عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
معاشر الأحباب: كلكم يعلم أن الدعوة إلى الله جل وعلا من أجل الوظائف وأطيب الأعمال، ولا غرو في ذلك فالله جل وعلا يقول في محكم كتابه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] ويقول الله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم).
أيها الأحبة في الله: لا شك أن كل مسلمٍ يعلم أن الدعوة إلى الله جل وعلا أجرها جزيلٌ والعمل بها جميل، ولكن كثيراً من المسلمين رغم تشوقهم إلى نيل شرف الدعوة إلى الله، ورغم حبهم إلى الدخول في هذا المجال، قد يحرمونه بسبب عدم توفر الشروط التي ينبغي للداعية أن ينالها أو يقوم بها، وليس ذلك من باب القصور الذاتي فيهم، بل إن جبلة البعض تختلف عن الآخرين، وإن الله جل وعلا جعل الخلق درجاتٍ بعضهم فوق بعض، ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون، أعني بذلك أن بعض الشباب وبعض المسلمين تجده محباً لأن يكون داعية إلى الله، ويشتاق أن يهدي الله على يده فرداً أو أفراداً من إخوانه المسلمين، ولكن قد يكون لقلة علمه، أو بسبب العلم الذي هو فيه أو بسبب أمرٍ من الأمور عاجزٌ عن تحقيق مطلبه هذا، فهل بعد هذا يمكن أن يكون محروماً من ثواب الدعوة إلى الله؟ هل يحرم من هداية الآخرين إلى صراط الله المستقيم؟ كلا وحاشا؛ لأن الله جل وعلا لم يجعل الدعوة إلى سبيله ولم يجعل الأمر بالمعروف الذي شرعه والنهي عن المنكر الذي زجر عن العمل به، لم يجعل ذلك قاصراً على العلماء، وإن كان ينالهم أوفر الحظ والنصيب من المسئولية في هذا الجانب، لم يجعل ذلك قصراً على حملة الشهادات، أو أرباب المناصب والمراتب، بل إن كل مسلم مسئولٌ مطالبٌ مرغوبٌ منه أن يكون داعيةً إلى الله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وذلك لعموم أدلة كثيرة لو لم يرد منها إلا قوله صلى الله عليه وسلم: (نظَّر الله امرءاً سمع منا مقالة، فبلغها كما سمعها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع) وتواترت الأحاديث لفظاً ومعنى في قوله صلى الله عليه وسلم: (ربَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، وربَّ حامل علمٍ إلى من هو أوعى منه).
أيها الأحبة: إليكم جملة من الأساليب التي لا يعجز عنها أي واحدٍ منا مهما كان مستوى تعليمه، ومهما كانت وظيفته، ومهما كان موقعه الاجتماعي:
إذاً -أيها الإخوة- إن أول الأساليب في الدعوة إلى الله أن يكون الواحد منا قدوة ما أمكنه إلى ذلك، أن يكون راية، أن يكون نموذجاً صالحاً مطبقاً لكي يقتدي به من حوله من إخوانه المسلمين، وكلكم يعلم أن الإسلام إنما انتشر في دول شرق آسيا وكثيرٍ من المجاهل الإفريقية وغيرها، إنما انتشرت بالقدوة الصالحة من قبل التجار المسلمين، الذين رآهم أهل تلك البلاد فرأوا فيهم ليناً ولطفاً وأمانة في المعاملة، وصدقاً في الحديث والكلام، فتأثروا بأفعالهم قبل أن يتحدثوا بأقوالهم، فأسلموا، فهدى الله أولئك الأمم بفعل أولئك التجار الصالحين من المسلمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام. وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.
معاشر الإخوة: إليكم مزيداً من الوسائل التي تحقق لكم فرصة الدعوة إلى الله بالأساليب المتيسرة بين يديكم، إذا كان الإنسان عاجزاً بلسانه أو بفعله أو بقوله، فمن ذلك: الشريط النافع، وهذه وسيلة نافعة جداً وإن كان أول من ابتكرها واخترعها الكفار، لكن الله جل وعلا قد ينفع عباده المؤمنين بما يفعله أعداؤهم الكفار، فما خطر ذات يومٍ على ذهن أعداء الله الكفار يوم أن صنعوا تلك المسجلات وغيرها، ويوم أن صنعوا الوسائل المرئية والمسموعة ووسائل النشر وغيرها، لم يخطر على بالهم أنها ستكون في يومٍ من الأيام عنصراً أساسياً وركيزة متينة من وسائل وركائز الدعوة إلى الله، فلو أنك أيها الأخ المسلم! رأيت أخاً لك أو شاباً -مثلاً- وقع في جريمة المخدرات، أو في جريمة حب السفر إلى الخارج بكثرة، وتعلمون ما يدور في الخارج عند بعض الشباب وهم قلة بحمد الله، من الذين تولعوا وشغفوا حباً بالسفر إلى بلاد الخارج فلا تراهم في أرضهم إلا قليلاً، فلوا أنك أردت نصيحته وأردت ضرب الأمثلة له، وأردت ضرب القصص والحكايات التي حصلت لأناس سافروا إلى الخارج فكانت نهايتهم دامية أليمة، قد تعجز عن بيان ذلك، ولكن تجد شريطاً مثل أشرطة ندوات الجامع الكبير، أو تجد شريطاً لعالمٍ من العلماء المعروفين الموثوقين المشهود لهم بالمعرفة والصلاح والاستقامة، قد حوى الحديث عن هذا الموضوع أو أي موضوعٍ من المواضيع التي ترغب أن تنصح صديقك أو أخاك أو قريبك فيها فتشتري هذا الشريط بقيمة رمزية متيسرة، فتهديه إليه، وتقول: أهدي لك هذا الشريط، إذ إن البعض لا يسره أن يعلم الناس بحاله، بل إن الكثير إن لم يكن الكل يرغبون ألا يعلم الناس بأحوالهم، والله جل وعلا ستار يحب الستر على عباده، فلو علمت في أحد إخوانك أو أحد أبناء مجتمعك أنه تورط في المخدرات أو المصائب أو الرشوة أو غير ذلك، فاشتريت هذا الشريط الذي يعالج هذه المشكلة، أو هذه القضية، فقدمته إليه هدية من دون سابق بيان علمك لما هو عليه من حال، فلعله أن يسمعه في سيارته، أو في بيته فيتأثر بذلك تأثراً بليغاً كبيراً.
إذاً -أيها الإخوة- هذه وسيلة نافعة من وسائل الدعوة إلى الله جل وعلا، وهي في متناول كل واحدٍ منا ولا يعجز عنها واحدٌ منا، إذاً فلنا فرصة، ولنا مكانة، ولنا دورٌ، وعلينا مسئولية في باب الدعوة إلى الله، ولا نحتج بقلة العلم أو قلة البضاعة، فإن الأمور تيسرت بحمد الله جل وعلا، وإنها لنعمة عظيمة تحسد عليها هذه البلاد دون سائر البلاد الأخرى، فلك اللهم الحمد على ما أنعمت وأتممت، ونسألك اللهم مزيداً، ونسألك اللهم التوفيق للشكر والإنابة إليك.
عطايانا سحائب مرسلات ولكن ما وجدنا السائلين |
وكل طريقنا نورٌ ونورٌ ولكن ما رأينا السالكين |
إن أبواب الدعوة مفتوحة، وإن أبواب الخير كثيرة، لكن الكثير من عباد الله عنها في غفلة، نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليهم بالعودة والتوبة والأوبة والإنابة، والاستغلال لهذه المواسم والخيرات والفرص العديدة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً وأراد بولاة أمرنا فتنة، وأراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بشبابنا ضلالاً، وأراد بنسائنا تبرجاً واختلاطاً، اللهم أرنا به عجائب قدرتك، اللهم أدر عليه دائرة السوء، اللهم اجعل كيده في نحره، وتدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهدِ إمام المسلمين، اللهم اهدِ إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم أيده بتأييدك، واحفظه بحفظك، ووفقه إلى ما يرضيك، ووفقه للعمل بكتابك وسنة نبيك، اللهم قرب له من علمت به خيراً له ولأمته، وجانب وأبعد عنه من علمت به شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على الحق يا رب العالمين، ولا تفرح علينا ولا عليهم عدواً ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً، فمتعه بالصحة والعافية، اللهم من كان منهم ميتاً فجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، ونور اللهم ضريحه، ووسع عليه قبره مدَّ بصره، وافتح اللهم إليه باباً إلى الجنة.
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي ، وارضَ اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر