يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
تكلمنا منذ أسبوعين أيها الإخوة عن بعض المنكرات التي يتهاون بها الناس، مع ورود الوعيد الشديد في الشرع عليها، وعلى مرتكبها من النار أو الغضب، أو التوعد بسلب الإيمان أو بالوقوع في الكفر ونحو ذلك، ونحن نتم الكلام إن شاء الله في هذه الخطبة عن بقية مما يتعلق بهذا الموضوع.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك، قالت زوجته له: لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي -رجل معروف بأنه يرقي ويصنع التمائم- فيرقيني، فإذا رقاني سكنت عيني وسكن الألم، فقال
هؤلاء منهم هذا الرجل اليهودي كان إذا بدأ يقرأ نخس الشيطان بيده على مكان الألم، فيحس المريض بأن الألم قد زال وأنه قد سكن، فيعتقد بأن رقية هذا اليهودي مفيدة وأن لها أثراً، ثم يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقما -لا يترك مرضا-) رواه أبو داود وهو حديث صحيح، وهذا ما يفسر لنا عندما نقول لبعض الناس: يا أيها الناس! لا تذهبوا إلى الدجالين.
يا أيها الناس! لا تذهبوا إلى المشعوذين.
يا أيها الناس! لا تذهبوا إلى العرافين والكهان؛ فنسمع بعض هؤلاء يقولون: لقد ذهبنا واستفدنا، فنقول: لو أنك استفدت فإن ذلك من صنيع الشيطان، ثم ما هي الفائدة وأنت تقع في الشرك لكي تحصل على فائدة دنيوية؟ وأين هذا من هذا؟
ولذلك: لا يجوز التوصل إلى أي منفعة مهما كانت إذا كانت الوسيلة الشرك بالله: (والله لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها) كما ورد في الحديث الصحيح، لذلك تكون هذه خداعات من الشياطين، وأوهاماً في كثير من الأحيان، وفي الأغلب فإنهم لا يستفيدون شيئاً عند الذهاب إلى العرافين والكهنة سوى الوقوع في الشرك، وخسارة الأموال، ويردون على أعقابهم. لم يرجعوا إلا بخف من خفي حنين.
ولذلك فإن استخدام الرقى الشركية التي فيها استغاثة بالجن والشياطين، والتي فيها خزعبلات وأرقام وحروف وكلمات وطلاسم مجهولة، لا تجوز بأي حال من الأحوال، لا يجوز الذهاب إلى من يصنعها، ولا يجوز تعلقيها، بل قال أهل العلم: الأرجح منع التعليق حتى لو كان آيات من القرآن، لا يجوز التعليق، لأسباب منها:
أنه يتعلق من يعلقها بها دون الله عز وجل، فيظن أن هذا المعلق في صدره هو الذي يشفي وهو الذي يمنع العين والأمراض دون الله عز وجل.
وثانياً: أنها تفضي إلى تعليق غيرها، وعندما ترى الناس يعلقون في صدورهم وأعناقهم، وعلى عضد واحد منهم أو في يده شيئاً من هذا، فما يدريك أن بداخل تلك اللفائف والأوراق أشياء من الشرك والطلاسم وعمل الشيطان. فسداً للذريعة المنع من ذلك.
وثالثاً: أن هذا ليس بعلاج محسوس أبداً، فما هو العلاقة بين التعليق وبين علاج المرض؟! أما لو قلت: إنني أقرأ وأنفث فإن هذا النفس الخارج بالقرآن له تأثير فعلاً، ولذلك كانت القراءة والنفث من الطب النبوي الذي لا شك فيه، قارن بينه وبين أفعال الدجالين، اقرأ على نفسك، اجمع يديك وانفث فيهما بعد القراءة وامسح بهما على جسدك قبل النوم وغيره كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل، وافعل مع ولدك المريض. نعم، هذا علاج مشروع تؤجر عليه.
