إسلام ويب

مجمل أصول أهل السنة - توحيد العبادةللشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله تعالى واحد أحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وهو المستحق وحده لجميع أنواع العبادة، وصرف شيء من العبادة لغير الله تعالى شرك، سواء كان ملكاً مقرباً أو نبيناً أو ولياً صالحاً.

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

    قال المؤلف حفظه الله تعالى:

    (ثالثاً: التوحيد الإرادي الطلبي (توحيد الألوهية):

    أولاً: الله تعالى واحد أحد، لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وهو رب العالمين المستحق وحده لجميع أنواع العبادة).

    أولاً: التوحيد الطلبي هو توحيد العبادة، ويسمى التوحيد الإرادي؛ لأنه يكون بإرادة العباد، وكذلك الله أراده من العباد وطلبه منهم.

    وكذلك يسمى التوحيد الطلبي؛ لأن توحيد العبادة هو التوجه والطلب إلى الله عز وجل بالعبادات من قبل العباد، ولأن الله عز وجل أيضاً طالب العباد به.

    ويسمى توحيد الألوهية؛ لأنه مبني على التعبد والتأله، وهو المحبة والانجذاب إلى الله عز وجل، والانطراح إليه سبحانه، والخضوع له، والتوجه إليه بأنواع العبادة القلبية واللسانية وعبادة الجوارح، فمن هنا سمي: توحيد الإلهية أو الألوهية، وليس بينهما فرق.

    إذاً: هذا النوع من التوحيد هو أفعال العباد التي يتوجهون بها إلى الله، وتبدأ بتوجه القلوب إلى الله عز وجل بمحبة الله ورجائه وخوفه، وما ينتج عن ذلك من التقوى ومن سائر أنواع العبادات التي تبدأ بالدعاء، وتنتهي بجميع أعمال وحركات الإنسان التعبدية.

    قاعدة تفرد الرب بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات

    القاعدة الأولى: هو أن الله عز وجل كما هو مقرر في العقول المستقيمة والفطر السليمة واحد في ذاته وأسمائه وصفاته، متفرد سبحانه بالكمال والعظمة والجلال والجمال، متفرد بجميع الأسماء والصفات التي لا يمكن أن يشركه فيها أحد، فهو واحد بذاته، وواحد بأسمائه، وواحد بأفعاله، وواحد بصفاته، لا يشركه أحد.

    وعلى هذا فهو سبحانه وحده الرب الذي له الربوبية المطلقة، فهو الفعال لما يريد، وكل شيء بيده سبحانه بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ [المؤمنون:88] وبيده مقادير كل شيء سبحانه.

    فهو الرب وحده، وهو المستحق لكل معاني الربوبية، ولا يستحق أحد معه أي معنى من هذه المعاني.

    وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يستحق أحد العبادة سوى الله عز وجل؛ لأنه الكامل وحده، وهو الذي بيده مقاليد كل شيء، ليس بأيدي العباد أي شيء مما يستقلون به.

    فهو كما أنه سبحانه لا شريك له في أسمائه وصفاته وأفعاله وذاته، كذلك لا شريك له في ربوبيته، فهو الرب المتصرف المالك، وهو أيضاً المستحق وحده لجميع أنواع العبادة؛ فهو رب العالمين، وهو معبودهم كذلك، فلا يستحق العبادة إلا الله وحده.

    صرف شيء من العبادات لغير الله

    قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ ثانياً: صرف شيء من أنواع العبادة: كالدعاء، والاستغاثة، والاستعانة، والنذر، والذبح، والتوكل، والخوف، والرجاء، والحب، ونحوها لغير الله تعالى شرك، أياً كان المقصود بذلك: ملكاً مقرباً، أو نبياً مرسلاً، أو عبداً صالحاً، أو غيرهم.. ].

    الشرح: إذا قلنا: إن الله عز وجل هو واحد أحد في أسمائه وصفاته وأفعاله، وهو المستحق وحده للعبادة؛ فإذاً لا يعبد إلا الله، ثم لا يجوز صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، وأنواع العبادة كثيرة، لكن أبرزها: الدعاء، ثم الصلاة والسجود وغير ذلك من الأنواع الظاهرة البينة؛ لأن العبادة أول ما تنشأ من القلب، والعبادة القلبية خفية، ولا نعلم ما بين العبد وبين ربه عز وجل، فتبقى العبادة الظاهرة التي تبدو على الأركان. وعلى أفعال الإنسان في سجوده وركوعه وتوجهه وقبلته وغير ذلك من الحركات التعبدية أو على أقواله، مثل: الدعاء والاستعانة والاستغاثة، أو على أفعال أخرى قد تدخل في هذا وذاك، فالذبح أمر مزدوج، فقد يذبح زاعماً أنه يذبح لله لكنه ينطق بالتسمية لغير الله، وقد يصرف العبادة اللسانية لغير الله، ولا شك أن هذا ناتج عن العبادة القلبية.

    إذاً: التوجه إلى غير الله عز وجل بأي نوع من أنواع العبادة شرك، ولا يمكن أن يخفى على عاقل أنها من الأمور البينة التي يمارسها العباد بأفرادهم، فليست من الأمور الخفية، وأنواع العبادة قد يكون منها ما هو خفي يختلط فيه الأمر الغريزي بالتعبدي، فمثلاً: الصلاة لا تجوز لغير الله وهذا أمر بيِّن، والركوع والسجود -وهو جزء من الصلاة- أحياناً قد يفرد بعض الناس سجوداً لغير الله، ولو لم يكن صلاة كاملة، أو يفرد ركوعاً لغير الله، أو يتجه لغير القبلة، أو يطوف بغير الكعبة؛ وكل هذه عبادات محضة، وكلما صرفت لغير الله فهي شرك محض، وهذا بالنسبة للفعل، أما الفاعل فإنه يحتاج إلى أن نجري عليه شروط وموانع التكفير، سواء حكمنا بشركه أو ببدعته أو بنحو ذلك.

    فأبرز أنواع العبادة: الدعاء والصلاة والسجود، ثم يدخل في ذلك الاستغاثة والاستعانة والذبح والتوكل والخوف والرجاء والحب، وهذه المعاني يوجد منها ما هو طبيعي غريزي فيما بين الخلق في تعاملاتهم، فهذا ليس هو الممنوع، وأمور تنبني على التقديس؛ وهذه هي العبادة، بمعنى أن نقول: الاستعانة بالمخلوقين فيما يقدرون عليه أمر مشروع، كأن تقول لأخيك: ناولني القلم، فهذا نوع من الاستعانة، ولكنها استعانة جائزة ومشروعة ولا يماري فيها إلا جاهل، لكن إذا استعنت بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن تأتي إلى ميت وتقول: أعني على كذا، أو تأتي إلى إنسان حي تريد منه أن يأتي لك بالخوارق التي لا يقدر عليها إلا الله، أو تريد منه أن ينزل لك المطر؛ فتكون بهذا استعنت به فيما لا يقدر عليه إلا الله، فمن هنا وقع الشرك.

    كذلك الاستغاثة والنذر، لكن النذر غالباً لا يكون إلا تعبدياً، ومع ذلك فإن بعض الناس قد يخلط بين النذر والقسم، وبين النذر والحقوق التي يلتزم بها للعباد، فالنذر بمعناه في الاصطلاح العام عند الناس غالباً يكون تعبدياً، فعلى هذا لا يجوز النذر لغير الله.

    أما الذبح فله صور أبرزها صورتان:

    الصورة الأولى: مجرد الذبح مع التسمية لله عز وجل لأكل اللحم أو لإكرام الضيف، لغير قصد التعبد، فهذا من الأمور المباحة.

    الصورة الثانية: أن تذبح تعبداً لغير الله.. وتقديساً لغير الله، فإذا ذبح الإنسان تعبداً لغير الله؛ فمن هنا يقع الشرك، وسواء سمى الله أو لم يسم.

    والكثير من المسلمين بحمد الله في عافية من هذه الأمور، ولا يتصورونها؛ وقد يسأل سائل: هل إذا ذهبت لأذبح عند الجزار أو في البيت، وذبحت دون أن أسمي الله ناسياً، وأحياناً أسمي الله لكن قصدي إكرام هذا الضيف؛ فهل يكون هذا من باب الشرك؟

    والجواب: أن هذا مشروع، لأن الذبح لإكرام الضيف سنة أبينا إبراهيم عليه السلام، وهو سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسنة السلف الصالح، ومن العوائد الكريمة عند الأمم.

    لكن المقصود بالذبح الشركي: هو التقرب والتقديس.. ذبح العبادة، القربة التعبدية لغير الله بالذبح.

    كذلك التوكل هو مثل الاستعانة والاستغاثة، إذا كان يعتمد الإنسان على العباد فيما يقدرون عليه، فهذا أمر جائز، لكن الأولى ألا يسمى توكلاً؛ لأن التوكل هو كمال الاعتماد، ولذلك فإن الصحيح شرعاً أن التوكل لا يكون إلا على الله عز وجل، وأن الاستعانة والاستغاثة من صور التوكل، لكنها تختلف في أنها تتعلق بالطلب من العباد، أما التوكل فهو الاعتماد الكلي، والاعتماد الكلي لا يكون إلا على الله عز وجل، وهو الاعتماد المطلق.

    إذاً: التوكل إن قصد به معناه اللغوي فلا يجوز إلا على الله عز وجل، وإن قصد به الاستعانة والاستغاثة؛ فمنه ما هو ممنوع، ومنه ما هو مشروع.

    وكذلك الخوف والرجاء والحب هذه معان قلبية وعاطفية توجد عند الناس، فمنها ما هو مشروع لا علاقة له بالتعبد، وهو ما بين العباد في علاقاتهم كأن ترجو من إنسان أن ينفعك رجاءً فيما يقدر عليه هو، أو تخاف من إنسان يمكن أن يهددك فيما يقدر عليه هو، أو تخاف من حيوان أو من بعض مظاهر الكون خوفاً غريزياً طبيعياً فيما يحدث من هذه الأمور التي تخاف منها؛ فهذا لا عيب فيه، وهو مشروع إذا لم يتعد الحد المعقول.

    لكن الممنوع والذي يدخل في الشرك: هو حب التقديس، إذا أحببت أحداً من الخلق: نبياً كان أو ولياً أو صالحاً، أو جماداً أو أي مخلوق آخر.. إذا وصلت درجة المحبة إلى التقديس أو التعظيم الذي لا يجوز إلا لله؛ فهذا شرك.

    وكذلك الخوف من إنسان لا يقدر على أن يضر؛ كأن تخاف من الميت أو ترجوه، أو تخاف من مخلوق أن يضرك في أمر لا يقدر عليه إلا الله، أو الخوف الذي يصل إلى حد اعتقاد أن الغائب يمكن أن يضرك في أمر لا يضرك فيه، فإذا وصل الخوف إلى هذه الدرجة فقد يكون شركاً أو كبيرة بحسب درجته.

    إذاً: الخوف والرجاء والحب إذا وصل إلى حد التقديس أو إسناد شيء للمخلوقات فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ فهذا شرك، أما إذا كان دون ذلك فهو غريزي، وقد يكون فيه إثم أحياناً إذا زاد عن الحد المعقول ولم يصل إلى درجة التقديس، وقد يكون مشروعاً وهو الغالب، لأن المحبة الطبيعية والرجاء الطبيعي والخوف الطبيعي؛ كله مشروع.

    وقوله: (أياً كان المقصود بذلك) أي: أن كل هذه الأمور إذا صرفت لغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو فيما لا يجوز إلا لله فهي شرك، سواء كان من صرفت إليه هذه الأمور ملكاً مقرباً، أو نبياً مرسلاً، أو من العباد الصالحين أو غيرهم، حتى وإن كان من أكرم الخلق ما دام مخلوقاً؛ فلا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة له، وإن كان أفضل العالمين وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يصرف الإنسان شيئاً من العبادة له كما قال صلى الله عليه وسلم لأحد الذين علقوا به شيئاً لا يجوز إلا لله، قال: (أجعلتني لله نداً).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087699908

    عدد مرات الحفظ

    773605181