أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أن الله جل وعلا قد أنعم عليكم بنعمة الإسلام، وفضلكم على كثير من الأمم تفضيلاً، وشرع لكم في أركان دينكم حج بيته العظيم الذي جعله مثابةً للناس وأمناً، وأوجب على عباده المسلمين حج بيته الحرام مرةً واحدةً في العمر، وجعل ذلك سبباً لطهارة القلوب ومغفرة الذنوب، ففي الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) من سره أن يقدم عملاً يكون سبباً لتكفير الذنوب ونيل دار الخلود والنعيم، فليبادر إلى حج بيت الله الحرام.
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) بل لقد عدَّه صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال حينما سئل: (أي العمل أفضل؟ فقال: إيمانٌ بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور) ومن عظيم رحمة الرب الكريم بعباده أن فرض الحج على العباد مرة واحدة، وما زاد فهو قربة وتطوع، ولم يجعل فرض الحج دائماً في كل عام، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج، فحجوا، فقال رجل -وفي رواية: أنه
أما يخاف أولئك الذين يؤجلون الحج ويسوفونه؟ أما يخشون أن تصرعهم المنايا، أو تخطفهم سهام المنون وهم بين أظهر الكفار غافلين عن أداء فرض الله؟ أما يخافون المروق من الدين بنص وعيد المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: (من ملك زاداً وراحلةً تبلغه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً) رواه الترمذي .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من له جدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الفدية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين].
فبادروا بالحج وتعجلوا يا من لم تقضوا فرضكم، ومن حج وابتغى التقرب في الزيادة، فليجتهد في حسن الأداء, والبشارة له بعد ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد، والحج المبرور ليس له ثوابٌ إلا الجنة) فمن استطاع الحج بوجود الزاد والراحلة، فليبادر وليتعجل إذا كان حراً بالغاً عاقلاً، والمرأة كذلك إذا وجدت محرماً زوجاً كان أو من تحرم عليه على التأبيد بسبب نسب فليبادر كلٌ بقضاء فرضه، واحرصوا على قضاء المرأة فرضها، وليحرص من هي في ذمته على ذلك، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
ومن عجز عن أداء فريضة الحج لكبرٍ أو مرضٍ لا يرجى برؤه، لزمه إقامة من ينوب عنه لأداء فرضه، ففي الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأةٌ من خثعم، قالت: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم).
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، قال: (جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه، أفأحج عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أنت أكبر ولده؟ قال: نعم، قال: فاحجج عنه) رواه الإمام أحمد.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
معاشر المؤمنين: ينبغي لمن جمع الهمة والقصد لحج بيت الله الحرام أن يراعي آداباً وواجبات في سفره لهذه العبادة الجليلة.
أنى يستجاب لمن تزود لهذه الطاعة من مال حرام؟! أو تزود لها من مال فيه ربا، أو مال فيه خيانة حتى ناله وجلبه على نفسه؟!
فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أنها عبادة جليلة لابد لها من زاد نقي طيب، والله لا يقبل إلا الطيب، في يوم عرفة آنذاك نظر أحد الصحابة إلى الحاج، قال: [إن الراكب كثير، فقال
نسأل الله ألا يردها خائبة، وأن يكتب لنا حجاًً مع الحاجين، وفضلاً مع أصحاب الثواب والنعيم.
إذا حججت بمالٍ أصله سحتٌ فما حججت ولكن حجت العير |
وليكن المسلم طيب النفس بما أنفق؛ ليكون أقرب إلى القبول والإجابة.
عباد الله: الحذر الحذر من مصاحبة الجهال والسفهاء، والعصاة المصرين.. الحذر الحذر من مصاحبتهم في سفر الحج، فإن هؤلاء لا يسلم من خالطهم في الغالب من الإثم واللغو في الحج.
أيها المسلم: احرص على التزود من فعل الخيرات، والمحافظة على الواجبات، فإن ذلك من أعظم القربات، وما زاد عن الفريضة فهو نافلة، فلا يضيع الواجب بالنافلة.
اتقوا الله في أداء ما فرضه عليكم، وتقربوا إليه بذلك، ولا تطلبوا بذلك سوى وجه الله.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يأتي على الناس زمان يحج أمتي نزهة، وأوساطهم للتجارة، وقراؤهم للرياء والسمعة، وفقراؤهم للمسألة) نعوذ بالله من حال أولئك أجمعين.
بعضهم يذهب بالتلفاز معه إلى هناك، ولا يتورع أن يرى كل ما يعرض فيه، وبعضهم تسمع الأغاني في خيمته، وبعضهم تشم رائحة الدخان من مكانه، وكثير منهم ترى الكاميرا قد علقها على صدره يأخذ لهؤلاء صورة للذكرى هنا، وصورة للذكرى هناك، وصورة عند هذا المكان، وصورة عند غيره، متى كان الحج ذكريات في الصور والمنكرات والملاهي؟
يا عباد الله: ينبغي لمن عزم على الحج أن يكون حريصاً على خلو حجه من المنكرات والمخالفات، ومن غلب على ظنه أنه سيقع في كثير من التساهل والتجاوز إما بسبب ضعف نفسه، أو بسبب رفقة هو يخالطها، فالأولى له أن يتصدق بنفقة حجه، ولا حج حجاً هذه حاله! لأن الله جل وعلا طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، ولا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً، فلا تختلط الأعمال الصالحة بالمعاصي والمنكرات.
روى الإمام أحمد، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتكبير والتحميد).
وروى البخاري في صحيحه، عن ابن عمر وأبي هريرة (أنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما) وهذا الحديث نصٌ صريحٌ في وجوب إحياء هذه السنة.. سنة التكبير المطلق أيام العشر، وإننا نكاد لا نسمعها إلا قليلاً، فينبغي لنا أن نضج بها في أسواقنا ومجالسنا ومساجدنا ومنتدياتنا، وفي كل مكان.. ينبغي أن نظهر الشعور بحرمة هذه الأيام، وأن نظهر الشعور بعظيم فضلها وجليل قدرها، فإذا داومنا على هذا التكبير، وجعلناه دائماً على ألسنتنا، فإن ذلك مما يعظم الشعور بهذه الأيام في نفوسنا ونفوس غيرنا.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيامٍ العمل الصالح أحب إلى الله فيها من هذه الأيام -أي: أيام العشر- قال
أيها الإخوة: إذا أهل شهر ذي الحجة كره لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً حتى يذبح أضحيته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي).
عباد الله: اتقوا الله في هذه الأيام الفاضلة خاصة، وفي غيرها من أيام أعمالكم عامة، وأسأل الله جل وعلا أن يكتب لنا حجاً مع الحاجين، وأن يتقبل منا أعمالنا أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين.
اللهم من أراد بيتك وحرمك وضيوفك القاصدين بيتك بسوء فأشغله في نفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك يا جبار السماوات والأرض، إنهم لا يعجزونك.
اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين وارزقه البطانة الصالحة، وقرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وجنبه بطانة السوء، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم لا تدع لأحدٍ منا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مكسوراً إلا جبرته، ولا غائباً إلا رددته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضاً ولنا فيها صلاح، إلا قضيتها وأعنتنا على قضائها يا رب العالمين!
اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية، ومن كل فاحشة سداً، ومن كل فتنةٍ عصمة.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك.
اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم سدد رصاصهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد صفوفهم، اللهم ثبت الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم ارزقهم العلم النافع والعمل الصالح وإيانا برحمتك يا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمدٍ، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر