اختلف العلماء في حكم أطفال المشركين، فمنهم من قال: إنهم في الجنة واستدل بحديث: (كل مولود يولد على الفطرة) وحديث النهي عن قتلهم، ومنهم من قال: هم في النار تبعاً لآبائهم واستدل بحديث: (هم منهم)، ومنهم من توقف واستدل بحديث: (الله أعلم بما كانوا عاملين).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر العلة التي من أجلها قال صلى الله عليه وسلم: (أوليس خياركم أولاد المشركين).
سمعت أبا خليفة يقول: سمعت عبد الرحمن بن بكر بن الربيع بن مسلم يقول: سمعت الربيع بن مسلم يقول: سمعت محمد بن زياد يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (عجب ربنا من أقوام يقادون إلى الجنة في السلاسل) ].
إسناده صحيح على شرط مسلم ، وأخرجه أحمد والبخاري .
قال: [ (عجب ربنا من أقوام يقادون إلى الجنة في السلاسل) ].
فيه إثبات العجب لله عز وجل، وقوله: (بالسلاسل) يعني: بالجهاد، يقاتلون ثم يسلمون فيدخلون في الإسلام، يعني: يقاتلهم المسلمون، ثم يمن الله عليهم بالإسلام، فبالقوة يدخلون إلى الإسلام، ويقادون إلى الجنة بالسلاسل.
[ قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: (عجب ربنا) من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ علم المخاطب بما يخاطب به في القصد إلا بهذه الألفاظ التي استعملها الناس فيما بينهم، والقصد في هذا الخبر: السبي الذي يسبيهم المسلمون ].
هذا غلط من أبي حاتم فقد أنكر صفة العجب، وله أغلاط أخرى في العقيدة، قوله: من الألفاظ التي يتعارف عليها، يعني: يقصد إنكار العجب، والصواب: أن هذا فيه صفة العجب لله عز وجل، وفي الحديث الآخر: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره)، (يعجب ربكم من شاب ليست له صبوة)، وفي قراءة:
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ
[الصافات:12] (بل عجبتُ ويسخرون)، على هذا فيه إثبات العجب لله،
بَلْ عَجِبْتُ
على إحدى القراءتين، قراءة حفص :
بَلْ عَجِبْتَ
الخطاب للرسول، وقراءة (بل عجبتُ) فيه إثبات العجب لله، فـأبو حاتم رحمه الله له تأويل في الصفات، قال أبو حاتم : هذا من الألفاظ التي نتعارف عليها، وليس المقصود إثبات العجب. هكذا! من الألفاظ المتعارف عليها يخاطب الناس بما يعرفون، فأنكر بذلك صفة العجب لله.
فمعنى: (عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل) يعني: يجاهدهم ويقاتلهم المسلمون ويسبونهم ويكتفونهم، ثم يدخلون الإسلام ويدخلون الجنة.
قال: [والقصد في هذا الخبر السبي الذي يسبيهم المسلمون من دار الشرك مكتفين بالسلاسل يقادون بها إلى دور الإسلام حتى يسلموا فيدخلون الجنة، ولهذا المعنى أراد صلى الله عليه وسلم بقوله في خبر الأسود بن سريع : (أوليس خياركم أولاد المشركين)، وهذه اللفظة أطلقت أيضاً بحذف (من) عنها، يريد: أو ليس من خياركم ].
يعني: أن الصحابة كان آباؤهم مشركين.
قال المصنف رحمه الله: [ ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانه أنه مضاد للأخبار التي تقدم ذكرنا لها ].
الذي لا يهتم بالعلم وأخذه من مصادره يغلط.
قال: [ ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانه أنه مضاد للأخبار التي تقدم ذكرنا لها.
أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان أنبأنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان).
قوله: [ ذكر خبر أوهم من لم يحسن طلب العلم من مظانه أنه مضاد للأخبار التي ذكرنا لها ].
الأخبار السابقة هل فيها الأمر بالقتل: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، يعني: (خياركم أولاد المشركين)، ونهى عن قتل النساء والصبيان؟! هذا من محاسن الإسلام؛ لأن النساء والصبيان ليسوا من أهل السلاح ولا يحملون السلاح فلا يقتلون، وكونه نهى عن قتل النساء والصبيان فهذه أحكام، وهم لهم أحكامهم في الدنيا ولهم أحكام في الآخرة، وأحكامهم في الدنيا أنهم لا يقتلون وحدهم، لكن إذا بيت المسلمون المشركين قتلوا معهم، لكن أولاد المشركين الصواب أنهم في الجنة إذا ماتوا قبل البلوغ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر خبر قد أوهم من أغضى عن علم السنن واشتغل بضدها أنه مضاد للأخبار التي ذكرناها قبل ].
التراجم يدخل بعضها في بعض، وإذا أردت أن تربط عناوين الكتاب فانظر الفهرس.
قال: [ ذكر خبر قد أوهم من أغضى عن علم السنن واشتغل بضدها أنه مضاد للأخبار التي ذكرناها قبل.
أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن العلاء بن المسيب عن فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: (توفي صبي، فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلاً ولهذه أهلاً؟) ].
قال في التخريج: إسناده صحيح على شرط مسلم ، وأخرجه مسلم في القدر.
قال ابن حاتم: [ أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقول هذا ترك التزكية لأحد مات على الإسلام، ولئلا يشهد بالجنة لأحد، وإن عرف منه إتيان الطاعات، والانتهاء عن المزجورات ].
المراد ألا يشهد لأحد بعينه بخصوصه لما قالت: (طوبى له عصفور من عصافير الجنة)، ولهذا قال: (أو غير ذلك)، وإلا أولاد المؤمنين في الجنة ولا شك في هذا، لكن لما خصصت شخصاً بعينه أنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم الشهادة له بخصوصه لما في ذلك من التزكية.
قال أبو حاتم: [ أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا ترك التزكية لأحد مات على الإسلام، ولئلا يشهد بالجنة لأحد، وإن عرف منه إتيان الطاعات، والانتهاء عن المزجورات؛ ليكون القوم أحرص على الخير، وأخوف من الرب، لا أن الصبي الطفل من المسلمين يخاف عليه النار، وهذه مسألة طويلة قد أمليناها بفصولها والجمع بين هذه الأخبار في كتاب فصول السنن، وسنمليها إن شاء الله تعالى بعد هذا الكتاب في كتاب الجمع بين الأخبار ونفي التضاد عن الآثار، إن يسر الله تعالى ذلك وشاء ].