وكذلك فإنه عندما يدخل المعلق الخلاء فإن فيه إهانة لما يعلقه في صدره من الآيات والأحاديث والأذكار على فرض أنها شرعية، ولو تتبعنا ما في ذلك من المنكرات لكان طويلاً، ويكفي أن نختم بأن صاحب هذا التعليق داخلاً تحت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له) وأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن تعليق التمائم، ولم يخص القرآن من غير القرآن، نهى عن التعليق مطلقاً.
قارن بين هذا وبين ما يقع في أوساط الإخوة من اعتداء على حق الجماعة، أو أنه يقوم بأفعال وتصرفات تغضب من حوله، هذه حرمة من وسط الأخوة الإسلامية، له حرمة يجب أن تصان، وللإخوة في الله حق يجب أن يقام به، ومن أغضب إخوانه في الله بشيء فهو معرض لهذا الوعيد الوارد في الحديث.
فافقهوا ذلك يا دعاة الإسلام! يا من تحرصون على تكوين أجواء التربية الإسلامية لتعيشوا فيها وتنقلوا فيها وتنقلون الناس إليها! احذروا من مداخل الشيطان للتفرقة، ولإيقاع العداوة والبغضاء فيما بينكم.
قارن بين هذا وبين ما يتم اليوم من بعض الخصوم عند الحاكم؛ وهم يعلمون أنهم ظلمة من الكلام أمام القاضي بالباطل فيتكلم بلسانه، وإن من البيان لسحراً، فيبين ويتكلم، ويرفع صوته، ويقنع وهو على الباطل، وقد يكون خصمه (صاحب الحق) ضعيفاً ليس عنده مثل بيانه، ولا مكانته، فيخرج المظلوم مسكيناً؛ لأن القاضي يقضي بالظاهر إذا لم تتبين له الأدلة، وقارن بين هذا أيضاً وبين عمل كثير من المحامين المشتغلين في مجال المحاماة الذين لا يتقون الله ليس كلهم، ولكن كثيراً منهم لا يتقون الله، فيهمه أن يكسب القضية لموكله ويأخذ المبلغ والأتعاب، ولا يدري أو لا يبالي إن كان خصمه محقاً أم لا، فانظر في المنكرات الحاصلة من هذه المهنة على ضوء هذا الحديث.
قارن بين هذا وبين ما يقع من الناس اليوم من الفخر بمآثرهم وبطولاتهم، أو بمآثر قبائلهم وعوائلهم يفخرون بها على الناس، وقد يكونون فحماً من فحم جهنم، أهون عند الله من الجعلان التي تدهده الأذى بفمها وبرجلها وبرأسها، يكونون أهون عند الله من أولئك، ولكن يفخرون ويقولون: نحن ونحن، وفعلنا وفعلنا، وأصلنا وحسبنا كذا، ولا يكتفون بل يطعنون بالأنساب، فيقولون: أنت ما لك أصل، أنت خضيري، أنت ليس لك منـزلة، أنت حقير ومهين، ومن افتراءاتهم: أنت لست من ولد آدم، إن آدم تناسل منه فقط أهل القبائل، وغيرهم احتلم آدم على التراب فخلق الخضيريين منهم، وهذه من الفرى المضحكة إذ أننا نعلم أن البشر كلهم من ولد آدم، وهل كان آدم من قبيلة معروفة أو من غير قبيلة معروفة؟! وهل كان قبلياً أو خضيرياً كما يقولون؟! فكر وتدبر.
تأمل في قوله: ( ملعون ) لتعلم عظم الذنب، والمقصود إتيانها في الدبر، أما إتيانها في مكان الولد فيجوز بأي طريقة شئت من الأمام أو الوراء، متى كان الجماع في مكان الولد فجائز، أما إتيانها في الدبر في مكان خروج الغائط فهو ملعون صاحبه: (ملعون من أتى امرأة في دبرها).
وإنني أحذركم أيها الإخوة من هذه الأفلام الإباحية الداعرة المنتشرة بين كثير من الناس التي تروج لمثل هذه الشذوذات، إذ أن الله أجاز للمتزوج أن يطأ زوجته أو أمته في مكان الولد: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] كيف شئتم ما دام في مكان الولد.
هذه بعض تلك المنكرات التي لا يتورع كثير من الناس عن الوقوع فيها رغم الوعيد.
نسأل الله السلامة والعافية، وأن ينجينا وإياكم من هذه المهلكات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
أيها الإخوة! ومن الأمور التي تساهل فيها كثيرٌ من الخلق في هذا الزمن: هذه التصاوير التي يصورونها؛ عن عائشة رضي الله عنها أنها اشترت نمرقة -مخدة أو مرتفق- فيها تصاوير، صور ذات الأرواح على هذا القماش، فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، فقالت: (يا رسول الله! أتوب إلى الله ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم) ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إن البيت الذي فيه صور لا تدخله الملائكة) ثم تعال وقل بعد ذلك: إن المقصود بها التماثيل، تماثيل على القماش، أم أنها صور ذوات الأرواح؟! وقال صلى الله عليه وسلم لها أيضاً: (أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وأن من صنع هذه الصور يعذب يوم القيامة فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم) زاد في رواية أنها قالت: (فأخذته فجعلته مرفقتين، فكان يرتفق بهما في البيت) أزالت الوجه وقطعته وجعلته مرفقتين، تصرفت بالقماش، أزالت الصورة فصار صلى الله عليه وسلم يستعمله، حديث صحيح.
وجاء رجل إلى ابن عباس فقال: (إني رجل أصور هذه الصور فأفتني، فقال له: ادن مني، فدنا منه، ثم قال: ادن مني، فدنا منه، حتى وضع يده على رأسه وقال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً فيعذبهم في جهنم) ثم قال له: (إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له) ما دامت ليست من ذوات الأرواح افعل، وفي رواية عن النضر بن أنس قال: كنت جالساً عند ابن عباس ، فجعل يفتي ولا يقول قال رسول الله، حتى سأله رجل فقال: إني أصور هذه الصور، فقال ابن عباس ادن، فدنا الرجل، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ، فربا الرجل ربوة شديدة، واصفر وجهه، فقال
قارن بين هذا وبين الصور المعلقة اليوم في بيوت الناس، والتماثيل التي يزينون بها الرفوف في بيوتهم، ويشترونها بالأثمان الباهظة، يبذرون أموالهم في الحرام، ويكونون سبباً لعدم دخول الملائكة إلى بيوتهم، ويدخلون في هذا الوعيد الوارد في الأحاديث، وتأمل في حال بعض مدرسي التربية الفنية في المدارس الذين يأمرون التلاميذ والتلميذات برسم صور ذوات الأرواح، أو يقولون: هذه وسائل فنية فينحتون منها هذه التماثيل على شكل صور ذوات الأرواح، مالهم وهم يأمرون بإحيائها يوم القيامة، وإنما تباح الصور في حال الضرورة كالوثائق الرسمية، وتتبع المجرمين، ونحو ذلك من الحاجات التي تمس الضرورة وتدعو إليها في بعض الأحيان، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أشد الناس عذاباً عند الله المصورون) وقال في الحديث الصحيح: (لعن الله المصورين).
وكذلك من المنكرات التي يتساهل فيها بعضهم قوله عليه الصلاة والسلام: (من تحلم كلف أن يعقد بين شعيرتين) الذي كذب في المنام وذكرنا ذلك، ثم قال: (ومن استمع إلى حديث قوم يسرونه عنه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة) الذي يتجسس على الناس بغير حق، ويسمع كلامهم وهم لا يريدون أن يصل إليهم، فإنه يصب في أذنيه الآنك؛ الرصاص الأسود المذاب في أذنيه يوم القيامة.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم اجعلنا ممن يخافك ويتقيك، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر