أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، الكتاب الحاوي للعقيدة وللآداب وللأخلاق وللعبادات وللمعاملات، وها نحن مع العبادات، واذكروا قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، وقوله: ( إنما العلم بالتعلم ).
فهيا بنا نواصل دراسة هذا الفقه، ونحن الآن مع المادة الثامنة وهي في الأذان والإقامة.
ونحن نسمع الأذان والإقامة كل يوم خمس مرات، والحمد لله.
قال: [ أولاً: الأذان: ]
فلا يؤذن لنا نصراني ولا مجوسي ولا كافر، وليكن رجلاً؛ لأن كلمة أحد بخلاف الأنثى، فلم يقل: إحداكم، ( فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم )، أي: وليكن إماماً لكم أكبركم [ ويسن للمسافر والبادي ] فالوجوب لأهل المدن والقرى، وهو واجب كفائي، فإذا أذن المؤذن سقط الإثم عن الباقين، ويسن للمسافر البادي، والمسافر الذي هو في سفر، والبادي المقيم بالبادية، وليس في قرية ولا مدينة، فيسن لهما أن يؤذنا [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة )] فهذه تساوي الدنيا وما فيها. فإذا كنت في غنمك، أو في باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، ولا تقل: من يسمعني فأنا وحدي؟ بل ارفع صوتك كالمؤذن. ( فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن ) والمدى الممتد من الوقت أو المكان، ( جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ). من فاز منا بهذه؟ حاولوا أن تظفروا بها في السفر. ( فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن ) وقد يكون مدى الصوت على كيلو متر شرقاً وغرباً مثلاً ( جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ) على أنه عبد الله المؤمن، الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وهذه جائزة عظيمة.
إذاً: الأذان واجب كفائي في المدن والقرى، ويكون سنة من السنن في البوادي وحال السفر.
ومنهم: من يرجع عند التشهد كـمالك عندما يقول: ( أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين) يقول وهو ساكت بدون رفع الصوت: ( أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله)، وكله خير وحسن.
فصيغة الأذان هي: ( الله أكبر، الله أكبر) والذي يرجع يقول: الله أكبر، الله أكبر، كما تسمعونه عندنا، فهذا يسمى الترجيع، فقد رجع إلى الكلام وأعاده، ( أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله)، ثم يعيد فيقول الشهادتين مرتين بصوت عال، وهو الترجيع.
و( حي على الصلاة) بمعنى: أقبلوا على الصلاة.
و( حي على الفلاح) بمعنى: أقبلوا على الفلاح، فلاح الدنيا والآخرة.
وإن كان في أذان الفجر قال: ( الصلاة خير من النوم)، ثم بعدها يقول: ( الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله).
والأذان الذي نسمعه في المغرب والعشاء والصبح عندنا هو أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبقى الترجيع، وهو الكلام بصوت منخفض، وله ذلك، وهو وارد [ قال أبو محذورة رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم علمني الأذان: ( الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله ( مرتين)، أشهد أن محمداً رسول الله ( مرتين) ) ] بصوت منخفض، هذا فيه الترجيع في الشهادتين. [ ( حي على الصلاة ( مرتين)، حي على الفلاح ( مرتين)، فإن كانت الصلاة صلاة الصبح، قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ) ] وورد في الموطأ أن عمر جاءه بلال وقد تأخر عن صلاة الصبح، فقال: الصلاة خير من النوم يا أمير المؤمنين! فقال عمر : اجعلها في صلاتك، ففهم مالك أنه أول ما كانت هذه الجملة على عهد عمر، والصحيح: أنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما عمر فقال: اجعلها في صلاتك، يعني: لا تجعلها لي أنا، تعلمني إياها، بل اجعلها في صلاتك، فالصلاة خير من النوم في صلاة الصبح تقال مرتين بعد نهاية حي على الفلاح، فهي باقية إلى يوم الدين، والصلاة خير من النوم.
هذه صيغة الأذان، والترجيع: إعادة اللفظ مرتين.
والمؤذن إذا كان صوته فيه بحاح أو قصيراً فهذا لا يحسن، بل لا بد وأن يكون صيتاً، عالماً بأوقات الصلاة الخمسة، فلا يكون جاهلاً؛ إذ كيف يؤذن وهو لا يعرف الوقت. وأما الالتفات فالآن مع مكبر الصوت ما بقي التفات؛ إذ لو التفت لبعد عن مكبر الصوت، فيضعف الصوت، فالآن يؤذن أمام المكبر، وإذا لم يوجد مكبر صوت فالالتفات ليس بواجب، وإنما يستحب ويستحسن؛ من أجل أن يسمع الناس الذين عن يمينه وعن شماله، وما دام المكبر قد أوصل الصوت فيكفي.
ومن العجيب أنه بلغنا أن بعض أهل العلم يقولون: مكبر الصوت بدعة! فقلنا: ما هو بدعة، ولكن مصلحة مرسلة من المصالح المرسلة، فهو ليس عبادة حتى نقول: بدعة، بل وسيلة لرفع الصوت وإيصاله للبعداء، فهو ليس عبادة حتى نقول: شرعنا عبادة، وهذه بدعة منكرة، بل هذه آلة، ونظيرها المنارة مرفوعة إلى خمسمائة متر، ولا نقول: هذه بدعة، فهي ليست من البدع، بل من المصالح المرسلة، والباب مطلق فيها ومفتوح، فهي مصلحة تعود على المسلمين بخير. والإمام كذلك يكبر ويصلي إلى مكبر الصوت، فلا نقول: بدعة، بل هذه آلة لرفع صوته وإبلاغ من ورائه من المصلين، والحمد لله أصبح الإمام يسمع قراءته في المسجد بكامله، ومن قبل ما كان يسمعه إلا الصف الأول والثاني، والباقون محرمون، والآن بهذه الآلة فتح الله بها.
ومن غريب ما شاهدنا في المغرب قبل وجود مكبر الصوت أنهم كانوا يعملون نافذة عند المحراب وفيها أنابيب إلى كل السواري حتى يسمع صوته في السواري وفي كل مكان قبل أن يوجد مكبر الصوت، وسبحان الله! فلا نقول: هذه بدعة؛ إذ البدعة فيما يتعبد به، وليس من حق أي إنسان أن يشرع، بل الذي يشرع هو الله ورسوله، فلا تشرع عبادة وتأمر الناس بها. [ وأن لا يأخذ عن أذانه أجراً ] فيحسن أن لا يأخذ أجرة على الأذان [ إلا من بيت المال ( أي: خزينة الدولة) أو الأوقاف ] وأما من يقول: يا أهل القرية! أؤذن لكم واجمعوا لي راتب شهري فلا يجوز، أو أن يقول: على كل مصل أن يضع ريالاً هنا في المحراب لأجل المؤذن لا يجوز، فإذا كان من الدولة أو من الأوقاف لا بأس، ومع هذا لو لم يأخذ أفضل، ولو كان له عمل يعمله يسد به حاجته ويؤذن بلا أجرة، وقيمة الأذان يبينها أن عمر على جلالته رضي الله عنه قال: لولا الخلافة لكنت مؤذناً، أي: لولا أمر الخلافة وما عهد إلي فيها لكنت مؤذناً، إذاً: فاز المؤذنون، والحمد لله. فلا يأخذ على أذانه أجرة إلا من بيت المال - أي: خزينة الدولة- أو الأوقاف التي توقف على المساجد.
وحتى الواحد يؤذن كما قدمنا لكم ويقيم، والثلاثة والأربعة كذلك.
وقوله: ( فعليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) يدل على أن أمر المسلمين دائماً ليس فيه فرقة، وإنما اتفاق دائم، فدولتهم واحدة، وعملتهم واحدة، ونظامهم واحد، وحياتهم كلها واحدة، والعكس الآن؛ لأننا سحرنا، وذهب العدو بقلوبنا ومزقنا وفرقنا، وإلا فالثلاثة إذا مشوا فيجب عليهم أن يؤمروا عليهم أحداً، فلا يمشي ثلاثة في البر أو في البحر إلا وأحدهم أمير؛ حتى لا يختلفوا ويضطربوا وتفسد حياتهم، فهذا النظام الإسلامي أضاعوه.
قال: [ ولقول أنس ] بن مالك [رضي الله عنه] خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ( أمر
وقوله: ( ويوتر الإقامة )، أي: يجعلها وتراً، فألفاظ الإقامة هي: ( الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله).
وقوله: ( قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة) قد يقال: ما قامت بعد، فكيف يقال: قد قامت؟ فنقول: العزم عليها قيامها، لا أن يخبر عنها بعد ما تقوم.
الإمام أملك بالإقامة ] فإمام المسجد أحق بالإقامة، فهو الذي يقول للمقيم: أقم أو يقول: لا تقم، [ فلا يقيم المؤذن الصلاة إلا عند حضور الإمام، وإذنه بذلك ] فإذا لم يحضر الإمام فليس له حق في الإقامة، فلا يقيم إلا عند حضوره وإذنه، فإذا لم يأذن له فلا يقيم، فالإمام يقول له: أقم، أو يشير إليه أقم؛ وذلك [ لخبر: ( المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة ) ] رواه الترمذي، ومعنى أملك: أكثر ملكاً لها، وهو صاحبها، [ وفي سنده مجهول، غير أن العمل به عند عامة الفقهاء ] فالعمل به عند عامة المسلمين [ ولعله اعتضد بشاهد آخر يروونه عن علي أو عن عمر رضي الله عنهما.
وأما الأذان فإن المؤذن أملك به من غيره، فيؤذن إذا دخل الوقت، ولا ينتظر أحداً ولا يستأذنه إماماً كان أو غير إمام ] فلا يقول: انتظر لا تؤذن حتى ندخل، بل المؤذن أملك بالأذان، فإن دخل وقت الأذان يؤذن، رضي الناس أو سخطوا.
ومعنى ( لا يرد) أي: لا يرده الله، بل يستجيبه عز وجل. اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا.
معاشر الأبناء! أحد إخواننا من بدر يطلب منكم الدعاء؛ ليسقيهم الله كباقي البلاد، يقول: ديارنا في بدر ما سقيت، فيطلب منكم أن تدعو الله لهم بالغيث؛ ليغيثهم الله عز وجل، فهيا نرفع أكفنا إلى ربنا سائلين ضارعين.
اللهم يا أرحم الراحمين! يا ولي المؤمنين! يا متولي الصالحين! هذه أكفنا قد رفعناها إليك سائلين ضارعين، فاسق يا رب! أهل بدر سقيا نافعة، عاجلة غير آجلة، نافعة غير ضارة يا رب العالمين! اللهم اسقهم وأغثهم، اللهم اسقهم وأغثهم، وأبعد هذا القحط عنهم يا رب العالمين! واسق كل المؤمنين يا رب العالمين! اللهم اسقهم وأغثهم، اللهم اسقهم وأغثهم، واسقهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب يا رب العالمين! اللهم إنا ندعوك لعبدك أبي يوسف ، وقد توفي وقد عاد إليك يا رب العالمين! فأعل درجته، وأنزله منزلة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، واغفر لنا وله ولسائر المؤمنين يا رب العالمين! وصل اللهم على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر