وبعـد:
فسنتحدث -أيها الإخوة- في هذه الليلة -إن شاء الله- عن موضوع من موضوعات سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض ما يستفاد منها، وهو: "المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار" التي حصلت في المجتمع المدني عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .
أما المدينة وكان اسمها القديم يثرب فكانت واحة خصبة التربة تحيط بها الحرات من جهاتها الأربع، وأهمها: حرة واق من الشرق، وحرة الوبرة في الغرب.
وكانت حرة واق أكثر خصوبة وعمراناً من حرة الوبرة، ويقع جبل أحد شمال المدينة ، وجبل عير في جنوبها الغربي، وتقع فيها عدة وديان أشهرها وادي بطحان ومذيميم ومأزور والعقيق، وهي تنحدر من الجنوب إلى الشمال حيث تلتقي عند مجمع الأسيال من رومة.
وكان عدد هؤلاء بالمئات، حتى إن المؤرخين قد ذكروا أن المقاتلين من بني قينقاع كانوا سبعمائة، ومثلهم تقريباً من بني النضير، وما بين السبعمائة والتسعمائة من بني قريظة، فالمقاتلون من يهود القبائل الثلاث يزيدون قليلاً على الألفين، وهناك غيرهم ممن يسكنون في أماكن متناثرة من يثرب .
وقد خضع ذلك المجتمع لسيطرتهم قبل أن يقوى كيان العرب في ذلك الوقت، ونقلوا من الشام أفكاراً مثل: بناء الآطام وهي الحصون، حيث بلغ عددها في يثرب تسعة وخمسين حصناً، وكذلك حملوا معهم بعض الخبرات الزراعية والصناعية من بلاد الشام مما أدى إلى ازدهار البساتين في المدينة ، وكذلك تربية الدواجن والماشية، وبعض الصناعات الأولية كالنسيج والأواني، وكان على رأس الأعمال الاقتصادية التعامل بالربا الذي يتقنه اليهود في كل مكان.
ولما هاجر هؤلاء الأزد واستقروا بـيثرب إلى جانب اليهود، وكان هؤلاء قد أحكموا سيطرتهم عليها -كما قدمنا- ويمكن أن يقدر عدد الأوس والخزرج من المقاتلين الرجال بأربعة آلاف وهو ما قدموه لجيش الفتح الإسلامي الذي فتح مكة .
لكن هؤلاء المتنافسون من قبائل العرب فطنوا إلى خطورة الإجهاز على بعضهم البعض، فسعوا إلى المصالحة، حتى يكون هناك شيء من التوازن مع اليهود الذين يسكنون يثرب ، فاتفقوا على ترشيح رجل من اليهود، وهو عبد الله بن أبي بن سلول ليكون رجلاً متوجاً على الجميع في يثرب ، ولاشك أن هذه الوقائع قد ولدت شعوراً بالمرارة عند الطرفين، وكان عبد الله بن أبي على وشك تولي هذا الملك على الجميع بعد وقعة بعاث الذي قتل فيها أعداد كبيرة من الأوس والخزرج، وكانت هذه الموقعة تهيئة هيأها الله تعالى للنبي عليه الصلاة السلام قبل أن يأتي المدينة ، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: كان يوم بعاث يوماً قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملؤهم، وقتلت سرواتهم وجرحوا. قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم الإسلام، فجاء على قوم متفرقين يلملمون جراحاتهم، قد قتل معظم ساداتهم.
ولذلك كان هذا الحدث مما سهل قدوم النبي عليه الصلاة والسلام، وبروز المسلمين واجتماع الكلمة عليهم، ولو كانوا قوماً أقوياء متحالفين من الأصل لربما كان دخول المسلمين بينهم صعباً، فكان يوم بعاث منة من الله قدمها لنبيه صلى الله عليه وسلم.
هذه لمحة سريعة عن حال يثرب قبل قدوم النبي عليه الصلاة والسلام، ولاشك أن الشائع عندهم عبادة الأصنام والأوثان، وكانت عندهم العادات الجاهلية السيئة، وكذلك كان عندهم الظلم والبطش والبغي، ولا يوجد عندهم انضباط في أخلاق أو في عادات تهيمن عليهم، ولذلك كان الغالب عليهم الفوضى.
وكان كذلك من الأمور المتفشية الربا وأكله، والخمر وشربه، وغير ذلك من العادات السيئة، ولما حصلت الهجرة، وهو الحدث العظيم الذي أرخ المسلمون به تاريخهم، حيث جعل عمر رضي الله عنه العام الهجري هو الأصل، فأرخ المسلمون من الهجرة؛ لأنها كانت فعلاً البداية الحقيقية لظهور الإسلام؛ لأن المسلمين في مكة كانوا مستضعفين مغلوبين مقهورين، وكانت الهجرة هي الحدث الذي كان الانطلاقة القوية الحقيقية لانتصار الإسلام وهيمنة المسلمين في ذلك الوقت.
ومنع المشركون أبا سلمة رضي الله عنه من الهجرة بزوجته وابنه فلم يمنعه ذلك من الهجرة وحيداً تاركاً زوجته وطفله في مكة ، وقد ظلت زوجته أم سلمة تخرج كل غداة بالأبطح تبكي حتى تمسي نحو سنة، حتى تمكنت من الهجرة بابنها ولحقت بزوجها، وهكذا كانت الهجرة في ظروف صعبة، وكانت تمحيصاً لإيمان المؤمنين، واختباراً لقوة عقيدتهم واستعلاء إيمانهم، وقدم لنا أولئك المهاجرون درساً عظيماً في كيفية ترك المسلم أعز ما عنده من أجل الله ورسوله.
كيف يهجر المسلم بلده التي يحن إليها والمكان الذي تربى فيه وترعرع وشب لله ورسوله؟ بل تركوا الأموال والتجارات وتركوا بيوتهم التي كانت لديهم مهاجرين إلى الله ورسوله، ولذلك كان المهاجرون فعلاً أعظم المؤمنين على الإطلاق في ذلك الوقت، وصاروا مؤهلين للاستخلاف في الأرض بما جعلهم الله تعالى في الرتبة العالية.
اختار الله عز وجل لنبيه المدينة للهجرة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين) فاللابتان هما الحرتان، الحرة الشرقية والحرة الغربية ، وبينهما الأرض ذات نخل، وهاجر المسلمون وتأخر النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق ، حتى أذن الله تعالى له بالهجرة.
وقد أحس المشركون بهجرة المسلمين، فغاظهم ذلك فتعاقدوا على قتل النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن الله عز وجل أعمى أبصارهم فلم يروه، فخرج هو وصاحبه الصديق إلى المدينة يقطعان الصحراء، والنبي عليه الصلاة والسلام كان في الثالثة والخمسين من العمر، والصديق في الحادية والخمسين، ومع ذلك فإنهما خرجا إلى المدينة مهاجرين، ووصلا المدينة وقد جعل الله للمسلمين فرجاً ومخرجا، مصداقاً لقوله تعالى: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100].
ولذلك نعى الله عز وجل ولام الذين قدروا على الهجرة فلم يهاجروا، بقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً [النساء:97-99] وعسى من الله موجبة، فإذا قال الله: عسى الله، أي: فإن هذا هو ما سيحدث.
وفي حالة وجود بلد الإسلام الذي تطبق فيه شريعة الله تعالى، ويستقبل المسلمين لتكثير سوادهم وانتفاع البلد بهم، فإنه تجب الهجرة من بلاد الكفار إليه، وبعض المسلمين تأخروا عن الهجرة تحت ضغوط الأزواج والأولاد، فلما هاجروا بعد فترة ورأوا الذين سبقوهم من المهاجرين وقد تفقهوا في الدين، هموا بمعاقبة زوجاتهم وأولادهم، وكان ذلك سبب نزول الآية الكريمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14] ثم أمر الله تعالى بالصفح والعفو، وهذا يدل على أن الزوجة والأولاد قد يكونون من العوائق التي تعيق تقدم الشخص في الدين وتفقهه فيه، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (الولد مجبنة مبخلة مجهلة محزنة) مجبنة، أي: يريد الأب أن يجاهد في سبيل الله فيتذكر الولد وأنه يحتاج إليه ونحو ذلك فيقعد، يريد الأب أن ينفق في سبيل الله فيتذكر الأولاد، يقول: أولادي أحوج فلا ينفق، يريد أن يذهب لطلب العلم فيشغله أولاده عن طلب العلم فيبقى في جهل، محزنة: أي أن الولد يمرض -مثلاً- فيحزن الأب ويصيبه الكرب، وإذا كان الولد عاقاً فإن ذلك يكون الهم اللازم والمصيبة الكبيرة والحزن العظيم في نفس الأب.
ولذلك حذرنا الله من الركون إلى فتنة الزوجة والأولاد، وأمر بمجاهدتهم في الله عز وجل، وأن نحملهم على طاعة الله تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
واستمرت الهجرة من مكة ومن غير مكة إلى المدينة ، حتى إن المدينة ضاقت بسكانها المتزايدين وما يحتاجونه من القوت وخصوصاً بعد الخندق، فلما صارت وقعة الخندق وبانت قدرة المسلمين على الدفاع عن كيانهم أمام الأحزاب مجتمعين، ولم تعد المدينة بحاجة إلى مهاجرين جدد، نظراً لأنه قد صار فيها القوة الأساسية التي يمكن الدفاع بها عن البلد ككل، وحصل نوع من الازدحام في المدينة ، وصار هناك شيء من الشح في القوت والمسكن - طلب النبي صلى الله عليه وسلم من بعض المهاجرين بعد الخندق العودة إلى ديارهم قائلاً لهم: (هجرتكم في رحالكم) لأنه لم تعد هناك ثمة حاجة لإقامتهم في المدينة ، بل صارت المصلحة أن يقيموا في أماكنهم وقبائلهم وأحيائهم، في الدعوة إلى الله خارج المدينة لتوسيع رقعة الإسلام.
ولكن ذلك لم يكن إيقافاً للهجرة؛ لأن الهجرة من مكة لم تتوقف إلا بعد الفتح، بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح) أي: لا هجرة من مكة إلى المدينة بعد الفتح؛ لأن مكة صارت دار إسلام، فلأي شيء يهاجر منها؟! فانقطعت الهجرة وما عاد هناك أجر للهجرة من مكة إلى المدينة ؛ وبذلك سقط فرض الهجرة إلى المدينة ، وبقي فرض الجهاد والنية.
وابن حجر رحمه الله ذهب إلى أن النص إذا جاء فإنه لابد من الأخذ به، وأن هناك حكمة أخرى للمؤاخاة وهي: أن بعض المهاجرين كان أفضل من بعض بالمال والعشيرة والقوة، فآخا بين الأعلى والأدنى من المهاجرين أنفسهم، حتى يرفق الأعلى بالأدنى، ويستعين الأدنى بالأعلى، فآخا بين حمزة وزيد بن حارثة ؛ لأن زيداً مولاهم، وإن كان هناك مؤاخاة في مكة فهي شيء يسير، ولو كان هناك في المدينة مؤاخاة بين بعض المهاجرين، فهي حالات خاصة من مهاجر عنده إمكانات.
ثم إن هؤلاء المهاجرين لما قدموا إلى المدينة لم يستطيعوا ممارسة التجارة؛ لأن التجارة تحتاج إلى رأس مال، ولذلك لم يتمكنوا من شق طريقهم بأنفسهم في المجتمع الجديد، وكانت حياتهم في المدينة حياة صعبة، وكان الحنين إلى مكة شديداً، وأصابت المهاجرين حمى يثرب ، وهي وباء كان فيها، فالنبي عليه الصلاة والسلام دعا الله أن تنتقل الحمى إلى الجحفة ، ورفعت الحمى من المدينة ونزلت في الجحفة ، فهي المرأة السوداء التي رآها عليه الصلاة والسلام في المدينة في منامه.
ودعا النبي عليه الصلاة والسلام الله عز وجل أن يحبب المدينة إليهم كحبهم مكة أو أشد، وبالفعل صارت محبة المهاجرين للمدينة شديدة، حتى إنهم بعد فتح مكة ما جلسوا في مكة ، وإنما رجعوا إلى المدينة ، ورجع النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ، مع أنها فتحت مكة ورجعت إليهم بيوتهم ودورهم وأموالهم، ولكن مع ذلك بقيت محبة المدينة هي الأساس، فرجع النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه المهاجرون جميعاً إلى المدينة .
وبذلك صار هناك مورد طعام -لأن التمر طعام- للمهاجرين من خلال هذه المشاركة، وبدأ المهاجرون يتعلمون الزراعة والاهتمام بها، وجاء في الحديث أن عمر وصاحبه الأنصاري كانا يتعاونان في طلب العلم والقيام على الزرع، فـعمر ينزل يوماً وصاحبه يعمل، واليوم الذي بعده ينزل صاحبه وعمر يعمل، وهكذا صار هناك بداية لاستيعاب القيام بالنخل وما تحتاج إليه، وصار للزبير وغيره نخل، تعلموا وتدرجوا في التدريب على رعايتها.
وابتنى النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه دوراً في أراضٍ وهبتها لهم الأنصار، وأراضٍ ليست ملكاً لأحد، ومع أن الأنصار قالوا: إن شئت فخذ منا منازلنا، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: خيراً، ولما جاء هؤلاء المهاجرون ووجدوا هذه الرعاية الكريمة، قالوا: (يا رسول الله! ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلاً من كثير، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنة -أي: مؤنة النخل كفونا إياها، وأشركونا في المهنة: الثمرة والنتيجة- حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، قال عليه الصلاة والسلام: لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم).
فإذاً لو أن إنساناً صنع لك معروفاً، فأنت أثنيت عليه ودعوت الله له، فإنه يبقى لك نصيب من الأجر، ولذلك من المحاسن في الدين الإسلامي أن الإنسان إذا صنع له أخوه المسلم معروفاً أن يقول له: جزاك الله خيراً، ويدعو له بخير.
ورغم بذل الأنصار وكرمهم، فإن الحاجة كانت لا تزال إلى إيجاد نظام يكفل للمهاجرين المعيشة الكريمة، خاصة أن المهاجرين لا يريدون أن يشعروا أنهم عالة على الأنصار، فجاء نظام المؤاخاة في السنة الأولى الهجرية، قيل: بعد بناء المسجد أو أثناء بناء المسجد، أي: بعد هجرة النبي عليه الصلاة والسلام بأشهر، حيث عقد النبي عليه الصلاة والسلام عقد المؤاخاة بين الطرفين: المهاجرين والأنصار، فآخا بين كل مهاجري وأنصاري، مع أن الأنصار تبرعوا وأعطوا، لكن الأعداد زيادة على التبرعات، فحلت القضية بما يلي: كل أنصاري معه مهاجري، لا يوجد مهاجري ما عنده مكان ما عنده بيت ما عنده مال، إلا ويوجد أنصاري يقوم بالتآخي معه، وشملت المؤاخاة تسعين رجلاً، خمسة وأربعين من المهاجرين وخمسة وأربعين من الأنصار، ويقال: إنه لم يبقَ مهاجري إلا وقد آخا النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أنصاري.
وترتب على هذا التشريع حقوق خاصة بين المتآخيين كالمواساة، والمواساة هي: تقديم جميع أوجه العون، سواء كان عوناً مادياً أو رعاية أو نصيحة أو تزاوراً أو محبة، وحتى التوارث، كان إذا مات الأنصاري يرثه المهاجري، وإذا مات المهاجري يرثه الأنصاري، يرثه بالتآخي، واستمر هذا فترة من الزمن حتى نسخ ذلك بقول الله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] فنسخ التوارث بين المهاجرين والأنصار، وكان مشروعاً يرثه تماماً إذا مات.
إننا يسهل علينا أن نتصور أن يتنازل الواحد عن نصف ماله للآخر، لكن لا يسهل علينا على الإطلاق أن نتصور أن رجلاً يتنازل عن زوجة لآخر، ويطلقها من أجل الآخر؛ لأن العلاقة الزوجية قوية، وليس من السهل على الإنسان أن يتنازل عن زوجته، لكن لما صار الإيمان قوياً في قلوبهم، قال: هاتان زوجتاي -قبل فرض الحجاب- انظر أيهما أحب إليك، ليس الزوج هو الذي ينتقي إحدى زوجاته، أو يترك أقلهما تعلقاً بها وأقلهما محبة، لا. بل المهاجري هو الذي ينتقي، يقول: اختر أيهما تريد أطلقها لك.
ولاشك أن ذلك كان آية من الآيات الدالة على تعمق الإيمان، وترسخ قواعد الأخوة في نفوسهم؛ لأن مثل هذا العمل لا يمكن أن يقوم به الشخص في الأحوال العادية، إلا إذا صار عنده إيمان ودين فعلاً، فإذا قارنت الآن بين هذا وبين ما يحدث الآن بين عامة المسلمين من أنواع الإيذاء وأكل الحقوق الواضحة للغاية، وهضم الحقوق المالية والاستيلاء عليها، والإيذاء بين الجيران والإخوان، والأشياء التي توجد فيها الأنانية والحسد والبغض، وسطو هذا على مال هذا، وإذا وجد هذا فرصة لأكل حق الآخر أكله دون أن يقصر، والأذية الموجودة لنعلم ما هو الفرق بيننا وبين الصحابة.
عبد الرحمن بن عوف لما عرض عليه هذا العرض المغري لم يكن بالذي يوافق عليه، ويقول: طلق فلانة أو هات نصف المال، وإنما كان عفيفاً، والعفة مهمة، عفة النفس: أي: أن الإنسان لا يقبل بأعطيات الآخرين إذا لم يكن هناك شيء ماس، ولذلك قال عبد الرحمن لـسعد : بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فلم يرجع إلا بسمن وأقط قد أفضله، ذهب إلى السوق وهو رجل يحسن التجارة، باع واشترى، وباع واشترى، ورجع بفائض من سمن وأقط، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم عليه أثر صفرة بعد فترة، فقال: (مهيم؟ -ما الخبر؟- عليك أثر صفرة الزعفران -هذا ليس من شئون الرجال بل هو من شئون النساء- فقلت: تزوجت امرأة من الأنصار -هذا من نتائج احتكاكه بزوجته- فقال عليه الصلاة والسلام: أولم ولو بشاة) أمره أن يولم ولو بشاة.
وتزوج عبد الرحمن بن عوف ، وكان المهر نواة من ذهب أصدقها لتلك المرأة، ونمت ثروته بعد ذلك ليصبح من كبار أغنياء المسلمين، وهذا فيه درس، أن الإنسان إذا كان صاحب خبرة وقدرة فلا يصلح أن يكون عالة على الآخرين، حتى لو تبرع له الآخرون، وحتى لو أعطوه وعرضوا عليه، تبقى عزة النفس عند الإنسان، صاحب القدرة بالذات أما غير صاحب القدرة وغير المتمكن يُعذر، لكن المتمكن يبقى الأفضل له أن يكون عصامياً بنفسه، وأن يكسب كسبه بيده، وهذا الذي فعله عبد الرحمن بن عوف -وهو التاجر الماهر- من الذهاب إلى السوق والكسب الحلال، وما فتح الله عليه أفضل من أن يكون عالة أو عبئاً على أخيه الأنصاري.
بعد معركة بدر وزعت الغنائم وصار هناك شيء من الاكتفاء بالغنائم عند المهاجرين؛ لأن كثيراً من الذين خرجوا فيها من المهاجرين، وصار هناك شيء من الاكتفاء، فأُبطل نظام التوارث بين المتآخيين، بقوله تعالى: (( وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ )) لكن نسخ هذه الآية ليس نسخاً للمؤاخاة، وإنما نسخ للتوارث فقط، فقد بقيت المؤاخاة بالنصرة والرفادة والنصيحة، وبقيت العلاقة موجودة بينهم.
ولذلك فإن التعاون والتناصح مستمر، ووردت أخبار تفيد التآخي بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي رضي الله عنهما، مع أن سلمان أسلم بين أحد والخندق، ومع ذلك المؤاخاة استمرت بدون توارث، وكان سلمان له ملاحظات على أبي الدرداء صائبة أسداها له، وكان فيها خير عظيم على أم الدرداء وعلى بيت أبي الدرداء وعلى أبي الدرداء ، وهذه لما بين له حقوق الضيف وحقوق النفس وحقوق الزوجة، وكان هذا التآخي ينبع منه تقديم النصيحة، وهذه مسألة في غاية الأهمية، أن التآخي بين المسلمين ليس كلمة، وإنما هو شيء له واجبات ومتطلبات، ومنها بذل النصيحة، وتسديد وإصلاح شأن أخيه وحاله.
أبو عبيدة لما رأى أباه يقاتل في صف المشركين في بدر قصده فقتله، ورأى أبو حذيفة أباه المشرك وهو يسحب ليرمى في القليب بـبدر دون أن ينكر قلبه ذلك.
وأما مصعب بن عمير فإنه رأى أخاه أبا عزيز بن عمير ، وكان أبو عزيز مشركاً خرج مع المشركين وأسر في المعركة، فـمصعب يقول للأنصاري الذي أسر أبا عزيز بن عمير: اشدد يدك عليه، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك. أي: إن له أماً تدفع، وهذا مع أنها أمه، وهذا المأسور أخوه، ولكنه مع ذلك يقول لأخيه الأنصاري المسلم: اشدد يدك عليه، واطلب الفدية العالية فإن له أماً تدفع.
وأبو عزيز كان صاحب لواء المشركين بـبدر ، فـمصعب يقول هذا الكلام، فقال له أبو عزيز : يا أخي! أهذه وصايتك بي؟ فقال له مصعب : إنه أخي دونك. الأنصاري أخي دونك، أنت ليس بيني وبينك صلة.
ولذلك فإن المنافقين حاولوا بشتى الوسائل أن يفصموا هذه العرى التي حصلت بين المهاجرين والأنصار، ولذلك كانت خطوة عبد الله بن أبي المنافق خبيثة للغاية جداً، حيث إنه لما سمع أن النزاع حصل بين المهاجرين والأنصار استغل الفرصة مباشرة، وقال: لقد كاثرونا في الأموال وفعلوا وفعلوا، إنما مثلنا ومثلهم كمثل القائل الأول لما قال: سمن كلبك يأكلك. صرفنا عليهم فلما تقووا قاموا يتحدوننا، وأوشك بسببه أن تحدث فتنة بين المهاجرين والأنصار، ولكن الله سلَّم.
وولد عبد الله بن أبي اسمه عبد الله أيضاً، وهو الذي بلغت به العزة الإسلامية أن يقف على باب المدينة ويمنع أباه من الدخول، قائلاً له: [والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز]؛ لأن عبد الله بن أبي بن سلول هذا المنافق، قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وولده مسلم سمع الكلام فسبقه إلى المدينة ، ووقف على الباب ومنع أباه من الدخول، حتى يعترف أنه هو الذليل والنبي عليه الصلاة والسلام هو العزيز، وهذا واضح جداً في الدلالة على قوة العقيدة، وأن الإنسان كان يفاصل أباه وأخاه وأهله وعشيرته في سبيل الدين، ما انتصروا إلا بذلك، لم يكن هناك مجاملات على حساب العقيدة.
نوح عليه السلام لما نادى ربه قال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود:45]، فقال الله: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [هود:46] فالاعتبار برابطة العقيدة، وليس بالأبوة ولا بالقبيلة، ما انتصر المسلمون الأوائل إلا بعدما تخلصوا من هذه الأشياء، من الرواسب الجاهلية، أو التعصب للقبيلة، أو التعصب للبلد والعلاقة العائلية، فكان تعصبهم إنما هو لله ورسوله، وقطعت الوشائج والعلاقات ولم يبق إلا علاقة الدين، ورابطة العقيدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:23-24].
وقد فارق الصحابة الأهل والأموال والمساكن وهاجروا إلى الله ورسوله، فقام المجتمع قياماً صحيحاً مبنياً على العقيدة والولاء لله والرسول، والعلاقات أخوة بين المؤمنين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وكانت المحبة هي أساس هذه الأخوة، وتمثل في ذلك المجتمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).. (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
ولذلك لم يكن يبيت الواحد شبعان وأخوه المسلم جائع، لم يحصل ذلك، ولذلك كانوا يؤثرون على أنفسهم، ويعطي الواحد منهم أخاه عشاءه وعشاء أولاده، ويبقى هو وزوجته وأولاده جياعاً، بهذه الصورة قام المجتمع الإسلامي.
وقام بعد ذلك المهاجرون الذين اغتنوا بتوزيع الصدقات وكفالة المحتاجين، وقام عثمان رضي الله عنه بالتصدق بقافلة ضخمة، كما جهز جيش العسرة، وفي عهد الصديق حصل شيء من الضائقة بـالمدينة ، والناس ينتظرون المؤن، حتى التجار ليس عندهم سلع، فقدمت قافلة ضخمة لـعثمان ، توافق قدومها مع وقت الضائقة، وهي ألف بعير محملة بالبر والزيت والزبيب، فتوافد التجار على عثمان كل منهم يعرض عليه الواحد باثنين والواحد بثلاثة والواحد بخمسة، وهو يقول: أعطيت أكثر من ذلك، أعطيت أكثر من ذلك، أعطيت أكثر من ذلك، فقالوا: ومن الذي أعطاك، وما سبقنا إليك أحد، ونحن تجار المدينة ؟ قال: إن الله أعطاني عشرة أمثالها، ثم قسمها بين فقراء المسلمين كلها، مع أنه كان مستطيعاً أن يبيعها في وقت الحاجة والسوق يتطلب، بأضعاف مضاعفة، ومع ذلك جاد بها لله جل وعلا.
عندما يحس الشخص في المجتمع أن عنده مسئولية تجاه جميع أفراد المجتمع، لدرجة أنه يمكن أن يفوته مكسب عظيم جداً من أجل إخوانه المسلمين في البلد، ويتصدق على كل الفقراء بقافلة هي ألف بعير، معناها أن مجتمعاً مثل هذا المجتمع لا يمكن أن ينهزم، ولذلك فتحوا الروم والفرس، وفتحوا أقوى بلاد العالم، وسقطت أقوى دولتين في العالم الفرس والروم بأيدي هؤلاء القوم، ولذلك نصرهم الله عز وجل.
لما حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة بعد ستة عشر شهراً من الهجرة، بقي حائط القبلة الأولى في مؤخرة المسجد النبوي، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام به فظلل، حائط القبلة القديمة كان جهة بيت المقدس ، فظلل أو سقف وأطلق عليه الصفة أو الظلة.
وهذا الصُفة صارت مخصصة للضيوف القادمين الذين لا مأوى لهم، وكانت تتسع لعدد لا بأس به، حتى إنه حضرها مرة ثلاثمائة شخص في وليمة، وأول من نزل الصفة هم المهاجرون، ولذلك نسبت إليهم، فقيل: صفة المهاجرين، وكذلك كان ينزل بها الغرباء من الوفود الذين كانوا يقدمون على النبي صلى الله عليه وسلم معلنين إسلامهم وطاعتهم، وكان إذا جاء الواحد ولم يجد أحداً ينزل عنده ينزل مع أصحاب الصفة، وكان من ضمن أصحاب الصفة أبو هريرة رضي الله عنه. فأولاً نزل المهاجرون والغرباء، وكان بعض الأنصار بالرغم من أن لهم بيوتاً -مثل كعب بن مالك الأنصاري- يتركون بيوتهم وأهليهم ويبيتون مع أهل الصفة من باب المشاركة الوجدانية والشعور والإحساس، فهو يترك بيته وينزل بينهم.
وكان يؤتى بالقنو من التمر يعلق على حبل في المسجد لأهل الصفة، كل واحد عنده طعام زائد يأتي به إلى أهل الصفة، وكل واحد عنده تمر أو رطب أو شيء يأتي به إلى أهل الصفة، كانوا أخلاطاً من القبائل، وكانوا يزيدون إذا قدمت الوفود إلى المدينة ، وكان ربما يصل عددهم إلى سبعين أو ثمانين أكثر أو أقل وهكذا.
وكان هؤلاء عندهم فرصة للتفرغ للعلم والعبادة، حيث إن معيشتهم في المسجد، وكانوا في خلوتهم يصلون ويقرءون القرآن، ويتدارسون آيات الله تعالى، ويتعلم بعضهم الكتابة، واشتهر بعضهم بالعلم مثل أبي هريرة ، فـأبو هريرة هو ناتج من نتاج الصفة؛ لأنه ما كان عنده أهل أو أولاد أو بيت أو شغل أبداً، نازل في الصفة يصحب النبي عليه الصلاة والسلام على شبع بطنه فقط، ولكن همته ونهمته سماع الأحاديث، ولذلك صار هو أكثر صحابي روى أحاديث، مع أنه جاء في العام الثامن للهجرة، ومع ذلك له مرويات تقدر بخمسة آلاف حديث.
وقد جيء النبي صلى الله عليه وسلم مرة بإناء من لبن، فقال لـأبي هريرة : ادع أهل الصفة. فشربوا منه كلهم بمعجزة عجيبة حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يطعمهم مما يأتيه، فمرة (حيس) وهو الطعام المطبوخ من التمر والدقيق والسمن، وجاءه مرة طعام مصنوع من شعير، وجاءه مرة شيء من اللحم، فكان يعطيهم ويقول لهم: (والذي نفس محمد بيده، ما أمسى في آل محمد طعام ليس شيئاً ترونه)، لا نخفي عنكم شيئاً.
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يصاب بالجوع الشديد، حتى إنه ربما كان يخر في الصلاة ويغشى عليه من الجوع، حتى يقول بعض الأعراب: إن هذا مجنون، وكان يصرع بين المنبر وحجرة عائشة لما به من الجوع، والناس يظنون أن به جناً، ولكن قلة الطعام هو السبب في خروره والغشيان عليه، وكان ربما لا يأكل الواحد منهم إلا التمرة أو التمرتين، ومع ذلك قنعوا بالقليل من الطعام والخشن من الثياب، وعافت نفوسهم النعيم، لأجل الزهد والعبادة وطلب العلم ونصرة الله ورسوله، والخروج في جيوش الفتوح، والجهاد في سبيل الله تعالى.
وكان صلى الله عليه وسلم يقدر لهم هذه المواقف، فكان يزورهم ويتفقد أحوالهم ويكثر من مجالستهم، ويرشدهم ويوجههم إلى قراءة القرآن ومدارسته، وإذا جاءته صدقة سارع بإرسالها إليهم، وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام جاءته فاطمة فطلبته خادماً، فزار علياً وفاطمة في بيتهما، فوجدهما قد اضطجعا على فراشهما، فجلس بينهما وقال: (ألا أدلكما على شيء خير لكما من خادم؟ قالا: بلى يا رسول الله! فقال: إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين)، وقال لصهره وبنته: (لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تلوى بطونهم من الجوع).
وكان عليه الصلاة والسلام يحث الصحابة على الاعتناء بهم، فكان يقول: (من كان له طعام اثنين فليذهب بثالث -أي: من أهل الصفة- وإن أربعة فخامس أو سادس) فيمر أي صحابي عنده طعام فيأخذ واحداً من أهل الصفة يتعشى عنده، وآخر يمر ويأخذ واحداً آخر وهكذا، وكانوا يجيئون لهم بالماء ويضعونه بالمسجد، وبعض الصحابة من الأنصار ما عنده مال، فكان يذهب يحتطب ويبيع الحطب ويعطي ثمنه لأهل الصفة.
فهذه صورة من الصور التي كانت في المجتمع المدني، تعبر لنا عن قضية التآخي الذي حصل بين المهاجرين والأنصار، واعتناء المجتمع بالفقراء من أهل الصفة، وهذه الصور هي درس بليغ جداً لكل مسلم يريد أن يطبق معاني الأخوة في نفسه، ويحس بإحساس إخوانه الآخرين، ويحرص على الجود بما يوجد عنده لإخوانه، وهذا من المعاني المفقودة أو النادرة مع الأسف بيننا، حتى إن الواحد لا يدري بحاجة الآخر، ولا يدري أصلاً أنه محتاج أو أنه جائع أو عليه ديون أو لا يجد مالاً ونحو ذلك، ولذلك ترى واقعنا من سيئ إلى أسوأ، وواقع الصحابة كان من نصر إلى فتح، وفتح مبين.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيما ذكر دافعاً لنا لمزيد من تقديم العون لإخواننا، والشعور بشعورهم، وتطبيق مبدأ الأخوة الحقيقية، وتقديم آصرة العقيدة على كل الأواصر، وأن يكون المسلم الحقيقي ولو كان فقيراً ووضيعاً في النسب، يكون هو من أقرب الناس إلينا، وأقرب من إخواننا وآبائنا إذا كانوا هم أبعد عن الدين منه.
والحمد لله رب العالمين.
الجواب: يمكن أن تعطيها له ولا يشترط أن تقول له أنها زكاة، لكن لا تكذب، إنما أعطه إياها ولا يشترط أن تخبره أنها زكاة، فتستطيع أن تقول: هذه من الله خذها، أو هذه لك مثلاً.
الجواب: إذا فقد التمييز ووصل حد الخرف، سقطت عنه الصلاة والصيام، وسقط عنه التكليف بالكلية، وعند ذلك لا قضاء عليه ولا كفارة، ولا شيء عليكم؛ لأنه ليس مكلفاً، أما لو كان يعقل فيؤمر بالصلاة وبالصيام ولابد.
الجواب: نعم. على قدر المستطاع، وصلة المحارم غير صلة غير المحارم، فهي تختلف لأجل الحرية في الحديث والكلام معها، فكلما كانت أقرب كلما كانت الصلة أشد.
الجواب: لا ينبغي ذلك.
الجواب: إذا وجدت المرأة التي تفي بالحاجة فلا يجوز للمرأة المسلمة أن يكشف عليها الرجل، ولذلك ذكر العلماء الترتيب، أولاً: الطبيبة المسلمة، ثانياً: الطبيبة الكافرة، ثالثاً: الطبيب المسلم، رابعاً: الطبيب الكافر، فالطبيبة الكافرة تقدم على الطبيب المسلم، لأجل قضية الكشف على العورات.
الجواب: إذا كان يملك نفسه فنعم، وإذا كان لا يملك نفسه فلا يجوز له ذلك؛ لأنه ذريعة إلى إفساد الصوم، وكل ما كان وسيلة إلى حرام فهو حرام، ولاشك أن إفساد الصوم حرام، فكل وسيلة تؤدي إليه فهي حرام، وأما المذي فإنه لا يفسد الصوم على الراجح، ولكن لا يجوز له أن يأتي بشيء يسبب خروجه.
الجواب: هذا يغضب الزوج إذاً لا تفعله، ثم إن هذا التقبيل منهي عنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرجل منا يلقى أخاه أيقبله؟ قال: لا. يعانقه؟ قال: لا. يصافحه؟ قال: نعم)، فالمعانقة وردت في القدوم من السفر، أما التقبيل لا، إلا تقبيل الأب لابنته والبنت لأبيها مثلاً، أو الرجل لأمه وهي تقبله أو لجدته، ويمكن أن يكون التقبيل على الرأس مثلاً، وأما الفم فإنه للزوج خاصة.
الجواب: الراجح جوازها إن شاء الله.
الجواب: عليك بالقضاء، وإطعام مسكين عن كل يوم كفارة للتأخير.
الجواب: ( لا هجرة بعد الفتح ) من مكة إلى المدينة ، ولكن الهجرة مستمرة إلى قيام الساعة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام عند القدرة.
الجواب: إذا وصل الإمام إلى موضع التأمين وشرع يشرع المأموم.
الجواب: هذا رأي ذهب إليه ابن حزم رحمه الله وتبعه بعض أهل العلم، ومن المعاصرين العلامة محمد ناصر الدين الألباني ، ولكن الراجح هو وجوب الزكاة في عروض التجارة ولاشك.
الجواب: إذا كان غير قادر على إتمام اليوم، فيؤمر بأن يصوم بين الصلوات.
الجواب: نعم. إذا وجدت حاجة كفقر قريب أو شدة.
الجواب: لا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر