وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وإني لأسأل الله عز وجل في مستهل هذا اللقاء الذي ما ظننت أن حضوره بهذا العدد المبارك ألا يدع لإخواننا الحاضرين ذنباً إلا غفره، ولا هماً إلا فرجه، ولا ديناً إلا قضاه، ولا توبةً إلا قبلها بمنه وكرمه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتنا في الله: وأنا في الطريق إليكم تجولت بفكري في كثير من المجالس والاستراحات والمناسبات والرَّدَهَات وأماكن اللقاء والاجتماع، فرأيت الناس لا يخرجون في لقاءاتهم عن أمور، لقاؤكم هذا هو أجَلُّها وأكرمُها وأشرفُها وأعلاها منزلةً وأكرمُها جناباً عند الله سبحانه وتعالى، وما ذاك إلا أنكم اجتمعتم على غير أنساب بينكم، ولا مصالح تجمعكم، ولا مقاصد من حطام الدنيا الفاني ألفتكم، وإنما جمعكم جميعاً أن تمجدوا الله وتثنوا عليه، وتحمدوه وتكبروه وتسبحوه، وتتفكروا فيما شرع الله لكم أن يتفكر فيه، وأن تصلوا على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تتذاكروا حديثه وسنته وأثره وسمته وهديه صلى الله عليه وسلم، فمن ذا يقول أن ثمة مجلس أرقى وأجل وأكرم وأكمل من مجلسكم هذا؟! ليس على وجه الأرض مجلس أجل وأعلى من مجلسٍ يُذكر الله عز وجل فيه ويُصَلَّى فيه على رسوله صلى الله عليه وسلم، ويكون الحديث مرتبطاً بالوحي المعصوم بكلامه سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم يا أيها الأحبة: لما أكرمكم الله بالاجتماع على هذه المقاصد وطهَّر مجالسكم من مقاصد دنيئة أو تافهة أو ليست بشيء يذكر؛ عندما اجتمعتم إليه تذكّروا أن الله سبحانه وتعالى قد أكرمكم بهذا وفضلكم على كثير ممن خلق تفضيلاً.
ما أكثر الشباب! ولكن أين هم؟! ما أكثر الرجال! ولكن أين هم؟! ما أكثر المجالس! ولكن ما هي؟!
أنت تعد الكثيرين من الناس، ثم إذا أردت أن تخرج من بينهم واحداً يُعْتَمَد عليه بعد الله في الشدائد، أو يُعَوَّل عليه بعد الله في الملمات أو يُدَّخَر عند الكربات لم تجد أحداً، وما ذاك إلا أن الناس أعداد كالأصفار إلا النوادر منهم الذين هم كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة).
كم عدد الشباب! وانظر من هم الصالحون من بينهم، كم عدد الشباب الذين يملئون الشوارع ذهاباً وإياباً وغدواً ورواحاً! ولكن من هو الذي يكون بركة على نفسه وبركة على أهله وعلى أسرته ومجتمعه؟! الكثير من شبابنا اليوم كما قال الأول:
وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيـرنا حياتك لا نفعٌ وموتك فاجعُ |
الآن لو سمعنا صوت فرامل سيارة على الشارع فكلنا تنصرف رقبته باتجاه الشارع، وأسماعنا تنصت، وتبدأ الخيالات تتصور أهو حادث انقلاب سيارة، حالة تصادم، وهل سلموا، أو لم يسلموا، وافترض مثلاً أن رجلاً جاء إلينا وقال: يا ناس! يا شباب! يا من اجتمعتم في هذا المكان! يوجد شاب نزل من سيارته، أو فحط بسيارته، أو صارت عنده مشكلة وهو الآن في حالة نزيف ونريد منكم أن تنقذوه؛ هل سيتردد منكم أحد أن يتبرع بقطرات من دمه لإنقاذ حياة هذا الشاب؟
الجواب: لا. كلنا بحكم إسلامه، بحكم أنه محسوب على الإسلام والمسلمين قد يكون اسمه: عبدالله أو عبد الرحمن أو عبد العزيز أو عبد الملك أو أي اسم من الأسماء، ولإسلامه خرجنا نسعفه نريد أن ننقذ حياته، ثم لما تبرع هذا الجمع بدمه لهذا الشاب الذي نزف بعد الحادث ودبت الحياة إلى جسمه من جديد، هنا نسأل هذا الشاب ونسأل أنفسنا: ماذا قدم هذا الشاب في طاعة الله عز وجل؟ ماذا قدم لدين الله سبحانه وتعالى؟ ماذا قدم لنفسه في مرضاة الله؟ ماذا قدم لوالديه؟ ماذا قدم لأمته .. لمجتمعه .. لدعوته .. لعقيدته .. لدينه؟ الجواب كما قال الأول:
وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيـرنا حياتك لا نفعٌ وموتك فاجعُ |
يوم أن صار عليه الحادث فُجِعنا وهرعنا وذهبنا نتبرع له من أجل إنقاذ حياته، ولما أنقذنا حياته ما وجدناه قد نفعنا بشيء، بل ربما لم يسلم الناس من شره، بل ربما عاد مصيبة وشؤماً وشراً وبلاءً على نفسه يوبقها ويهلكها بالذنوب والمعاصي، وعلى والديه بالعقوق .. وعلى رحمه بالقطيعة .. وعلى جيرانه بالإساءة .. وعلى دينه باللامبالاة .. وعلى المسلمين بعدم الاهتمام، وقس على ذلك صوراً وأمثالاً من اللامبالاة التي نجدها في شبابنا، ويعدون على أمة الإسلام، نحن حينما نقول: عدد المسلمين مليار ونصف مليار، أي: ألف مليون وخمسمائة مليون مسلم هل كل هؤلاء هم الذين تمتلئ بهم المساجد؟! هل كل هؤلاء هم الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً؟! هل كل هؤلاء يتحاكمون إلى شريعة الله عند الشجار والنزاع؟! هل كل هؤلاء هم البررة الأطهار الأخيار الأبرار هل .. هل .. إلخ؟! لا. القلة من هؤلاء بل لا تكاد توجِد من الألف واحداً، وكما قال الشاعر أولاً:
يا ألف مليار وأين هم إذا دعت الجراح هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح |
يعني: ينادي المسلمين.
يا ألف مليار وأين هم إذا دعت الجراح هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح |
هل نجد من ألف مسلم مسلماً واحداً؟! هل نجد من ألف شاب شاباً واحداً؟!
هل نجد من آلاف المتسكعين والضائعين والمفسدين والفاسقين واللامبالين والعابثين والهازلين؛ هل نخرج واحداً من أمة الإسلام نقول: هذا هو الجاد بين الهازلين! هذا هو العابد بين الضائعين! هذا هو المجاهد بين المستسلمين! هذا هو الصابر بين المتسخطين؟!
ستجد حتى الواحد من الألف لا يكاد يوجد، وتجد من جوامع كَلِمِه صلى الله عليه وسلم هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن ابن عمر : (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة).
إذاً نحن نبحث عن الشاب المسلم المبارك، أما ذلك المسلم الذي يُحسب ولا ينفع، يُعد ولا يشفع، إن أصيب قيل: أيها الناس! أعطوه، وإن جاع قيل: أيها الناس! أطعموه، وإن ظمئ قيل: أيها الناس! اسقوه، وإن عري قيل: أيها الناس! اكسوه، إلى غير ذلك، هؤلاء ماذا يقدمون؟! تجد الواحد منهم كما قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12].
إذا الواحد منهم في لحظة خطر ومرض وأنين ووجع وألم وسقم ويئن: آه .. آه .. من الأمراض يقول: يا ألله، وفي تلك اللحظات ربما يلتفت يتوضأ ليصلي، ربما يحاسب نفسه ويعد نفسه أن يستقيم؛ لكن: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ [يونس:12] لما رفع الله عنه البلاء وكشف عنه الداء وجرت العافية في دمه: مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12] ما كأن مصيبة أصابته، بل تجده يبارز ربه بألوان الذنوب والمعاصي، وتلك -وايم الله- من أعظم المصائب.
أحبتنا! نحن نريد من هؤلاء الألف: الشاب المبارك الذي ينفع الله به كما قال عيسى عليه السلام، أو كما أخبر سبحانه في سورة مريم عن عيسى عليه السلام: وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنتُ [مريم:31] نحن نريد ذاك الشاب المبارك أينما كان، المبارك في مسجده .. المبارك في مدرسته .. المبارك في تعليمه .. المبارك في حيه .. في أسرته .. في عمله .. في تجارته .. في ذهابه وإيابه، هذا هو الذي نريده، أما هذه الأعداد فماذا تقدم؟ أما أن نجد صوراً بلا حقائق فماذا تنفع الصور بلا حقائق؟!
فكثير من شبابنا اليوم هم صور والحقائق تكاد تكون قد انطمرت، نحن لا ننفي عن حقيقة الإسلام حتى لا يقول أحد: إن هؤلاء الشباب يكفرون الناس، أو هؤلاء الشباب ييئسون من صلاح الناس، لكن نقول كما قال تعالى: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] من كثرة ما كسبوا من السماع والرؤية والكلام والغفلة والقعود عن الصلوات، والبخل في الصدقات و.. و.. إلى غير ذلك، تراكم على أنفسهم طبقات من المنكرات أصبحت الحقيقة مندرسة مطمورة مختفية تحت طبقات الذنوب والمعاصي.
حقيقة الإسلام الموجودة عند الشباب هي مستقرة في القلوب، ولا أحد يكفرهم؛ لكن أين أثرها .. في الأمر بالمعروف .. في النهي عن المنكر .. في الاستقامة .. في الصلاة .. في الطاعة .. في العبادة .. في الدعوة؛ في السمت الحسن: في .. في .. إلى آخره، لا تجد لها أثراً، ولما غابت الحقائق أصبح هذا الكم الكبير لا يؤثر ولا يضر شيئاً.
الآن أعداء الإسلام هل يخافون من الصائعين الضائعين من المسلمين؟! هل يخافون من الذين يتسكعون فيما يسمى بالفيديو كليب والأغاني وملاحقة الماجنات والراقصات؟! هل يخاف أعداء الإسلام من الذين يقضون حياتهم مع العراة والكاسيات العاريات والمعاكسات والضياع؟! لا يخشى أعداء الإسلام من هؤلاء، يخشى أعداء الإسلام من مسلمٍ حقيقي يعرفون أنه يحمل هماً للإسلام وينتظر موعداً لنصرة الإسلام، فهذا هو الشاب الذي يخشاه أعداء الأمة.
فحسبك خمسة يُبْكَى عليهـم وباقي الناس تخفيف ورحمه |
لما أصبح رجلاً مباركاً، والبركة أمر مطلوب، وإلا فالعدد بدون بركة لا فائدة منه، لو قال لك رجل: أسأل الله أن يرزقك عشرين ولداً، وأسأل الله ألا يبارك في واحد منهم، هل تسرك هذه الدعوة؟! هل يسرك أن يكون لك عشرون ولداً ليس في أحدهم بركة؟! لا والله، بل كلهم عبء عليك صرف، ونفقات ومشكلات، وكل يوم من أجل هذا جارُّون بك إلى المخفر أو إلى الشرطة أو إلى العسكر، أو يميناً أو شمالاً، هذا دَعَسَ، وهذا صَدَمَ، وهذا اخَتَطَفَ، وهذا ضَرَبَ، وهذا آذَى، وهذا سَرَقَ، لكن يسرك أن يكون لك ولو ولدٌ واحدٌ قد بارك الله فيه، ذكراً كان أو أنثى: لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً [النساء:11].
إذاً البركة في الشاب مطلوبة، لو أن واحداً قال: أسأل الله أن يرزقك مائة مليون، وأسأل الله ألا يبارك لك فيها، يمكن أن تنفق كل هذه الملايين في ترميم المصائب والمشكلات التي صارت كالسيل المنهمر المتتابع على أم رأسك، فلا تتلذذ من هذه الأرقام والملايين في شيء أبداً.
لو قيل لك: نسأل الله أن يعطيك كذا وكذا وكذا، كم من شاب قال: آه، لو تزوجتُ فلانة الفلانية التي يصدق عليها قول الشاعر:
عراقية العينين نجدية الحشى حجازية الأطراف هندية الشعرِ |
الجميلة الممتازة هذه لو تزوجتُها لدخلتُ السعادة من أوسع أبوابها، وهب أنك تزوجتها ولم يكتب لك بركة فيها، ما الذي يكون؟ ستكون آخر عهدك وعلمك بالسعادة، تقول: الله .. قبل أن أرى هذا الوجه القَذِر كنت أنام مرتاحاً، وأستيقظ مرتاحاً، وآكل مرتاحاً، وأخرج مرتاحاً، لما دخلت هذه الجميلة الكحيلة العسيلة النحيلة ال.. ال.. إلى آخره ضيَّعَت علينا السعادة وأصبح لا هم لنا إلا حل مشكلاتها، يوم ذاهب بها إلى أهلها، ويوم آتٍ بها، ويوم نوصلها، وهذه حياتك معها.
الجواب: لا. إذاً لينظر كل واحد منا موقعه، نحن لن نتكلم اليوم لنقول عن الناس فيهم وفيهم، نريد أن نتكلم عن أنفسنا: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].
دواؤك فيك وما تشعرُ وداؤك منك وما تبصرُ |
وتحسب أنك جسم صغير وفيك انطوى العالم الأكبرُ |
إن الله تحدى بك خلقه، وإن الله قد جعل فيك معجزات عظيمة وقال سبحانه: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ [فصلت:53] في الكون وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فصلت:53].
هذه النفس التي أنت تتنقل بها إن شئت أن تقول: إنها ثروة فهي ثروة، بعض الشباب يقول: أنا فقير.. أنا مسكين.. أنا ما عندي في الرصيد ألف ريال أنا.. أنا.. أنا.. أنا..!
أجل أيها الشاب الفقير الذي لا ترى نعم الله إلا في المال! أيها المسكين لا يرى أن النعمة إلا في النقود! أيها المسكين الذي لا يعرف أن النعمة إلا في كذا! هل تريد أن ننزع منك الكبد ونعطيك ملياراً مقابلها، هل تريد أن ننزع منك يديك لتبقى معوقاً عن الحركة بهما ونجعل الملعقة في فمك؟! هل تريد أن نعطيك ونعطيك؟! لا. لا تقبل بذلك.
إذاً أنت بنك متحرك، يداك مليارات، ولا ترضى أن تباع بمليارات، رجلاك بالمليارات، وأسأل الله أن يخلف على إخواننا الذين فقدوا من عافيتهم ما فقدوا بقضاء الله وقدره وأن يرزقهم الصبر والاحتساب حتى يكون مآلهم الجنة، وبشراهم عند الله إن صدقوا الاحتساب بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، هل تريد أن تباع العين والأخرى بمليار ومليارات.
إذاً لا تنظر إلى المال فأنت عندك من الأموال في بدنك ما الله به عليم، ولا تنظر إلى الجاه أو المنصب فكم من أناس قد بلغوا فيها ما بلغوا وما نفعوا، ورب أناس ليس لهم في الأرض مناصب ولا مراكز ولا جاه ولا أحساب ولا أنساب نفع الله بهم نفعاً عظيماً.
إذا ما مات ذو علم وتقـوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه |
وموت الحاكم العدل المـولى بحكم الأرض منقصة ونقمه |
وموت فتىً كثير الجـود مَحْلٌ فإن بقاءه قَسْمٌ ونعمه |
وموت العابد القوَّام ليلاً يناجي ربه بكل ظلمه |
وموت الفارس الضرغام هـدمٌ فقد شهدت له بالنصر عزمه |
فحسبك خمسة يُبكى عليهـم وباقي الناس تخفيف ورحمه |
أنت أنت، هل تستطيع أن تقول إنك ممن يُبكى عليه، ويُذكر بخير بعد موته؟! أم أن يقال: والله مسكين، ظاهرة طبيعية كوجود أي كائن حي وجد على الدنيا فترة ثم انتهى واختلط ترابه ودمه وجسمه ومخه ولحمه وعظمه بالأرض ولم يحقق أي شيء، لكن تستطيع أن تكون عالماً .. تستطيع أن تكون مربياً .. تستطيع أن تكون مجاهداً .. تستطيع أن تتولى مهمة، لا يُشترط أن تكون حاكماً تحكم البلاد طولاً وعرضاً، وقد تكون كذلك، وقد تكون مسئولاً في أي قضية من القضايا في أي جانب من الجوانب فينفع الله بك نفعاً عظيماً، قد تستطيع أن تكون عابداً قواماً مجاهداً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر فحينئذ تكون من هؤلاء الذين:
فحسبك خمسة يُبكى عليهـم وباقي الناس تخفيف ورحمه |
مشكلة شباب الإسلام اليوم وأقولها بكل مرارة أن كثيراً من الطيبين أصبحوا أعداداً لا حقيقة لها، نعم.. جزاه الله خيراً على تدينه واستقامته لكن ماذا يقدم؟! ماذا يجدي؟! لا دعوة، لا أَمْر بمعروف ولا نَهْي عن منكر، لا نَفْع ولا تربية، بل غفلة مطبقة وفيه من الضعف والخور والجبن والكسل ما الله به عليم.
والعجيب كما قال أبو بكر الصديق لـعمر بن الخطاب : [أجبار في الجاهلية، خوار في الإسلام] لما كان قبل استقامته وقبل توبته كان لا يدع شراً إلا ركبه، ولا فتنة إلا وقف على رأسها، ولما مَنَّ الله عليه بالهداية أصبح حملاً وديعاً وظبياً جهولاً، لا يقدم ولا يؤخر، أين تلك الشيطانية.. أين تلك العربجة! أين تلك الشدة! أين ذاك الحماس! أين ذاك النشاط! أين تلك الهمة التي تقطع المسافات الطويلة ذهاباً وإياباً؟!
أولاً قبل أن يهتدي الرجل يضرب له واحدٌ فقط ضربتين ببوق السيارة إلا والغترة على جنبة.
إلى أين؟
قال: الذي تريد، إن أردت الطائف هيا نذهب.
لا توجد مشكلة، الآن يأتي أحد إخوانه:
يا أخي الحبيب! هيا بنا إلى محاضرة .. درس .. دعوة.
يا شيخ! مريض، دعني هذه الأيام، دعنا مرتاحين عند هذا المكيف.
يا بن الحلال! هيا نمشي، عندنا عمل ودعوة، مكتب الجاليات يحتاج إلى أناس يتابعون هؤلاء المسلمين الجدد.
والله -يا أخي- لا أعرف لهذا الشيء.
يا أخي! عندنا مجال دعوي آخر لنشارك فيه.
والله يا أخي أخاف.
ثم يصبح همه ماذا يقول الناس فيه، وإذا وجدت الشاب يهمه رأي الآخرين فيه فاعلم أنه قد احترق.
يا أخي الحبيب! كن مثل المتنبي :
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصمُ |
يقول: أنا أقول الكلمة أفجرها، أرمي بها بين الناس ثم أنام.
ولذا فإننا نقول: البركة أمر مطلوب، حتى أنك تلاحظ مسألة البركة في عبادتك إذا أثنيت على الله: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، بل في طعامك، فإذا مد الإنسان يده إلى الطعام قال: باسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، تسأل الله البركة في اللقيمات لأن الله إن جعل فيها بركة كانت سبباً في نشاطك على العبادة، وكانت سبباً في قوتك على الطاعة، وإن كانت مجرد ملء بطون ودورة هضمية انتهت بلا فائدة، بل إنك إذا دُعيت إلى مأدبة عند قوم ثم أحببت أن تدعو لهم بما جاء في السنة، تقول: اللهم اغفر لهم وارحمهم وبارك لهم فيما رزقتهم.
نلاحظ -يا أحبابي- أن البركة أمر مطلوب، نحن نريد أن نكون مباركين كما أن الإنسان يدعو بالبركة في الطعام والشراب، بل إذا هنَّأت أحداً بالزواج وعلمتَ أنه عُقِدَ له على امرأة قلت: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير، تدعو بالبركة له، وتدعو بالبركة عليه، وتسأل الله أن يجمع بينه وبين زوجته بخير؛ لأن اللقاء بينهما إذا لم يكن مباركاً، من أول أسبوع فسوف يصدر صَك طلاق لها.
والسبب في كثير من مشكلات الطلاق -هذه تحويلة عاجلة- أن الكثير يتزوج ليس لقصد العفاف: (ثلاثة حق على الله عونهم... ومنهم: الناكح يريد العفاف) أقول: هذه من الأسباب، ليس كل من طلق معناه أنه لا يريد العفاف؛ لكن من أسباب فشل كثير من الزيجات أن كثيراً منهم يتزوج ولم يكن مريداً حقاً شرع الله في العفاف.
بعضاً من الكوريين جاءوا عندنا في المملكة، يوم أن اشتغلوا في الدَّهْن، واللحام، والأشجار، فانتهت الكلاب والحمير عن بكرة أبيها، ابحث الآن على حمار وكلب، لا تجد أبداً إلا ممن قال الله فيه: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الأعراف:179].
فيا أحبابنا: نحن نريد الشاب المبارك.
نريد الشاب الذي يتسع صدره لإخوانه.
نريد الشاب الذي يصلح بين الناس.
نريد الشاب الذي يملأ وقته بما ينفع.
نريد الشاب الذي يغار على دينه.
نريد الشاب الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
نريد الشاب الذي أمله في جنة عرضها السماوات والأرض.
نريد.. نريد.. إلى غير ذلك، كل هذا هو الذي نتمناه.
وأنا واثق أن كل واحد منا لو نفض عنه غبار النوم وجدد الثقة بنفسه وأنه قادر على أن يحدث شيئاً، والله لَيُحْدِثنَّ، والله لَيَفْعَلَنَّ، والله لَيَعْمَلَنَّ ولَيَسْتَطِيْعَنَّ، ولكن من الذي يبدأ بأول خطوة على الطريق؟!
الشباب بين مصيبتين:
بين احتقار الذات.
وبين غرور النفس.
فالمغرور مسكين يظن أنه يفعل كل شيء وهو لا يفعل شيئاً.
والذي يحتقر نفسه لا يستطيع أن يتحرك خطوة، ونحن نقول: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [الإسراء:29].
نريدك وسطاً:
فلا تك فيها مُفرِطاً أو مفرِّطاً كلا طرفَي قصد الأمور ذميمُ |
نريد الشاب المعتدل المتوسط الذي يعيش بنفس طويلة المدى.
نعم وُجِد عنده تاريخ صلاحية للتدين، من أين جاء تاريخ الصلاحية في التدين؟! فساد البدايات، (من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة) لما كانت البداية فيها خلل ودخن، فيها خور وضعف، فيها حماس وعاطفة من دون علم ومن دون اجتهاد، التزام لمدة سنتين وانتهت مدة الصلاحية وانتهى الموضوع.
بعض الشباب عهدك به كذا ثم تقابله حليقاً، عهدك به كذا ثم تجده -والعياذ بالله- في منتهى ألوان المعاصي، بل وتجده مصراً ولا يعترف بالتقصير ولا يفكر أن يتوب، ما الذي غيره؟! ما الذي أصابه؟!
هل نام متديناً فأصبح فاسقاً؟!
هل أصبح صالحاً وأمسى مجرماً؟!
لا. لكن هناك أمور ينطوي عليها بعض الشباب في سلوكه، ولا يعلم كالانحراف في المباني الطويلة، الآن عمارة المملكة أو العمارة الخيرية الطويلة التي في شارع الثمانين، لو يوجد انحراف سنتيمتر واحد في القاعدة في الدور رقم (35) أو (40) تسقط، قد لا تسقط في الدور الأول، ولا يظهر الميل والانحراف في البناء في الدور الثاني ولا الثالث ولا الرابع ولا العاشر لكن في الدور رقم كذا، فكذلك بعض الشباب قد يقع في انحراف، منهم مَن أساسه فيه ميل قوي لكنه غير ظاهر ثم ينحرف سريعاً، سنة سنتين وينتهي، والبعض ثلاث سنوات.
يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، نسأل الله بمنه وأسمائه وصفاته أن يثبت قلوبنا على طاعته.
أقول: من مشكلات الشباب: عدم البركة.. عدم الإنتاج.. عدم العمل، أيضاً محدودية تاريخ الصلاحية، أو كمسحة طبية قد كُتِب عليها: صالحة للاستعمال لمرة واحدة فقط، بعض الشباب يمكن أ، يقرأ كتاباً واحداً وكفى، ربما يحفظ سورة واحدة وينتهي، جزء واحد وينتهي، دورة علمية واحدة وينتهي، لا يشعر أنه سيستمر في الطلب تلميذاً، ويستمر في الدعوة داعية، ويستمر في التعليم معلماً، ويستمر في الصدقة متصدقاً، ويستمر في المشاركة منتجاً معلماً، في أي مجال لا بد أن تستمر.
كثير من المسلمين اليوم تقول له: يا أخي! المسلمون في كل مكان، المسلمون في كشمير ، المسلمون في كذا، قال: يا أخي! أنا تبرعت لـأفغانستان وانتهت القضية، فعلاً صالح للاستعمال لمرة واحدة فقط.
فأنا أقول لهؤلاء الشباب: اتقوا الله في أنفسكم، واعتنوا بالبدايات فإنها مهمة.
وكل امرئ والله بالناس عـالمٌ له عادة قامت عليها شمائلُهْ |
تعوَّدها فيما مضى من شبـابه كذلك يدعو كلَّ أمرٍ أوائلُهْ |
نحن الآن في مرحلة الذي دنا من الأربعين يتذكر أياماً كان عمره فيها ثمان عشرة أو تسع عشرة سنة يقول: يا ليتني ضاعفتُ الجهود في تلك السنوات، قبل أن أُبْلَى بالزوجات والأعمال والمسئوليات والتربية والواجبات الوظيفية، والمهمات الرسمية، و.. و... إلى غير ذلك، الكثير منكم قادر على أن يتفرغ وهي فرصة جميلة، بل إنك تجد نفسك أغلب جوانب العطاء والقدرة على البذل دعوياً وفكرياً وعلمياً وثقافياً هي من حصيلة أيام الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، والخامسة والعشرين، والثلاثين، وغيرها؛ لكن لما كبر الإنسان، وتقدمت به السن وتحمل مسئوليات وغير ذلك يكون العطاء أقل من ذي قبل؛ لكن المهم أن تستمر في العطاء، لكن مشكلتنا مشكلة الذي أعطى مرة واحدة وتوقف: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى [النجم:33-34] أعطى لنا قليلاً ووقف.
يا أخي الحبيب! لماذا تعتبر نفسك كأي منتج غذائي قد كُتِب عليه تنتهي الصلاحية في عام (1422هـ) بعض الشباب يظن أن تركه للمعاصي يكفي، لا. لا بد مع ترك المعاصي أن تفتح صفحات بل مجلدات لتهذيب النفس وطلب العلم والمجاهدة والدعوة إلى الله.
أحد الشباب الذين تركوا الفن ذات يوم كنا معه في مجلس وكان معجباً لثناء الحاضرين عليه أنه ترك الفن، قلت له: أخي الحبيب! لاحظ ترك الفن فقط هي إزالة للحدث، أما الوضوء فلم تتوضأ بعد، الآن واحدٌ نريد أن نأمره ليصلي، ثم قال: عن إذنك، أنا أريد أن أذهب -أجلكم الله والسامعين بالعبارة العامية- أريد أن أذهب لأطيِّر الشرر.
ذهبَ وطيَّر الشرر، رفع الحدث أزال الحدث هل كونه أخرج البول من جسده واستجمر بعد ذلك أو استنجى هل هذا كافٍ للصلاة؟ أجيبوا.. لا. لا يكفي، ما الذي بقي عليه؟ بقي الوضوء، كذلك تركه للفن كرفع الحدث وإزالة الخارج من الدبر أو القبل؛ لكن بقي الوضوء، أن تسبغ على نفسك العمل الصالح كما تسبغ الماء على أعضائك بالوضوء، أن تسبغ على نفسك العمل والعلم والعبادة والمجاهدة والصبر والدعوة والاستقامة هذا هو الأمر المطلوب، فكثير من الشباب يقول: الحمد لله، أنا كنت فناناً، وتركت الفن وانتهت القضية، لا. ما انتهت القضية، أمامك مشوار طويل، ولكن خذ هذا المشوار بهدوء.
يقول أحد السلف : لا تعجب بثناء الناس، فإن الله ينصر الدين بالرجل الفاجر.
وقد قال الله في المنافقين: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4].
لا تغتر بنفسك -يا مسكين- أياً كان موقعك، لا تدري بِمَ يُختم لك، فالإنسان على خطر وعلى مخافة.
الشاهد: لا تستبعدنَّ على ضال هداية، قد تجد واحداً مجرماً في زنزانة انفرادية من أجل مخدرات، فيخرج فيهديه الله وينفع به خلقاً عظيماً، وقد تجد إنساناً ربما يشار إليه بالبنان فيكتب الله عليه انحرافاً ولا حول ولا قوة إلا بالله! يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك.
وفي الحديث: (إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وإن القلوب أشد تقلباً من القدر في غليانها) فمن الذي يأمن على نفسه؟!
لذا أقول لهذا الشاب: خذ نفسك بالهدوء وبالطمأنينة وبطول النَّفَس، وإياك واليأس والقنوط، وقد يأتيك الشيطان عند أدنى هفوة أو أدنى زلة ويقول: من الآن جادة الطريق طويلة فلن تستطيع أن تستمر، فأرح نفسك من اليوم قبل أن تنحرف بعد سنتين، كما قالوا: (طيِّنها وعطِّنها من الحين)، من أول شهر أو ثاني شهر، لا. لئن أغواك جليس سوء أو قادتك محنة، أو وقعت بك رِجْل في زلة فعليك أن تبادرها بالتوبة كما قال تعالى: وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].
الصحابة الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم أخطاء ما قال: لا أرى وجهك، كفى. انتهت قضيتك، اخرج من الصحوة، واخرج من الدعوة، واخرج من الصحابة، لا. بل أمره بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله سبحانه تعالى، والإكثار من الصالحات والحسنات الماحية للسيئات، هذه من أهم الأمور يا أحبابي، أما أن يريد الإنسان أن يهتدي الكون في لحظة، لو سأل نفسه: ما هو المشوار الذي قطعه حتى يهتدي، إن تجد أخاك في الله جزاه الله خيراً أهدى لك، ثم زارك، ثم سافر بك، ثم حج معك، ثم اعتمر، ثم.. ثم.. ورويداً رويداً حتى مكن الله الهداية في قلبك، وقد كنت من قبل تتأذى منك البهائم قبل البشر، فكذلك أعطِ الناس فرصة، المشوار والفرصة التي مررت بها حتى بلغت الهداية أعطِها الآخرين حتى يهتدوا، أما أن تقول: الدنيا خربة ضائعة ما فيها صالح، الدعوة فالتة، لا يمكن أن يهتدي أحد، ثم تذهب وتجلس في شِعبٍ من الشعاب أو جبل من الجبال وتقول: لم يعد في الناس خير، انظر إلى نفسك كيف منَّ الله عليك بالهداية، وأعطِ الناس نفس الفرصة لتجد أن الله سبحانه وتعالى سوف يهديهم.
أقول هذا الكلام لأني وجدت بعض الشباب بين اثنين:
إما أنه يئس من صلاح الناس فاعتزل وأصبح كما قلتُ حملاً وديعاً وظبياً جهولاً، ما عاد يريد أن يرفع طرفه عن الأرض أبداً، تقول له: يا أخي! مُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر وادعُ إلى الله يقول: يا أخي! ضائعة، فقط، دع المهدي ينـزل، دع المهدي ينـزل، دع الريح التي تهب وتقبض أرواح المؤمنين وتريحنا من هذا الفساد كله، متى يطلع الدجال ويذبحه عيسى بن مريم وننتهي من القضية؟ لا. بل لا بد أن تصبر: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120] هذا شخص هذا حاله.
لا يا أخي الحبيب! استمر والمشوار طويل.. طويل.. طويل جداً، الاستقامة ليست مرحلة جامعية (أربع سنوات) وتأخذ شهادة، الاستقامة ليست دورة عسكرية أربع سنوات وتأخذ رتبة أو نجمة، الاستقامة كما قال تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] يعني: الموت: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود:112] (سددوا وقاربوا).
انظر سماحة الشيخ ابن باز ، هل جاءه الناس بالبشائر والأخبار السارة؟ لا.
يا شيخ المنكر الفلاني.
أعطونا نكتب.
يا شيخ صار للمسلمين مذبحة في الفليبين.
أعطونا نكتب لهم فتوى يُتَبَرَّع لهم.
وربما الشيخ يفعل أموراً لا يطلع عليها الناس، تخص جهات عليا.
يا شيخ، وقع كذا، نُشر كذا، صار كذا.
طول نَفَس. فأنت أعطِ نفسك الاستقامة والالتزام والنَّفَس، أما أن تتراكم عليك صور الفساد والمنكرات وتتخوف، فيأتي الشيطان ويقول: مساكين، خمسمائة مطوع قاعدون في استراحة والقنوات الفضائية تبث للملايين، شيخ قاعد يصرخ في المنبر والقنوات الفضائية تخاطب مئات الملايين، شبكة الإنترنت تتعامل مع سبعمائة مليون وهذا المطوع أبو شريط، يحسب أن شريطه يصلح العالم، نعم. إنها كلمة لكن تقلب العالم كله، النبي صلى الله عليه وسلم بم دعا الناس؟ بإنترنت؟! بقنوات فضائية؟! بمؤتمرات دولية؟! جَمَعَ مجموعةً من قريش، وناداهم بطناً بطناً، فخذاً فخذاً، قال: (واصباحاه! فجاءوا، وقال: هل جربتم علي من كذب قط؟ قالوا: لا يا محمد! ما جربنا عليك كذباً قط، قال: قولوا كلمة واحدة تملكوا بها العرب وتدفع لكم بها جزية العجم، قالوا: وأبيك عشراً -نعطيك عشراً- قال: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: تباً لك! سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟).
وانطلقت كلمة (لا إله إلا الله)، وما زالت تجوب أقطار الدنيا حتى لا يبقى بيت حجر ولا مدر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الشرك وأهله، فلماذا تيئس، هي كلمة.
إبراهيم عليه السلام لما قال تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج:27] قال: يا رب! من يسمع؟ قال الله: أذن وعلينا البلاغ، فجاء الناس من كل فج عميق، وعلى كل ضامر، وزرافات ووحداناً.
والله إن الإنسان إذا شاهد في التليفزيون أحياناً مشاهد الباخرات والحجاج ينزلون منها، والطائرات والحجاج ينزلون منها، والسيارات وهي تنزل بالحجاج يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، لقد نادى إبراهيم فتكفل الله بالبلاغ، أنت ادعُ إلى الله والله يتكفل بالبلاغ، لا يأتيك الشيطان ليقول لك: يا مسكين! ماذا تفعل؟! بعض الشباب عنده عدم صبر وإنما النصر صبر ساعة، يعني: حتى الفرح بنتائج الدعوة، والفرح بهداية الناس، والفرح بصلاح الخلق لا يمكن أن يتم خلال يوم وفي عشية وضحاها.
مات صلى الله عليه وسلم والمسلمون في عهده يوم موته أقل من عدد المسلمين في عهد أبي بكر ، وفي عهد عمر.
إذاً أنت اغرس هذه الكلمة، وبلغ وستجد من يحملها عنك.
اليوم هذا اتصل بي شاب من أمريكا من مدينة اسمها أورنج كاونت في لوس أنجلوس ، يقول: أنا سمعت شريطاً لأحد الإخوان، أحد المشايخ جزاه الله خيراً، ومنَّ الله عليَّ بسببه واستقمتُ وتبتُ، وأنا مع فلان وفلان وفلان وفلان من الصالحين -وسَمَّى بعضهم ممن يعيش معهم في لوس أنجلوس - بماذا تنصحني؟
قلت: سبحان الله! هذا الشريط أنا معرفتي به قديمة، نعم. لأنها كلمة ينفع الله بها، وتبقى الكلمة ولها قوة ولها أثر، ولا تتهاون بالكلمة، شهادة الزور كلمة، والسب كلمة، والشتم كلمة، وإفساد ذات البين كلمة، وتقوى الله وذكره كلمة، وإصلاح ذات البين كلمة، والشهادة بالحق كلمة، والدعوة إلى الله كلمة.
إذاً لا تتساهل بالكلمة، قلها مخلصاً تريد بها وجه الله عز وجل وينفع الله بها ويبلغ بها أقواماً: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ [إبراهيم:24-25] وهذا الفرق بين الكلمة الميتة والكلمة المباركة.
حفلة غنائية يجتمع فيها خمسة آلاف، أربعة آلاف، هي كلمات، لكن تنتهي بآثار الفسق عليهم، ولم يكن لها مزيداً إلا في ضلال؛ لكن كلمة الحق بعد حين.
الآن لو تأتي لك بكلمات المفسدين وغيرهم من الكلمات القديمة من أغانيهم، لقيل: أوه، هذا قديم، هذا مات، الآن شبع منه الدود، اليوم تجد هناك أغانٍي جديدة وخرجت استريوهات جديدة، وأشياء لم نعد نعرفها، في الأول كنا نكلم الشباب، يوم أن كنا نعرف، أما الآن كبرنا وعند الشباب أشياء كثيرة الآن لا نعرفها.
لكن انظر كلمات ابن تيمية في القرن السابع ولا تزال تتجدد؛ لأنها كلمة حق وانتشرت في الماضي.
الشيخ ابن باز لما قال له أحد الموريتانيين: يا شيخ! كيف تصبر على هذا الجهد والضيوف والأعمال والفتوى والتعليم والدعوة وأنت في عشر التسعين!
يقول: بعد أن ألححتُ عليه، قال: يا بني! إن الروح إذا كانت تعمل فالجوارح لا تكل.
انظر نفسك الآن حين تحضر حفل تخريجك من الجامعة لتكرم بأنك حصَّلت الدكتوراه أو الماجستير، وتقف ويُشار إليك ويقال: والله هذا فلان بن فلان يتخرج.. إلى آخره والله تقف ساعة لا تشعر، لأن روحك هي الواقفة وليست أقدامك، فلا تشعر بالتعب، لكن دع الإمام يقرأ: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً [الذاريات:1] في الفجر، ستقول: لا نريد، وربما تترنح في الصلاة، لماذا؟ لأن الروح ما وقفت، وقفت الأقدام فترنَّح، نحن نريد أن تقف الروح وأن تعمل.
كلام ابن تيمية ، وكلام الإمام أحمد ، وكلام الحسن البصري ، وكلام الله عز وجل كَلِمُه طيب، أطيب الكلام (إن خير الكلام كلام الله)- باقٍِ ومعجزةٌ تتجدد وتفجر في الناس الطاقات، وتقمع الباطل، وتحرك الشعوب، وتخمد شعوباً وتحرك أمماً، وتطفئ أمماً؛ لأنها كلمة حق.
فأنت -أخي الكريم- إياك أن تتهاون بالكلمة أو تظن أن الكلمة لا تنفع، رُبَّ مدرس يلقي كلمة في فصل فيه عشرون طالباً ثم يخرج الله من هؤلاء الطلبة داعية يغير الله به وجه أمة، وهي كلمة، وما كان لهذا الداعية أن يغير وجه أمة إلا بكلمة من هذا المدرس، فلا تتساهل أو يغلبك الشيطان في الباطل.
الحديث ذو شجون، ووجوهكم بعد فضل الله يستلهم منها المتحدث كثيراً من الأفكار والأحاسيس الطيبة.
وسؤالي وإلحاحي على الله عز وجل بمنِّه وكرمه وجوده وأسمائه وصفاته أن يبسط لي ولكم في عافية أبداننا، وسداد أقوالنا، وإخلاص أفعالنا، وسعة أرزاقنا، وصلاح ذرياتنا، وسداد أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وأسأله سبحانه أن يثبتنا وإياكم على طاعته.
ونسأله سبحانه ألا يزيغ قلوبنا بعد إذا هدانا.
ونسأله سبحانه أن يتوفانا على أحسن حال ترضيه عنا.
اللهم توفنا على أحسن حال ترضيك عنا، شهادةً وسجوداً وركوعاً، وعبادةً، وطاعةً لك يا رب العالمين.
اللهم لا تقبض أرواحنا على فاحشة ولا تقبضها على خزي ولا تقبضها على معصية.
اللهم من كان فينا مذنباً فاغفر ذنبه واستر عيبه، ومن كان تائباً فاقبل توبته، ومن كان مفرطاً فأعنه على نفسه يا رب العالمين، ومن كان داعياً فسدده، ومن كان صادقاً فثبته يا رب العلمين.
اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى آله وصحبه.
وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب: الفتور يطرأ على كثير من الناس، بل قلَّ أن يسلم منه أحد، ولكن للنفس نشطة وفترة.
وينبغي للإنسان -إذا فتر- ألا يسمح للفتور أن يتجاوز حد ترك الواجبات، بمعنى: أنه قد يفتر الإنسان؛ لكن لا يكون هذا الفتور إلى حد ترك الصلاة مع الجماعة، أو ترك السنن المؤكدة، كالوتر، والرواتب، أو الوقوع في الفواحش والمنكرات والمعاصي.
لكن في النشاط بعض الليالي يجد في نفسه نشاطاً فيصلي أحدى عشرة ركعة، بعض الأيام يصوم كثيراً أو يقرأ من القرآن كثيراً لكن قد يفتر.
وخير ما يعينك على مجاهدة الفتور:
هذه الوجوه الطيبة:
قد يقول بعض الشباب: أنا أخشى على نفسي النفاق.
نقول له: كيف؟
يقول: يا أخي! إذا جئت مع الطيبين أجد نفسي متحمساً، ولو قالوا نصوم السِّنة كلها لصمنا، ولو قالوا: نقوم الليل كله لقمناه، و.. و.. إلى آخره، ولكني آتي في البيت ربما لا أصلي كذا، ولا أوتر بكذا، وربما يجاهدني أهلي في بعض الصيام، أو في بعض العمل.
أقول لك: لا يقولن لك الشيطان: هذا نفاق، بل ذلك من تشجع النفس وحماسها ورغبتها في الحق، إذا كثر الأخيار خنس الشيطانبإذن الله من مجالس الذكر، لكن الإنسان حينما يخلو يجثم الشيطان عليه.
فخير ما لك هو قول الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28].
يا إخوان! لا تظنوا أن أحداً يسلم من الفتور خاصة إذا بَعُد عن أحبابه في الله، حتى الدعاة إلى الله الذين قد يدعون ويذكرون الناس هم أنفسهم لو انقطعوا عن الناس في أمر الدعوة لأصابهم من الفتور ما يصيبهم، ولذلك لا تقل: أنا سأذهب أقول للشيخ الفلاني: تعال لتلقي علينا محاضرة، وهو راعي الفضل، لا. اذهب قل له يلقي محاضرة وأنت راعي الفضل عليه بعد الله، لأنك كما يُذَكِّرك أنت تذكره، كما يدعوك أنت تدعوه، كما يعينك أنت تعينه، وإن كانت القضية قد لا تكون ظاهرة لديك.
المسألة الثانية: كثرة ذكر الله عز وجل:-
أكثر من ذكر الله، أكثر من الاستغفار، أكثر من التسبيح، أكثر من التهليل، حتى لو جعلت في يدك شيئاً يذكرك بالله.
الشيخ ابن عثيمين سئل ذات مرة في (نور على الدرب) -وأوصي الشباب أن يستمعوا لهذا البرنامج كثيراً- سئل سماحة الشيخ ابن عثيمين عن رجل يستخدم السبحة، يقول: وأنا لا أعتقد أن فيها مزيد فضل؛ ولكنني أعدُّ بها العدد.
فقال الشيخ: لا بأس باستخدامها، والتسبيح بالأنامل أولى، إذا كانت هذه السبحة -مثلاً- تذكرك، بعض الناس يدخل يده يجد السبحة يخرجها، ثم يقعد يسبح: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، طبعاً التسبيح ليس بالحبوب، التسبيح باللسان والقلب، لكن وجودها في يديك يذكرك التسبيح، فلا حرج، وكثير من الشباب ينكر على الذين يأخذون السبحة، وهذا من الجهل، وينبغي ألا ننكر على أحد إلا ومعنا دليل، أو نعرف فتوى من إمام يحتج به في الإنكار، أما أن ننكر ونتعوذ منه! ونظل ننكر عليه، فلا.
يقول الشيخ: إلا أن تخشى على نفسك الرياء.
ابن حجر العسقلاني رحمه الله تكلم عن (لا إله إلا الله) قال: وهي الكلمة التي تستطيع أن تقولها دون أن يدرك جليسك حركة شفتيك.
أطبق الآن بين شفتيك، وقل: (لا إله إلا الله)، يمكن أن تقولها دون أن يشعر الذي بجوارك أنك تقول: (لا إله إلا الله)، وهذه من نعم الله أنك تستطيع أن تستمر في الذكر، وكلمة (لا إله إلا الله) من أجلّ الذكر، بل لو وُضِعت السماوات وعامرهن غير الله في كفة والأراضين معها، و(لا إله إلا الله) في كفة لرجحت بهن (لا إله إلا الله).
فالذكر مما يعين القلب على الحماس واللذة والأنس بالطاعة والعبادة مع مجالسة الأخيار ففيها -بإذن الله- خيرٌ كثير.
لعلي أكتفي بهذا السؤال.
واستأذنكم للسلام على بعض الإخوة.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر