أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر الله عز وجل، ثم أشكر حضوركم وتشريفي أمامكم بالمثول وإليكم بالحديث، وأسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجمعنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر كما جمعنا في هذا المكان المبارك إن شاء الله.
أحبابنا! ليس بسر ولا بعجيب أن نتحدث عن الشباب، وأن نعيد ونزيد، وأن نكثر ونردد، لأننا نرى كل أمة إنما عزت برجالها وشبابها أو ذلت بهم، أو رفعت بهم رأساً أو خفضت بهم رأساً، أو نسبت إلى علم وجد وحزم وعلم ونفع، أو نسبت إلى هزل وضياع وسقوط وانحدار؛ لذا كان لزاماً أن نلتفت إلى هؤلاء الناشئة، وأن نتحدث إليهم مصبحين ممسين، غادين رائحين، وأن نتلقفهم أو نقف لهم في كل سبيل وطريق، لنقول لهم: هل تعلمون قدركم؟ وهل تعرفون مكانتكم؟ وهل تثمنون منزلتكم؟ أم أن الواحد يمشي سبهللاً لا يعرف شيئاً! وكما يقول القائل:
وأنت امرؤ فينا خلقت لغيـرنا حياتك لا نفع وموتك فاجع |
أيها الأحبة! عن ماذا نتحدث عن الشباب، ونحن إن أردنا عن مواهبهم وطاقاتهم وما آتاهم الله عز وجل فذاك خير كثير وعلم غزير؟ وعن ماذا نتحدث عن الشباب .. إن أردنا أن نتكلم عن المؤامرات والمكائد والفخاخ التي تنصب لهم، والحبائل التي تنسج في طريقهم حتى يقعوا فريسة الشبهات والشهوات، فذلك علم كثير وعلم غزير أيضاً، وعن ماذا نحدث الشباب .. عن مسئولياتهم تجاه أنفسهم أو تجاه أسرهم ووالديهم، أو تجاه مجتمعاتهم وتجاه بلادهم وأمتهم، فذلك أيضاً كلام كثير؟
لكننا نريد أن نتحدث فقط عنك أنت أيها الشاب، عن شخصك، عن ذاتك، لن نتكلم عن الأسرة ولا عن الجيران ولا عن الدولة ولا عن البلاد ولا عن الأمة، ولكن نتحدث عنك أنت أيها الشاب ..
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر |
دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر |
أقول لك أيها الشاب: أنت قد خلقت قادراً مختاراً بين طريقين، بين طريق الهداية وبين طريق الغواية، وقد آتاك الله مشيئة وما تشاء إلا أن يشاء الله، ولكن قد جعلت لك وسائل الاختيار أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10] وعلى طريق الخير هداية وعلى طريق الشر دلالة، وأنت قادر على أن تختار بينهما.
هذه الحجة التي كثيراً ما نسمع عدداً لا يستهان به من الشباب يرددونها، والواحد منهم لا يلوم نفسه أبداً في أي ضلالة أو منكر أو تقصير أو غواية، وإنما يقول:
هذا جناه أبـي علي وما جنيت على أحد |
هذا ليس باختياري، قدري أن أكون مدخناً، وقدري أن أستمع (fm وmbc) قدري أن أكون مغنياً، وقدري أن أكون ممثلاً، وقدري أن أكون ضالاً، وقدري أن أكون مجنوناً في التشجيع الرياضي وملاحقة الأعلام والصياح والصراخ والدوران في الشوارع عند الأهداف، وقدري أن أكون تافهاً سخيفاً لا قيمة لوقتي .. لا مكانة لشخصيتي .. أحب الدوران في الأسواق .. أحب مضايقة الفتيات، ومعاكسة النساء في الأسواق، ومعاكسة الشباب والصبيان والأحداث .. هذا قدري!
نقول: كذبت وما أصبت، وما بحقيقة نطقت، ولا حاجة أن ننصب لك كثيراً من الأدلة الشرعية، لكننا سنضرب لك أمثلة عقلية واقعية؛ حتى تعرف أن احتجاجك بهذا احتجاج ضلالة واحتجاج شبهة، وهي كشبهة الشيطان الذي ضل وغوى واستكبر وجحد وأبى، ثم قال: رب بما أغويتني، لم يقل: غويت، قال: رب بما أغويتني.
أخي الحبيب! سأضرب لك مثلاً:
لو أنني الآن أشكو من الظمأ، أليس حالتي في الظمأ هي قدر من الأقدار؟ أنا الآن ظمآن أريد ماءً، والحالة التي أنا فيها قدر، وهذا قدر الشرب أعالج به قدر الظمأ، فأحصل على قدر الري، فلا تحتج بهذا، وكذلك إذا كنت أعاني من الجوع، وأمعائي تتقطع مخمصة ومجاعة وأقول: أنا جائع جداً، نعم إن الحالة التي أشكو منها الآن وهي الجوع هي قدر، ولكن قربوا قدر الطعام لأضرب فيه بخمس، فإذا شبعت وحصلت قدر الكفاية والشبع، كذلك إذا كنت تقول: أنا في قدر الضلالة، أنا في قدر الغواية، أنا في قدر الانحراف، نقول لك: عالج قدر الانحراف بأقدار أسباب الهداية، هذا قدر الانحراف: ملاهٍ وأغان وضياع وقلة أدب ومسخرة وإزعاج للناس، تعال وعالجها بقدر الهداية، وما هي أسباب هذا القدر؟ إنها: جليس صالح .. كتاب صالح .. شريط صالح .. موعظة نافعة .. قلب حاضر .. مبادرة إلى الصلاة .. مجاهدة للنفس، هذه أقدار وأسباب تحصل قدر الهداية.
إذاً هذا هو علاج شبهة كثير من الشباب الذين إذا نصحوا ودعوا إلى الله ورسوله، قالوا: نحن هكذا مكتوب علينا، وإن شاء الله يأتي يوم من الأيام ونهتدي، ويمكن أن نموت على هذه الحال! نقول: لا، لا، لا، وأكبر دليل أنك ما استسلمت لقدر الجوع، بل عالجته بقدر الأكل، فحصلت قدر الشبع، ما استسلمت لقدر الظمأ، بل عالجته بقدر الشرب، فحصلت قدر الري، ما استسلمت لقدر البرد، وإنما عالجته بقدر اللباس، فحصلت قدر الدفء، ما استسلمت لقدر الحر، بل عالجته بقدر المكيفات والمراوح، فحصلت قدر البرد والراحة والطمأنينة، وهذا أمر معلوم، إذاً لا حجة لأحد أن ينازع أو يجادل في ذلك، فضلاً عن أن الله عز وجل قد جعل لك كما أخبر سبحانه: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10]، فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى [الليل:5-6] يحصل قدر اليسرى والهداية .. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى [الليل:7-9] يحصل قدر الضلالة والغواية .. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [الليل:10-11].
أخي الشاب: بإمكانك أن تكون عالماً من العلماء أو شيطاناً من الشياطين .. بوسعك أن تكون إماماً في الهداية وبوسعك أن تكون عفريتاً في الغواية .. بوسعك أن تكون قدوة يقتدى بك في الخير، وبوسعك أن تكون قائداً يهدي إلى الضلالة، وقد ضرب الله مثل الفريقين جميعاً، فقال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] فلما اجتهدوا وحرصوا وبذلوا كل ما في وسعهم من طاقة وما في جوارحهم من إمكانيات، وإنه بالصبر واليقين -كما يقول أحد السلف -: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين .. وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] والمسلم لا ينبغي أن يقول: يكفي أن أكون شاباً ملتزماً، نحن نريد أن تكون إماماً في الالتزام، يحتذى بمنهجك وبسلوكك وبطريقك وبعلمك، ويتأسى بفكرك أيضاً .. وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] هذا من الأدعية المشروعة، أن الإنسان لا يكون فقط واحداً من المتقين، بل يسأل ربه أن يكون إماماً للمتقين، وفي المقابل قال تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص:41] في شأن آل فرعون وأهل الضلالة والغواية.
فمن الممكن أن تكون أخي الشاب إماماً في خير، وممكن أن تكون إماماً في شر .. ممكن أن تكون قائداً في ضلالة، وممكن أن تكون قائداً في هداية، فالمسألة تعود إلى ماذا تطعم نفسك فتنتج بعد ذلك؟ ماذا تغرس وتبذر في أرض قلبك، وفي صحراء فؤادك، وفي طبيعة حواسك؛ لنعرف في المستقبل ماذا سنجني وعلى ماذا سنحصل منك؟
وكل امرئٍ والله بالناس عالـم له عادةٌ قامت عليها شمائله |
تعودها في ما مضى من شبابـه كذلك يدعو كل أمرٍ أوائله |
ولا غرابة أن تجد شاباً يوم أن كان في صغره سوقياً في عباراته، متسكعاً في جولاته وتصرفاته، دنيئاً في همته، خسيساً في نظراته وفكراته وخطراته، لا غرابة أن يكون في يوم من الأيام ساقطاً من الساقطين، تافهاً من التافهين، ضالاً من الضالين، كل من حوله يتبرأ من ضلاله ويدعو عليه ويسأل الله أن يريح المسلمين من شره.
لا غرابة إن كان هذا منحرفاً مفسداً مؤذياً؛ لأن تاريخه الماضي كان في ضلالة وانحراف، ولا غرابة أن يكون الأول إماماً وهادياً ونافعاً؛ لأن تاريخه الماضي -بإذن الله وتوفيقه وحماية الله له وليس بنفسه ولا بحوله ولا بقوله، حتى لا يغتر الإنسان بنفسه- لأنه كان في ما مضى في محاضن خير وفي رياض علم وهدى وتقوى.
فيا أيها الحبيب! كل شاب فيكم الآن بإمكانه أن يختار، أنت تستطيع أن تحدد الغاية، كما أن بوسعك أن تختار أن تمشي من هذه المنصة أو من هذا المكان إلى السور هناك، وبوسعك أن تختار أن تمشي من هنا إلى نهاية البلاط القريب، فأنت بوسعك أن تختار أن تكون -بإذن الله- إماماً في الهداية، وبوسعك أن تختار أن تكون إماماً في الضلالة .. كيف يكون هذا؟ بمبادرتك الآن في شبابك، كما تفعل وقت الزراعة، ووقت الغرس والبذور.
ومن زرع البذور وما سقاهـا تأوه نادماً وقت الحصاد |
إني أعلم أن كثيراً من الشباب دخلوا المراكز وهم بكم- البكم المعنوي- أعياء؛ الواحد منهم لا يستطيع أن يفصح عما في نفسه، بعضهم كالعجماء التي لا تنطق، وبعد أن خرج من هذه المحاضن الطيبة المباركة أصبح فصيحاً منطقياً ذا لسان مبين! وبعضهم دخل المراكز وكان وديعاً خمولاً لا يحرك ساكناً، وربما قتله الحياء، أو ربما قتله احتقار نفسه - وهذا أمر سأتطرق له بالتفصيل- وما حالت شهور المراكز بأهلتها إلا وقد عاد نشطاً متفاعلاً إيجابياً قوياً، وله آثار عظيمة .. فيا سبحان الله! كيف تحركت هذه القوى؟ وكيف اكتشفت تلك الطاقات؟ ومن أين تفجرت تلك المواهب؟
أخي الحبيب! لا تعجب من أن المخالطة لها ذلك الأثر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بخبر يدل على أن الإنسان لو خالط بهيمة لتأثر بطبعها، فما بالك إذا خالطت إنساناً؟ فإن من باب أولى أن تتأثر به .. قال صلى الله عليه وسلم: (الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم) لاحظ أن هؤلاء لما خالطوا الإبل وهم رعاة إبل، يصيحون بها، يعسفونها، يريضونها، ينيخونها، يعالجونها، يتابعونها؛ أورثت هذه الحالة في أنفسهم فخراً وخيلاءً في الغالب، ولاحظ حال أهل الغنم .. السكينة والوقار في أهل الغنم.
وأنتم يا شباب! لو دخل عليكم من هذا الباب أربعة: اثنان رعاة إبل واثنان رعاة غنم، وتحدثوا قليلاً؛ لقلتم: هذا راعي إبل وهذا راعي غنم، وهذا راعي إبل وهذا راعي غنم، كيف؟ من خلال مخالطتهم لتلك البهائم، أورثت تلك المخالطة في نفوسهم وفي حركاتهم وفي سلوكهم تصرفات دلت عليهم، فكذلك أنت من خلال مخالطتك لأشرار أو أخيار، لأبرار أو فجار، لأناس يحترمون وقتهم أو لسفلة لا يقيمون للزمن قيمة، لرجال طموحهم إلى النجوم والثريا، أو لمساكين الواحد منهم طموحه لا يتعدى نهاية خطوته، تستطيع أن تميز بين هؤلاء وهؤلاء، إما فيما يكتبون، وإما فيما يرسمون، وإما فيما يتكلمون، وإما في لحن حديثهم، قال تعالى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30] ففيه فائدة أن الإنسان ربما عرف من لحن قوله، ولا يحكم على نيات البشر في لحن القول، لكنك تعرف اتجاه الإنسان عموماً في لحن قوله، أما أن الإنسان يعرف من خلال ما يخالط فهذا واضح جداً.
وتجد في المقابل شاباً كأن قصة شعره ذيل كلب! وكأن فنيلته مجموعة من الأعلام برقاعها وألوانها وأشيائها! وكأن تصرفاته قطة مدعوسة! بعض الشباب هكذا يمشي، فإذا تأملته وجدته مع أناس من هذه الطينة وفي تلك العجينة ومن هذه الصفات.
إذاً بوسعك أن تختار موقعك ومكانتك ومنزلتك، ولقد عرفنا أن الناس إذا خيروا بين المنازل اختاروا أسماها وأعلاها وأرقاها.
أخي الحبيب! إذا ركبت سيارة فإنك تريد أن تكون بمكيف، وتريد أن يكون القطار سريعاً وتريد المنصة وتريد المرتبة السابعة .. فتجد أن الإنسان دائماً في مسائل الدنيا يحتاج أفضل شيء، وتجده يحرص على أن يختار في أموره الطبيعية أعلى الأشياء وأسماها، فإذا جئت إلى شخصيتك ومكانتك في الآخرة وهي دار الأبد والخلود، يا أهل الجنة، حياة وخلود ولا موت .. ويا أهل النار، خلود ولا موت!! إذا جاءت الحياة الأبدية فهل تريد العليا أم الدنيا؟ تقول: أريد الدنيا!! تريد الجنة أم النار؟ تقول: أريد النار! تريد الضلالة أم الهداية؟ تقول: أريد الضلالة .. سبحان الله العظيم!! في الأمور التافهة البسيطة غترة وما غترة وجزمة وحذاء وثوب؛ تريد أحسن شيء، ولما جاءت نفسك التي هي أغلى شيء تذهب وتختار أخس شيء، سبحان الله العظيم! هذا من الغرائب والعجائب!
خذ شاباً وسوف يأتي لك بالعجائب .. هذه عنـز سورية، وهذه عنـز سعودية، وهذه عنـز من سيراليون ساحل العاج ، وهذه عنـز مصرية، وهذه عنـز من كذا، والتي يقص أذنها تصبح أغلى، والتي تقص ذنبها تطول، والتي تفتح رجلها تطلع (تاندة) .. ما هذا الكلام؟! فتجد عنده عجائب وعجائب لا تنتهي بسبب أنه جالسها، والتيس الذي اسمه صدام قيمته ستمائة، والتيس الذي اسمه سحاب قيمته مائتان، وولد الجازي قيمته ثلاثة عشر، كلام فارغ! القضية وما فيها: أن الرجل ما قرأ كتباً، فلا يوجد كتب تتكلم عن إتحاف الميئوس في أحكام التيوس، إنما جالس أصحاب التيوس والغنم فأصبح لو مرت من أمامه غنمة وضع الذي في يده وأخذ يلاحقها! فالإنسان إذا جالس قوماً أصبح منهم.
وتعال وانظر إلى بعض الشباب الذين حديثهم: هل تعلم أنه صدر الآن في المكتبات شرح جديد للبخاري اسمه فتح الباري لـابن رجب؟ سبحان الله! هل تعلم أن شرح الممتع لـابن عثيمين وصل إلى الجزء السابع؟ هل تعلم أن الكتاب الفلاني بلغ المكان الفلاني؟ هل تعلم أن كذا طبع مرة أخرى؟ هل تعلم أن الطبعة الأخيرة محققة وخرجت أحاديثها؟ هل تعلم أن هذا الكتاب نفذ من الأسواق؟ من أين أتى بهذه المعلومات؟ جالس طلبة العلم وأهل الكتب والكتاب والوراقين وغيرهم.
فيا أخي الحبيب! أنت تصنع شخصيتك باختيارك، وأكرر مرة أخرى: لا يحتقر الإنسان نفسه، فإن من الأسباب التي جعلت بعض الشباب ينحرف ليس حباً في الانحراف، ولكنه احتقاره لذاته، عندما أراد أن يحضر محاضرة جاءه الشيطان وقال له: أنت ما زلت في ضلالك وتريد أن تحضر محاضرات؟! وتريد أن تصبح مثل الشباب الملتزمين؟! اذهب وابحث لك عن سمر مع الذين يشيشون في الرصيف وشيش معهم، أنت لست لهذه الأمور! إن الشيطان يأتي إلى أحدهم فيصرفه عن طريق الهداية، ويخذله ويحطم شخصيته، ويوهن ويضع من قدره، وصدق الله العظيم حيث قال: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] لكن لو أن الإنسان احترم نفسه، وإذا جاءه الشيطان وقال له: لا تذهب، لست بكفء، قال له: اخسأ يا عدو الله! أنا ذاهب إلى المركز الصيفي ولابد، فلابد أن تشعر أن الشيطان عدو ممثل في شخص معين يستعرض عضلاته أمامك، ويدفعك ويأخذ بحجزك، ويدفع دونك من أن تصل إلى أماكن الخير ومواقع الفائدة، كما قال الله عز وجل: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً [فاطر:6] كيف تتخذه عدواً؟ لو قلت لك: الشخص الفلاني الذي في فصلك في المقعد الرابع من جهة السبورة هذا الطالب عدو لك، كيف سيكون موقفك وتصرفاتك تجاه هذا العدو؟ أولاً: لن تحبه، ثانياً: لن تسمع لقوله، ثالثاً: لو قال أنا لك من الناصحين ستقول له: كذبت، بل أنت من الغاشين المخادعين، رابعاً: لو أعطاك دسماً قلت: هذا سم، ولو أعطاك عسلاً لقلت: هذه نجاسة، دائماً تتهمه في نياته ومقاصده، فكذا ينبغي أن نتعامل مع الشيطان ومع الهوى والشهوات، لأنها تجرنا وتدفعنا إلى رذيلة ونقيصة.
أنا أعجب من ذلك شاب .. يا حبيبي! يا ولدي! يا أخي! يا بن الحلال! يا بن الناس! ما هو الذي أودى بك في الفساد؟ ما هو الذي جرك مع هؤلاء السفهاء؟ ما الذي يجلسك في هذه الأماكن؟ ما الذي يجعلك تفحط بالسيارات؟ ما الذي جاء بك إلى الشارع الفلاني تفحط وأتى بك إلى شارع الموت أو مع هؤلاء السفهاء في سيارتهم؟ قال: هم قالوا لي: تعال، وأنا أتيت، حسناً أليس لك عقل؟! هذا العقل مغلق عليه في الصندوق أو موضوع في الفريزر مع اللحم والدجاج وتخرج مع هؤلاء بدون عقل! أين عقلك؟! إذا قالوا: إلى المسجد، قل: حيهلاً، وإذا قالوا: إلى الشوارع، قل: لا .. إذا جاءك من يدعوك إلى محاضرة، قل: أهلاً وسهلاً، وإذا جاءك من يدعوك إلى ضلالة فقل: لا وألف لا.
فيا أخي الحبيب! لا تحتقر نفسك، أنت فيك خير كثير وأيضاً فيك شر كثير، وبإمكانك أن تفجر الدنيا وأن تنسف العالم وأن تخرب ما حولك، وبإمكانك أن تبني وأن تصلح، بإمكانك أن تكون طبيباً معالجاً نافعاً هادياً مهدياً، وبإمكانك أن تكون علة ومصيبة على هذه الأمة.
واليوم كثير من شبابنا يحسبون علينا ولا نستفيد منهم شيئاً، منهم اليوم الذي عنده محل .. وأنت الآن لو أن لديك مؤسسة أو شركة أو محل، ثم أحضرت لك موظفاً ووجدت أنه لا ينجز عملاً، نائم دائماً على الطاولة، دائماً لا يرد على التلفون، لا يتابع، لا ينجز، لا يعد تقارير، فإنك ستقول له: تعال، أنا أحضرتك واستقدمتك و... الخ، اقلب وجهك الله لا يحيي اليوم الذي جئت فيه، اذهب إلى بيتك لا نريدك، ثم تأتي بواحد آخر.
واليوم إن مرض أحد شبابنا، تعالوا زوروه في المستشفى، واذهبوا وائتوا له بواحد يقرأ عليه، وائتوا له بواحد يعالجه، واعملوا له إشاعات وتحاليل ومختبرات، وإذا احتاج دماً فتعالوا يا عباد الله وتبرعوا له بدم، ثم إذا نهض نهض شيطاناً مريداً لا نفع ولا فائدة، وهذا ليس بغريب، وصدق الله العظيم: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12] تلقى هذا الشاب يوم أن أصابه المرض أو صدمته السيارة أو حصل له حادث يقول: آه، يا رب! يا رب! ولا يعرف أحداً، فقط: يا رب! يا رب! وفي المستشفى يدفعونه، وهؤلاء الممرضات يطلون في وجهه، وهذه تركب له الدواء، وهذه تركب له المغذية، وهذه تعطيه حقنة، ولكنه مع هذا لم يعبر أحداً .. يا رب! يا رب! وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً [يونس:12] إما أن يمشي وهو ملتو أو قاعد على عربية فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12] يوم أن عافاه الله قام ينظر، ويقول: تعالي يا هذه الممرضة، ما اسمك؟ من أي بلد؟ قبل قليل يصيح: يا رب! يا رب! فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ [يونس:12] قام يفتح عينيه، وقام يقلب في عباد الله كما يشاء، سبحان الله العلي العظيم!
فيا أخي الحبيب! خاتمة هذا الموضوع: حوار مع الشباب، وقد قلت: نحن نتحدث عنك وعن شخصيتك .. عليك أن تعلم أن بوسعك أن تحدد منـزلتك ومقامك من الآن، تخيل نفسك إذا كتب الله لك عمراً بعد عشرين سنة أو بعد ثلاثين سنة، هل أنت في منابر الهداية أم في مواخير الغواية؟ وبوسعك أن تشق طريقاً إلى الخير وليس هذا بأمر عسير.
كثير من الشباب يقولون: الاستقامة صعبة، والطريق طويلة، ومن يستطيع أن يصبح ملتزماً! وتجد أربعة أو خمسة شباب يجلسون، ويقولون: يا أخي! فلان ملتزم! يا ليتنا نصبح ملتزمين! وهل القضية والهداية والاستقامة صعبة؟! ليس فيها أمر صعب أبداً، لكنها تحتاج إلى عزيمة، تحتاج إلى إنسان جبل .. بطل .. رجل، يقول للشيطان: لا، يقول لجلساء السوء: لا، يقول للشهوة والهوى: لا، ويعسف نفسه ويصارعها كما يصارع المصارع صاحبه في الحلبة.
أيها الإخوة: لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك، فأكتفي به، ولعل البقية ترد من خلال الحوار والنقاش الذي يرد في أسئلتكم جزاكم الله خيراً.
الجواب: أخي الحبيب! لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك الخفي، وبين أنه أخفى في هذه الأمة من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وإن كنت تأمن على نفسك فتنة الرياء والسمعة، وتعلم أنك إذا تكلمت فإن هذا يحدث لا محالة أثراً في السامعين لفعل خير وترك شر؛ فلا بأس، وإن كنت تعلم أنك إن تكلمت فإن كلامك يحدث فيهم فعل خير وترك شر، ولكن يدخل في نفسك ما يدخلها من الرياء والعجب، فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وإياك أن تحبط عملك بالرياء والسمعة، وهي من صفات المنافقين، قال تعالى: يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142].
أخي الحبيب! إن مسألة العمل وإخلاص العمل أمر غريب وعجيب، يقول أحد السلف ولعله الحسن البصري : ما كابدت شيئاً أتعبني كما كابدت نيتي.
وإنا نشكو إلى الله إهمالنا وغفلتنا وتفريطنا وتقصيرنا في أمر النية.
فيا أخي الحبيب! إذا كان الأمر فيه جانبان، وهما: يقينك بتأثر السامع، ويقينك بسلامة نفسك من الرياء والعجب، فلا بأس، وإن تحقق عدم استفادة السامع مع يقينك بسلامة نفسك من الرياء، فلا داعي لذلك أبداً وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] وإن غلب على نفسك تأثر السامع وعدم سلامة النفس من الرياء، فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
ويا أخي الحبيب! اجعل بينك وبين الله سراً، مهما كانت ذنوبك، ومهما كانت معاصيك، ومهما كانت أخطاؤك، اجعل بينك وبين الله سر لا يطلع عليه أحد .. لماذا كل أعمالنا نفسدها بالمن والأذى والرياء والقيل والقال؟ وإني من هذا المكان لأغبط شباباً إن حضروا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفقدوا، وإن خطبوا لم يزوجوا، وإن سألوا لم يعطوا، والله إنا على يقين أنهم خير منا بمئات المرات، فهنيئاً لهم إذ لم يعرفوا وقد فتح الله عليهم أبواب خير من الدعوة، خاصة دعوة الشباب والعناية بالشباب، ومجاهدة الأنفس، وتربية الشباب، التربية الفردية والدعوة الفردية، فقد حصلوا الأجر وسلموا من فتنة الشهرة والقيل والقال.
الجواب: ما كنت أظن أن الرياضة تبلغ ببعض الشباب ما بلغت؛ لولا أن واحداً حدثني قائلاً: إنه إذا كانت مباراة نهائية ثم هزم فريقه ولم ينل الكأس، يقول: أبقى ثلاثة أيام لا أذوق طعاماً أو لا حاجة لي في الزاد! آكل شيئاً بسيطاً جداً، أما الوجبات الرئيسية فلا يذوقها! لماذا؟ لا أريد أحداً يكلمني، ولا أريد ولا أريد. فقلت له: ولو قيل لك: أن مائة فتاة في البوسنة اغتصبت، فهل تتحرك؟ لو قيل لك: إن عدداً من العلماء في بلاد من البلدان أعدموا وشنقوا، فهل تتحرك؟ لو قيل لك: إن مقابر جماعية حفرت لمسلمين ودفنوا فيها، فهل تتحرك؟ قال: وهذا الذي يؤلمني أنني لا أجد لهذا أثراً.
لا شك أن هذا مصاب بمرض القلب، بل بموت القلب ولا حول ولا قوة إلى بالله! ولا شك أن الهوس الرياضي ما أصابه من أول يوم شجع فيه، لكنه أدمنه حتى أصبح يشكو حالة الانهيار والهوس كما يسميه، ولو أنه جاهد نفسه، وتذكر دائماً، والذكرى تنفع المؤمن، أن يتذكر في كل حال .. هب أن فريقاً تشجعه فاز فهل يعطيك ريالاً؟ لا، هل يرقيك مرتبة؟ لا، هل يقدمك سنة دراسية؟ لا، هل يزيد في بيتك مساحة؟ لا، هل يقدم لك طعاماً طيباً؟ لا، هذا في مقاييس الدنيا، فإذا أتيت إلى الآخرة: هل هذا يرضي الله عنك؟ لا، هل هذا يقربك من الله؟ لا، هل تتزود به علماً؟ لا، هل يحبك الصالحون ويدعون لك؟ لا، هل ترجو بذلك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة؟ لا، هل تنال بذلك أن تكون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله؟ لا. إذاً: بم ستلقى الله في هوس الرياضة؟ هل ستقول: يا رب! جئتك ومعي تمزيقي لثيابي يوم أن هزم المنتخب، وتفحيط في الشوارع يوم فاز؟ جئتك وقدمت بين يديك ومعي صياح ورسائل وأشرطة؟ والبعض يدفع من جيبه، ولو قيل له: ادفع في حفر بئر أو كفالة يتيم أو كفالة داعية أو بناء مسجد لقال: فريقنا أهم علينا مما تقولون!
أخي الحبيب! تأمل وتفكر، فالهوس ليس بحالة لا تستطيع أن تعالجها، كيف جاءك الهوس تدريجياً حتى أصبحت ذا هوس رياضي؟ فأنت تستطيع أن تكون ذا حرقة على الدين، وتستطيع أن يبلغ بك الحال إلى درجة تسهر الليل وأنت تتفكر في قضايا المسلمين، كما يحصل من بعض من نعرف، بعضهم يقول: إذا رميت برأسي على وسادتي تمر الساعات وأفزع -أحياناً- بأذان الفجر وما علمت أن الساعات مرت. يا أخي فيم تفكر؟ يقول: في جياع البوسنة، وفي المسجونين في كشمير، وفي المقابر الجماعية من قبل الصرب على المسلمين، وفي الاغتصاب للأخوات المسلمات ... يقول بعضهم: وتارة ربما انحدرت دموع على وجنتي وأنا أتقطع أسى، وكما في الأثر: في آخر الزمان يذوب قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكرات ولا يغير، وأحياناً ربما يتميز الإنسان غيظاً ويضيق حينما يرى من المنكرات والمصائب والبلاوي، لكن ينشرح الصدر حينما يرى أمثالكم ممن يعدون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:116-117] فتب إلى الله من هذا الهوس الرياضي.
الجواب: النية أساس العمل، فما دمت نويت أن تستفيد فسوف تستفيد، أحبابي! لو جلست مع شاب عمره نصف عمرك ونويت أن تستفيد من حديث معه لاستفدت، لو أخذت كتاباً وأنت تنوي أن تنتقده لن تخرج إلا بالانتقادات ولن تخرج بفائدة، ولو أخذت كتاباً وأنت تنوي أن تستفيد منه لاستفدت، فنيتك هي أهم شيء، شعورك بقصور نفسك، قناعتك بأنك مريض تحتاج إلى علاج بحسب درجات المرض، وكلنا نحتاج إلى ذلك، أنا مقتنع أنني مريض، وربما وجدت العلاج بجلسة معكم أستفيد منكم وأسمع منكم وتسمعون مني، وأنت تقتنع أنك مريض بحاجة إلى من يسددك ويصوبك، وكلنا مرضى ومن ذا الذي يدعي الكمال؟ ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها؟
والله -يا أحباب- إننا كما يقول القائل: مريض يعالج مرضى، وعليل يناصح معلولين، ولكن حسبنا أن نتواصى فإنها سمة المؤمنين، كما قال الله عز وجل: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
المشاركة في هذا المركز شرف وفخر أعتز به، وليس عندي مانع أن أشارك ثانية وثالثة، وما تشاءون من المشاركات إذا كان لدي فرصة أو وقت يسمح بذلك، حتى لو أردتم نلعب سلة.
الجواب: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك .. أخي الحبيب! إياك والتمادي في أسباب العشق والتعلق خاصة بالأحداث ..
فما في الأرض أشقى من محبٍ وإن وجد الهوى حلو المذاق |
تراه باكياً في كل وقتٍ مخافة فرقةٍ أو لاشتياق |
فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق |
وكم أفسد هذا الداء الخسيس! نسأل الله أن يعافينا وإياكم، نسأل الله ألا يبتلينا في أنفسنا، والمعافى من عافاه الله، والمسَلَّم من سلمه الله.
أقول: إن هذا قد أنزل رجالاً من مستعصمهم إلى مهاوي الرذيلة والمواقع الآثمة، ثم عجبت أن يهوى شاب شاباً أو رجل رجلاً، سبحان الله العلي العظيم! أما تعلم أن في أنفه المخاط؟ أما تعلم أن في عينيه القذى؟ أما تعلم أن في جوفه الخراءة والعذرة والبول؟ أما تعلم أن في مغابنه وبراجمه العرق؟ أما تعلم أن في فمه البخر؟ أما تعلم أنه قطعة تجيف وينتن ريحها إذا تركت لولا أن الله سترها بالدفن لو ماتت؟ أما تعلم أنه لو مات ما أطاقه أهله وأحبابه وأقاربه؟ أما تعلم أن ما تفعل جزاؤه خسف ومسخ؟ أما تعلم أن جزاء من فعل هذا وتمادى فيه أن يصعد به أعلى شاهق ويرمى من أعلاه عقوبةً له على خسة طبعة ودناءة نفسه؟
وعلاجه الإعراض والبعد، ابتعد، يوجد مكان أنت مبتلى فيه ببلاء فابتعد عنه.
فخاتمة المطاف في هذا السؤال نقول لصاحبنا: إن من الأدوية الناجعة المفيدة لمن ابتلي بمثل هذا الداء الخبيث -والعياذ بالله- أن يبتعد عن الموقع الذي فيه هذه الفتنة وهذه البلية، فلعل العين إذا غابت بنظرها اشتغل القلب بشغل أجل وأهم، أخي! سبحان الله العلي العظيم! أسأل الله ألا يبتلينا في أنفسنا، أسأل الله أن يعافيك وألا يبتلينا.
يا إخواني! تصوروا لو أن واحداً أبوه ميت أو أمه متوفاة، فجاءه واحد صديق وقال له: بياراتنا غير صالحة أصلحها لنا، يا أخي! نحن في بيارات أم في حالة موت حبيب وعزيز وغالٍ؟! لا يمكن أن تأتي بالهم عند الهم هذا إطلاقاً، فكذلك أين الهم في هداية المسلمين ودعوتهم؟ وأين الهم في إصلاح المجتمع؟ وأين الهم في الأمر بالمعروف؟ وأين الهم في الجنة والفردوس الأعلى؟ وأين الهم في رؤية الله عز وجل والنظر إلى وجهه الكريم؟ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] وأين الهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم؟ أنت تعلم أن همك في مثل هذا الشذوذ وهذا البلاء يحرمك ويرديك وينكسك ويحرمك أموراً عظيمة وجليلة، فهل تضيع هم جلال الله والنظر إلى وجهه الكريم، وحب المصطفى صلى الله عليه وسلم ولقاءه، ومقابلة الأخيار، والجنة والنعيم والحور والرضا، رضي الله عنهم ورضوا عنه، تضيعه كله لأجل هذا الأمر الذي تدعيه أو تذكر أنك متعلق به؟!! أنا لا أقول هذا ساخراً ولا مستهزئاً، فلا تهزأ بأخيك يعافيه الله ويبتليك، لكن أقول: اجعل في النفس هماً عظيماً، ثم ستجد أنك تضحك على نفسك وتقول: كيف أهتم بأمر كهذا ..
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام |
الجواب: أخي الحبيب: الذي يقول: إنه متردد في الاستقامة، فنحن نسأله عن أسباب التردد، بعض الشباب يحب الأخيار ويدعو لهم، يبتسم في وجوههم، يستضيفهم في بيته، يقدم لهم أزكى طعام، ويهديهم أطيب سلام، يذب عن أعراضهم، يدافع عنهم، لا يرضى أن يسمع فيهم مسبة ولا قالة، لكنه لم ينضم معهم، ولم ينخرط في سلكهم، ولم يعمل داعية إلى الله كما يدعون؛ والسبب أوهام ووساوس قال الشيطان بها، وأذكر طرفاً منها:
فمن ذلك أن أحدهم يقول: إنني إذا التزمت واستقمت أخاف أن أصبح غداً من هؤلاء الذين يفجرون، لأنه ما بينه وبين التفجير إلا أن يستقيم ويلتزم، كما حصل بعض الناس للأسف من التصور، بعضهم يوم أن أراد أن يستقيم ولده، قال له: عندك نية تطوع وفي الغد تأتي لنا برجال ينسفون أبها، أو عندك نية وعندك نية .. أصبح كل متدين معناه أن معه حزاماً ناسفاً، و(تي إن تي) و(سي فور) و(ريموت كنترول) تفجير ونسف، هذا ليس بصحيح، إذا كان هناك أربعة أو خمسة أو عشرة أو عشرون أو خمسون ضلوا الطريق، وسلكوا مسلك التكفير، ورضعوا أفكار الخوارج نقول هذا بقوة ولا كرامة، لابد أن نميز وإلا سيأتي يوم من الأيام يرمى الجميع بجرم أي واحد ضال منحرف، لكن إذا كنا صريحين صادقين في التفريق والتمييز والتمايز بين من يحسب على الدين الحق والالتزام الصحيح والمنهج الشرعي وطريقة أهل السنة والجماعة ومن ليس منهم، حتى ولو وفر لحية أو قصر ثوباً، وليس العيب في اللحى والثياب، حينئذ نكون صادقين وجادين ونعرف.
فأقول لهذا الذي يتردد: يا أخي الحبيب! نحن في هذه المملكة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها لا تكاد تجد إلا نزراً يسيراً ممن تأثروا بمثل هذه الأفكار، تحت ظروف المراهقة وصغر السن والجهل وعدم العلم وعدم الاتصال بالعلماء وعدم الرجوع للعلماء، فلا تظن أن كل المتدينين هكذا، لا أحصي لك من مئات الآلاف من الشباب أو الملايين من الشباب المتدين يعفون لحاهم، ثيابهم على السنة، يسمعون الشريط الإسلامي النافع ويوزعونه، يقرءون الكتاب الإسلامي النافع ويلخصونه، يتحلقون على العلماء، يتزاحمون بالركب في دروسهم، أهل الصلاة والمساجد، أهل القيام والصيام والتهجد، أهل البر، وما علمنا عنهم إلا جداً واجتهاداً وعزماً وحزماً وحيوية ونشاطاً وبذلاً وخيراً، ونفع الله بهم الإسلام والمسلمين.
فالتردد من أجل أني لو أعفيت والتزمت واستقمت أني سأصير بهذه الصفة؛ هذا من خلط الشيطان ووسوسته، يقول أحد الشباب: إنه قابل شخصاً في المصعد فقال له: هل معك سيجارة؟ فقال له: يا أخي الكريم! مصعد وضيق، والتدخين يضرك، أتعرف أنه من الخبائث، وكذا، قال: يا رجل! أحسن من اللحية هذه التي فيها متفجرات! مباشرة قال له: تف، وتنفجر عليها ويذهب. قال: خوفته بلحيتك وأعطيته حركة. هل هذا عقل عندما يقول: أحسن من اللحية التي فيها متفجرات؟!! انظر إلى أي درجة نزغ الشيطان لسانه فقال بكلمة سخيفة خسيسة.
نحن -والحمد لله- عرفنا الشباب الطيب من أكثر من خمسة وعشرين سنة أو عشرين سنة وما سمعنا -أنا أحدثكم عمن لقيت وعرفت من الأساتذة والدعاة الأفاضل- ما سمعت -والله- يوماً ما من أحدهم كلمة تدعو إلى ضلالة أو غواية أو إفساد في المجتمع، بالعكس نسمع منهم الدعاء لولاة الأمور والتواصي به، نسمع منهم النصيحة للمسلمين عامة ولولاة الأمور أيضاً والتواصي بذلك، نسمع منهم العناية بالوالدين والاهتمام بهما، نسمع منهم العناية بإصلاح أوضاع المجتمع، نسمع منهم العناية بنفع المساكين والمحتاجين .. هذا معوق، وهذا مشلول، وهذا عنده علاج، وهذا يحتاج إلى مساعدة، وهذا عليه دية لا يجد من يجمع له، وهذا عليه دين يريد من يشفع له، وهكذا تعلمنا من الطيبين الذين نعلم أنهم منتشرون في أنحاء هذه البلاد.
فإذا نزغت نازغة أو خرجت خارجة محدودة في عشرات أو أقل من مائة أو شيء من هذا لا يحسبون على البقية، فينبغي أن نتبرأ من سلوكهم، ونحن لا نكفرهم، فإن علي بن أبي طالب لما سألوه عن الخوارج وقالوا له: [يا أمير المؤمنين! أكفارٌ هم؟ قال: لا، من الكفر فروا، لكن بغوا علينا] ومع ذلك قاتلهم وقتلهم وما كفرهم، فنحن نرضى ونسلم بالإجراءات الشرعية والرسمية التي أجرتها الدولة وصدرت من العلماء ومجالس القضاء محل ثقة، وما عندنا اهتزاز ثقة في ولاة الأمر من كبار العلماء والمسئولين إطلاقاً، ينبغي أن نسلم بالثقة، سيما مسئولية الأمن مسئولية خطيرة، ولولا الله ثم الأمن ما اجتمعنا هنا، لو أننا في حرب فهل نستطيع أن نجتمع في مراكز؟ كيف تدعو في ظل حرب؟ كيف تقوم بمشاريع دعوية أو خيرية أو صحية أو توعية أو اجتماعية، أو غيرها في ظل حرب إطلاقاً؟ فكل خير بعد فضل الله عز وجل في ظل الدين ثم الأمن، ونحن نحترم هذه المسئولية ونرى أنها مسئولية الجميع، سواءً في وزارة الداخلية، في المراكز الصيفية، في جميع الدوائر، في الجامعات، في المعاهد، في المدارس، في كل مجال ينبغي أن يكون عندنا حس أمني، ولله الحمد هذا موجود.
وقد يتردد هذا الشاب الذي يريد الاستقامة، ويقول: وإذا استقمت فأنا قد لا أستمر فنقول: يا أخي! وهل شرعت التوبة إلا من الزلل؟ وهل شرع الاستغفار إلا من الخطأ؟ تب إلى الله عز وجل، أقلع عن ذنوبك، أبعد ما عندك من آلات اللهو وصوره ومجلاته وأشرطته ووسائله، حطمها، كسرها، فإن وقعت بعد ذلك في زلة فأتبعها بالاستغفار وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].
قد تقول: أنا متردد في الاستقامة، أخشى أني أغلط مرة ثانية. نقول: استقم، وإن غلطت فتب، وإذا أخطأت فأحدث بعد الخطأ عملاً صالحاً يمح السيئة (وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).
وقال أحدهم: إنني أريد أن أستقيم، لكن أهلي يمنعونني ويقولون: هؤلاء المطاوعة وراءهم أشياء وأشياء. أنا أرى الشيخ الآن ماذا وراءه؟ فنيلة علاقي، لست أرى مسدساً ولا ميراجاً، ولا (ترنيدو) ولا (إف 60) ولا (إف 16) إطلاقاً، ليس وراءه إلا فنيلة علاقي.
فالشاهد يا أخي الحبيب! ادفع عنك هذه الأوهام، وبعض الشباب فعلاً، حتى أضرب لك مثالاً على أن الشيطان يعرقلنا، يكبلنا، يقيدنا عن الدعوة والاستقامة، يقول بعض الشباب: أنا -أحياناً- أفكر وأقول: سأدعو إلى الله، وسأوزع أشرطة وكتباً، وأشترك في المركز، وسأفعل، يقول: ثم قليلاً قليلاً أحس أنه ينـزل على رأسي جبل من الخوف وأحس أنني مراقب، وأن الناس يطالعونني، وأن حولي أناساً يراقبونني ويتابعونني ..! يا زعيم المافيا، هم لا يراقبونك، ماذا عندك يا أخي لكي يراقبوك أصلحك الله؟! تراقب لأنك تصلي مع الجماعات! تراقب لأنك تسابق المؤذن إلى المسجد! تراقب لأنك تشتري شريطاً مفسوحاً من وزارة الإعلام! تراقب لأنك تلخص كتاباً يباع في المكتبات وفي الشوارع! تراقب لماذا؟ ما هذه الأوهام الجنونية؟!
أقول: ربما أنك تتردد لهذه الأسباب، أو تتردد أسفاً على شهوة، أو لا تريد أن تفارق شهوة، أقول: ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، اترك ما تشتهي لما يرضي الله عز وجل، ولن تكون أبلغ من مصعب بن عمير الذي كان فتى مدللاً غنياً ثرياً وسيماً ناعماً معطراً، فترك كل ذلك لوجه الله، فأكرمه الله بالشهادة في سبيله، وهو مع الأبرار والأخيار في جنات النعيم.
الجواب: انظر يا أخي الحبيب! ليس هناك مرحلة بين الاستقامة والانحراف لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدثر:37] ليس هناك توقف، إما أن تتقدم إلى الاستقامة أو تتأخر إلى الغواية والضلالة، حتى الاستقامة ممكن أن يقع أثناءها شيء من الزلل أو الخطأ أو الذنب، فتتبعه بتوبة واستغفار وإنابة ورجوع، مشكلة بعض الشباب يقول: أنا لا يمكن أن أستقيم؛ لأنني لو استقمت إما أن أصير ملكاً من الملائكة معصوماً ولا أخطئ، وإلا لا يمكن، أنا لا أقول لك: استقم وليس هناك مانع أن تعصي وأن تلعب وتلف وتدور، لا، أقول: استقم، وخذ العهد والعزم على ألا تضل، وألا تنحرف، وألا تتساهل مع النفس، وألا تنساق وراء الشهوات والأهواء، لكن إن وقع منك زلة أو خطيئة، فيا سبحان الله! قد زل من هو خير منك فعاد وأناب إلى الله وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25].
فيا أخي الحبيب! تب إلى الله وعد، وأما أن تقول كما يقول بعضهم: أنا والله أريد أن أكون وسطاً، إذا كنت أنت وسطاً، فماذا يكون أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم؟ أهم غلاة؟ أهم متطرفون؟ ما هذه الوسطية التي ندعيها؟ ويقول: أنا لا أريد أن أكون مروج مخدرات وسفاح دماء، لكن لا أريد أن أكون شاباً ملتزماً، أنا أريد أكون وسطاً؟ لا تخادع نفسك بكلمة الوسط هذه، الوسط هو العدل والخيار وهو الذي يرضي الله عز وجل: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143] الله جعلنا وسطاً، فالوسط هو الخير والعدل والتمام والصلاح، فلا تخادع نفسك، فعليك بالاستقامة.
وقضية الاستقامة بعيداًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً عن الالتزام بالصحبة الصالحة هذه مسألة ترجع إلى شخصيتك أنت، بعض الشباب مشغول بالقراءة، مشغول بالبحث العلمي، مشغول برسالته العلمية، مشغول بالتعليم، مشغول بالدروس العلمية، مشغول ليلاً ونهاراً، فنقول: ليس من العقل أن تترك هذا الخير العظيم، بل نحن نخالط الشباب، ونعد الشباب، ونستفيد من الشباب من أجل أن نبلغ هذه الدرجة، درجة التأليف والتصنيف ونفع الناس والدعوة إلى الله عز وجل، فإذا استطعت أن تبلغ هذا الخير بمفردك دون الاختلاط بأحد مع أمان على النفس، فلا أحد يمنعك أن تفعل هذا، لكن قد أخبرنا الواقع وحدثتنا التجارب أن الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية كما في الأثر، لا تكن طرفاً فإن الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية.
وأتذكر يوم أن كنا صغاراً في مكتبة في السويدي، كان معنا أحد الشباب وكان مولعاً بالقراءة، قال: أنا ليس لي حاجة للاختلاط بكم. والله -يا إخوان- ما هي إلا أيام ثم بدأ يقرأ كتباً منحرفة، ثم بدأنا نفقده في الصلاة، ثم بدأ لا يصلي مع الجماعة، ثم ركب على بيته بعد فترة دشاً، وفي بداية الدشوش، مع بدايتها كان من أوائل الذين ركبوا، وفرض على أهله، وشكا أهله منه انحرافات عجيبة وغريبة، سبحان الله العلي العظيم! كيف حصل هذا الأمر؟ نتيجة لأنه قال: أنا سوف أستقل بنفسي، أما من يثق بنفسه فلا حرج.
الجواب: أخي الحبيب! نحن نريد أن نلتزم لكي نسجل في حلقات القرآن، فإذا استطعت أن تسجل في حلقات القرآن فأنت قد قطعت شوطاً كبيراً في الاستقامة والالتزام، وبالمناسبة لا نريد أن تكون المراكز الصيفية مشغلة وملهية للشباب عن الدروس العلمية وحفظ القرآن الكريم، بل لابد أن يكون من ضمن البرامج في المراكز الصيفية حلقة تحفيظ قرآن موجودة لمدة ساعة أو ساعتين، جميع الأسر تتحول إلى خلايا نحل لها أزيز بالقرآن، حتى يحفظ كل ما يسر الله له يومياً، حتى لا تكون المراكز قد أشغلت وصرفت بعيداً عن تحفيظ القرآن، وما فائدة الاستقامة إذا لم تقربنا إلى كتاب الله عز وجل؟
فإذا كنت ستسجل في حلقة تحفيظ القرآن، فهذه الحلقة وتسجيلك فيها وانضباطك في الحفظ واستمرارك فيه دليل على أنك قطعت في الالتزام شوطاً طيباً جزاك الله خيراً.
الجواب: نسأل الله أن نكون صالحين، وأما الإصلاح فأن تنقل ما حققته من الخير والهداية والاستقامة التي تراها في نفسك وسلوكك إلى الآخرين، بالكلمة الطيبة، بالخلق الحسن، بالمعاملة الجيدة، بهدية الشريط والكتاب، بأخذ هذا الشخص الذي تريد دعوته، تتألف قلبه إلى المركز وإلى المحاضرة، تزوره بأخ في الله، تهديه هدية، كل هذه من الأسباب التي تفتح المغاليق، وأحيل إلى شريط عنوانه: "الدعوة الفردية" نافع جداً في هذا الباب.
الجواب: تحافظ عليها إذا أكرمت نفسك ونزهتها عن أن تسقط بها في حضيض مجالس اللهو والغفلة، وكنت دائماً في وسط نافع يذكرك بالله إذا نسيت، ويعينك على طاعة الله إذا تذكرت، فهذا يحقق لك بإذن الله، ومن معتقد أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، لكني أنصح بنصيحة هي من ضمن الأعمال الصالحة التي يزداد بها الإيمان، لكنها -بإذن الله- فيها خير، وهي كثرة الاستغفار وذكر الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة أو تمحى عنه ألف سيئة؟ قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يسبح الله مائة تسبيحة، فتكتب له مائة حسنة، أو تمحى عنه ألف سيئة). وقال صلى الله عليه سلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مائة مرة؛ كان كمن أعتق عشر رقاب، وكانت حرزاً له من الشيطان سائر يومه ذلك).
دائماً عود نفسك على الذكر والاستغفار مع الشهيق والزفير: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.. أستغفر الله.. أستغفر الله.. حتى لو اقتضى الأمر أن تأخذ سبحة وتسبح بها، فهذا ليس ببدعة كما يظن بعض الناس، فقد سمعت سماحة الشيخ العلامة الإمام محمد بن صالح بن عثيمين سئل في (نور على الدرب) عن رجل يقول: أنا أستخدم سبحة فيها عدد خمسمائة حبة -انظر هذه سبحة طويلة!- من أجل ضبط التسبيح، يريد أن تكون مثلاً كل مائة تسبيحة مائة تهليلة، يريد أن يضبط العدد؛ فقال الشيخ: إذا كان الإنسان يستخدم السبحة لضبط العدد ليس لقصد الاعتقاد أن السبحة فيها مزية وفضيلة فهذا لا بأس به، لكن يراعى في ذلك أن الإنسان ربما يفتح عليه باب أنه يسبح أمام الناس بسبحة فيدخله الرياء، ولو عود نفسه دائماً أن يسبح في نفسه لكان أفضل، والتسبيح بالأنامل أفضل، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من الصحابيات إحدى أمهات المؤمنين معها مكتل أو زنبيل فيه حصى، فقال: ما تفعلين به؟ قالت: أعد به التسبيح يا رسول الله! فما أنكر عليها ذلك، ولكنه أرشدها إلى التسبيح بالأنامل فقال: (إنهن مستنطقات) أي: تشهد لك بتسبيحك.
فكون الواحد يجعل له سبحة -مائة حبة- يسبح بها، لا بأس به، حتى أن بعض الشباب إذا جاء لينام تأتيه الهواجس وتلعب به وقام يفكر، حتى بعضهم هواجسه تقوده إلى العادة السرية والأمور الخبيثة، لكن توقع لو أنه مد له مائة سبحة وجلس يستغفر الله، فيغلبه النوم وهو يسبح، ما يسبح مائتين أو ثلاثمائة إلا وهو داخل في نومة طويلة عريضة؛ فاجعل التسبيح دائماً قضيتك، إذا كنت لا تسمع شيئاً نافعاً أو لا تتحدث في شيء نافع فسبح بأناملك، واضبط العدد، سبح مائة حبة أو مائتين أو ثلاثمائة، خذ السبحة وسبح ليل نهار، فهذا مما يحافظ على الإيمان ويضيء وجهك بإذن الله عز وجل.
في الختام نسأل الله العظيم أن يرفع قدر الشيخ، وأن يعلي منـزلته، وأن يجعل ما سمعنا حجة لنا في موازين أعمالنا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر