الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ.
عباد الله: لازموا طاعة المولى في السر والعلانية.
أمة الإسلام: وأنتم تودعون شهر رمضان المبارك، الذي كان ميدان تنافس للصالحين بأعمالهم، ومجال تسابق للمحسنين بإحسانهم، وعامل تهذيب للنفوس المؤمنة، روضها على الفضيلة، وارتفع بها عن الرذيلة، فأخذت فيه دروساً للسمو الروحي، والتكامل النفسي، فجانبت كل قبيح، واكتسبت فيه كل هدىً ورشاد.
فيجب على تلك النفوس المؤمنة أن تستمر على نهج الهدى والرشاد والاستقامة على طاعة المـولى جل وعلا كما كانت في رمضان، فإن في دوامها على ذلك الهدى والرشاد والاستقامة نعيم للصالحين وإرضاء لرب العالمين.
طاعة الله لا تنتهي بوقت معين
العودة بعد رمضان إلى طاعة الشيطان
فإنه من المؤسف جداً انهزام تلك الصفوف! إنه من المحزن جداً أن البيوت ملأى بأناس لا يُرون في المساجد إلا في رمضان! ثم بعد رمضان يعودون إلى طاعة الشيطان بعد طاعة الله، وربما يكون في عبادتهم شرك إذا كانوا لا يعبدون الله إلا في رمضان، فإنهم في ذلك الفعل الوخيم قد عصوا الله ورسوله، فقولوا لهم -يا من تعرفونهم! يا من كنتم تأكلون معهم مائدة الإفطار!- قولوا لهم: تارك الصلاة كافر، إذا ترك فرضاً واحداً متعمداً فهو كافر، فكيف بمن يترك الفرض أحد عشر شهراً والعياذ بالله؟! وبعضهم لا يصلي إلا يوم الجمعة، وباقي السنة لا يعرف فيها بيوت الله، فهؤلاء إذا أصروا وعاندوا وجحدوا باقي الأوقات فهم كفار والعياذ بالله، وتارك الصلاة كافر مرتد، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
تارك الصلاة كافر ملعون مطرود عن رحمة الله، لا يُصلى على جنازته إذا مات، ولا ينبغي أن يُغش به المسلمون، فمن كان عنده إنسان مات وهو لا يصلي، فلا يغش به إخوانه المسلمين؛ لأنه كافر، والكافر لا يُصلى عليه، ولا يُغسل، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، ولا يُدعى له بالرحمة، بل يُوارى بعيداً عن البلد، تارك الصلاة لا يُؤاكَل، ولا يُشارَب، بل يُهجَر ولا يُجالَس.
وأما الذين يتركون الصلاة بالكلية، فهم كما ذكرنا كفار والعياذ بالله.
أما من يصلي في البيت فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وقد [[سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل يقوم الليل، ويصوم النهار، ولا يشهد الجمعة ولا الجماعة، فقال: هو في النار]] ثم أتاه السائل بعد شهر، فسأله، فقال: رجل يقوم الليل، ويصوم النهار، ولا يشهد الجمعة ولا الجماعة، فقال: [[هو في النار]].
فانظر كيف حكم ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما على هذا الذي لا يشهد الجمعة والجماعات في النار، نعم يا عبد الله.
ولقد همَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم -وهو نبي الرحمة- بإحراق بيوت أناس لا يشهدون الصلاة مع الجماعة، همَّ أن يحرقها عليهم بالنار، ولولا ما فيها من النساء والذرية لأحرقها عليهم بالنار.
فلنتق الله -يا عباد الله- ولنتواصَ بالحق، ولنصبر على ذلك، ولنواصل أعمال الخير التي كنا نعملها في رمضان، حتى يتوفانا الله إليه وهو راضٍ عنا.
قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ثم قـرأ قول الحـق تعالى:
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ
[الحجر:99] "
وقيل لبعض العارفين: إن قوماً يتعبدون ويتهجدون في رمضان، ثم إذا خرج رمضان تركوا ذلك، فقال: بئس القوم! لا يعرفون لله حقاً إلا في رمضان.
أهمية تقوى الله قبل لقائه يوم القيامة
فاتقوا الله، عباد الله، انصحوهم يا عباد الله، كلموهم يا عباد الله، بلغوهم ذلك الوعيد الشديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعلم -يا أخي- أن جارك يتعلق بك يوم القيامة، فتقول: يا رب! لم أظلمه بماله، ولا بعرضه، ولا بأهله، فيقول: صدق، ولكنه رآني على المنكر فلم ينهني ولم يأمرني.
ثم أولادك -يا عبد الله- اتق الله فيهم، لا تخرج إلى المسجد وأولادك في فرشهم نائمون؛ فإنك مسئول عنهم يوم القيامة.
عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ قبل يوم القيامة، قبل أن توقفوا بين يدي الله عزَّ وجلَّ، فيسألكم عن الصغير والكبير، في يوم تشخص فيه الأبصار لله الحي القيوم، وتشيب فيه الصغار، وتزفر فيه النار، وتحيط به الأوزار، وينصب فيه الصراط، ويغلظ فيه العذاب، ويشهد الكتاب، ويحضر الحساب، ويعظم العقاب، فيا له من يوم ما أطوله وأشد هوله! فكم من شيخ كبير فرط في عمره، وأضاع الحياة، فهو ينادي بأعلى صوته: وافضيحتاه.. واشيبتاه.. واشيبتاه..
وكم من كهلٍ أو شاب اغتر بشبابه، فضيع أوامر الله ورسوله، وارتكب المحرمات، وهجر المساجد، فهو تاركٌ لصلاته، حالق للحيته، مسبل لثيابه، متشبه بأعداء الله، قضى حياته في إدمان المخدرات والمسكرات، والزنا، واللواط، يؤذي المسلمين في مرافقهم، ثم جاءه الأجل وهو على هذه الحالة من غير توبة، وهو يوم القيامة ينادي: واشباباه.. واشباباه.. واشباباه.. فيا له من يوم عظيم لا تنفع فيه الواسطة، قد تجلى فيه الرب للفصل بين العالمين! قال تعالى:
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
[يس:65] وقال:
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ
[فصلت:21] فيا لها من فضيحة! ويا له من عار بين العالمين!
فيا عباد الله: عدوا العدة لذلك اليوم، وخذوا الأهبة ليوم القيامة، يوم الحسرة والندامة
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
[الشعراء:88-89].
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، ووفقنا لصالح الأعمال، واغفر لنا ولوالدِِينا ولوالدِي والدِينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
فاجتهدوا -إخواني- وشمروا في طاعة الله، واسمعوا إلى هذا الحث والنصيحة من
إبراهيم بن أدهم رحمه الله حيث يقول:
لا يخلو بالأفلام والتمثيليات والبَلُوْت.
اسمع يا مسكين! يا من تشيِّد وتبني، وتجعل الأساس إلى الماء! اعلم أنك سوف تنتقل وتموت.
أترقدُ يا مغرور؟! يا ليتهم يرقدون ويرتاحون من الملاهي، والتمثيليات، والأفلام، والأغاني الماجنة، يا ليتهم يرتاحون من القيل والقال، ومن مغازلة النساء.
الله أكبر! صحيح، كم بين الذين ذهبوا إلى العمرة، وإلى المسجد النبوي، وإلى الذين ذهبوا خارج البلاد، إلى الزنا, واللواط، والخمور والمسكرات، كم بينهم من الفرق يا عباد الله؟!
الله المستعان!!
محمد صلى الله عليه وسلم الذي سوف يرد على حوضه أناس ثم تردهم الملائكة، فيقول: (يا رب! أمتي.. أمتي.. فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك).
فيا عباد الله: احذروا من مضلات الفتن.
الله.. الله.. بالاقتداء بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: صلوا على الناصح الأمين، محمد بن عبد الله الذي ترككم على المحجة البيضاء، صلوا على رسول الله الذي جاء بها نقية من عند رب العالمين، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوا عليه، فإن من صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشراً، والله عزَّ وجلَّ يقول:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
[الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.
وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقنا وإياهم الجلساء الصالحين الناصحين الذين يعيوننا إذا ذكرنا، ويذكروننا إذا نسينا يا رب العالمين.
اللهم قيض لأولادنا قرناء صالحين، اللهم قيض لأولادنا جلساء صالحين، يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يا سامع الصوت! ويا سابق الفوت! ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت! نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، أن تجعل كيد أعداء الإسلام والمسلمين في نحورهم، يا رب العالمين.
اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، اللهم اجعل تدبيرهم تدميراً لهم، يا سامع الدعاء.
اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وخالف بين كلمتهم، ورمِّل نساءهم، ويَتِّم أطفالهم، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم وحد صفوفهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، واجعلهم يداً واحدة على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
اللهم اجمعنا ووالدِينا ووالدِي والدِينا، وجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات في جنات النعيم، إنك على كل شيء قدير.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
[الحشر:10].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً
[النحل:90-91].
عباد الله: اشكروا الله تعالى على هذه النعم، قابلوا ربكم على هذه النعم، قابلوه بشكرها، قوموا لله بشكر هذه النعم، اشكروا الله دائماً وأبداً على نعمة الأمن، ورغد العيش، والاستقرار، ونعمة العافية، وأنتم تعبدون الله لا تخافون في الله لومة لائم، اشكروا الله تعالى على هذه النعمة قبل زوالها.
ثم اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم. وصلوا على محمد، يا عباد الله.