هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله، والفطرة هي الإسلام، يعني: أنه مفطور على معرفة الله، مفطور على إفراد الله بالربوبية، ولو ترك ونفسه من غير المؤثرات الخارجية لمال إلى الخير ولقبل الخير؛ لأنه مفطور على معرفة الله ووحدانيته فيميل إلى الخير.
وفيه: أنه مولود على الإسلام، وهذا لفظ عام، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أوينصرانه أويمجسانه)، ينقلانه إلى الكتابية أو النصرانية أو المجوسية، ولم يقل: يمسلمانه، فدل على أن الفطرة هي الإسلام.
أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ].
أو بدون الألف، قال: إسناده صحيح على شرط مسلم.
قال أبو حاتم: [ قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة) أراد به: على الفطرة التي فطره الله عليها جل وعلا يوم أخرجهم من صلب آدم؛ لقوله جل وعلا: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30] يقول: لا تبديل لتلك الخلقة التي خلقهم لها، إما لجنة وإما لنار، حيث أخرجهم من صلب آدم، فقال: هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار، ألا ترى أن غلام الخضر قال صلى الله عليه وسلم: (طبعه الله يوم طبعه كافراً) وهو بين أبوين مؤمنين، فأعلم الله ذلك عبده الخضر ، ولم يعلم ذلك كليمه موسى صلى الله عليه وسلم، على ما ذكرنا في غير موضع من كتبنا ].
وهذا دليل على أن الخضر نبي أوحي إليه على الصحيح، خلافاً للجمهور القائلين بأنه عبد صالح، والصواب أنه نبي؛ لأنه قال: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف:82] بل عن أمر الله.
لكن موسى أفضل منه؛ لأنه من أولي العزم.
أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتجون إبلكم هذه، هل تحسون فيها من جدعاء؟) ].
(كما تنتجون)، تنتج على الوقت الذي هو محدد لها.
[ (ثم يقول
قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: (فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) مما نقول في كتبنا: إن العرب تضيف الفعل إلى الآمر كما تضيفه إلى الفاعل، فأطلق صلى الله عليه وسلم التهود والتنصر والتمجس على من أمر ولده بشيء منها بلفظ الفعل؛ لا أن المشركين هم الذين يهودون أولادهم أو ينصرونهم أو يمجسونهم دون قضاء الله عز وجل في سابق علمه في عبيده ].
المراد: أنهم بتعليمهم إياهم يتسببون في انتقالهم إلى اليهودية والنصرانية والمجوسية، وإلا فالله هو المقدر، ولا يوجد شيء إلا بقضاء الله وقدره.
أي: أن الله تعالى هو الهادي والمضل، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته.
أحد الأقوال وهو رواية عن الإمام أحمد أن الفطرة الخلقة التي خلق عليها، والقول الثاني: أن الفطرة هي الإسلام، وقيل: الفطرة هي الدين، لكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يعرف الشريعة بالفطرة ولا حاجة إلى الرسل، بل المعنى أنه يقر بوجود الله ويعرف ربه، ويقبل الحق ممن جاء به إلا إذا غير، وإلا لو كان معنى الفطرة: أنه يولد ويعرف كل شيء لم يكن هناك حاجة إلى الرسل، بل المعنى: أنه يقبل ما جاءت به الرسل إلا إذا جاءته مؤثرات خارجية.
قال: [ على ما أمر ولده بشيء منها بلفظ الفعل، لا أن المشركين هم الذين يهودون أولادهم أو ينصرونهم أو يمجسونهم دون قضاء الله عز وجل في سابق علمه في عبيده، وعلى حسب ما ذكرنا في غير موضع من كتبنا، وهذا كقول ابن عمر رضي الله عنه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجته)يريد به: أن الحالق فعل ذلك به صلى الله عليه وسلم لا نفسه، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: (من حين يخرج أحدكم من بيته إلى الصلاة فخطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة) يريد: أن الله يأمر بذلك، لا أن الخطوة تحط الخطيئة أو ترفع الدرجة، وهذا كقول الناس: الأمير ضرب فلاناً ألف سوط، يريدون: أنه أمر بذلك لا أنه فعل بنفسه ].
أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أنبأنا يونس عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين) ].
هذا في الصحيحين، أخرجه البخاري في الجنائز ومسلم .
قال: [ ذكر خبر قد يوهم عالماً من الناس أنه مضاد للخبرين اللذين ذكرناهما قبل ].
هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، وهذا لا ينافي قول: الله أعلم بما كانوا عاملين، وبما يصيرون إليه، وإن كانوا يولدون على الفطرة ومحبة الخير، لكن الله أعلم بما يصيرون إليه.
أخبرنا الفضل بن حباب الجمحي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا السري بن يحيى أبو الهيثم -وكان عاقلاً- حدثنا الحسن عن الأسود بن سريع - وكان شاعراً، وكان أول من قص في هذا المسجد- قال: أفضى بهم القتل إلى أن قتلوا الذرية، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أوليس خياركم أولاد المشركين؟ ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يعرب، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) ].
قال أبو حاتم في خبر الأسود بن سريع هذا: (ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام) أراد به الفطرة التي يعتقدها أهل الإسلام التي ذكرناها قبل، حيث أخرج الخلق من صلب آدم، فإقرار المرء بتلك الفطرة من الإسلام، فنسب الفطرة إلى الإسلام عند الاعتقاد على سبيل المجاورة ].
قال في التخريج: رجاله ثقات، وأخرجه الطبراني في الكبير عن الفضل بن حباب بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير والصغير عن مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد.
قال: [ عن الأسود بن سريع وكان شاعراً، وكان أول من قص في هذا المسجد قال: أفضى بهم القتل إلى أن قتلوا الذرية، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أوليس خياركم أولاد المشركين؟ ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام) ].
لا شك أن الصحابة كلهم كانوا بعد الإسلام خياراً، وكان آباء كثير منهم على الشرك، وهذا لا يمنع أن يكونوا قد ولدوا على الفطرة.
قال المحشي: [ وقوله: (حتى يعرب) أي: يفصح ويتكلم، وفي رواية ابن أبي شيبة: حتى يبلغ فيعبر عن نفسه ].
هو مولود على الفطرة حتى يبلغ، ثم بعد ذلك يختار.
أخبرنا عمر بن سعيد الطائي بمنبج أخبرنا أحمد بن أبي بكر الزهري عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة) ].
تنتج على اللفظ المبني للمجهول، وهو مروي للمعلوم عنه الشيء الملازم تناتج، والمعروف تنتج، يراجع هذا.
فقوله: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، هو بعد قوله: (كل مولود يولد على الفطرة)، استدل به المؤلف رحمه الله فقال: (كل مولود يولد على الفطرة) قال: الفطرة هي الإسلام، ثم قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين).
سمعت أبا خليفة يقول: سمعت عبد الرحمن بن بكر بن الربيع بن مسلم يقول: سمعت الربيع بن مسلم يقول: سمعت محمد بن زياد يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (عجب ربنا من أقوام يقادون إلى الجنة في السلاسل) ].
إسناده صحيح على شرط مسلم ، وأخرجه أحمد والبخاري .
قال: [ (عجب ربنا من أقوام يقادون إلى الجنة في السلاسل) ].
فيه إثبات العجب لله عز وجل، وقوله: (بالسلاسل) يعني: بالجهاد، يقاتلون ثم يسلمون فيدخلون في الإسلام، يعني: يقاتلهم المسلمون، ثم يمن الله عليهم بالإسلام، فبالقوة يدخلون إلى الإسلام، ويقادون إلى الجنة بالسلاسل.
[ قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: (عجب ربنا) من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ علم المخاطب بما يخاطب به في القصد إلا بهذه الألفاظ التي استعملها الناس فيما بينهم، والقصد في هذا الخبر: السبي الذي يسبيهم المسلمون ].
هذا غلط من أبي حاتم فقد أنكر صفة العجب، وله أغلاط أخرى في العقيدة، قوله: من الألفاظ التي يتعارف عليها، يعني: يقصد إنكار العجب، والصواب: أن هذا فيه صفة العجب لله عز وجل، وفي الحديث الآخر: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره)، (يعجب ربكم من شاب ليست له صبوة)، وفي قراءة: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12] (بل عجبتُ ويسخرون)، على هذا فيه إثبات العجب لله، بَلْ عَجِبْتُ على إحدى القراءتين، قراءة حفص : بَلْ عَجِبْتَ الخطاب للرسول، وقراءة (بل عجبتُ) فيه إثبات العجب لله، فـأبو حاتم رحمه الله له تأويل في الصفات، قال أبو حاتم : هذا من الألفاظ التي نتعارف عليها، وليس المقصود إثبات العجب. هكذا! من الألفاظ المتعارف عليها يخاطب الناس بما يعرفون، فأنكر بذلك صفة العجب لله.
فمعنى: (عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل) يعني: يجاهدهم ويقاتلهم المسلمون ويسبونهم ويكتفونهم، ثم يدخلون الإسلام ويدخلون الجنة.
قال: [والقصد في هذا الخبر السبي الذي يسبيهم المسلمون من دار الشرك مكتفين بالسلاسل يقادون بها إلى دور الإسلام حتى يسلموا فيدخلون الجنة، ولهذا المعنى أراد صلى الله عليه وسلم بقوله في خبر الأسود بن سريع : (أوليس خياركم أولاد المشركين)، وهذه اللفظة أطلقت أيضاً بحذف (من) عنها، يريد: أو ليس من خياركم ].
يعني: أن الصحابة كان آباؤهم مشركين.
الذي لا يهتم بالعلم وأخذه من مصادره يغلط.
قال: [ ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانه أنه مضاد للأخبار التي تقدم ذكرنا لها.
أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان أنبأنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان).
قوله: [ ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانه أنه مضاد للأخبار التي ذكرنا لها ].
الأخبار السابقة هل فيها الأمر بالقتل: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، يعني: (خياركم أولاد المشركين)، ونهى عن قتل النساء والصبيان؟! هذا من محاسن الإسلام؛ لأن النساء والصبيان ليسوا من أهل السلاح ولا يحملون السلاح فلا يقتلون، وكونه نهى عن قتل النساء والصبيان فهذه أحكام، وهم لهم أحكامهم في الدنيا ولهم أحكام في الآخرة، وأحكامهم في الدنيا أنهم لا يقتلون وحدهم، لكن إذا بيت المسلمون المشركين قتلوا معهم، لكن أولاد المشركين الصواب أنهم في الجنة إذا ماتوا قبل البلوغ.
أخبرنا جعفر بن سنان القطان بواسط حدثنا العباس بن محمد بن حاتم حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا حمى إلا لله ورسوله، وسألته عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم؟ قال: نعم فإنهم منهم)، ثم نهى عن قتلهم يوم حنين ].
النهي إذا تميزوا، وإذا اختلطوا يقتلون.
التراجم يدخل بعضها في بعض، وإذا أردت أن تربط عناوين الكتاب فانظر الفهرس.
قال: [ ذكر خبر قد أوهم من أغضى عن علم السنن واشتغل بضدها أنه مضاد للأخبار التي ذكرناها قبل.
أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن العلاء بن المسيب عن فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: (توفي صبي، فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلاً ولهذه أهلاً؟) ].
قال في التخريج: إسناده صحيح على شرط مسلم ، وأخرجه مسلم في القدر.
قال ابن حاتم: [ أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقول هذا ترك التزكية لأحد مات على الإسلام، ولئلا يشهد بالجنة لأحد، وإن عرف منه إتيان الطاعات، والانتهاء عن المزجورات ].
المراد ألا يشهد لأحد بعينه بخصوصه لما قالت: (طوبى له عصفور من عصافير الجنة)، ولهذا قال: (أو غير ذلك)، وإلا أولاد المؤمنين في الجنة ولا شك في هذا، لكن لما خصصت شخصاً بعينه أنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم الشهادة له بخصوصه لما في ذلك من التزكية.
قال أبو حاتم: [ أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا ترك التزكية لأحد مات على الإسلام، ولئلا يشهد بالجنة لأحد، وإن عرف منه إتيان الطاعات، والانتهاء عن المزجورات؛ ليكون القوم أحرص على الخير، وأخوف من الرب، لا أن الصبي الطفل من المسلمين يخاف عليه النار، وهذه مسألة طويلة قد أمليناها بفصولها والجمع بين هذه الأخبار في كتاب فصول السنن، وسنمليها إن شاء الله تعالى بعد هذا الكتاب في كتاب الجمع بين الأخبار ونفي التضاد عن الآثار، إن يسر الله تعالى ذلك وشاء ].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر