إسلام ويب

شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [15]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأحداث القائمة بأحوال المكلفين منها المعنوي ومنها الحسي، ولكل منهما أحكام تخصه، فمما يتعلق بالحدث الاعتباري -أي: الجنابة فما دونها- أحكام مس المصحف، وكذا قراءته في حق الجنب والحائض والنفساء، وكذا رفع الحدث بالتيمم، ومما يتعلق بالحدث الحسي أحكام تطهير الأرض المتنجسة بالبول ونحوه، وتلك أمور لا يليق بالمسلم جهلها لعموم البلوى بها.

    شرح حديث عمار في أمر النبي له بالتيمم للوجه والكفين

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [ باب ما جاء في التيمم.

    حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم للوجه والكفين).

    قال: وفي الباب عن عائشة وابن عباس .

    قال أبو عيسى : حديث عمار حديث حسن صحيح، وقد روي عن عمار من غير وجه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: علي وعمار وابن عباس وغير واحد من التابعين، منهم: الشعبي وعطاء ومكحول ، قالوا: التيمم ضربة للوجه والكفين، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم -منهم: ابن عمر وجابر وإبراهيم والحسن- قالوا: التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين، وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي ].

    الصواب أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، كما دل عليه حديث عمار ، وحديث عمار رواه الشيخان، وفيه أن عماراً خرج مع عمر رضي الله عنه فأجنب، قال: فنزعت ثيابي فتمرغت كما تتمرغ الدابة، وأما عمر فإنه توضأ، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره، فقال: (إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ومسح بها وجهه وكفيه)، وهذا هو الصواب.

    أما القول الثاني بأن التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين فهول قول بعض الصحابة الذين خفيت عليهم السنة فاجتهدوا.

    الجمع بين حديث: (التيمم للوجه والكفين) وحديث(تيمننا إلى المناكب والآباط)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد روي هذا الوجه عن عمار في التيمم أنه قال: (الوجه والكفين) من غير وجه.

    وقد روي عن عمار أنه قال: (تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب والآباط) فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين، لما روي عنه حديث المناكب والآباط.

    قال إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي : حديث عمار في التيمم للوجه والكفين هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار : (تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم الى المناكب والآباط) ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عماراً لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الوجه والكفين. والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم أنه قال: (الوجه والكفين) ].

    يحمل قوله: (تيممنا مع النبي إلى المناكب والآباط) على أنهم فعلوا هذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تبلغهم السنة، فلما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم وبين لهم أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين.

    [ ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمه إلى الوجه والكفين.

    قال: وسمعت أبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم يقول: لم أر بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي الفلاس

    .

    قال أبو زرعة : وروى عفان بن مسلم عن عمرو بن علي حديثاً: حدثنا يحيى بن موسى حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا هشيم عن محمد بن خالد القرشي عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس : أنه سئل عن التيمم؟ فقال: إن الله قال في كتابه حين ذكر الوضوء: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] وقال في التيمم: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43] وقال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38] فكانت السنة في القطع الكفين، إنما هو الوجه والكفان، يعني التيمم. قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح ].

    ضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين لما روي عنه حديث المناكب والآباط، فظن أن حديث المناكب والآباط مخالف لحديث الوجه والكفين ومعارض له، فضعفه للاختلاف والاضطراب.

    والجواب عن تضعيف بعض أهل العلم لحديث عمار أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين هو أن تيممهم إلى المناكب والآباط لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التيمم للوجه والكفين فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه عماراً، فلا تعارض بين الحديثين.

    و إسحاق بن إبراهيم هذا هو إسحاق بن راهويه .

    قوله: (ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم).

    قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: أي أن عماراً انتهى إلى أن التيمم للوجه والكفين، فكان هو آخر الأمرين:

    فالأول: ما فهموا من إطلاق اليد في الكتاب في آية التيمم.

    والثاني: ما انتهوا إليه بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الثاني هو المعتبر والمعمول به، ويدل على جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن عماراً رضي الله عنه اجتهد أولاً، ثم لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ترك.

    وحديث عمار أخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري ، وروى الشيخان عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وهذا اللفظ لـمسلم .

    وفي رواية للبخاري : (وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه).

    وهذا الحديث هو الثابت في الصحاح والسنن، لكن طريق سنن الترمذي غير طريق الصحيحين.

    والتيمم يبدأ فيه بالوجه ثم اليدين، يقول تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ [النساء:43] ولابد من الترتيب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088033100

    عدد مرات الحفظ

    775312753