إسلام ويب

شرح عمدة الفقه كتاب الوقفللشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حث الإسلام على إنفاق المال في وجوه الخير والبر، وجعل لهذا الإنفاق نظاماً حتى لا تكون النفقة عشوائية، فمن أنظمة الإنفاق وصوره الوقف والهبة والزكاة وغيرها.

    تعريف الوقف وبيان ألفاظه

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الوقف.

    هو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة ].

    الوقف معناه: الحبس، وعرفه بأنه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، بمعنى أنه يحبس الرقبة فيجعلها محبوسة لا تباع ولا تورث ولا توهب.

    والثمرة هي ثمرة هذا الأصل وريعه وما يخرج منه، فينفق في الأعمال الخيرية.

    ولا بد للوقف أن يكون له ألفاظ، كـ(وقفت) أو (حبست) أو (سبلت) وهذه ألفاظ صريحة، أما الكنايات فلا بد لها من نية، كأن يقول: (تصدقت)، و(حرمت)، و(أبدت)، فهذه كناية إذا وجدت معها النية أو قرن بها ما يدل عليها صار وقفاً، كأن يقول: تصدقت صدقة موقوفة أو محبوسة.

    والصواب أن الوقف يكون بالقول وبالفعل، فالقول هو أن يقول: تصدقت أو حرمت أو سبلت، والفعل كأن يبني مسجداً ويأذن للناس في الصلاة فيه، أو يسور أرضاً ويأذن للناس بدفن الموتى فيها، فيكون هذا وقفاً بالفعل.

    ما يجوز وقفه وما لا يصلح فيه الوقف

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ويجوز في كل عين يجوز بيعها وينتفع بها دائماً مع بقاء عينها كالمزارع والبيوت ونحوها ].

    أي أن كل عين لا يجوز بيعها لا توقف، فالأشياء المحرمة لا يجوز وقفها.

    وكذلك التي لا تبقى عينها، كالأشياء المائعة والرياحين وما أشبهها لا توقف؛ لأن عينها لا تبقى، والأطعمة تؤكل ولا تبقى، فلابد أن تكون العين باقية ينتفع بها كالأراضي والمزارع والسيارات.

    قال: [ ولا يصح في غير ذلك مثل الأثمان والمطعومات والرياحين ].

    الأثمان هي النقود، فإذا دفعها إلى من يشتري بها وقفاً فهذه وكالة في شراء وقف، أما أن يعطيه دراهم ويقول: هذه وقف، فلا يصح ذلك؛ لأن الدراهم والدنانير ونحوها لا تبقى.

    وكذلك المطعومات كالبر يجعله وقفاً أو يأخذ تمراً ويقول: هذا وقف فإن هذا الوقف لا يصح، فلابد أن يكون الوقف عيناً ثابتة.

    الجهة التي يصح صرف الوقف فيها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولا يصح إلا على بر أو معروف، مثل ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! إني أصبت مالاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه؛ فما تأمرني فيه؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، غير أنها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله والضيف) ].

    الوقف لا يباع ولا يورث ولا يوهب، وإنما يحبس فيه الأصل، ولا بد أن يكون الوقف على بر، لا أن يكون على محرم، كأن يقف كنيسة على النصارى، فهذا لا يجوز، أو يقف بيتاً ليشترى به خمور أو دخان، فلا يجوز هذا، فلابد أن يكون الوقف على جهة بر، ولا يكون على جهة معصية.

    والوقف لا يباع ولا يورث ولا يوهب، والثمرة والريع يصرفان في جهة البر، كما فعل عمر رضي الله عنه، فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني أصبت مالاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني فيه؟ فقال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، غير أنها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) فتصدق بها عمر في القربى، والفقراء والمساكين وعلى الضيف.

    وإذا وقف المرء بيتاً يؤجر فإن الأجرة تصرف في أعمال البر، وإن أراد وقفه سكناً للفقراء والمساكين.

    قوله: فتصدق بها عمر في الفقراء.

    أي: في المساكين.

    وفي القربى، أي: قرابته.

    وفي الرقاب، أي: في العبيد المكاتبين.

    وابن السبيل، هو المسافر المنقطع الذي نفد ماله.

    حدود انتفاع ناظر الوقف من الموقوف

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه ].

    أي: أن الذي يلي هذا الوقف لا جناح عليه أن يأكل منه ويطعم صديقه، إلا أنه لا يتمول ولا يأخذ من ريع هذا المال، لكن يأكل هو بالمعروف ويطعم الصديق ويطعم الضيف.

    وإذا تعطلت مصالح هذا الوقف فإنه ينقل على الصحيح، وقال بعض أهل العلم: إنه لا ينقل، وأما المسجد فإنه إذا استغنى عن بعض الفرش أو الحصير أو عن شيء مما يتعلق بالمسجد فإنه ينقل إلى مسجد مماثل محتاج.

    الكيفية التي يعتبر بها الوقف صحيحاً

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه، مثل أن يبني مسجداً ويأذن في الصلاة فيه، أو سقاية ويشرعها للناس ].

    يصح الوقف بالفعل، وروي عن الإمام أحمد أنه لا يصح إلا بالقول، والصواب أنه يصح بالقول وبالفعل.

    حكم بيع الوقف

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل منافعه بالكلية، فيباع ويشترى به ما يقوم مقامه ].

    هذا هو الصواب، وهو أنه إذا تعطلت مصالحه فإنه يباع ويشترى به ما يقوم مقامه.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشترى به ما يصلح للجهاد ].

    إذا كان الفرس محبوساً على الجهاد، ولا يصلح للغزو فإنه يباع ويشترى به ما يصلح للجهاد، وكذلك إذا كانت سيارة أو مدرعات محبوسة ثم تعطلت فإنها تباع ويشترى بها ما يقوم مقامها.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والمسجد إذا لم ينتفع به في مكانه بيع ونقل إلى مكان ينتفع به ].

    وفي الرواية الأخرى أنه لا يباع المسجد.

    الجهة التي يرجع إليها في تصريف الوقف

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ويرجع في الوقف ومصرفه وشروطه وترتيبه وإدخال من شاء بصفة وإخراجه بها -وكذلك الناظر فيه والنفقة عليه- إلى شرط الواقف ].

    الوقف يرجع فيه إلى شرط الواقف وترتيبه ويرجع فيه إلى الصفة التي ذكرها الواقف، فإذا قال: وقفته على طلبة العلم ينظر فمن اتصف بطلب العلم، فيكون داخلاً في الوقف.

    وكذلك الترتيب، فإذا رتبه فقال: يصرف على كذا ثم على الفقراء ثم على المساكين ثم على طلبة العلم يبدأ صرفه بالترتيب، ولهذا يقول العلماء: قول الواقف مثل النص الشرطي، فإذا نص الواقف على شيء ينفذ.

    وكذلك مصرفه، فإذا قال: يصرف في أعمال البر، أو: يصرف على الفقراء، أو على الأيتام، أو على أقاربي فإنه يلزم أن يصرف في الجهة التي عينها الواقف إذا كانت جهة بر، فإن كانت جهة معصية فإنه لا ينفذ، ويصرف إلى جهة بر.

    حكم الوقف على الأولاد ثم على المساكين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فلو وقف على ولد فلان ثم على المساكين كان الذكر والأنثى بالسوية إلا أن يفضل بعضهم ].

    وذلك لأن الولد يشمل الذكر والأنثى.

    قال: [فإذا لم يبق منهم أحد رجع إلى المساكين ].

    وذلك لأنه أتى بكلمة (ثم)، وهي تفيد الترتيب.

    تقسيم الوقف إذا وقف على من يمكن حصرهم ومن لا يمكن حصرهم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن كان الوقف على من يمكن حصرهم لزم استيعابهم به إلا أن يفضل بعضهم ].

    إذا قال: وقفت على أولاد عمي وكانوا عشرة أو عشرين يمكن حصرهم فيلزم استيعابهم، أما إذا قال: وقفت على قبيلة بني فلان أو القبيلة الفلانية، وكانت كثيرة لا يمكن حصرها، فهذا لا يلزم الحصر.

    قوله: إلا أن يفضل بعضهم.

    يعني: إلا إذا فضل الواقف بعضهم، فإذا فضل بعضهم على بعض فله ذلك.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن لم يمكن حصرهم جاز تفضيل بعضهم على بعض وتخصيص واحد منهم به ].

    إذا لم يمكن حصرهم بأن قال: وقفت على قبيلة فلان وما وجدنا إلا خمسة أو اثنين أو عشرة فإنا نعطيهم هذا الوقف.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087690378

    عدد مرات الحفظ

    773562490