إسلام ويب

شرح عمدة الفقه كتاب البيوع [6]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الشركة هي عقد بين شخصين ولها صور عدة، فمنها شركة العنان والتي يشتركان فيها ببدنيهما وما ليهما، وشركة الوجوه والتي يشتركان فيها بالذمة، وشركة المضاربة والتي يشترك فيها أحدهما بماله والآخر بعمله، وشركة الأبدان والتي يشتركان فيها ببدنيهما، وشركة المفاوضة والتي يفوض فيها أحدهما الآخر في المال والبدن والذمة وكل شيء.
    قال المؤلف رحمه الله: [ باب الشركة.

    وهي على أربعة أضرب: شركة العنان، وهي: أن يشتركا بماليهما وبدنيهما، وشركة الوجوه: وهي أن يشتركا فيما يشتريان بجاهيهما، والمضاربة، وهي: أن يدفع أحدهما إلى الآخر مالاً يتجر فيه، ويشتركان في ربحه، وشركة الأبدان وهي: أن يشتركا فيما يكسبان لأبدانهما من المباح، إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه؛ لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فجاء سعد بأسيرين ولم آت أنا وعمار ].

    الشركة دل عليها الكتاب والسنة قال الله تعالى: وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [ص:24] أي: الشركاء. وفي الحديث القدسي كما يقول الله تعالى: (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر، فإذا خانه خرجت من بينهما)، أو كما جاء.

    فالشركة جائزة وهي كما ذكر المؤلف رحمه الله أربعة أنواع: شركة العنان, وشركة الوجوه, وشركة المضاربة, وشركة الأبدان وهناك نوع خامس وهو: شركة المفاوضة.

    شركة العنان

    النوع الأول: شركة العنان هي: أن يشتركا بماليهما وبدنيهما فيكون من كل واحد منهما المال والعمل كأن يضع أحدهما مثلاً خمسة آلاف والآخر مثله، وكل منهما يشتغل بماله ومال صاحبه، فأما اشتغاله بماله فمن أجل ملكه له، ويشتغل كذلك بمال صاحبه بالوكالة عنه.

    يعني: أن كلاً منهما قد وكل صاحبه، فمثلاً: هذا يشتري سيارات وهذا يشتري عقارات ويشغلها، وقد يربحون أو يخسرون، وقد يربح أحدهما ويخسر الآخر، فإن خسرا جبرت الخسارة من رأس المال، وإن ربحا كان الربح بينهما على حسب الشرط.

    ولابد أن يكون المال من النقدين أو أحدهما ولا يكون عروضاً.

    ولابد أن يكون الربح جزءاً مشاعاً فإن كان الربح مجهولاً أو اشترطا لكل واحد منهما دراهم معينة، أو شرط أحدهما أن ربح هذه السيارة لي دون ربح القمار فلا يصح، بل لابد أن يكون الربح جزءاً مشاعاً، يعني: أن لكل واحد منهما نصف الربح، أو لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان، فيتقاسمان الربح حسب الاتفاق.

    شركة الوجوه

    النوع الثاني: شركة الوجوه، وهي أن يشتركا فيما يشتريانه بالذمة وليس بينهما مال، وإنما هو في الذمة مثل أن يشتري أحدهما سيارات ديناً والآخر يشتري عقاراً ديناً، والربح بينهما نصفان، أو ثلاثة أرباع، ثم يبيع كل منهما ويسدد ما عليه وهكذا. فإذا مضى مدة تقاسما الربح بينهما وقد سميت هذه الشركة شركة الوجوه؛ لأن كلاً منهما يشتري بوجهه وبذمته؛ لأنه ليس عندهما مالاً.

    شركة المضاربة

    النوع الثالث: شركة المضاربة، وهي: أن يكون من أحدهما المال والآخر منه العمل قال تعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل:20] فدل القرآن على شركة المضاربة، وأن أحدهما منه المال والآخر منه العمل، مثل: أن يدفع شخص عشرة آلاف لآخر يشتغل بها، فإن خسر فالخسارة تكون على صاحب المال، وإن لم يبق إلا رأس المال فليس له شيء، وإن ربح كان الربح على حسب الشرط الذي بينهما، فمثلاً: إذا قال أحدهما للآخر: أعطيك مائة ألف تشتري بها سيارات أو أرضاً أو عقارات ويكون لك الربع من الربح ولي ثلاثة أرباع، فإذا مضت سنة أو سنتان اقتسما الربح على حسب الشرط الذي بينهما، فإن خسر كانت الخسارة على صاحب المال وليس على العامل شيء فإن لم يوجد إلا رأس المال فليس للعامل منه شيء.

    شركة الأبدان

    النوع الرابع: شركة الأبدان، وهي: أن يشتغل كل واحد منهما ببدنه. مثل: أن يشتغل أحدهما بالنجارة والآخر بالحدادة ويتقاسمان الربح بينهما على حسب الاتفاق أو مثلاً: يشتغل أحدهما في الاحتشاش والآخر في الاحتطاب وقد جاء أنه اشترك عبد الله بن مسعود وسعد وعمار في غزوة بدر فجاء سعد بأسيرين ولم يجئ عبد الله وعمار بشيء فاشتركوا في ربح الأسيرين. فإذا اشتركا في الصناعة أو التجارة أو الاحتطاب أو الصيد فما ربحاه كان بينهما على حسب الشرط، ولابد أن يكون الربح جزءاً مشاعاً، سواء كان ربعاً أو نصفاً أو ثلثاً على حسب الاتفاق بينهما.

    شركة المفاوضة

    النوع الخامس: وشركة المفاوضة، شركة المفاوضة هذه عامة تشمل المال والبدن والذمة وكل شيء، وهي: أن يفوض كل منهما صاحبه في كل شيء، كأن يضعان مالاً ويشتغلان ببدنهما، ويشتريان في ذمتهما،فإذا رأى أحدهما مثلاً بيعة مناسبة اشتراها بالمال الذي عنده، وإذا رأى أيضاً كسباً بالبدن كسبه ببدنه، وإن رأى شيئاً يُشترى في الذمة اشتراه في الذمة أيضاً، وهكذا: ويكون الربح بينهما على حسب ما اتفقا عليه.

    قوله: ( باب الشركة:

    وهي على أربعة أضرب: شركة العنان، وهي: أن يشتركا بماليهما وبدنيهما).

    أي: أن يضع كل واحد ماله وبدنه ويشتغلان معاً ويتصرف كل منهما بالمال، أما تصرفه بماله فلأنه ملكه، وأما تصرفه بمال شريكه فلأنه فوضه ووكله.

    (وشركة الوجوه، وهي: أن يشتركا فيما يشتريان بجاهيهما).

    أي: أن كل واحد منهما يشتري في الذمة، ولا يوجد فيها مال ولا بدن، وما حصل من الربح كان بينهما على حسب الشرط.

    قوله: (والمضاربة، وهي: أن يدفع أحدهما إلى الآخر مالاً يتجر فيه، ويشتركان في ربحه).

    وهي مثل القراض فأحدهما منه المال والآخر منه العمل، ويكون الربح بينهما على حسب الشرط، فإن خسر فليس على العامل شيء، وإن بقي رأس المال فليس له شيء، وإن ربح كان الربح بينهما على حسب الشرط.

    قوله: (وشركة الأبدان، وهي: أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما من المباح إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه).

    وهذه ليس فيها إلا العمل بالبدن، وليس فيها مال، وإنما كل منهما يشتغل ببدنه، كأن يشتغل أحدهما في السيارات والآخر نجاراً، أو كأن يكون أحدهما مصلحاً للساعات والآخر بناءً أو دهاناً أو سباكاً، وما ربحاه جمعاه واقتسماه بينهما.

    قوله: (وشركة الأبدان، وهي: أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما من المباح إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه؛ لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فجاء سعد بأسيرين ولم آت أنا وعمار بشيء).

    والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن مسعود وفيه علة قال ابن حجر : أبو عبيدة لم يسمع من أبيه.

    وقد كان من قتل قتيلاً أو أتى بأسير فله سلبه، وهذا من باب التشجيع، وهو من غير الغنائم؛ لأنه في الغنائم يشارك الغانمين، وأما هذا فهو شيء خاص.

    كيفية تحمل الخسارة في الشركة

    قال المؤلف رحمه الله: [ والربح في جميع ذلك على ما شرطاه، والوضيعة على قدر المال ].

    والوضيعة: الخسارة فإذا خسرا مثلاً في شركة العنان فتكون الخسارة على قدر المال، فإذا دفع أحدهما مثلاً خمسة آلاف ودفع الآخر عشرة آلاف ثم خسرا فتكون الخسارة على صاحب العشرة آلالاف أكثر وهكذا.

    وفي المضاربة تكون الخسارة على رب المال؛ لأن أحدهما منه العمل والآخر منه المال، وليس فيها مال من الطرفين. فإذا كان فيها مال من الطرفين فهي شركة العنان فإذا دفع أحدهما مثلاً ستين ودفع الآخر أربعين ثم خسراً مائة كانت الخسارة على صاحب الستين ستين فقط وعلى صاحب الأربعين أربعين، وهكذا بالنسبة، فإذا دفع أحدهما ستمائة ألف ودفع الآخر أربعمائة ألف ثم خسرا ألفاً كانت الخسارة على الذي دفع الستمائة ألف ستمائة، وعلى الذي دفع الأربعمائة ألف أربعمائة وهكذا.

    وإذا فسخ أحدهما العقد بطلت الشركة مثل عقد المساقاة والمزارعة، فهي عقد جائز، متى ما فسخها أحدهما فسخت وبطلت، وكذلك تبطل الشركة بموت أحد الشريكين أو بالحجر عليه.

    حكم اشتراط أحد الشريكين شرطاً زائداً على نسبة الربح أو تصرفه في الشركة دون إذن الآخر

    قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة ].

    لأن فيها غرراً فلا يقول أحدهما مثلاً: أنا أشترك معك على أن لي من الربح عشرة آلاف؛ لأنهما قد لا يكسبان عشرة آلاف وقد يكسبانها هي فقط، فيأخذها صاحب الشرط، ويبقى الآخر ليس له شيء، فلا يجوز التحديد في الشركة، وإنما يجوز فيها النسبة.

    قال: [ ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة ولا ربح بشيء معين والحكم في المساقاة والمزارعة كذلك ].

    والمساقاة على الشجر، والمزارعة على الأرض، والمساقاة هي: أن يدفع شخص شجر النخيل لشخص آخر يشتغل فيها بالعمل أو السقي، وتكون الثمرة على حسب ما يخرج منها.

    والمزارعة هي: أن يعطيه الأرض ليزرعها وسواء كان البذر من العامل أو من رب المال وما خرج يكون بينهما بجزء مشاع من الربح، والأصل في هذا: (أن النبي صلى الله علية وسلم عامل أهل خيبر لما فتحها بشرط ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فدفع النبي صلى الله علية وسلم لهم الأرض والشجر يعملون فيها بالنصف) أي: لهم نصف الثمار ولليهود النصف، وذلك لأن الصحابة كانوا مشغولين بالجهاد ولا يستطيعون العمل في النخيل، فلهذا أبقى اليهود وعاملهم عليها.

    قال: [ والحكم في المساقاة والمزارعة كذلك وتجبر الوضيعة من الربح ].

    أي: تجبر الخسارة من الربح، فيكمل رأس المال من الربح حتى ولو لم يبق منه شيء.

    قال: [ وليس لأحدهما البيع بنسيئة ولا أخذ شيء من الربح إلا بإذن الآخر ].

    أي: ليس له أن يبيع بشيء مؤجل إلا إذا أذن له صاحبه، ولا يأخذ شيئاً من الربح إلا إذا أذن له.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087688454

    عدد مرات الحفظ

    773553616