إسلام ويب

قراءة في السيرةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله امتن على هذه الأمة برسول منهم، من أشرفهم نسباً ، وأحسنهم خلقاً، اختاره الله للرسالة، وتعهده من ولادته بالرعاية، فحري بالمسلم أن يتعرف على سيرته حتى يقتدي به.

    وفي هذه المادة جوانب من حياته صلى الله عليه وسلم: نسبه، ومولده، ورضاعته، ومسيرة حياته في البادية، وسفره إلى الشام، وحادثة تحكيمه صلى الله عليه وسلم في إعادة بناء الكعبة، ومعجزاته، ودعوة الناس سراً وما وجده النبي صلى الله عليه وسلم من البلاء، ثم مرحلة الجهر بالدعوة، وإسلام بعض الصحابة وحياتهم في الإسلام كبلال وعمر وعمار وابن مسعود وحمزة وغيرهم.

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أيها المسلمون: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    أولاً: نهنئكم بقدوم هذا الشهر الكريم أهلّه الله علينا وعليكم باليُمن والمسرات, وغفر لنا الذنوب والخطيئات, وجعلنا من عتقائه من النار.

    ثانياً: سوف نستصحب في كل ليلة قبل صلاة العشاء طيلة هذا الشهر المبارك -إن شاء الله- رسول الهدى عليه الصلاة والسلام في سيرته العطرة الكريمة, فنبدؤها بالدرس الأول في نسبه صلى الله عليه وسلم.

    وعنوان هذه الدروس: "قراءة في السيرة النبوية".

    النسب الشريف: محمد صلى الله عليه وسلم، السيد الأكرم الذي شَّرف الله الناس بوجوده, هو محمد بن عبد الله، أمه آمنة بنت وهب، هاشمي قرشي من أفضل العرب نسباً.

    نسب كأن عليه من شمس الضحى     نوراً ومن فلق الصباح عمودا

    تدوول عليه الصلاة والسلام في الآباء والأجداد, وولد كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ولدت من نكاح لا من سفاح) فلم يأتِ في نسبه -والحمد لله- لا في الجاهلية ولا قبلها زناً، وإنما أتى عن أب وجد إلى أن وصل عليه الصلاة والسلام إلى الدنيا, هذا نسبه فأبوه عبد الله يأتي خبره وأمه كذلك.

    كان عبد الله بن عبد المطلب من أحب ولد أبيه إليه, هذا والد الرسول عليه الصلاة والسلام, أحب أبناء عبد المطلب , وكان لـعبد المطلب عشرة من البنين، أقربهم إلى قلبه عبد الله والد الرسول عليه الصلاة والسلام, فقربه منه , وأحبه, وزوجه وهو في الثامنة عشرة من عمره.

    آمنة بنت وهب بن عبد مناف , وهي أفضل نساء قريش نسباً وموضعاً, ولما دخل عليها كان في وجه والد الرسول صلى الله عليه وسلم نور, فلما أفضى إليها ذهب هذا النور, قالوا: هذا النور هو الرسول صلى الله عليه وسلم, وقع في بطن أمه, وحملت به، وأثناء الحمل توفي أبوه عليه الصلاة والسلام, فهو لم يرَ أباه في الحياة, وما سعد بتقبيل أبيه، ولا بمزاحه وملاعبته, بل ولد يتيماً في الحياة صلى الله عليه وسلم, علَّه أن يتحمل هذه الحياة ومصائب الحياة, وينهج نهجاً فريداً يعتمد فيه بعد الله على نفسه, فنشأ عصامياً عليه الصلاة والسلام, يقوم بجهده، ويقوم بعرق جبينه, لأن الله أراد أن يرشحه لمهمة هداية العالم.

    وسوف تسمعون العجائب في سيرته العطرة عليه الصلاة والسلام، فإن سيرته تضوع بها المجالس, وما أوجد الله أبر ولا أشرف منه صلى الله عليه وسلم.

    قال: ولما دخل عليها حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يلبث أبوه أن توفي بعد الحمل بشهرين, ودفن في المدينة عند أخوال عبد المطلب من بني النجار، فإنه كان ذهب بتجارة إلى الشام -أي: عبد الله - فأدركته منيته وهو بـالمدينة وهو راجع, ولما تمت مدة حمل آمنة وضعت ولدها، فاستبشر العالم بهذا المولود الكريم, يقول أحمد شوقي:

    ولد الهدى فالكائنات ضياء     وفم الزمان تبسم وثناء

    فلما ولد هذا المولود الكريم الذي ما وقع على الأرض أشرف من رأسه, ولا أحسن من دمه! ولا أروع من قلبه! بث في أرجاء العالم روح الآداب, وتمم بنفسه مكارم الأخلاق.

    مولده صلى الله عليه وسلم

    كان مولده صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم الإثنين، وسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الإثنين كما في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة قال: {ذاك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه، وأوحي إليّ فيه} فأحب الأيام إلى قلوبنا يوم الإثنين الذي ولد فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم, وصيامه سنة, وهو من أفضل الأيام التي تُصام.

    ولد في تاسع ربيع الأول، الموافق ليوم العشرين من إبريل سنة (571) من الميلاد, وهو يوافق السنة الأولى من حادثة الفيل, وكانت ولادته في دار أبي طالب بشعب بني هاشم, ولما وُلِدَ أرسلت أمه لجده عبد المطلب تبشره, فأقبل مسروراً وسماه: محمداً، سبحان من وفقه! فهذا الاسم لا يُعرف عند العرب, العرب تعرف حرباً وصخراً وحمزة وطلحة هذه أسماء العرب, لكن لما بشَّر عبد المطلب سيد قريش, وهو سيد الأبطح , هذا عبد المطلب كان عظيماً, كانت له سجادة لا يجلس فيها إلا هو , تفرش له تحت ميزاب الكعبة في العصر, وممنوع أن يقترب من هذه السجادة أحد، لو أتى ملك الدنيا لا يجلس عليها إلا عبد المطلب سيد قريش, فيجلس عبد المطلب، ويأتي أبناؤه العشرة حوله, وكانوا تسعة بعد موت ابنه والد الرسول صلى الله عليه وسلم, ثم يجلس أشراف مكة , ثم يجلس شعراؤها, ثم أشراف العرب, وهذه السجادة لا يجلس عليها إلا عبد المطلب , قالوا: ففرشوها ذات صباح فأتى عبد المطلب فجلس، فأتى صلى الله عليه وسلم وهو طفل يحبو، فجلس فأزاله الناس -الخدم- فرفض، فأتى فجلس مرة ثانية, فأزالوه, فلما جلس عبد المطلب زحف هو بنفسه وجلس, قال: والبيت ذي الحجب والنصب والشهب إن ابني هذا له سبب من السبب.

    هذا ابنك تدري أنه سيحول الكرة الأرضية من الكفر إلى الإيمان؟

    من هو المصلح الذي فجَّر الطاقة في الأرض مثل محمد صلى الله عليه وسلم؟

    من هو الرجل الذي يمكن أن يكون أنملة أو ظفراً في كفه صلى الله عليه وسلم أو غباراً على قدمه؟

    لا ندري بأحد, قال: فلما ولد سماه محمداً, يقول حسان:

    وشق له من اسمه ليجله     فذو العرش محمود وهذا محمد

    يقول: الله هو المحمود سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا محمد، فالله شق له من اسمه، وذكروه بالتسمية عليه الصلاة والسلام.

    من أشرف أسمائه: اسم محمد, واسمه: العاقب والحاشر والماحي, وله أسماء أخر عليه الصلاة والسلام، وكنيته: أبو القاسم, فهذا اسمه صلى الله عليه وسلم، وسماه: محمداً ولم يكن هذا الاسم شائعاً قبل عند العرب, ولكن الله يريد أن يحقق ما قدره.

    ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] , يقول أحد الكتاب العصريين: فتش في جوانحك، وابحث في خفاياك، أما شرحنا لك صدرك؟

    أما كان صدرك ضيقاً فشرحناه بلا إله إلا الله محمد رسول الله؟

    بلى والله! انشرح صدره عليه الصلاة والسلام, وأصبح صدره مشروحاً.

    وقال تعالى: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4] ليس أحد في العالم أشهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم, يقول مجاهد في تفسير قوله تعالى: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ قال: [[لا أذكر إلا ذكرت معي]] ويقول الأستاذ علي الطنطاوي: ألا يكفي من شهرته صلى الله عليه وسلم أن منائر مليار مسلم اليوم كلما أذن المؤذن في باكستان أو الهند أو العراق أو المغرب أو السودان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً رسول الله, هذا هو الذكر، فذكره صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم.

    وذكره الله في القرآن في أربعة مواضع باسمه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الفتح:29] وقال: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144] وقال: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ [الأحزاب:40] وقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ [محمد:2].

    قال: وذكر في الكتب التي جاءت بها الأنبياء؛ كالتوراة والإنجيل بهذا الاسم, وسماه عيسى عليه الصلاة: أحمد, ومن أسمائه أحمد أيضاً, ويسمونه أحمد ولكن اشتهر عند العرب: محمد, فألهم جده أن يسميه بذلك إنفاذاً لأمره.

    وكانت حاضنته أم أيمن بركة الحبشية هي التي تولَّت رعايته وحضانته, وتربيته وملاعبته صلى الله عليه وسلم وهو طفل, وكان إذا عرته من الملابس لتغسله بكى وضم جسمه عليه الصلاة والسلام.

    وهذه أم أيمن استمر بها الحال حتى بعث صلى الله عليه وسلم نبياً، وكان لها ماعز ترعاها, فكان يأتيها في العوالي يزورها من باب حفظ العهد, وأتاها مرة وقد تغيَّب عليها كثيراً، فغضبت وتعتبت، وقالت: هجرتنا ولا تزورنا؟ وعتبت عليه صلى الله عليه وسلم, لأنه أصبح مشغولاً بالعالم, مشغولاً بقضايا الساعة، باليهود والنصارى والمنافقين والعرب، بالجهاد والاقتصاد، بالإدارة والسياسة والتعليم، ولكن وجد فراغاً فزار أم أيمن ووجدها ترعى غنماً لها ما يقارب مائة ماعز, فعتبت عليه، فأخذ يتبسم صلى الله عليه وسلم وما قال شيئاً, والله يقول: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087805044

    عدد مرات الحفظ

    774094997