إسلام ويب

الكنوز الضائعةللشيخ : سعد البريك

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله جل وعلا قد أعطى هذه الأمة كنوزاً كثيرة، تحصنهم من الشيطان، وتلين القلوب، وتنشط الجوارح، وتطرد الهموم، وتهدي إلى الصراط المستقيم، وتصل العبد بربه حتى تجعله لا يتعلق بأحد سواه، ومن مارس عرف، وفي هذه المادة ذكر طرف من ذلك.

    1.   

    المسارعة في الخيرات

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    أيها الأحبة في الله .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أسأل الله عز وجل في مستهل هذا اللقاء أن يجعل قولنا واستماعنا وسعينا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجنبنا النفاق والرياء والسمعة، وألا يجعل للشيطان في أعمالنا حظاً ولا نصيباً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    أحبتي في الله! الحديث عن الكنوز الضائعة حديثٌ يطول ولا يسعه مقامٌ قصير كهذا، ولكن حسبنا أن نشير إلى أن ثمة كنوزٍ نضيعها بأيدينا ونسعى في تلفها، ويا ليت ما ضاع منها يتدارك، لكن ما مضى منه مضى بظرفه وزمانه، ومن كان له حظٌ في الاستدراك قبل الفوات والاستعداد قبل الممات، فإنه إن أعين على ذلك بنية وعزمٍ صادق فلعل الله عز وجل أن ينيله خيراً فيما بقى من حياته.

    إن الله سبحانه وتعالى وصف خيرة خلقه وهم أنبياؤه ورسله بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [الأنبياء:90] فالمسارعة والمسابقة والمبادرة والاغتنام من الأمور التي لا تكون إلا على شيء يضيع أو يفوت، إن شيئاً قد توفر وتجمع بكمياتٍ هائلة لا أظنك تقول لأخيك: اذهب فاغتنم حظك من هذا؛ لأنك تعلم أن الكثير الكثير من أجناسه وأنواعه باقية لا تنفذ، لكن ما فات وما يزول وما يتخطفه الناس فإنك تقول لصاحبك: بادر واغتنم وأسرع ولا تدع الفرصة تفوتك وانتهز ذلك، إنها غنيمة، والمحروم من حرم والخاسر من خسر في أمرٍ إذا مضى ربما كان فوته لا يستدرك أبداً، فما بالك بأعمال تضيع في أوقاتٍ لا يمكن أن نتداركها، بل لو اجتمع الإنس والجن وكان بعضهم لبعضٍ ظهيراً على أن يعيدوا لنا ساعة مضت قبل غروب شمس هذا اليوم لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فما بالك بما مضى من الأيام والسنين والأعوام وما فيها من خزائن، الله يعلم كم من حسرة سوف يبثها العباد إذا فتحوا خزائنهم يوم القيامة ليروا أنه قد مضى عليهم أوقاتٌ كثيرة وودعت خزائنها خالية فارغة ليس فيها من العمل الصالح شيء، قال الله سبحانه: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وقال عز شأنه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133].

    فيا عجباً كيف يدعونا ربنا إلى المسارعة؛ نسارع إلى المغفرة ونسارع إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ولماذا ندعى بخطاب المسارعة والمبادرة؟ الجواب واضح: لأن الآجال لا تدع أحداً ربما يحقق أو يطبق ما سوف أو وعد بفعله في المستقبل

    صادفن منها غرة فأصبنها     إن المنايا لا تطيش سهامها

    يا نائم الليل مسروراً بأوله     إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

    1.   

    فضل ذكر الله جل وعلا

    قال ربنا جل وعلا: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21] والخيرات كثيرة، ولكن حسبنا أن نركز جل وقتنا هذا على عبادة جليلة، بجارحة صغيرة لتحقيق وتحصيل حسناتٍ كثيرة، ألا وهي: ذكر الله، قال عز وجل: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].

    والذكر شأنه عظيم، وإني أسألكم الآن: هل يستطيع أحدكم أن يحرك يديه ورجليه بقدر ما يحرك لسانه؟! إنك لا تستطيع، بل لا يمكن أن تحرك جفن عينك على خفت وزنه وقربه فضلاً عن تحريك يدك أو قدمك بقدر ما تحرك لسانك، فهذا اللسان يمكن تحريكه بأيسر وسيلة وطريقة لتحصيل عبادة جليلة ثوابها كثير وخيرها وفيرٌ بإذن الله، ولكن من الناس من لديه استعداد أن يهجر ويلغو ويثرثر ويتكلم ويهرف بما لا يعرف، ويهذي بما لا يدري ليقول ما يضر ولا ينفع، الليل والنهار، وإذا قيل له: قل لا إله إلا الله اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45] فيا عجباً كيف يطيب لهذه الألسنة أن تتكلم الساعات الطوال في الغيبة والنميمة، وفي القيل والقال، والغادين والرائحين، والذين أعطوا والذين حرموا، والذين أخذوا والذين منعوا، ثم يكل عليها أن تتكلم بذكر الله الذي هو شفاء الأبدان ودواء القلوب، الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

    أيها الأحبة .. السلامى هي المفاصل، فهذه الأنملة كل مفصلٍ فيها يسمى سلامى، فكم في بدنك منها؟ إنها كثيرةٌ جداً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن علينا لله في كل سلامى من أبداننا صدقة) حيث قال في الحديث الذي يرويه أبو ذر : (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما العبد من الضحى).

    أولاً: هذا الحديث رواه الإمام مسلم فهو حديث صحيح، ومفاده: أن علينا لنعم الله علينا واجب الشكر وأداء النعم وإن كنا لا نستطيع حصرها ولا شكرها،

    إذا كان شكري نعمة الله نعمة     علي له في مثلها يجب الشكر

    فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله     وإن طالت الآماد واتصل الدهر

    إذا عم بالسراء أعقب مثلهـا     وإن عم بالضراء أعقبها الأجر

    إذا كان مجرد هذا المفصل الذي يتحرك في الأنامل لله عليك فيه صدقة؛ بتسبيحة، أو بتهليلة، أو بتكبيرة، أو بأمر بالمعروف، أو بنهيٍ عن المنكر، أو إغاثة ملهوف، أو مساعدة محتاج، أو ابتسامة في وجه مسلم، أو ما شئت من وجوه الصدقات، فما بالك بما لله علينا من الصدقات الواجبات في أبصارنا؟! ماذا أحدثك عن عينك، ماذا أحدثك عن هذه الماسحات التي كلما علق الغبار على هذه الزجاجة أو هذا الغشاء الرقيق تحركت حركة أنت لا تدركها برطوبة لكي تغسل العين، وماذا أحدثك عن القَرَنِية وعن الشبكية وعن عصب العين؟! وماذا أحدثك عن جارحة الشم أو جارحة السمع أو جارحة الهضم أو جارحة التنفس أو جوارح كثيرة؟ إذا كانت السلامى -المفصل- لله عليك فيه صدقة، فكم من صدقة لله عليك في سمعك، وكم لله عليك من صدقة في بصرك، وكم لله عليك من صدقة في يدك وفي قدمك وفي جوفك وفي الكلى.

    خذ على سبيل المثال واسألوا إخواننا الذين يرقد الواحد منهم في كل أسبوعٍ أربع مرات على السرير أو في غرفة الغسيل الكلوي لكي يغسل الدم، إن جلوس هذا المريض في وحدة الكلى ست ساعات كاملة من أجل تنقية الدم إن هذه العملية ليست كما قرر الحذاق من الأطباء إلا عشرة في المائة من الوظائف التي تؤديها الكلية، فما بالك بتسعين في المائة من الوظائف؟ أليس لهذه الكلى من حقوق الله علينا في شكرها الشيء الكثير؟ فحدث ولا حرج عن كل عرقٍ ساكن لو تحرك لما وجدت للحياة طعماً ولا لذة، وحدث ولا حرج عن كل عرقٍ متحركٍ لو سكن لما وجدت للحياة طعماً ولا لذة، ناهيك عن هذه الجوارح وهذه الحواس العظيمة.

    ثم إنا لنعجب أيضاً من هذا الحديث، وفيه دلالة على أن هذا الدين لم يجعل طريق الخير واحداً لا يحسنه إلا فئة أو شريحة أو طبقة من الناس، فإن الله عز وجل لما أوجب علينا الصدقات في شكر هذه النعم التي لا نحصيها فضلاً عن القيام بشكرها وحق الله علينا فيها، إن الله عز وجل لم يجعل كل الخير في بابٍ واحد، بل جعل الخير في أبوابٍ شتى، بل جعل الخير في مذاهب شتى حتى يستطيع كل عبدٍ أن يذهب كل مذهب وأن يأتي بكل خير في وسعه وقدرته واستطاعته ليحقق لله شكراً في نعم الله عليه، فتسبيح صدقة، وتحميد صدقة، وتهليل صدقة، وتكبيرٌ صدقة، واحتسابٌ صدقة، ودعوة صدقة، وإماطة الأذى صدقة، وإعانة المسكين صدقة، وحمل متاع الرجل معه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، والابتسامة صدقة، بل وحتى إتيان العبد شهوته في حلالٍ صدقة، قال الصحابة لما قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة! قالوا: يا رسول الله! يأتي أحدنا شهوته ثم يكون له بذلك أجر؟ قال: أرأيتم إن وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك لما وضعها في حلالٍ كان له بها أجر).

    إذاً -أيها الأحبة!- لم يعجز أحدٌ أن يأتي بخير، لا أظن أن أحداً يعجز عن ابتسامة، أو عن كلمة طيبة، أو عن إفشاء السلام، أو إطعام الطعام، أو التسبيح والتهليل والذكر.

    1.   

    تلاوة كتاب الله كنز ضائع على الكثير

    أيها الأحبة: من أجل الأذكار تلاوة كتاب الله عز وجل، والقرآن شأنه عظيم، ففي الحديث الذي يرويه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (آلم) حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

    سبحان الله العلي العظيم، أن تجلس قبيل أو بعيد الصلاة أو في سيارتك أو في متجرك أو في مكانك فتفتح المصحف فتقرأ حروفاً وكلماتٍ وجملاً من كتاب الله عز وجل، فإذا بك تؤجر أجراً عظيماً وتثاب ثواباً عظيماً، هل تعبت؟ هل تنفست الصعداء؟ هل حملت أثقالاً؟ هل مشيت خطواتٍ؟ هل أخرجت مالاً؟ هل تعبت في ذلك؟ مجرد أن تفتح المصحف وتقرأ لك بكل حرفٍ حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لنسأل أنفسنا يا من ننظر إلى من حولنا نظرة الرحمة والإشفاق بأنهم يضيعون أوقاتنا، كم نحن نضيع من الأوقات الكثير الكثير لا نقرأ فيها من كتاب الله.

    ينبغي ويجب علينا أن نجعل في كل يوم علينا فيه ورد وحق واجب، ولكن -أيها الأحبة- إنها كنوز القرآن الضائعة، ولو أن الإنسان بنية إذا شئت -يا أخي الكريم- حتى تفرح بعاجل بشرى المؤمن خذ معك ورقة وقلماً وعد عدد الأحرف في صفحة من صفحات المصحف، ستجد مئات الأحرف بمئات الحسنات مضروبة في عشر أمثالها، كم مر عليك من يوم لم تفتح المصحف فيه؟ كم مضى عليك من أسبوع لم تقرأ فيه من كلام الله عز وجل؟ فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا كما قال الشاطبي رحمه الله:

    وإن كلام الله أوثق شافعٍ     وأغنى غَناءٍ واهباً متفضلا

    وهذا زمان الصبر من لك بالتي     كقبض على جمرٍ فتنجو من البلاء

    ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت     سحائبها بالدمع ديماً وهطلا

    ولكنها عن قسوة القلب قحطها     فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا

    من فضل قراءة القرآن

    إن قراءة شيء من القرآن يعدل شيئاً كثيراً، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عقبة بن عامر : (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين -يعني: بناقتين سمينتين- في غير إثم ولا قطيعة رحم، فقلنا: يا رسول الله! كلنا نحب ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خيرٌ له من ثلاث، وأربع خيرٌ له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل) رواه الإمام مسلم .

    فهذا فضل آيتين من كلام الله يعدل الكثير الكثير من ناقتين وثلاث وأربع وأعدادهن من الإبل، وقال صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فإن من قرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2] في ليلة فقد قرأ ليلته ثلث القرآن) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي.

    وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] الله الذي اختار هذا الكلام، وهو من هذه الأحرف التي نتحدث بها، ولكن الله اختار هذا الكلام ليكون أطيب الكلام وأجمله وأحكمه وأصدقه، واختار من هذا الكلام آيات وسوراً جعل الله فضلها عظيماً عميماً ومن ذلك: قل هو الله أحد.

    عن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال: (خرجنا في ليلة مطرٍ وظلمةٍ شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركناه فقال: قل، قلت: ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تصبح وحين تمسي ثلاث مرات تكفيك من كل شيء) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي.

    القرآن شفاء لما في الصدور

    أين الذين يذهبون للعيادات النفسية ويشكون القلق والانفصام والاكتئاب؟ أين الذين يذهبون لعلاج ما يسمى بضيق الصدر؟ أين الذين يخسرون أموالاً بل ويرتكبون شركاً في الذهاب إلى المشعوذين والكهنة والعرافين ليعلق عليه من التمائم وليعطيه من الرقى والطلاسم، وليلبسه من التول ومن أشياء كثيرة كلها لا ترضي الله بل تجرح وتقدح في التوحيد إن لم تنافي التوحيد كله؟ والعلاج سهلٌ بين يديه أن يقرأ عند صباحه ومسائه: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، اسألوا الذين يترددون على العيادات النفسية، فقد بذل بعضهم مئات الآلاف من الأموال، أنا أعرف رجلاً، قال: إن ما خسرته على العيادات النفسية متردداً عليها والأدوية أكثر من أربعمائة ألف ريال، يعني: أقل من نصف مليون، فوالله إن هذا لقليل يعني: قد خسر أكثر، قلت: وهل وجدت نتيجة؟ قال: لا. قلت: إذاً كيف تعالج نفسك؟ قال: والله ما وجدت علاجي إلا في جزءٍ من القرآن آخر الليل، إن قرأت تلك الليلة جزءاً من القرآن في تلك الليلة أو قبل النوم أو في آخر الليل فإني أصبح نشيطاً سوياً سليماً معافى، وإن تركت القرآن أصبحت مريضاً قلقاً مكتئبا، فانظروا كم لله من النعم والفضل حينما يبتلي عبداً من العباد بلاءً يجعل دواءه في ذكره ليؤجر في دواء بلوى أصابته، أو في شفاء سقمٍ قد ألم به، نعمة عظيمة لكن ما أكثر الذين يترددون على المشعوذين، ويحيطون أنفسهم بالسرية وبالكتمان، وأنا أعرف لك واحداً موجوداً وراء الجبل وتحت الوادي وخلف المكان وفي آخر الطريق ولا تخبر به أحداً، ثم يأتي إلى بيتٍ نتن الرائحة خسيس المنظر والشكل؛ في حالة مزعجة وفي هيئة مريبة، ثم لا يلبث أن يعطيه من الطلاسم ومن البخور ومن التمائم ومن أمور الشعوذة ما الله به عليم، ثم يظن أنه بهذا قد سلك سبيلاً للشفاء والدواء، ووالله ما سلك إلا سبيلاً لزيادة البلوى والأذى، فهل يفهم هذا إخواننا؟ هل يفهم هذا أخواتنا؟ هل يفهم هذا الرجال والنساء الذين حينما يبتلى أحدهم ببلية في نفسه أو في ولده لا يتردد أن يذهب إلى فلانة التي تكشف، أو فلان الذي يشعوذ، أو علان الذي يعقد ويفك ويحل ويربط إلى غير ذلك؟ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] ولا يدبرون ولا يقدمون ولا يؤخرون شيئاً قد قدره الله سبحانه وتعالى.

    من العجائب: يقول لي أحد الإخوة الذين يتبرعون في الرقية يقول: جاء رجل ومعه امرأة تشكو آلاماً وأمراضاً من أجل الرقية عليها، قال: فكنت أرقيها ولا تجد أي أثرٍ أبداً، قال: فسألته: هل هذه المرأة تلبس شيئاً من الحروز؟ هل تلبس شيئاً من التمائم؟ هل تعلق شيئاً؟ هل أعطيت شيئاً؟ قال: إن شئت الحق فإنها سبق أن ذهبت إلى رجلٍ وأعطاها حرزاً تعلقه على جسدها ولا تستطيع أن تفكه لأنها إذا فكته أصابها البلاء، قال: فطلبته منه وبعد إصرار وإلحاح شديد أخرجه لي، قال: فلما فككناه وجدنا فيه نداء لشياطين الجن ومردة الشياطين: يا عبدوس يا شيطون يا حبوس يا كذا يا كذا، زد على ذلك قال برائحة نتنة قال: والذي استظهرته أنه مكتوبٌ أجلكم الله والملائكة وبيته والسامعين أنه مكتوبٌ بدم حيض -والعياذ بالله- انظروا كيف يبتلى هؤلاء؟! بل وبعضهم يشرك وهو لا يدري .. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106] بسبب الوقوع في هذه الأمور وعندهم الكنز الثمين وعندهم المورد العظيم كلام الله عز وجل، لو تداووا به واهتدوا به وتذكروه وجعلوه ذكراً لكان حرزاً ودواءاً وشفاءً وكفاءً ولكن:

    ومن العجائب والعجائب جمة     قرب الحبيب وما إليه سبيل

    كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ     والماء فوق ظهورها محمول

    1.   

    التسبيح كنز ضائع

    من الكنوز الضائعة في ساعاتٍ تمر علينا فلا نغتنمها: ذكر الله في التسبيح، والتسبيح هو أن تقول: سبحان الله، تصوروا يا إخوان أنك حينما تسبح مائة تسبيحة فلك بها من الأجر ألف حسنة، وأنا الآن أريد أن أجري معكم اختباراً بالدقائق، قال صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكسب كل يومٍ ألف حسنة؛ يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب الله له بها ألف حسنة، ويحط عنه بها ألف خطيئة) رواه الإمام مسلم والإمام أحمد والنسائي، حديث صحيح.

    نختبر أنفسنا دقائق، أريد أن نسبح مائة، اختبار وعبادة وذكر، كلٌ يسبح مائة بينه وبين نفسه لننظر كم تستغرق مائة تسبيحة من الوقت، ابدءوا من الآن.

    أظن أكثر إنسان استغرق في مائة تسبيحة دقيقتين، ثم عدل ما بين دقيقة ونصف إلى دقيقتين إلا ربع، يعني: يا إخوان! ألف حسنة أليست كنزاً يضيع، في دقيقتين تحصل ألف حسنة، بإطراق بإخبات بخشوع بتذكر بتدبر.. أيضيرك هذا؟ كم يضيع من التسبيح أدبار الصلوات؟ كم يضيع من التسبيح وقت السحر؟ كم يضيع من التسبيح الأوقات المشروعة لهذه الأذكار؟ وذكر الله مشروع للإنسان في كل وقتٍ أيضاً.

    فيا أيها الأحبة: يفوتنا والله من الخير الكثير، وتلك أيضاً كنوزٌ ضائعة، قال صلى الله عليه وسلم: (خير العمل أن تفارق الدنيا ولسانك رطبٌ من ذكر الله) رواه أبو نعيم في الحلية.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) رواه الإمام أحمد وابن حبان.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة) أخرجه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان.

    فكم ساعة سوف نتحسر عليها؟: (وما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه إلا كان عليهم ترة وندامة) يعني: حسرة وندامة يوم القيامة، فيا أحبابنا! فعلاً تضيع منا كنوزٌ لا نحصيها.

    1.   

    أذكار غائبة عن كثير من المسلمين

    وهنا كنزٌ عظيم ينبغي لكل واحد من الشباب والشيب، والرجال والنساء، والكبار والصغار ألا يضيعه أبداً، قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يومٍ مائة مرة؛ كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمل عملاً أكثر من ذلك) وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم.

    حرز وعتق رقاب وكفارة مائة سيئة وكسبٌ لمائة حسنة، وعمل عظيم تنافس به خلق كثير بمجرد أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، والله لو استطعنا أن نركب على هذه الألسنة والأفواه عدادات لتعد كم كلمة قلناها في غير ذكر الله وكم كلمة قلناها في ذكر الله لنعلم أن حظ القيل والقال، وفضول السؤال والتدخل فيما لا يعنينا، والسؤال عما لا يهمنا، والانشغال بالغيبة وبالنميمة وبالكلام الذي لا يليق أو لا يجوز، لوجدنا الذكر شيئاً قليلاً بالنسبة إلى ما نقول من لهو القول أو رديء الكلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    إنها أذكار باللسان، تحريك اللسان كما قلت شيء يسير وخفيف جداً لا يكلفك بشيء، وتستطيع أن تحرك لسانك وأنت قائم وقاعد ومضطجع وعلى جنب، ومستلقٍ وعلى فراشك، وأنت ذاهب وآيب، وراكب وماشٍ، ومسافر وفي حل وفي ترحال وأنت قادرٌ على هذا الذكر، أما والله إنها لكنوزٌ ضائعة، أما والله إننا في غفلة وضياعٍ في أعمارنا ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    أذكار بعد الآذان

    قال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله رضيت بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً وبالإسلام ديناً، غفر الله له ما تقدم من ذنبه) رواه الإمام مسلم وغيره.

    ثم -يا شباب!- ليس عيباً إذا جلسنا مجلساً ثم كثر لغطنا وكثر قيلنا وقولنا ينبغي أن يقول أحدنا ليكن أوسطنا وأقومنا وأعدلنا: يا إخوان! جلسنا ونقوم ما ذكرنا الله، اجلسوا والله لا تقوموا من بيتي وما تخرجوا من مجلسي حتى تذكروا الله عز وجل، كلٌ يذكر ربه في نفسه، لا تقوموا من هذا المجلس الذي يشهد علي وعليكم بأننا جلسنا وأكلنا وشربنا فلم نسمِّ ولم نحمد ولم نشكر ولم نذكر، ثم نقوم هكذا، لا يمكن هذا، لا بد أن نؤجر في هذا المجلس أقلها دقيقتين نقول: سبحان الله مائة مرة، أقلها خمس دقائق نقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، نقولها مائة مرة، ممكن مجاملات وابتسامات وزيارات ولقاءات.. يا فلان! أزورك تزورني، لكن لا يوجد تواصٍ، نعم. يوجد تمادح؛ أنت ما مثلك، وأنت أحسن من ذاك، وذاك أحسن منك بقليل، وأنت أوشكت أن تتعدى ذاك، وكثير من الشباب قد ضر بعضهم بعضاً بهذا التمادح وهذا الثناء في الوجوه، أما النصيحة والتناصح، أما التواصي بالحق والتواصي بالصبر والتعاون على الخير فما أقل أن نجد ذلك في مجالسنا!

    ماذا يمنع أنه عندما أزورك أو تزورني أو يزور بعضنا بعضاً أمسك بتلابيبه وقل له: تعال -يا أخي- أكلنا وشربنا وما ذكرنا الله عز وجل في هذا المجلس، اجلس نذكر الله عز وجل (ما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة وندامة) أي: حسرة وندامة يوم القيامة.

    سيد الاستغفار

    إذاً نحن نحقق خيراً كثيراً بعبادة يسيرة في وقتٍ قصيرٍ جداً، ولكن كما قلت: التمادح والتشاغل أمرٌ عجيبٌ جداً.

    في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم: (من قال حين يصبح أو حين يمسي: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة) كلنا نحفظ هذا الدعاء ومن لم يحفظه فليحفظه، فهو سيد الاستغفار، إقرارٌ بالربوبية وإقرارٌ من العبد بعبوديته لله، واعترافٌ بالذنب واعترافٌ بالنعم لله عز وجل ووعد على الثبات والتوبة، أمرٌ يسير وسهل فلا ينبغي لأحدٍ أن يضيع حظه من هذا الدعاء في صباحه ومسائه.

    سبحان الله العظيم وبحمده غرس الجنة

    قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة) قل فقط: سبحان الله وبحمده غرست في الجنة، بنية صادقة، بقلبٍ مخلص، القضية ليس فيها صعوبة: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] لا تقل: إن ذلك أجرٌ كثير بعملٍ يسير، هذا فضل الله لا يحده شيء، خزائنه ملأى، يده سحاء الليل والنهار، الدنيا كلها بما فيها بالنسبة لما عند الله في الآخرة لا تساوي إلا قطرة تنحدر من أناملك إذا أنت أدخلت إصبعك في اليم، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام مسلم في كتاب وصف الجنة: (ما الدنيا بالنسبة للآخرة إلا كما يضع أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما يرجع) أنت حين تدخل إصبعك في البحر وفي المحيطات هذه كلها والبحار ثم تخرج إصبعك من البحر هل خرجت بنصف البحر؟ بربع البحر؟ بكيلو.. بكيلوين.. بلتر؟ خرجت بقطرة، اعلم أن هذه القطرة هي الدنيا بملوكها وأملاكها وثرواتها وما فيها، وكل كنوزها الظاهرة والباطنة في هذه القطرة، أما الآخرة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هي ما أعده الله لعباده المتقين المؤمنين، نسأل الله أن نكون منهم.

    يمكن أن ندرك فضل هذه الآخرة بأسبابٍ عديدة:

    ومنها: ألا نضيع هذه الكنوز، وأن نستثمر وأن نغتنم هذه الفرص العظيمة.

    سبحان الله العظيم وبحمده غرس في الجنة، لا تقل كيف ولماذا ولعل وربما وأين؟ أبداً، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] الله عز وجل اختار أن تكون هذه الكلمة ثوابها غرسٌ في الجنة، تعترض على الله، تستكثر على الله، تستكثر أن الله يعطيك غرساً في الجنة مقابل أن تقول: سبحان الله وبحمده، لا. لكن الضياع والخسران والحرمان في هذه الألسنة والأبصار والقلوب، قال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ قال مثل ذلك وزاد عليه) يعني: بأعمالٍ صالحة، رواه الإمام مسلم وأبو داود والترمذي.

    وفي الحديث الذي رواه الشيخان: (من قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) أجر عظيم وفضل عميم في ذكر الله عز وجل.

    حكم التسبيح بالسبحة

    بعض الناس عندما يرى أحداً يذكر الله كثيراً قال: أظن أن هذا صوفي، وهذا غير طبيعي، لأنه كثير ذكر الله تقول عنه صوفي؟ أو مجرد بعض الناس حينما يرى أحداً مولعاً بالذكر مشغولاً به قال: لا يهمك هذا سبحته لا يتركها من يده، ويسبح بها، الشيخ محمد بن صالح العثيمين في (نورٌ على الدرب) قبل أيام سئل وبأذني هذه وأنا مسئول عن هذا، سئل عن رجلٍ يقول: إنني أحرص أن أسبح ألف أو خمسمائة تسبيحة، وعندي سبحة فيها خمسمائة حبة، فهل هذا جائز، هل التسبيح بهذه جائز؟

    فقال الشيخ: التسبيح بالسبحة لا بأس به ما دام أن السائل يقول: أنه يضبط بها العدد، لا يعتقد في السبحة اعتقاداً، إنما لضبط العدد، وهو يريد أن يسبح المائة يضيعها بسبحةٍ ما، أنا لست أدعو إلى التسبيح بالسبح، وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين متع الله به: ولكن التسبيح بالأنامل أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على إحدى زوجاته ورأى عندها حصىً تسبح به ما أنكر عليها ولكن أرشدها إلى التسبيح بالأنامل، فالأفضل أن تسبح بأناملك لأنهن مستنطقات.

    فيا أخي الكريم .. إذا رأيت من هو على عناية بذكر فاستعن بالله واستفد منه، ما لم يكن يبتدع لنفسه أذكاراً معينة، من قرأ ألم نشرح لك صدرك مائة مرة فإنه يفعل كذا، من قرأ ويل لكل همزة لمزة ..؛ لأن هناك بعض المخرفة وإن كان الذكر حقيقة لكنه يعتقد عدداً معيناً في وقتٍ معين بشيء لم يشرعه الله ورسوله فهنا نقول: قفوا ولا تبتدعوا وإنما عليكم الاتباع.

    لكن إذا جاء واحد وقال: يا أخي! أنا أعد بأناملي وأخشى وربما يجيك شايب كبير يقول: أنا لا أستطيع ضبط العدد بأناملي، مضطر أعد بهذه السبحة أو بشيءٍ من هذا، مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، تقول له: لا. قد ورد الشرع والنص والدليل بهذا الذكر وبهذا العدد، فلماذا تعترض عليه؟ لماذا تنكر عليه؟ إن كان بك خير،

    فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهـم     إن التشبه بالكرام فلاح

    في الحديث أيضاً: قال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يمسي: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يمسي ثلاث مرات لم يصبه فجأة بلاء حتى يمسي) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وصححه الألباني.

    بصراحة وبعبارة واضحة: يا معاشر الإخوة! يا معاشر المسلمين! نحن قد ضيعنا الأذكار، أقل الكلام حظاً على ألسنتنا هو ذكر الله عز وجل، وما سوى ذلك فحدث ولا حرج، نحن ضيعنا الأذكار، أذكار الصباح .. أذكار المساء .. أذكار الصلوات .. أذكار الحفظ؛ الأذكار التي تحفظنا من شر العين والحسد والشيطان والجان ومن كيد الإنسان؛ كل هذه الأذكار نحن ضيعناها، وما كان السلف يتهاونون بها أبداً أبداً.

    (لا حول ولا قوة إلا بالله) وفضلها

    عن أبي موسى الأشعري قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: يا عبد الله بن قيس! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: ألا أدلك على كنـز من كنوز الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) أخرجه البخاري .

    سبحان الله! لا حول ولا قوة إلا بالله كنـزٌ من كنوز الجنة، الآن الناس إذا رأى شيئاً عجيباً صفر هذه التصفيرة الطويلة، لا يقول: (سبحان الله) حينما يرى شيئاً عجيباً لا يقول: الحمد لله على هذه النعمة، أو إذا حل بلاء لا يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، بل يقول: (أف) أو بعضهم يسخط على الله، وأنا ماذا عملت -يا رب- حتى يقع لي كذا، بل بعضهم يقع في الاعتراض وربما السخط على مقادير الله عز وجل؛ وذلك من الجهل العظيم، لكن لو ألزمنا أنفسنا الأذكار إذا رأينا عجباً سبحنا، وإذا صعدنا مرتفعاً كبرنا، وإذا هبطنا منخفضاً سبحنا، وإذا رأينا مبتلى قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله وسألنا الله العافية، إذا رأينا نعمة حمدنا الله، إذا رأينا شيئاً يعجبنا قلنا: ما شاء الله، فسنجد أن هذه الأذكار على ألسنتنا في كل مناسبة وفي كل ما نرى، لكن لما تعودت الألسنة المكاء والتصدية (التصفيق والصفير) والكلام العجيب والألفاظ الغريبة والحركات التي لا تليق أصبحت هي السائد عند كثيرٍ من الناس، وعند الشباب خاصة، ولو أننا عودنا أنفسنا هذا الذكر لكان بإذن الله خيراً نؤجر عليه.

    1.   

    اللسان وعظم أمره

    يا أحبابي .. إن الإنسان إذا تعود الذكر ربما ذكر الله في موطنٍ يؤجر فيه فيبلغ به أعلى الدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليقول الكلمة لا يلقي لها بالاً تبلغ به من رضوان الله أعلى الدرجات) ما هي الكلمة التي يمكن أن تقولها من غير أن تخطط لها ومن غير أن تدبر لها، أنت قلتها ولم تلق لها بالاً فبلغت بك أعلى الدرجات من رضا الله؟ الجواب: هي الكلمة التي أنت قد تعودت عليها يا حبيبي، إذا كنت متعوداً على ذكر الله عز وجل، فسيأتي مقام أو مكان أو ظرف أو شيء معين، فتقول كلمة من ذكر الله في رضوان الله ما خطرت على بالك لكنك بلغت بها أعلى الدرجات: (وإن الرجل ليقول الكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً) فإذا شئت أن تتعود الأجر والخير فعود نفسك أن تكتب لك الحسنات وأن تمحى عنك السيئات كما تأخذ هذا الزفير والشهيق في النفس بمحاولة تعويد النفس على ذكر الله عز وجل، والسلامة من الكلمات التي لا تليق، فحينئذٍ تؤجر بأجرٍ عظيم، فكما أن اللسان وهو الجارحة الصغيرة الذي يسبب أو تحصل به على حسناتٍ كثيرة يجعلك تنال درجات كبيرة ومنازل عظيمة وهذا اللسان ربما كان سبباً أن يكب عبدٌ من عباد الله على أنفه في نار جهنم، وكلكم يعلم حديث معاذ حيث قال: (يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون على ما نتكلم به؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ) وهذه كلمة تقولها العرب لا تعني بها معناها، يعني: الرسول لا يدعو على معاذ بأن أمه تفقده وإنما هي من الكلمات التي تقولها العرب ولا يراد بها معناها، فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم) فكما أن هذا اللسان جارحة الذكر يسبب لك أجراً وخيراً عظيماً، فربما جر عليك وبالاً وشقاءً عميماً وكبيراً ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    1.   

    الثلث الأخير من الليل كنز ضائع

    إن من الكنوز الضائعة الثلث الأخير من الليل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن في الليلة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وذلك كل ليلة) رواه الإمام مسلم.

    وفي حديثٍ لـمسلم أيضاً: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك أنا الملك.. من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر) رواه مسلم والترمذي، وفي حديث عند الإمام أحمد والنسائي : (ينزل الله في كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائلٍ فأعطيه، هل من مستغفرٍ فأغفر له، هل من تائبٍ فأتوب عليه حتى يطلع الفجر) هذا فضلٌ يتكرر وكنزٌ يفتح بابه ويدعى الخلق إليه في كل ليلة، فأين الذين يسألون؟ أين الذين يطلبون؟ أين الذين..؟

    لو قال: يا إخوان! توجد قطعة أرض عشرة في عشرة مجاناً من أراد وقد تجمعت فيه الشروط فليأت في المكان الفلاني، وجدت الناس من بعد الفجر إلى أن تغيب الشمس كل واحد يمسك ملفه ويقدمه ويتنافس مع غيره، يا أخي! هنا كنوز عظيمة من عند الله عز وجل من فضل الله، الذي يفرح إن سألته ويرضى عنك إن دعوته:

    الله يغضب إن تركت سـؤاله     وبني آدم حين يسأل يغضب

    لا تسألن بني آدم حاجة     وسل الذي أبوابه لا تحجب

    من يسأل الناس يحرموه     وسائل الله لا يخيب

    وإذا بليت ببذل وجهك سائلاً     فابذله للمتفرد المفضال

    الناس إذا أعطوك اليوم غداً يمنون، وبعده يسخطون، وفي الرابعة يضربون، ولذلك لما رأى الأعرابي عطاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة حنين جن ذاك الأعرابي، جاء ينظر إلى وادٍ مليءٍ بالغنم والنعم يسمع فيه الثغاء والرغاء والخوار فقال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم معناه أن الخير كثير، وهذه النعم جيدة، وهذه الغنم ممتازة، فقال صلى الله عليه وسلم: (أيسرك أن لك هذا؟ قال: إي والله يا رسول الله، قال: اذهب فهو لك) فقام الرجل يصيح بأعلى صوته: يا قوم! أسلموا فإن هذا ليس بعطاء بشر هذا عطاء نبي لا يخشى الفقر أبداً. فالبشر إن أعطوا مرة.. مرتين.. ثلاثاً يملون، بل قال الله: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً [الإسراء:100] ما التفسير؟ لو أنك تملك خزينة ليس المقصود أنها خزينة عظيمة لا يخطر على البال الذي فيها، بل أيضاً مع هذا خزينة لا تنقص أبداً لأمسكت خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً، لكن الله عز وجل كلما ألححت عليه كلما رضي عليك، فأين الملحون على الله عز وجل؟ أيها الأحبة .. أين أصحاب الحوائج؟ من الناس من له حاجات وحاجات وحاجات، ما ترك باباً إلا طرقه، ولا وجيهاً إلا تشفع عنده، ولا ثرياً إلا قصده، ولا معطاءً إلا مدحه، ولا باذلاً إلا بلغه ووصله، يريد منه أن يقضي حاجته، وربما رده الناس مراراً وتكراراً، فنقول لمثل هذا: هل سألت الله في آخر الليل؟ هل سألت الله في ساعة الإجابة يوم الجمعة؟ هل سألت الله في أوقات الإجابة؟ أبداً ما سأل ولا فكر أن يدعو، بل جلس الأيام الطوال في زمهرير الشتاء وحر شمس الصيف يسأل فلاناً وعلاناً لكنه ما سأل الله، ومن تعلق بشيء وكل إليه، بعض الناس ربما تعجل له العقوبة يوم أن ينصرف إلى سؤال الناس قبل أن يسأل الله عز وجل، اسأل الله أولاً وإن كانت حاجتك عند البشر، السماء لا تنـزل معاملات وتعاميد هذا صحيح ومؤكد، لكن قبل أن تسأل فلان بن فلان اسأل الله عز وجل أن يسخر لك فلان بن فلان وأن يقضي حاجتك وأن يغنيك عنه: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ [المائدة:52].

    1.   

    فضل الصلاة على رسول الله

    هنا كنـزٌ أيضاً وهو كنز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: (ما من عبدٍ يصلي علي إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي علي فليقل العبد من ذلك أو ليكثر) رواه الإمام أحمد وابن ماجة .

    صل على النبي فتصلي عليك الملائكة وتدعو لك، الآن لو أقول سماحة الشيخ ابن باز ، وسماحة الشيخ ابن عثيمين متع الله بهما وعافاهما من كل مكروه وإياكم أجمعين، لو قلت إنهم يدعون لك، قلت: أسألك بالله العلامة الجليل سماحة الشيخ يدعو لي، بل أقول: الملائكة تصلي عليك وتدعو لك إذا أنت قلت: اللهم صل على نبينا محمد، فالصلاة والسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم أجرها عظيم جداً، ولكن أيضاً من الغافلين، بل بعض الناس لو يذكر عنده اسم بشر استعد وغير جلسته وأنصت وقال كلاماً يعني: أشعركم أني مهتمٌ بهذا الاسم، فيمر اسم النبي صلى الله عليه وسلم فكأن اسم نبيٍ من أولي العزم لم يمر على مسمعه فلا يصلي أبدا، صلى الله على نبينا محمد.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي واحدةً صلى الله عليه عشر صلواتٍ، وحط عنه عشر خطيئاتٍ ورفع له عشر درجات) رواه أحمد والنسائي وغيره. وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة).

    1.   

    يوم الجمعة كنز عظيم

    وأما الكنـز الذي يلي ذلك فهو كنز يوم الجمعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: (إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائمٌ يصلي يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه، وقال بيده) قال صلى الله عليه وسلم بيده، يعني: يقلل هذه الساعة، يعني الساعة قصيرة جداً، فعلاً ساعة من آخر النهار كما في بعض الأحاديث الأخرى، من الذي يعجز أن يوقت الساعة ويرتب نفسه لكي يجلس بعد صلاة العصر، وعندكم هذا البيت العتيق والكعبة المباركة، ومقامٌ الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، أفلا نجلس لذكر الله عز وجل؟ أفلا نجلس لمحاسبة النفس؟ أفلا نجلس للاستغفار؟ أفلا نجلس للسؤال والدعاء وطلب الحاجات وقضاء الحوائج؟ إن ذلك ميسر ولكن القلوب ما امتلأت بالاعتقاد الكامل القوي العظيم الذي يكفيها عن الحاجة إلى البشر، قال صلى الله عليه وسلم: (التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس) رواه الترمذي . وقال صلى الله عليه وسلم: (يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة منها ساعة لا يوجد عبدٌ مسلمٌ يسأل الله فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر) رواه أبو داود والنسائي.

    وهنا مسألة فقهية: ورد في بعض الأحاديث: (لا يوافقها عبدٌ يصلي) وإذا كانت بعد العصر فإن بعد العصر من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فكيف يكون ذلك؟

    لقد سبقنا أئمة الفقه من الصحابة، ففي الحديث الذي يرويه أبو هريرة قال: صلى الله عليه وسلم: (خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، وفيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط منها، وفيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم يصلي فيسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه. قال أبو هريرة : فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له هذا الحديث، فقال: أنا أعلم بتلك الساعة، فقلت: أخبرني بها ولا تضنن بها علي، قال: هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس؟ قلت: فكيف تكون بعد العصر وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو يصلي .. وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: أليس قد قال صلى الله عليه وسلم: من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة) وهذا دليل على فقه الصحابة رضوان الله عليهم.

    فالخيبة والخسران لمن تكلم في الصحابة أو قال في أبي هريرة خاصة إنه يروي من الأحاديث ما لا يفقه ولا يدري، هذا أبو هريرة يحاور ويناقش عبد الله بن سلام، صحابيان جليلان إمامان عظيمان يتناقشان حول هذه المسألة العظيمة، قال: (أليس قد قال صلى الله عليه وسلم: من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة. قلت: بلى، قال: فهو ذاك) رواه أبو داود والترمذي والنسائي.

    حث على التبكير لصلاة الجمعة

    من الكنوز الضائعة على كثيرٍ من الأخيار قبل عامة الناس، كنز يوم الجمعة، فكلكم يعرف الحديث الذي رواه أبو هريرة قال صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح من الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) رواه البخاري ومسلم.

    لو قلنا لك يا أخي الحبيب: تعال أعطنا ثلاثة آلاف ريال نريد أن نشتري بعيراً على حسابك ونذبحه لوجه الله ونوزعه على الفقراء، قلت له: يا أخي! أنا رجل فقير ما عندي هذه الثلاثة آلاف أشتري بعيراً، لو أردت دجاجة ما وجدتها عندي، حسناً: تعال -يا أخي- بإمكانك أن تقرب بعيراً كاملاً؛ تعال الساعة الأولى إلى المسجد وكأنما قربت هذه الناقة لوجه الله عز وجل وقسمتها على الفقراء، تعال في الساعة التي تليها كأنما قربت بقرة، تعال في التي تليها، فكأنما قربت كبشاً، وهذا من الخير العظيم.

    إذاً: الإسلام ما تعامل مع أرباب الأموال فقط، هذا التشريع لم يتعامل مع طائفة من الناس عندها قدرات معينة، بل الجميع يستطيعون أن ينالوا قدرات، فالذين لا يملكون الأموال، إذا كان ذهب أهل الدثور بالأجور لهم فضول أموالٍ يتصدقون بها فإن الفقراء عندهم فضول التسبيح والتهليل والعبادة والتكبير يستطيعون أن يسبقوا هؤلاء، بل وربما وجدت فقيراً لا يملك ريالاً قد أجر أجر الملايين بدلالة على خيرٍ أو دعوة إليه: (من دل على خيرٍ فهو كفاعله، ومن دل على هدىً فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة).

    الاغتسال يوم الجمعة

    خذ أيضاً من كنوز يوم الجمعة من اغتسل يوم الجمعة كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة : (من اغتسل يوم الجمعة، ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته، ثم يصلي معه؛ غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام) وبعض الناس يقول: ما دام هذا كافياً إذاً لا داعي للصلاة مع الجماعة، ولا داعي إلى العناية بكثير من الأمور ما دامت هذه تغفر، لا، هنا مسألة الإصرار على الصغائر كبائر، ترك الصلوات من أعظم الكبائر، التهاون بالصلوات مما توعد عليه بويل: (وهو وادٍ في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من حره).

    فيا أخي الكريم: لك أجرٌ عظيم بهذا، ووالله هذا الحديث الذي سأتلوه عليكم الآن قلبت وأعدت وسألت بعض طلبة العلم عن الرجال وبحثت عن الرجال رجلاً رجلاً يعني: أمر عجيب من عظم الأمر العظيم الذي يترتب على هذا الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع وأنصت ولم يلغ -بعض الروايات ليس فيها: ومشى ولم يركب- كان له بكل خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد عمل سنةٍ أجر صيامها وقيامها) الله أكبر! كم بينك وبين المسجد مائة خطوة، ربما أجرت أجر مائة سنة، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن ورجاله ثقات.

    قال النووي في شرح المهذب معنى غسَّل: يروى غسل بالتخفيف والتشديد والأرجح عن المحققين التخفيف والمختار أن معناه: غسل رأسه ويؤيده رواية أبي داود في هذا الحديث: (من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل.) وإنما أفرد الرأس بالذكر؛ لأن الناس قريباً كانوا يجعلون في الرأس الدهن والخطم ونحوهما وكانوا يغسلون الرأس أولاً ثم يغتسلون، وقيل المراد: غسل أعضاءه ثم اغتسل وقيل: غسل أي: جامع أهله قبل الخروج إلى الصلاة؛ لأنه يعين على غض البصر في الطريق، يقال: غسل الرجل امرأته بالتخفيف أو غسلها أي: جامعها.

    فضل الوضوء وإسباغه

    في فضل الوضوء كنزٌ عظيم فعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: (كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي أرعاها، فروحتها بالعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يحدث الناس وأدركت من قوله: ما من مسلمٍ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة، فقلت: ما أجود هذا! فإذا قائلٌ بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: إني قد رأيتك قد جئت آنفاً، قال: ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبلغ الوضوء أو يسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) أخرجه مسلم.

    فهذا الطهور وهذا الوضوء فضله عظيم، فإذا أعقبته بصلاةٍ كانت سبباً في مغفرة ذنبك كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبدٍ يذنب ذنباً فيتوضأ فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفر الله له) رواه أحمد وأصحاب السنن.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر الله له ما تقدم من ذنبه) رواه الإمام أحمد وأبو داود.

    فكل هذا من الفضائل العظيمة ومن الخيرات العميمة ومن الأجر الذي كتبه الله واختاره عز وجل وقربه إلى هذه الأمة لما كانت أمة أعمار أهلها قصيرة، جعل الله لها من الخيرات والبركات في ليلة القدر وفي ساعات الإجابة، وفي فضل الذكر، وفي فضل التسبيح، وفي فضل هذه الأعمال ما نسبق به الأولين ونفوق به الآخرين إذا صلحت منا النية، وصدق منا الفعل، وكان ذلك خالصاً لوجه الله عز وجل.

    1.   

    كنوز أخرى

    فضل صلاة الفجر جماعة

    يا إخوان .. أليس من فضل الله العظيم أن صلاة الفجر مع الجماعة تجعلك في ذمة الله عز وجل: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله فانظر يا بن آدم! لا يطلبنك الله من ذمته بشيء) كما قال صلى الله عليه وسلم؟

    كم الذين تفوتهم صلاة الفجر الآن؟ بل كم من الذين يؤقتون ويثبتون الساعة والمنبه على وقت الانصراف إلى الدوام، والله يا أخي الحبيب إن قصد تفويت الصلاة وقصد تثبيت الساعة على وقت ينبهك بعد خروج وقت الصلاة لفيه دلالة على ترك الصلاة عمداً وتأخيرها عمداً، وهذا ربما كان سبباً أن يطبع على قلب صاحبه، وربما كان ذريعة إلى ترك الصلاة بالكلية؛ لأن ذلك تأخير .. (إن لله بالليل عملاً لا يقبله بالنهار، وإن لله بالنهار عملاً لا يقبله بالليل) الآن لو يأتي موظف يريد أن يداوم بعد صلاة العشاء والناس مداومون الصباح هل يقبل منه هذا العمل؟ لا يقبل مديره منه هذا، ولله المثل الأعلى، لا يمكن أن يقبل عمل الليل بالنهار أو عمل النهار بالليل، إلا من كان له عذرٌ شرعي، فحينئذ الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده، ويعذر عباده عز وجل، وقد يقول قائل: ما بال الفقراء، ما بال الأقوياء الذين سلبت منهم نعمة الصحة فأصبحوا من ذوي السقم والمرض، ما بال العجزة، ما بال الذين لا يقدرون على فعل هذه الأعمال ما حظهم من الثواب؟ نذكرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض المسلم أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيما) فأنت -يا أخي الحبيب- عود نفسك الآن على الأذكار وعود نفسك على العبادة، واجعلها برنامجاً يومياً لا يشغلك عنه شاغل، ولا يصرفك عنه صارف، فلو كتب لك بعد ذلك أمرٌ من المقادير يحول بينك وبين ما كنت قد تعودته وأمضيته من العمل الصالح والأذكار فإن أجرك باقٍ كما هو لا ينقص من أجرك شيءٌ بأي حالٍ من الأحوال.

    من الكنوز الضائعة السنن الرواتب

    من الكنوز الضائعة السنن الرواتب، قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى في يومٍ وليلة اثنتي عشرة ركعة بني له بيتٌ في الجنة: أربع قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الغداة) رواه الترمذي وصححه الألباني، وفي رواية أخرى للإمام مسلم وذكر فيها هذا الأجر العظيم.

    فيا أحبابنا! هذا أجرٌ عظيم! السنن الرواتب أدركتها حققت خيراً كثيرا، ثم إذا لقيت الله عز وجل وقد نقص من الفريضة شيء فإن الله سبحانه يقول: (انظروا -يا ملائكتي- هل لعبدي من تطوع؟) فإن كان لك من عملك تطوع من صيام النافلة لصيام الفريضة، تطوعٌ من صلاة النافلة لصلاة الفريضة، تطوعٌ من حج النافلة لحج الفريضة، تطوعٌ من هذا العمل لهذا العمل، فإنه -بإذن الله- يكمل به ما نقص من عملك، فما الذي يضرك أو يجعلك تتقاعس أو تتأخر، أو ما الذي يثبطك عن القيام بهذا، ونحن اليوم في يوم صيامٍ وغداً وبعد غدٍ عاشوراء ويومٌ قبله وبعده أو قبله وبعده.

    الصيام كنز ضائع

    فيا أحبابنا أيضاً كنزٌ ضائعٌ الصيام، وكثير من الناس عنده استعداد أن يفوت أجر كفارة سنة ماضية مقابل وجبة الساعة الحادية عشرة، ويمكن أنه لا يأكل الوجبة الثانية إلا قبل المغرب بربع ساعة، يا أخي الكريم! ارفع رأسك قليل من الصوم ينفعك -بإذن الله- في بدنك وفي عبادتك قال صلى الله عليه وسلم: (صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية) رواه الإمام مسلم والترمذي.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) فالله الله لا نترك الصيام يا أحبابنا، وامروا أهلكم وأزواجكم وأولادكم وبناتكم وخذوا أجرهم، فإن في هذا من الثواب ما تدركونه بأمركم وإرشادكم إليه.

    فضل الصدقات

    كذلك من الكنوز الضائعة: الصدقات من الحلال، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره؛ حتى أن اللقمة لتصير مثل جبل أحد) أنت تتصدق من حلال بلقمة فالله عز وجل يتقبلها بيمينه ويربيها لك كما تربي مهرك أو فلوك، ثم تأتي يوم القيامة وتجد أن هذا الريال أصبح مثل جبل أحد، تجد أن هذه اللقمة أصبحت مثل جبل أحد.

    أذكر ذات مرة تكلم أحد إخواننا في مسجدنا في الرياض أو المسجد الذي نصلي فيه فدعا الإخوان المصلين أن يتصدقوا وأن يساعدوا رجلاً محتاجاً، وكالعادة توضع الأوراق خلف المصلين من أراد أن يجود بشيء، فرمقت بعيني وتابعت عاملاً رث الهيئة خلق الثياب فما كان منه إلا أن ذهب ووقف عند هذا المكان الذي توضع عليه الصدقات فأخرج خرقة معقدة كذا وفكها وأخرج منها ريالاً ووضعه مع الصدقات، سبق درهمٌ ألف درهم، هذا عامل نسأل الله عز وجل أن يعيننا وإياه وجميع إخواننا المسلمين من عرق جبينه ومن كد يمينه، والله -يا أحباب- ربما الواحد أحياناً يقول: يا ليت أن الإنسان يعلم لو تقبل منه نصف ريال أو ريال، أو أنه من الحلال المحض، اليوم اختلط الحلال بالحرام واختلطت الشبهات بالمباحات، واختلط الحابل بالنابل فتغبط من ترى درهمه ومدخله ومصرفه ونفقته من عرق جبينه ومن كد يمينه، فمن تصدق من حلال وزاد أن تصدق سراً فإن صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء، فقال صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ : (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).

    1.   

    وقفات مهمة مع حسن الخلق

    أيها الأحبة! حسبنا في هذا الوقت الذي مضى ما ذكرناه من هذه الكنوز، وثمت كنوزٌ كثيرة وعظيمة ومن أجلها وأهمها: حسن الخلق:

    أبني إن البر شيءٌ هين     وجه طليقٌ وكلامٌ لين

    وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافا) وقال صلى الله عليه وسلم: (وإن المسلم ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم لا يفطر والقائم لا يفتر).

    ولم أرَ في عيوب الناس عيبـاً     كنقص القادرين على التمام

    إنني أوصي جميع إخواني وأخواتي، وأوصي الشباب الطيبين خاصة ألا يجعلوا في التزامهم ثلمة يمقتها من رآهم، أو ينتقدهم بها من قابلهم؛ إما بغلظة، أو جفاء، أو إغضاءٍ، أو انصرافٍ عن الخلق بهذه الابتسامة .. (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) ماذا تخسر أن يكتب الله لك صدقة، ماذا تخسر أن تكسب الناس، وأن تؤثر عليهم بحسب الخلق .. بخفض الجناح .. بلين الجانب .. بالتواضع، ماذا تخسر يا أخي الكريم حين تبدؤهم بالسلام؟ وبالمناسبة فإن من إخواننا من رأى رجلاً عليه معصية لا يعطيه من الخلق الحسن شيئاً، وهذه من المفاهيم الخاطئة، أنت تمر على رجل يدخن أيضيرك أن تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبابتسامة وبوجه طليق، وتحنو عليه وتدنو إليه، وتقول: يا أيها الحبيب! إن هذا لا يرضي الله ولا يرضي رسوله، وإن هذا يضرك، ونصيحتي لك محبة وغيرة وإشفاقاً ألا تفعل هذا.

    تجد بعض الإخوان -وفقهم الله ونفع بهم- بمجرد أن يرى على شخصٍ منكراً من المنكرات فإن وقوع هذا الشخص في المنكر كفيل بإسقاط حقوقه، فلا يبدأ بالسلام ولا يرد إذا سلم، ولا يشمت إذا عطس، ولا يعاد إذا مرض، ولا يصلى عليه إذا مات، ولا ينصح إذا استنصح، ولا يدل إذا استرشد، هذا ليس بصحيح يا أخي الكريم، بل إننا حينما نقابل هؤلاء بحسن الخلق، وربما تجد من الناس على ما فيه من معصية ظاهرة قد سلم من ذنبٍ قد يكون في أو فيك وهو خطير.

    فيا أخي الكريم .. لا تتصور أن ما تراه من كمال الظاهر هو الدليل على الكمال في كل شيء، ولا تتصور أن ما تراه من النقص في الظاهر أو شيءٍ من الظاهر هو الدليل على النقص في كل شيء، نعم جنس الكمال في الظاهر صلاح الظاهر إشارة وقرينة على صلاح الباطن بإذن الله، وربما كان فساد الظاهر قرينة أو إشارة على تقصيرٍ في الباطن أعظم، لكن هذا ليس على إطلاقه، وإن من الكنوز الضائعة المتعلقة بمعاملة الخلق هي حسن الخلق وإنك لتؤجر عليها أجراً عظيما، يا أخي الحبيب! كما من الله عليك بالالتزام والاستقامة، واتباع السنة، وحب الخير، والدعوة والإرشاد إليه، وحب الدعاة إليه، احرص على أن تكون على درجة طيبة من حسن الخلق.

    أما أنا فوالله إذا قابلني شابٌ لا أرى فيه حسن الخلق يمرضني يوماً أو يومين، أمرض مرضاً شديداً حينما أقابل إنساناً بابتسامة فيكفهر، أو أبدؤه بالسلام فلا يرد، أو تعطيه معاملة حسنة ثم لا تجد إلا جماداً لا تتحرك فيه مشاعر، لماذا يا أخي الكريم تصد بوجهك عني، ما أنا فحمة ولا أنت فرقد، يعني: ما بالناس فحم وأنت النجم، فحسن الخلق أمر مطلوب جداً، وأكرر ما أقول لكم أنني يؤذيني إذا رأيت من إنسان تعطيه من حسن الخلق ما تعطيه ثم ينصرف عنك بكل فظاظة وجفاء، وهذا لا يجوز ولا ينبغي: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ [الحجر:88].. أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة:54].. رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29].

    يا أحبابنا .. لماذا لا نتصف بهذه الصفة؟ لماذا نجعل الخلاف في مسائل فرعية، الخلاف في مسائل فقهية، الخلاف حول قضايا معاصرة، شخص اختلفت أنت وإياه في أزمة الخليج ، انتهى، فأصبح لا يسلم عليك، ولا يبتسم في وجهك، ولا يقابلك كأن أزمة الخليج هي فتنة القول بخلق القرآن؟ وهل نلزم أن نجعل عقولنا أجهزة نسخ أفكار بدون أن نحرر أو نغير أو نناقش؟ هنا قضايا متفق عليها، فمالي ولا لك فيها رأي ولا اجتهاد مع النص، وهنا مسائل محل اجتهاد؛ فما اجتهادك بأولى من اجتهادي، لكن إذا اختلفت معي فإن ذلك لا يبيح لي أن أغتابك، ولا يجيز لي أن أتناول عرضك، ولا يسمح لي أن أنم فيك، ولا يجيز لي أن أسقط حقوقك، أو أن أسكت عن الذب عن عرضك إذا تُكِّلم فيك وأنا جالس، وكذلك العكس بالنسبة لي، لأن من إخواننا من ضيع الكنـز العظيم كنـز الخلق الحسن بسبب الاختلاف، يقول أحدهم: فلان لا يهمك تراه يرى الرأي الفلاني في القضية الفلانية، وهل هذه القضية الفلانية هي تحويل القبلة، لا يسع أحد الانصراف عنه، مسألة ربما ليست ربما من الشرع في شيء وإنما محل اجتهاد فكري أو سياسي أو اقتصادي أو إعلامي، وللنظر فيها مجال، وللاجتهاد فيها مكان ومرتع، لكن أبداً، تعال ووافقني على آرائي وكن نسخة طبق الأصل، وببغاء قلدني وتابعني فيما أقول وإلا فلست من جماعتي ولا من أحبابي ولا أعترف بك وأنت من هؤلاء ولست من هؤلاء.

    متى خلقنا هكذا؟ العقول التي خلقها الله عز وجل عظيمة دفاقة كالبحار؛ آتي وأضع عقلي في قربة من أجل أتبعك في هذه المسألة، أنا أخالفك في هذه المسألة؛ لكن مخالفتي لك لا تجعلني أسكت إذا اغتيب عرضك في مجلس، ومخالفتي لك لا تسمح بأن أغتابك أو أتكلم فيك أو أنم عنك، وكذلك العكس لك علي هذه الحقوق ولي عليك مثل هذه الحقوق، فلا نضيع حسن الخلق بمثل هذه الخلافات الفرعية في المسائل الفكرية والمسائل الاجتهادية.

    أقول ما تسمعون أيها الأحبة، وأسأل الله عز وجل أن يجعل أعمالنا وأعمالكم خالصة لوجهه، إنما نؤكد ونوصي ونشدد ونعيد ونزيد أن الأزمة أزمة العمل، ما أظن أنني في هذه المحاضرة قد جئتكم بجديدٍ لا تعرفونه، بل كل ما قلت أنتم أدرى به مني، وحالي معكم كقول الشاعر:

    فقل لمن يدعي في العلم معرفة     علمت شيئاً وغابت عنك أشياء

    ما جئتكم بجديد، لكن جئنا بذكرى لأنفسنا ولكم حتى نعلم ونطبق والله عز وجل يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا [النساء:66] إذا نحن طبقنا ما نسمع في خطب الجمعة وفي المحاضرات وفي الندوات، وفي إذاعات القرآن الكريم، وفي المناسبات النافعة: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً [النساء:66-68] أربع ثمار وفوائد عظيمة تكفل الله بها لمن جعل نيته فيما يسمع أن يعمل ويطبق، أما السماع للثقافة، السماع للمناظرة، السماع للنقد، السماع للتشفي، السماع للتمحل والتأويل، السماع لأغراض أخرى، هذا يضر صاحبه ولا ينفعه بأي حالٍ من الأحوال.

    أيها الأحبة .. ختاماً: أود أن أؤكد على ضرورة الالتفات لإخواننا في البوسنة والهرسك، فلا يخفاكم معاناتهم وحاجتهم إلى الدعم والبذل والمساعدة، ولعل الشيخ قد جعل على الباب الشمالي من يجمع التبرعات التي تجود بها أنفسكم وستصرف للهيئة العليا التي بدورها على أتم حرصٍ وعناية فيما أشهد وأعلم واطلعت على ذلك لإيصالها لإخواننا المحتاجين في البوسنة، فالله الله يا إخواني .. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15] صدقة وذكر وعبادة، نسأل الله أن يجعلها كفارة لذنوبنا ورفعة لدرجاتنا ورحمة لنا ولوالدينا.

    اللهم أعز الإسلام والمسلم ودمر أعداء الدين، اللهم اجمع شملنا وحكامنا وعلماءنا ودعاتنا، اللهم لا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم ثبتنا على دينك واستعملنا في طاعتك.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766705372