إسلام ويب

شرح عمدة الفقه كتاب الطهارة [4]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجب على المسلم معرفة نواقض الوضوء، وهي الخارج من السبيلين، والنجس الخارج من غير السبيلين، وزوال العقل بالجنون والنوم وغيرهما، ومس الذكر باليد من غير حائل، والردة عن الإسلام، وأكل لحم الإبل. ويجب معرفة موجبات الغسل، وصفته.

    الناقض الأول: الخارج من السبيلين

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب نواقض الوضوء.

    وهي سبعة: الخارج من السبيلين ].

    الناقض الأول: الخارج من السبيلين، والمراد بالسبيلين القبل والدبر، والخارج من السبيلين نوعان:

    النوع الأول: البول والغائط، وهذا مجمع عليه أنه ينقض الوضوء.

    النوع الثاني: غير البول والغائط كالدود والشعر والحصى، فهذه أيضاً تنقض الوضوء على الصحيح.

    إذاً: إذا كان بولاً أو غائطاً فهذا بالإجماع ينقض الوضوء، وما عداه فيه خلاف، ولهذا بوب الإمام البخاري رحمه الله قال: باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.

    يعني: أن النوم وزوال العقل وأكل لحم الجزور وغيرها فيه خلاف بين أهل العلم.

    ولا تصح الصلاة إلا بالاستنجاء ثم الوضوء بعد ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، رواه الشيخان.

    ولما جاء في الحديث الآخر: (لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)، رواه مسلم في صحيحه.

    ويرى بعض العلماء أنه إذا خرج شيء يابس وليس له رطوبة فإنه لا يحتاج إلى استنجاء، وإنما يتوضأ ويكون حكمه حكم الريح؛ لأنه ليس فيه رطوبة، ولأن الاستنجاء إنما هو لتطهير المحل وإزالة الخبث، وهذا ليس فيه شيء من هذا.

    الناقض الثاني: الخارج النجس من غير السبيلين

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والخارج النجس من غيرهما إذا فحش ].

    الناقض الثاني: الخارج الفاحش النجس من غير السبيلين، وهذا أيضاً نوعان:

    النوع الأول: أن يكون بولاً أو غائطاً كما إذا انسد المخرج ثم فتح فتحة أخرى لخروج البول والغائط منه، فهذا ناقض للوضوء.

    النوع الثاني: أن يكون غير بول وغائط كالدم الرعاف والقيح، فهذا مختلف فيه بين أهل العلم: فبعض العلماء يرى أنه ينقض إذا فحش وهو قول كثير من العلماء كالحنابلة وغيرهم، قالوا: إذا فحش مثل: الحجامة أو دم كثير أو رعاف كثير، أما الشيء القليل فلا ينقض الوضوء، ولهذا قال بعض السلف: عصر ابن عمر بثرة وصلى ولم يتوضأ.

    وقال آخرون: لا ينقض؛ لأن الأحاديث التي وردت في انتقاض الوضوء بالخارج من غير السبيلين فيها ضعف، لكن إذا توضأ المسلم فيكون هذا أحوط له، وأما الشيء اليسير فلا يؤثر كدم يسير في الأسنان، أو في اللثة أو ما أشبه ذلك.

    الناقض الثالث: زوال العقل بالجنون وغيره

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وزوال العقل إلا النوم اليسير جالساً أو قائماً ].

    الناقض الثالث: زوال العقل، ويكون بالجنون والعياذ بالله والإغماء، والنوم والسكر، فإذا زال عقله بالجنون أو بالسكر أو بالإغماء أو بالنوم المستغرق؛ فإنه ينقض الوضوء، ولابد أن يكون النوم الناقض للوضوء مستغرقاً، وأما النعاس الذي يحس فيه بمن حوله، ويشعر بالحدث لو خرج منه، ويسمع كلام الحاضرين فهذا لا ينقض الوضوء على الصحيح؛ لما ثبت في الحديث الصحيح: (أن الصحابة كانت تخفق رءوسهم وكانوا ينتظرون صلاة العشاء فيصلون ولا يتوضئون)، وفي لفظ: (كانوا ينامون) أي: ينعسون، فالنعاس: هو خفقان الرأس فلا ينقض الوضوء على الصحيح سواء كان جالساً أو قائماً أو قاعداً، ومن العلماء من قال إذا كان متكئاً أو راكعاً أو ساجداً فإنه ينفتح الدبر فينقض الوضوء، وأما إذا كان غير متكئ فلا ينقض، والصواب أن المعول في هذا على الاستغراق، وأما النعاس اليسير جالساً أو قائماً فلا يضر.

    الناقض الرابع: لمس الذكر باليد من غير حائل

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولمس الذكر بيده ].

    الناقض الرابع: لمس الذكر بيده، فإذا مس ذكره بيده بظاهر الكف أو باطنها بدون حائل فإنه ينقض الوضوء، وأما إذا كان من وراء حائل أو من وراء الثوب، أو مسه بالذراع أو برجله فهذا لا ينقض الوضوء، ودليل النقض بالمس حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، وفي رواية: (من مس الذكر)، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا ينقض الوضوء مطلقاً، واستدلوا بحديث طلق بن علي : (إنما هو بضعة منك)، والصواب أن حديث طلق بن علي قديم ومنسوخ بحديث بسرة ؛ لأن طلقاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده في أول الهجرة، وحديث بسرة بنت صفوان متأخر، فالعمل على حديث بسرة ، ولهذا قال البخاري عن حديث طلق : هذا أصح شيء في هذا الباب والعمل على حديث بسرة عند الأئمة.

    وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا ينقض إلا إذا قصد المس، وأما إذا لم يقصده فلا ينقض، والصواب أنه ينقض الوضوء مطلقاً، والمرأة إذا كانت تغسل طفلها ومست ذكره ينتقض وضوءها.

    ولو قال قائل: إن حديث طلق بن علي يصرف النهي إلى الكراهة، فهذا ليس بواضح.

    وقال بعض العلماء: إذا مس ذكره بشهوة -أي: بقصد- فينتقض وضوءه وإلا فلا، وهذا هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأفتى به الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، والصواب أنه ينقض المس مطلقاً على كل حال.

    الناقض الخامس: لمس المرأة بشهوة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولمس امرأة بشهوة ].

    هذا هو الناقض الخامس: لمس المرأة بشهوة، فإذا لمسها بشهوة فإنه ينقض الوضوء، وهذا ما ذهب إليه المصنف، وقال آخرون: إن لمس المرأة ينقض مطلقاً بشهوة أو بغير شهوة، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله.

    والقول الثالث: أن لمس المرأة لا ينقض مطلقاً بشهوة أو بغير شهوة، وهذا هو الصواب، إلا إذا خرج من ذكره شيء فهذا ينتقض وضوءه لخروج هذا الشيء، وأما إذا لم يخرج منه شيء فلا، والدليل على هذا ما ثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه ويخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ).

    ويرى الشافعية أن مس المرأة مطلقاً ينقض الوضوء، وعلى هذا إذا كان يطوف بالبيت الحرام ومس فإنه ينتقض وضوءه، وهذا حرج ومن يستطيع هذا ولاسيما في هذا الزمان مع كثرة الناس والزحام عند أبواب المسجد الحرام وفي الطواف إلا من كان يلبس قفازين، أي: أنه يلزم أن يلبس قفازين حتى لا تمس يده يد المرأة، وهذا فيه حرج ومشقة.

    وأما استدلالهم بالآية: أَوْ لامَسْتُمُ .. [النساء:43] فالصواب أن (لامستم) المراد به الجماع، وكذلك (أو لمستم) هذا كناية عن الجماع؛ لأن الله تعالى ذكر طهارة الحدثين الأصغر والأكبر في الآية، قال سبحانه وتعالى: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [النساء:43]، فهذا الحدث الأصغر، أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، هذا الحدث الأكبر: فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، فالآية ذكر فيها الحدث الأصغر والأكبر.

    ولا فرق عند الشافعية في اللمس بين الصغيرة والكبيرة وذات المحرم وغيرهم؛ لعموم الدليل، وهذا مما يدل على ضعف ما ذهبوا إليه.

    الناقض السادس: الردة عن الإسلام

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والردة عن الإسلام ].

    الناقض السادس: الردة عن الإسلام أعاذنا الله منها، فإذا توضأ ثم تكلم بكلمة الكفر، كأن يكون سب الله أو سب الرسول ثم تاب فإنه يعيد الوضوء من جديد؛ لأن عمله قد حبط، قال الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، والوضوء عمل، وكذلك إن كان صائماً وحصلت منه كلمة الردة، فإنه يبطل صوم ذلك اليوم ويقضيه.

    الناقض السابع: أكل لحوم الإبل

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأكل لحوم الإبل؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: (أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضئوا منها، قيل: أفنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ) ].

    الناقض السابع: أكل لحم الإبل، فهو من نواقض الوضوء؛ لما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم)، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئتم، قيل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم.).

    قال الإمام أحمد : فيه حديثان صحيحان: حديث جابر ، وحديث سمرة .

    وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، واستدلوا بحديث جابر : (كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار)، فقالوا: إن هذا الحديث منسوخ فيشمل لحم الإبل، والصواب أن لحم الإبل مستثنى؛ لأن فيه أدلة خاصة، وقد كان الناس في أول الإسلام يتوضئون من أكل ما مسته النار، فإذا أكل أحدهم طعاماً أو شرب مرقاً، أو شرب قهوة مستها النار فإنه يتوضأ، ثم نسخ هذا الحكم حديث جابر : (كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار).

    وأما لحم الإبل فله أدلة خاصة فيه، فهو ينقض الوضوء حتى لو لم تمسه النار؛ لحديث: (توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم)، كما أنها لا تصح الصلاة في مبارك الإبل وتصح في مرابض الغنم.

    قال بعض أهل العلم: الحكمة في ذلك ما فيها من الشيطنة، حيث إنها خلقت من الجن، والجن خلقوا من النار والنار تطفأ بالماء، وقيل غير ذلك، والله أعلم.

    فالمقصود أن لحم الإبل ينقض الوضوء، وهذا هو الصواب.

    واختلف العلماء هل ينقض الوضوء جميع أجزاء الإبل أم اللحم الأحمر فقط؟

    فقال بعض العلماء وهو المشهور عند الحنابلة أنه لا ينقض إلا اللحم الأحمر، وأما لو أكل عصباً أو أكل كبداً أو عظماً أو لحم الرأس فلا ينقض, والصواب أنه عام؛ لأن الله تعالى لما حرم الخنزير قال: وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ [البقرة:173]، ومعلوم أن الخنزير حرام بجميع أجزائه: شحمه ولحمه.

    وأما إذا شرب المرق فلا ينقض الوضوء, أو شرب لبن, الإبل فلا ينقض الوضوء؛ لأن ذلك لا يسمى لحماً.

    قال المؤلف رحمه الله: [ وأكل لحم الجزور، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له (أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضئوا منها, قيل: أفنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ).

    ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة، فهو على ما تيقن منهما ].

    يعني: يبني على اليقين, فإذا تيقن أنه متوضئ وأنه على طهارة, ولكن شك هل خرج منه ريح أو ما خرج, فإنه يبني على اليقين وهو أنه متوضئ.

    وكذلك بالعكس إذا كان متيقناً أنه أحدث، لكن لما جاء وقت الصلاة شك هل هو عندما أحدث توضأ أو لم يتوضأ؟ فهنا يبني على اليقين أنه محدث، فيتوضأ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087687892

    عدد مرات الحفظ

    773550749