إسلام ويب

شرح جامع الترمذي أبواب الطهارة [11]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ركب الله تعالى في المرء غريزة شهوة الفرج، وبهذه الغريزة تتعلق جملة من أحكام التكليف، ومنها كيفية تطهير المذي، وإزالة المني، ومنها ما يصنعه الجنب إذا أراد الأكل أو الشرب أو النوم، ومنها ما يعامل به الجنب من اعتبار طهارة بدنه من عدمها، وغير ذلك من الأحكام المهمة.

    1.   

    ما جاء في المني والمذي

    شرح حديث علي في سؤاله النبي عن المذي

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في المني والمذي.

    حدثنا محمد بن عمرو السواق البلخي حدثنا هشيم عن يزيد بن أبي زياد، ح: وحدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي، فقال: من المذي الوضوء ومن المني الغسل) .

    قال: وفي الباب عن المقداد بن الأسود وأبي بن كعب .

    قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه: (من المذي الوضوء ومن المني الغسل).

    وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق ].

    هذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، وأخرجه البخاري ومسلم مختصراً.

    وفي إسناد الترمذي يزيد بن أبي زياد، وقد عرفت ما فيه من الكلام، وقد صحح الترمذي حديث يزيد هذا في مواضع وحسنه في مواضع كما عرفت في المقدمة، فلعل تصحيحه وتحسينه بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون ونحو ذلك، وإلا فـيزيد ليس من رجال الحسن، فكيف الصحيح، ثم إن الحديث من رواية ابن أبي ليلى عن علي، وقد قيل: إنه لم يسمع منه، فيكون الحديث منقطعاً، وعلى هذا فالحديث ضعيف، ولكن المعنى صحيح دلت عليه الأحاديث الصحيحة وهو أن من المني الغسل ومن المذي الوضوء.

    والمني هو أصل الولد، وهو أبيض يخرج بقوة وبلذة بدفق ودفعات، وهو طاهر، ويجب فيه الغسل.

    وأما المذي فهو ماء لزج أصفر يخرج عند الملاعبة واشتداد الشهوة، وهو يوجب الوضوء فقط، ويوجب -أيضاً- غسل الذكر والأنثنين، وهما الخصيتان، كما جاء في الحديث: (اغسل ذكرك وأنثييك) ولعل الحكمة -والله أعلم- أن يتقلص الخارج، ولا يجب فيه الغسل، وأما من البول فيغسل طرف الذكر، وموضع الخارج فقط.

    أما المني فإنه يوجب الغسل، وهو طاهر، والمذي نجس، ونجاسته مخففة كبول الصبي الذي لم يأكل الطعام، فيكفي فيه الرش، كما جاء في الحديث: (فانضحه) ، فلما كان الأمر بالنضح كانت نجاسته مخففة، وهو يوجب الوضوء.

    فمعنى الحديث صحيح، لكن سنده ضعيف، ففيه زياد بن أبي زياد ضعيف، وفيه انقطاع بين عبد الرحمن بن أبي ليلى وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه

    و يزيد بن أبي زياد الهاشمي يروي عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل وأبي جحيفة، ويروي عنه زائدة بن قدامة وأبو عوانة وابن فضيل، وكان من أئمة الشيعة الكبار.

    وقال ابن عدي: يكتب حديثه. وكذلك أبو زرعة ، وقال الحافظ شمس الدين الذهبي : هو صدوق بطيئ الحفظ، وقال ابن معين : ضعيف الحديث لا يحتج بحديثه، وقال أبو داود : لا أعلم أحداً ترك حديثه، وغيره أحب إلي منه، قال ابن القيم : مات سنة سبع وثلاثين ومائة، روى له مسلم مقروناً.

    والحديث كأنه حسنه الترمذي للشواهد الأخرى، وإلا فهو ضعيف، والمعنى صحيح، وهو أن المني يوجب الغسل والمذي يوجب الوضوء.

    و الترمذي إذا قال في الحديث: (حسن)، وسكت فالغالب أنه يكون ضعيفاً، وإذا قال: (حسن صحيح) فمعناه أنه لا بأس به.

    وهو يتساهل -رحمه الله- في تقوية بعض الضعفاء، مثل علي بن زيد بن جدعان، ومثله الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، فكلاهما يتساهلان في علي بن زيد بن جدعان ، وهو ضعيف عند الجمهور، ومع ذلك حسن حديثه الترمذي والشيخ أحمد شاكر، وكذلك عبد الله بن عقيل سيئ الحفظ، ومع ذلك يحسنه الترمذي .

    و عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الأوسي أبو عيسى الكوفي روى عن عمر ومعاذ وبلال وأبي ذر، وأدرك مائة وعشرين من الصحابة الأنصاريين، وروى عنه ابنه عيسى ومجاهد وعمرو بن ميمون أكبر منه والمنهال بن عمرو وخلق.

    قال عبد الله بن الحارث : ما ظننت أن النساء ولدن مثله، وثقه ابن معين ، قال أبو نعيم : مات سنة ثلاث وثمانين. وقيل: إنه غرق في لجين مع محمد بن الأشعث.

    والحديث حسن من أجل الوجوه والطرق الأخرى.

    وقد قال أحمد شاكر : وقد أخطأ الشوكاني خطأً شديداً فيما قال؛ فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى سمع من علي كما صرح به ابن معين فيما نقله في التهذيب.

    وأيضاً: فإن في رواية أحمد في المسند التي أشرنا إليها فيما مضى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول، وابن أبي ليلى ولد قبل وفاة عمر بست سنين، كما نقله ابن أبي حاتم في المراسيل بإسناده، وعمر قتل سنة ثلاث وعشرين، فيكون ابن أبي ليلى ولد سنة سبع عشرة تقريباً، وعلي قتل سنة أربعين، فكان سن ابن أبي ليلى إذ ذاك نحو ثلاث وعشرين سنة.

    قال الشوكاني في نيل الأوطار في إسناد الحديث الذي صححه الترمذي يزيد بن أبي زياد، قال علي ويحيى : ضعيف لا يحتج به. وعلي ويحيى هما علي بن المديني ويحيى بن معين.

    وقال ابن المبارك : ارم به، وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث كل أحاديثه موضوعة وباطلة، وقال البخاري: منكر الحديث ذاهب، وقال النسائي : متروك الحديث، وقال ابن حبان : صدوق، إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان يتلقن ما لقن، فوقعت المناكير في حديثه، فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح.

    و الترمذي قد صحح حديث يزيد المذكور في مواضع هذا أحدها، وحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم)، وحديث: (أن العباس دخل على النبي صلى الله عليه وسلم مغضباً) وقد حسَّن -أيضاً- حديثه (أدخلت العمرة في الحج) فلعل التصحيح والتحسين بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون ونحو ذلك، وإلا فإن يزيد ليس من رجال الحسن، فكيف بالصحيح؟!

    ثم إن الحديث من رواية ابن أبي ليلى عن علي، وقد قيل فيه: إنه لم يسمع منه.

    وقد أخطأ الشوكاني خطأ شديداً فيما قال هذا كلام للشيخ أحمد شاكر .

    قال: إن عبد الرحمن بن أبي ليلى سمع من علي كما صرح به ابن معين.

    فيكون على هذا قد سمع منه، ويبقى فيه علة يزيد بن أبي زياد .

    قال: وأما ما نقله الشوكاني في الطعن في يزيد بن أبي زياد فإن أكثره لم نجده في كتب الرجال، وأظن أنه اشتبه عليه الأمر فنقل كلام بعضهم في يزيد بن زياد ، ويقال: ابن أبي زياد القرشي الدمشقي وهو خطأ؛ فإن الذي معنا يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي أبو عبد الله الكوفي ويزيد هذا ضعفه بعضهم من قبل أنه شيعي، ومن قبل أنه اختلط في آخر حياته، والحق أنه ثقة.

    وعلى كل حال فإنه يكفي أنه من الشيعة وأنه اختلط في آخره، والشيخ أحمد شاكر رحمه الله كان من المتساهلين في هذا مع الترمذي.

    1.   

    حكم المذي إذا أصاب الثوب

    شرح حديث سهل بن حنيف في سؤاله عن التطهر من المذي

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في المذي يصيب الثوب.

    حدثنا هناد حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن عبيد -هو ابن السباق- عن أبيه عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: (كنت ألقى من المذي شدة وعناء، فكنت أكثر منه الغسل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته عنه، فقال: إنما يجزئك من ذلك الوضوء. فقلت: يا رسول الله! كيف بما يصيب ثوبي منه؟! قال: يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه).

    قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح، ولا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا.

    وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب، فقال بعضهم: لا يجزئ إلا الغسل، وهو قول الشافعي وإسحاق، وقال بعضهم: يجزئه النضح، وقال أحمد : أرجو أن يجزئه النضح بالماء ].

    الصواب النضح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يكفيك أن ترش.) وهو حديث جابر، والحديث هذا أخرجه الشيخان وغيرهما أن علياً رضي الله عنه أصابه شدة من المذي وأنه استحيا من النبي صلى الله عليه وسلم وأمر المقداد فسأله، فقال: (فيه الوضوء). فهو يدل على أن المذي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل، وإذا أصاب الثوب فيكيفه النضح بدون غسل وبدون فرك.

    وهذا الحديث حسن صحيح، وقد أخرجه أيضاً أبو داود وابن ماجه ، وأخرجه الدارمي وأحمد بهذا السند، وأخرجه الشيخان من طريق أخرى عن علي رضي الله عنه.

    1.   

    حكم المني يصيب الثوب

    شرح حديث عائشة في فرك المني من الثوب

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في المني يصيب الثوب.

    حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: (ضاف عائشة ضيف فأمرت له بملحفة صفراء فنام فيها فاحتلم، فاستحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء ثم أرسل بها، فقالت عائشة : لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، وربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي).

    قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، مثل: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا في المني يصيب الثوب: يجزئه الفرك وإن لم يغسل. وهكذا روي عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة مثل رواية الأعمش.

    وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها، وحديث الأعمش أصح ].

    وهذا هو الصواب، وهو أن المني طاهر وليس بنجس، والرطب منه يغسل من باب النظافة واليابس يفرك، ولهذا قالت عائشة في الحديث الآخر: (كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً) وفي الحديث الآخر: (كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإني لأرى بقع الماء في ثوبه). فلهذا يغسل الرطب ويفرك اليابس، والغسل من باب النظافة لا لأنه نجس، والمني أصل الإنسان وأصل الولد، وهذا هو الصواب، خلافاً لمن قال بنجاسة المني، فهو طاهر، لكن يغسل من باب النظافة.

    1.   

    ما جاء في غسل المني من الثوب

    شرح حديث عائشة في غسلها منياً من ثوب رسول الله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: غسل المني من الثوب.

    حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية عن عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار عن عائشة : (أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم).

    قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن ابن عباس ، وحديث عائشة أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمخالف لحديث الفرك؛ لأنه وإن كان الفرك يجزئ فقد يستحب للرجل أن لا يرى على ثوبه أثراً.

    قال ابن عباس : المني بمنزلة المخاط، فأمطه عنك ولو بإذخر ].

    هذا هو الصواب، وهو أن الغسل ليس لأنه نجس، بل من باب الاستحباب ومن باب النظافة، والحديث أخرجه الأئمة الستة.

    1.   

    ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل

    شرح حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل.

    حدثنا هناد حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء).

    حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق نحوه.

    قال أبو عيسى : وهذا قول سعيد بن المسيب وغيره، وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يتوضأ قبل أن ينام) وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود، وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد، ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق ].

    الأرجح أنه غلط من أبي إسحاق ، وهو يخالف الأحاديث الصحيحة، فالمعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان عليه جنابة وأراد أن ينام توضأ، وثبت في صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أينام أحدنا وهو جنب؟! قال: نعم، إذا توضأ)، فينبغي للجنب أن يفعل أحد أمرين:

    الأول: أن يغتسل، وإذا أراد أن يؤجل الغسل إلى آخر الليل فليتوضأ وضوءه للصلاة، وكونه ينام بدون وضوء أقل أحواله الكراهة.

    وأما هذا الحديث: (ولم يمس ماء) فهو رواية أبي إسحاق السبيعي وهو مدلس، ولكن بعض المتأخرين صححه، وبعضهم حمله على الغسل فقال: (ولم يمس ماء)، أي: ولم يمس ماء للغسل.

    وبعضهم قال: إن هذا حديث مستقل عن الأحاديث الأخرى، والأرجح أنه غلط من أبي إسحاق .

    وفيه دليل على أن الجنب يجوز له أن ينام قبل أن يغتسل وقبل أن يتوضأ، لكن الحديث فيه مقال، والحديث أخرجه -أيضاً- أبو داود والنسائي .

    وقد تكلم على هذا الحديث غير واحد من الحفاظ.

