الحمد لله منزل الكتاب، ومنشئ السحاب، وهازم الأحزاب، وخالق الخلق من تراب، لا إله إلا هو عليه توكلنا وإليه المناب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
معاشر المؤمنين: ينبغي لمن جمع الهمة والقصد لحج بيت الله الحرام أن يراعي آداباً وواجبات في سفره لهذه العبادة الجليلة.
التوبة الصادقة النصوح
أول ما ينبغي لمن أراد الحج أن يبادر بالتوبة الصادقة النصوح من كل المعاصي والمحرمات، وأن يجتهد بإبراء ذمته من مظالم الخلق وحقوقهم عليه.
أن يكون المال حلالاً
الإكثار من النفقة لمواساة المحتاجين
معاشر المؤمنين: كما ينبغي لمن أراد الحج أن يكثر من النفقة والزاد، ليواسي المحتاجين منه، وقبل ذلك كله أن تكون النفقة -كما قلنا- من مالٍ حلال لم تكدره الشوائب من المحرمات والشبهات.
وليكن المسلم طيب النفس بما أنفق؛ ليكون أقرب إلى القبول والإجابة.
تعلم كيفية الحج
كما يجب على المسلم أن يتعلم كيفية الحج، وليحذر من قول الكثير: سأحج مع جماعة وما سيفعلونه أفعله، إذ إن هذا دليل الجهل والإصرار عليه، بل والواجب على المسلم أن يتعلم كيفية أداء النسك، وعليه أن يتعلم كيفية أداء العبادة التي يؤديها، لا أن يفعلها تقليداً كما يفعلها غيره، ومن الجميل المناسب أن يصحب الحاج معه كتيباً جامعاً لأحكام المناسك، وأن يديم مطالعته ومدارسته مع غيره ليتفقه في أحكام الحج، واعلموا أن الكتب في هذا الموضوع كثيرة، والكتاب الذي ننصح به أنفسنا وإخواننا هو كتاب
التحقيق والإيضاح لمسائل الحج والعمرة على ضوء الكتاب والسنة لسماحة مفتي هذه البلاد وشيخها/
عبد العزيز بن عبد الله بن باز أطال الله بقاءه، ومتعه بالصحة والعافية، ونفع به الإسلام والمسلمين.
الاجتهاد في تحصيل الرفقة الصالحة
ينبغي لمن عزم على الحج أن يجتهد في تحصيل الرفقة الصالحة الرائدة للخير، المتمسكة بأحكام الشريعة؛ لتكون عوناً له على أداء النسك، وإن تيسر الحج في رفقة فيهم العلماء، أو طلبة العلم المدركون لأحكام الحج فيا حبذا ذلك؛ لأجل التواصي بالحق وحفظ آداب المناسك، والبعد عما يطرأ على المسافرين من مساوئ الأخلاق والتساهل في أمور الدين، وعلى الحاج مع رفقته أن يحرص على خدمتهم، وأن يحرص على رضاهم، وأن يتحمل عنهم شيئاً من المشقة، لا كما يفعله بعض ضعاف النفوس إذا ذهبوا مع رفقة، كانوا الجالسين وغيرهم يخدمونهم، وكم من رفقة تفرقت وعادت بالشحناء والعداوة من بينها من جراء أنانية بعضهم، والأثرة وحب الزاد.
عباد الله: الحذر الحذر من مصاحبة الجهال والسفهاء، والعصاة المصرين.. الحذر الحذر من مصاحبتهم في سفر الحج، فإن هؤلاء لا يسلم من خالطهم في الغالب من الإثم واللغو في الحج.
الإخلاص لله تعالى
أما الأمر المهم في هذه الفريضة لمن أراد أن يؤدي فرضه ورغب التزود والنافلة، فهو النية الصادقة الخالصة، إن من الناس من يحج ليسمى حاجاً، إذا عاد إلى بلاده، فلا ينادى إلا بها، ومنهم من يسافر ويفاخر بحجاته، وإذا جلس في مجلس قال: حججت ست عشرة حجة، أو ثماني عشرة حجة، وبعضهم إذا تكلم غيره، قال: أنا أكثر منك في حجاتي، فمن كانت هذه حاله، فهو على خطر عظيم في حبوط العمل وسقوطه في الرياء عياذاً بالله من ذلك.
أيها المسلم: احرص على التزود من فعل الخيرات، والمحافظة على الواجبات، فإن ذلك من أعظم القربات، وما زاد عن الفريضة فهو نافلة، فلا يضيع الواجب بالنافلة.
اتقوا الله في أداء ما فرضه عليكم، وتقربوا إليه بذلك، ولا تطلبوا بذلك سوى وجه الله.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يأتي على الناس زمان يحج أمتي نزهة، وأوساطهم للتجارة، وقراؤهم للرياء والسمعة، وفقراؤهم للمسألة) نعوذ بالله من حال أولئك أجمعين.
الابتعاد عن المعاصي والمنكرات
معاشر المؤمنين: إن بعض الحجاج-منَّ الله علينا وعليهم بالهداية- إذا عزموا على الحج كأنهم عازمون على سفر ترفيهي، بل وإن الكثير منهم من يعمد إلى ما يعصي الله به، ليذهب به إلى المشاعر وليتنقل به بين المناسك، كثير منهم يأخذ معه تلفازاً، وكأن المكان ليس لذكر الله والاستغفار والتوبة والإنابة، وكثير منهم يريد أن يقضي ليالي التشريق حتى ينتهي من هذا الموسم ويعود، وهذا جهل عظيم، بل إنه قد يظن أنه ذاهب إلى عبادة جليلة، فيعود بأوزار مضاعفة، لأنه لم يحترم حرمة الزمان والمكان الذي هو فيه.
بعضهم يذهب بالتلفاز معه إلى هناك، ولا يتورع أن يرى كل ما يعرض فيه، وبعضهم تسمع الأغاني في خيمته، وبعضهم تشم رائحة الدخان من مكانه، وكثير منهم ترى الكاميرا قد علقها على صدره يأخذ لهؤلاء صورة للذكرى هنا، وصورة للذكرى هناك، وصورة عند هذا المكان، وصورة عند غيره، متى كان الحج ذكريات في الصور والمنكرات والملاهي؟
يا عباد الله: ينبغي لمن عزم على الحج أن يكون حريصاً على خلو حجه من المنكرات والمخالفات، ومن غلب على ظنه أنه سيقع في كثير من التساهل والتجاوز إما بسبب ضعف نفسه، أو بسبب رفقة هو يخالطها، فالأولى له أن يتصدق بنفقة حجه، ولا حج حجاً هذه حاله! لأن الله جل وعلا طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، ولا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً، فلا تختلط الأعمال الصالحة بالمعاصي والمنكرات.
معاشر المؤمنين: يومان أو ثلاثة ويحل عليكم شهر ذي الحجة، أسأل الله أن يهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، فينبغي -يا معاشر المؤمنين- لنا أن نعرف قدر هذه الأيام الفضيلة التي أقسم الله بلياليها بقوله:
وَالْفَجْرِ *
وَلَيَالٍ عَشْرٍ 
[الفجر:1-2] وعظم الأجر ومضاعفته للعاملين فيها، ينبغي لنا أن نجتهد، ونحرص على الأعمال الصالحة.
روى الإمام أحمد، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتكبير والتحميد).
وروى البخاري في صحيحه، عن ابن عمر وأبي هريرة (أنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما) وهذا الحديث نصٌ صريحٌ في وجوب إحياء هذه السنة.. سنة التكبير المطلق أيام العشر، وإننا نكاد لا نسمعها إلا قليلاً، فينبغي لنا أن نضج بها في أسواقنا ومجالسنا ومساجدنا ومنتدياتنا، وفي كل مكان.. ينبغي أن نظهر الشعور بحرمة هذه الأيام، وأن نظهر الشعور بعظيم فضلها وجليل قدرها، فإذا داومنا على هذا التكبير، وجعلناه دائماً على ألسنتنا، فإن ذلك مما يعظم الشعور بهذه الأيام في نفوسنا ونفوس غيرنا.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيامٍ العمل الصالح أحب إلى الله فيها من هذه الأيام -أي: أيام العشر- قال ابن عباس : ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بماله ونفسه، ولم يرجع من ذلك بشيء) فانظروا عظم العمل في هذه الأيام، واستغلوها بما استطعتم من الصيام وتلاوة كتاب الله، وخصوها بمزيد من الطاعة.
أيها الإخوة: إذا أهل شهر ذي الحجة كره لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً حتى يذبح أضحيته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي).
عباد الله: اتقوا الله في هذه الأيام الفاضلة خاصة، وفي غيرها من أيام أعمالكم عامة، وأسأل الله جل وعلا أن يكتب لنا حجاً مع الحاجين، وأن يتقبل منا أعمالنا أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين.
اللهم من أراد بيتك وحرمك وضيوفك القاصدين بيتك بسوء فأشغله في نفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك يا جبار السماوات والأرض، إنهم لا يعجزونك.
اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين وارزقه البطانة الصالحة، وقرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وجنبه بطانة السوء، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم لا تدع لأحدٍ منا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مكسوراً إلا جبرته، ولا غائباً إلا رددته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضاً ولنا فيها صلاح، إلا قضيتها وأعنتنا على قضائها يا رب العالمين!
اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية، ومن كل فاحشة سداً، ومن كل فتنةٍ عصمة.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك.
اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم سدد رصاصهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد صفوفهم، اللهم ثبت الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم ارزقهم العلم النافع والعمل الصالح وإيانا برحمتك يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
[الأحزاب:56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمدٍ، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.