إسلام ويب

مقومات النصيحة الناجحة [1]للشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للنصيحة في الإسلام شأن عظيم، فالدين النصيحة كما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن واقع النصيحة بين المسلمين ليس له ذلك الأثر المطلوب شرعاً؛ بسبب الأخطاء الواقعة من الناصح والمنصوح، وعدم وجود القدوة في أفعال الناصح قبل أقواله.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

    إخواني في الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح كلمتين موجزتين، تعبران عن ركن عظيم من أركان الدين، وأركان الأخوة الإسلامية، وهذا الحديث الصحيح هو قوله صلى الله عليه وسلم بأبلغ عبارة وأوجز لفظ: (الدين النصيحة) يعرف الدين بأنه هو النصيحة كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الآخر: (الحج عرفة) فجعل عليه الصلاة والسلام النصيحة هي الدين كما جعل عرفة هي الحج، ليس لأن الدين كله هو النصيحة، ولا أن الحج كله هو عرفة ، ولكن لما كانت عرفة أعظم ركن من أركان الحج وهي الموقف الأكبر؛ كان ذلك دلالة على أهميتها وعظمها، كذلك يومئ عليه الصلاة والسلام لأمته بأن النصيحة هي من أعظم الأشياء في الدين.

    عاقبة ترك النصيحة

    أيها الإخوة: لما وقع الإهمال بين المسلمين في النصيحة؛ رأيت الانحرافات الكثيرة في العقائد والسلوكيات؛ نظراً لأن هذه المسألة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إن النصيحة أعم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن النصيحة تدخل حتى في الأشياء الدنيوية، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النصيحة من أركان بيعته لبعض الناس، فقد أخبر الصحابي في الحديث الصحيح: (أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة -وعلى أشياء- فذكر منها: والنصح لكل مسلم) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترط في البيعة النصح لكل مسلم.

    أيها الإخوة: إن النصيحة معلم بارز من معالم المجتمع الإسلامي ومن أساسيات الأخوة، ولما غابت النصيحة؛ فقدنا أشياء كثيرة، لما تواكل كل إنسان على غيره في إسداء النصيحة؛ عم الفساد وطمت الشرور، لما أهملنا النصيحة وتقاعسنا عن أدائها ودخل الشيطان على كل إنسان فقال له: عليك نفسك لا توجه نصائح للناس؛ حصلت هذه المفاسد التي ترونها اليوم والانحرافات العامة في حياة المسلمين التي أدت إلى غياب وضوح صورة الإسلام الصحيحة في أذهان كثير من المسلمين اليوم.

    أيها الإخوة: النصيحة جعلها عليه الصلاة والسلام ركناً من أركان الأخوة، فقال في حق المسلم على المسلم: (وإذا استنصحك؛ فانصحه) قال العلماء ومنهم ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث: إن هذا الأمر للوجوب، فتجب النصيحة لعموم الأدلة الأخرى الدالة على أهميتها والتشديد في أمرها.

    نظرة الناس إلى النصيحة

    أيها الإخوة: صار الواحد منا اليوم إذا رأى أخاه على منكر، أو رآه واقعاً في خطأ ما؛ يستحي أو بعبارة أدق يخجل أن يوجه إليه النصيحة، وصارت النصيحة عند بعض الناس اليوم عيباً لا ينبغي ذكره ولا إسداؤه أو التوجه به.

    سيقول السفهاء من الناس: إن النصيحة تعتبر تعدياً على الحرية الشخصية للإنسان، وهذه فكرة قائمة في أذهان الكثير، فإنك ترى أحدهم اليوم إذا جئت توجه إليه نصيحة في أمر من الأمور؛ قال لك: وما دخلك أنت، وما حشرك في الموضوع، أنا حر فيما أفعل، هذه هي الحرية الشخصية، الحرية المزعومة التي ادعاها هؤلاء تقليداً للكفرة من الغربيين والشرقيين؛ الذين جعلوها صنماً يعبد من دون الله، فأدت إلى ما أدت إليه من الشرور والمفاسد.

    أيها الإخوة: الحرية مكفولة للمسلمين -والحمد لله- في هذا الدين، ولا يحتاج المسلم لضمان حريته إلى أكثر من التقيد بشرائع الإسلام.

    إن الإسلام يضمن لكل مسلم حريته بالأشياء التي جاء بها في إقرار حقوق المسلم وتحريم التعدي عليه، والذي يزعم أن الحرية مطلقة؛ فإن كلامه يؤدي إلى نسف عبودية الإنسان لله بالكلية؛ لأنك إذا عممت هذا المفهوم كما يراه بعض الناس اليوم؛ فإنك ستقول: أنا حر أن أؤدي الصلاة أو لا أؤديها، وأنا حر أن ألتزم بالزكاة أو لا ألتزم بها، أو أنا حر أن أصوم أو أحج إلى غير ذلك، فتصير الحرية بهذا المفهوم وبالاً شديداً ومطعناً عظيماً في دين الإسلام، فإن الإنسان عبد لله عز وجل شاء أم أبى، فيجب أن يقدم حقوق هذه العبودية، ولهذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الإنسان لا يمكن أن يعيش من غير عبودية مطلقاً، لا بد أن يعبد شيئاً ما، فإما أن يكون عبداً لله تعالى، أو عبداً لأهوائه أو شهواته، أو غيرها من طواغيت الإنس، أو الأصنام وما شابهها.

    لذلك -أيها الإخوة- لابد أن يستقر في عقول هؤلاء الناس أن النصيحة ليست تعدياً على الحرية الشخصية مطلقاً، وهذه القصة أو الحوار الذي سمعته يوماً ما من أحد الإخوان -والعهدة على الراوي- تبين حال الناس في قضية النصيحة: فإن إنساناً أتى لرجل من المسلمين فقال له: يا أبا فلان! إن ثوبك طويل يسحب، هلا رفعته وقصرته كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد رأى مسلماً واقعاً في منكر؛ فأسدى إليه نصيحة، فقال له الشخص المخاطب بلهجته: يا فلان! هذا ثوبي وإلا ثوبك؟ قال: لا. ثوبك، قال: فما دام أنه ثوبي؛ فأنا حر أفعل به كما أشاء، فانطلت هذه الكلمة على ذلك الرجل الناصح المسكين فقال: إي والله صدقت.

    أيها الإخوة: هذا مثل بسيط من الأمثلة التي تعبر فعلاً على أن الناس اليوم يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإسداء النصيحة لهم هو تدخل في حرياتهم ومظاهرهم الشخصية، لذلك لا يرون التقيد أو قبول النصيحة أصلاً، وقد أتى الخلل من كون بعض المسلمين يرون بأنه لا علاقة للإسلام وأحكام الإسلام في مظاهرهم الشخصية، فلذلك هو حر في مظهره الشخصي، وهذه نقطة خطيرة؛ لأن المظهر -أيها الإخوة- من شعارات الإسلام، وقد اهتم الإسلام بالباطن كما اهتم بالظاهر؛ ولأن اللباس والهيئة والمظهر من شعارات المسلمين الدالة على تميزهم عن غيرهم من الأمم الكافرة، ولذلك أمر الإسلام بمخالفة أعداء الدين وأصحاب الملل الأخرى من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم، فأمر بإرخاء اللحى، وقص الشوارب، وتقصير الثياب، وغير ذلك من الأشياء تظهر المسلم متميزاً متفرداً في مظهره وهيئته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087698055

    عدد مرات الحفظ

    773597082