الحمد لله، الحمد لله الذي سهل لنا الصيام والقيام ويسر، نحمده على نعمه التي لا تحصى ولا تحصر، ونشكره على فضله وإحسانه وحق له واحد أحد صمد أن يشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربنا تفرد بالخلق والتدبير وكل شيء عنده بأجل مقدر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صام وقام وصلى وزكى وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهر، وعلى أصحابه الذين سبقوا إلى الخيرات فنعم الصحب والمعشر، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور، وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعرفوا نعمته عليكم بهذا العيد السعيد فإنه اليوم الذي توج الله به شهر الصيام، وافتتح به أشهر الحج إلى بيته الحرام، وأجزل فيه للصائمين والقائمين جوائز البر والإكرام، عيد تمتلئ القلوب فيه فرحة وسروراً، وتزدان الأرض به بهجة وحبوراً، يومكم هذا -معاشر المسلمين- يوم عظيم وعيد كريم، أحل الله لكم فطره، وحرم عليكم صيامه، يوم كله بر وإحسان، وفيه يحمد المسلمون ربهم على نعمة الإسلام، ويكبرونه جل وعلا على ما أولاهم من الفضل والإنعام، وهو يوم الجوائز، يوم يرجع فيه أقوام من المصلى خرجوا من الذنوب كيوم ولدتهم أمهاتهم، نسأل الله أن يجعل الجميع منهم.
في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض في كل بلد فيقومون على أفواه السكك ينادون بصوت يسمعه جميع خلق الله إلا الجن والإنس، يقولون: يا أمة محمد! اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي! ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فيقولون: إلهنا أن توفيه أجره. فيقول: أشهدكم أني جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم، رضاي ومغفرتي، انصرفوا مغفوراً لكم) فيا فوز العاملين! ويا فرحة الصائمين القائمين بهذا اليوم العظيم! ويا خيبة المفرطين المحرومين!
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين: احذروا الشرك فإنه محبط للأعمال، والجنة حرام على المشركين: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72].
اتقوا الله وتوبوا إليه، وتجنبوا سخطه، وافعلوا الخير وما يرضيه، وأعدوا العدة والزاد لسلعة الله الغالية ألا وهي الجنة، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، اجتماع لا افتراق بعده، ونعيم لا زوال له، وحياة لا فناء بعدها، وصحة لا سقم فيها، وسعادة لا شقاء يكدرها، ونِعَمٌ لا شيء يكدرها، الحذر الحذر من جماع الإثم وأم الخبائث، الحذر من الخمر وما جرى مجراها فهي مذهبة العقل والغيرة، ومفتاح الديوثية والعار، وملحقة الخزي والعقوبة في الدنيا والآخرة.
عباد الله: قوموا بحق الجوار، وصلوا أرحامكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واجتنبوا قول الزور وشهادة الزور، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما شاهد الزور يقوم القيامة حتى تجب له النار).
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله، الحمد لله معيد الجمع والأعياد، ومبيد الأمم والأجناد، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا ند له ولا مضاد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فضله الله على جميع الخلق والعباد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله: اتقوا الله تعالى، واشكروا ربكم على التمام والبلوغ في القيام والصيام، واسألوا ربكم القبول، وتعوذوا بالله من الخيبة والحرمان.
معاشر المؤمنين: تذكروا وأنتم في هذا العيد السعيد ما أنتم فيه من النعم والخيرات، وما تعيشه كثير من الأمم في هذا الزمان من المصائب والنقم، الناس جياع وأنتم تطعمون، الناس خائفون وأنتم آمنون، غيركم مشردون وأنتم مطمئنون، هم أذلاء وأنتم أعزاء مكرمون، غيركم يحكم بالقوانين الجائرة والأنظمة البشرية الظالمة وأنتم يحكم فيكم كتاب الله وسنة نبيه، فاشكروا ما فضلكم به ربكم على كثيرٍ من الأمم، السارق في بلادكم تقطع يده، والقاتل يقطع عنقه، والزاني المحصن يرجم، وغيرهم يجلد ويغيب ويبعد عن بلاده، فاحمدوا الله على نعمة تطبيق الشريعة.
إن كثيراً من الأمم والدول والبلدان لفي حرج ومضض وبلاء ونقم بسبب تطبيقهم لشرع البشر الناقص الضال، وللقوانين الوضعية الجائرة، فاحمدوا الله يا عباد الله، غيركم تتنازعهم الأحزاب والجماعات المتعارضة، وتنهب خيرهم الأمم المتناحرة، وأنتم مجتمعون تحت راية واحدة، وفي ظل أمة واحدة، احمدوا الله على هذه النعم، إنها نعم عظيمة لا يعرف قدرها ولا يقدر شكرها إلا من رأى واقع الناس حولكم من الأمم.
معاشر المؤمنين: لا تظنوا أن هذه النعم في بلادكم لمزية لكم على الله دون غيركم، فإن الله ليس بينه وبين الخلق والعبيد نسب، ليس بين الخلق والخالق إلا التقوى، فهي أعظم وشيجة وأشد قرابة.
ألم يأن للذين لا يصلون مع جماعات المسلمين أن يهجروا الغفلة إلى اليقظة ويعودوا إلى المساجد ويعمروها بالطاعة وأداء الواجب؟ ألم يأن للذين أكلوا الربا من البنوك جهاراً نهاراً أن يتوبوا إلى الله قبل حلول اللعنة وحرب الله عليهم؟
ألم يأن للذين يأكلون الحرام ويتاجرون بالحرام ويتكسبون من الحرام ببيع أشرطة الخلاعة والمجون من أشرطة الفيديو والغناء الماجن، ألم يأن لهم أن ينتهوا عن هذا المكسب الخبيث؟
ألم يأن للذين قطعوا أرحامهم وهجروا أحبابهم وأقاربهم وعقوا والديهم أن يعودوا إلى الصلة والصحبة والبر والإحسان قبل حلول الآجال وفوات الآمال؟
عباد الله: كيف يرجو الفلاح والسعادة والتوفيق من هجر الصلاة وفارق الجماعة وأكل الربا وتكسب بالحرام وآلات اللهو والطرب؟ كيف ترجو الفلاح والسعادة امرأة عقت زوجها وهجرت فراشه وضيعت فريضة ربها وفتنت بزينتها وتبرجها غيرها؟ أما تتقي الله في نفسها؟ أما تخاف إثم الذين تفتنهم أو تكون سبباً في وقوعهم في الحرام؟
معاشر المؤمنين: لا تكونوا سبب البلاء والفتن على الأمة، فإن شر الناس من عاد بمصيبته على غيره، وعمت البلوى بعقوبته من حوله.
عباد الله: الله الله لا يؤتين الدين من دار أحدكم بتفريط أو إهمال أو خيانة، واحرصوا على مصالح الأمة وخيرات البلاد، فإن لكم أعداء بكم متربصون، وبما يسوؤكم يفرحون، ولكنهم بكيدهم في نحورهم ينقلبون.
أنتم معاشر المسلمين كل منكم على ثغرة، كل منكم على ثغرة في عمله وفي ميدانه، وفي دراسته وأسرته، أصلحوا شئونكم داخل المجتمع بالأمانة والقوة في تدبير مهماتكم ومسئولياتكم، يهابكم الأعداء ويقتدي بكم الأصدقاء، تناصحوا وتواصوا بالحق والصبر، وابذلوا الإخلاص والنصيحة لولاة أموركم، وائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر فيما بينكم.
عباد الله: تذكروا أن هذه الدنيا ممر وليست مقراً، الزراعة فيها اليوم والحصاد غداً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر