إسلام ويب

حقوق ولاة الأمرللشيخ : سعد البريك

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذا الدرس تحدث الشيخ عن مسألة التبعية وشرعية الحاكم والنظام في المملكة، مبيناً بعض الحقوق الخاصة بولاة الأمور الذين لم يحدثوا كفراً بواحاً وإنما جاروا وظلموا، وموقف أهل السنة من الخروج على الحكام الظلمة الفجرة.
    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله؛ على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، ومن بين هذه النعم العظيمة اجتماعنا في بيت من بيوت الله، نتلو كلام الله، ونتدارس سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

    أحبابنا! موضوعنا اليوم يحتاج إلى العلم أكثر من العاطفة، ويحتاج إلى النقل أكثر من الاجتهاد، ويحتاج إلى الفهم والوعي أكثر من غير ذلك، والكلام عن حقوق ولاة الأمر فرع عن أصل اعتقاد لزوم البيعة وشرعية الحاكم والنظام، وليست هذه المسألة محل شك أو نزاع حتى نطرح تفصيلها، أي أن مسألة استقرار البيعة وشرعية الحاكم والنظام في هذه البلاد مسألة لا تحتاج إلى نصب كثير من الأدلة أو إقامة عدد من الحجج والبراهين، فأراها جلية واضحة لمن سلمه الله من الهوى ونفعه بعلمه وعقله.

    لكننا حينما نقول: إن هذه المسألة فرع عن اعتقاد لزوم البيعة؛ لأنه لا قيمة للحديث عن حقوق ولاة الأمر إلا إذا كنا نرى ونعتقد أن هؤلاء الولاة لهم في أعناقنا بيعة، وحكمهم ونظامهم شرعي يجب الإذعان والسمع والانقياد له ويحرم الخروج عليه، ومن كان يرى غير ذلك؛ فإنا نبرأ إلى الله من قوله، بل نبرأ إلى الله من كل قول ينص أو يفضي إلى عدم القول بشرعية هذا النظام ولزوم طاعته.

    أيها الأحبة! لا أعرف أن من منهج أهل السنة والجماعة أن يمتحن الناس في مسألة البيعة، بمعنى: أن نفترض الشك في آحاد الناس أو أعيانهم أو أفرادهم ثم نأتي لنمتحن كل واحد فنقول له: ما رأيك في هذه القضية وما قولك في هذه المسألة؟ لا أعلم ولا أعرف أن من منهج أهل السنة والجماعة أن يمتحن الناس في مسألة البيعة، خاصة وقد تواطأت مقاصد الشريعة وقول أهل الحل والعقد ومصالح الناس، واستقرت الأحوال على هذه البيعة، بل الذي أرى أن النزاع حول هذه القضية وأن امتحان الناس فيها هو كالتشكيك في نسب الأبناء إلى الآباء؛ لأنها قضية واضحة المعالم في لزومها وثبوتها فلا تحتاج إلى امتحان، وكما قال الشاعر:

    وليس يصح في الأذهان شـيء     إذا احتاج النهار إلى دليل

    أيها الأحبة! ومع ذلك فلا بأس أن يتكلم في هذا الأمر إذا اتهم أحد بالقول بضده دفعاً للريبة، ولا بأس أن يتكلم فيه من يخشى أن يتهمه الناس بضده، والدليل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما، إنها صفية) إذ فيه مشروعية القول والفعل إذا وقعت الريبة في شخص بأمر هو منه بريء، أو خشي أن تحوم حوله ريبة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خشيت أن يقذف الشيطان في قلبيكما أمراً) فحينئذ لا بأس بطرح هذا الأمر لتندفع هذه الريبة.

    وقد يطرح هذا الأمر أيضاً لا من باب دفع الريب القائمة أو المتوقعة وإنما من باب تقرير هذا الأمر والتحذير من الشبهات الواردة حوله، وهو أصل مهم قبل حلولها أو تفاقمها وتناقلها بين الطغام والجهلة والعوام، وليس هذا بغريب، فقد ورد تقرير توحيد الله عز وجل، وورد التحذير من الشرك ودفع الذرائع الموصلة إليه، وأمر التوحيد أهم من هذه القضية، لكن الأمر إذا كان مهماً احتاج أيضاً أن يكرر وأن يقرر وأن يؤكد وأن يبدأ فيه ويعاد، فدل على أن الأصول المهمة حتى مع القول بالتسليم بها وعدم قبول النزاع فيها إلا أن ورود التأكيد عليها والتحذير مما يعارضها أمر مشروع، ولأجل ذلك نطرح هذه القضية ولهذا السبب: وهو أهمية هذه القضية وضرورة التأكيد عليها.

    أسباب الهروب من الكلام عن حقوق ولاة الأمر

    ليس من الصواب أن نطرح القضايا والأمور الصغيرة بكل وضوح وحماس وجرأة، ثم نغفل أو ننسى الحديث عن هذه القضية الكبيرة والمهمة والخطيرة، فهذا الموضوع نادر ما يطرح، والسبب في نظري: لا يعود إلى نزاع فيه أو تشكيك، فهو مسألة محسومة بل هي من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة ، وإنما السبب هو الهيبة من طرح هذا الأمر، والنظر إلى كبار العلماء أن يطرحوه وحدهم دون غيرهم؛ ليؤكدوا على أهميته حتى لا تصبح هذه القضية على لسان كل مرشد أو واعظ قد لا يحسن عرضها أو دفع الشبهات الواردة حولها، ولكن لما انتقلت عدوى مناهج التكفير والخوارج بات لزاماً على كل داعية يأنس في نفسه القدرة والبيان أن يطرح هذا الأمر حسبة وقربة وعبادة لله، مع عدم اتهام الآخرين بالسوء لأنهم لم يطرحوه؛ لأن العبرة في طرحه بالقدرة عليه؛ ولأنه ليس من الأصل أن يمتحن الناس فيه كما قلت آنفاً.

    أما الذين يتهمون إخوانهم ممن يطرحون هذا الأمر بالرجعية أو المداهنة أو النفاق والتزلف، فنقول لهؤلاء: إن كنتم تجهلون هذا الأمر ومنزلته من الدين فتعلّموا، وإن كنتم ترون ضد ذلك؛ فإلى الله نبرأ مما تقولون، وإن كنتم ترون هذا الأمر لكن لا تحبون الحديث فيه؛ فهذا هو الهوى فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50] وإلا فبمَ نفسر كراهية الحديث عن هذا الأمر مع الإيمان والإقرار به؟ لا نفسر كراهية الحديث حول هذا الموضوع إلا بالهوى، وصاحب الهوى في مثل هذه الحال لا يرد النصوص الثابتة في هذا الأمر حتى نقول: إنه من المكفرين الذين لا يرون هذه المسألة، لكنه لا يستجيب لمقتضى هذه النصوص ولا يحب الحديث حولها، فهو كمن لا يشك في نسبته إلى والده لكن لا يريد أن يلتزم بحقوق والده عليه، فلم يبق لهذا تفسير إلا الهوى الذي حذر الله عز وجل منه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3087725539

    عدد مرات الحفظ

    773729751