وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا ].
الرهن: توثقة دين بعينه، والرهن يكون في الحضر والسفر، وأما قوله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283] فهذا في بيان الأغلب.
وإذا كان زيد يطلب عمراً ألف ريال، ولكنه قال: أخشى ألا توفيني حقي وأريد منك رهناً، فارهني سيارتك، فيوثق دينه الذي في ذمة عمرو بهذه السيارة التي سلمها له.
وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، كالعقارات والأراضي وغيرها، أما الذي لا يجوز بيعه فلا يجوز رهنه مثل الطير في الهواء والجمل الشارد والعبد الآبق والحوت في البحر فلا بد للرهن أن يكون عيناً مقبوضة يمكن قبضها، ولهذا قال سبحانه: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283].
قال: [ ولا يلزم إلا بالقبض، وهو نقله إن كان منقولاً والتخلية فيما سواه ].
لا يلزم الرهن إلا بالقبض، وهو نقله إن كان منقولاً، وإن لم يكن منقولاً فبالتخلية، فإذا رهن السيارة يسلمه المفتاح، أما إذا كان لا ينقل إلا بالتخلية كالأرض فيخلي بينه وبينها أو يعطيه الصك، وكذلك الدار يسلمه مفاتيحها، فما يقبل قبضه فبالنقل، وما لا يقبل قبضه فبالتخلية.
أما قوله في الشرح: ولا يصح، وفي المتن: ولا يلزم فهما متقاربان؛ لأنه إذا لم يسلمه فلن يستطيع أن يوثق دينه إلا إذا قضاه.
وأما بيع الدين بالدين فلا يصح لأنه لابد من قبضه، وهو منهي عنه بالإجماع، ولا يجوز إلا إذا قبض مفاتيح الدار أو الدراهم، أي: قبض العوض أو المعوض. وإذا سلمه العربون وهو أن يدفع له جزءاً من المال، ويقول له: إن سددت لك المال في وقت كذا وإلا فهو لك، فهذا جزء من الشرط، فإن سدد باقي المال وإلا فالعربون له. والصواب: أن بيع العربون يصح؛ لأنه مقابل تأخير السلعة وحبسها.
والمقصود: أنه لابد من قبض أحد العوضين وأظن أن هذا البيع يوجد في الشركات، فيبيعون الدين بالدين وهو شيء لم يقبض.
أي: صاحب الدين إذا أرسل وكيله ليقبض عنه فهو قبض له إذا كان أميناً.
قال: [ والرهن أمانة عند المرتهن أو أمينه لا يضمنه إلا أن يتعدى ].
الرهن أمانة في يد المرتهن وهو صاحب الدين أو وكيله، فإن تلف الرهن بدون تعد ولا تفريط فلا شيء عليه، وإن تعدى وفرط ضمنه، فإذا أهمل الرهن كأن يكون دابة ولم يعلفها حتى ماتت يضمنها، أما إذا ماتت ولم يفرط في حفظها وعلفها فليس عليه شيء، والقاعدة: أن المؤتمن إذا لم يتعد ولم يفرط لا يضمن، وإذا تعدى وفرط ضمن.
أي: لا ينتفع المرتهن بشيء من الرهن إلا ما كان مركوباً فمثلاً: السيارة في مقابل البنزين، والعناية بها، وتغيير الزيت إذا احتاج، ويركب الدابة ويحلبها في مقابل العلف، فالمركوب يركب في مقابل النفقة عليه، والمحلوب في مقابل علفه، أما ما عدى ذلك فلا يستعمله كالدار فلا يؤجره، فإن أجره فالإجارة تكون للراهن؛ لأنها لا تحتاج إلى مقابل، لكن الدابة لابد من نفقة فهو ينفق عليها ويشرب حليبها، أو ينفق عليها ويركبها وفي الحديث: (لبن الدر يشرب بنفقته إذا كان محلوباً والظهر يركب إذا كان مركوباً).
قال: [ وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه، لكن يكون رهناً معه ].
أي: للراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه، فأجرة الدار للراهن، وكذلك أيضاً النماء، فلو ولدت الدابة تكون للراهن، كذا لو سمنت؛ لأنها لو تلفت تكون عليه، فكذلك إذا حصل فيها نماء فإنها تكون له.
وإذا ولدت الدابة يكون ولدها رهناً معها، والجميع للراهن.
قال: [ وعليه غرمه من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات ].
أي: عليه غرمه ومؤنته يعني: حفظه وكذلك كفنه، كما لو كان عبداً ومات فإن كفنه على الراهن، وكما أنه له غنمه فعليه غرمه، وإذا احتاج إلى نفقة فإنها تكون عليه، إلا إذا كان يركب أو يحلب فينفق عليها بقدر الركوب أو الحليب، وما عدى ذلك يكون كل هذا على الراهن.
قال: [ وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاد فعليه قيمته تكون رهناً مكانه ].
أي: إذا أتلف الراهن الرهن، فإن كان عبداً ثم أعتقه أو أتلفه، يلزمه بأن يدفع رهناً مكانه توثقة لدين المرتهن.
قال: [ وإن جنى عليه غيره فهو الخصم فيه ].
أي: وإن جنى الخصم على العبد المرهون أو على الدابة المرهونة، كأن اعتدى على الدابة بكسر عظم أو على العبد بكسر عضو من أعضائه، اتفق معه على أنه يدفع له مثلاً عشرة آلاف أو خمسة آلاف مقابل الجناية ويقبضها الراهن وتكون رهناً معه، فيكون العبد وما سلم له مقابل الجناية رهناً.
قال: [ وما قبض بسببه فهو رهن ].
أي: يكون رهناً معه.
قال: [ وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته ].
وهذه المسألة عكس الأولى وهي: وإن جنى العبد المرهون على شخص فقتله فالمجني عليه أحق أن يأخذه برقبته، فلو جنى العبد على حر فقطع يده ودية اليد نصف الدية، ولما قدرنا العبد صار يساوي نصف الدية فيسلم الرهن للمجني عليه، ويأخذ العبد والراهن يضع قيمته مكانه.
أي: وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته، وقدم على حق المرتهن لأنه فداؤه؛ فهو قد اعتدى على نفس والفداء مقدم، فيقدم على المالك، فأولى أن يقدم على المرتهن ولسيده فداؤه.
ولو جنى العبد وهو غير مرهون تؤخذ الجناية من رقبته، فإذا كان مرهوناً أخذ من باب أولى، فيؤخذ إذا كان في ملك المالك، فإذا كان توثقة للمرتهن فمن باب أولى؛ لأن التوثقة أقل من الملكية.
قال: [ فإن فداه فهو رهن بحاله، وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه وباقيه للراهن ].
أي: فإن فداه ودفع قيمته يبقى رهناً بحاله، وإن لم يفده فالظاهر أنه يجعل شيئاً قيمته مكانه فإن كان أرش الجناية أكثر من ثمنه فطلب المجني عليه تسليمه للبيع وأراد الراهن فداءه فله ذلك؛ لأن حق المجني عليه في قيمته لا في عينه، ولسيده الخيار بين أن يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه، وبين أن يفديه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته فلو قدرت الجناية بعشرة آلاف، وثمن العبد لا يساوي إلا ثمانية آلاف، فالمجنى عليه يأخذ العبد والباقي دين عليه، أما إذا كانت الجناية ثمانية آلاف وثمنه عشرة آلاف فإن الولي مخير بين أن يسلمه ثمانية آلاف ويبقى الرهن، أو يسلمه العبد فيبيعه ويأخذ حقه ويسلمه ألفين.
قال في الشرح: فإن فداه فهو رهن بحاله؛ لأن حق المرتهن لم يبطل وإنما قدم حق المجني عليه بقوته، فإذا زال ظهر حق المرتهن، وإن سلمه بطل الرهن.
وظاهره أنه لا يضع قيمته مكانه؛ لأنه ما تسبب، فإذا كان العبد هو المتسبب والمالك لا يعلم ذلك يسلم العبد ويبطل الرهن.
وإذا أحل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه، أي: إذا حل الدين ولم يوفه الراهن الدين يباع الرهن من قبل الحاكم، فيقدم صاحب الدين شكوى للحاكم الشرعي أو القاضي فيباع الرهن ويستوفي حقه، فإن كان مماثلاً لحقه سلمه إياه، وإن كان ثمنه أكثر أخذ حقه والباقي يرده على الراهن، وإن كان أقل سلم له قيمته والباقي يبقى في ذمة الراهن.
قال: [ وإذا شرط الرهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه، وأبى الضمين أن يضمن، خُير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين ].
أي: إذا باع سلعة وشرط فيها رهناً أو كفيلاً، وامتنع الراهن أو الضمين لهذا الشرط، خير المشتري: فإن أحب أن يبقى بدون رهن أو ضمين، وإلا فسخ البيع.
والمماطل يحبس حتى يسلم ما عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته)، فيقول صاحب الحق: ظلمني حقي، أما عقوبته: فإنه يحبس حتى يسلم.
وإذا كان مماطلاً وله كفيل فيطالب الكفيل بإحضاره، فلو حضر المماطل أمر بأن يسلم وإلا يحبس مادام أنه مماطل.
ومن التزم بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه ما عليه؛ لأنه ضامن فيلزم أن يحضره وإلا سلم ما عليه.
وإذا التزم بإحضاره وضمان ما عليه التزم بالأمرين.
وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه للضرورة.
[ باب الصلح.
ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي في يده جاز ما لم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء ].
أي: ومن صالح على إسقاط بعض دينه فلا بأس، فلو كان له دين عند شخص قدره مائة ألف، وتأخر في وفاء الدين، فقال له صاحب الدين: أعطني ثمانين أو سبعين، فهذا لا بأس بشرط ألا يقول المدين: أنا لا أعطيك المائة إلا إذا أسقطت سبعين، فإذا اشترط عليه لا يصح.
ومن صالح على إسقاط بعض دينه فلا بأس كأن يكون له دين عند شخص مقداره مائة ألف، وتأخر الآخر في وفاء الدين فقال: أعطني ثمانين وأسقط عنك عشرين، أو أعطني سبعين، فهذا لا بأس به، بشرط ألا يقول المدين: أنا لا أعطيك المائة إلا إذا أسقطت السبعين، فإذا اشترط عليه فلا يصح كما لو طالبته بالمائة فقال: لا أعطيك المائة إلا إذا أسقطت ثلاثين؛ لأنه قد جعله شرطاً، وإذا جعله شرطاً لا يصح إلا إذا أسقطه باختياره، نظراً لكون المدين فقيراً مثلاً، أو لأنه مماطل ولا يريد أن يشتكيه فإذا كان هذا الإسقاط من قبل الغريم لا من قبل المدين فلا بأس به، وأما إذا كان شرطاً فلا، وكذلك أيضاً إذا كان في يده عين كسيارة مثلاً أو غيرها وقال: أعطني هذه العين، فقال: لا أعطيك إياها إلا إذا أعطيتني ربعها، فهذا شرط، وليس له ذلك، أو مثلاً أخذ منه نوعاً من الطعام، كأن يكون له مائة كيلو من التمر فقال: لا أعطيك المائة حتى تعطيني بعضه، فلا يجوز؛ لأنه جعله شرطاً، ولا يصح إلا إذا أسقطه هو كأن يقول له: أعطني العين الذي في يدك ولك جزء منها، فلا بأس ما لم يجعله المدين شرطاً.
قال المؤلف رحمه الله: [ ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي في يده جاز، ما لم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء، أو يمنعه حقه إلا بذلك ].
فإذا جعله شرطاً أو منعه إلا بهذا فلا يصح.
قال: [ أو يمنعه حقه إلا بذلك، أو يضع بعض المؤجل ليعجل له الباقي ].
فإذا كانا قد اتفقا على هذا فلا بأس ويسمى: ضع وتعجل فإذا كان له مائة ألف ديناً على شخص تحل في ذي الحجة ونحن في محرم، فقال له: أنا محتاج الآن، وديني لا يحل إلا في ذي الحجة، ولكن إن شئت تعجل الدين وأسقط عنك البعض فبدلاً من أن تسلم المائة الألف في ذي الحجة فعجلها لي الآن وأسقط عنك ثلاثين أو أربعين وأعطني ستين وضع وتعجل عكس الربا، وليس مثله.
وقوله: (أو يضع بعض المؤجل ليعجل له الباقي).
يعني: لو صالح عن المؤجل ببعضه حالاً مثل أن يصالح عن المائة المؤجلة بخمسين حالة لم يجز؛ لأنه ربا وهو بيع بعض ماله ببعض، ولأن بيع الحلول غير جائز.
والمعروف أن هذا جائز وهو مسألة: ضع وتعجل وأنه ضد الربا.
والجمهور على: أنه لا يجوز؛ لأنه بيع دراهم مؤجلة بدراهم معجلة أقل منها وقال بعض العلماء: إنه لا بأس بذلك؛ لأنه تنازل مقابل تنازل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد إجلاء بني النضير وعليهم ديون للناس قال لهم: (ضعوا وتعجلوا) فالصواب أنه ليس ربا بل هو عكس الربا.
أي: ولم يبق شيء فلا بأس فإذا كان إنسان مثلاً يطلب من شخص مائة جنيه من الذهب فلما حل الدين قال له: أعطيك عن المائة الجنيه ألف ريال مثلاً، فلا بأس، بشرطين: الأول: التقابض في المجلس، الثاني: ألا يتفرقا وبينهما شيء.
ومثله بالعكس لو كان يطالبه بألف ريال فلما حل الدين قال له: أعطيك عنها مائة جنيه من الذهب، ومعلوم أن بيع الذهب بالفضة لا يجوز إلا يداً بيد، فلا بأس إذا تقابضا في المجلس، ولم يبق بينهما شيء؛ لما ثبت عن ابن عمر أنه كان يبيع الإبل في البقيع فيأخذ عن الدراهم الدنانير وعن الدنانير الدراهم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء). فمثلاً: إذا حل أجل المائة الجنية وكان ثمنها الآن ألف ريال فلا بأس أن يأخذها بها وأما إذا أخذها بسعر سابق أو بسعر لاحق كأن يكون قيمة الذهب الآن ألف ريال، ولكنه يقول: أنا يوم أسلفتك كان ثمنه ألفين، فأعطني ألفين، فهذا لا يصح، وهو ربا. فلا بد أن يكون الثمن بسعرها في الوقت الحاضر، وبشرط ألا يبقى شيء منها فإذا قال: أنا أعطيك الآن خمسمائة عن خمسين ويبقى في الذمة خمسين فلا يصح هذا، بل لا بد أن يتقابضا في المجلس ويتفرقا ولا يبقى بينهما شيء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء).
وكل منهما مستفيد، فهذا يستفيد إسقاط جزء من الدين، والغريم يستفيد أن يعجل ماله ليستفيد منه ويقضي حاجته.
وذلك كأن يكون لشخص على آخر دراهم ونسياها معاً ولا يدرون هل هي ألف ريال أو ألفان أو خمسة آلاف، وطالت المدة وليس عندهما بينة، فقال له الغريم: أعطني الآن ثمانمائة وأحللنني وأحللك وسامحني وأسامحك، فلا بأس بذلك فإن كان المدعى عليه يعلم فكتم فقد وقع في الحرام ويجب عليه أن يبين. ولكن إن نسي كل منهما ثم تصالحا على شيء معلوم فلا بأس أما إذا كان أحدهما يعلم فلا يجوز له أن يكتم.
قال: [ ومن كان له دين على غيره لا يعلمه المدعى عليه فصالحه على شيء جاز، وإن كان أحدهما يعلم كذب نفسه فالصلح في حقه باطل ].
فمثلاً إذا كان المدعى عليه يدري أنها ألفان وصالح على ألف فهو حرام عليه.
قال: [ ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز ].
وهذا كما سبق، فمن له حق غير محدد -نقوداً أو غيرها- فاصطلحا على شيء وتحالا فلا بأس.
وهي جائزة في كل ما تجوز النيابة فيه، إذا كان الموكل والوكيل ممن يصح ذلك منه ].
فتجوز إذا كان كل منهما رشيداً عاقلاً بالغاً، (في كل ما تجوز النيابة فيه) كأن يوكل في النفقة على أولاده، أو يوكل في إصلاح سيارته، أو يوكل في قضاء دينه، أو يوكل في بيع شيء من ماله فلا بأس، بشرط أن يكون كل من الموكل والوكيل بالغاً عاقلاً رشيداً.
قال: [ وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما وفسخه لها ].
يعني: أن عقد الوكالة ليس بلازم ولكل واحد منهما فسخه، فمثلاً: لو وكل إنسان إنساناً في بيع سيارته فلما أراد بيعها قال: أنا فسخت الوكالة، فلا تبع السيارة، أو قال الوكيل: أنا لا أقبل الوكالة فهذا فسخ؛ لأنها عقد جائز، وليس لازماً مثل عقد الإجارة وعقد البيع فإن الأصل فيه: أنه عقد لازم، فلو أنه اشترى سيارة ثم قال: إنها غير مناسبة ولا يرغب فيها ويريد ردها قيل له: إن هذا عقد لازم وقد تم البيع، إلا إذا أقله البائع. (من أقال مسلماً أقال الله عثرته يوم القيامة).
ولو استأجر منزلاً لمدة سنة ثم خرج بعد خمسة أشهر فجاء آخر يستأجر منه باقي المدة فله أن يؤجرها بمثل أجرها أو أكثر أو أقل، فهو حر في تصرفه، ويسكنها بنفسه أو بغيره، بشرط أن يكون استعماله لها مثل استعمال الأول.
وكذلك الغيبوبة قد يقال: إنها تنفسخ بها؛ لأن الغيبوبة مثل الجنون وليس ببعيد أن يكون حكمها حكم الجنون ولهذا تسقط عنه الصلاة بالغيبوبة، فالأقرب أنها إذا طالت تنفسخ بها الوكالة.
قال: [ وكذلك في كل عقد جائز كالشركة والمساقاة والمزارعة والجعالة والمسابقة ].
أي: أن كل هذه العقود تسقط بالموت والفسخ والحجر عليه؛ لأنها عقود جائزة.
ولو باع الوكيل أو اشترى فإن البيع لازم، ويقوم الوكيل مقام الموكل في هذه الحالة.
فمثلاً إذا وكله في بيع سلعة فلا يبيعها على نفسه، ولا على أحد من أقربائه إلا إذا أذن له الموكل، وليس له أن يأخذها قرضاً لنفسه. وبعض الناس يتساهل إذا وضعت عنده أمانة فيصرفها أو يقترضها، وكل هذا تصرف لا وجه له. فليس للإنسان أن يبيع على نفسه ولا أن يقترض سلعة ولا يقسم شيئاً من الدراهم إلا بإذن الموكل.
قال: [ وليس له توكيل غيره ولا الشراء من نفسه ولا البيع ].
أي: وليس للوكيل توكيل غيره إلا بإذن الموكل، ولا الشراء لنفسه أو بيعه لقريبه؛ لأنه متهم.
وهذه مسألة تصرف الفضولي فلو أن إنساناً مثلاً اشترى سيارة لشخص آخر لم يوكله بالشراء، فلما أخبره أنه اشتراها له، قال الآخر: جزاك الله خيراً. صح الشراء، فإن لم يجز الشراء لزمت المشتري.
قال: [ وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز وإلا لزم من اشتراه ].
فإذا وُكل مثلاً في سيارة ثم حفظها في البيت فهو أمين غير مفرط، فإذا حدث لها شيء أو سرقت منه فإنه لا يضمنها؛ لأنه غير متعد وغير مفرط، ولكن إذا ضيعها أو جعلها في مكان معروف بأنه فيه لصوص فقد فرط ويضمنها. فالوكيل أمين إذا لم يتعد ولم يفرط، فإن تعدى وفرط ضمن.
أي: أن القول قول الوكيل في الرد. فإذا اختلف الوكيل والموكل في شيء فقال الوكيل: إنه رده، وقال الموكل: لم يرده فالقول قول الوكيل.
وكذلك في التلف، فإذا قال الوكيل: إنه تلف ولم يفرط فيه، وقال الموكل: إنه فرط فالقول قول الوكيل في الرد والتلف وكذلك إذا قال الوكيل: إنه لم يتعد، وقال الموكل: إنه تعدى فالقول قول الوكيل؛ لأنه أمين، والقاعدة: أن الأمين مؤتمن ويقبل قوله في الرد والتلف ونفي التعدي.
يعني: على هذه الرواية أنه إذا انتفت التهمة بأن وقف السوم وزاد عليه، أو وكل إنساناً يبيعها واشتراها بما وقفت عنده فيجوز والمذهب هو الأقرب وهو الصواب: أنه ليس له ذلك وليس له أن يبيع أو يشتري لنفسه، حتى يبعد التهمة عن نفسه.
قال الشارح: [ قال القاضي: ويحتمل ألا يشترط ذلك؛ لأنه قد امتثل أمره فأما إذا أذن له في ذلك فقد عمل بمقتضى التوكيل ].
وهذا لا إشكال فيه وإنما الكلام إذا لم يأذن فالأقرب المنع.
أي: أنه إذا قضى الدين بغير بينة ثم أنكر الغريم، وقال: لم تقض فإنه يضمن؛ لأنه مفرط فلابد أن يشهد، إلا إذا كان في حضور الموكل فهو لازم يقضى به على الموكل، فمادام أن الوكيل قضاه في حضرة موكله فإن أنكر الغريم بعد ذلك فليس على الوكيل شيء في هذه الحالة.
وهي جائزة في كل ما تجوز النيابة فيه، إذا كان الموكل والوكيل ممن يصح ذلك منه ].
فتجوز إذا كان كل منهما رشيداً عاقلاً بالغاً، (في كل ما تجوز النيابة فيه) كأن يوكل في النفقة على أولاده، أو يوكل في إصلاح سيارته، أو يوكل في قضاء دينه، أو يوكل في بيع شيء من ماله فلا بأس، بشرط أن يكون كل من الموكل والوكيل بالغاً عاقلاً رشيداً.
قال: [ وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما وفسخه لها ].
يعني: أن عقد الوكالة ليس بلازم ولكل واحد منهما فسخه، فمثلاً: لو وكل إنسان إنساناً في بيع سيارته فلما أراد بيعها قال: أنا فسخت الوكالة، فلا تبع السيارة، أو قال الوكيل: أنا لا أقبل الوكالة فهذا فسخ؛ لأنها عقد جائز، وليس لازماً مثل عقد الإجارة وعقد البيع فإن الأصل فيه: أنه عقد لازم، فلو أنه اشترى سيارة ثم قال: إنها غير مناسبة ولا يرغب فيها ويريد ردها قيل له: إن هذا عقد لازم وقد تم البيع، إلا إذا أقله البائع. (من أقال مسلماً أقال الله عثرته يوم القيامة).
ولو استأجر منزلاً لمدة سنة ثم خرج بعد خمسة أشهر فجاء آخر يستأجر منه باقي المدة فله أن يؤجرها بمثل أجرها أو أكثر أو أقل، فهو حر في تصرفه، ويسكنها بنفسه أو بغيره، بشرط أن يكون استعماله لها مثل استعمال الأول.
السؤال: ما حكم أخذ الوكيل الأجرة على وكالته؟
الجواب: تجوز الوكالة بأجرة وبغير أجرة.
الجواب: يجوز التوكيل في الزواج، فيأتي الوكيل فيقول الأب لوكيل الزوج: زوجت بنتي موكلك فلان، فيقول الأخير: قبلت هذا الزواج لموكلي فلان، وكذلك في الطلاق إذا وكل أن يطلق وقال: طلقت زوجة فلان.
السؤال: ما حكم توكيل الإمام غيره في الصلاة؟
الجواب: الإمام الأصل أنه لا يوكل، ولكن لو رأى أن هناك أولى منه بالإمامة ثم أناب فأرجو ألا يكون حرج.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر