إسلام ويب

رسالة إلى مستخدمي الكمبيوترللشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • منهج الإسلام لا يرفض التعامل مع الأجهزة والمخترعات الحديثة والاستفادة منها. ومن هذه الأجهزة: الحاسوب، الذي دخل في العديد من المجالات، التي ورد ذكر كثير منها في ثنايا هذه المادة، بالإضافة إلى بعض الجوانب السلبية في استخدامه، وبعض الوصايا والنصائح للمؤسسات العاملة في هذا المجال.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    أيها الإخوة! نحييكم في هذه الليلة بتحية طيبة مباركة، وأقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذه الرسالة سنوجهها لمستخدمي جهاز الكمبيوتر، الحاسب الآلي، أو الحاسوب، تتضمن عدداً من النقاط، ولكنها تدور على أمرين أساسين:

    أولهما: استخدام الجهاز في خدمة الإسلام أو المصالح في استخدام هذا الجهاز.

    وثانياً: المفاسد الناشئة من استخدام هذا الجهاز، أو ذكر بعض أوجه الشر التي يستخدم فيها هذا الجهاز.

    أقول أولاً: إن هذا الجهاز الذي توصل إليه البشر، ما هو إلا جزئية تدخل في قوله تعالى: عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:5] والله سبحانه وتعالى، يمتن على عباده بأن يخلق لهم من الأشياء ما ينتفعون به، ويعلمهم من الأمور ما يستخدمونه في أوجه كثيرة، ولذلك فإن المسلم الذي يفقه كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يقدر مثل هذا الأجهزة المفيدة حق قدرها، ولا يمكن أن ينكر فائدتها، وبعض أصحاب المدرسة العقلانية يطعنون في أهل العلم، الذين يسيرون على منهاج الكتاب والسنة بأقوال مفادها أنهم ضد العلم والمدنية والحضارة، ولاشك أن هذا زعم باطل، ولذلك فإن الفقهاء من العلماء وغيرهم لا يمكن مطلقاً أن يصدوا أنفسهم أو الناس عن استعمال مثل هذه الأجهزة.

    وأذكر مثالاً عن علامة القصيم في وقته الشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله أول ما جاء مكبر الصوت ووضع في المسجد، بعض كبار السن لم يعجبهم ذلك، وظنوا أن في المسألة بدعة وأن استخدام مكبر الصوت حرام، لكن هذا شأن كبار السن والأشخاص الذين لا يفقهون الأمر على وجهه، أما أهل العلم الذين يسيرون على نهج السلف فلهم موقف آخر، ولذلك لما قابل الشيخ هذا الرجل اعترض على وضع مكبر الصوت، ناداه الشيخ وقال له: هات نظارتك التي تلبسها يا أيها الرجل، فأعطاه النظارة السميكة التي يلبسها، فقال: اقرأ لي هذه الورقة، فلم يستطع الرجل أن يقرأ الورقة، ثم أعطاه النظارة فلبسها فقال: اقرأ الورقة الآن، فقرأ الورقة، فقال: هذه النظارة تمكنك من قراءة الكلام الدقيق المكتوب وهذا المكبر يمكنك من سماع الصوت.

    فإذاً أهل العلم والفقه لا يمكن أن يردوا الاختراعات العصرية، أو المفيدة خصوصاً مثل هذا الجهاز، لأن هذا الجهاز بحد ذاته، ليس حراماً في نفسه، ولكنه بحسب ما يستعمل فيه.

    مميزات العقل الاصطناعي

    ومن الأمور التي دخل فيها هذا الجهاز، استخدامه في خدمة الشريعة، ووفر هذا الجهاز أوقاتاً، وسيوفر أوقاتاً أخرى على كثير من الباحثين الذين كانوا يمضون الساعات الطوال والشهور والسنين في جمع المعلومات، فيمكنهم الآن باستخدام هذا الجهاز أن يجمعوا المعلومات في وقت أقل بكثير مما كانوا قبل ذلك، إذا كانت بعض الفهارس التي صنعت يدوياً، ذكر بعض أهل العلم، أنه لو وصلته قبل هذا لوفرت عليه ربع عمره، أو ثلاثة أرباع عمره في قضية البحث، فكيف إذا كان البحث عبر جهاز له إمكانات ضخمة مثل جهاز الحاسوب؟ ولا شك أن البحث في هذا الجهاز أدق وأشمل لعدم إحساس الجهاز بالإحباط والتعب ومشكلات الحياة كما يحس بها المستخدم البشري، ولقدرته الهائلة على الإحاطة والاستيعاب، إذا قورنت بقدرة الإنسان المحدودة.

    مميزات العقل البشري

    ولكن قبل أن نتكلم عن بعض المجالات التي يستخدم فيها أود أن أنبه أيها الإخوة إلى مسألة مهمة، وهي أن استخدام الجهاز لا يمكن أن يلغي عقل الإنسان مطلقاً، وستبقى هناك كثير من الأشياء لا يمكن حسابها بالجهاز، مهما كان في هذا الجهاز من ميزات الذكاء الصناعي كما يقولون، ويسمونه الذكاء الاصطناعي، ستبقى هناك أشياء لا يمكن حلها إلا باستخدام الإنسان، أو بالعقل البشري، فمثلاً الكمبيوتر لا يستطيع أن يرجح المصالح والمفاسد كما يفكر الشخص، ولذلك لا يمكن أبداً أن نتخيل أن الكمبيوتر سيحل محل العالم، أو أن الكمبيوتر سيجتهد ويتوصل إلى نتائج، نعم هو يختصر خطوات في البحث، يجمع المعلومات للعالم، يوصله بسرعة إلى ما يريد، لكن أن يحل محل العالم في الاجتهاد والقدرة على النظر، فهذا محال أن يصل الجهاز مهما تطور إلى أن يكون مفتياً، بحيث يطرح أي مسألة على الجهاز فيأتينا الجواب من الجهاز، فهذا لا يمكن، سيبقى هناك مجال للعقل البشري الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل أيضاً خلق الكمبيوتر ولا شك، والدليل قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96].

    وأيضاً من الفوائد الأخرى أن الكمبيوتر يصاب بالفيروس، ويحدث له عارض مرضي، و(السستم داون) كما يقولون، ولكن الإنسان الذي آتاه الله سبحانه وتعالى مقدرة على التفكير والحفظ لا يمكن أن يذهب حفظه في ثانيه، ولذلك لما ضاعت كتب بعض أهل العلم، كان غلامه يحمل الكتب وفيها عشرات الآلاف من الأحاديث التي أنفق ذلك العالم وقته في كتابتها وجمعها، فذهب الغلام بها أو العبد في السفر فضاعت الدواب وعليها الكتب، فرجع إلى سيده العالم وهو في غاية الحزن والأسى والخوف أن يسمه بسوء، لأن هذه مجهودات سنين طويلة، فلما رآه بهذا المنظر قال: لا تخف، أو لا تخش فإنها كلها في صدري.

    وإذا كان الكمبيوتر يخزن مئات الآلاف من الأشياء فقد كانت عقول بعض أهل العلم تخزن أشياء كثيرة جداً، كما نقل عن الإمام أبي زرعة الرازي رحمه الله تعالى، أنه كان يحفظ مائة ألف حديث، لما جاءه رجل فقال له: إن شخصاً حلف بطلاق امرأته أن أبا زرعة يحفظ مائة ألف حديث، فالآن نريد أن نعرف: هل المرأة طالق أم لا؟ فقال له: وما حمله على ذلك ؟ قال: قد جرى وحصل، رجل حلف بالطلاق وانتهى، فقال: أبو زرعة رحمه الله، يمسك امرأته فإنها لم تطلق عليه، أو كما قال، نقل القصة الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء.

    و البخاري رحمه الله قال: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، طبعاً يدخل فيها الطرق والمتابعات والشواهد وغير ذلك، لأن الأحاديث الصحيحة بدون تكرار كما قال الذهبي رحمه الله تقدر بعشرة آلاف حديث، فعلى أية حال كانت هناك أدمغة للعلماء تحفظ أكثر مما تحمله ذاكرات بعض الأجهزة الآن، لكن الشيء المهم أن هذه العقول معهم في الحضر والسفر ولا يحتاجون إذا انقطع التيار الكهربائي أو انعدمت البطاريات، وأصيب الكمبيوتر بفيروس أو بهبوط مفاجئ يبقى للعالم دوره الذي يمتاز به عن الجهاز، مهما تطورت الأجهزة سيبقى للعلماء قيمتهم، وإنما سيكون هذا الجهاز معيناً لكثير من الباحثين، ولعل الله سبحانه وتعالى لما قدر أن يكون في هذه الأمة في عصورها المتأخرة ضعف الحفظ جعل لهم أشياء تعوض من مثل هذه الأجهزة، ولكن سيبقى للحفظ البشري دوره، وسيكون هو الحفظ الفعال في الخطابة والكلام والإلقاء، والشيء الذي يكون ذاتياً لا يمكن أن يضاهيه الشيء المصنوع الذي ينقل ويوضع في حقائب ونحو ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087682648

    عدد مرات الحفظ

    773521530