إسلام ويب

الرقية ما لها وما عليهاللشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للرقية الشرعية شروط وضوابط يجب التزامها، وإلا خرجت عن مسارها الصحيح، وكانت نتائجها عكسية، والناظر في أحوال غالب الرقاة يجد التجاوزات غير الشرعية، وما ذلك إلا بسبب عدم التزام الشروط والضوابط الشرعية للرقية، ومع ذلك تجد كثرة الذاهبين إليهم، فيجب الحذر من مثل هؤلاء الرقاة الذين يخالفون الضوابط الشرعية للرقية.

    1.   

    التعريف بالرقية الشرعية

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    وبعد:

    فإن موضوع الرقى وما يدور حولها من تساؤلات، وما يجري من كثير من الرقاة من تجاوزات يحتم على كل من يهمه الأمر، سواء من العلماء وطلاب العلم، أو من المسئولين وأهل الحسبة، أن تتضافر جهودهم في علاج كثير من المشكلات التي تنشأ عن الأخطاء حول الرقية؛ ولذلك سيكون حديثي في ثلاثة أمور:

    أولاً: في أصل الرقية شرعاً.

    ثانياً: الأسباب التي جعلت الكثيرين من مجتمعنا في هذا اليوم يحتاجون إلى الرقية ويلجئون إلى الرقاة، سواء منهم من يرقي على أصول شرعية، أو من يقع في أخطاء، إما لجهل، أو تجاوزات مقصودة وغير مقصودة.

    ثالثاً: الإشارة إلى أهم الأمور التي ينبغي أن تكون في الرقية الشرعية، ولعلي أطيل الحديث عما يحدث من أخطاء وتجاوزات حول الرقية، سواء من بعض الرقاة، أو من الذين يحتاجون إلى الرقية من المرضى وأولياء المرضى.

    أولاً: ينبغي أن نعرف ما هي الرقية، كثير من الناس يخلط بين الأوراد والتحصينات الشرعية وبين الرقى، مع أن بينهما تشابهاً من وجوه واختلافاً من وجوه كثيرة، وكثير من الناس يخلط بين الرقية والتداوي بالأسباب المشروعة وغير المشروعة؛ ولعل سبب ذلك أن بعض الرقاة لا يكتفي بالرقية الشرعية، فيضيف إليها من تخرصاته وأوهامه أو من تجاربه الشخصية، التي هي أشبه غالباً بالشعوذة، حتى صارت عند بعض الناس من لوازم الرقية.

    الرقية المشروعة: يقصد بها طلب الشفاء من الله عز وجل، إما عن طريق القرآن، فهو الشفاء والرحمة، وهو الهدى والنور، أو عن طريق الأدعية المشروعة، سواء منها المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وسلف الأمة، أو غير المأثور إذا لم تكن تشتمل على معان غير مشروعة، أو عبارات أو طلاسم أو أشياء لا يكون لها أصل شرعاً، أو تتنافى مع الشرع، هذا هو الأصل في الرقية، ومع ذلك فإن الناس اليوم أضافوا إلى الرقى أشياء كثيرة، فأدخلوا التمائم وغيرها من الأعمال غير المشروعة ضمن الرقية وكأنها من الرقى، وهذا ما سأركز عليه.

    1.   

    بواعث الرقية وأسباب كثرة استعمالها

    ما هي بواعث الرقية؟

    الرقية المشروعة علاج بإذن الله عز وجل من أمراض القلوب وأمراض الأبدان، أمراض القلوب سواء كانت نفسية أو غيرها كضيق الصدر والقلق والخوف والاضطراب وقسوة القلوب.. وغير ذلك مما يعتري البشر، خاصة إذا كثرت أسباب قسوة القلوب، وأكثر ما يحتاج الناس في الرقية اليوم وفي عصرنا وفي وقتنا هذا في علاج أمراض القلوب الأمراض النفسية، وهي داخلة ضمن أمراض القلوب، وسأذكر شيئاً من أسباب جعل الكثيرين يحتاجون إلى الرقية، لكن الأكثر منهم يباشر الرقية بطرق غير مشروعة، سواء بنفسه أو عن طريق بعض الرقاة الذين يتجاوزون المشروع، إما لجهل أو لتخليط أو لأغراض الله أعلم بها، لا نريد أن ندخل في أعمال القلوب، إنما يهمنا الظواهر مما حدث من أخطاء، ممكن نسميها أخطاء شنيعة مؤثرة في العقيدة، ومؤثرة في سلوكيات الناس، ومؤثرة في معارضة أحكام الشرع.

    أما أمراض الأبدان الأمراض العضوية، فلا شك أن القرآن والأدعية المشروعة سبب بإذن الله عز وجل من أسباب العلاج لكثير من الأمراض العضوية، بل عامة الأمراض التي يتناولها الطب ويعالجها أيضاً ممكن علاجها بالقرآن، لكن الذي لا يمكن علاجه لا بالقرآن ولا بغيره كالموت؛ فالموت ليس له علاج، إلى آخره، الشيء الذي يفوت هذا قدر، لكن ما دام المرض يحتمل أن يعالج فإن الاستشفاء بالرقية على الوجه الشرعي يكون من أسباب علاج المرض بإذن الله، سواء كان نفسياً قلبياً أو عضوياً.

    المتأمل لحال الناس اليوم لو قارن بين ما سبق من حوالي ثلاثين أو عشرين سنة وبين حال الناس اليوم لوجد الأمر مهولاً فعلاً، يعني: اليوم تسارع الناس إلى الانكباب حول الرقاة وحول الأطباء النفسيين، لا شك أن هذا له أسبابه.

    أمراض القلوب

    أعظم الأسباب: أمراض القلوب، وهي سبب للمرض النفسي والاختلال العقلي عند كثير من الناس، وسبب أيضاً لكثير من الأمراض العضوية، فضلاً عن الأمراض القلبية والنفسية.

    وجماع ذلك: الإعراض عن ذكر الله، يقول الله عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124] هذا في الدنيا، والمعيشة الضنك تبدأ من القلق الذي يبدأ في قلب الإنسان ونفسه والأمراض النفسية، ثم ما ينشأ عنه أو عن غيره من بعض الأمراض العضوية كذلك، فهو نوع من المعيشة الضنك، القلق.. الاضطراب.. الوساوس.. وغير ذلك مما هو كثير اليوم.

    كثرة المعاصي والشرور والملاهي

    من الأسباب: كثرة المعاصي والشرور والملاهي، وكذلك بهارج الدنيا، الدنيا تغلف على قلوب الناس، إذا أقبلت قلوبهم على الدنيا فإنها تغلف؛ حتى لا تتأثر بالذكر والأوراد، وتكثر عليها هجمات الشياطين والوساوس والخطرات والخوف والقلق.. وغير ذلك، اليوم ضحكت الدنيا على الناس، الغني والفقير، لم تعد تشغل الأغنياء كما هو المعهود في السابق فقط، بل ألهت جميع الخلق، ضحكت لهم ضحكة الذئب، ولعل كبار السن يعرفون ما هي ضحكة الذئب؟ ضحكة الذئب يضرب بها مثلاً للمخادعة التي ينخدع بها الغر الساذج، الذئب إذا رآه الغر الساذج فاتحاً فاه يظنه يضحك، وهو يريد أن يأكله ويفترسه، والدنيا اليوم فعلاً فغرت فاها للناس، وظن الناس أنها تضحك لهم وهي تقتنصهم، تقتنص دينهم وأخلاقهم وقلوبهم، وتحولهم عن حقيقة العبادة لله عز وجل إلى عبادة الدنيا والشهوات والشبهات كما هو حاصل، وهذا لا بد أن ينعكس على قلوب الناس وعقولهم وأنفسهم وأبدانهم.

    ولذلك عرفنا من خلال المختصين بالمستشفيات أنه عندما تحصل أي هزة ببعض أنواع التجارة أو في الأسهم تكثر أحوال الطوارئ والإسعافات، نسأل الله السلامة والعافية، الدنيا كلها ما تساوي صحة مؤمن وحفاظه على صحته، فضلاً عن دينه وأخلاقه.

    وليست هذه الظاهرة ظاهرة خفيفة أو جزئية، بل في كل مكان في بلادنا إذا حصلت أي هزة اقتصادية خاصة في الأسهم أعلنت إسعافات الطوارئ، أكتفي بهذا المثال؛ لأن أمامي أموراً كثيرة أحب أن أنبه عليها.

    كذلك الملهيات، وهي جزء من ضحكة الدنيا للناس، الملهيات والبهارج.

    كذلك الوسائل التي الآن أشغلت الناس، رغم أنها نعمة من الله عز وجل؛ لكن نظراً لأنها لم تشكر واستخدمت على غير وجه شرعي في الغالب أصبحت مدمرة لدين الناس ودنياهم، أصبحت هذه الوسائل بشتى أنواعها مشغلة مهلكة للأعصاب موترة للنفوس.

    فمثلاً: كم أحدث علينا الجوال الآن من المشكلات، نعم هو نعمة ويخدمنا، لكن صرنا أسرى الجوال، خدمناه أكثر مما يخدمنا، كنا قبل عشرين سنة ما نحتاج إلى الجوال أبداً، ولا نفكر أن نحتاج إليه، الآن لا يستغني عن الجوال إلا النادر، هذا مثال، كم يأخذ من عقلك ومشاعرك وقلبك وحسك؟ كم يأخذ من وقتك؟ يلهيك عن ذكر الله وشكره، كم بسبب هذا الجوال تنسى الواجبات والضروريات؟ كم تسيء الأدب وأنت لا تشعر؟ هذا كله أثره على القلب وعلى النفس بالغ.

    وأيضاً من الأشياء التي تدل على قسوة القلوب واستحواذ الوسائل علينا: أن الجنائز هي أكبر فرصة لموعظة القلوب وترقيقها، وأكبر فرصة لتذكر الموت، وأكبر فرصة لأن يراجع الإنسان نفسه، لكن الآن عندما نتبع الجنازة نذهب إلى المقبرة وتجد مع الناس الجوالات وكأنك في سوق حراج، ضحكات، وبيع وشراء، وتبادل نكات، وأشياء لائقة وأشياء غير لائقة، ألا يؤثر هذا على القلوب، ويجعل الناس يركضون وراء الرقاة ووراء المشعوذين والدجالين يبحثون عن الصحة والعافية؟ هؤلاء ما عرفوا طريق الصحة والعافية.

    كذلك الوسائل الأخرى، خذوا حمار الدجال (الشبكة العنكبوتية) وتسمى (الإنترنت)، والفضائيات.

    والوسائل الأخرى التي أشغلت الناس وأقلقتهم وجعلتهم يعيشون أسرى للمادة، أسرى لهذه القضايا التي جعلت الإنسان يسمع ما يهز شعوره ووجدانه، في كل لحظة من الأحداث الجسام والفتن وكثرة المزعجات والمثيرات.

    تنافر القلوب

    أضف إلى هذا تنافر القلوب، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا نتيجة قسوة القلوب.

    والتنافر بين الناس اليوم، حتى إنه أصبح سوء الظن، والاحتياط بين الناس، وكلام الناس بعضهم في بعض يكاد يكون هو الأصل، وهذا له أثره على السلوكيات، وعلى إيمان الناس؛ لأن الإنسان إذا كان في قلبه شيء على مؤمن، فإنه غالباً يحرم من كثير من الخير، وإذا سلم قلبه من هذه المؤثرات قبل الخير وبقي على الفطرة والاستقامة، وشعر بالهناء والسعادة.

    الصحة والفراغ

    من الأسباب: الصحة والفراغ عند الكثيرين، هناك طائفة من المجتمع عندهم مع الصحة فراغ، فإذا ما أشغل وقته بما لا ينفعه في دينه ودنياه، فلا بد أن تهجم عليه الهواجس والخواطر والأوهام والشياطين والجن، ثم لا ننسى ما نتج عن ذلك كله من قلة الورع والخشوع.

    عدم الاهتمام بصيانة القلوب وتفقدها

    القلوب كالآلات وكغيرها ما تمشي بلا صيانة، وما تمشي بلا وقود، أكثر الناس اليوم غفلوا عن صيانة القلوب ووقودها بذكر الله وشكره وتلاوة القرآن وأعمال الصالحات إلا القليل، فأكثر الناس لا يعطي قلبه وجسمه من العبادات والذكر وأسباب الهناء والسعادة، حتى في العبادة نجد أن قلوب الأغلب مع الدنيا، والدليل على هذا الصلاة، والصلاة أكبر مقياس لصلاح القلوب؛ لأن كثيراً من الأمور بين العباد وبين ربهم لا نعلمها، ولا نستطيع أن نتتبع سلوكيات الناس حتى الظاهرة، لكن الصلاة علانية، فكم نسبة الذين يصلون والذين لا يصلون؟ وكم نسبة الذين يدركون الركعة الأولى؟ في أغلب المساجد الأغلبية تقضي بعد سلام الإمام، هذا دليل على أن الناس لا تعطي العبادات إلا مساحة قليلة من الوقت بالدقيقة والثانية، ولو أن الإمام تقدم دقيقة صاحوا عليه؛ لأنهم ما يعطون العبادة إلا جزءاً يسيراً جداً محدوداً بالدقائق، هذا أيضاً فارق كبير، يعني: قبل ثلاثين أو عشرين سنة كنا نعهد أنه في أغلب المساجد بعد الأذان مباشرة إذا كان المسجد مثلاً يتكون من أربعة صفوف أو خمسة تجد الصف الأول مكتملاً، كذلك يوم الجمعة إذا كان المسجد فيه عشرة صفوف تجد ثلاثة صفوف مكتملة الساعة التاسعة صباحاً، الآن تعال الساعة الحادية عشرة وانظر من في المسجد ستجد أربعة، خمسة، عشرة، عشرين، وإذا أحسنا الظن صفاً، لا شك أن هذا سينعكس على القلوب والنفوس.

    قلة التحصن بالأوراد الشرعية

    من الأسباب: قلة التحصن بالأوراد الشرعية، أكثر الناس حتى لو قرأ الورد أو صلى أو تحصن بالأدعية تجد أنه يدعو وقلبه لاه؛ ولذلك كثير من الناس يقول: أنا والله اليوم صليت الفجر، والله عز وجل تكفل بحفظ من صلى الفجر في جماعة إلى أن يمسي، أنا اليوم قرأت الأوراد، وأنا أعرف أن الورد -خاصة قراءة المعوذتين- من أسباب حفظ الإنسان، لكني أجد أنه حصل لي كذا وعندي غفلة وعندي قسوة قلب، نقول: لأنك دعوت وقلبك ليس مع ربك، الإنسان ينبغي أن يستحضر في جميع أمور دينه معنى الإحسان الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأصل الثالث من أصول الإسلام، وهو المرتبة الثالثة من مراتب الدين بعد الإيمان والإسلام، والإحسان: هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

    والإنسان إذا فقد هذه الخاصية لا يستفيد من دعائه ولا من ورده، يصبح دعاء أجوف، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل الله دعاء من قلب لاه أو قلب ساه.

    ثم أيضاً: قلة التعلق بالأسباب الشرعية التي تحفظ الإنسان، تحفظه من أن يلجأ إلى الرقية أو غير الرقية.

    كثرة الشبهات والشهوات

    من الأسباب: كثرة الشبهات والشهوات التي وردت على الناس، وأكثر ما ذكرته يدخل في هذين الأمرين.

    هذا كله جعل الملائكة تبتعد والشياطين تسيطر على كثير من أحوال الناس اليوم، حتى نكاد ننفر الملائكة من المساجد.

    فمثلاً: لو قيل لكم قبل عشرين سنة أو قبل خمسة عشرة سنة: سيأتي يوم من الأيام تسمعون المزامير والأجراس والموسيقى والطرب في المساجد، أي واحد منكم سيقول: أعوذ بالله، أسأل الله ألا يلحقني ذلك الوقت، فها نحن اليوم كم نسمع من الجوالات الآن على الأنغام، كلها أعوذ بالله تجلب الشياطين وتطرد الملائكة من المساجد فضلاً عن البيوت.

    هذه الظاهرة في مثل هذا المسجد ومساجد المدن الكبيرة نوعاً ما خفيفة، لكن أنا كثيراً ما أزور بعض الأرياف والمدن الصغيرة، ففي بعض المساجد لا يفتر الجوال من أول الصلاة إلى أن ننتهي، ولو أقسمت على ذلك ما أظني أكون مبالغاً؛ لأنه أمر شهدته.

    قبل ثلاثة أسابيع كنت في إحدى المدن الصغيرة القريبة من الرياض، فمنذ أن صف الإمام لصلاة المغرب إلى أن انتهى من الصلاة وكذلك صلاة العشاء ما فتر الجوال من أنواع الموسيقى والأجراس والأنغام.

    إذاً: لماذا نستغرب كثرة الأمراض النفسية، والأحوال التي تلجئ الناس إلى البحث عن كل ما يمكن أن يتشبثوا به لعلاج ما يجدونه؟ هذه أسباب معلومة.

    فهذه الأمور تستدعي بعد كثير من الناس عن مواطن الخير، وأن تستحوذ عليها الشياطين ومردة الجن، بل وحتى صالح الجن الذين فيهم شيء من الفسق عندهم نوع من العبث ببني آدم؛ لأن طبيعة الجني أضعف من الإنسي، فإذا وجد على الإنسي منفذاً فإنه يعبث به.

    1.   

    دور الخادمات والخدم في انتشار السحر والأمراض في الأسر

    لا أنسى مسألة مهمة أرى أنها سبب كبير في وجود كثير مما يعتري الناس من السحر والأمراض التي تنشأ عن أسباب كيدية، وهي: كثرة العمالة بيننا، خاصة الخادمات في البيوت، وهذه ليست مجرد ظاهرة، بل أصبحت حقيقة غالبة في أن الكثيرات من الخادمات بل وحتى الخدم الرجال يكيدون للعائلات وللأفراد ولكفلائهم مكائد منوعة، الآن أصبحت مصدر إزعاج لكثيرين، خاصة في شيوع السحر، والعطف والصرف، شيء مذهل، وبإمكان أي واحد منكم أن يسأل المختصين من رجال الأمن، أو المختصين من رجال الهيئات، رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بعض المشايخ الذين لهم اهتمام بهذه الأمور، تجد أن الأمر مذهل.

    وهذه الأمور تحتاج إلى إحصاءات، وليت طلاب العلم يهتمون بهذه الأمور والقيام بإحصاءات، وليتنا نقنع الكثيرين من أرباب البيوت وربات البيوت بإمكان الاستغناء عن الخدم قدر الإمكان، وهذا أمره وإن كان يتعسر على كثير من الناس، لكن مع ذلك: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2].

    استقدام الخدم والعمال والإكثار من ذلك إلى حد الترف أوجد الكثير من الوسائل غير المشروعة، التي يكيد بها هؤلاء على من حولهم.

    هذه الأمور استوجبت وجود كثير من أمراض القلوب والنفوس والعقول والأبدان، وعلى هذا فإن إقبال الناس على الرقية لا يعتبر غريباً، بل هو مشروع؛ لأن الرقية الشرعية بشروطها مشروعة ومباحة، ولا يجوز لأحد أن يضيق على الناس في ذلك، لكن بشرط ألا يكون فيها شرك، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.

    1.   

    شروط الرقية الشرعية

    من أهم شروط الرقية المشروعة:

    الشرط الأول: أن تكون بالطرق المشروعة: بالقرآن، وأدعية النبي صلى الله عليه وسلم، وأدعية السلف الصالح.. ونحوها من الأدعية التي لا يكون فيها غموض ولا شركيات ولا عبارات غير واضحة، ولا يكون فيها عدوان ولا ظلم.. إلى آخره، الأدعية التي ليس فيها مخالفة شرعية كلها جائزة، حتى ولو لم ترد في الكتاب والسنة. هذا الشرط الأول.

    الشرط الثاني: أن يتعلق المرقي والراقي بالله عز وجل، وليعلما أن الرقية سبب وليست بذاتها التي تشفي، فالشافي هو الله عز وجل، وأن الله هو الذي جعل الرقية سبباً، وجعل القرآن شفاء، وجعل الدعاء مشروعاً لدفع الكرب وشفاء الأمراض، هذا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، فليتعلق القلب بالله، وأنه سبحانه هو الشافي، وهو الذي جعل هذه أسباباً.

    الشرط الثالث: اليقين والتفاؤل، كثير من الناس ما عنده ثقة بأن كلام الله شفاء، ما عنده ثقة بأن الدعاء المشروع شفاء، يعني قد يلجأ للرقية لكن عنده شك، عنده نوع من ضعف اليقين، وهذا يؤثر في سرعة الشفاء وفي الاستفادة غالباً.

    الشرط الرابع: ألا تصاحب الرقية طرق غير مشروعة، وسأذكر نماذج منها، إلى الآن أصبحت ظواهر لا تحصى، ما يصاحب الرقية من عوارض وأشياء غير مشروعة كثيرة جداً، كل يوم نسمع بالمزعجات والمضحكات والمبكيات من بعض الرقاة والجهلة الذين يتمادون في التساهل في شروط الرقية، حتى بعض الصالحين يحدث منهم عن غفلة أشياء كثيرة من هذه التجاوزات التي تؤثر في شرعية الرقية.

    الشرط الخامس: الفقه بأحكام الرقية، يجب على الراقي والمرقي أن يعرفا الأحكام الضرورية، ويجب على الراقي بالذات أن يعرف مشروعية كل ما يعمله من وسائل الرقية التي يجريها ويجربها على المريض.

    وأحب أن أنبه على ظاهرة وهي: أن كثيراً من الرقاة لا يراجعون العلماء، وهذه ظاهرة مريبة ومؤسفة، نعم يوجد فضلاء من الرقاة نعرف منهم من يراجعون المشايخ في كل ما يستجد لهم من قضايا مع المرضى، فهم يراجعون العلماء، لكنهم قلة حسب استقرائي الناقص، أغلب الرقاة لا يراجعون المشايخ، ولا يراجعون الراسخين في العلم، ولا أهل التجارب، فتستدرجهم أحوال المرضى وتستدرجهم الجن والشياطين إلى أمور هي من الشعوذة، ويظنون أنها مشروعة، وسأذكر نماذج منها.

    يحسن أن يكون الراقي والمرقي على طهارة، وأن تكون الرقية في مكان مناسب، فكلما كان المكان أنسب فهو أولى، كأن يكون في المسجد، أو في مكان طاهر، أو مكان لائق بعيداً عن الصور والأشياء التي تمنع وجود الملائكة، أو التي تجلب الشياطين، فكلما كان المكان أنسب فهو أقرب لتأثير الرقية.

    كذلك الوقت المناسب، كلما كان اختيار الوقت الذي يكون فيه إجابة الدعاء فهو أفضل، لكن ليس هذا من الشروط.

    أيضاً مما يغفل عنه كثير من الذين يرقون الناس عدم النصيحة، أغلبهم كالآلة مجرد أن يقف أمامه المريض ينفخ وينفث عليه ويمشي، نعم هذه رقية، وإن شاء الله إذا توافرت فيها الشروط تنفع، لكن هناك أمر مهم جداً غالباً يهيئ بإذن الله المريض لقبول الرقية واستعداده لأن يشفى بسرعة، وأيضاً يهيئ الرقية، لأن تكون أقرب للفائدة والشفاء، وهو أن ينصح الراقي المريض بما يرقق قلبه وبما يعلقه بالله عز وجل، وأن يبين له أن الرقية سبب، وأيضاً يبعث فيه روح التفاؤل، وأن الشفاء بيد الله، وأن الله عز وجل يجيب المضطر إذا دعاه، وأن الله وعد بإجابة الدعاء، وأنك إن شاء الله نرجو لك الشفاء العاجل، كلام يجمع بين التفاؤل والنصيحة في نفس الوقت.

    إذا كان المرقي لم يتمكن من الطهارة فلا مانع في حالات المرض المفاجئ أو المعضل أن يقرأ الراقي عليه حتى ولو لم يكن طاهراً، فمثلاً: الحائض والنفساء يقرأ عليهما على هذه الحال، أيضاً الجنب لو كان يشق عليه أن يتطهر ويغتسل فليتيمم، فإذا كان يشق عليه التيمم فلا مانع أن يقرأ عليه، لكن الأولى إذا أمكن أن يقرأ عليه وهو طاهر.

    1.   

    بيان ممن تكون الرقية وبم تكون

    عامة الناس اليوم يفهمون أن الرقية لا تكون إلا من الغير، مجرد ما يطرأ لهم أي طارئ ويصاب عندهم شخص يفزعون إلى الشيخ يتصلون به يقولون: نريد أرقام الرقاة، فيقول لهم: هل قرأتم عليه أنتم؟ قالوا: لا، نحن ما نقرأ، وهل تنفع قراءتنا؟ الكثيرون ممن يتصلون هذا حالهم، لا يعرفون أن الرقية لا بد أن تكون أولاً من المريض نفسه إذا أمكن، فالأولى والواجب عليه أن يرقي نفسه، ثم يرقيه من حوله من أهل بيته الصغار والكبار، حتى لو كانوا واقعين في بعض المعاصي، ما يضر هذا إذا كانت قلوبهم صافية ويقرءون بإقبال على الله عز وجل، فالله يجيب دعاء المضطر، بل دعاء المضطر وإن كان كافراً يجاب، فكيف بالمسلم وإن ارتكب بعض الآثام والمعاصي فقد تؤثر رقيته على المريض، لكن المهم أن يقبل على ربه، وأن يقرأ وهو مطمئن القلب مطمئن بوعد الله.

    فإذاً: المريض يقرأ على نفسه إن أمكن أو يقرأ عليه من حوله، هذا هو الواجب، أما إنهم كلما صارت لهم حاجة إلى رقية ذهبوا يركضون يبحثون عن رقاة، هذا غير صحيح، وهذا مما أوقع أكثر الرقاة في فتنة، صار لهم جماهير ففتنوا بذلك، كل المسلمين يقرءون القرآن.

    كذلك ليست هناك آيات محددة للرقية، بعض الناس يقول: أنا لا أعرف آيات الرقية، نقول: اقرأ ما تقرأ به في صلاتك، والقرآن كله شفاء، وإن كان من أسباب سرعة الشفاء أن تقرأ الآيات المناسبة لكل مرض، لكن هناك آيات مناسبة لجميع الأمراض، الفاتحة وهي رقية مناسبة لجميع الأمراض، كل مسلم يقرأ الفاتحة، آية الكرسي، (قل هو الله أحد) والمعوذتان، هذه كلها رقى، وأغلب المسلمين يعرفون هذه السور، أما الفاتحة فأحسب أن كل مسلم يقرأ الفاتحة، وهي أول ما عرف أنها رقية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال للذي قرأها: (وما أدراك أنها رقية؟)، أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.

    1.   

    عدم تنافي الرقية الشرعية مع طلب العلاج عند الأطباء

    الرقية لا تتنافى مع بذل الأسباب الأخرى، لا تتنافى مع مراجعة الأطباء، بل الرقية لا تتنافى مع طلب العلاج عند الطبيب النفسي، بل هذا خير على خير، سبب معنوي وسبب مادي، بعض الناس يظن أنه إذا ذهب للراقي يقطع الدواء، ولا يعالج في عيادة نفسية، وهذا وهم ولا أصل له، لا شرعاً ولا عرفاً، ولا أيضاً عند المجربين الذين يأخذون بالقواعد الشرعية.

    لكني أسمع من بعض المختصين بالرقية كلام في الحقيقة هو محل نظر، يقولون: إن بعض الأدوية النفسية تخفف أثر الرقية على المريض، بل بعضهم يدعي أنه أحياناً ينعكس أثر الرقية على المريض إذا كان يمارس علاجاً نفسياً، هذا نادر، والنادر لا حكم له، وإن قال به ثقات، حدثني بعض المجربين من طلاب العلم الذين يرقون، لكن ومع ذلك لا أسلم لهم بأن هذه قاعدة عامة، بل يجب أن نبعدها من أن تكون قاعدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تداووا عباد الله)، فلا يمكن أن العلاج بالقرآن والأدعية يتنافى مع العلاجات الطبيعية، والله عز وجل شرع هذا وشرع هذا، وهذه ربما من عبث الجن والشياطين بالناس؛ لأن بعض الذين يعالجون يقول: كأن الجني يقول: أبعدوا عني هذا الدواء، المريض هذا يأخذ علاجاً نفسياً أرهقني وآذاني، نقول: آذاك؛ لأنك آذيت المسلم، ولماذا تجعلون هذا السبب في حرمان الناس من الأدوية؟

    كثير من الأمراض علاجها عند الطب النفسي مع الرقية، كثير من الأمراض التي أصابت الناس اليوم -وهي كثيرة- هي الأمراض النفسية، وعلاجها بإذن الله عند العيادات النفسية مع الرقية بالقرآن.

    كذلك بعض الناس وهذه الحقيقة في مجتمعنا ليس لها أصل شرعي ولا واقعي ولا علمي، بعضهم يرون أن مراجعات العيادات النفسية عيب وأمر يستحى منه، ما أدري من أين جاء هذا الشعور؟! حتى إن بعضهم يعتقد أنه ما يذهب للأطباء النفسيين إلا المجانين، هذا أمر غريب، الطب النفسي اليوم رحمة لكثير من العباد، ولا يتنافى مع الإيمان ولا مع العبادة ولا مع الصلاح ولا مع التوكل على الله، ولا يتنافى مع الرقية، هذا هو الأصل، لا يمكن أن يتنافى سببان شرعيان أبداً، والله عز وجل شرع هذا وشرع هذا.

    1.   

    ذكر الأحكام العامة المتعلقة بالرقية

    هناك أحكام عامة في الرقية أسردها سريعاً:

    أولاً: لا شك أن الرقية لها أصل شرعي، وهي سبب بإذن الله من الأسباب الكبرى، بل هي أعظم سبب للشفاء بإذن الله.

    ثانياً: أن الرقية تكون بكل الأدعية المشروعة التي لا تتنافى مع الشرع، وأصل الرقية الفاتحة، ثم آيات معينة وسور معينة ورد فيها فضل، وأنها سبب لدفع الشر، مثل: آية الكرسي ومثل: المعوذتين، ومع ذلك القرآن كله شفاء، لكن مع قراءة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذتين من المناسب لمن يرقي نفسه أو يرقي غيره أن يقرأ الآيات التي تتناسب مع المرض، إذا كان يظهر أن المرض سحر وظهرت يظهر علامات وقرائن لا مانع أن يقرأ آيات السحر.

    وإذا كان يظهر أن المرض عين يقرأ الآيات التي تتعلق بالحسد.. وهكذا، بل إن هذا ربما يكون من أسباب قوة تأثير الرقية بإذن الله، لكن أن يدعي أحد أنه لا بد أن تلتزم آيات معينة هذا غير صحيح، ليس بلازم لكنه الأفضل، الأفضل لزوم الآيات المناسبة إذا كان القارئ يفقه هذه الأمور.

    ثالثاً: أن الرقية تحصين للإنسان الذي لم يكن عنده مرض، أو عنده مبادئ مرض، أو يخشى أن يكون عنده مرض في أعراض ليست مؤكدة، فلا مانع أن تكون الرقية للتحصين، وكذلك للاستشفاء.

    رابعاً: من الأشياء المشروعة التي لا بأس بها أن يمسح الراقي، سواء كان يرقي نفسه أو يرقي غيره أن يمسح على موضع الألم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، كما ورد في البخاري ومسلم وغيرهما.

    خامساً: لا مانع من النفث، بل النفث مشروع، لكن إذا لم ينفث فإن الرقية بإذن الله تنفع، ليس النفث شرط.

    والنفث: هو أن ينفخ على موضع المرض إذا ما كان يؤذي المرقي، إذا كان مثلاً المرض في وجه الإنسان لا يليق أن تنفث في وجهه، لكن تنفث حول الوجه، وأن تنفث في الماء، تنفث في شيء سائل ثم يشربه، أو يغسل به المريض، كل هذا مشروع وورد فيه أدلة.

    سادساً: لا مانع من تشخيص المرض بالعلامات الظاهرة من غير جزم، عند من له خبرة من الرقاة، لكن بشرط ألا يجزم.

    فكثير من الرقاة مع كثرة الرقية يعرف مظاهر لأمراض معينة، قد يفرق بين مظاهر السحر ومظاهر العين بالتجربة، لكن بعض أنواع التجربة تكون من عبث الشياطين والجن، بل اليوم أدعي أن أكثر تجارب الرقاة الذين تجاوزوا المشروع، أكثرها من عبث الشياطين والجن وهم لا يشعرون، لكن مع ذلك أيضاً لا نسد الباب، إذا كانت العلامة ظاهرة تدل عليها قرائن كثيرة بالتجربة فإنه لا مانع أن يغلب الراقي الظن ولا يجزم، المشكلة أن يجزم بأن هذا عين أو سحر.. أو نحو ذلك.

    سابعاً: يجوز أخذ الأجرة على الرقية، لكن لا تنبغي المشارطة؛ لأنها تعلق قلب الراقي وعلاقته بالمريض بالمشارطة والمال والحقوق المتبادلة، نعم ما ورد في قصة اللديغ حيث شارطهم الصحابي على أن يدفعوا له مكافأة وهي كما تعرفون، لكن هذه لم يعمل بها أحد من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ولا عملها السلف الصالح، فهذه خصوصية؛ لأن هذا الصحابي الذي اشترط هو وأصحابه؛ لأنهم محتاجون ضرورة للأكل، ولأنهم استضافوا هذه القبيلة ولم يضيفوهم، فكانوا بحاجة ماسة إلى الطعام، فهذا الصحابي اشترط ليسد حاجة إخوانه ما هو شرط شخصي، أما الشرط الشخصي فلا ينبغي، وأرى أنه يؤثر في أثر الرقية، وفي تقديري أنه لا يجوز، وهو رأي كثير من أهل العلم، بل رأي جمهور العلماء أنه لا يجوز المشارطة.

    1.   

    تجاوزات وأخطاء من كثير من الرقاة

    جعل الرقية مهنة

    أولاً: أكثر الرقاة فيما أعلم يقعون في أخطاء، أول هذه الأخطاء: كون الإنسان يجعل مهنته الرقية، هذا غلط؛ لأنه لا يعرف أن السلف كانوا يجعلون طائفة منهم يمتهنون الرقية، نعم كونه ينفع نفسه وينفع غيره هذا من أعظم أعمال البر والخير ونفع المسلمين، لكن أن تكون هذه مهنته فهذه لا يعرف لها أصل في الشرع، وأغلب الذين جعلوا الرقية مهنتهم قد فتنوا بفتن عظيمة، فقد وقعوا في شعوذات وبدع وفي أخطاء شنيعة أخلاقية وعقدية.. وغيرها؛ فلذلك لا ينبغي لطالب العلم بل لا ينبغي لأحد من المسلمين أن يفرغ نفسه للرقية، نعم يعطي جزءاً من وقته لا حرج، لكن أن تكون هي مهنته، ألا يعرف عنه إلا أنه راق، ويفتح ما يشبه مؤسسات وشققاً مخصصة.. إلى آخره، هذا هو أقرب إلى البدعة.

    وأقترح أن مثل هذا يعرض على العلماء ولست مفتياً فيه، وذلك بأن تقوم أعمال مؤسسية تنظم الرقية، تراقبها وتشرف عليها هيئات شرعية، هذا لا مانع، يدرب عليها بعض المحتسبين على أصول شرعية؛ لأنها بحاجة إلى مثل هذه الضوابط الشرعية.

    الاستعانة بالجن في الرقية

    ثانياً: الاستعانة بالجن، وهذا أكثر ما وقع من الذين تجاوزوا الضوابط الشرعية، الاستعانة بالجن واستنطاقهم والتحاور معهم، والاتفاق معهم على أن ينفعوا عندما يحتاج إليهم الراقي، وهذا من الاستمتاع المحرم الذي ذكره الله عز وجل في قوله: رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا [الأنعام:128] ثم قال: النَّارُ مَثْوَاكُمْ [الأنعام:128]؛ لأنهم وقعوا في خطأ الاستمتاع بين الفريقين، لا يجوز الاستمتاع بالجن؛ لأنهم غيب وأحوالهم غيب وعبثهم أكثر من الإنس، وكذبهم أكثر من صدقهم، بعض الناس يقول: لا، هؤلاء الجن صالحون، ثق أن الجني الذي يتعاون معك عاص، ثق بأن الجني الذي يتلبس بالإنسي فاسق، فكيف يكون صالحاً وهو يؤذي الإنسي؟! نعم قد يكون صالحاً في أمور كثيرة، لكن بعمله هذا قد وقع في الإثم العظيم، ووقع في كبيرة من كبائر الذنوب، فكيف تتعامل معه؟!

    كذلك: تصديق الجن والتسليم لهم بما يقولون، هذا من كبائر الذنوب، نعم وقعت حالات معينة من بعض السلف، والنبي صلى الله عليه وسلم حدثهم وقال: (اخرج عدو الله)، (اخسأ عدو الله)، لكن ما نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وسلف الأمة كانوا يقولون: لماذا أتيت إلى هذا الإنسان؟ وماذا تريد؟ وإذا كان قد آذاه أحد: من الذي حسده؟ من الذي سحره؟ لأن هذا أمر غيبي، ولا ندري هل هو جني صالح أو شيطان أو من مردة الجن أو من غيرهم، حتى وإن ادعى الصلاح، وكما قلت: حتى لو كان يدعي أنه مسلم، فاعلم أنه بهذه الوسيلة صار فاسقاً فكيف تثق به؟! كيف تستنطقه؟! كيف تصدقه؟! فلا يجوز هذا على الإطلاق، وإن كان فيه فرج ومخرج لبعض الناس، فهذا من الابتلاء، كما قال الله عز وجل: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]، هذا من الابتلاء ومن الاستمتاع المحرم.

    استعمال الراقي حركات زائدة عن المشروع أثناء الرقية

    ثالثاً: استعمال حركات زائدة عن المشروع، وهذه أيضاً من عبث الجن والشياطين بالرقاة، يعني: الآن إذا تأملت كثيراً من الرقاة الذين عندهم تجاوزات تجد أنه يمارس حركات لا أصل لها، النفث له أصل، وضع اليد على موضع المرض إذا لم يكن عورة هذا له أصل، لكن استعمال حركات ليس لها دليل شرعي ولا عقلي ولا علمي وهذا نوع من الدجل والشعوذة، وإن قال به بعض خيار الرقاة؛ لأنهم وقعوا في زلة، هذا يلوي العنق، وهذا يضع عينه بعين المريض، وهذا يلوي اليد من الخلف، وكأنه يمارس معه رياضة شاقة، وآخر يضرب ضرباً عنيفاً، وغيره يستعمل الصراخ والعويل، وكأنك في مجلس شياطين ما كأنك في مجلس مسلمين، ولقد سألت كثيراً من الرقاة عن هذا الفعل، فقال: أنا وجدت هذه الحركة تدلني على المرض أو السحر أو موطن العلة عند المريض، نقول لهذا وأمثاله: يا أخي! حتى لو دلتك هذه الحركة على المرض فهذا دليل على أنه عبث بك الجن والشياطين، فهم جعلوا هذه دلالة.

    وآخر ينظر إلى العرق الفلاني، وآخر يضرب على هامة المريض، وآخر يضربه بأداة ضرب وكأنه يجلده جلد حد، كل هذه تجاوزات وإن كان فيها بعض الفوائد الظاهرة فهي من باب الابتلاء، كما أن المشركين وأهل البدع يستفيدون من بعض بدعهم، ويجدون أنها جلبت لهم منافع ودفعت عنهم مضاراً، لكنه ابتلاء يخسرون دينهم وعقيدتهم.

    فأقول: يا أخي الراقي! ويا أخي المرقي! لا تخسر دينك، الله عز وجل جعل في باب الحلال غنية، لا أقول: لا ترتقي، بل إذا احتجت إلى الرقية فلك أن ترتقي، وحديث: (الذين لا يسترقون) هذا ليس له علاقة بعموم المسلمين، ما يجوز أن نجعله سبب حجب للناس بألا يرتقوا، النبي صلى الله عليه وسلم رقى نفسه ورقاه جبريل ورقته عائشة رضي الله عنها لما عجز، وإن كان لم يطلب الرقية، لكن هذه سنة من سنن الهدى، لكن مع ذلك ما يصاحب الرقى وما يحدث من بعض الرقاة من هذه الحركات يجب الابتعاد عنه والنصح فيه.

    إضافة إلى ما يحدث من بعضهم من وضع التهويلات، من إطفاء الأنوار، أو جعل الأنوار خافتة، ووضع الستور، أو جعل باب وراء باب، ما معنى هذا؟ يقول: أجد له أثراً نفسياً على المرضى، نقول: هذا أثر شيطاني على المرضى ما هو أثر نفسي، ليس من أثر الرقية أن تضع للناس بابين باباً داخلياً وباباً خارجياً، أو أنك تجعل نوراً خافتاً أخضر أو أحمر، أو تجعل ستائر وكأنك من كبار الدجالين الذين يوهمون الناس أن هناك أشياء لها اعتبار، وتجعل في قلوبهم خشية من الموقف؟! هذا كله من الدجل ومن الشعوذة، وإن عمل فيه بعض الصالحين فهو نوع من الأمور التي استدرجهم فيها الجن والشياطين.

    إذاً: الاستدلال بالإشارات والحركات التي لم يرد بها الشرع هذا أمر لا أصل له، ويجب الابتعاد عنه من الراقي والمرقي.

    من ذلك أيضاً: استعمال الكهرباء، الحقيقة استعمال الكهرباء ما لم يكن بطريقة علمية تحت إشراف طبيب متخصص فإنه نوع من الدجل، وضرره أكثر من نفعه، نعم قد تكون للراقي والمرقي فائدة من باب الابتلاء، لكنها سبب غير مشروع، ما دام أن الأطباء يرون أن استعمال الكهرباء لاستخراج الجن خطأ فهذا لا يجوز استعماله، إلا بطريقة علمية مدروسة مأمونة.

    الرقية الجماعية

    رابعاً: الرقية الجماعية فيها نظر، لا نعرف أن السلف يرقون رقية جماعية، نعم قد تفيد، واليوم مع كثرة المرضى يقول بعض الناس: أنا ما أتمكن من رقية الجميع على انفراد، نقول: الله يتولى عباده، الناس يرقون أنفسهم ويرقى بعضهم بعضاً، من قال لك: تتخصص من أجل تقول: والله أنا عندي مئات أو عشرات ما أقدر أن أقرأ الرقية لكل مريض وحده، يا أخي! أغلق بابك، من قال لك: لازم تتصدر للخلق من أجل أن تجمعهم كأنهم أغنام، ثم إذا قرأ القارئ وجدت هذا يسقط وهذا يصرخ، وكثير من السليمين يمرضون، وتتعدى عليهم الجن، ويحدث من المآسي ما هو معلوم.

    إذاً: الرقية الجماعية في تقديري لا أصل لها، إلا لو كانت بعدد محدود بضوابط، هذه يعرفها أهل الاختصاص.

    الرقية في الماء الكثير

    خامساً: الرقية في الماء الكثير، ما نعرف أن السلف استعملوها، بعض الناس يقول: ما وجدت الخزانات ولا الوايتات في وقت السلف، نقول: بل هي موجودة، كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سواقي وجوابي وآبار، وكان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ في البئر ويقرأ أصحابه وكلهم ينزحون من البئر ويستشفون، وإلا بدل ما نقرأ على خزانات المياه والوايتات نذهب فنقرأ على مياه التحلية في الشرقية ويكفي الجميع! ونقول: ستأتيكم الرقية إلى بيوتكم عبر ماء التحلية واستريحوا.

    هذا ابتلاء وإهانة للشرع في تقديري، ينبغي أن تنضبط الأمور بضوابط، نعم القراءة في الإناء الكبير هذا وارد، أما القراءة بهذا الشكل فإنها تجعل الناس يتعلقون بغير الله.

    تخييل العائن أثناء الرقية

    سادساً: هناك ظاهرة انتشرت عند قليل من الرقاة وهي من عبث الجن والشياطين بالإنس وهي: ما يسمى بالتخييل، بعض الرقاة إذا قرأ على المريض يقول له: عندما أقرأ عليك تخيل أشخاصاً مروا عليك في حياتك، مروا عليك في مجالس ومناسبات، فالذي يثبت في خيالك هو الذي سحرك أو أصابك بالعين، هذا نوع من الدجل، التخييل لا أصل له، بل هو نوع من الدجل والأوهام، قد يدخل من خلاله الجن والشياطين ويضعون في خيالك إنساناً بريئاً من ذويك وأقاربك وجيرانك ومن الصالحين، فتقول: هذا الذي عانني وهذا الذي سحرني، فتقع فتنة وفساد عظيم بين الأسر والعائلات، وحدث مثل هذا كثير، هذا يختلط بمسألة مشروعة وهي الاتهام، الاتهام غير التخييل، الاتهام تصور الواقع، واحتمال أن هذا المريض أصابته عين، العين حق وتحدث من بعض الحاسدين، لكن يمكن أن نقول للمريض: تذكر من تتهم؟ هل جلست في مجلس وسمعت كلاماً فيه مدح؟ تذكر، لعلك تأخذ من الذين حضروا هذا المجلس كسبب شرعي لعلاج العين.

    إذاً: هناك فرق بين تذكر الواقع الذي حصل فيه المرض وبين التخييل، قد يدخل عليك أوهامك، فتظن أن أول واحد يصير في خيالك هو الذي ضرك، وهو ربما يكون بريئاً فتقع فتنة.

    استخدام الجن وغيرهم في معرفة العائن والسحر والساحر

    سابعاً: استخدام الجن في معرفة العائن وفي معرفة الساحر أو السحر، أيضاً استخدام بعض الحركات لمعرفة العين والساحر ومكان السحر، هذا كله من الشعوذة، الجني المتلبس بالإنسي دائماً يريد أن يتخلص، فمن أجل أن يتخلص يقول لك: هذا الرجل عانه فلان، قد يكون أحياناً من أهل بيته، من عمومته، من جيرانه، من أصدقائه، من أجل أن يتخلص الجني، فمع الأسف الراقي يجزم ويخبر المرقي ويقول: ابن عمك أو فلان صديقك الذي جلس معك في المكان الفلاني هو الذي سحرك أو هو الذي عانك، فتحدث قطيعة، بل في بعض الأحوال حصل فيها قتل، راق جزم أن فلاناً هو الساحر فصدق المرقي وذهب وأحدث فتنة، وكم حدث من تشتيت الأسر والعداوات بين المؤمنين من الأقارب والجيران وغير الأقارب والجيران ما لا يحصى.

    الجن تكذب، وأنت لا تستطيع أن تزكي كثيراً من الإنس الذين حولك، فكيف تزكي جنياً غيبياً ما تعرف حاله، ولا يمكن أن تتوصل إلى حاله؟! الجن غيب خالص، ولا تدري من الذي يتحدث معك، ولا ماذا يقول، أحياناً يكون هسترة من المريض ما هو جني.

    إذاً: هذه من الأشياء الخطيرة عند كثير من الرقاة.

    فعلى أي حال الكلام في هذا يطول، لكن أقول: الأسباب المشروعة وافية وكافية، والله عز وجل أغنانا بها عن الأسباب غير المشروعة، وإن تعلقت بها قلوب بعض الناس، وإن انتحلها وتعلق بها بعض الرقاة، فهي لا خير فيها، والله عز وجل جعل لنا من المشروع ما هو سبب كاف، ولا شك أننا إذا اتقينا الله، وترسمنا خطى الشرع، وعملنا بفقه من الدين، وإذا تعاون الرقاة والمحتسبون في الرقية مع طلاب العلم المتخصصين ومع العلماء وصارت هناك مرجعية لضبط الرقية فسنجد خيراً كثير، ولا حاجة إلى تعليق الناس بالأسباب غير المشروعة، بل بالأسباب المشكوك فيها، قد يقول بعض الناس: إن هذه أسباب تتراوح عليها الفتاوى، نعم قد يكون بعضها فيها فتوى، لكننا مع ذلك نجزم أنها من أسباب انصراف الناس عن الأسباب المشروعة البحتة، ففي الحلال القطعي غنىً عن المشتبه.

    هذا وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766672270