إسلام ويب

دروس من فتنة المسيح الدجال [1، 2]للشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فتنة المسيح الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض، وما من نبي إلا وقد حذر أمته من فتنته، وقد وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة تتحدث عن هذه الفتنة وعن صفات المسيح الدجال، وما الذي يجب على المسلمين أن يعملوه لئلا يقعوا فيها.

    1.   

    وقفات قبل الشروع في أحاديث الفتن

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    وبعــد:

    موضوعنا بعنوان: (دروس من فتنة المسيح الدجال)، ولا بد من التقديم بمقدمة قبل الشروع في هذا الدرس؛ لتجلية بعض الأمور التي قد تسبب إشكالات في الأذهان.

    الإيمان بالغيب

    أولاً: نحن مؤمنون، ومعنى ذلك: أننا نسلم بكل ما جاء في القرآن والسنة من الأمور التي ذكرت والتفاصيل التي وضحت، والله قد امتدح المؤمنين بصفة مهمة في أول سورة البقرة، وهي قوله عز وجل: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3] ولذلك فإن كثيراً من الناس الذين لديهم نوع من الشك أو الريبة عندما يمرون بالأحاديث والآيات التي تذكر أموراً مستقبلية ستقع؛ فإنهم يشكون في ذلك وبعضهم قد يعترض على ذلك، أو يتجه بسهام التأويل والتحريف لبعض الأشياء المذكورة في القرآن والسنة، وهذا أمر مناف للإيمان، وليس من منهج المؤمن أبداً أنه يعمد إلى هذه التفاصيل الموجودة في القرآن والسنة فيغير فيها بزعمه، أو يكذبها وينفيها مثلاً؛ لأنها تخالف عقله، أو لأنه يراها غير واقعية بزعمه.

    ولذلك فإنه لا بد من الإيمان الكامل والجازم بكل ما ثبت لدينا مما ورد من كلام ربنا سبحانه وتعالى، وفي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

    فوائد الابتلاءات

    اعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل جعل من سنته أن يبتلي الناس ليظهر المؤمن من الكافر، ويتبين المسلم الحق من المرتاب الشاك، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى ينزل بالعباد فتناً ليتميز أهل الجنة من أهل النار، بل حتى يتميز المسلمون في مدى إسلامهم، ويتميز المؤمنون في مدى إيمانهم، ولذلك فإن هناك آيات عظيمة وفتن كثيرة، وهذه الابتلاءات التي ستنزل بالعباد لها فوائد كثيرة وهي: تمحيص الناس وتبيين من هو على الطريقة السوية، ممن يسير على هوى أو يحذو حذو سبل الشيطان.

    الإنزال على الواقع وأحاديث الفتن

    ليس من الصحيح أن يعمد بعض الناس إلى أحاديث الفتن فينظرون إلى الواقع، ثم يفسرون هذه الأحاديث بحسب الواقع، وهذا يحدث كثيراً بين الناس! فإذا رأى حديثاً من أحاديث الفتن، يقول: هذا الحادث الذي وقع الآن وهذه المشكلة الموجودة الآن هي المقصودة بهذه الفتنة، وهي معنى هذه الفتنة، وهو لم يدرس التاريخ الإسلامي، ولم يقرأ أقوال أهل العلم، وربما أن المقصود بهذا الحديث قد وقع وانتهى أصلاً، وربما أن هذا الحديث لما يأتي تأويله بعد، وأن هذا الحديث يُعنى به شيء من الأشياء التي تقع في آخر الزمن، أو شيء من الأشياء التي تقع على أعتاب الساعة، وعند قيام القيامة مثلاً، ولذلك فإن مصدر الحيرة في كثير من التفاسير التي ترد في بعض النصوص من بعض الناس إنما مصدرها: الجهل بكلام أهل العلم، وعدم تنزيل هذه الأحداث منازلها الصحيحة التي بينها أهل العلم بالقرآن والسنة.

    فائدة دراسة أحاديث الفتن

    إن الكلام عن بعض أحاديث الفتن قد يقول بعض الناس: ما هي فائدته؟ ولم ندرس أشياء قد لا تقع في عصرنا؟ ولم نتعرض لتفاصيل بعض الأمور التي لم تحدث في هذا العمر وهذا الزمن الذي نعيش فيه؟

    فنقول: إن لهذه الأشياء فوائد، فمن ذلك أولاً: أن الإيمان بالغيب من صفات المسلم، وهذه من أمور الغيب.

    ثانياً: افرض أننا مثلاً سنتعرض الآن لحديث الدجال، هب أن إنساناً قال: إنني أكاد أجزم بأن الدجال لن يقوم، ولن يظهر في هذا الزمن، فنقول: إن في ذكر حديث الدجال تعليم هام للأمة، وفي بيان مواقف الناس من الدجال عندما يظهر فيها أسوة لنا، وفيها عبرة لنا نحن، ونحن نعيش في هذا العصر، كيف نواجه الفتن، لأن الفتن كثيرة، منها فتنة الدجال، وفتنة دجاجلة آخرين قد يظهرون في هذا الزمن، صحيح أنهم ليسوا هم الدجال الأكبر، لكن في بيان الموقف من الدجال الأكبر درس لنا في كيفية الموقف الصحيح أمام الدجاجلة الذين يظهرون، ثم كيف ستتعلم الأجيال القادمة التي سيظهر فيها الدجال الموقف الصحيح إذا لم تنقل روايات مثل الدجال عبر جيلنا نحن؟ وكيف ستتربى الأجيال على الثبات أمام الدجال إذا لم نعلم نحن الجيل الذي نعيش فيه والجيل الذي سيلينا، بحيث تنقل هذه المواقف لذاك الجيل الذي سيظهر فيه الدجال مثلاً؟ هذا مع العلم بأننا لا نستطيع أن نجزم (100% ) أن الدجال لن يظهر في عصرنا، هذا من جهة.

    ومن جهة أخرى، فإن حساسية المؤمن ودقة شعوره وخوفه من الله عز وجل، تجعله ينظر فعلاً برهبة لمثل هذه الأحاديث التي فيها ذكر الدجال وما في معناه، أو ذكر الدجال وما حول الدجال من الفتن الأخرى، ونضرب على ذلك مثالاً: الرسول صلى الله عليه وسلم خرج مرة، فرأى غيماً في السماء، فدخل وخرج فزعاً وهو يقول : (يا عائشة ! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب) مثلما حصل لقوم عاد مثلاً، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس، ولكن مع ذلك يدخل ويخرج خوفاً من أن يكون فيه عذاب.

    مثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم خرج مرة فزعاً يخشى أن تكون الساعة قد قامت، وقد يقول قائل: بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الساعة قرون متطاولة، وأحداث كثيرة وما حصلت بعد! فلماذا فزع؟

    الجواب: لأن الفزع من مثل هذه الفتن من صفات المؤمنين والتي تدلل على خوفهم من الله عز وجل فعلاً وعلى قوة إيمانهم.

    كما إن دراسة موضوع الدجال -مثلاً- يعطينا طعماً خاصاً في الدعاء الذي ندعو به في آخر صلاتنا قبل السلام، وهو التعوذ من فتنة المسيح الدجال، وإنني أقول لكم بالتأكيد: إن شعور كل واحد منا، وهو يدعو بهذا الدعاء بعد أن يمر باستعراض فتنة الدجال، لا يختلف تماماً عن شعوره وهو يتلو هذا الدعاء قبل أن يتعرف على فتنة الدجال، وذلك لأن الإنسان كلما عاين وتبصر أكثر، كلما تعلم أكثر، وكلما طعم هذه لنصوص أكثر وأكثر، كلما تبين له عظم الخطر، ودائماً الأشياء التي لم تظهر مؤشراتها بعد تكون عند الناس غريبة ومستبعدة، ويقولون لك: هذه مستحيلة، ولا يمكن أن تحصل؛ لأن مؤشراتها لم تقع، ولذلك لو أنك قلت لواحد من الناس الآن: ما هو إحساسك بالموت؟ فإذا لم يكن عنده مثلاً مرض قاتل أو كان مصاباً بحادث يشرف على الموت، أو محكوم عليه بالإعدام، أو سيدخل حرباً من الحروب، فإنه سيقول لك: لا أشعر برهبة الموت؛ لأنه ليس عنده مؤشرات، بخلاف الشخص الذي يكون على أعتاب الموت مثلاً، فإنه من إحساسه بالموت سيكون مختلف، ولذلك فإن المؤمن -الإيمان فعلاً- هو الذي يستشعر أن المسألة قريبة رغم أن مؤشراتها لم تظهر، وهو الذي يشعر أن الموت قريب مع أنه ليس لديه أي مؤشرات تنبئه بالموت.

    فائدة التحذير من الفتن على فترات

    إن مما نحتاجه أيضاً في بيان هذه الأمور أو بيان أمر الدجال: أن نعلم أن التحذير من الدجال كان على فترات، فمثلا:ً حذر الأنبياء أممهم من الدجال، حتى نوح حذر أمته من الدجال، ولم يكن يعلم نوح أن المسيح سيقتل الدجال، مع أن المسيح ظهر بعد نوح، فلم يعلم نوح بظهوره.

    فلذلك كان تحذيره لأمته من الدجال أمراً نافعاً وصحيحاً، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتمل عنده العلم بالدجال في أول الأمر؛ ولذلك كان يظن الدجال هو ابن صياد ، ولكن ابن صياد هو دجال من الدجاجلة، وليس هو الدجال الأكبر.

    ثم إن العلم بتفاصيل الدجال لم تكتمل حتى عند الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، فلذلك أخبر الصحابة بأخبار الدجال على مراحل، ولذلك فإن استقبال الصحابة للأمر سيختلف عن استقبالنا نحن الذين نستعرض أحاديث الدجال واحد وراء الآخر، هكذا تباعاً بحيث أن الأمر يبدو لدينا رهيباً، وقد يبدو لبعضنا مسألة مستبعدة، وقد يبدو لبعض الشاكين شيئاً غير معقول ولا يمكن حصوله.

    ولذلك كان الصحابة يتلقون نصوص الشريعة على فترات، وكانوا يأخذون الإيمان قبل أن يأخذوا العلم، ولذلك نزل العلم في قلوبهم موقعاً حسناً، بخلاف بعضنا الآن فإنه قد تأتي عليه النصوص الشرعية وليس عنده إيمان قوي، فقد يرفض هذه النصوص، وهذا ما سيتبين لبعضكم من خلال استعراض تفاصيل هذه المحنة العظيمة، وهذه البلية الكبيرة، التي ستنزل ولا شك.

    ولا بد أن نقول: إن الفتن تعلم المسلم كيف سيتصرف، وإن هذه الفتنة الكبيرة التي قد لا تحدث لنا، تعلمنا كيف نتصرف في مواقع الفتن الأخرى، وأحاديث الفتن لها فائدة، مثلاً: بعض الصحابة كان قاعداً لا يقاتل في الفتنة التي حدثت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، لكن لما قتلت إحدى الطائفتين عماراً ، وكان هناك صحابي يعلم أن عماراً تقتله الفئة الباغية بعلمه بأحاديث الفتنة المتعلق بـعمار ، اتخذ الصحابي موقفه بأن انتقل إلى الفئة الأخرى التي لم تقتل عماراً ، لأنه ظهر له الحق.

    ولذلك العلم بأحاديث الفتن فيها فوائد كثيرة، أما موضوع الدجال فإن الكلام سيتعرض لبيان أصل هذا الرجل، وهل كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ ومتى يخرج؟ وما سبب خروجه؟ ومن أين يخرج؟ وما هي صفته؟ وما الذي يدعيه؟ وماذا سيظهر عند خروجه من الفتن والتي بسببها يكثر أتباعه؟ ومتى يهلك؟ ومن الذي يقتله؟ إلى غير ذلك من الأحداث التي ستتبين إن شاء الله خلال هذا الموضوع.

    1.   

    خروج الدجال من علامات الساعة الكبرى

    أما المسيح الدجال، فإنه سمي بالمسيح لأنه ممسوح العين، وهذه التسمية مشتقة من اسم المفعول أي الممسوح، بخلاف المسيح بن مريم الذي اشتق اسمه من اسم الفاعل الماسح، لأنه كان يمسح على المريض فيبرأ، أما الدجال فهو مشتق من اسم المفعول، لأنه ممسوح العين، وقيل لأن دجل معناها: غطى وموه، ولذلك يقول: دجل الإناء بالذهب أي: غطاه، وذلك لأن هذا الدجال سيغطي الأرض بكفره، وقيل لأنه سيشمل الأرض ويغطيها برحلته الطويلة التي سيقطعها في زمن قصير، وأما عن الدجال كشرط من أشراط الساعة فإنه واقع ولا بد، وقد أخبر صلى لله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن الساعة لا تقوم حتى تكون عشر آيات: (الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس وثلاثة خسوف) إلى آخر الحديث.

    فالدجال إذاً ظهوره من أشراط الساعة، وأشراط الساعة منها كبرى ومنها صغرى، وأشراط الساعة ابتدأت بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أول أشراط الساعة الصغرى هو وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وهناك علامات كبرى عشرة، ومنها الدجال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفس إيمانها إن لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض) فإذا لم يكن الناس في ذاك الزمن مؤمنين ومستعدين لخروجه؛ فإنه لا ينفع إيمانهم إذا خرج ذاك الدجال من الفتن التي تقع منه، وهذا الحديث يشير إلى آية موجودة في كتاب الله وهي قوله عز وجل: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158] فالمقصود بقوله تعالى: بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ منها: الدجال، وهذا الذي يجاب به عن بعض الناس الذين يقولون: لماذا لم يذكر الدجال في القرآن؟ فنقول: إنه قد ذكر ضمناً وهناك آيات أخرى.

    وكذلك حذر الرسول صلى الله عليه سلم الأمة وقال: (بادروا بالأعمال ست، وذكر منها: الدجال) أي: انتهزوا الفرصة في الأعمال الصالحة قبل أن يظهر الدجال، فقد لا تستطيعون عمل أي شيء إذا ظهر.

    1.   

    الدجال أكبر فتنة في الأرض

    واعلموا -أيها الإخوة- أن الدجال هو أكبر فتنة موجودة على ظهر الأرض على الإطلاق، وقد روى أحاديث الدجال عدد من العلماء، ومن أوسع من روى له الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه ، والإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده ، وكثير من الأحاديث التي وردت في الدجال صحيحة وثابتة، وهذا هو ما سنعتمد عليه إن شاء الله في خلال هذا البحث: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال) وفي رواية: (أمر أكبر من الدجال) من خلق آدم إلى قيام الساعة لا توجد فتنة أكبر من الدجال على الإطلاق.

    وقد روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذر قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: إنه أعور وإن الله ليس بأعور) وقال عليه الصلاة والسلام: (إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، ولقد أنذره نوح قومه، ولكني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعملون أنه أعور وأن الله ليس بأعور).

    وقال عليه الصلاة والسلام: (غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم) معناه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوقع أنه سيخرج وهو فيهم، وإذا خرج الدجال والرسول صلى الله عليه وسلم موجود؛ كان الرسول عليه الصلاة والسلام سيتولى محاجة الدجال وإفحامه، وإقامة الحجة عليه، وتبيين باطله من دون الأمة.

    ثم يقول عليه الصلاة والسلام: (وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه) معناه كل واحد سيتولى المدافعة وإقامة الحجة بنفسه، ودفع شر الدجال عن نفسه بنفسه، وذلك بأن يكذب الدجال، وأن يلقي نفسه في النار التي مع الدجال، كما سيرد في شأن هذا الدجال.

    ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم) أي: أن الله سبحانه ولي كل مسلم، وحافظ كل مسلم، ومعين كل مسلم على هذه الفتنة.

    ثم قال عليه الصلاة والسلام أيضاً: (أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا قد حذر، وسأحذركموه بحديث لم يحذره نبي أمته) فإذاً درس لنا، أن الدعاة إلى الله عز وجل ينبغي أن يحذروا الناس من الفتن، وينبغي أن يصفوا للناس الفتن، وينبغي أن يعلموا الناس كيف يكون موقفهم من الفتن.

    فإذاً مهمة الدعاة إلى الله عز وجل، أن يحذروا الناس من الشر، وأن يبينوا لهم ما هو الشر، وكيف يكون الموقف، وكيف يحذر من هذا الشر؟

    1.   

    أحداث ما قبل الدجال

    أما عن الأحداث التي ستكون قبل خروج الدجال فإنها كثيرة، قال عليه الصلاة والسلام: (تغزون جزيرة العرب ، فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحها الله) أي المكان الذي فيه الدجال، أو القوم الذين معه، وقال صلى الله عليه وسلم: (عمران بيت المقدس خراب يثرب ، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال) هذه أزواج من الأشياء فكل واحد مرتبط بالثاني، لكن يحتمل أن يكون بين كل زوج والزوج الذي بعده فترة زمنية طويلة.

    فإذا عُمِّر بيت المقدس بالمال والرجال والعقار واتسع بناؤه وزاد عن الحد المعروف، فإن ذلك سيكون سبباً في خراب يثرب ، ومعنى ذلك أن الكفار سيستولون على يثرب ويكون لهم صولة بحيث يحدث خراب فيها.

    وإذا حدث عمران بيت المقدس وخراب يثرب ؛ فإنه سيكون بعد ذلك خروج الملحمة، وهي الحرب العظيمة التي ستكون بين المسلمين والنصارى، وهي الموقعة التي ستكون بين أهل الشام والروم، كما ذكر شراح الحديث.

    وخروج الملحمة فتح القسطنطينية ، وسيعقب ذلك فتح القسطنطينية التي هي من مدن الكفار، وسيعقب ذلك خروج الدجال، وكل واحد من هذه الأمور أمارة لما يقع بعده.

    وقوع فتن الأحلاس والسراء الدهمياء

    وقال عليه الصلاة والسلام: (فتنة الأحلاس هرب وحرب) هرب: لأن الناس سيهربون منها من القتل والعداوة، والحَرَبْ: هو نهب الأموال، وقتل الأهل بحيث لا يبقى لأحد مال ولا أهل. (ثم فتنة السراء دخنها) السراء أي: النعمة والرخاء والصحة والعافية، وهي: المعاصي التي تقع بسبب الصحة والعافية. (دخنها من تحت قدم من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع) والورك هو: أعلى الفخذ، والضلع معروف والمقصود: أن الناس سيصطلحون على رجل يبايعونه ويملكونه عليهم، ولا يصلح لأن يكون ملكاً؛ لأنه جاهل ولم تستقم له الأمور، ولكن هذا الذي سيحدث. (كورك على ضلع) يعني: كما أن هذا الورك كبير لا يثبت على الضلع؛ لأن الضلع دقيق، فكذلك لن يثبت أمر هذا الرجل ولن يكون مناسباً نظراً لجهله. (ثم فتنة الدهيماء) الدهيماء أي: العظيمة الكبيرة. (لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت وزادت، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه) فيكون نتيجة التدافع بين الحق والباطل، ونتيجة معترك الأمور وقيام الأحداث بين أهل الحق وأهل الباطل؛ أن يتميز أهل الحق عن أهل الباطل، وهذه من فوائد التدافع الذي ذكره الله عز وجل في كتابه: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [الحج:40].

    (فإذا كان ذاكم) إذا حصل تميز الناس إلى الفسطاطين، فانتظروا الدجال من يومه أو من غده، وهذه فتن تقع قبل الدجال.

    ومرة أخرى نقول: لا يصلح لأحد الآن أن يقول: أن ما يقع الآن من الأحداث والأشياء التي وقعت وهذه حرب وهروب الناس ونهب الأموال، هذه هي فتنة الأحلاس، ويفسر الحديث بهواه وجهله، لا يجوز ذلك، وإنما نأخذ من الفتن كيف نواجهها، ونتعلم منها دروساً، وقد يمر بنا بعض هذه الفتن، فنعرف الموقف منها، وقد تمر بنا فتن أصغر من الفتن المذكورة بالأحاديث فنعرف كيف نواجهها.

    وهذا الحديث يبين لنا أن الصحة والرخاء قد تقع فيها فتن عظمية، ويبين لنا أهمية تميز أهل الإيمان عن أهل النفاق.

    وقوع الملحمة بين المسلمين والنصارى

    ثم صلى الله عليه وسلم حال المسلمين التي سيكونون فيها عند ظهور الدجال، وهذه الحال ستكون عبارة عن حروب بين المسلمين وبين النصارى، وسيكون فيها النصر في النهاية لأهل الإسلام، ثم يظهر الدجال، فقال عليه الصلاة والسلام: (ستصالحون الروم صلحاً آمناً، فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم، فتنصرون وتغنمون وتسلمون، ثم ترجعون حتى تنزلوا بـمرج ذي تلول -موضع معين- فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدقه -أي: يكسر الصليب- فعند ذلك تغدر الروم، وتجمع للملحمة) وزاد بعضهم: (فيثور المسلمون إلى أسلحتهم، فيقتتلون، فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة).

    أي أنه في آخر الزمان قبيل الدجال سيحصل هناك صلح آمن، ولكن الروم وهم النصارى سيغدرون، وسيقوم رجل يتحدى المسلمين بالصليب، فيقوم أحد المسلمين فيكسره، فتقع بعد ذلك معركة، يكون المسلمين في أول الأمر قلة، فيكرم الله القلة من المسلمين التي تواجه النصارى بالشهادة، ثم بعد ذلك يستعد الفريقان لمعركة كبيرة وملحمة عظمية، يكون فيها النصر للمسلمين.

    وقد جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله تفصيل لهذه الموقعة، (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بـالأعماق أو بـدابق) وهذا موضع قرب حلب في بلاد الشام ، أي يكون هناك موضع الملحمة (فيخرج لهم جيش من المدينة المنورة -من المسلمين- من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا أمام بعض، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منها نقاتلهم) معنى ذلك: أن المسلمين في السابق قد أخذوا سبياً من الروم، وأن هؤلاء الروم قد أسلموا وانضموا للمسلمين، وأن الروم الآن يقولون: هاتوا أصحابنا وأقرباءنا من الروم الذين أسلموا معكم: (فيقول المسلمون: لا ولله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فيهزم ثلث -من جيش المسلمين- لا يتوب الله عليهم أبداً) لأنهم لم يتوبوا من الفرار من الزحف (ويقتل ثلث) أي من المسلمين (أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث الأخير البلاد ويغنم ولا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح -أي الدجال- قد خلفكم في أهليكم، يريد إفزاعهم وتخوفيهم، فيخرجون -المسلمين يخرجون إلى جهة خروج الدجال- وذلك باطل -أي: كلام الشيطان هذا باطل- فإذا جاءوا الشام ، خرج المسيح الدجال فعلاً، فبينما هم يعدون للقتال -لقتال الدجال بعد أن كانوا قد قاتلوا الروم، وما استطاعوا أن يقتسموا الغنائم- يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم، فأمهم ...) إلى آخر الحديث.

    ثم إنه قد ورد لهذه الغزوة تفاصيل أخرى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا، ونحاها نحو الشام ، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع له أهل الإسلام -يقول الراوي عن ابن مسعود الروم تعن؟ي قال: نعم- وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل).

    ثم ملخص الحديث أن هؤلاء الفدائيون من المسلمين الذين يخرجون من جيش المسلمين يقتلون شهداء ،ومرة ثانية وثالثة، لأنهم قلة، ثم بعد ذلك ينهد لهم أهل الإسلام، أي: يجتمع أهل الإسلام من الأماكن المختلفة: (فيجعل الله الدائرة على الكفار فيُقتلون) المسلمين يقتلون من الكفار مقتلة لا يرى مثلها (حتى إن الطائر لا يمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتاً) بعض السذج من الناس لما قرأ الحديث، قال: هذه إشارة إلى الأسلحة الكيمائية، وهذا من الضلال الذي قلته قبل قليل، وهي تفسير النصوص الشرعية بأشياء من الواقع، وعلى حسب الهوى، وليس بالرجوع إلى كلام أهل العلم (فيتعادوا بنو الأب كانوا مائة، فلا يجد منه -بقي- إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح، أو أي ميراث يقاسم فبينما هم كذلك، إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم).

    فإذاً يكون خروج الدجال بعد معركة كبيرة جداً تحصل بين المسلمين والنصارى (إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم من الغنائم، ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -طليعة استكشاف عن هذا الدجال-: إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ، أو من خير الفوارس على ظهر الأرض يومئذ).

    هذا هو ما سيحدث قبيل خروج الدجال، وهذا يبين أن المسلمين في ذلك الوقت في حركة مدافعة ضد الكفار، وحركة جهادية مستمرة، وأن العداوة بيننا وبين النصارى باقية إلى ذاك الزمان، وأن النصارى سيصالحون المسلمين ثم ينقضون الصلح، ويغدرون بالمسلمين، وأن المسلمين في ذاك الوقت الخلص لن يكتفوا بهزيمة النصارى، وإنما سيواصلون المشوار، وهذا درس في أن جهاد هذه الأمة مستمر إلى قيام الساعة، وأن جهاد هذه الأمة متتابع، وأن المخلصين من المسلمين لا يقفون عند حدٍ معين، ولا يكتفون بتحقيق هدف معين، وإنما لا بد من إكمال المشوار، لاقتلاع الشرك من الأرض وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193].

    هم ما اكتفوا بالقضاء على شوكة النصارى، ولما سمعوا بالدجال اتجهوا نحو الدجال ولم يشتغلوا بتقسيم الغنائم، وهذا درس في عدم الانشغال بالدنيا.

    ثلاث سنوات شداد

    ثم إن من الأشياء الأخرى التي ستحدث قبل الدجال قوله صلى الله عليه وسلم: (إن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحسب ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة، فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت، إلا ما شاء الله، قيل: يا رسول الله فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتحميد ويجزء ذلك عليهم مجزءة الطعام) كرامة من الله للمسلمين في ذلك الوقت أن يعيشوا على ذكر الله فقط، وهذا يثبت أن للأذكار قوة في البدن ويدل عليه حديث علي وفاطمة لما اشتكت فاطمة تريد خادماً، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكما على أمر هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما تسبحان الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدان ثلاثاً وثلاثين، وتكبران ثلاثاً وثلاثين) فبين أن هذا الذكر فيه فائدة في تقوية البدن، حتى المرأة المسلمة التي تريد خادمة فعليها بالإكثار من ذكر الله عز وجل، ولذلك دل الرسول الله صلى الله عليه وسلم بنته فاطمة على الإكثار من الذكر، وأخبر أن فيه قوة للبدن.

    1.   

    صفات الدجال

    أما عن صفات الدجال فإن له صفات عامة، فيقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا) أي حدثتكم كثيراً عن الدجال حتى خشيت أن ينسي حديثي بعضه بعضاً، أو أنه مع اشتباك الأحداث في أمور الدجال، تلتبس عليكم الأمور فلا تفهموه (فاعقلوا الحديث، وتبصروا فيه) يعني لا يفوتكم فهمه (إن المسيح الدجال رجل قصير) هذه أول صفة.

    (أفحج) يعني يمشي مشية معيبة، فيه عرج بسبب تباعد ما بين ساقيه، مثل الرجل الذي بين ساقيه مرض، فهو يسير بهذه المشية المتعرجة.

    (جعد) أي أن شعره ليس سبطاً وأملساً وإنما أجعد الشعر.

    (مطموس العين، ليست بناتئة لا ظاهرة ولا حجراء -وفي رواية- جحراء -ليست داخلة للداخل وإنما هي مسطحة مع سطح والوجه، لا بارزة ولا داخلة، وهذا لا ينافي أنها ممسوحة كما سيرد- فإن ألبس عليكم -لو ألتبس الأمر عليكم في الدجال- فاعلموا أن ربكم ليس بأعور، وأنكم لن تروا ربكم) يعني سيظهر الدجال ويقول: أنا ربكم ونحن نعلم أننا لن نرى الله في الدنيا فإذاً لو طلع الدجال وقال: أنا ربكم، لا يلتبس عليكم الأمر أيها الناس، فأول شيء أن الله ليس بأعور، وثاني شيء أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا.

    فإذاً إذا قال في الدنيا: أنا ربكم فلن تروه لأنكم لم تروا الله حقيقة في الدنيا، فإذاً هذا الذي يزعم أنه رب دجال.

    ثم قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (الدجال أعور هجان -أي أبيض- أزهر) وفي رواية (أقمر) أي أبيض أيضاً (كأن رأسه أصل) أي مثل الحية العظيمة، (أشبه الناس بـعبد العزى بن قطن) وهذا رجل من خزاعة كان في الجاهلية، مات كافراً فشبه لهم الرسول الدجال بـعبد العزى بن قطن (فإما هلك الهلك) أي إذا هلك الناس الذين سيرونه، فإن ربكم ليس بأعور، ثم قال: (ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، وأُراني الليلة عند الكعبة في المنام) أُراني أي: أنه رآه في المنام، وكذلك قال: (أما مسيح الضلالة -عكس مسيح الهداية الذي هو المسيح عيسى ابن مريم- فإنه أعور العين، أجلى الجبهة -أي واسع الجبهة شعره منحسر، جبهته عريضة- عريض النحر -مكان الرقبة عريض- فيه دفء أي فيه انحناء) .

    وقال: (الدجال أعور العين اليسرى، جُفال الشعر) أي شعره أجعد كثيف فليس بالقليل وإنما كثير، وكذلك أخبر عن العلامة المهمة جداً في الدجال وهي العور، فإحدى عينيه ممسوحة تماماً، والعين الأخرى فيها علة يشبهها كأنها ( نخاعة في حائط مجصص ) ( وكأنها عنبة طافية ) ، كيف تكون العنبة بارزة بين حبات العنب الأخرى، أو كيف تكون العنبة إذا راح ماؤها، كما أن لها لون أخضر كما قال: (كالزجاجة الخضراء) وكذلك فإن على هذه العين لحمة تنبت عليها ظفرة، والظفرة لحمة تنبت من جهة المآقي، من طرف العين الذي من جهة الأنف حتى تغطي جزءاً من عينه.

    يريد عليه الصلاة والسلام بهذا الوصف الدقيق ألا تضل الأمة، وأن تعرف الأمة صفة المسيح الدجال، بالإضافة إلى ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (وإن بين عينيه مكتوب كافر، يقرأه كل مؤمن) يقرأ هذا، وفي رواية أخرى: (يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب) أي سواء كان يعرف القراءة والكتابة أو كان أمياً فإن كل المؤمنين يستطيعون أن يقرءوا هذه الحروف التي بين عيني الدجال (ك ف ر) -الألف كانوا في الماضي لا يكتبونها في الخط، ولكن تنطق مثل داود- والكفار يحجبهم الله عنها بحوله وقوته سبحانه وتعالى.

    1.   

    مكان خروج الدجال

    وأما المكان الذي يخرج منه الدجال، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الدجال يخرج من أرض بالشرق أو بالمشرق، يقال لها خراسان ، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرّقة، أو المطرقة) فهو جزماً سيخرج من جهة المشرق، ثم ورد تحديد آخر: (إنه خارج خلة بين الشام والعراق -موضع بين الشام والعراق - فعاث يميناً، وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا) ثم ورد أيضاً تحديد آخر: (إن الدجال يخرج من قبل المشرق، من مدينة يقال لها خراسان ، يتبعه أقوام كأن وجوهم المجان المطرّقة).

    وقال أيضاً: (يخرج الدجال من يهودية أصبهان ، معه سبعون ألفاً من اليهود) قال بعض المؤرخين مثل ياقوت الحموي وغيره: إن هذه المدينة مدينة أصبهان ، فيها جزء بناه أصلاً بختنصر لما سبى اليهود وقتلهم ونفى منهم ووضعهم في أصبهان ، وبنوا مكاناً لهم يعرف بحارة اليهود، أو حلة اليهود، وهذا الجزء من المدينة في مدينة أصبهان في قطاع خراسان في جهة المشرق، سيخرج منه المسيح الدجال، وهذا فيه تأكيد على ما ذكره عليه الصلاة والسلام أن الفتن ستكون من وجهة المشرق، وجهة المشرق هي جهة العراق وإيران وما وراءهما، فالفتن العظمية ستكون من هذه الجهة .

    لذلك أنت لو نظرت إلى فتنة الرافضة وفتنة الخوارج ، وما حصل من قدوم التتار من جهة المشرق، وما حصل من الحروب حتى في العصر الحاضر في هذه الجهة، لوجدت أن هذه الجهة بؤرة فتن فعلاً، وأن سكان هذه الجهة يتميزون بحب العنف والدم والثورة والحروب، فلا تزال المشاكل موجودة فيها.

    لو تتبعت التاريخ الإسلامي لوجدت أن منطقة خراسان مليئة بالفتن والحروب والمشاكل، وحتى الآن نحن نرى بأعيننا ونسمع مصداق قوله عليه الصلاة والسلام: (الفتن من جهة المشرق) وسيخرج المسيح الدجال من ذلك المكان.

    1.   

    كيفية خروج الدجال

    وأما كيف يخرج؟

    فإن المسيح الدجال، كما في حديث تميم الداري الذي ورد في صحيح الإمام مسلم أنه محبوس إلى الآن في جزيرة من جزر البحر! وأنه كان حياً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه رجل عظيم الخلقة رآه تميم الداري ومعه ثلاثون رجلاً وحدثوا الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن سفينتهم قد لعب بها الموج وتعرضت لحادث وألجأهم الموج إلى جزيرة، ولما نزلوا الجزيرة رأوا الجساسة وهي دابة كثيرة الشعر فخاطبتهم وقادتهم إلى الرجل العظيم الموثق بالسلاسل داخل كهف، فدخلوا، فرأوه رجلاً عظيماً موثقاً بالسلال، وصارت هناك محاورة بينه وبينهم، وأخبرهم أنه الدجال وأنه سيخرج من غضبة يغضبها، فتتحطم السلاسل، ويخرج يعيث فساداً في الأرض، ويخرج من جهة المشرق.

    وهنا أقول قضية مهمة جداً: بعض ضعاف الإيمان سيقولون: إن الأقمار ما تركت مكاناً في الأرض إلا ومسحته بهذه الأجهزة المعقدة والدقيقة جداً، وأنه لا يمكن أن يوجد دجال وهذا كلام فراغ وكله خرافات، وأنه لو كان موجوداً؛ كان ظهر بالأقمار الصناعية ونحو ذلك.

    أقول: إن هؤلاء المساكين المفتونين بالتقدم العلمي ضعاف الإيمان فعلاً، بحيث إنهم جعلوه صنماً، هل فعلاً الآن الحضارة الغربية قد كشفت كل شيء، وكل شبر في الأرض؟ ألا يزال هناك أماكن في اليابسة ما وطئتها قدم حتى الآن؟ أليس هناك مغارات وكهوف لا يدرى ما فيها حتى الآن، أليس هناك أشياء في قاع المحيطات لا يدرى ما هي حتى الآن؟ فلماذا إذاً تقديس وتعظيم التقدم العلمي أو التكنولوجي، لدرجة أن ننسف أحاديث الدجال كما يفعل بعض الناس فعلاً، قالوا: لا موثق ولا موجود، وهذا كلام فارغ، لو كان موجوداً كان ظهر في الأجهزة وعلى الشاشات وفي الرادارات.

    وإن هؤلاء الناس مفتونين فعلاً، فيكذبون النصوص الشرعية، والبحث في الأرض ما انتهى، والعلماء لا زالوا يبحثون ويكتشفون أشياء على ظهر الأرض إلى الآن، فالقضية ما انتهت، ثم إن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يعمي عليهم -بأقمار صناعية وغيره- وجود الدجال في جزيرة من جزر البحر وهم ما اكتشفوا كل الجزر ومسحوها.

    (فيقول للناس: أنا ربكم) يدعي الربوبية، وهنا فإن المؤمنين يعلمون أن ربهم ليس بأعور، وأن هذا الدجال لو كان رباً لعالج نفسه، ولأذهب العور عن نفسه، ومن المحال أن تقع هذه العيوب ولا يقدر على إزالتها وهو رب.

    1.   

    خوارق الدجال وفتنته للناس

    إن الله جعل لهذا الدجال إمكانات كثيرة وبسببها تحصل الفتنة ومنها: أنه كما سئل صلى الله عليه وسلم عن إسراع الدجال في الأرض، فقال: (كالغيث استدبرته الريح) هل رأيت غيماً وريحاً تدفعها من الخلف، كيف تكون سرعتها، كذلك تكون سرعة الدجال، ولذلك سيتجول في أقطار الأرض كلها، وقال صلى الله عليه وسلم ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ، وقال: (وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه، إلا مكة والمدينة) ومن فتنة الدجال: قوله صلى الله عليه وسلم: (معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار) وقال: (إن معه ماء وناراً، فناره ماء بارد، وماؤه نار) وقال: (لأنا بما مع الدجال أعلم منه، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين، ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً) المسلم لو رأى هذا المشهد ماذا يفعل، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فليأت النهر الذي يراه ناراً وليُغمِّض ثم ليطأطئ رأسه -في النار هذه- فيشرب منه، فإنه ماء بارد) لكن من الذي سيفعل ؟! (إنه أعور وإنه يجئ معه تمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة، هي: النار)

    وقال صلى الله عليه وسلم: (فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم، فليقع في الذي يراه ناراً؛ فإنه ماء عذب طيب) ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (يخرج الدجال ومعه نهر ونار، فمن دخل نهره؛ وجب وزره وحط أجره -ضاع الأجر- ومن دخل ناره؛ وجب أجره وحط وزره، ثم إنما هي قيام الساعة).

    وكذلك ورد أن معه جبل من خبز وطعام، وأن الدنيا فيها مجاعة وأن الناس سيتبعونه من المجاعة لكي يحصلوا على هذا الطعام الذي عنده، وأن هذه الفتنة لن تضر المؤمنين بإذن الله، وكذلك أخبر أن الجمادات والحيوانات ستستجيب له، قال عليه الصلاة والسلام: (فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به -أنه هو الله- ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر -بإذن الله طبعاً- والأرض فتنبت -فتخرج الكلأ- فتروح عليهم سارحتهم -ماشيتهم على هؤلاء الناس الذين آمنوا بالدجال- أطول ما كانت ذُراً -قامة وارتفاعاً- وأسبغه ضروعاً -ممتلئة بالحليب- وأمده خواصر -من السمن- ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله -أي يكفرون به- فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين -قحط- ليس بأيديهم شيء من أموالهم، كله فتنة ليرى من الذي يصبر ويصدق ويؤمن بالله، ومن الذي يكفر ويضل ويفتن- ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل- وراء الدجال- وإن من فتنته، أن يقول -هذا الدجال يستعين بالشياطين- للأعرابي: أريت إن بعثت لك أباك وأمك- أحييت لك أباك وأمك- أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيتمثل له شيطان في صورة أبيه وأمه لهذا الأعرابي يقول: يا بني اتبعه فإنه ربك).

    المشكلة في عوام الناس أنهم سيتابعوه بسبب أن ما عندهم بصيرة وعلم، واحد يحيي له أباه وأمه ويخرجهم، ثم يقولان له :يا بني اتبعه فإنه ربك، العاطفة سوف تأخذه ويتبع الدجال.

    وإن من فتنته أيضاً أن يسلط على نفس واحدة (فيقتلها فينشرها بالمنشار حتى تلقى شقين، ثم يقول الدجال للناس: انظروا إلى عبدي هذا، فإني أبعثه ثم يزعم أن له رباً غيري) هذا مسلم مؤمن كما سيمر معنا، فيبعثه الله وليس الدجال، لكن الدجال يري الناس أنه بعثه، وفعلاً يلتئم الشقان: (فيقول الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربي الله -لأن هذا مسلم- وأنت عدو الله أنت الدجال) وهنا نأخذ درساً: أن الدجال إذا كان يتعاون مع الشياطين في ذلك الوقت في إضلال الناس، أفلا يكون حري بالدعاة إلى الله عز وجل أن يتعاونوا مع بعضهم لهداية الناس، إذا كان الدجال والشياطين يسخرون قدراتهم وإمكاناتهم مجتمعة، لكي يضلوا الناس، أفلا يكون حري بنا معشر الدعاة إلى الله أن نتعاون معاً وأن نتكاتف معاً وتتعاضد جهودنا معاً لتصب في مصبٍ واحد وهو: هداية الناس إلى الله عز وجل وإلى الطريق المستقيم، يجب أن نتعظ فعلاً، إذا كان هؤلاء الدجاجلة يفعلون هذا، فلماذا نحن لا نسرع للاتحاد والانسجام والتوافق حتى يحدث ذلك؟!

    1.   

    أتباع الدجال

    أما أتباع الدجال، فإنهم أصناف، قال عليه الصلاة والسلام: (أكثر أتباع الدجال اليهود والنساء) وقال: (ينزل الدجال في هذه السَّبِخة بمر القناة -وادي قرب المدينة - فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه) أي: الرجل العاقل المسلم يذهب إلى نساء أهل بيته يربطهم؛ مخافة أن يخرجن النساء للدجال فيؤمنون به، يقعون في فتنته.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة) نوع من اللباس على الكتف يجلل البدن كله، إذاً: الدجال يتبعه يهود ويتبعه رجال ونساء لكن النساء أكثر.

    ويتبعه كذلك من العجم أقوام كثيرون ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرّقة) المجان: جمع مجن، والمجن: هو الترس، والمطرقة أو المطرّقة هي: صفة لهذه التروس، يعني كأن وجوه الناس الذين يتبعون الدجال عريضة وأنها مكتنزة لحماً، شبهها بهذه التروس، وهؤلاء منهم عجم ومنهم ترك، ولكن منهم من العرب من يفتن ويتبع الدجال.

    وهنا -أيها الإخوة- نلاحظ أمراً وهو تواطئ اليهود مع الدجال، الذي جاء على أنه يهودي أيضاً، وهذا يبين أن دور اليهود لا ينتهي إلى قيام الساعة، وأنهم يريدون أن يهيمنوا على العالم ويسيطرون عليه، ولذلك اليهود في عقيدتهم أن الدجال اسمه المسيح بن داود، وأنه يخرج في آخر الزمان، وأنه يرد إليهم الملك.

    فينبغي أن نحذر من اليهود في كل عصر ووقت، وأن نعلم أن اليهود هم أعداؤنا دائماً وأبداً، وأن اليهود مثلما وضعوا السم للرسول صلى الله عليه وسلم فمات مسموماً في ذراع الشاة التي قدمها اليهود له؛ فإنه مؤامرتهم على الإسلام لا تنتهي، وأنه سيكون من أواخر مؤامراتهم أنه يخرج منهم فقط سبعون ألفاً يتبعون الدجال، ويقاتلون مع الدجال وهذا شأنهم؛ لأنهم أعداء الله عز وجل، الذين أعرضوا عن دين الله فأضلهم الله سبحانه وتعالى.

    وأما من يتبع الدجال فهم الأعراب، وهم عوام الناس، وجهلة الناس، ويدل عليه حديث الأعرابي الذي ذكرنا في إحياء الدجال لأبيه وأمه بقدرة الله عز وجل، وهنا نقف وقفات، فنقول: أولاً: إن النساء لا بد أن يكون لهن نصيب عظيم من الاهتمام بالتربية والتعليم، وأنه نتيجة فشو الجهل في النساء، وغلبة العاطفة عليهن؛ فإنه يحدث منهن انجرافات وانحرافات كثيرة، ولذلك على المرأة المسلمة أن تتقي الله عز وجل، وأن تحرص على تعليم وتربية نفسها على الإسلام، ونحن علينا أن نحرص على نسائنا من أخوات وأمهات وعمات وخالات وجدات إلى آخره من القريبات فنربيهن؛ لأنه بسبب عدم تربية النساء تحصل شرور كثيرة.

    ومنها على سبيل المثال: أن تعيش في جهل وغفلة، ولذلك تفتن به، فأول ما يأتي تتابعه، ولكن لا شك أنه سيصمد من النساء كثيرات، وكذلك فإننا نعلم درساً عظيماً من هذه القصة، وهي أن عوام الناس الذين يغلب عليهم الجهل، ويغلب عليهم الغفلة يسهل خداعهم بشكل كبير

    ولذلك لاحظ الآن أي فتنة تثور وأي واحد يقول: يا أيها الناس هلموا إلي، ويعرض أشياء يضل بها الناس، كثير من العوام يتابعونه، لأن العوام مشكلتهم أنهم لم يتربوا على الإسلام، ولذلك أي فتنة تكون من أكبر أسبابها قيام العوام، ولذلك ينبغي أن يكون للدعاة إلى الله عز وجل تركيز وتوجيه كثيفين نحو العوام؛ لأن العوام إذا لم يضبطوا يحصل بسببهم فتن كثيرة، لاحظ الآن لما حصلت هذه المشكلة الأخيرة، العوام ما هو موقفهم، خوف ذعر، نشر أخبار، وبلبلة وهروب، وتصرفات عشوائية من تحويل العملة وو...، فإذاً هذه مشكلة العوام في كل بلد وفي كل زمان، ولذلك يحصل بسبب ثورانهم فتن وقتل وأمور كثيرة من التهاويل، ولذلك لا بد أن يقوم العلماء بواجب الدعوة ليلتف العوام حولهم، ولا بد أن يقوم طلبة العلم والخطباء وأئمة المساجد، والناس الأخيار وأهل الدين والدعاة والمربون والقدوات، ولا بد أن يظهروا بين الناس.

    ولكي نضبط العوام لا بد أن يكون هناك قدوات تلتف حولها العوام، ثم لا بد أن يكون هناك تركيز إعلامي إسلامي لتوجيه العوام؛ وضبط العوام، لأن العوام أكثرهم مغفلين فعلاً، ولذلك لا بد من وضع خطط إسلامية لاحتواء العوام وتوجيههم، وتوضيح القدوات للعوام، وتربية العوام على الإسلام، وكلما تربى الشعب أكثر؛ كلما حصل الهدوء والطمأنينة في البلد أكثر.

    1.   

    حماية مكة والمدينة من المسيح الدجال

    ومن الأمور أن الدجال لن يسمح له بدخول مكة والمدينة ، قال صلى الله عليه وسلم: (على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال).

    وقال: (لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذٍ سبعة أبواب على كل باب ملكان) وقال: (وإنه يمكث في الأرض ولا يقرب أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد المدينة ، والمسجد الأقصى، ومسجد الطور).

    هناك مدينتان لا يدخلهما: المدينة ومكة، وهناك أربعة مساجد لا يقترب منها الدجال: مسجد مكة أي: الكعبة، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، ومسجد الطور .

    وقال عليه الصلاة والسلام: (يأتي المسيح من قبل المشرق، وهمته المدينة ، حتى إذا جاء دبر أحد) يعني:خلف جبل أحد وفي رواية -أنه يصعد أحد ويرى من بعيد يقول لمن حوله: أترون القصر الأبيض- يقصد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: (حتى إذا جاء دبر أحد تلقته الملائكة فضرب وجهه قبل الشام هناك يهلك -يعني: في الشام -) مرتين قالها صلى الله عليه وسلم.

    وقال: (ليس من بلد إلا سيطأه الدجال، إلا مكة والمدينة ، وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة حافين -محيطين- تحرسها، فينزل بـالسبخة) وفي رواية: (فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه) أي: ينزل ويعسكر هناك مع من معه.

    وفي رواية: (حتى ينزل عند الضريب الأحمر -موقع قرب المدينة - عند منقطع السبخة -وهي: الأرض المالحة التي لا تنبت نباتاً- فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، يخرج إليه منها -إلى الدجال- كل كافر ومنافق) أي: المدينة ومكة فيها كفرة وملحدين وتاركين للصلاة ومستهزئين بالدين، والآن مكة والمدينة فيها تراك صلاة بالكلية، وفيها أناس يسبون الدين، وفيها ملاحدة، فإذاً لما يأتي الدجال صح أنه لا يدخل مكة والمدينة ، لكن المنافقين والكفار في مكة والمدينة ترجف بهم الأرض فيخرجون إلى الدجال، ولا بد أن يفتنوا؛ لأنهم كفار ومنافقون، ويبقى صلحاء الناس في المدينة ومكة ، وهي كالحصن الحصين لا يستطيع الدجال أن يدخلها.

    ولذلك جاء في حديث تميم الداري لما وجدوا الدجال موثقاً وحدثوه وحدثهم، قال لهم: (وإني يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة ، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً، ممدوداً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونه) وهذا يعتبر من فضائل مكة والمدينة .

    وهذا يقودنا إلى درس مهم، وهو أهمية الأماكن المقدسة في صد أعداء الإسلام، الرسول صلى الله عليه وسلم وضح أن لـمكة والمدينة مناقب، وأن لها أدوار في صد أعداء الإسلام، ولذلك لا بد من العناية بالأماكن المقدسة وحمايتها وصيانتها عن كل كافر وباغ وعدوٍ وعن كل شر وفتنة، وعن كل شيء مخالف للدين؛ لأن هذه الأماكن المقدسة تلعب أدواراً عظيمة في صد أعداء الله، وإن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها، وإن الإيمان يتردد بين المدينتين بين مكة والمدينة ، وإن الحجاز أرض مباركة، بارك الله فيها وجعل الإيمان يأوي إليها، ولذلك فإن الإجرام في مكة والمدينة ، ليس كالإجرام في غيرهما من البلدان.

    1.   

    مدة مكوث المسيح الدجال في الأرض

    أما عن مدة مكوث المسيح الدجال فإنها أربعين يوماً، قال الرسول صلى الله عليه وسلم، لما سئل: ما لبثه في الأرض؟ قال: (أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم) .

    فإذاً عندنا أول يوم يمر كالسنة، وثاني يوم يمر كالشهر، وثالث يوم يمر كالأسبوع، والأيام الباقية وهي سبعة وثلاثين يوماً مثل أيامنا هذه أربع وعشرين ساعة، كما نحس بها.

    أما معنى اليوم كالسنة: أي نحن نمكث في السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، نمكث فترة معينة نحس بها، فذلك اليوم الأول من الأربعين من طلوع الشمس إلى غروبها أو انقضاء اليوم كله يمر مثل السنة في الطول، يعني: يمر بطيء جداً، كمرور السنة.

    وهنا انتبه الصحابة إلى مسألة مهمة، وقد كانوا أتقياء يهتمون بأمور العبادات وتصحيح العبادات (قالوا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟) يعني هذا اليوم الطويل جداً جداً، مثل السنة يكفي أن نصلي فيه خمس فروض فقط؟ يعني يصلي الفجر ثم نجلس حتى تعتدل الشمس وسط النهار، أي: نجلس مائة يوم حتى تعتدل، ثم نصلي الظهر، يعني خمسة فروض تكفي، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ولكن اقدروا له قدره) أي: انظروا كم بين الفجر والظهر في الأيام العادية، وهذه نقربها لتوضيح المقصود بالحديث، مثلاً: بين الفجر والظهر سبع ساعات مثلاً، إذاً: إذا جاء الفجر، وطلع اليوم الذي ظهر فيه المسيح الدجال، أول يوم الذي هو من الأربعين، اقدروا له قدره، يعني: اجلس بعد الفجر مثلاً سبع ساعات، ثم صلي الظهر، وإن كانت الشمس ما زالت تطلع لأن اليوم طويل جداً مثل السنة، ثم مثلاً بين الظهر والعصر ثلاث ساعات، تجلس ثلاث ساعات وتصلي العصر، وإن كان قرص الشمس ما طلع وهكذا تقدر بين العصر والمغرب، وبين المغرب والعشاء، ويبن العشاء هذا والفجر الذي بعده، ويصلي المسلمون الصلوات بالتقدير في ذلك اليوم الذي يمر في بطئه كالسنة حقيقة لا مجازاً، فالشمس تجري فيه ببطء شديد جداً، انظر نصوص الشريعة في تكاملها عندما نقول: الشريعة تصلح لكل زمان.

    استفاد العلماء من هذا الحديث في القطب الشمالي والقطب الجنوبي، مثلاً القطب الشمالي يكون فيه النهار ستة أشهر، والصيف ستة أشهر مثلاً والليل ستة أشهر، افرض أن مسلماً وصل إلى هناك وعاش هناك، أو أسلم أناس في ذلك المكان، كيف يصلي المسلمون في ذلك المكان، وعندهم ستة أشهر نهار وستة أشهر ليل؟ وليس عندهم غروب الشمس وزوال الشمس حتى يعرفون أوقات الصلوات، فكيف يصلي المسلم الذي يعيش في القطب الشمالي؟

    لقد أفادنا حديث الدجال كيف نصلي، وذلك بالتقدير، يصلي الفجر أول ما تشرق الشمس، بعدها يصلي الظهر، بعدها يصلي العصر مع أن الشمس ما زالت، ثم يصلي المغرب والعشاء والشمس ما زالت موجودة، فأي واحد في القطب الشمالي يصلي بهذه الطريقة، بأخذ الحكم الشرعي من حديث الدجال، إذاً حديث الدجال أفادنا، فلا يقول أحد: ما لنا وهذه الأحاديث وما لنا علاقة فيها، كلا.

    وهنا يظهر -أيها الإخوة- حرص الصحابة على السؤال عن العبادة وتصحيحها، وهو أمر يفوت أكثر الناس الآن، فهل يسأل عن صحة العبادة، وما هي شروطها؟ هل هي صحيحة؟كيف تصح؟ هذا أمر ينبغي أن نتعلمه نحن.

    1.   

    طريق النجاة من الدجال

    نأتي بعد ذلك إلى طريق النجاة من الدجال، ما هي طريقة النجاة من الدجال وهو يطلع بهذه الفتن العظيمة.

    أول شيء ما هو موقف الناس من الدجال إذا ظهر؟

    أولاً: إعداد العدة لحربه كما سيفعل المسلمون في ذلك الزمان .

    ثانياً: أن الناس سيتفاوتون، فمنهم من يستطيع الوقوف أمام الدجال ومنهم من لا يستطيع، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (من سمع بالدجال فلينأ عنه -فليبتعد عنه- فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث فيه من الشبهات) أي يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: إذا سمع واحد بالدجال فليهرب منه، يقول: إن الرجل يأتيه ويظن أنه مؤمن، وأنه لا يمكن أن يفتن بالدجال، وأنه يعلم أنه دجال، ولكن من كثرة ما يرى منه من الأشياء يفتن به ويتبعه، وهذا الفرار موجه للناس الذين يعلمون من أنفسهم أنهم لن يصمدوا أما الدجال.

    أما إذا هجم الدجال على المسلمين وحاصرهم وهاجمهم وباغتهم، فلا بد أن يصمدوا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (فامرؤ حجيج نفسه) كل واحد مسئول عن نفسه.

    ثالثاً: الاستغاثة بالله عز وجل، يقول عليه الصلاة والسلام: (فمن ابتلي بناره، فليستغث بالله).

    رابعاً: وليقرأ العشر الآيات الأولى من سورة الكهف، فلا بد من حفظها الآن، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام، قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من فتنة الدجال) وأما إذا علم بأنه لن يستطيع الصمود، فإن عليه أن يهرب منه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ليفرن الناس من الدجال في الجبال).

    وهنا يوجد درس مهم في قوله عليه الصلاة والسلام: (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه، مما يبعث فيه من الشبهات) هذا الدرس هو: إذا حصلت شبهات أو شهوات؛ فإن على الإنسان أن يبتعد عن الشبهات والشهوات؛ لأن هناك بعض الناس يقولون: لا نريد أن نتحدث، أعطني الآن أسوء مكان أنا مستعد أذهب إليه، بعض الناس عندهم غرور، فتجده يقول: أنا لا أتأثر بأفسق موسيقى موجودة، هات أنا مستعد أسمعها من أولها إلى آخرها وما أتأثر، فبعض الناس عندهم هذه النفسية، أو يقول: أرني أجمل امرأة موجودة وأنا لن أفتن، أنا أعرف نفسي أنني قوي الإيمان، ولا تؤثر فيني هذه المرأة، أو يقول: هات أسوء فلم موجود، أنا مستعد أراه وإيماني لا يتزلزل، وأنا قوي، ولذلك هذا الحديث يعلمنا حقيقة، أن الإنسان المسلم ينبغي أن يبتعد عن مواطن الشبهات والشهوات، وألا يقول: أنا أذهب وأصمد، لا. لا تذهب أصلاً، ولذلك بعض الناس يقول: ما فيها بلاد الكفار، أنا مستعد أذهب إلى هناك وأدخل أكبر خمارة، وأكبر بيت دعارة، وأنا مستعد أرجع وأبقى مسلماً، فنقول له: يا مسكين، تضمن نفسك، تظن أنك ملكت هداية نفسك وأنه لا يمكن لأحد أن يضلك، ولذلك الله عز وجل أمرنا بالابتعاد عن أسباب الفتن، وما قال يا أيها الناس امتحنوا أنفسكم وادخلوا في الفتن، هذا ما هو مأمور به أبداً، ما قال يا أيها المسلم: اخلُ بأجمل امرأة في الدنيا واختبر نفسك، هذا منطق شيطاني أعوج لا يمكن للمسلم الحق أن يقبل بهذا أبداً.

    وأما إن كان مع المسلمين الذين سيكون لهم إمام وهو المهدي الخليفة العادل، الذي سيظهر؛ فإن على المسلمين في ذاك الزمان أن يكونوا معه، وأن يلوذوا به، وهكذا.

    ثم إنه ينبغي أن نعلم أولادنا العشر الآيات الأولى من سورة الكهف التي تعصم من الدجال، وقيل السبب أن هذه الطليعة من السورة فيها ذكر أن الله أمن فتية أهل الكهف من الطاغية الجبار الذي أراد أن يبطش بهم، فأنقذهم منه، فبقيام الإنسان المسلم بحفظه لهذه الآيات، ومعرفة معناها، سيستطيع أن ينجو من الطاغية، وهو الدجال؛ وقيل لأن في هذه العشر الآيات من العجائب والآيات التي إذا وقرت في قلب المؤمن جعلته لا يفتن بالدجال ولا يستغرب منه، لأنه عندما يرى قصة أهل الكهف وكيف نجو؛ فإنه يتذكرها عند مقابلته للدجال.

    خامساً: من وسائل العصمة من الدجال: اللجوء إلى أحد الحرمين الشريفين والاعتصام بهما؛ لأن الدجال لا يمكن أن يدخل مكة والمدينة .

    سادساً: من الوسائل كذلك وهذا مهم لنا أيضاً: الاستعاذة بالله من فتنة الدجال في الصلاة، فنحن نقول نحن في التشهد قبل السلام: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.

    أمرنا بالاستعاذة من فتنة الدجال ولا ندري متى سيظهر.

    وقد كان طاوس رحمه الله -وهو من علماء السلف- يأمر ولده بإعادة الصلاة إذا ما استعاذ من هذه الأربع ومنها فتنة المسيح الدجال؛ حرصاً من السلف على تربية أولادهم، وتعليمهم على الاستعاذة من فتنة الدجال.

    سابعاً: معرفة أسماء الله وصفاته؛ لأن الدجال أعور والله ليس بأعور، إن الله سميع بصير، ليس كمثله شيء، والله سبحانه وتعالى جميل ليس فيه عيب، قدوس منزه عن العيوب والنقائص، من يدرك هذا الأمر الذي وقر في نفسه توحيد الأسماء والصفات نجا، ولذلك سيحرم المعتزلة والجهمية من النجاة من الدجال ، وغيرهم من الناس المنحرفين في الأسماء والصفات.

    ثامناً: وكذلك تبيين أمر الدجال للناس من أسباب الوقاية منه، وهذا ما ينبغي أن يقوم به العلماء وطلبة العلم والخطباء وغيرهم، والرسول صلى الله عليه وسلم ما قال: الدجال لم يأت للناس الآن في عهدي، فلا أذكر به، وإنما قام وذكر به في عدة مجالات.

    وكذلك تربية الأولاد والنساء والرجال عموماً، وتوعيتهم بهذا، فإنه قد ورد في حديث صححه الهيثمي في مجمع الزوائد : (لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره) أي لا تجد أحداً يذكره ولا يتعرض له، ويترك الأئمة ذكره على المنابر.

    إذاً: يظهر الدجال في وقت عم فيه الجهل، حتى إذا صار لا يذكر بفتنة الدجال أصلاً، ولا يطرأ ذكره على المنابر، فعند ذلك يظهر الدجال.

    1.   

    شاب مؤمن يقف أمام الدجال

    وهناك مقابلة عظيمة جداً ينبغي الوقوف عندها طويلاً، وهي مقابلة شاب من أهل المدينة للدجال وحدوث مواجهة عنيفة جداً، وقيمة جداً وجميلة جداً نقلها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي الدجال وهو محرم عليه من أن يدخل المدينة ، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة ، فيخرج إليه يومئذٍ رجل هو من خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال للناس الذين معه: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. فيقتله، ثم يحييه، وفي رواية: فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض -بين الشقين مسافة رمية السهم- ثم يدعوه فيقبل يتهلل وجهه -يضحك هذا الشاب، يعني: يحييه الله- فيقول الشاب للدجال: والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني اليوم) لأن الشاب هذا يعلم بأن الدجال سيشقه نصفين، فلما وقع وشقه نصفين وأعاده، علم الشاب أن هذا هو الدجال، بينما الذين مع الدجال حصل لهم زيادة فتنة، قالوا: هذا هو ربنا، يحي الموتى.

    وروى مسلم في صحيحه أيضاً: (يخرج الدجال، فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فتلقاه مسالح الدجال -أي: خفراء وحراس وأعوان الدجال فيمسكونه- فيقولون له أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، قال فيقولون له هؤلاء المسالح: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحداً دونه؟ -أليس الدجال نهاكم أن تقتلوا أحداً إلا بعد الرجوع والاستشارة- قال: فينطلقون به إلى الدجال. فإذا رآه المؤمن، قال: يا أيها الناس! -للذين مع الدجال- هذا المسيح الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فيأمر به الدجال فَيُشبَّحُ -أي: يمد ليضرب هذا الشاب- فيقولوا: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً. قال: فيقول: أو ما تؤمن بي؟ قال: فيقول: أنت المسيح الكذاب، قال: فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يُفرَّق بين رجليه، قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين. ثم يقول له: قم، فيستوي قائماً. ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة. قال: ثم يقول: يا أيها الناس! إنه لا يفعل بأحد بعدي من الناس -لا يسلط- قال: فيأخذه الدجال ليذبحه، فيُجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نُحاساً فلا يستطيع -أن يذبحه- إليه سبيلاً. قال: فيأخذ برجليه ويديه فيقذف به إلى النار التي معه، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي به في الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين) لأنه شهد أنه الدجال أمام الناس ورغم كل ما تعرض له.

    أهمية العلم الشرعي في الفتن

    أيها الإخوة: الدرس العظيم هو: أهمية العلم الشرعي في الفتن، الناس الآن مساكين إذا حصلت فتنة قالوا: ما هو الحق؟ فيذهبون يميناً وشمالاً، ويؤيد أناس هؤلاء ويؤيد أناس آخرون أولئك وأناس تختلط عليهم الأمور، وأناس يتحيرون ويضطربون، فما هو العلاج الفعال في الفتن؟

    الجواب: التعلم، ولذلك أوصيكم ونفسي بتعلم العلم الشرعي، فإن هذا الشاب لولا لم يكن عنده علم مسبق بصفة الدجال، ما كان سيكتشف الدجال فالآن هذه الأحاديث معروفة لدى هذا الشاب وهو من أهل المدينة ، ولذلك كشف أمر الدجال للناس.

    الوقوف ضد الظلمة

    وكذلك من الفوائد: القيام في وجه الظلمة والإنكار عليهم للمستطيع القادر، وليس أن يذهب واحد جبان فيتشجع في بداية الأمر، وإذا وصل إلى الجبار والطاغية تزلزل واعترف بالباطل وساخت رجلاه في الأرض وسبح بحمد هذا الطاغية، لا يخرج للمجابهة إلا المستعد، وهذا درس آخر، ينبغي على الذين يخرجون لمواجهة أهل الباطل أن يكونوا مستعدين، ولذلك حصل أن بعض المتحمسين لما ذهب لمناقشة بعض الحداثيين أخفق بسبب عدم وجود خلفية في الأدب وأنواع الأدب، ولذلك جاء له هذا الحداثي وأفحمه وأسكته، ولا يجوز أن يناقش أهل البدعة إلا المتمكن.

    ولذلك بعض الناس يقول: أنا مستعد أناقش أكبر رافضي، وأكبر خارجي، وأكبر معتزلي، وأكبر جهمي، وأكبر نصراني، ثم يأتيه القس النصراني، وهو عنده علم وسعة اطلاع، فيقول له مثلاً: إن مريم كذا والمسيح وعيسى، ويثبت له أنه ابن الله، وصاحبنا مكتوف اليدين لا يستطيع أن يخرج جواباً، ولذلك لا يجوز أن يخرج لمناقشة أهل البدع وأهل الباطل أو أهل الجبروت والطغيان إلا المتمكنون، أما الضعفاء فيعتزلونهم؛ لأنه على الأقل إذا ما استطاع أن يقنعه؛ فإنه سيقتنع من شبهات ذاك الرجل.

    1.   

    هلاك الدجال والقضاء على فتنته

    قال عليه الصلاة والسلام: (فبينما هم) يعني المسلمين يعدون العدة لمواجهة الدجال (يعدون للقتال ويسوون الصفوف إذا أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم، وفي رواية: فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق) وهي إلى الآن مكان معروف، لو تذهب إلى واحد من أهل دمشق ، وتقول: أين المنارة البيضاء؟ فيدلك عليها، وعيسى ابن مريم ما مات بل رفعه الله حياً بجسده وروحه، وسينزل للقضاء على الدجال وتطبيق شرع الله في الأرض. (فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين -أي: ثوبين مصبوغين- واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه يقطر ماءً وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه -عيسى ابن مريم- ينتهي حيث ينتهي طرفه) أي: في دائرة نصف قطرها مد بصر عيسى عليه السلام، كل الكفار في تلك الدائرة يموتون.

    (فإذا نزل عيسى ابن مريم ويكون المسلمون قد استعدوا للصلاة، وإمامهم المهدي وقائدهم المهدي الذي سيظهر في ذلك الوقت، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذا نزل عليهم عيسى، فيرجع ذاك الإمام؛ لأنه عيسى أفضل منه، فيريد أن يتقدم الفاضل للإمامة، فيمشي القهقرى ليتقدم عيسى، فيضع عيسى يده يبن كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصلي، فإنها لك أقيمت) وهذه تكرمة من الله لهذه الأمة أن يؤم عيسى رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيصلي بهم إمامهم.

    فإذا انصرفوا من الصلاة، وذهبوا إلى بيت المقدس لمواجهة الدجال، الذي سيكون قد توجه باليهود إلى هناك، قال عيسى: افتحوا الباب، فيفتحونه، ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وساد، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، فينطلق هارباً، فيدركه عيسى عليه السلام بباب لد، وهو المكان المعروف الآن في فلسطين ، الذي بنى فيه اليهود مطاراً معروفاً أو قاعدة عسكرية. فعيسى سيدرك المسيح الدجال في بلدة اللد فيقتله، فينماع الخبيث، كما ينماع الملح في الماء ولكن عيسى يدركه فيضربه بحربة في يده، فيريهم أثر الدم على هذه الحربة، فيقتل مسيح الهداية مسيح الضلالة الدجال بهذه الحربة.

    ثم يهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله عز وجل يتواقى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا دابة، ولا حائط، إلا شجر الغرقد الذي يزرعه اليهود الآن في فلسطين ، فإنها من شجرهم لا تنطق، كل شيء ينطق، يقول: يا عبد الله يا مسلم، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، وبذلك يكون المسيح الدجال قد انتهى وتزول الفتنة، ثم تقع بعد ذلك أحداث أخرى، ويموت المهدي ويمكث سبع سنين ثم تحل البركة في الأرض، ويعم الإسلام، ولا يبقى شرك ولا كفر، ويخرج يأجوج ومأجوج، وتحدث بعد ذلك أشياء أخرى ثم تخرج الأرض بركاتها، إلى آخر القصص المعروفة في ملاحم آخر الزمان.

    وهنا ينبغي أن نعتقد اعتقاد جازماً بخروج الدجال، وإنني أخبركم أن الفتنة بالدجال موجودة قبل أن يظهر، فيوجد من هذه الأمة طوائف من الجهمية والخوارج وأبو علي الجبائي من المعتزلة ومن تابعه أنكروا خروج الدجال، ومن المحدثين محمد عبده الذي ظهر في مصر في أول هذا القرن أنكر الدجال وقال: الدجال هذا كناية عن ظهور الشر والفساد وما في شيء حقيقي اسمه الدجال، وتابعه أيضاً محمد فهيم أبو عبية في تعليقه على الملاحم لـابن كثير فقال: لا يوجد دجال ولا شيء وإنما هو الشر والفساد، وكذلك فإن بعض الناس قالوا: إن الدجال سيظهر لكن ليس معه فتن، ما في جنة ولا معه نار، ولا يحي ولا يميت، ولا يفعل أشياء، وقالوا: لن تظهر على يديه خوارق، ومع الأسف كان منهم العلامة محمد رشيد رضا رحمة الله عليه، مع أنه صاحب علم وفضل لكن أخطأ في هذه المسألة، ونحن نعتقد ما اعتقده صلى الله عليه وسلم من خروج الدجال ومن وقوع كل هذه الأشياء فيه.

    1.   

    فوائد جلية من أحاديث الفتن

    ونختم كلامنا هذا بالتذكير ببعض الأمور، ألا وهي:

    أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال: الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته؛ لما يرى من نظر الرجل) انظر خاف علينا أكثر من المسيح الدجال من الشرك الخفي؛ نظراً لانتشاره وشيوعه وحصوله في كل الأزمان، أما الدجال فهو محصور في وقت معين.

    وقال أيضاً: (أخوف على أمتي من الدجال الأئمة المضلون) يظهر أناس يدعون العلم أو علماء منحرفون ويفتون الأمة بفتاوي غلط، ويضللون الناس، ويقولون: اتبعوا القائد الفلاني ويمشي الناس وراء القائد الفلاني اعتماداً على فتواهم، وهكذا، هذا كله من الأشياء التي خشيها صلى الله عليه وسلم علينا، فينبغي الانتباه من الشرك الخفي، والانتباه من الأئمة المضلين، والاعتصام بالعلماء الحقيقيين المخلصين لله عز وجل، واتباع الدليل.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوءهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال) فظهر أن حركة الجهاد في هذه الأمة هي حركة متتابعة، وأن أولها وآخرها متصل مع بعضها، ولا ينقطع الجهاد حتى تقاتل آخر الأمة الدجال، فأثبت أن الجهاد باقي إلى قيام الساعة.

    وكذلك فإنه مما ينبغي أن نتعلمه الثبات في الفتن، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (يا عباد الله فاثبتوا، إني سأصف لكم وصفاً) إلى آخر الحديث .

    وكذلك فإنه ينبغي ألا نشعر بالتشاؤم وفقدان الثقة من أحاديث الفتن، لأن بعض الشباب عندما يقرأ أحاديث الفتن يقول: فقدنا الأمل وما في مجال للعمل وهكذا.

    وكذلك هناك نقطة مهمة أخرى، نلحظ من حديث الدجال وغيره أن القتال في آخر الزمان في ذلك الوقت سيكون بالسلاح الأبيض، الآن موجود قنابل ورشاشات وأسلحة ومدافع وطائرات وبوارج وصواريخ فما هي مصير هذه الأشياء؟

    نقول: إنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4] ومادام أخبر أن القتال سيكون بالسلاح الأبيض على هذه الخيول، فلا بد أن يحدث، كيف سيحدث؟ هل ستنتهي هذه الحضارة والتكنولوجيا؟ وتقوم حرب مدمرة، وتفنى كل هذه الأشياء من المنشآت العسكرية والأسلحة إلى آخره، ويرجع الناس إلى حياتهم البدائية؟ الله أعلم كيف سيحدث.

    لكن لا بد أن يحدث ذلك لأننا نحن المؤمنين نصدق أن عيسى سيقتل المسيح الدجال بالحربة، الدجال معه سيوف، وأسلحة المسلمين هي السيوف، وهم يقاتلون على خيول ولا بد أن يحدث ذلك، أما كيف ستتطور الأمور الله أعلم، ثم إن علماء الكفار يقولون: إن الحياة على وجه الأرض يمكن أن تنتهي بثلاث دقائق باستخدام هذه الأسلحة المدمرة، فإذاً عقلاً لا يستبعد انتهاء الحضارة باستخدام الأسلحة، ممكن يحصل أي شيء وتنتهي هذه الحضارة، ويرجع الناس إلى عصور بدائية، يفنى خلق كثير جداً والباقون يرجعون الحياة البدائية، وهذا ممكن عقلاً وليس هناك أي إشكال، لكن متى؟ كيف؟ هل سيحدث بهذه الطريقة أم بغيرها؟ الله أعلم.

    ولذلك بعض الناس عندما يقرءون هذه الأحاديث يقولون: والله مادام القتال بالسيوف ما في داعي نعد العدة، ولا شيء، إن هؤلاء يخالفون السنن الربانية، ويخالفون مفهوم الإعداد الجهادي الذي أمر الله به، قال الله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] صواريخ طائرات دبابات قنابل وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] فنحن الآن في هذا العصر، عندنا جهاد وقتال وعندنا كفار، فلا بد أن نقاتلهم بما معنا من الأسلحة، ونعد لهم ما استطعنا، فإذا جاء الوقت الذي سيكون فيه القتال بالسلاح الأبيض، سنضطر إلى استعمال السلاح الأبيض، فلا يقول قائل: ليس هناك أمل الآن في القتال مادام المسألة ستنتهي على السيوف، كلا. لا بد من إعداد الجهاد، وهذا دين واقعي ينتشر في الأرض بطريقة واقعية، ولا بد أن ينتشر الجهاد بالسلاح الموجود، ولذلك لا بد من أخذ العدة، والتوكل على الله عز وجل.

    كذلك لا بد من عدم تضخيم أحاديث الفتن، بعض الناس يضخمون أحاديث الفتن جداً يقول: خلاص ما في أمل الآن شغلتنا نجلس وننتظر المهدي والمسيح ابن مريم، فلا يوجد أمل أبداً في أن يظهر المسلمون على الكفار، والكفار أقوى منا، كلا وألف كلا، إن المسلمين إذا أعدوا العدة؛ فإن الله سينصرهم، وقد تكفل الله بنصرهم ولا بد ولا يوجد مانع أبداً أن نظهر على الكفار وأنتم ترون ما حدث على أرض أفغانستان ، فلو أن هذا النموذج توسع وتوسع وشمل بلاد المسلمين، وقامت حركة الجهاد في سبيل الله؛ لطهرت الأرض من الكفار ببساطة، ولكن المسألة لا بد أن تكون شاقة، ولا يمكن أن ينصر الله الكسالى والقاعدين، ولا يمكن أن الدين ينتشر هكذا سلمياً، أي: أن المسلمين ينتصرون وهم قاعدون في بيوتهم، فلا بد من إعداد العدة، وعدم تضخيم هذه الأشياء بحيث إننا نرهب ونخاف، كلا. بل إننا سنجري على هذه السنن الربانية والكونية، ونأخذ بالأسباب، ونعد أنفسنا، ونعد العدة لتلك الأيام التي سيكون فيها هذا الجهاد المبارك، الذي سيكون انطلاقة بإذن الله عز وجل لإقامة الخلافة في الأرض وتحكيم منهج الله سبحانه وتعالى فيها.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين بالغيب، وأن يجعلنا صدقاً عند اللقاء، وأن يجعلنا من الشاكرين في البأساء والضراء وحين البأس، وأن يجعلنا من الصابرين إذا قامت المحن، ومن الثابتين إذا نزلت الفتن، وإذا أراد بعباده فتنة أن يقبضنا إليه غير مفتونين، أقول قولي هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766685098