    قال أحمد : ليس بصحيح، وقال أبو داود : هو وهم، وقال يزيد بن هارون : هو خطأ، وقال مهنا عن أحمد بن صالح : لا يحل أن يروى هذا الحديث، وفي علل الأثرم : لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده لكفى. قال ابن مفوز : أجمع المحدثون أنه خطأ من أبي إسحاق ، قال الحافظ : وتساهل في نقل الإجماع، فقد صححه البيهقي، وقال: إن أبا إسحاق قد بين سماعه من الأسود في رواية زهير عنه.

    والعمدة ما ذكره المتقدمون والأئمة أنه خطأ، فما كان معروفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينام ولا يمس ماء، وتأوله بعضهم فقال: ولم يمس ماء للغسل، ولكن هذا بعيد.

    قال ابن العربي في العارضة: تفسير غلط أبي إسحاق هو أن هذا الحديث الذي رواه أبو إسحاق هاهنا مختصراً اقتطعه من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه، ونص الحديث الطويل ما رواه ابن غسان : حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو إسحاق قال: أتيت الأسود بن يزيد -وكان لي أخاً وصديقاً- فقلت: يا أبا عمر! حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته، ثم ينام قبل أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأول وثب - وربما قالت: قام فأفاض عليه الماء، وما قالت: اغتسل -وأنا أعلم ما تريد، وإنما نام جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة).

    قلت: وهناك حديث كذلك، وهو قوله في البخاري لـعمر : (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم. إذا توضأ) . فكيف يقول له: (نعم إذا توضأ) وهو ينام ولا يتوضأ!

    قال: فهذا يدلك على أن قوله: (فإن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء) أنه يحتمل أحد وجهين:

    إما أن يريد بالحاجة حاجة الإنسان من البول والغائط فيقضيها ثم يستنجي ولا يمس ماء وينام، فإن وطئ توضأ كما في آخر الحديث، ويحتمل أن يريد بالحاجة حاجة الوطء، وبقوله: (ثم ينام ولا يمس ماء) أي: ماء الاغتسال، ومتى لم يحمل الحديث على أحد هذين الوجهين تناقض أوله وآخره، فتوهم أبو إسحاق أن الحاجة هي الوطء فنقل الحديث على معنى ما فهم، والله أعلم.

    وهذا هو الأقرب، وهو أنه وهم.

    والمقصود أنه إذا توضأ زال الإشكال، وأنه خفف الجنابة، وكونه يغتسل أولى وأفضل، لكن قد تدعو الحاجة إلى أن ينام قبل أن يغتسل.

    1.   

    ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام

    شرح حديث: (أينام أحدنا وهو جنب ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام.

    حدثنا محمد بن مثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ).

    قال: وفي الباب عن عمار وعائشة وجابر وأبي سعيد وأم سلمة .

    قال أبو عيسى : حديث عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ، قالوا: إذا أراد الجنب أن ينام توضأ قبل أن ينام ].

    وهذا هو السنة، والحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأحمد وابن خزيمة.

    وقوله: (نعم إذا توضأ) أمر لا شك فيه، ولا شك في أن الوضوء متأكد ، وترك الوضوء مكروه كراهة شديدة، وقوله: (إذا توضأ) هذا الشرط كأن ظاهره الدلالة على الوجوب.

    وذهب داود وجماعة إلى الوجوب.

    وقوله: (نعم، إذا توضأ) المراد به الوضوء الشرعي لا اللغوي؛ لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة).

    قال الحافظ في الفتح: أي: توضأ وضوءاً كما يتوضأ للصلاة، وليس المعنى أنه توضأ لأداء الصلاة، وإنما المراد توضأ وضوءاً شرعياً لا لغوياً. انتهى.

    وقد اختلف العلماء هل هو واجب أو غير واجب؟ فالجمهور قالوا بالثاني، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء).

    وقد تقدم أن فيه مقالاً لا ينتهض معه للاستدلال، وبحديث طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد ويتوضأ بين كل جماعين، ولا يخفى في أنه ليس فيه على المدعى هنا دليل.

    وبحديث ابن عباس مرفوعاً: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة) وليس فيه -أيضاً- دليل على المدعى كما لا يخفى، وذهب داود وجماعة إلى الأول لورود الأمر بالوضوء، ففي رواية البخاري ومسلم : (ليتوضأ ثم لينم)، وفي رواية لهما: (توضأ واغسل ذكرك ثم نم).

    وعلى هذا تبين أن هذا هو الظاهر والصواب، وقول الجمهور بعدم الوجوب، وقوله: (إذا توضأ) ليس بصريح، لكن قوله: (ليتوضأ ثم لينم) أمر صريح، فالصواب القول بالوجوب.

    قال الشوكاني : يجب الجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب، ويؤيد ذلك أنه أخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما من حديث ابن عمر : (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، ويتوضأ إن شاء) ، انتهى.

    وهذا السند الذي فيه (إن شاء) حسنه ابن خزيمة، وهذا السند ليس فيه أمر بالوجوب، والأصل في الأوامر الوجوب، لكن لو ثبت صارف للأمر إلى الاستحباب فيصرف ويحتاج إلى ثبوته.

    وقوله: (قال داود)، لا شك في أنه قول قوي، والأمر فيه واضح، وهو (ليتوضأ ثم لينم).

    قال النووي في شرح مسلم : وأما حديث أبي إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء)، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم فهو ضعيف، ولو صحح لم يكن مخالفاً.

    يعني: لحديث ابن عمر المذكور في الباب وما في معناه، بل كان له جوابان: أحدهما: جواب الإمامين الجليلين أبي العباس بن شريح وأبي بكر البيهقي أن المراد لا يمس ماء للغسل.

    والثاني - وهو عندي حسن- أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلاً لبيان الجواز؛ إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه، انتهى.

    1.   

    ما جاء في مصافحة الجنب

    شرح حديث أبي هريرة في انخناسه من رسول الله لجنابته

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في مصافحة الجنب.

    حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع عن أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب، قال: فانخنست، أي: فانخنست فاغتسلت، ثم جئت فقال: أين كنت؟ أو أين ذهبت؟ قلت: إني كنت جنباً، قال: إن المسلم لا ينجس) .

    قال: وفي الباب عن حذيفة وابن عباس .

    قال أبو عيسى: وحديث أبي هريرة أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو جنب حديث حسن صحيح، وقد رخص غير واحد من أهل العلم في مصافحة الجنب، ولم يروا بعرق الجنب والحائض بأساً.

    ومعنى قوله: (فانخنست) يعني: تنحيت عنه ].

    هذا الحديث أخرجه الشيخان، وهو دليل على أن مصافحة الجنب لا بأس بها، والجنب طاهر عرقه وثيابه وسؤره، والسؤر: بقية الأكل والشرب، فالجنابة حدث وليست نجاسة، وكذلك الحائض طاهرة إلا في خصوص الدم.

    وفي قوله: (ينجس) قال النووي: يقال بضم الجيم وفتحها لغتان، وفي ماضيه لغتان: نجس ونجس بكسر الجيم وضمها، فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضاً. اهـ.

    تقول: نجَِسَ يَنْجَسُ، أو نَجُسَ يَنْجُسُ.

    قال الحافظ : تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر، فقال: إن الكافر نجس العين، وقواه بقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28].

    وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة، بخلاف المشرك؛ لعدم تحفظه عن النجاسة، وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد.

    والنجاسة في الكفر معنوية، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28] أما بدن المشرك فطاهر.

    وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن، ومع ذلك لم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب من غسل المسلمة، فدل على أن الآدمي الحي ليس بنجس العين؛ إذ لا فرق بين النساء والرجال.

    1.   

    استحباب وضوء الجنب إذا أراد النوم

    شرح حديث عمر في نوم المرء وهو جنب

    وأخرج ابن خزيمة في باب استحباب وضوء الجنب إذا أراد النوم قال:

    أخبرنا أبو طاهر أحمد بن عبدة أخبرنا أبو بكر أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر : (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ينام ويتوضأ إن شاء).

    قال الأعظمي المحقق: إسناده صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله: وهو في صحيح مسلم بمعناه، وينظر في قوله: (إن شاء)، قال الأعظمي: هذه الرواية موجودة في مسند ابن حنبل بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، ولفظها: (يتوضأ وينام إن شاء).

    وذكر ابن خزيمة إسناداً آخر، وهو: أخبرنا أبو طاهر أخبرنا أبو بكر أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي نا سفيان بهذا الإسناد فقال: (إن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا أراد أن ينام فليتوضأ)، وما فيه ذكر (إن شاء).

    اختار المؤلف أنه يستحب، وهو قول الجمهور.

    1.   

    ما جاء في المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل

    شرح حديث وجوب الغسل على المرأة من رؤية ماء الاحتلام

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل.

    حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (جاءت أم سليم ابنة ملحان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة -تعني غسلاً- إذا هي رأت في المنام مثلما يرى الرجل؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء فلتغتسل) ].

    وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم ، وفيه دليل على أن المرأة تحتلم، وأنه يجب عليها الغسل كالرجل.

    فالنساء شقائق الرجال، لكن بشرط (إذا رأت الماء)، والمراد بالماء المني، فإذا احتلم الإنسان -رجلاً أو امرأة- ورأى المني فإنه يجب عليه الغسل.

    وقد أنكرت عائشة وأم سلمة هذا، ولعل سبب الإنكار أن الاحتلام قليل في النساء، ولهذا قالت أم سلمة : (وهل تحتلم؟!).

    شرح حديث أم سلمة في حكم رؤية المرأة الماء

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (جاءت أم سليم بنت ملحان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة -تعني غسلاً- إذا هي رأت في المنام مثلما يرى الرجل؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء فلتغتسل، قالت أم سلمة : قلت لها: فضحت النساء يا أم سليم).

    قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح، وهو قول عامة الفقهاء، أن المرأة إذا رأت في المنام مثلما يرى الرجل فأنزلت أن عليها الغسل، وبه يقول سفيان الثوري والشافعي .

    وفي الباب عن أم سليم وخولة وعائشة وأنس رضي الله عنهم أجمعين ].

    والحديث أخرجه الشيخان.

    قوله: (هذا قول عامة الفقهاء) هذا هو الصواب، وظاهر كلام الترمذي أن فيه خلافاً، لكن كأنه خلاف ضعيف، وكأن هؤلاء الذين خالفوا لم يبلغهم الحديث، أو أنهم تأولوا فخالفوا في الصواب الذي يدل عليه الحديث الصحيح، وهو أن المرأة إذا احتلمت ورأت المني وجب عليها الغسل كالرجل.

    أما إذا احتلم الإنسان ولم ير شيئاً -أي: لم ير الماء- فلا يجب عليه الغسل؛ لحديث: (إنما الماء من الماء)، وهذا بخلاف الجماع في اليقظة، فإنه إذا جامع ولم ينزل ولم يُمن وجب عليه الغسل، وهذا قد يحصل لبعض الناس ويشتبه عليهم، لا سيما الشباب، فقد يظن أنه إذا جامع ولم ينزل لا يجب عليه الغسل، بل يجب عليه الغسل في الجماع حتى ولو لم ينزل، ويجب عليه الغسل بالإنزال حتى ولو لم يجامع، أي: إذا اشتد عليه المني وأمنى وجب عليه الغسل ولو لم يجامع، وإذا جامع ولم يُمنِ وجب عليه الغسل، أما الاحتلام فإنه إذا احتلم ورأى أنه يجامع المرأة ولم ينزل ولم يجد بللاً في ثيابه ولا في فخذيه فهذا لا يجب عليه الغسل، وأما إذا وجد البلل أو أثر المني فيجب عليه الغسل.

    1.   

    ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل

    شرح حديث استدفاء النبي بعائشة بعد الغسل من الجنابة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل.

    حدثنا هناد قال حدثنا وكيع عن حريث عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ربما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، ثم جاء فاستدفأ بي فضممته إلي ولم أغتسل).

    قال أبو عيسى : هذا حديث ليس بإسناده بأس، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، أن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته وينام معها قبل أن تغتسل المرأة، وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ].

    قال الشارح: وقوله: (ثم جاء فاستدفأ بي). أي: طلب الحرارة مني، بأن وضع أعضاءه الشريفة على أعضائي من غير حائل، وجعلني مكان الثوب الذي يستدفأ به ليجد السخونة من بدني، كذا في اللمعات، وفي المرقاة: قال السيد جمال الدين : أي: يطلب مني الحرارة، ومنه قوله تعالى: لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ [النحل:5] أي: ما تستدفئون به، وفيه أن بشرة الجنب طاهرة؛ لأن الاستدفاء إنما يحصل من مس البشرة، كذا قال الطيبي ، وفيه بحث انتهى، قال القاري : ولعله أراد الاستدفاء مع الثوب أيضاً، والحديث رواه ابن ماجه ، ولفظه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة ثم يستدفئ بي قبل أن أغتسل).

    ولا حرج في الاستدفاء بجسد الجُنب، ولا يوجب ذلك الغسل مرة أخرى، فإن الغسل لا يوجبه إلا الجماع أو الإنزال.

    وفي هذا الحديث قال أحمد شاكر : قد ضعفه أكثر العلماء، قال البخاري: فيه نظر، وقال مرة أخرى: ليس بالقوي عندهم.

    والبخاري إذا قال: (فيه نظر)، فمعناه أنه ضعيف؛ لأن البخاري لطيف العبارة رحمه الله، وكلمة (فيه نظر) عند البخاري تساوي كلمة (ضعيف) عند العيني .

    والحديث فيه كلام من أجل حريث ، لكن المعنى صحيح، وهو أن الاستدفاء لا يوجب الغسل، حتى لو لم يصح الحديث.

    1.   

    ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

    شرح حديث: (إن الصعيد الطيب طهور المسلم…)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء.

    حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير).

    وقال محمود في حديثه: (إن الصعيد الطيب وضوء المسلم).

    وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين .

    قال أبو عيسى : وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر ، وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمعه.

    وهذا حديث حسن، وهو قول عامة الفقهاء، أن الجنب والحائض إذا لم يجدا الماء تيمما وصليا، ويروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرى التيمم للجنب وإن لم يجد الماء، ويروى عنه أنه رجع عن قوله فقال: يتيمم إذا لم يجد الماء، وبه يقول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق ].

    وهذا هو الصواب، وقد حصلت مناظرة في هذا بين عمار وعمر ، واشتبه الأمر على عمر وقال: إنه لا يتيمم حتى يجد الماء، فذكّره عمار بالقصة التي حصلت له، وأنه كان معه في سفر فأصابتهما جنابة، فأما عمر فلم يتيمم، وأما عمار فتمرغ كما تمرغ الدابة، ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنما يكفيك أن تقول هكذا)، فنسي عمر رضي الله عنه وقال: اتق الله يا عمار. فقال: إن شئت تركت، قال: نوليك ما توليت.

    وكذلك حصل لـابن مسعود رضي الله عنه مع أبي موسى الأشعري مناظرة في هذا رواها الشيخان، وفيها أن ابن مسعود رضي الله عنه اشتبه عليه الأمر، وأنه قال: إذا لم يجد الماء يجلس حتى يجد الماء، فاشتبه الأمر على عمر وعلى ابن مسعود مع أنهما من علماء الصحابة ومن كبارهم، ومع أن هذا الأمر واضح في الكتاب العزيز في قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، وهذا يدل على أن العالم الكبير قد يخفى عليه الأمر مع وضوحه.

    ولما قيل لـابن مسعود في ذلك قال: لو قلنا بهذا إذا أوشك أن يبرد عليهم الماء تيمموا وتركوا الماء. والصواب في هذا أنه إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ولا إشكال في هذا، وإن خفي هذا على بعض كبار الصحابة، فإن الحجة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    والحديث حسن، وقد أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وقال الشوكاني في النيل: ورواه ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه أبو حاتم ، وعمرو بن بجدان قد وثقه العجلي .

    قال الحافظ : وغفل ابن القطان وقال: إنه مجهول.

    وقد اختلفت نسخ الترمذي هاهنا، فوقع في النسخ الموجودة عندنا: (هذا حديث حسن)، وقال المنذري في تلخيص السنن: قال الترمذي : حديث حسن صحيح.

    وقال المجد ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر هذا الحديث: رواه أحمد والترمذي وصححه ].

    وفي هذا الحديث سمى التيمم وضوءاً، واحتج به جمع من المحققين على أن التيمم يقوم مقام الماء، وأنه لا يبطل بخروج الوقت، ولا يبطل إلا بوجود الماء أو وجود ناقض من نواقض الوضوء، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة، وهو اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، واختيار الشيخ عبد الرحمن السعدي وجمع من المحققين، أي أن التيمم لا يبطل بخروج الوقت، وإنما يبطل بوجود الماء أو بوقوع الحدث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وضوءاً، والوضوء طهارة كاملة، وذهب الجمهور إلى أن التيمم يبطل بخروج الوقت، وأنه لا يصلي بالتيمم أكثر من فريضة، وإذا خرج الوقت بطل التيمم، ويتيمم للصلاة الأخرى، ويرون أنه مبيح للصلاة لا رافع للحدث.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766688770