إسلام ويب

عالم الأرواحللشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ما حقيقة الروح؟ كيف تنظر إليها الشريعة؟ ما علاقتها بالإنسان؟ ما حقيقة تعلقها بالجسد وانفصالها عنه؟ هذه المادة محاولة جادة للإجابة عن هذه الأسئلة، وخطوة في طريق فقه هذه المسألة، ابتداءً من تعارف الأرواح وتناكرها، ثم علاقة الملائكة بالروح أثناء الموت وبعده، ومصير الروح بعد الموت، وبيان تلاقي الأرواح مع بعضها.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله:

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]

    أما بعد:

    فإن علم الروح قد اختص به الله سبحانه وتعالى كما جاء في صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بـالمدينة وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفرٍ من اليهود، فقال بعضهم: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه لا يسمعكم ما تكرهون؛ فقاموا إليه، فقالوا: يا أبا القاسم! حدثنا عن الروح؛ فقام ساعة ينظر، وفي رواية: رفع بصره إلى السماء، قال ابن مسعود رضي الله عنه: فعرفت أنه يوحى إليه، فتأخرت عنه حتى صعد الوحي، ثم قال: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85]) فالروح من أمر الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان الذي يشابه صنعة الله ويحاول تقليدها في عمل ذوات الأرواح من التماثيل والصور إنساناً ملعوناً عند الله تعالى: (لعن الله المصورين) ثم إنه يكون له بكل صورة صورها نفساً يعذب بها في جهنم، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم، انفخوا فيها الروح، فلا يستطيعون ذلك؛ فيعذبون بالنار ويعذبون بالتكليف بما لا يطيقون ولا يستطيعون.

    وأمر الروح أمر معظم في الشريعة، فلا يجوز تعذيب الأرواح المعصومة ولا أرواح البهائم، ولذلك قال: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، وجاء في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه خرج من منزله، فمر بفتيان من قريش نصبوا طيراً يرمونه -يتدربون على رميه بالسهام من بعيد- وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا -أي: خوفاً من الصحابي- فقال ابن عمر : (من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً). أي: هدفاً لرميه، رواه البخاري رحمه الله وغيره.

    عالم الأرواح بين التآلف والاختلاف

    نحن نعيش في عالم الماديات والمحسوسات قد غابت عنا أمور كثيرة من شأن الأرواح وما يحدث لها، مع أنه حق وواقع، فتعالوا بنا ننتقل من عالم الأسواق والسلع والطائرات والمراكب والملابس والأطعمة والأدوية وسائر الماديات إلى عالم الأرواح لنأخذ جولة في ذلك العالم العجيب، لعله يكون في ذلك رقة تصيب قلوبنا، وتنقلنا من هذا الواقع الذي نعيشه يومياً إلى عالم آخر مختلف تمام الاختلاف ذكره لنا الله في كتابه وذكره نبيه صلى الله عليه وسلم، وشهد به الواقع؛ لنتعلم شيئاً عن أمر هذه الروح العجيبة لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) كما جاء في الحديث الصحيح، وهو عجب من العجب! فإنك ترى الإخوان في الله على بعد ما بينهما، أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، يعيشان كأنهما معاً من التقاء الروحين، بما حدث من التقارب بسبب الأخوة في الله، وتشاكل الطباع وتناسبها.

    أنواع تعلق الأرواح بالأجساد

    ثم إن الله عز وجل يقبض الأرواح عند النوم فيكون لها تعلقٌ بالأجساد من نوع يختلف عن حال اليقظة؛ لأن الأرواح تتعلق بالجنين حينما يرسل الملك لينفخ الروح، فإذا خرج إلى الدنيا وصار إنساناً يمشي أو يبكي ويبحث ويأكل الطعام صار لها تعلق آخر، فإذا نام صار لها تعلق آخر، فإذا مات صار لها تعلق آخر.. فإذا بعث صار لها تعلق آخر، وهكذا يتقلب الإنسان مع روحه في أطوار مختلفة: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ [الانشقاق:19] أي: حال بعد حال.

    وقد نام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في السفر بعدما تكفل بلال بإيقاظهم لصلاة الفجر فغلبه النوم، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال لأصحابه: (إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء، يا بلال ! قم فأذن بالصلاة... ) الحديث، ولذلك يقول المسلم حينما يقوم من فراشه إذا اضطجع قبل ذلك: (باسمك ربي، وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)، فإذا استيقظ فليقل: (الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورد عليَّ روحي، وأذن لي بذكره) حديث صحيح يدل على أن الروح تخرج من الجسد عند النوم، ولكن يبقى لها معه تعلق واتصال، ولذلك يستمر في التنفس والحياة، وإلا فلو كان خروجاً كلياً كخروجها عند الموت لكان لجسده شأن آخر فيما يحدث له من البلى والفناء إلا عجب الذنب الذي يُركب منه الخلق يوم القيامة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3087730835

    عدد مرات الحفظ

    773759807