قال الشارح : [ لا يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوبها مع إمكانه؛ لأنها عبادة مؤقتة بوقت فلا يجوز تأخيرها عنه كالصلاة، ولأن الأمر بها مطلق، والأمر المطلق يدل على الفور، وقد اقترن به ما يدل عليه، فإنه لو جاز له التأخير لأُخِّر بمقتضى طبعه ثقة منه بأنه لا يأثم حتى تموت فتسقط عنه عند من يسقطها أو يتلف ماله فيعجز عن الأداء فيتضرر الفقراء بذلك، ولأنها وجبت لدفع حاجة الفقراء وحاجتهم ناجزة، فيكون الوجوب ناجزاً ].
والمعنى: أن الزكاة لا يجوز أن تؤخر عن وقت وجوبها، بمعنى أنه إذا كان عندك مال فحال عليه الحول ومضت عليه سنة، فلا ينبغي أن تؤخرها؛ لأن وقت الوجوب هو حولان الحول، فبمجرد أن حال الحول على المال يجب عليك أن تخرج زكاته؛ لأنك لو أخّرت الزكاة سيكون المتضرر هو الفقير، وربما قد تكون عزلت مال الزكاة عن مالك فجاء ما يتلفه، فإذا أُصبت بسرقة مال الزكاة، أو بعطب وتلف للمال، فهذا معناه أن حق الفقير قد يضيع، فبما أنها فُرضت لإنجاز حق الفقير، فوجوبها منجز في الحال؛ ولأنه أمر جاء مطلقاً، والأمر المطلق يفيد التنفيذ الفوري وليس على التراخي، كما يقول بعض الفقهاء.
فتأخير الزكاة عن وقت وجوبها لا يجوز؛ لأن ذلك فيه ضرر بمصلحة الفقير، فهل يجوز تقديم وقت الزكاة؟ الجواب: نعم؛ لأنه تعجيل بطاعة وهذا موسى عليه السلام حينما وقّت له الله عز وجل ميقاتاً مع قومه فذهب موسى قبل الميقات، فقال له الله: وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى [طه:83] لماذا جئت قبل الميقات وقبل القوم؟ قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، فتعجيل الطاعة أمر مطلوب، قال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد:21].
قال المصنف: [ فإن فعل فتلف المال لم تسقط عنه الزكاة ] أي: لو أنه أخّر الزكاة وترتب على التأخير أن تلف المال لم تسقط عنه الزكاة.
قال الشارح: [ لأنها وجبت في ذمته فلا تسقط بتلف المال كدين الآدمي].
أي: إن تلف المال بعد وجوب الزكاة لا يسقط الوجوب.
قال الشارح: [ وإن تلف قبله، يعني: قبل الوجوب سقطت؛ لأن المال تلف قبل أن تجب عليه فلم يكن في ذمته شيء أشبه ما لو لم يملك نصاباً ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل ذلك ] أي: إذا اكتمل النصاب واقترب الحول على المرور فيجوز أن تعجّل الزكاة.
قال الشارح: [ لأن النصاب سببها فلم يجز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف ].
ما هو سبب وجوب الزكاة؟ بلوغ النصاب، فإن لم تبلغ النصاب فلا زكاة، فمتى بلغ النصاب وجبت الزكاة، فإن بلغ النصاب يجوز له أن يعجّلها، لكن لا يجوز قبل بلوغ النصاب.. كرجل يريد أن يكفّر كفارة يمين قبل أن يحلف! فيكفر عن ماذا؟ فالكفارة لا تلزمه إلا بعد الحلف.
قال الشارح: [ ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب ولا يجوز قبل ذلك كالتكفير قبل الحلف، ويجوز بعد كمال النصاب لما روي عن علي رضي الله عنه: (أن العباس سأل رسول صلى الله عليه وسلم أن يرخّص له في تعجيل الصدقة قبل أن تحل فرخص له)، ولأنه حق مال أجّل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله كالدين ودية الخطأ ].
فلو أن رجلاً عليه دين موعده بعد شهر، فجاء قبل الشهر وقال: هذا الدين المستحق قبل موعده، فإنه يقبل منه، فيجوز تعجيل الدين، وكذلك الزكاة يجوز أن تعجّل قبل ميقاتها أو قبل وقت وجوبها، أو قبل وقت استحقاقها.
قال المصنف: [ فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه ] أي: أنه أخرجها قبل وقت الاستحقاق.. فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه.
والمعنى: عجّل الزكاة قبل وقت استحقاقها عليه، لكنه أعطاها لمن لا يستحق، فإنها لا تجزئه.
قال الشارح: [ وإن صار عند الوجوب من أهلها؛ لأنه لم يؤتها لمستحقها ].
فلو أن رجلاً وجبت عليه زكاة، فأخرجها لرجل لا يستحقها، فإنها لا تجزئ حتى وإن تحول الذي أعطاه مستحقاً بعد إعطائه؛ لأنه عند العطاء كان لا يستحق، ولذلك قال الشارح: [ فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه، وإن صار عند الوجوب من أهلها؛ لأنه لم يؤتها لمستحقها، وإن دفعها إلى مستحقها فمات أو استغنى أو ارتد أجزأت عنه ].
فإذا أعطيت الزكاة لمستحق الزكاة قبل استحقاقها، ثم بعد أن أخذها مات قبل تاريخ الاستحقاق، هل تخرج مرة أخرى؟ والجواب: لا، فقد أخرجت، وإذا كان بعد أن أخذها ارتد، أيضاً لا تخرج مرة أخرى، فهي لا تجوز لكافر، ولكنه عند العطاء كان من أهل الاستحقاق، ولكنه بعد العطاء تحوّل الأمر، والعبرة بوقت العطاء، أو استغنى بعد أن أخذ الزكاة ففتح الله عليه فأصبح من أصحاب الملايين، ولكنه عند العطاء كان مستحقاً، وبعد العطاء تحوّل الحال، فهذا ليس معناه أنها لا تجزئ، ولكنها تجزئ.
قال الشارح: [ لأنه أداها إلى مستحقها فبرئ منها كما لو تلفت عند آخذها أو استغنى بها ].
آخر الزكاة أخذها ثم تلفت عنده، إما أنه فقد المال أو سُرق المال أو ضاع المال، أو حرق من يد آخذ الزكاة، هل تسقط عني أم لا؟ تسقط عني.
قال الشارح: [ وإن عجلها ثم هلك المال قبل الحول لم يرجع على المساكين؛ لأنه دفعها إلى مستحقها فلم يملك الرجوع بها كما لو لم يعلمه ].
بمعنى أنه إذا أدى الزكاة المستحقة عليه قبل حلول الحول، وبعد أن أدى الزكاة هلك المال الذي عنده، فيذهب إلى المسكين يقول: أعطني الزكاة لأن المال الذي وجبت فيه الزكاة قد قل نصابه..! فهذا لا يعود على الفقير بتلفها.
ثم قال الشارح: [ ولا تنقل الصدقة إلى بلد تقصر إليه الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)لأن نقلها عنهم يفضي إلى ضياع فقرائهم ].
والمعنى: أن كل بلد تعطي فقرائها، ولا ننقل الزكاة إلا حينما لا نجد مصارف في البقعة المحيطة بالبلد قدر قصر الصلاة، أي أن أهل الشرقية مثلاً، أهل الزيتون يخرجون في الزيتون، فإن أخرجوا في المعادي فلا بأس؛ لأن المسافة ليست مسافة قصر، لكن لا يجوز لأهل القاهرة أن ينقلوها إلى الإسكندرية أو إلى الشرقية، لماذا؟ (صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) فقراء المنطقة أو البلد، ولا يجوز أن تنقل إلا بضوابط شرعية، هذا هو.
ثم قال الشارح: [ إلا أن لا يجد من يأخذها لما روي أن معاذاً بعث إلى عمر صدقة من اليمن فأنكر عمر ذلك وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس وترد في فقرائهم فقال معاذ : ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه مني. رواه أبو عبيد في الأموال ].
أي: أن معاذاً حينما كان في اليمن جمع الزكاة وأعطى الفقراء، فاكتفى فقراء اليمن، فأرسل إلى عمر بالباقي، فـعمر رضي الله عنه رد إليه المال وقال: لم أبعثك جابياً وآخذ جزية، إنما تعطى إلى فقرائهم هم، قال: يا أمير المؤمنين لم أجد فقيراً في اليمن.
انظروا كيف كانت الزكاة تسد حاجات المسلمين، وانظروا إلى واقعنا المؤلم نسأل الله العافية.
فكم من شاب لم يستطع الزواج، وأهل الترف والبذخ يقيمون الحفلات بخمسين ألفاً في الليلة الواحدة، وانظروا إلى هذا الإنفاق الجنوني في هذه الحفلات، والتي من الممكن أن تزوج عشرة من الشباب، فكم من مريض في المستشفى لا يجد من يأخذ بيده، حتى الدواء لم يجده، وهناك فقراء يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وأولى الإنفاق كما قال الشيخ العلامة ابن عثيمين : الإنفاق على طالب العلم أولى الإنفاق؛ لأن طالب العلم يحصد البدعة في زمن انتشرت فيه البدع، وهناك هيئات كثيرة جداً تكفل الأيتام، لكن طلبة العلم الذين غض الناس عنهم الأبصار متفرغون لطلب العلم.
قال المصنف رحمه الله: [ لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها إذا أمكن إخراجها، فإن فعل فتلف المال لم تسقط عنه الزكاة، وإن تلف قبله سقطت، ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل ذلك، فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه، وإن صار عند الوجوب من أهلها وإن دفعها إلى مستحقها فمات أو استغنى أو ارتد أجزأت عنه، وإن تلف المال لم يرجع على الآخذ ولا تنقل الصدقة إلى بلد تقصر إليه الصلاة إلا أن لا يجد من يأخذها في بلدها ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من يجوز دفع الزكاة إليه.
وهم ثمانية ].
نريد أن نحفظ مصارف الزكاة الثمانية، ونقف عند كل مصرف من هذه المصارف بالتوضيح والبيان إن شاء الله تعالى.
أول مصرف من مصارف الزكاة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ رجل يقول: الصدقات، كلمة الصدقة تشمل الزكاة والصدقة، فكلمة الصدقات كما يقول ابن تيمية رحمه الله: الصدقة والزكاة إن اجتمعتا افترقتا، وإن افترقتا اجتمعتا كالإيمان والإسلام تماماً.
والمعنى أنه إن جاء لفظ الإيمان في مكان بمفرده دخل فيه الإسلام، وإن جاء لفظ الإسلام بمفرده في موضع دخل فيه الإيمان، إن جاء الإيمان والإسلام في موضع واحد أُريد بالإسلام شيء وبالإيمان شيء آخر، كذلك الفقير والمسكين، كذلك لفظ الصدقة إن جاء في موضع واحد أريد به الزكاة وأريد به الصدقة، فهنا أريد به الزكاة قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] والمرتدون بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم منعوا الزكاة، بحجة قوله تعالى: خُذْ ... [التوبة:103] فالأمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم سقطت الزكاة لأنهم قالوا: الأمر إليه هو بأن يأخذ، ولكنهم وقعوا في الخطأ، فإن خذ هنا ليس باعتبار شخصه، وإنما باعتباره إماماً للمسلمين، فإذا انتقلت الإمامة إلى أبي بكر فهو يأخذ، أو إلى عمر فهو يأخذ، أو إلى عثمان فهو يأخذ، فالأمر إليه ليس باعتباره رسولاً، وإنما باعتباره إماماً للأمة، فخليفة الأمة وجب عليه أن يأخذ الزكاة من أفرادها، فالمرتدون قالوا: خذ لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، أما وقد مات فنمتنع عن أدائها، فقاتلهم الصديق رضي الله عنه.
وهناك فرق بين أن نقول: إن الصديق قتل المرتدين، وبين أن نقول: قاتلهم، فالمقاتلة: مفاعلة.
ما معنى مفاعلة؟
طرف يقاتل والآخر يقاتل أيضاً أو يدافع.
فالذي تقول له: أد الزكاة وإلا قاتلتك، فيقول: لن أؤديها وسأقاتلك، هذه مفاعلة بين طرفين، فليس بمجرد المنع يُقتل، لكن إن قاتل على المنع وأصر على المنع، ولا يتصور أن يقاتل على المنع إلا إذا كان جاحداً، لأنه لا يتصور أنه يقر بالوجوب ثم يقاتل على المنع.
قال الشارح: [ باب من يجوز دفع الزكاة إليه.
وهم ثمانية إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60] هذه المصارف الثمانية، وهم ثمانية أصناف سماهم الله في الآية، ولا يجوز صرفها إلى غيرهم؛ لأن الله سبحانه خصهم بقوله: إِنَّمَا وإنما تفيد الحصر، وهي تثبت المذكور وتنفي ما عداه..
فأما الفقراء والمساكين فهم صنفان، وكلاهما يأخذ لحاجته لمؤنة نفسه ].
ما الفرق بين الفقير والمسكين؟
أي: إذا كان دخلي 500، وحاجتي في الشهر 1500، ففي هذه الحالة أصير فقيراً؛ لأن دخلي هو أقل من نصف حاجتي، فإن قل عن النصف يسمى فقيراً.
إذاً: الموظفون غالبهم فقراء دخلهم 300 جنيه، ويصرف 1000 جنيه في الشهر، إذاً فهو فقير.
لكن الإمام الشافعي استدل بقوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ [الكهف:79] على أن الرجل قد يملك سفينة ويسمى مسكيناً؛ لأن السفينة لا تفي بحاجته.
إذا كان الرجل لا يملك سكناً فهل يستحق الزكاة؟ نعم يستحق؛ لأن الإسلام ألزم ولي الأمر أن يضمن حد الكفاف لكل فرد، وحد الكفاف هو: المسكن، والملبس، والمأكل، والدابة.
وقال الشيخ رحمه الله: (للفقراء) تشير إلى تملكه، أي: أنه لا بد أن تُعطى للفقير في يده على سبيل التملّك.
قال لي سائل: لي عند فقير ألف جنيه، فهل يجوز أن أجعلها من الزكاة؟
قلت: لا يجوز؛ لأنك أولاً: أسقطت ديناً معدوماً، والله سبحانه يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] فأنت مأمور أن تخرج أجود ما عندك ولكنك هنا تخرج أردأ ما عندك، وهو الدين المعدوم.
ثانياً: أن الزكاة الأصل فيها الإعطاء، وهنا لا إعطاء وإنما أنت تسقط، فجمهور العلماء على أن إسقاط الدين عن المعسر لا يعد من الزكاة، وإنما من الصدقات.
أما الفرق بين الفقير والمسكين كما قلت: فالفقير: من يملك أقل من نصف حاجته، فحينما تنظر إلى حاجته ستجد أن الدخل أقل من نصف حاجته، فهذا فقير، وإن كان أعلى من النصف فهذا يسمى مسكيناً.
قال الشارح: [ والفقراء أشد حاجة؛ لأن الله سبحانه بدأ بهم، والعرب تبدأ بالأهم فالأهم، ولأن الله سبحانه قال: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [الكهف:79] فأخبر أن لهم سفينة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر ].
من المحزن أن نجد بعض الخطباء على المنبر يقول: النبي صلى الله عليه وسلم عاش فقيراً ومات فقيراً.
وهذا كلام غير صحيح فلا تصدقوه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فقيراً، فالنبي صلى الله عليه وسلم ملك، وقد أمرنا أن نستعيذ بالله من الكفر والفقر، فكيف يأمرنا أن نستعيذ بالله من الفقر وكان فقيراً؟ أبداً والله، هؤلاء لم يعرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر صلى الله عليه وسلم.
قال الشارح: [ وقال: (اللهم أحيني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين).
وهذا الحديث مختلف فيه، فمن العلماء من ضعّفه، ومنهم من ألّف له كتاباً في تصحيحه، لكني قرأت كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: وإن صح الحديث فلا يُقصد بالمسكنة مسكنة المادة، وإنما يُقصد بها مسكنة القلب، يقول ربنا سبحانه: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ [البقرة:61] فاليهود ليسوا الآن مساكين، فهم يملكون الاقتصاد، فقوله: (اللهم أحيني مسكيناً) بمعنى: إن قلبي يسكن في رضاك، هذا المقصود وهو مفهوم شيخ الإسلام للحديث إن صح.
قال الشارح: [ فدل على أن الفقر أشد، فالفقير من ليس له ما يقع موقعاً من كفايته من كسب ولا غيره، والمسكين الذي له ذلك، فيعطى كل واحد منهم ما تتم به كفايته ].
يعني: ما يكفيه، وما يكفي حاجته، وما يستغني به عن ذُلّ المسألة وعن الطلب، فالفقير إن اجتمع مع المسكين فالفقير أشد حاجة، ولذلك الآية بدأت بالفقراء إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ [التوبة:60]، وربنا يقول: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ [الحشر:8] والفقراء لأنهم لا يملكون، فقد خرجوا وتركوا الأوطان والأموال فلا يملكون شيئاً، فالله عز وجل أثنى عليهم في كتابه.
قال الشارح: [ الثالث: العاملون عليها، وهم الجباة والحافظون لها ومن يحتاج إليه فيها، وينبغي للإمام إذا تولى القسمة أن يبدأ بالعامل فيعطيه عمالته؛ لأنه يأخذ عوضاً فكان حقه آكد ممن يأخذ مواساة ].
العامل عليها: الذي هو جابي الزكاة والذي يجمعها من الناس، فهذا موظف من الذي عيّنه؟ ولي الأمر، فالبعض يأخذ مثلاً مال زكاة من بعض الناس ثم يصرفها فيقول: أنا من العاملين عليها، هنا أنت لست من العاملين عليها وإنما أنت أمين في توزيعها، فإن كنت تستحق فخذ ولا حرج، فلو أن رجلاً أعطاك ألف جنيه وقال: يا شيخ هذه أنفقها في مصارف الزكاة، فأنت الآن لست من العاملين عليها، لأن مفهوم العامل عليها أن يكون موظفاً صدر قرار بتعيينه من ولي الأمر، وعمله هو جمع الزكاة، فيذهب ليجمع السائمة، وعروض التجارة، والأثمان.. فيجمع الزكاة من الواجبة عليهم الزكاة، ثم يأتي إلى بيت المال فيعطيه ولي الأمر من الزكاة؛ لأن الله قال: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60] فاحذر أن تخلط بين العامل عليها وبين الوكيل، فربما أكون أنا وكيلاً في توزيع الزكاة، فحينما توكلني أنت شيئاً ما فسأكون أنا وكيلاً ولست من العاملين عليها، لكن إن استحق الوكيل يدخل بالأولى ولا شك في هذا.
قال الشارح: [ الرابع: المؤلفة قلوبهم، وهم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه، أو يخشى شره، أو يرجى بعطيته قوة الإيمان منه أو إسلام نظيره، أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها والدفع عن المسلمين، وهم ضربان: كفار ومسلمون ].
فمثلاً: رجل هو سيد في قبيلته، وإن أسلم هذا السيد ستسلم معه القبيلة، فيعطى لتأليف قلبه، رغم أنه لا يستحق، فهذا من المؤلفة قلوبهم.
أو أن يكون ممن يُخشى شره، فيعطى من أجل اتقاء شره.
قال الشارح: [ أو يرجى بعطيته قوة الإيمان منه ] أي: أن إيمانه ضعيف، فإن أخذ الزكاة ارتفع الإيمان فيعطى.
وقال: [ أو إسلام نظيره، أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها والدفع عن المسلمين ] أي: لو أن رجلاً يمكن أن يجمع الزكاة من حي كامل، لأنه يملك قدرة وقوة على الحي، فيعطى من الزكاة ليجمع الزكاة من أهل الحي، فإنه يعطى من الزكاة ليجمع الزكاة ممن لا يستطيع أن يجمع منهم.
قال الشارح: [ وهم ضربان: كفار ومسلمون.
فالكافر يعطى رجاء إسلامه أو خوف شره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيباً له في الإسلام قال صفوان : (أعطاني رسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي) رواه مسلم .
وأما المسلمون فقوم لهم شرف، يرجى بعطيتهم إسلام نظرائهم فيعطون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع إسلامهم وحسن نيتهم ].
يعني: مع حسن الإسلام أعطوا لتأليف قلوبهم، فالمؤلفة قلوبهم أصناف وأقسام.
قال المصنف: [ وفي الرقاب ] قال: في الرقاب ولم يقل: وللرقاب، لأن في الرقاب لا تعني التمليك، فلو أن رجلاً مملوكاً فأعطيت لسيده مالاً ليعتقه، فأنت لم تعط العبد وإنما أعطيت السيد، إذاً: هذا في الرقاب وليس للرقاب، فمعناه أن هناك فرقاً كبيراً بين المعنيين.
قال الشارح: [ الرقاب وهم المكاتبون، يعطون ما يؤدونه في كتاباتهم ولا يُقبل قوله إنه مكاتب إلا ببينة؛ لأن الأصل عدمها ].
والمكاتب هو عبد كاتب سيده على أن يعتقه مقابل مبلغ، فدفع جزءاً وبقي جزءاً، فهذا هو معنى المكاتب، فيدفع عنه الجزء الباقي لإعتاقه من سيده، والمشهور من الصحابة في ذلك هو الصديق رضي الله عنه، فقد أعتق بلالاً وأعتق الكثير من العبيد بماله رضي الله عنه.
قال الشارح: [ ويجوز أن يفك منها أسيراً مسلماً كفك رقبة العبد من الرق ].
الجواب: ثلاث مرات، واستنبطوا ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها: (أريتك في المنام ثلاث ليال).
الجواب: عملها حرام حرام؛ لأن الموسيقى حرام، وليس هناك مادة في الإسلام اسمها التربية الموسيقية.
والتربية الموسيقية معناها أن تربي الأجيال على تعلم الموسيقى، النغمة العالية والواطية، والطبقات وغير ذلك..، فهذا كله حرام، فدخلها حرام، وعملها حرام، حتى وإن كانت المدرسة كلها نساء، فهذا ليس له علاقة بدخلها، فأنصحك يا أخي الفاضل أن تخبرها أن هذا العمل حرام، ولا بد أن تنتهي عنه، وإن لم تعلم إلا في هذا الوقت، فدخلها التي حصلت عليه قبل ذلك لها إن شاء الله لا نطالبها بشيء إلا من تاريخ علمها بالفتوى.
الجواب: يصلي هناك الظهر والعصر جمع تأخير، ولو وصل بعد العشاء يصلي المغرب والعشاء في القاهرة جمع تأخير أيضاً.
الجواب: وردتني أكثر من رسالة من الأخوات يشكين من الإخوة، وأن بعض الإخوة ممن يريدون الزواج يدقق تماماً في الطول والعرض والجمال والارتفاع، والسمك والحجم، ويتجاهل مسألة التدين! وهذه نقطة خطيرة جداً..
يا أخي في الله: يكفيك أنها تكون حافظة للقرآن وعقيدتها صحيحة، وتقية وورعة، فهذا يكفي، أما الجمال فهو نسبي، فلا يجوز أن تترك الأخت الملتزمة من أجل متبرجة هابطة جميلة، فأقول للإخوة الأفاضل، وكذلك أنصح أولياء أمر الأخوات أن ييسروا في أمر الزواج، يسروا يسر الله عليكم، فسن النساء تعدى الثلاثين الآن ولا تجد من يطرق الباب، والإخوة أولياء الأمور يضعون شروطاً كشروط بقرة بني إسرائيل صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ [البقرة:69] لا طويلة ولا قصيرة، زرقاء العينين، صفراء الشعر، ممشوقة القوام، ومن أسرة طيبة إلى غير ذلك..، أين نجد هذا في الكتلوج؟ نسأل الله العافية.
فلا بد أن تيسر ولا تشدد فيشدد الله عليك.
ونجد نقيض هذا أيضاً وهو أن من الشباب ممن يريد الزواج بدراهم بخس، وآخر يريد الزواج بامرأة لها بيت، فأين القوامة يا رجل؟ ينبغي أن تكون هذه الأخت الملتزمة الطاهرة المنتقبة تساوي أغلى من الذهب عندنا، فلا داعٍ أبداً أن نرخّص أسعارهن، وليس هذا دعوة إلى الغلو، وإنما لا بد من التيسير.
وهناك أخ بالمنصورة زوج ولده بثلاثة آلاف جنيه، وسعد الولد سعادة تامة، فالمهم أن هذا فيه بساطة، ولكن أن تقول للخاطب: أريد غسالة أتوماتيك تغسل، وتنشف، وتنظف، وتشفط، وتلبّس! وأيضاً ثلاجة 24 قدم، وشيطان 24 بوصة، وتكييف وستائر وغير هذا..
فماذا يفعل الشاب الذي تخرج بعد عناء طويل بهذا المرتب الذي يتقاضاه أمام هذه الطلبات؟
فاتقوا الله في الشباب، يسروا يسر الله عليكم.
ثانياً: على الشباب ألا يضيق على نفسه في الطلب، فإن كانت الأخت فاضلة تقية مصلية، تقوم الليل، وتحفظ القرآن، وعقيدتها صحيحة، وعندها ورع، فلا يهم ما عدا ذلك، وانظر إلى الحديث: (إن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته، وإن نظر إليها سرته) ثلاثة في جانب الخُلُق وواحد في جانب الجمال والخَلْق، وهذا يعني: أن نهتم بمعايير الأخلاق والدين، لا أن تهتم بالجمال.
فأقول للإخوة الأفاضل: لا تشددوا فيشدد الله عليكم، وأولياء الأمور أيضاً عليهم أن يتقوا الله عز وجل وييسروا على الشباب.
الجواب: هذا رجل عنده لوثة، وهذا يذكرني بالرجل الذي ذهب إلى المأمون في عهد الخلافة العباسية قال له: من أنت؟ قال: موسى بن عمران، إذاً يا موسى ألق عصاك حتى تصبح ثعباناً، قال: قبل أن أفعل قل أنت أولاً: أنا ربكم الأعلى، فضحك المأمون ، وعرف أن هذا الرجل مختل عقلياً.
الثاني: ذهب إلى المعتصم وقال له: أنا نبي، قال: أبعد رسول الله؟ قال: بعد رسول الله، قال: ما علامة نبوتك؟ قال: إني أعلم ما في نفوسكم، قال: فما في نفوسنا؟ قال: في نفوسكم أنني كذاب، فضحك الخليفة هذا معناه أن هؤلاء يحتاجون إلى مصحة فمن يقول: إن عيسى لم يرفع ودفن في الهند في بمباي، ويطعن في خروج الدجال فهذا كلام لا ينبغي أن تقيم له اعتباراً.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر