أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: (كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوهن ولا يشاربوهن ولا يجامعوهن في البيوت، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222] الآية، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن ويجامعوهن في البيوت، وأن يصنعوا بهن كل شيء ما خلا الجماع، فقالت اليهود: ما يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من أمرنا إلا خالفنا، فقام أسيد بن حضير وعباد بن بشر فأخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: أنجامعهن في المحيض؟ فتمعر رسول الله صلى الله عليه وسلم تمعراً شديداً حتى ظننا أنه قد غضب، فقاما، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية لبن، فبعث في آثارهما فردهما فسقاهما، فعرف أنه لم يغضب عليهم) ].
في هذا الحديث بيان ما ينال الحائض من زوجته، وأنه يؤاكلها ويشاربها ويباشرها وينال منها كل شيء إلا الجماع، وأن هذا هو تأويل قول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222].
وفيه أن اليهود قالوا: ما يدع هذا الرجل شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، وأن أسيد بن حضير وعباد بن بشر قالا: يا رسول الله! أفلا نجامعهن؟ فتمعر وجه رسول الله وتغير حتى ظنوا أنه قد غضب عليهما، فلما وليا استقبل النبي صلى الله عليه وسلم هدية لبن فدعاهما وسقاهما، فعرفوا أنه لم يغضب عليهما عليه الصلاة والسلام، وإنما غضب من هذه المقالة؛ لأنه تأثر من هذه المقالة.
وهذا فيه دليل على أنه يجوز للإنسان أن يباشر زوجته من دون إزار، وأن الإزار أفضل كما سيأتي في الأحاديث ولهذا جاء في صحيح مسلم : (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) يعني: إلا الجماع. فكونه يأمرها أن تتزر بإزار فيما بين السرة والركبة أفضل وأحوط وأبعد عن الخطأ، وقد سبق، والحديث رواه أبو داود وغيره، وأصله في مسلم .
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (في الرجل يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار) ].
وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد ، وكذلك ابن خزيمة والحاكم وقد سبق الكلام فيه، وأن العلماء اختلفوا في صحته، فمن العلماء من ضعفه وقال: إنه ضعيف؛ لأنه مضطرب سنداً ومتناً، أما السند فإنه قد روي مرفوعاً، وروي موقوفاً، وروي موصولاً، وروي مقطوعاً.
وأما المتن ففيه اضطراب أيضاً، فقد ذكر فيه دينار ونصف دينار وثلثا دينار.
ومن العلماء من صححه، والصواب أنه ثابت وصحيح، وما ذكر لا يكون اضطراباً، والرواية المقطوعة تؤيد الموصولة، والموقوف يؤيد المرفوع، والتخيير بدينار ونصف دينار ليس اضطراباً، وله نظائر؛ فإن الله تعالى خير في كفارة الأذى فقال تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]وخير في كفارة اليمين بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة.
فالصواب أنه صحيح وأنه ثابت؛ وعلى هذا يخير بين الدينار ونصف الدينار مع التوبة، والدينار أربعة أسباع الجنيه السعودي، والنصف دينار نصف ذلك، فإذا كان الجنيه سبعين ريالاً يكون الدينار أربعين ريالاً، ونصف الدينار عشرين ريالاً، وإذا كان الجنيه سبعمائة يكون الدينار أربعمائة، ونصفه مائتين.
وقول المؤلف رحمه الله: مع علمه بنهي الله هذا القيد -وهو العلم- أخذه المؤلف رحمه الله من النصوص العامة الدالة على أن الإنسان لا يؤاخذ إلا بعد العلم، وهو يدل على أن الرجل إذا أتى امرأته وهي حائض جاهلاً فلا شيء عليه.
أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: أخبرنا معاذ بن هشام . ح: وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي. ح: وأخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد -وهو ابن الحارث - قال: حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة أن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم سلمة حدثتها قالت (بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفست؟ قلت: نعم. فدعاني فاضطجعت معه في الخميل)، واللفظ لـعبيد الله بن سعيد ].
هذا الحديث فيه جواز مضاجعة الحائض في ثياب حيضتها، حيث قالت: (فأخذت ثياب حيضتي)، وأنه لا بأس للزوج بأن يبيت مع زوجته في ثياب حيضتها، وإن أصابه شيء غسله.
أخبرنا محمد بن المثنى قال: أخبرنا يحيى عن جابر بن صبح قال سمعت خلاساً يحدث عن عائشة قالت: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده ثم صلى فيه، ثم يعود، فإن أصابه مني شيء فعل مثل ذلك غسل مكانه لم يعده وصلى فيه) ].
الشعار هو الثوب الذي يلي البشرة، ففيه أنه لا بأس بأن يبيت الرجل مع زوجته وهي حائض في ثوب واحد، ولا يشترط أن يكون تحت الثوب ثياب أخرى.
قولها: (فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده)، أي: لم يتجاوز مكان النجاسة أو الدم، فلا يغسل الثوب كله، مثلما تفعل بعض النساء إذا أصاب شيء من النجاسة الثوب ذهبت تغسل الثوب كله، والواجب أن يغسل المكان الذي أصابه الدم والباقي طاهر.
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تشد إزارها ثم يباشرها).
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: (كانت إحدانا إذا حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزر ثم يباشرها) ].
هذا هو الأصل، وهو أن تتزر؛ لأنه أحوط، وإن باشر بدون إزار جاز على الصحيح؛ لحديث أنس عند مسلم (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) يعني الجماع.
أخبرنا هناد بن السري عن ابن عياش -وهو أبو بكر - عن صدقة بن سعيد ، ثم ذكر كلمة معناها: حدثنا جميع بن عمير قال: دخلت على عائشة مع أمي وخالتي فسألتاها (كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا حاضت إحداكن؟ قالت: كان يأمرنا إذا حاضت إحدانا أن تتزر بإزار واسع ثم يلتزم صدرها وثدييها) ].
هذا الحديث في إسناده جميع بن عمير التميمي أبو الأسود الكوفي ، روى عن عائشة وابن عمرو ، وعنه العوام بن حوشب ، والأعمش ، قال البخاري : فيه نظر. وقال ابن أبي حاتم صالح الحديث.
و البخاري إذا قال: فيه نظر؛ فمعناه أنه ضعيف.
وفيه صدقة بن سعيد الحنفي الكوفي ، روى عن جميع بن عمير ، وعنه زائدة وأبو بكر بن عياش ، قال فيه أبو حاتم : شيخ. و(شيخ) صيغة تمريض، وهي أقل درجات الجرح، وقال ابن حجر : مقبول أي: أنه يقبل في المتابعات.
فالحديث فيه عدة علل، وقد قال فيه الألباني : منكر. إلا أن الأحاديث الأخرى الصحيحة قد دلت على أن للزوج أن يباشر زوجته وهي حائض دون جماع.
هذا الحديث فيه بدية ، ويقال: ندبة ، ويقال: هدبة أيضاً، إذ اختلف في اسمها هل هي بدية أو ندبة أو هدبة ، وقد ذكر في التقريب أنها مقبولة، أي: حيث يتابع حديثها، لكن معنى هذا الحديث معروف من الأحاديث الأخرى، وهو أن الزوج إذا أراد أن يباشر زوجته الحائض فإن الأفضل أن تتزر بإزارها بين السرة والركبة، وهنا قالت: (إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين والركبتين).
أخبرنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف قال: أخبرنا يزيد بن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه شريح أنه سأل عائشة : هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ قالت: نعم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك، كان يأخذ العرق فيقسم علي فيه فأعترق منه ثم أضعه فيأخذه فيعترق منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو بالشراب فيقسم علي فيه من قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح).
أخبرني أيوب بن محمد الوزان قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن الأعمش عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه، ويشرب من فضل شرابي وأنا حائض) ].
هذان الحديثان فيهما بيان ما ترجم له المؤلف رحمه الله من مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها، وأن سؤر الحائض طاهر وعرقها وريقها طاهر، وقولها: (عارك) يعني: حائض.
وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته لأهله، والعرق هو العظم الذي فيه بقية لحم.
وفي إسناد الحديث الأول: (أخبرنا يزيد بن مقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه شريح )، فـشريح جده، وليس أباه، وقد وقع في النسخة النظامية: (عن أبيه عن شريح )، ولعل هذه النسخة الهندية أثبت، وإلا فيكون في الإسناد انقطاع، إلا إذا كان سمع الملقي: جده شريح ، وحينئذ لا إشكال.
أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سمعت عائشة تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض، ثم أعطيه فيتحرى موضع فمي فيضعه على في).
أخبرنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا مسعر وسفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: (كنت أشرب من القدح وأنا حائض، فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب منه، وأتعرق من العرق وأنا حائض، فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ) ].
هذا الحديث فيه الانتفاع بفضل الحائض، وفيه طهارة سؤر الحائض وعرقها.
وفيه حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، حيث كان يضع فمه مكان فمها من العرق ومن الإناء.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر -واللفظ له- قالا: حدثنا سفيان عن منصور عن أمه عن عائشة قالت: (كان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر إحدانا وهي حائض وهو يقرأ القرآن) ].
هذا من عنايته صلى الله عليه وسلم بأهله وحسن معاشرته، وإلا فيمكن أن يضع رأسه على وسادة، وفيه أنه لا بأس بأن يتكي على الحائض وهو يقرأ القرآن وأنه لا حرج في هذا.
أخبرنا عمرو بن زرارة قال: أخبرنا إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة عن معاذة العدوية قالت: (سألت امرأة
الصلاة تسقط عن الحائض بإجماع المسلمين، ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج، وهم الحرورية، وسموا حرورية لأنهم سنكوا بلدة يقال لها: (حروراء) في العراق، وقد زعموا أن ذلك زائد على القرآن؛ إذ أنهم لا يعملون بالسنة، وهذا من رحمة الله تعالى بالحائض؛ فإن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فكان من رحمة الله تعالى أن أسقطها عنها؛ لأن فيها مشقة، بخلاف الصوم، فإنه لا يكون إلا مرة في السنة، فلذلك أوجب الله عليها أن تقضي الصوم، فتحصل على الفضل مع المسلمين وتشاركهم فيه.
وقول عائشة : (أحرورية أنت؟) ظنت أنها من الخوارج؛ لأن سؤالها كأنه سؤال اعتراض، وفي لفظ آخر: قالت لـعائشة : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقالت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت: (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة).
أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن يزيد بن كيسان قال: حدثني أبو حازم قال: قال أبو هريرة: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال: يا
هذا الحديث فيه استخدام الحائض، وأنه لا بأس بدخولها المسجد مروراً كما سبق.
قال إسحاق أنبأنا أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد مثله ].
هذا ثابت في الصحيحين، وفيه أنه لا بأس بمرور الحائض في المسجد، وكذلك الجنب، قال تعالى: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]، فكونها تمر وتأخذ الخمرة وتناوله إياها هذا جائز، والممنوع المكث.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (حيضتك ليست في يدك) لأنها هي التي تناول بها الخمرة، واليد ليست فيها حيضة.
أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان عن منبوذ عن أمه أن ميمونة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها وهي حائض) ].
هذا الإسناد فيه منبوذ وأمه، وكلاهما مقبول، أي: يقبل حديثهما في المتابعات لا في الأصول، لكن معنى الحديث ثابت وقد دلت عليه الأحاديث الأخرى في الصحيحين.
أخبرنا نصر بن علي قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة : (أنها كانت ترجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض وهو معتكف، فيناولها رأسه وهي في حجرته)].
هذا فيه دليل على أنه لا بأس بترجيل الحائض رأس زوجها وهو معتكف في المسجد، والترجيل تسريح الشعر وغسله.
وفيه أن هذا لا يعتبر خروجاً من المسجد، لكونه يناولها رأسه وهو في المسجد وهي في حجرتها، وكان للحجرة باب إلى المسجد، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يناولها رأسه لتغسله وهي في حجرتها وهو في المسجد عليه الصلاة والسلام.
وفيه دليل على أن من حلف ألا يخرج من المسجد ثم أخرج رأسه فلا يحنث ما دامت أجزاؤه في المسجد؛ إذ لا يعتبر هذا خروجاً، وإذا حلف على أنه لا يخرج من مكان ثم أخرج رأسه وكانت رجلاه داخل المكان فلا يحنث.
أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثني سفيان قال: حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه وهو معتكف فأغسله وأنا حائض).
أخبرنا قتيبة قال: حدثني الفضيل -وهو ابن عياض - عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فأغسله وأنا حائض).
أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض) ].
في هذا الحديث دليل على أنه لا بأس بأن تغسل المرأة وترجل وتسرح شعر رأس زوجها ولو كانت حائضاً؛ لأن الحيضة إنما هي في موضع الدم، وأما يدها فهي طاهرة، وكذلك عرقها ولعابها.
أخبرنا عمرو بن زرارة قال: حدثنا إسماعيل عن أيوب عن حفصة قالت (كانت
قولها: (بأبا) يعني: تفديه بأبيها.
والحديث يدل على أن الحائض تشهد العيدين ودعوة المسلمين، وكذلك العواتق، وذوات الخدور؛ لأن صلاة العيد تصلى في صحراء قريبة من البلد، أما إذا كانت صلاة العيد في المسجد فلا تدخل الحائض المسجد، بل تكون خارج المسجد، لكن إذا كانت في الصحراء كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فلا بأس بأن تكون خلف النساء، فيشهدن الخير ويسمعن الخطبة ودعوة المسلمين، ومثلها العواتق وذوات الخدور.
وهذا الحديث احتج به بعضهم على أن صلاة العيد فرض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض وذوات الخدور والعواتق والأبكار بالخروج، وهذا يدل على أنها فرض عين، والمشهور عند جمهور العلماء أنها مستحبة وليست واجبة.
لكن القول بالوجوب قول قوي، فهي صلاة سنوية تجب كما أن الجمعة صلاة أسبوعية، والصلوات الخمس في اليوم والليلة.
أخبرنا محمد بن سلمة قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال: أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن
هذا دليل على أن المرأة الحاجة إذا حاضت بعد طواف الإفاضة فإنها لا تحبس زوجها، ويسقط عنها طواف الوداع.
وهو يدل على أنها إذا لم تطف طواف الإفاضة فإنها تحبس زوجها، فيجلس معها حتى تؤدي طواف الإفاضة؛ لأنه ركن، أما إذا طافت طواف الإفاضة فلا تحبس زوجها، ويسقط عنها طواف الوداع.
ويدل عليه حديث ابن عباس : (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض).
أخبرنا محمد بن قدامة قال: حدثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله في حديث أسماء بنت عميس حين نفست بذي الحليفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـأبي بكر : (مرها أن تغتسل وتهل) ].
هذا الحديث فيه دليل على النفساء تغتسل للإحرام للنظافة، كما أن الحائض تغتسل، ولهذا فإن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر لما ولدت في ذي الحليفة محمد بن أبي بكر أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله: كيف تعمل؟ فقال: (تغتسل وتستثفر بثوبها وتهل).
وكذلك عائشة لما حاضت أمرها أن تغتسل، فالحائض والنفساء وغيرهما يستحب لهن الاغتسال للإحرام، وكل من أراد أن يحرم من رجل أو امرأة حائض أو نفساء يستحب له الاغتسال للإحرام.
أخبرنا حميد بن مسعدة عن عبد الوارث قال: حدثنا حسين -يعني: المعلم - عن ابن بريدة عن سمرة قال (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على
هذا فيه مشروعية الصلاة على النفساء، وأنه يصلى عليها وإن كانت نفساء، ولا يضرها النفاس.
وفي حديث أنس أنه قام عند عجيزة المرأة ورأس الرجل، وهذا هو السنة، فالسنة أن الإمام يقوم عند رأس الرجل وعند عجيزة المرأة، وهو وسطها.
أما قول بعض الفقهاء: إن الإمام يقف عند صدر الرجل فلا أصل له، ويوضع الميت على جنبه الأيمن عند الصلاة عليه وفي القبر يكون رأسه شمالاً، كما هو عندنا في نجد، حيث يكون مستقبل القبلة؛ لحديث: (قبلتكم أحياء وأمواتاً) فالمقصود أن السنة أن يقف الإمام عند رأس الرجل وعند وسط المرأة، وإذا وقف في أي جهة جاز، وإنما هذا من باب الاستحباب، وهو الأفضل.
أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وكانت تكون في حجرها (أن امرأة استفتت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: حتيه واقرصيه وانضحيه وصلي فيه).
أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني أبو المقدام ثابت الحداد عن عدي بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن (أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيضة يصيب الثوب؟ قال: حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر) ].
هذا الحديث فيه دليل على نجاسة دم الحيض، وأن دم الحيض نجس، وهو كذلك بالإجماع، وفيه أنه إذا أصاب الدم الثوب فإنها تحته، يعني: تحكه، وفي الحديث الآخر: (حكيه بضلع) يعني: بعود يشبه الضلع، والضلع أصله ضلع الحيوان، والمراد حكه بعود إذا كان له جرم، ثم بعد ذلك تقرصه، أي: تغسله بأطراف أصابعها، ثم تنضحه.
وفي الحديث الثاني أنها تغسله بالماء والسدر من باب النظافة، وليس السدر بواجب، والسدر وسيلة تنظيف فإذا كان للدم جرم فإنها تحكه بأظفارها حتى يزول الجرم، ثم تقرصه بأصابعها، ثم تصب عليه بعد ذلك، وإن غسلته بماء وسدر وكذلك الصابون ونحوهمما ينوب عن السدر فهذا أكمل من باب النظافة، وإلا فإنه ليس بواجب، وهذا دليل على أن النجاسة إذا كان لها جرم تنقل من المكان ثم يغسل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر