أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن من عوامل تقوية الإيمان وتقوية الصلة بالله عز وجل ذكر الله تعالى، وما حصل الضعف والوهن في علاقتنا بالله تعالى إلا من وراء نسيان أسباب كثيرة، منها: إهمال الأذكار الشرعية التي شرعها الله لنا في كتابه، وعلمنا إياها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ولأجل ذلك صارت الأذكار مجهولة منسية مهملة عند الكثيرين من المسلمين، ولأجل هذا صار درسنا هذه الليلة للتذكير بهذا الموضوع الذي نحتاج إليه جميعاً بلا استثناء.
وقد أمرنا الله عز وجل في كتابه بالإكثار من ذكره فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الأحزاب:41-42] وأخبر أن ذكره أكبر من كل شيء، فقال عز وجل: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، وأخبر بأنه سبب لطمأنة القلوب: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] وامتدح الله أقواماً من المؤمنين لأنهم يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191] وهكذا كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: ذكر الله) فجعله مفضلاً في وجه العموم على الإنفاق وعلى الجهاد، يعني: أن جنس الذكر أفضل من جنس الإنفاق ومن جنس الجهاد، وهو وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كثرت عليه شعائر الإسلام: (لما شكا الرجل حاله قال: يا رسول الله! إن شعائر الإسلام قد كثرت عليَّ فأخبرني بأمر أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله).
ومجالس أهل الذكر محفوفة بالملائكة، مغشاة بالرحمة، منـزل عليها السكينة، مذكور أهلها عند الله، وهو سبب نجاة يونس عليه السلام، فلولا أنه كان من المسبحين -قبل الحوت وفي بطن الحوت- فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144].
وهذا الذكر حصن حصين إذا دخله العبد نجا من الشياطين إنسهم وجنهم، ولذلك لما جمع يحيى بن زكريا بني إسرائيل كان مما قال لهم: وآمركم بذكر الله كثيراً، ومثل ذلك كمثل رجل طلب العدو سراعاً في أثره، فأتى حصناً حصيناً، فأحرز نفسه فيه، (وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى) حديث صحيح.
وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت، أو مثل الحي والميت) وفي رواية لـمسلم : (مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت)، (ما من ساعة تمر بابن آدم لا يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة) حديث صحيح، وليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت عليهم في الدنيا لم يذكروا الله تعالى فيها.
وهو أرجى عمل ينجي العبد من عذاب الله: (ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله) أنجى عمل ينجي الإنسان من عذاب الله، وأرجى عمل ينجي الإنسان من عذاب الله ذكر الله عز وجل.
وقال عليه الصلاة والسلام لرجل من الصحابة: (ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك وإن كنت مغفوراً لك؟ قل: لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحكيم الكريم، لا إله إلا الله سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين) حديث صحيح.
من الأسباب أيها الإخوة: عدم معرفة فوائد هذا الذكر، ونستطيع أن نتوصل إلى حمل أنفسنا على ذكر الله بالأذكار العامة أو بالأذكار الخاصة، الأذكار العامة مثل: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله)، (لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنز الجنة) أذكار عامة، هناك أذكار خاصة عند النوم، وعند الوضوء، وفي السفر، وفي الصباح والمساء، وأذكار خاصة بمناسبات معينة، فكلا الأمرين صار فيهما غفلة، ينبغي أن نعرف أولاً فوائد الذكر، حتى نشعر بأهمية هذا الموضوع، فنستطيع أن نرتقي بأنفسنا منازل للأخذ بزمام هذه الأذكار، فلو لم يكن الذكر مهماً ما شدد عليه في القرآن والسنة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الأحزاب:41] وأمر بالذكر في أصعب المواقف عند المعركة، إذا احتدمت الحرب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً [الأنفال:45].
وصدأ القلب الذي نحس به في كثير من الأحيان، هذه السحابة التي نحس بها تظلل قلوبنا في كثير من الأوقات، لا يقشعها إلا ذكر الله عز وجل بأنواعه، فالغفلة والذنب لا يزيلها إلا ذكر الله عز وجل، وهذا الران الأسود الذي يعلو القلوب لا يمكن أن يزال إلا بذكر الله عز وجل، وهناك أناس من الغافلين طبع الله على قلوبهم، قال الله في التحذير منهم: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] كيف تفارط أمره؟ لما أعرض عن أمر الله عز وجل: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا [الكهف:28] هناك أيها الإخوة في المكاتب والمدارس والمستشفيات والقاعات المختلفة، والأروقة والدهاليز أناس كثيرون لا يذكرون الله، من الأغنياء، والرؤساء، والوجهاء، والكبراء أناس لا يذكرون الله، وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا [الكهف:28] عاقبهم الله على إعراضهم عن شريعته بأن حرمهم من ألذ شيء للروح والقلب وهو ذكر الله عز وجل: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا [الكهف:28] فأية عقوبة أسوأ من هذه العقوبة؟!
فمنها: أنه يطرد الشيطان.
ومنها: أنه يرضي الرحمن.
ومنها: أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
ومنها: أنه يفرح القلب ويجعله مسرورا.
ومنها: أنه ينور الوجه.
ومنها: أنه من الأسباب الجالبة للرزق.
ومنها: أنه يورث القلب محبة الله عز وجل، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره.
ومنها: أنه يجعل العبد منيباً إلى ربه، رجاعاً إليه، فيكون الله ملاذه وملجأه سبحانه وتعالى.
ومنها: أن الله يفتح للذاكر أبواب العلوم والمعارف، فيفقه في أنواع من العلم لا يفقهها بدون ذكر الله عز وجل، ولذلك كان الناس من الصالحين والعلماء يستعينون على فهم المسائل بذكر الله، والابتهال إليه، والتضرع عنده، والتذلل على أعتابه عز وجل، طالبين منه أن يفتح عليهم: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني.
بل إن الله أمر القضاة، أمر الناس الذين يفصلون في المسائل، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم إذا فصل في المسألة أن يقول: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ * وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً [النساء:104-105] لذلك قال أهل العلم: يشرع للقاضي إذا فصل في مسألة أن يقول بعد حكمه فيها: أستغفر الله.
وذكر الله عز وجل يورث أن يذكرك الله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه).
وكذلك فإن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ويأمن العبد من الحسرة يوم القيامة كما قدمنا بذكره لله في جميع الساعات، ومع أن الذكر باللسان حركته خفيفة لا يأخذ جهداً إلا أنه عند الله ثقيل جداً: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) كم تأخذ منك جهداً لتقولها؟ كم تأخذ منك وقتاً لتقولها؟ لكنها أثقل عند الله من الجبال الرواسي.
وكذلك فإن غراس الجنة ذكر الله، وقد جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لقيت ليلة أسري بي إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال: يا محمد! أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) رواه الترمذي وهو حديث صحيح. ولذلك: (من قال: سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة) كما ورد في الحديث الصحيح.
وكذلك فإن قسوة القلب كما قدمنا يذيبها ذكر الله كما جاء رجل إلى أحد السلف، فشكا إليه قسوة قلبه، فقال: أذبها بذكر الله. أذب هذه القسوة بذكر الله. وما استجلبت نعمٌ للعبد بمثل ما تستجلب بذكر الله، الأسباب الجالبة للنعم كثيرة، ومن أعظمها ذكر الله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7] ورأس الشكر هو ذكر الله عز وجل.
وكذلك فإن ذكر الله يجعل للعبد الذاكر صلوات عليه من ربه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب:41-43] فأتى بهذه: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [الأحزاب:43] بعد أي شيء؟ بعد الأمر بالذكر.
وكذلك فإن الله يباهي بالذاكرين الملائكة، روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد قال: (خرج
وذكر الله يسهل الصعب وييسر العسير، ويخفف المشاق، وما ذكر عبد ربه في شدة إلا زالت، ولا مشقة إلا خفت، ولا كربة إلا فرجت، وهو الجالب للفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، وبعد الغم والهم.
ومن الأدلة على أن الذكر يقوي الجسد: أن فاطمة وعلياً شكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضعف، فاطمة عليها شغل كثير في البيت، طلبت خادماً فعلمهما صلى الله عليه وسلم أن يسبحا ويهللا ويكبرا قبل النوم ثلاثاً وثلاثين يغنيهم عن الخادم. فاستدل منه بعض أهل العلم على أن ذكر الله للمرأة التي تعمل في البيت تستفيد من هذا إذا كثر عليها الأولاد، ونظافة البيت والطبخ والغسيل، ونحو ذلك، فإن من أهم ما تستعين به على هذا؛ هذا التسبيح والتكبير والتهليل قبل النوم.
ولا أعظم من فوائد الذكر من أن يصدق الرب عبده حين يذكره، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر، يقول الله تبارك وتعالى: صدق عبدي لا إله إلا أنا وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي) هؤلاء أيها الإخوة من رزقهن عند موته لم تمسه النار.
وكذلك فإن ذكر الله يبعد عن مشابهة المنافقين، فإن من صفاتهم أنهم لا يذكرون الله إلا قليلا.
ونختم هذه الفوائد المختصرة: أنه لو لم يكن في ذكر الله من الفائدة إلا أن يشغل اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة والقول بلا علم إلى غير ذلك من آفات اللسان لكان كافياً، أليس كذلك؟ عندما ينشغل الإنسان بذكر الله لا يشتغل بالمصائب والمعايب.
ومثلاً: ذكر الله يحمي من صرع الجن، وعامة من يتلبس بهم الجان فيصرعهم، وتأتيهم نوبات الصرع من الذين كانوا غافلين عن ذكر الله، ويبعد تأثير السحر، وكثير من الناس في هذا الزمان انتشرت فيهم قضية الإضرار بالسحر، والتضرر به ويقولون: ماذا نفعل؟ ويلجئون إلى العرافين، والكهان والمشعوذين والدجالين ويقولون: ماذا نفعل؟ نقول: أين أنتم من ذكر الله؟ لو ذكرتم ربكم لذهبت عنكم هذه الآفات ولما حصلت بكم أصلاً.
ومن الفوائد أيضاً البدنية أو الدنيوية: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! ما لقيت من عقربٍ لدغتني البارحة -لدغة عقرب شديدة- قال عليه الصلاة والسلام معلماً: أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك) انظر.. ما تضرك لدغة العقرب مع أنها طبياً مميتة قاتلة، لكن لو قلت حين أمسيت: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك) وقال عليه الصلاة والسلام: (من قال حين يمسي ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضره حمة تلك الليلة) الحمة: كل ما يلدغ ويؤذي من العقارب والحيات ونحوها، قال سهيل أحد السلف: فكان أهلها تعلموها -علمناها لأهلنا هذا الذكر- فكانوا يقولونها كل ليلة، فلدغت جارية منهم -بنت صغيرة- فلم تجد لها وجعاً .. حديث صحيح.
وانظر كيف تقرب الأذكار بين المسلمين فإن لها فوائد اجتماعية، فمثلاً: السلام ورد السلام، وما يقوله المسلم عند العطاس والرد على ذلك ورد العاطس بعده، وقول الرجل لأخيه: إني أحبك في الله، ورد أخيه عليه: أحبك الله الذي أحببتني فيه. هذه الأشياء أيها الإخوة تقرب بين المسلمين، هذه من فوائد الأذكار.
فإذاً: هذه الأذكار عبارة عن مشاركة.. عبارة عن تفاعل حواس المسلم مع ما يحدث يومياً من الأشياء، وهي ليست عبارة عن نصوص تقال فقط، وإنما بعض الأذكار عبارة عن ردة فعل من المسلم لما يراه أو يسمعه أو يحسه، فهذه نقطة مهمة جداً في الأذكار، إن الأذكار ليست نصوصاً تقال وتسمع فقط، أشياء روتينية، لا، وإنما بعض الأذكار عبارة عن تفاعل إحساس المسلم مع الأشياء التي تحدث حوله، فإذا رأى أو سمع أو أحس قال أذكاراً معينة، مالها وقت محدد، إذا حدث ذكر، وهذا يعني أن الأذكار توقظ في نفس المسلم الحس بذكر الله في الأحداث المختلفة، وتأمل أيضاً أن بعض الأذكار تقال في مواضع عجيبة، تدل فعلاً على أن شرعية الأذكار هذه شرعت لأجل إيقاظ حس المسلم، أول شيء يقوله الإنسان إذا قام من النوم، الموتة الصغرى أول شيء: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور) تقال الأذكار في مواضع بعض الناس يستغرب، مثلاً الذكر عند الجماع جماع الزوجة، وعند اشتداد شهوة الإنسان، يطالب بأن يقول: (بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) هذا موضع غريب يلفت الأنظار أن يكون في ذلك الموضع ذكر الله.
عند دخول الخلاء موضع غريب لكن يقول عند دخول الخلاء: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) فأنت إذا تأملت أيضاً المواضع التي تحصل فيها الأذكار فإنك تحس بأنها في أوقات مختلفة أحياناً لكونها في وقت معين وأحياناً لا يكون لها وقت معين، وفي أحوال مختلفة من الحزن والفرح والشهوة والغم والضعف والقوة والموت -الموتة الصغرى- والبعث منه ونحو ذلك. هذه قضية واحدة: معرفة فوائد الأذكار تحمس المسلم وتدفعه للذكر.
(إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) وعندما يقول: حيّ على الصلاة، ماذا نقول؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: الصلاة خير من النوم، ماذا نقول؟ الصلاة خير من النوم، (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول)، وعند الشهادتين إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله نقول: أشهد أن لا إله إلا الله (رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً. من قالها غفر له ذنبه) حديث صحيح. (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة).
قبل الوضوء ماذا نقول؟ بسم الله (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) صحيح بشواهده.
وبعد الوضوء ماذا نقول؟ (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وماذا أيضاً؟ (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. من قالها وضعت في رق فختم عليه بطابع فيجعل عند الله -لا يكسر- إلى يوم القيامة ليجزي الله به صاحبه)، وعندما يكون المسلم في الخلاء يقول: بسم الله، في نفسه لا يجهر بها، وإذا نسي فوضوءه صحيح.
وعند دخول المسجد: (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، إذا قالها العبد قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم)، وإذا دخل أيضاً المسجد يقول: (اللهم افتح لي أبواب رحمتك) وإذا خرج: (اللهم إني أسألك من فضلك).
ومن أذكار الصباح والمساء: سبحان الله وبحمده مائة مرة، سيد الاستغفار: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء) ثلاث مرات، ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) ثلاث مرات، (اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت)، (أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ...) الخ، (اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السماوات والأرض رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم)، (اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني ومن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي). (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت. عشر مرات). (إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين، اللهم إني أسألك خير هذا اليوم، فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه -وفي رواية: فتحه ونصره وتأييده- وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما قبله وشر ما بعده) حديث صحيح.
عند النوم ماذا نقول؟ (باسمك اللهم أموت وأحيا) وإذا قام من النوم: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)، عند النوم قراءة المعوذات والنفث في اليدين ومسح الوجه والجسد بهما ثلاث مرات. (التكبير أربعاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، والتسبيح ثلاثاً وثلاثين، خير لكما من خادم) كما قال عليه الصلاة والسلام. (باسمك ربي وضعت جنبي وباسمك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، رب قني عذابك يوم تبعث عبادك)، (اللهم اغفر لي ذنبي واخسئ شيطاني، وفك رهاني، وثقل ميزاني واجعلني في الندي الأعلى)، (اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية)، (اللهم إني أسلمت وجهي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت).
إذا انتبه الإنسان من الليل.. استيقظ من الليل فجأة ماذا يقول؟ (من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا إلا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته).
في بداية النكاح خطبة الحاجة المعروفة، وإذا دخل بزوجته: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه)، ماذا نهنئه؟ (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير)، ماذا نقول له أيضاً؟ (على الخير والبركة وعلى خير طائر) كما قالت نساء الأنصار. عند الجماع قدمنا الذكر فيه، وإذا رزقنا بمولود فتأسى ببنت عمران: وأعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، كان حسناً.
وعند الطعام: بسم الله، وإذا نسي: أضاف: أوله وآخره، وبعده: الحمد لله، وأيضاً: (اللهم إنك أطعمت وسقيت، وأغنيت وأقنيت، وهديت واجتبيت، اللهم فلك الحمد على ما أعطيت، الحمد لله الذي كفانا وأروانا -وفي رواية: وآوانا- غير مكفي ولا مكفور)، (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع -يعني متروك- ولا مستغنىً عنه ربنا، الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، الحمد لله الذي كفانا وآوانا). (إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأبدلنا خيراً منه، وإذا شرب لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيءٌ يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن).
وإذا جاء لمريض: (طهور، لا بأس إن شاء الله) بالإضافة للأدعية الأخرى.
وإذا بدأ صلاح الثمرة -الثمر بدأ الآن ينضج ويستوي- (اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي ثمارنا، وفي مدنا وفي صاعنا، بركة مع بركة)، وإذا جيء به إلى شخص يعطيه إلى أصغر الصبيان عنده ليأكله كما هي السنة.
وإذا عصفت الريح: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به)، وإذا اشتدت قال: (اللهم لقحاً لا عقيماً) يعني: مفيدة لا ضارة.
وإذا فزع من النوم: (أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فلو قالها: لا يضره شيء)، وكان إذا تضور من الليل قال: (لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار).
وعند المصيبة: (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إنا لله وإنا إليه راجعون)، في التعزية: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب).
وعند لبس الثوب الجديد: (البس جديداً وعش حميداً ومت شهيداً)، ويقال: ابلي واخلقي، وماذا يقول اللابس؟ (اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له)، وإذا رأى رؤيا طيبة يحمد الله، وإذا رأى حلماً سيئاً يستعيذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات، ويتفل عن يساره ثلاثاً. وإذا سبك أحد عند الصيام تقول: (إني صائم إني صائم).
أذكار الحج في طوافه وسعيه وتلبيته ورميه ووقوفه كثيرة جداً، وإذا خاف قوماً: (حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم إني أجعلك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم)، وإذا قدم إنسان بصدقة ماذا نقول له؟ (اللهم صل على آل أبي فلان) لو كان اسمه عبد الرحمن نقول: اللهم صل على آل عبد الرحمن كما ورد في السنة.
إذا خاف إنسان أن يصيب نفسه بالعين أو أولاده أو صديقه أو مالاً من الأموال ماذا يقول؟ (إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة فإن العين حق)، (استعيذوا بالله من العين فإن العين حق) حديثان صحيحان.
إذا عطس يقول: الحمد لله رب العالمين، فيقول له صاحبه: يرحمك الله، فيقول هو: يغفر الله لنا ولكم، هذه إحدى الصيغ.
الصيغة الأخرى: الحمد لله على كل حال، يقول له من حوله: يرحمك الله، يقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم.
صيغة ثالثة: يقول: الحمد لله، يقول له صاحبه: يرحمك الله، يقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم، وهي المشهورة، وكل الثلاثة صحيحة ومن ينكر على من يفعل واحدة منها فإنه جاهل.
إذا عطس الكافر وقال: الحمد لله، ماذا نقول له؟
نقول: يهديكم الله ويصلح بالكم. كما رد عليه الصلاة والسلام على اليهود الذين كانوا يتعاطسون عنده.
في كفارة المجلس: (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك)، إذا رأيت شيئاً ساراً ماذا تقول؟ إذا جاءك خبر طيب، إذا جاءك الخبر كما تريد: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. إذا رأيت شيئاً مكروهاً وحصل لك ما ليس مرغوباً تقول: الحمد لله على كل حال.
إذا نزل بك كرب أو هم أو غم أو بلاء .. (ألا أخبركم بشيء إذا نزل بأحد منكم كرب أو بلاء من أمر الدنيا دعا به ففرج عنه دعاء ذي النون: (( لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))[الأنبياء:87])، (دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت (( لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))[الأنبياء:87] لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب له). (ألا أعلمك كلمات تقولهن عند الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً)، (كان إذا راعه شيءٌ قال: الله الله ربي لا أشرك به شيئا). (كان إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث). دعوات المكروب: (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت). (من أصابه هم أو غم أو سقم أو شدة فقال: الله ربي لا شريك له، كشف عنه). كلها أحاديث صحيحة.
إذا صابك دين .. هم من الدين وأصبح الدائنون يطاردونك ويقضون مضجعك ويقلقون راحتك: (ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل صبير ديناً أداه الله عنك قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك) حديث صحيح.
هذه -أيها الإخوة- طائفة من الأذكار التي تقال عند الأحوال المختلفة، فلماذا يقصر الناس في الأذكار؟ لأنهم لا يعلمون ماذا يقولون، ما هو الواجب؟ قراءتها وحفظها، واستعمالها دائماً لترسخ في الذهن.
فمثلاً: إذا قلت بعد الوضوء الذكر الذي ذكرناه تفتح أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل، وإذا خرجت من المنزل وقلت الدعاء المعروف في خروجك من المنزل حفظت من الشيطان، وإذا قلت: آمين، في الصلاة (من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)، (من وافق قوله: اللهم ربنا لك الحمد، قول الملائكة بعد الرفع من الركوع غفر له ما تقدم من ذنبه)، من قال: (ربنا ولك الحمد حمداً كثيرً طيباً مباركاً فيه، قال صلى الله عليه وسلم: رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً)، (وإذا سبح ثلاثاً وثلاثين بعد الصلاة وحمد وكبر وأكمل المائة لا إله إلا الله، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)، (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)، (من صلى صلاة الصبح في مسجدي جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين تسبيحة الضحى كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) حديث صحيح من روايات مجتمعة.
والمرأة إذا صلت في بيتها لأن السنة لها أن تصلي في البيت، وقعدت في مصلاها تذكر الله إلى طلوع الشمس يرجى لها نفس الأجر.
سيد الاستغفار إذا قيل في الصباح ومات الإنسان وقد قاله موقناً به أو في المساء دخل الجنة.
(من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي). بل ورد في الحديث الصحيح: (أن الله يبعث له مسلحة تحرسه في النهار -يعني: ملائكة- ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل عملاً أكثر من ذلك). (من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) قال عليه الصلاة والسلام: (أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف خطيئة).
إذاً: من الأسباب أن بعض الناس يعيشون في بيئات لا تذكر بالله أصلاً .. أصحاب معاصٍ وفجور وفسق وكفر واستهزاء بالدين، أو على أقل أحوالهم اقتصار الكلام في الدنيا والدنيا: الأسعار والأسواق والسلع والوظائف والترقيات..! فكيف سيتذكرون أصلاً ذكر الله؟! ولذلك لا بد للإنسان أن يعيش في جو يذكره بالله. هذا من العلاجات المهمة.
أحياناً بعض الناس يظن أن الجهر بالأذكار والتلفظ بها يخالف الحضارة والرقي، وأن المدير والطبيب والمهندس لا يليق يعني في صالة الاجتماعات في المستشفى وفي القاعات وهذه الأمكنة الراقية كما يقولون .. مطعم راق، فندق راق، يعني هذا ليس محلاً يقال فيه: سبحان الله، يعني لا يتلاءم، بهو المستشفى، وفخامة القاعات والناس الذين يأتون للتجارة والأعمال والوظائف، كيف أقول فيها: بسم الله ولا إله إلا الله، فلذلك تجد بعض الكبار في السن يدخل في أكبر قاعة فتجد لسانه من عادته تحصله يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بعض الناس ينظرون إليه ويقولون: انظروا إلى هذا المتخلف القادم من العصور الحجرية، قادم من آخر الدنيا لكي يقول: لا إله إلا الله، انظر إلى أي درجة تصل الأمور الآن فعلاً .. أضرب لك مثالاً: ذهب أحدهم ليحضر مؤتمراً دولياً مثلاً يمثل البلد في مؤتمر دولي، وحضر الكفار وأجهزة الإعلام والتصوير والمصورون من كل جانب والقاعات والأنوار والكراسي الفخمة هل تراه سيقول في ذلك الموضع: لا إله إلا الله وحده لا شريك له؟
أحياناً الواحد يحضر مثلاً بحثاً في جامعة، يقدم بحثاً في جامعة ويحضره الدكاترة، وهذا البرفسور فلان والبرفسور فلان، شيء أبهة، فالآن يرى أن (سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم)، ليست مناسبة ولا تتلاءم مع هذا الديكور الموجود.
وإذا دخل واحد مجمعاً تجارياً ضخماً وسوقاً وطوابق وسلالم كهربائية تطلع وتنـزل ونوافير! كيف يقول دعاء دخول السوق: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير)!! يرى أن المسألة لا تتناسب، نعم صحيح هذا موجود، هذه الهزيمة النفسية التي أصبنا بها.
وإذا دخل غرفة مسئول كبير قد لا يجرؤ على أن يتلفظ بأي ذكر من الأذكار، يقول لك: هذا مكان عمل، مكان عمل ماذا يعني مكان عمل؟! يعني لا نذكر الله في مكان العمل؟!
أيها الإخوة! من أسباب التفريط في الأذكار: النوم بعد الفجر مباشرة، ثم الذهاب إلى العمل بسرعة، فهذا كيف يقول أذكار الصباح؟! بعد الفجر مباشرة نام ووضع الساعة وقام من النوم فزعاً إلى العمل والشغل! يلبس بسرعة، ويقود السيارة بسرعة، ويدخل بسرعة، ويوقع بسرعة!! من أين له بوقت لأذكار الصباح والمساء؟! هذه مشكلة أخرى.
بعض الناس مثلاً قبل النوم يريد أن يقرأ كتاباً يقول: بعد القراءة أذكار النوم، فلا يلبث أن ينام ويسقط الكتاب بجانبه، لا هو قرأ ولا ذكر أذكار النوم.
فإذاً، إذا ما ذكرتها في لحظتها قد تفوت عليك.. إذا فاتت عليك حاول أن تتداركها بسرعة.
ولذلك تجد بعض الناس المنشغلين إذا أذن المؤذن لا يحس أنه أذن أصلاً حتى يردد معه! مع الاشتغال والانهماك في العمل لا يسمع، لا ينتبه أنه أذن أصلاً، وكذلك في اللحظات الخطيرة والطارئة الناس عادة يصيبهم الصدمة تشغلهم عن ذكر الله، مع أن المفروض أنهم في الصدمة يذكرون الله.
يقول أحد السلف وهو الضحاك رحمه الله: ما نعلم أحداً حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب، ثم تلا: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] ثم يقول الضحاك رحمه الله: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن.
ودخل بعضهم على كرز بن وبرة وهو يبكي، فقال له: أتاك نعي بعض أهلك؟ قال: أشد، قال: وجعٌ يؤلمك؟ قال: أشد، قال: وما ذاك؟ قال: بابي مغلق ولم أذكر حزبي البارحة.
ما الذي حز في نفسه وأبكاه؟
فات عليه الحزب، فاتت عليه الأذكار ونام عنها فهو يبكي، ثم قال: لم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا بذنب أحدثته. الله عز وجل لم يفوت عليه هذه الأذكار إلا بذنب .. كم من ذنب منع من صلاة جماعة؟! وكم من أكلة منعت من قيام ليلة؟! وكم من نظرة منعت من قراءة سورة؟! وكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالفحشاء تنهى عن الصلاة والخيرات.
وقال ابن القيم رحمه الله: من آثار المعصية حرمان الطاعات. فالعبد إذا أذنب ذنباً حرم بسبب هذا الذنب طاعة وثانية وثالثة ورابعة حتى يصبح بعيداً عن الطاعات وعمله في المعاصي، وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من أكلات، مع أن المرضة التي تمنع من أكلات دنيوية بسيطة فإن الشخص يشفى ويأكل فهذه ليست مشكلة، لكن المشكلة عندما يحرم من الطاعات بسبب مرض القلب أو بسبب الذنوب.
ومن الأمور المهمة: أن نربي أطفالنا على هذه الأذكار، فنحفظهم إياها ونعلمهم إياها منذ نعومة أظفارهم، وما أحسن الأب وهو يهتم بولده فيعلمه أذكار الصباح والمساء وعند النوم والأكل والشرب والعطاس والسلام ودخول الخلاء والخروج منه.. أذكار بسيطة تناسب الولد الصغير حتى ينشأ ويدرج على هذه الأذكار، هذه ترى مسألة مهمة، فتصبح الأذكار سهلة عليه في المستقبل، بدلاً من أن يأتي وهو بالأربعين سنة يريد أن يحفظ الآن الأذكار، فيجد في ذلك صعوبة.
منها: تذكر ما نسيته، أحياناً تكون نسيت ذكراً كاملاً فتقول: قد غاب هذا الذكر، ولم أذكره منذ فترة، أو أنك نسيت شيئاً من الذكر كلمة أو كلمات فتستعيدها.
وكذلك: قد تصحح كلمة خاطئة بالمراجعة، أحياناً يكون الواحد يلفظ الذكر بطريقة خطأ، فعندما يراجع يقول: أنا دائماً أقولها كذا والصحيح خلاف هذا، فتصحح الأخطاء التي عندك.
ومرافقة الصالحين والمعيشة معهم من أهم الأشياء والأسباب التي تؤدي إلى استرجاع الأذكار والمداومة عليها والانتباه لها، ماذا قال موسى في دعائه؟ وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً [طه:29-34] فقد طلب العون من الله بأخ صالح يشرك معه في النبوة لماذا؟ ليستعين به على ذكر الله.
كذلك: اعلم بأنه كما يستحب الذكر فإنه يستحب مجالسة أهل الذكر.
كذلك: اعلم أن الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان، وهو مراتب أعلى مرتبة إذا وافق القلب اللسان. (رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) ماذا يحتمل؟ أنه رجل في خلوة ذكر عظمة الله في قلبه وما قال شيئاً، ذكر عظمة الله في قلبه ففاضت عيناه، ويحتمل أنه ذكره بلسانه، فذكر الله يحتمل الأمرين: ذكر في القلب مثل: تذكر عظمة الله، عذاب الله، الخوف من الله، صفات الله، معاني أسماء الله.
وذكر باللسان، لكن من الخطأ أن يذكر باللسان دون القلب، مثلما نفعل نحن في الصلوات، نقول الأذكار في الصلوات وقلوبنا في وادٍ واللسان في وادٍ آخر.
كذلك من الأشياء المهمة: أن نعلم أن الذكر ليس منحصراً في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، بل كل واحد يعمل بطاعة يعتبر ذاكراً لله عز وجل، فليحضر حلقة علم ويسمع، فماذا يعتبر؟ ذاكر لله، جلس في مجلس يذكر الله، وعندما يصلي أيضاً، والدليل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)، ولذلك قال بعض أهل العلم: إذا واظب على الأذكار المأثورة صباحاً ومساءً في الأوقات والأحوال المختلفة ليلاً ونهاراً كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
وهنا مسألة: نحن نعرف أن أفضل الذكر هي تلاوة الذكر فهل الذكر هو سماع الصوت؟ فبعض الناس عندما تراه في الصلاة يكبر ويطبق شفتيه من أول تكبيرة في الإحرام إلى الركوع، مطبقاً شفتيه، فهل يعتبر هذا قرأ الفاتحة بدون حركة لسان وشفتين؟ هل يعتبر قرأ الفاتحة؟ لا، هل يعتبر قرأ أذكار الركوع والسجود؟ لا، لذلك انتبهوا فهذا خطأ شائع جداً، وهو قضية أن بعض الناس يذكرون ويقرءون الفاتحة بدون حركة لسان ولا حركة الشفتين، ولذلك بعض العلماء قال: لا يعتبر الذكر ذكراً ولا ينال أجره إلا إذا أسمع نفسه، فقد قال النووي بهذا القول، وبعض العلماء قالوا: لا، المهم أنه يحرك لسانه وشفتيه، وإلا (إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي) لكن نقول: على الأقل لا يعتبر ذكراً ولا تؤجر عليه إلا إذا حركت لسانك وشفتيك، وجرى الهواء به، سمعته أو ما سمعته فلا بد أن تحرك.
كذلك: يجوز الذكر بالقلب وباللسان للمحدث والجنب والحائض والنفساء، ولو كان جنباً يذكر الله، (كان يذكر الله على كل أحيانه) ولو كان جنباً لكن لا يقرأ القرآن، الجنب لا يقرأ القرآن، لو أن واحداً أجنب وصارت له مصيبة هل يقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156] أم لا؟ لو أن واحداً نام وهو جنب، هل يقول: الحمد لله والحمد لله موجودة في القرآن؟ الجواب: نعم، يقولها لا بنية تلاوة القرآن ولكن بنية الإتيان بهذا الذكر الذي علمناه في هذا الموضع. ولو أن جنباً ركب سيارته هل يقول: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف:13]؟ نعم، ليس على أنه من القرآن لكن لأنه ذكر يقال في هذا الموضع.
وكذلك يستحب أن يكون الذاكر مستقبل القبلة متذللاً متخشعاً بسكينة ووقار، وإن ذكر الله على كل أحيانه، فحسن الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191] وأن يكون المكان الذي يذكر الله فيه نظيفاً خالياً ما أمكن.
وأن يكون متسوكاً نظيف الفم، وأن يتدبر ما يقول، ولو أن واحداً لا يعرف معنى ذكر معين حفظه لكن دون أن يعرف المعنى هل يقوله؟ هل يؤجر عليه؟ نعم. لكن ليس مثل أجر الذي يعرف المعنى ويتدبر المعنى.
وكذلك: ينبغي إذا فات على الإنسان ذكر معين أن يتداركه، فلو فاته: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين والحمد لله ثلاثاً وثلاثين بعد الصلاة، وخرج من المسجد ووصل إلى البيت فهل يقوله؟ نعم، يتدارك ما فات من الذكر.
ولا بأس أن يقطع الذاكر الذكر لحاجة شرعية مثل: أن يسلم عليه إنسان وهو يسبح بعد الصلاة، فيرد السلام؟ وإذا عطس عاطس عنده يشمته، وإذا أذن المؤذن، يترك الذكر ويؤذن مع المؤذن بطبيعة الحال، أو رأى منكراً وهو يذكر الله فليغيره ويقول: يا فلان لا تفعل. ولو سأله أحد عن مكان معين فيرشده إليه وهكذا.
وإذا غلبه النعاس يقطع الذكر وينام حتى لا يسب نفسه كما أخبر عليه الصلاة والسلام.
وأيضاً الأذكار التي تقال للناس الآخرين مثل: تهنئة بالزواج، فهذه يجهر فيها، وغير ما ورد فيه الجهر والإسماع للآخرين فإن الإنسان يسر به أفضل (ومن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي).
واعلموا أيها الإخوة أن الثواب في الأذكار ليس دائماً فيها على قدر المشقة، فهناك أذكار قصيرة لو قورنت بغيرها أطول منها كانت أكبر، والدليل: عن جويرية : (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله عدد خلقه، ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته) إذاً ليس الثواب دائماً على قدر المشقة، فبعض الأذكار أكثر أجراً من أذكار أخرى مكانها ولو كانت أطول منها.
هذا ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لذكره، واللهج به، سبحانه عز وجل.
وصلى الله على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر