إسلام ويب

آداب الكلام والمحادثةللشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد اعتنت الشريعة الإسلامية بالأدب، فأمرت بحفظ اللسان ولزوم الصمت ولين الكلام، ولخطورة اللسان فقد ركزت الشريعة على آداب الكلام والمحادثة، وألف العلماء المصنفات المستقلة في هذا الباب، وبينوا آداب الحديث والمناقشات والمناظرات العلمية؛ فالإسلام يريد أن يميز المسلم بعقيدته وعبادته وأخلاقه وآدابه ومظهره، ولعلك تجد في هذه المادة ما يغنيك عن قراءة الكتب فإنها عصارتها.
    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، الحمد لله الذي خلق الإنسان، علمه البيان، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وهو سيد البلغاء وإمام الفصحاء، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة وسلاماً تامين إلى يوم الدين.

    إخواني: إن موضوع هذه الليلة من الأهمية بمكان، وهو من المواضيع الجميلة التي هي من الأدب، والشريعة جاءت بالأدب، وهذا الدين قد جاء بالأدب، ولا شك أن مواضيع الأدب تزين المسلم، وتحثه على التخلق بالأخلاق الحميدة والفاضلة؛ لأن الإسلام يعتني بالمسلم من جميع الجوانب، ويريد الإسلام أن يميز المسلم بعقيدته وعبادته وأخلاقه وآدابه ومظهره.

    وهذا الدين لا شك أنه أحسن الأديان وأفضلها وأعلاها، ولا شك أن هذه الشريعة هي خاتمة الشرائع، وأن ما جاء فيها هو أفضل ما جاء إلى أي أمة من الأمم من قبلنا.

    وموضوع "أدب الكلام والمحادثة" أهميته في نقاط متعددة. فهو يحتاجه المسلم حتى إذا أراد أن يحادث ربه ويتكلم مع الله، وكذلك فهو يحتاجه في الكلام مع أهل العلم، ومع أصحابه وأصدقائه، ومع زوجته، وهو أدب يحتاج إليه في المجالس؛ لأن الناس اجتماعيون بطبعهم، وهم يختلطون ويتلاقون ويجتمعون ويتزاورون، فإذا عدم هذا الأدب -وهو أدب الكلام والمحادثة- صارت اللقاءات مضيعة للأوقات مجلبة للعداوة والشحناء والبغضاء، ليس فيها كبير فائدة، بل ربما انطوت على ضيق وهم وغم بسبب ترك أدب الكلام والمحادثة.

    الأصل حفظ اللسان

    وبادئ ذي بدء فإن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بحفظ اللسان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من إطلاق اللسان حتى قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة) وقال -أيضاً- في الحديث الصحيح صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) أي: يطلق الكلام على عواهنه، دون تبصر ولا انتباه، ولا تقويم للكلمة، ولا بحث ولا نظر، فقد يتكلم بالكلمة لا يتبين فيها، وقد يكون فيها اعتداء على ألوهية الله وربوبيته، أو اعتراض على قضائه وقدره ونحو ذلك، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب؛ ولذلك لما نصح النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً قال له: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ كف عليك هذا -وأشار إلى لسانه- قال: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! -وهذا ليس دعاءً عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعو على أحد من أمته بدعوة لا يستحقها إلا جعلها الله له رحمة وثواباً يوم القيامة- ثكلتك أمك يا معاذ -وهذه من العبارات الدارجة عند العرب والتي لا يقصد النبي عليه الصلاة والسلام معناها الحرفي- وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلاَّ حصائد ألسنتهم) فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن من أعظم أسباب دخول النار حصائد الألسنة.

    ولذلك جاء كلام السلف في حبس اللسان كثيراً، فمن ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: [ما رأيت أحوج إلى طول سجن من اللسان] وقال الحسن: [ اعقل لسانك إلا عن حق تقيمه، أو باطل تدحضه، أو حكمة تنشرها، أو نعمة تذكرها ] ولذلك السلف -رحمهم الله- ألفوا في فضل الصمت تأليف، مثل ما فعل ابن أبي الدنيا -رحمه الله تعالى- وتكلم العلماء في مساوئ الإكثار من الكلام، والحث على التقليل منه، وأن الإنسان إذا عد كلامه ليوشكن أن يعرف ماذا يسود به من الصحائف -صحائف أعماله.

    طيب الكلمة ولين الحديث

    ومن الأشياء والضوابط الإسلامية في موضوع الكلام بالإضافة إلى التقليل منه ولزوم الصمت -لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان طويل الصمت- طيب الكلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما وعظ الناس: يأتي العبد يوم القيامة فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار، فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة) فحث على الكلمة الطيبة، وأنها من أسباب دخول الجنة.

    وكذلك لين الكلام، فإنه من الأخلاق الإسلامية، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام) فالشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: (ألان الكلام).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087680410

    عدد مرات الحفظ

    773508384