الحمد لله وحده, الحمد لله الكريم المتعال, ذي الجلال والكمال والجمال, والصلاة والسلام على معلم الخير, ما اتصلت أذن بخبر, وما تألقت عين لنظر, وما هتف الورق على الشجر, وما هطل المطر, والصلاة والسلام على محرر القلوب, وباني مجد الشعوب, وقائد القبائل إلى علام الغيوب, والصلاة والسلام على الإنسان العظيم, والزعيم الكريم, والشريف في الشرف الصميم, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
يا رب حمداً ليس غيرك يحمد يا من له كل الخلائق تصمد |
أبواب كل ملوك الأرض قد أوصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصد |
العارفون بنور وجهك آمنوا عافوا بحبك نومهم فتهجدوا |
يا رب! يا من حببنا وحبب الناس إلينا! أسألك أن تجمع بيننا وبينهم في دار الكرامة.
اللهم إنا التقينا من قبائل متعددة, ومن أسر متباينة, ومن شعوب ومن أودية, ما جمعتنا إلا (لا إله إلا الله) ولا أتت بنا إلا (لا إله إلا الله) ولا أجلسنا هنا إلا (لا إله إلا الله).
اللهم إن الناس قد اجتمعوا علىالدنيا, وتآخوا علىالمنافع, وتصاحبوا على المصالح, أما نحن فمصلحتنا دينك, ومنفعتنا حبك, ونسبنا تقواك, يقربنا ما يقرب رسولك منك, ويباعدنا معصيتك يوم نعوذ بك من أن نعصيك, اللهم فاجمع بيننا وبينهم في دار الكرامة.
أما الله فقد باهى بكم هذه الليلة ملائكته, يعرف موقعكم ويعلم مكانكم سبحانه حيث قال: لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18] وقال: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] ويعلم أين اجتمعتم, ولماذا اجتمعتم؟ فيباهي بكم الملائكة يقول: {انظروا لعبادي اجتمعوا على ذكري وحبي. أشهدكم أني غفرت لهم} فغفرانك اللهم ورحمتك يا رب العالمين.
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما |
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما |
لا تقل أصلي وفصلي يا فتى إنما أصل الفتى ما قد حصل |
ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقى الله البطل |
أتى محمد عليه الصلاة والسلام وأبو جهل يقول: أنا من بني مخزوم, أنا سيد قريش وأنا.. وأنا.. لكن لما كفر بلا إله إلا الله؛ أدخله الله على وجهه في النار فما نفعته أسرته.
أما بلال العبد الرقيق المولى الأسود, لما آمن بلا إله إلا الله, وسجد لرب الناس, وأذن في الأرض لمنادي السماء أصبح سيداً من السادات, يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[
وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: {دخلت الجنة البارحة فسمعت دفي نعليك يا
إنها أخوة أعظم من أخوة النسب, وأعظم من قرب الحسب؛ لأنها أخوة تصلهم بالله عز وجل, يقول عز من قائل للمؤمنين: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103].
ويوم تنسى رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام..
ويوم تنسى الحب الذي أنزله الله في كتابه..
ويوم تنسى الجنة والنار والصراط والميزان..
تصبح كأنها قطيع من البهائم في الغابة, أخذوا السيوف, وصفوا الصفوف, وأرادوا أن يقتتلوا, وسمع عليه الصلاة والسلام الخبر, فخرج من بيته وهو يقول: {حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} يقول أهل العلم: "خرج بلا حذاء يجر إزاره" ووصل بين الصفين والسيوف قد سلت, والموت الأحمر يتقاطر من رءوس السيوف, ووقف بين الصفين, وقال: {يا أيها الناس: أما كنتم ضلالاً فهداكم الله بي؟ أما كنتم متفرقين فجمعكم الله بي؟ أما كنتم متحاربين فآخى الله بينكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: ألست فيكم؟ قالوا: بلى, قال: أما نزل الوحي عليّ وأنا بين أظهركم؟ قالوا: بلى, قال: فما هذا؟! فوضعوا السيوف على التراب, وقالوا: نستغفر الله, ثم أقبلوا يتباكون الصفوف بالصفوف وتعانقوا, وأخذ بعضهم يبكي وهو يعانق أخاه} ويقول فيهم الشاعر:
إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها |
فأنزل الله أول الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:100] أي: كيف تقتتلون؟ كيف تتباغضون؟ كيف تتناحرون؟ كيف تتقاطعون؟ كيف تسري فيكم الفتنة؟ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] أليس فيكم القرآن؟ أليست فيكم الرسالة الخالدة؟ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101] وتعتصم بالله وبالتوجه إلى الكتاب والسنة, وأن تخلص قلبك لله, وتطهر قلبك وعينك وسمعك ويدك ورجلك لتكون عبداً لله.
كان عمر يبكي في ظلام الليل وهو ساجد في البيت ويقول: [[اللهم اجعلني عبداً لك وحدك]] قال أهل العلم: "يعني عبداً لله لا عبداً لغيره" لأن بعض الناس عبد لله وعبد لوظيفته ومنصبه وماله؛ لكن المؤمن عبد لله وحده.
يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة, تعس عبد الخميلة, تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} ثم قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
كان سفيان الثوري إذا قرأ هذه الآية بكى حتى تكاد أضلاعه تختلف, قالوا: ما لك؟ قال: "أخشى أن أموت على غير الإسلام" وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] لأن الخاتمة عند الله عز وجل, والخاتمة أمرها خطير, قال ابن القيم: "من شب على شيء؛ شاب عليه, ومن عاش على شيء؛ توفاه الله عليه, ومن أسعد شبابه وأسعد حياته بتقوى الله؛ سلمه الله حتى يلقى الله على لا إله إلا الله".
ثم قال سبحانه بعدها: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ [آل عمران:103] قال مجاهد: "حبل الله الإسلام" وقال غيره: "حبل الله الرسول صلى الله عليه وسلم" وقال الثالث: "حبل الله القرآن" والصحيح أن حبل الله الإسلام والرسول والقرآن, هذا حبل الله الذي أنزله من السماء.
فلما أراد الله أن يحيي هذه الأمة أرسل محمداً عليه الصلاة والسلام, فأخرجهم من الظلمات إلى النور؛ يقول سبحانه ممتناً على الناس: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] فلا إله إلا الله! كم لرسالته علينا من منة! أتى الإنسان وهو لا يعرف كيف يتوضأ, ولا يستنجي, ولا يتطهر, ولا يغتسل من الجنابة, ولا يقلم أظفاره, ولا يأخذ من شاربه, ولا يتطيب ولا يلبس الجميل, فجعله مؤدباً جميلاً محبوباً إلى الله, وقد كان الإنسان يقتل ابنته, ويزني, ويشرب الخمر, ويأكل الربا, فهذبه وحرم عليه هذه الأمور.
أتى الإنسان, وكان كالبهيمة فعلمه أن هناك جنة وناراً وحساباًوميزاناً وصراطاً, وكان الإنسان ظالماً لا يعرف شيئاً, فعلمه آيات الله والحكمة حتى أحيا هذه الأمة.
بعد خمس وعشرين سنة استولى الصحابة على العالم, اثنتان وعشرون دولة يحكمها عمر بن الخطاب وهو في المدينة , وكان عليه ثياب من الصوف مرقعة ممزقة فيها أربع عشرة رقعة, أرسل ملك فارس الهرمزان إلى عمر ليفاوضه, فكان الهرمزان معه وفد يلبس الذهب, كان في هم وغم كيف يقابل عمر , وكيف يستطيع أن يتكلم إلى عمر؟ فلما وصل إلى المدينة قال: أين قصر عمر؟ قالوا: لا قصر له, قال: أين حرسه؟ قالوا: لا حرس له, قال: أين مكانه؟ قالوا: هذا بيته. فأتوا فإذا بيته من طين, فطرق على الباب فخرج ابن لـعمر صغير, قال: أين أبوك؟ أين الخليفة؟ قال: أبي خرج من عندنا, وقد يكون نائماً في المسجد.
كان عمر ينام في الليل والنهار ساعتين, تقول له زوجته: لماذا لا تنام في الليل, تترك النوم في الليل والنهار, قال: [[لو نمت في الليل؛ لضاعت نفسي، ولو نمت في النهار؛ لضاعت رعيتي]].
قال ابنه: التمسوه في المسجد, خرج إلى المسجد فلم يجده, فبحث عنه مع بعض الصحابة فوجدوه نائماً تحت شجرة, أخذ حجراً تحت رأسه, وأخذ بردته الممزقة وعصاه بجانبه, قال: الهرمزان وهو يهتز: هذا عمر قالوا: هذا عمر , قال: هذا الخليفة؟ قالوا: هذا الخليفة, قال: هذا أمير المؤمنين؟ قالوا: هذا أمير المؤمنين, فقال وعمر نائم: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت" يقول حافظ إبراهيم شاعر مصر:
وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها |
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها |
فقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها |
أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها |
رحم الله عمر , ورحم الله أولئك الملأ والأساطين الذين فتحوا الدنيا بالدين, يقول عمر في الإخاء: [[والله إنه ليطول عليَّ الليل إذا تذكرت أخي في الله فأتمنى الصباح فإذا أصبح الصباح، عانقته شوقاً إليه]] وورد في ترجمة عمر: "أنه تذكر معاذاً في الليل, ومعاذ يصلي معه دائماً, فما نام عمر من الشوق حتى صلَّى الفجر حتى قال: أين أخي معاذ؟ قال: أنا عندك, فعانقه وبكى..!".
هؤلاء قوم صفَّى الله قلوبهم بالإخاء, وجعلهم الله عز وجل ورثة الأرض, وليس ببعيد أن نشابههم عندما نعرف الدين, ومتى ما فقهنا كتاب الله, ومتى ما علمنا سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام, يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للرسول عليه الصلاة والسلام: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63] معنى الآية: والله الذي لا إله إلا هو, لو أنفقت الدنيا ذهباًوفضة, ما ألفت بين قلوبهم, ولا آخيت بينهم.
ونحن نرى اليوم أن من يصلح صلحاً على غير الدين, وعلى غير لا إله إلا الله, أن الله يجعل صلحهم دماراً وخراباً, ويجعل اجتماعهم فتنة, ويجعل عزتهم ذلة, ويجعل غناهم فقراً, لأنهم اجتمعوا على غير طاعة الله.
نرى القبائل يوم تتحزب على الشر والباطل والظلم؛ جعلها الله قبائل منكوبة, قبائل مهزومة فاشلة, لأنها تآخت على غير تقوى الله.
قبائل العرب أكثر من ثلاثين قبيلة, لما آخى صلى الله عليه وسلم بينهم أصبحوا أمة واحدة, يقاتلون في صف واحد, ويصلون في صف واحد.
وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني |
فذهب بلال وقال: والله لأرفعنك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام, وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره, وقال: يا رسول الله! تكلمت فقال لي كذا.. وكذا.., فاحمر وجهه عليه الصلاة والسلام, فاستدعى أبا ذر , قال أبو ذر: {والله ما علمت هل رد عليّ السلام أو لا من الغضب, ثم قال: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية قال: يا رسول الله! أعلى كبر سني وشيبتي؟ قال: نعم إنك امرؤ فيك جاهلية} فخرج أبو ذر وقال: لا جرم والله لأنصفن بلالاً من نفسي, وأقبل بلال يمشي في الطريق فوضع أبو ذر رأسه على التراب, وقال: طأ يا بلال رأسي برجلك, لا أرفع رأسي حتى تطأه برجلك, فرجلك أكرم من رأسي -فماذا فعل بلال؟- فبكى بلال! وقال: والله لا أطأ رأسك أنت أخي وحبيبي, فتعانقا والتزما وبكيا.
إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها |
يقول سبحانه عن المؤمنين: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54] أذلة جمع ذليل, أي: أنه ذليل مع إخوانه, وأما مع الكفار فعزيز قوي, لكن الجاهلية عكس هذه الصورة؛ فإنها جعلت من الإنسان أسداً هصوراً على جيرانه وأرحامه وقبيلته, وذليلاً مخادعاً جباناً أمام الكفار والأعداء, فنسأل الله أن يصلح الحال.
ويقول سحبانه في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29].
وفي البخاري: {جاء رجل من الأعراب للرسول عليه الصلاة والسلام, وكان على الرسول صلى الله عليه وسلم بردة نجرانية غليظة الحاشية, فجره الأعرابي من البردة حتى أثر في عنق المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فلما التفت إليه عليه الصلاة والسلام قال الأعرابي البدوي: يا محمد! أعطني من مال الله الذي عندك, لا مال أبيك ولا من مال أمك؟ فتبسم عليه الصلاة والسلام! وأمر له بعطاء فأنزل الله: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]} يقول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتى تحابوا؛ أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم} معنى ذلك: أن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين.
معنى ذلك: أن تتبسم في وجوه الناس, فإن تبسمك في وجه أخيك صدقة, والكلمة الطيبة صدقة, وسوف أذكر إن شاء الله أسباب الحب والألفة في آخر المحاضرة.
يقول سبحانه: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] يقول ابن أبي حاتم: "كان الصحابة إذا اجتمعوا لا يتفرقون حتى يقرءوا هذه السورة".
هذا أعظم نموذج في الحياة, هذا قيام الليل, لكنني أسأل من يتأخر عن صلاة الفجر: ما هو عذره يوم يتأخر عن صلاة الفجر؟ كيف يلقى الله يوم القيامة؟ ماذا يقول لله يوم القيامة؟ إذا قال الله له: أما جعلت بدنك صحيحاً؟ أما أغنيتك؟ أما جعلت لك عينين؟ أما جعلت لك شفتين؟ أما هديتك النجدين؟ أما قومت لك رجلين؟ أما منحتك يدين؟ أما منحتك أذنين؟ أما أسمعتك الله أكبر الله أكبر, الله أكبر الله أكبر؟! أما جعلت لك الليل سباتاً لترتاح فيه؟ والنهار معاشاً لتطلب فيه؟! فما عذرك في ترك صلاة الفجر جماعة؟!
يقول عليه الصلاة والسلام: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله, فالله الله.. لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء, فإن من طلبه أدركه, ومن أدركه كبه على وجهه في النار} يقول أهل العلم في النوم وغيره: "من صلَّى الفجر في جماعة حفظه الله, وإن وقعت عليه فتنة سلمه الله, وأخرجه الله محفوظاً منها, وإن وقع عليه من القضاء والقدر شيء لطف الله به" حتى ميتة الذين لا يصلون الفجر في جماعة تأتي معكوسة منكوسة, حوادثهم في السيارات, لا يموتون كما يموت الناس, يموتون بلا شهادة, يموتون بلا حفظ, يموتون بلا ذكر, لأنهم تركوا صلاة الفجر جماعة.
هذه بمناسبة دخول هذا الرجل على الرسول عليه الصلاة والسلام, فقال عليه الصلاة والسلام: {يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة} فدخل الرجل وصلَّى ركعتين, ومرة ثانية وثالثة يقول عليه الصلاة والسلام: {يدخل عليكم رجل من أهل الجنة} فخرج معه أحد الصحابة وبات عنده, فرأى صلاته كصلاة الناس, وصيامه كصيامهم, وذكره كذكرهم, قال: أسألك بالله! بم استحققت دخول الجنة, فقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام أنك من أهل الجنة؟! قال: لست بكثير صلاة ولا صيام ولا صدقة, ولكن والله ما نمت ليلة من الليالي وفي صدري غل لأحد أو غش على أحد أو حسد لأحد, وهذا هو الإيمان لا غل ولا حسد ولا حقد.
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] خرج عليه الصلاة والسلام إلى الطائف فلما دعاهم إلى التوحيد كذبوه, ثم أرسلوا أطفالهم عليه ورجموه بالحجارة حتى سالت دماؤه, كان يمسح الدم من رجله ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون, فأتاه ملك الجبال فقال: هل تريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ قال: لا. لكني أسأل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً}.
إن الذي يأتي ليفاضل بين القبائل, وليحزب للفتن, وليجهز المحن, إنما هو عدو لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام, إن من يأتي ليفاضل بين الناس بسبب أسرهم, أو بسبب قبائلهم, أو ألوانهم إنما هو رجل متعد على حدود الله منتهك لحرمات الله.
إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد |
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد |
يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم, كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه رأى الكعبة فقال: {ما أعظمكِ! وما أشد حرمتكِ! وما أعظمكِ عند الله! والذي نفسي بيده للمؤمن أشد حرمة منكِ}.
أيها المسلمون الفضلاء.. يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} وهذا معنى: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] كيف تحب لأخيك ما تحب لنفسك؟ قال أهل العلم: "أن تحب له من الخير مثلما تحب لنفسك من الخير" ومن أعظم الخير أن تحب أن يستقيم, وأن يهتدي, وأن يصلي الصلوات الخمس في جماعة, وأن يتفقه في الدين.
قام أعرابي في الحرم عند ابن عباس , وابن عباس يفتي الناس, فقام الأعرابي يسب ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه, فقال له ابن عباس: [[أتسبني وفيَّ ثلاث خصال؟ قال الناس: ما هي يا
كانوا يقولون عن ابن سيرين: كان إذا أقبل على فراشه نفض فراشه ثم قرأ سورة الإخلاص ثلاثاً والمعوذات ثلاثاً ثم قال: "اللهم اغفر لمن شتمني، ولمن ظلمني، ولمن سبني؛ اللهم اغفر لمن فعل ذلك بي من المسلمين".
وعند عبد الرزاق في المصنف: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للصحابة: {من منكم يتصدق مثل
البغضاء التي تفسد ذات البين, البغضاء التي تشتعل في القلوب وتقطع بين الأرحام, قال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].
وبعض الجهلة يغذي هذه البغضاء في قلوب أبنائه, يعلمهم بعداء القبائل, ويذكر لهم تاريخ الجاهلية, وكيف تذابحت القبائل فيما بينها, وماذا فعل بنو فلان ببني فلان.. وما هو موقف تلك القبيلة منا..! ومن أحلافنا..! ومن أصدقاؤنا..! ومن أعداؤنا..! وهذا كله عداء جاهلي وثني فرعوني ليس في الكتاب ولا في السنة, بل حرب للإسلام.
وبعض الجهلة يركب في أذهان أبنائه عداء الأسر والأقارب, يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {لا تحدثوني عن أصحابي - أي: بما قالوه فيّ- دعوني أخرج وأنا سليم الصدر للناس} هذه هي البغضاء يا عباد الله, وهي التي تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب |
أسأت على الله سبحانه لأنك لم ترض لي ما وهب |
فمن حسد مسلماً فقد أساء الأدب مع الله, والحسد في القلب نعرة من نار يأكل الحسنات, ويدمر الصالحات, ويفني القبائل والأسر, ويعدم الإخاء بين الناس, هذا هو الحسد, وهو كثير في الناس يوم يحبون الدنيا.
وحب الدنيا رأس كل خطيئة, يقول سبحانه عن حب الدنيا: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20].
الحياة وصفها بعض الصالحين قال: "حلم مثل النوم", قالوا لنوح عليه السلام وقد عاش ما يقارب الألف سنة: كيف الحياة؟ قال: "رأيتها كبيت له بابان دخلت من هذا وخرجت من ذاك".
الدنيا يصفر مخضرها, وتضمحل زهرتها, ويذوب شبابها, وتبلى ثيابها, الدنيا ما أضحكت إلا أبكت, وما علت إلا أوعلت, وما غلت إلا أوغلت, وما رفعت من رجل له علامات إلا وكلما علامات.
قيل لأحد الصالحين: صف لنا الدنيا؟ قال: "عجوز شمطاء قبيحة التقبيل والشم" وقال آخر: "الدنيا سارقة مارقة حية رقطاء" وقال الإمام أحمد: "عجباً للدنيا بينما نحن مع أبنائنا إذ تفرقنا".
ولذلك يقول المتنبي:
أين الجبابرة الأكاسرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا |
من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى زوى فحواه لحد ضيقُ |
يقولون: إن هارون الرشيد الذي ملك الدنيا, حتى كان يتحدى الغمام في السماء ويقول: "أمطري حيث شئت فإن خراجك سوف يأتيني بإذن الله" لما حضرته الوفاة, قال: "اجمعوا لي الجيش, فجمعوا الجيش والقادة, فخرج على الجيش وقال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من زال ملكه, ثم قال: اللهم إني لست مصلحاً فأعتذر, ولست قوياً فأنتصر, اللهم اقبلني فيمن قبلت".
وكان الوليد بن عبد الملك أحد الخلفاء, يتقلب ظهراً لبطن على التراب وهو يبكي في سكرات الموت ويقول: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29].
حب الدنيا هو الذي قطع بين الأرحام والأحباب والأقارب, حب الدنيا هو الذي جعل الناس يتخلفون عن صلاة الجماعات والندوات, وعن ذكر رب الأرض والسموات, حب الدنيا هو الذي جعل القلوب قاسية, وضيع الوقت في غير طاعة الله عز وجل, وإلا فليس لك من دنياك إلا ما أكلت فأبليت, أو تصدقت فأعطيت, أو لبست فأفنيت.
لباس أو قطعة ثوب ولقمة وشربة وحسنة تفعلها وصدقة تقدمها, هذه هي الدنيا, واعلم علم اليقين أن من أحسن ما تقدمه هو العمل الصالح, وأن كل شيء سوف يزول, إلا ما أبقاه العبد لآخرته.
صلِّ ركعتين في ظلام الليل لظلام القبور, وتصدق بصدقة في شدة جوع لحرارة يوم النشور, وأقم صلبك في جنح الليل ليوم يقوم الناس من القبور.
ومن افتخر بآبائه فهو أولهم في النار, من افتخر بهم وبجهلهم وبما فعلوا فهو أولهم في النار, يقول عليه الصلاة والسلام كما في الأدب المفرد للإمام البخاري: {حتى يكونوا أذل من الجعلان الذي يقلب العذرة بأنفه} الجعلان هذا دويبة يسميها الناس: أبو جعران.
وقد صح عنه أنه قال: {يحشر المتكبرون في صورة الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم}.
وعليك أن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف, كان يقول عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلُّوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام}.
وتحيتنا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, لا يستبدل بغيرها لا أهلاً ولا مرحباً, ولا كيف أصبحت, ولا صباح الخير, تأتي هذه بعد السلام قال تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [الأحزاب:44] يعني سبحانه: يلقونه يوم المزيد -نسأل الله لنا ولكم المزيد يوم المزيد- ويوم المزيد هو يوم الجمعة, يلقى الله الأنبياء والشهداء والصالحين في الجنة, فيجلسهم على منابر من نور, وعلى كثبان من مسك, فإذا تجلى الله لهم, وكشف الحجاب قال لهم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [الأحزاب:44] وإذا سكن العبد الجنة, وأقل مسكن وأصغره وأضعفه في الجنة كالدنيا عشرة مرات:
أقلهم ملكاً كما الدنيا ملك وعشرة أمثالها من دون شك |
لكنما موطن سوط فيها خير من الدنيا وما عليها |
فإذا سكن العبد فتح الله له الأبواب من كل جهة, فدخلت الملائكة يقولون: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24].
والابتسام يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {تبسمك في وجه أخيك صدقة} فعلى المسلم أن يتبسم للمسلمين, وأن يعانقهم إذا أتى من غيبة, وأن يعلم أن مصافحته للمسلم تَحُتُّ الخطايا كما تحات ورق الشجر في شدة الشتاء.
واعلم أنك إذا دعوت للمسلم بظهر الغيب قيض الله ملكاً يقول: ولك مثل ذلك.. ولك مثل ذلك.. ولك مثل ذلك.., دعاؤك للمسلم أعظم من دعائك لنفسك, لأن دعاءك لنفسك قد يكون فيه وفيه.. أما دعاؤك للمسلم فهو علامة الحب والصدق والإيمان والوضوح.
فالله الله.. في الدعاء للمسلمين في ظهر الغيب والمسامحمة والعفو.
هذا الحب في الله, وهذا هو الإخاء, وهي الزيارة في الله عز وجل.
وكان السلف يتزاورون فهذا طاوس بن كيسان أحد التابعين العباد يقولون عنه: "كان يصلي في الحرم صلاة العصر, ثم يستقبل ويجثو على ركبتيه, ويرفع يديه فيبقى يدعو من صلاة العصر إلى صلاة المغرب, قالوا: وسقطت قلنسوته وهو يبكي في الدعاء فما شعر أن قلنسوته سقطت"
ذهب في السحر قبل الفجر يزور أخاً له, فطرق عليه الباب, فوجد أخاه نائماً, فخرج أخوه وقال: ما لك يا طاوس؟ قال: أتيت أزورك, قال: في السحر كنت نائماً, قال: والله ما ظننت أن مسلماً ينام في السحر, قال: كيف؟ قال: لأنَّا روّينا في الحديث -أي: أخبرونا في الحديث أن الله عز وجل {ينزل إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير, فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟} فالزيارة في الله أعظم عُرى الإيمان.
وأما زيارة المريض فحدث ولا حرج, عند مسلم: {من زار مريضاً كان في خرفة الجنة حتى يمسي}.
وفي حديث آخر يروى عنه عليه الصلاة والسلام: {من زار أخاه من مرض شيعه الله بسبعين ألف ملك} وفي الحديث الصحيح: {أن الله يقول للعبد وهو يحاسبه: يا بن آدم! جعت فلم تطعمني, قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما عملت أن عبدي فلان ابن فلان جاع فما أطعمته, أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي, يا بن آدم ظمئت فلم تسقني, قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان ظمئ فلم تسقه, أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي, يا بن آدم مرضت فلم تعدني, قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما إنك لو عدته لوجدت ذلك عندي}.
هذا هو الإخاء, ومن أسبابه ومن أعظم أسبابه: الزيارة والعيادة وتفقد أحوال الأخ المسلم {ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة, والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه}.
أتى رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام والحديث عند مسلم قال: {يا رسول الله إن لي قرابة أحسن إليهم ويسيئون إليّ, وأحلم عنهم ويجهلون عليّ, فماذا أفعل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن كنت كما قلت فلا يزال معك من الله ظهير, وكأنما تسفهم المل} المل: الرماد الحار, ويقول: الله ينصرك ما دمت على ما قلت.
يقول أبو جعفر المنصور لوزرائه وهو يسمر معهم: "ما أحسن أبيات العرب! -يعني: قصائد قالتها العرب- قالوا: ما ندري, قال: أحسن الأبيات قول المقنع الكندي:
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا |
أراهم إلى نصري بطاءً وإن هم دعوني إلى نصر أتيتهم شدا |
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا |
ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا |
وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا |
أما قرابة الرسول عليه الصلاة والسلام فاسمع ماذا فعلوا؟ أخرجوه من داره, في مكة , حاربوه في أكثر من سبع عشرة غزوة, قاتلوه, سبوه, شتموه, ضربوه, كسروا ثنيته, أسالوا دمه, ما تركوا مكيدة في الدنيا إلا دبروها, فلما انتصر عليهم طوقهم بالجيش وهم جلوس في الحرم, فقال: ماذا ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم, قال: غفر الله لكم، فتباكوا.. يقول جابر: [[حتى اختلطت أصوات بكاء الشيوخ بالأطفال وبالنساء, فقام
أتته أخته من الرضاعة وهو في الطائف وهو يوزع الإبل على الناس, فأتته وهو يتظلل من الشمس, وكانت عجوزاً قد نسيها عليه الصلاة والسلام، وكانت رضعت معه في بادية بني سعد قريباً من الطائف وهو طفل صغير , وعمره حين جاءته ما يقارب خسمين سنة, فأتت تشق الصحابة, واستأذنت عليه وهو يوزع الغنائم, فقالوا: يا رسول الله! هنا عجوز تقول: هي أختك من الرضاعة, قال: مرحباً بأختي, وقام من بين الناس فعانقها وبكى وهو يعانقها, وقال: حياكم الله, كيف حالكم؟ كيف أهلكم؟ وأخذ يسألها, ثم أجلسها مكانه, وقام يظللها من الشمس, فقال: أتريدين أن تعيشي معي, أو تعودي إلى أهلك؟ -يعني: هل تريدين البقاء معي, وأبقى أنا الأخ الوصول- فقالت: تريد العودة إلى أهلها, فأخذ مائة ناقة من أحسن الجمال ومن أحسن النوق وأعطاها, وقال: تزوريننا, أو كما قال عليه الصلاة والسلام, ثم أخذ يشيعها حتى اختفت عن العيون فأخذ الصحابة يتباكون من هذا المنظر.
أوصل الناس وأبر الناس وأرحم الناس, نسأل الله أن يوفقنا لاتباع سنته, ويجعلنا على طريقته حتى نلقى الله عز وجل ونحن أخيار بررة.
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب |
هذه القصيدة لشاعر نجد ابن عثيمين شاعر الملك عبد العزيز رحمه الله, يقول هذه القصيدة في العجيري أحد علماء نجد القدامى الأخيار, يقول:
من الذي هرب من الموت؟ من الذي طلبه الموت فما أفناه؟ من الذي أضحكته الحياة فما أتاه الموت فأبكاه؟ من الذي اعتصم بالقصور فما عقره الموت في القبور؟ من الذي سكن الدور فما أخرجه الموت بقاصمة الظهور؟ من الذي لبس الديباج والحرير فأسكنه الموت في تلك الحفرة بين اللحود والصفائح؟! لا أحد, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ [الجمعة:8] لم يقل يلاحقكم؛ لأن الذي تفر منه خلفك, لكن تعبير القرآن يقول: أنتم تفرون من الموت والموت أمامكم فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم [الجمعة:8] أي: كأنه مقبل وأنتم تفرون إليه: ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:8].
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب |
جلس سليمان عليه السلام في قصره, فنزل ملك الموت بجانب سليمان, فقال سليمان لملك الموت: ماذا أتى بك اليوم؟ قال: أمرني الله عز وجل أن أقبض رجلاً من رعيتك بأرض الهند وهو معك هنا في فلسطين , الله عز وجل أمر ملك الموت أن يقبض ذاك الرجل في الهند والرجل في فلسطين في أرض كنعان , فملك الموت مهموم من هذه المهمة:
مضيناها خطىً كتبت علينا ومن كتبت عليه خطىً مشاها |
قال: وبينما ملك الموت جالس, وسليمان بجانبه إذ دخل هذا الرجل على ملك الموت, وهو لا يعرف ملك الموت, قال الرجل لسليمان: يا سليمان يا نبي الله أسألك بالله الذي سخر لك الريح أن تأمرها تنقلني إلى بلاد الهند , فإن لي غرضاً في بلاد الهند , فتبسم سليمان وقال: يا ريح! خذيه إلى بلاد الهند غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ [سبأ:12] فأخذته فلحقه ملك الموت فتوفاه هناك, ذكرها ابن كثير وغيره من العلماء والمفسرين.
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب |
كل ابن أثنى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول |
هذا سفيان الثوري لما بلغ ستين سنة, أخذ كفناً وصنع له نعشاً وعلق النعش, فكان كلما حدثوه في الدنيا ومال الدنيا قال: هذا..! يقول: انظروا لهذا..! وقال سفيان رحمه الله: "حق لمن بلغه الله ستين سنة أن يشتري له كفناً".
وكان أحمد إذا مر بالمقابر انقطع, وجلس مبهوتاً.
وكان عثمان رضي الله عنه وأرضاه إذا رأى المقبرة بكى حتى يغمى عليه؛ لأنه تذكر الموت..!
نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلّ الردى مما نرجيه أقرب |
ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب |
أما القصور والفلل فقد زيناها لكن ليت شعري ماذا فعلت قبورنا؛ اعتنينا عناية هائلة ببيوتنا وأثاثنا وثيابنا ومظاهرنا وسياراتنا لكن ليست هذه هي الحياة, إن الحياة الآخرة هي حياة الآلاف والآباد فماذا فعلنا لها؟! وهل أعددنا الزاد؟! نسأل الله التوفيق لنا ولكم.
قلت لكم مما يورث الإخاء والحب والألفة تذكر الموت والانتظار, فإن من تذكر الموت هان عليه كل شيء.
هذا إبراهيم بن أدهم أحد الصالحين رحمه الله من العباد الكبار, كان ابناً لملك من ملوك خراسان , فلما سمع قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115] قالوا: خلع ثياب الحرير والديباج ولبس الصوف, وخرج إلى جبال لبنان يعبد الله عز وجل.
دخل مرة المدينة فلقيه رجل من الناس, يسأل إبراهيم بن أدهم: أين العمار؟ ودلني على المدينة؟ قال: "العمار هنا والخراب هنا" دله على المقبرة يقول: العمار في المقبرة والخراب في هذه المدينة.
يقولون: إنه رحمه الله دخل السوق فوجد ورقة مكتوباً عليها اسم الله, والناس يطئون الورقة ما علموا, فبكى وأخذ الورقة وقبلها وغسلها وطيبها بدينار, لأن فيها اسم الله, فسمع هاتفاً يقول: يا من رفع اسم الله ليرفعن الله اسمك, فرفع الله اسمه.
مر من طريق فلقيه رجل فظن أنه متهم بقضية فضربه بسوط, فقال الناس للرجل: أتضرب هذا وهو إبراهيم بن أدهم؟! قال إبراهيم: "دعوه, ما زلت رجل سوء منذ خرجت من أصبهان ".
ويقول عنه ابن كثير: "خرج إلى بغداد , فلما دخل المدينة خرجت امرأة برمادة تريد أن تلقيها في المزبلة فيها جمر, فوقع الرماد على رأسه, فقال الناس للمرأة: اتق الله هذا إبراهيم بن أدهم قال: دعوها, فإن الله تعالى توعدني بالنار فإذا صالحني الناس على الرمادة فالصلح خير " يقول: إذا ما كان إلا رماداً فأمره سهل".
هذه في قصته وسيرته، نعوذ بالله وإياكم من النار؛ فإن أجسادنا على النار لا تقوى.
هذا العفو فلا بد أن نعفو, والذي يحاد الناس, ويضايق الناس يضايقه الله عز وجل, يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه, ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به} هذا هديه عليه الصلاة والسلام.
والدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة, يقول ابن كثير وغيره من المؤرخين: كان لـابن الزبير مزرعة في المدينة ولـمعاوية مزرعة بجانب مزرعة ابن الزبير , وكان بين معاوية وبين ابن الزبير شيء، فـمعاوية خليفة ملك, وابن الزبير من الرعية عابد عالم, فدخل عمال معاوية في مزرعة ابن الزبير فغضب وكتب رسالة حارة إلى معاوية , رسالة تقطع القلوب, يقول: "يا بن آكلة الأكباد: إما أن تمنع عمالك من دخول مزرعتي, أو ليكونن لي ولك شأن" فقرأ معاوية الرسالة وإذا هي حارة, من رجل من الرعية وهو ملك, فقال لابنه يزيد: بماذا ترى أن نرد عليه؟ قال يزيد -وكان جاهلاً غشوماً ظلوماً-: أرى يا أبتي أن ترسل له جيشاً أوله في المدينة وآخره عندك حتى يأتوا برأسه, قال: بل أقرب من ذلك صلة وأقرب رحمى, فكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم..
من معاوية بن أبي سفيان إلى ابن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام! يا بن ذات النطاقين! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أمَّا بَعْد:
فوالله الذي لا إله إلا هو لو كانت الدنيا بيني وبينك لهانت عليّ وعليك, فإذا جاءك كتابي هذا فخذ عمالي إلى عمالك ومزرعتي إلى مزرعتك, وهي قليلة في حقك يا بن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام".
فقرأها ابن الزبير فبكى حتى بلها بالدموع, وذهب إلى دمشق فقبل رأس معاوية وقال: "لا أعدمك الله عقلاً, أحلك في قريش وفي هذا المحل".
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134] تتجلى أخوتنا -أيها المسلمون- واقعاً وعملاً يوم نصلي سوياً في المساجد.
ومن أسباب الضغينة: تقرير الحدود الإقليمية: والأصل أن ليس بيننا حدود, الناس شركاء في ثلاثة: في الكلأ والماء والنار, أما جعل الحدود بين القبائل فخطأ؛ نحن حدودنا حدود العالم الإسلامي, كانت حدودنا صفاقس وسيبيريا , وكانت حدودنا طاشقند والسند والهند , لأننا أمة واحدة, ولكن أتى بعض الجهلة فجعل بين الناس والقبائل حدوداً, من أين هذه الحدود وكلنا شركاء في الكلأ والماء والنار؟ رايتنا لا إله إلا الله, مسجدنا واحد, ورسولنا واحد, وربنا واحد, وشريعتنا واحدة, وقلوبنا واحدة, نتجه إلى جنة واحدة إن شاء الله.
ومما يوجد الضغائن: وجود الطبقية في الناس, فلان حر وفلان عبد وفلان كذا..! وكلنا سواسية, قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] والله لا أبيض ولا أحمر ولا أسود, لا فضل والله إلا لمن يتقي الله.
يقول أبو عبيدة رضي الله عنه: [[والله ما رأيت متقياً لله حراً أو عبداً، أبيضَ أو أسود إلا وددت أني في مسلاخه]] وقال ابن مسعود: [[يا ليتني كنت رماداً]] وقالت عائشة: [[يا ليت أمي لم تلدني]] وقال عمر: [[يا ليتني شجرة تعضد]] كان عمر وهو أمير المؤمنين يأخذ المكتل ويلتقط فيه نوى التمر ويحمله للفقراء, كان عمر رضي الله عنه وأرضاه, يأخذ الليف فيفتله ويجعله خطماً لإبل الصدقة, كان رضي الله عنه يطلي إبل الصدقة, كان رضي الله عنه يحلب شاته.
ويقول المؤرخون: خرج أبو بكر إلى عجوز عمياء في المدينة ومعها أطفال, فحلب شاتها, وصنع الإفطار لها, وكنس بيتها وهي لم تعرفه, فقال عمر: [[يا أمة الله! أعرفت هذا الشيخ؟ قالت: ما عرفته, قال: هذا أبو بكر الصديق أتعب من خلفه من الخلفاء]].
هذه هي حياتنا يوم أن نكون أتقياء بررة, نريد الله والدار الآخرة.
أيها الإخوة الكرام.. انطلاقاً من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] اجتمعنا سائلين الله أن يؤلف بين قلوبنا تحت راية لا إله إلا الله, وتحت عدالة ولاة الأمر في بلادنا الحبيبة, الذين نسأل الله لهم صباحاً ومساء التأييد والنصرة والهداية, ونسأل الله عز وجل أن يوفقهم لما فيه صلاح العباد والبلاد, وأن يأخذ بأيديهم لما يحبه ويرضاه, وأن يرزقهم البطانة الصالحة, وأن يهدي قلوبنا إلى طاعته, وأن يبعد عنا كل ما يشوبنا من سوء أو معصية أو فتنة.
الجواب: صورة هذا أن يأتي رجل إلى البنك, أو إلى رجل غني فيأخذ منه قرضاً بفائدة, يقول: أعطني مائة ألف أعيدها بعد سنة مائة وعشرة آلاف, هذا ربا وهو حرام, وما يفعل في البنوك الربوية بهذه الصورة من القرض فهو محرم بالإجماع, وقد نبه عليه هيئة كبار العلماء في بلادنا, وعلماء السلف مجمعون على تحريمه.
فالقرض بفائدة رباً محرم لا يجوز للإنسان أن يفعله أبداً, حتى القرض على منفعة, كأن يقول: أقرضني مائة ألف وأعيد لك مائة ألف على أن أؤجر لك بيتي هذا, وأقرضني مائة ألف على أن أؤجر لك مزرعتي فهذا محرم, كل قرض جر منفعة فهو ربا, لأن طلب القرض أجر من الله, ومن أقرض مسلماً مرتين كأنما يتصدق عليه مرة واحدة.
وصورة أخرى في البنوك: وهي أن يذهب إلى البنك ويقترض مائة ألف فيعطونه تسعين ألفاً ويخصمون عشرة آلالف, فهذا ربا محرم بالاجماع.
الجواب: لأنها مخالفة للعرف, يوجد هذا بين بعض الناس لجهلهم, وفي بعض المناطق والقبائل يتضايقون من الشريعة. هم لا يصرحون لكن في قلوبهم تضايق, قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] وقال سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].
وذلك مثل تحريم الشريعة لاختلاط الرجال الأجانب بالنساء كأخي الزوج؛ لكن أعراف بعض القبائل تقول: لا. لا بأس؛ لأن أخا الزوج من أهل البيت, ويتضايقون من أمر الشريعة.
مثل نهي الشريعة عن الإسراف في الحفلات والولائم؛ ولكن بعض الناس يقولون: لا. هذا من الكرم ومن الخير.
ومثل تحريم الشريعة للعصبية الجاهلية لكن من الناس من يقول: لا. هذه شجاعة, وهذه هي النصرة وحفظ مكانة الجدود, وهذه هي الشهامة والمروءة.
والشريعة تحرم التحزب للظالم, أي: أن التحزب للظالم محرم بالإجماع لكن أهل الجاهلية يقولون: انصر أخاك وينشدون أشعاراً من أشعار الجاهلية:
ما للواحد إلا رفيقه إما باعه وإلا شراه |
أي: سواء أكان ظالماً أو مظلوماً, أي: ولو كان في النار, وبعضهم يقول: أريد أن أدخل مع جماعتي ولو في نار جهنم, نعوذ بالله من الخزي والخذلان, هذا كله محرم.
فلذلك يقول ابن القيم فيهم: "قوم يعارضون أحكام الله بأعرافهم, قوم انسلخت عقولهم من أنوار الشريعة" أو كما قال, أي: ما عندهم في الشريعة شيء ويقولون: سلومنا وأعرافنا وعاداتنا وعادات آبائنا وأجدادنا، وهذه كلها في التراب إذا عارضت الشريعة, ومن تمسك بها ففي رأسه طاغوت, وهو محارب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام.
الجواب: في هذه المسألة صورتان اثنتان:
الصورة الأولى: هل تنتهي النجاسة بالجفاف بريح وشمس؟ قاله الأحناف وعارضهم الجمهور, والصحيح في ذلك: أن النجاسة لا تنتهي حتى يغسل هذا القماش غسلاً ولو أذهبته ريح أو الشمس.
أما ما فعلته فصلاتك صحيحة, وما دام أنك تذكرت فإنك لا تقطع صلاتك ولكنك تخرج المنديل احتياطاً وورعاً وتصلي وصلاتك صحيحة والذي فعلته هو على السنة مستقيم مع الأدلة ليس فيه ما يخالف إن شاء الله.
الجواب: هذا خصيمه الله وليست الجماعة, وإنما أضر نفسه, وخذل إيمانه ويقينه, وجعل بينه وبين النار خندقاً يوصله إليها إن لم يتب, لأن ترك صلاة الجماعة علامة من علامات النفاق الأكبر, وبعض العلماء استحل تحريق بيوت المستطيعين الذين يتركون الجماعة, أخذاً من الحديث الصحيح: {والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} والأعمى استأذن الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصلي في بيته فقال له: {أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فأجب فإني لا أجد لك رخصة} حديث صحيح.
على هذا فإن الوالد ولو طلق -لأن طلاقه ليس طلاقاً للزوجة بل طلاقه من أجل أن يمتنع من المسجد- فيكفر كفارة يمين ويصلي مع الناس, ولا يلزم إذا صلَّى مع الناس أن يدخل بيوتهم؛ لا. بيت الله ليس لأحد من الناس, قال الله سبحانه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18] ومن غضب على المسجد فكأنما غضب على ربه ومولاه, وعلى دينه وعلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام, وهذا مرض النفاق, إذا غضب أحدهم على جاره وعلى قبيلته جعل المسجد العلة والعذر, وهذا خطأ.
الجواب: الأرحام قسمان:
1- رحم يرث.
2- ورحم حقه الصلة والزيارة.
فأنت تنـزل الأرحام منازلها, وأقرب الأرحام إليك أبوك وأمك, ثم بناتك وأولادك, ثم الأقرب فالأقرب العمة والخالة وهكذا.., حتى يصل الرحم إلى من لا يَمُتُّ لك إلا برحم من بعيد, فهذا حق عليك الزيارة والمواساة والمصافاة, لأن هناك رحماً توصل بالإرث, ورحماً توصل بالزيارة, ورحماً بالتعاهد, وفي حديث يروى عنه عليه الصلاة والسلام: {تعلموا من أنسابكم ما تصلوا به أرحامكم}.
كان عليه الصلاة والسلام يسأل عن أرحام أو أقارب خديجة زوجته عليه الصلاة والسلام ويصلهم ويتعاهدهم بالهدية والزيارة صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث: {إن من أبر البر أن تصل ود أبيك بعد أن يولي أبوك} وورد في حديث صحيح أن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه خرج إلى مكة ومعه ناقة وحمار, كان يتروح على الحمار إذا تعب من ركوب الناقة, فمرّ به أعرابي, فنزل ابن عمر من على الحمار وأعطى الأعرابي الحمار والعمامة, فقال الصحابة: يا ابن عمر! كنت ترتاح على هذا فما لك؟
قال: إن أبا هذا كان صديقاً لأبي، وإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه} فوصله ابن عمر , من أجل أبيه عمر رضي الله عنه وأرضاه.
الجواب: الصحيح عند المحدثين أنها بدعة, وأنها لا تقال بعد التلاوة, لأنها لم تثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام, نعم ورد في القرآن: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ [آل عمران:95] لكنها وردت آية ولم ترد في آخر القرآن أو بعد التلاوة, وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} ولم يقلها صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه.
الجواب: نعم له توبة, المشرك إذا أسلم تاب الله عليه, وكذلك السارق وشارب الخمر, ومن كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم أو استهزأ بالقرآن, إذا تاب فالله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] لكن يقول أهل العلم: "يبدل السيئة بالحسنة" مثل ماذا؟ مثل أن يبدل كذباته عن الحديث فيأخذ الأحاديث الصحيحة ويرويها للناس, ويتثبت في قوله, ويكون مع الصادقين دائماً قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
الجواب: هذا يوجد في الجهلة حيث يفتخر أحدهم على القبائل, وأنهم فعلوا وفعلوا وصنعوا, وهذا يُوصى وينصح, ويطلب منه أن يتوب ويستغفر مما فعل, فإنه ليس مفتخراً فقط, بل هذا يذكر ذنوبه ويفضح نفسه, والله عز وجل يغفر للناس إلا المجاهرين, لكن يجوز للناس ولكبار السن أن يذكروا ما حدث في الجاهلية, لا على سبيل الافتخار, ولا على سبيل إثارة الحقد ولا الفتنة, كأن يقول: كان آل فلان يتقاتلون على كذا..!
وذكر الشعر الجاهلي لا بأس به؛ كان عليه الصلاة والسلام يجلس مع الصحابة فيتناشدون أشعار الجاهلية, ويتذاكرون أخبار الجاهلية فيضحكون ويتبسم عليه الصلاة والسلام.
وأما من يتمنى أن يقتل عشرة من بعض القبائل فهذا حسيبه الله, فهذا دليل أنه ما وعى من الإسلام شيئاً, ولا عنده من الإسلام إلا صوراً, يعرف يخفض رأسه ويرفعه بالصلاة, لكن ما دخل الإيمان قلبه, قال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {والذي نفسي بيده، لو تآمر أهل الأرض والسموات -هذا يصححه
الجواب: أولاً: أرض الإرث تورث بالشهادة, ومن شهد على شيء وقد افترى فهو من الكاذبين عند الله, وورد عند ابن عدي في حديث في سنده نظر: {على مثلها فاشهد} والله يقول: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان, قالوا: ولو كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ولو كان قضيباً من أراك} وفي حديث آخر: {من اقتطع قيد شبر من أرض؛ طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين} فلا يجوز للمسلم أن يأخذ شيئاً إلا إرثاً, أما الأرض البيضاء فهي لمن أحياها, إلا إذا كان هناك فتنة, وقد خيف من تدخل القبائل وكثرة الدماء فإن لولي الأمر أن يتصرف بما يراه, وأما إذا لم يكن هناك فتنة فالأرض البيضاء لمن أحياها, يسور عليها سوراً, أو يبني عليها بناء، أو يحفر فيها بئراً، أو يزرع فيها مزرعة, بشرط ألا تكون لأحد من الناس, وليس لأحد عليها يد, هذا هو الصحيح.
ومن يشهد على هذه الصكوك وهو لا يعلم هل هي إرث أم غيرها, فهو من الكذابين عند الله المسودين وجوههم, كما يقول بعض العلماء في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] قال: تسود وجوه شهداء الزور, وقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72] ويقول عليه الصلاة والسلام: {ألا أدلكم على أكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين, وكان متكئاً فجلس, وقال: ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور, وما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت}.
الجواب: هذه والحمد لله خفت وقلت, ولو أنها توجد ولكنها أقل مما كان, وكان في هذه الحفلات أمور من المنكرات منها:
1- أن فيها تضييعاً للأوقات, وأشرف شيء في الحياة الوقت قال الله تعالى: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:112-115].
2- ومنها الإسراف في الذبائح والولائم, والإسراف في إعطاء الشعراء, وهؤلاء الشعراء دجاجلة (جمع دجال) لا يقولون الحق بل يقولون الزور, وهم أتباع للشيطان.
من الشعراء ممن سمعنا -وهذا يقين, وشهد عليه شهود- أنه كان يتغزل بمحارم الناس وهو في وسط القبائل, ومنهم من كان يوشي الفتنة بين القبائل, ويمدح هذه على حساب تلك, ومنهم من كان يفخر بالباطل, ومنهم من كان يأكل أموال الناس بالباطل, يمدح الرجل ويكذب على الله ليأخذ ماله, فهؤلاء لا يجوز إعطاؤهم أجرة ولا أخذهم فإنه حرام إعطاؤهم شيئاً.
3- تقسي القلوب, وتنسي لقاء علام الغيوب, وتضيع ما في الجيوب, وعدد من هذه الذنوب والعيوب.
ما هو البديل؟ البديل ذكر الله عز وجل, البديل الاقتصار في هذه الحفلات على اجتماع الصالحين على برنامج طيب, وهناك برنامج معد من عشر فقرات مقترح من سنة أو أقل, يصلح لكل قرية ولكل قبيلة, ولا يلزم أن تستدعي داعية أو شيخاً أو طالب علم؛ باستطاعتك أن تسلم هذا البرنامج إلى مدرسة ابتدائية أو ثانوية أو متوسطة تسلمه للمدير, وهو يهيئ لك أسرة من أسر المدرسة يقيموا لك هذا البرنامج, هذا البرنامج عشر فقرات تقريباً, منها قراءة آيات خمس دقائق أو ست, أحاديث نبوية يقرأها طالب, نشيد إسلامي يقدمه بعض الطلبة, لعبة حية رياضية أو غيرها, فكاهات, مجلة النادي, قصيدة شعرية, قصة, سيرة صحابي, هذه تقوم بها أي مدرسة, ويعم الخير والنفع.
الجواب: حلق اللحية حرام بالإجماع؛ فهو من علامات الفسق, وما علمت عالماً أجاز حلق اللحى من علماء المسلمين أبداً, بل جعلوه محرماً, وكانوا يعزرون عند السلف في القرون المفضلة -وهي القرن الثاني والثالث, وعند بعض الناس, وأظن هذا ليس من الأحكام الشرعية- فكانوا يعزرون عند بعض الجبابرة من أهل الشمال -السلاجقة- بحلق لحيته, أي: إهانة له.
أما هديه عليه الصلاة والسلام في اللحية فهو إرخاء لحيته عليه الصلاة والسلام, ولذلك لما وفد إليه رسل باذان عامل كسرى وهم حالقو اللحى, قال: {من أمركم بهذا؟ قالوا: ربنا أي: ملكنا, قال: فإن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي} أو كما قال عليه الصلاة والسلام, وقال: {خالفوا المجوس جزوا الشوارب وأرخو اللحى} وفيه أحاديث كثيرة.
بعض الجهات يقولون إن تربية اللحية سنة, لا, هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم نعم لأنه رباها, لكنها واجب وحلقها محرم بالاجماع.
الجواب: عليك أن تسلم عليه سواءً رد أو لم يرد, كلما لقيته فسلم عليه, وعند أحمد في المسند عن أبي أمامة: {أولى المؤمنين بالله من بدأهم بالسلام} وعليك أن تسلم عليه فإذا لم يرد عليك فالملائكة ترد عليك, وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليالٍ, يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام}.
الجواب: لا بأس بها وهي من الحجاب, سواء هي أو غيرها مما يغطي الكفين, لأن الكفين في غير الصلاة من زينة المرأة, إلا وجهها وكفيها في الصلاة لحديث الدارقطني وغيره, فأما المرأة فعليها أن تغطي كفيها بكفوف أو غيرها وهي أقرب للحجاب الشرعي, وهي أتقى لله وأورع وأزكى وأطيب وأحسن.
الجواب: ما أرى فيها بأساً إن شاء الله, وليست من الزينة الملفتة للنظر, لكن لا تكون شيئاً من ذهب أو شيئاً من ألوان مخططة, لا. تكون عامة لونها السواد, لكن مثل هذه الخرز ما أرى فيها بأساً إن شاء الله.
الجواب: هذا موجود في المجتمع, ولعله أن يقل, أي: يوجد بعض الناس -الإقطاعين الرأسماليين- يبقى بالمرصاد في البيت لابنته لا يزوجها من أجل راتبها, فتبقى خادمة موظفة عنده في البيت يحاسبها رأس كل شهر, وهذا حسيبه الله عز وجل, وهذا الرجل في رأسه خور, وهذا يعزر من قبل الأئمة, ويؤخذ على يديه إذا فعل هذا, أو ينصح ويتقي الله عز وجل في ابنته, وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض}.
وعلى الشباب كذلك ألا يتهيبوا من الزواج, فإنه غنىً بإذن الله.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر