبداً.

    وهكذا من أنعم الله عليه بنعمة يجب أن يحمد الله عليها، ويجب أن يشكر الله عليها، ويجب أن يعترف بها بقلبه ولسانه. وهذه سنة الصالحين، فقد قالا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل:15]. وأما غير المؤمنين فالمؤمن أفضل من الكافرين أجمعين، ومؤمن واحد يساوي الكفار ولو ملئوا الأرض، ولذلك قالا: مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل:15]. إذ آتاهما من العلم والحكمة ما لم يؤت غيرهما.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087706019

    عدد مرات الحفظ

    773639711