إسلام ويب

إلى الرفيق الأعلىللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن أعظم مصيبة وقعت على الأمة الإسلامية؛ هي موت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتقاله إلى الرفيق الأعلى؛ لأنه كان النور الذي تستضيء به الأمة، وهو المربي والمعلم والمجاهد والزعيم.

    ولذلك فإن من قرأ سيرته وعرف أحداثها من ولادته إلى موته، سيجد العبر والعظات الكثيرة، وسيعرف عظم المصاب الذي أصيبت به الأمة .

    والشيخ -حفظه الله- قد صور انتقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ربه صورة بليغة ومؤثرة، سرد فيها أهم الأحداث من حجة الوداع إلى أن مات وغسل وصلي عليه ودفن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    إن الحمد لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    إخوة الإيمان! يا حملة التوحيد! يا أرباب المبادئ! عنوان هذه الخطبة "إلى الرفيق الأعلى".

    من الذي قال هذه الكلمة؟ من هو أول من أنشأها؟ ومتى قيلت؟

    القائل: هو محمد عليه الصلاة والسلام، قالها في سكرات الموت، في آخر لحظة من لحظات الحياة يوم مات كما مات الناس، وفارق الحياة كما فارقها الناس، فهو بشر يموت كما يموت البشر، وهو في سكرات الموت شخص طرفه إلى السماء، وهو يقول: إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى، وهذه الأيام تناسب تلك الأيام التي مات فيها عليه الصلاة والسلام، فإنه مات بعد الحج.

    حج بالناس فوقف محرماً في عرفة، حاسر الرأس، أشعث أغبر، فقال وهو يخاطب مائة ألف من المؤمنين: (يا أيها الناس! إنكم مسئولون عني غداً، وأنا مسئول عنكم، فما أنتم قائلون لربي غداً؟

    فقالوا بصوت واحد: نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، فرفع سبابته على الناقة، وقال: اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد) فأنزل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3]

    العودة إلى المدينة وبداية المرض

    ولما عاد عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، أحس بدنو أجله، وبدأت وحشة الفراق وطلائع التوديع ودموع الأسى، وقف على المنبر، وقرأ قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3] فبكى أبو بكر، فقال الناس: مالك تبكي يا أبا بكر! فقال: أجل الرسول عليه الصلاة والسلام نعي إليه، الفراق قريب.

    فراق ومن فارقت غير مذممٍ     وأم ومن يممت خير ميمم

    وما منزل اللذات عندي بمنزلٍ     إذا لم أبجل عنده وأكرم

    قبل المرض

    وقام عليه الصلاة والسلام ذات ليلة وسط الليل، وقد نام الناس وهجعوا، قام وسط الليل إلى أحد حيث مقبرة الشهداء، حيث يرقد هناك حمزة ومصعب والسبعون الشهيد ينامون هناك، فوصل إليهم، وسلم عليهم، وودعهم إلى لقاء قريب في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ثم عاد ونام، وفي اليوم التالي خرج إلى مقبرة بقيع الغرقد، فسلم على أهل المقبرة، وقال: {ليهنكم يا أهل القبور ما أمسيتم فيه، فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مسلماً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل} ثم عاد عليه الصلاة والسلام، وفي آخر رمضان دارسه جبريل القرآن مرتين، وكان قبلها يدارسه في كل رمضان مرة واحدة.

    بداية المرض

    بدأ مرضه عليه الصلاة والسلام بصداع في الرأس -بأبي هو وأمي-

    فديناك يا ليل السهاد الذي سرى     بجسمك في أجسامنا أبداً يسري

    ويا ليت أنَّا نحمل الضيم كله     عن العلم المحبوب في البدو والحضر

    عقد البخاري باباً، فقال: (باب قول الرجل: وارأساه) هل هو من الشكوى لغير الله؟ لا، إنها من التوجع، وبث الحزن للأحباب.

    ولا بد من شكوى إلى ذي قرابةٍ      يواسيك، أو يسليك، أو يتوجع

    {دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة فقالت: وارأساه يا رسول الله! كان بها صداع، فقال عليه الصلاة والسلام: بل أنا وارأساه} نزل عليه المرض ثلاثة عشر يوماً، وابتدأ عليه المرض يوم الخميس، فكان ابن عباس إذا ذكر يوم الخميس قلب الحجارة، وبكى، وقال: آه! يوم الخميس وما يوم الخميس..كأنه مطعون؛ لأنها ذكرى حرجة، وأسىً ولوعة، وكان ابن عباس كلما ذكرها أثارت عليه الدموع والشجون والأسى واللوعة.

    أثناء مرضه عليه الصلاة والسلام

    وتوطأ عليه صلى الله عليه وسلم الفراش ثلاثة عشر يوماً، وسمع الأذان مرة، فاستفاق.

    وداعٍ دعا إذ نحن بـ الخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد وما يدري

    دعا باسم ليلى غيرها فكأنما      أطار بليلى طائراً كان في صدري

    قال: { الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم} ثم قال: {اغسلوني} فغسلوه من آثار الحمى، وكان جسمه حارٌ، حار، حتى وضع ابن مسعود يده على جسمه فنزعها، وقال:{يا رسول الله! إن بك حمى، قال: نعم، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قال ابن مسعود: ذلك بأن لك الأجر مرتين، قال: نعم، ما من مؤمن يصيبه هم ولا غم ولا نصب ولا مرض حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه} فغسلوه بالقربة الأولى، فقام فأغمي عليه فسقط، والثانية حتى غسلوه بسبع قرب، فلما علم أن صلاة الجماعة سوف تفوته، قال: {مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس، قالت عائشة: يا رسول الله! مر عمر} وأبو بكر أبوها لكنها تريد عمر لئلا يتشاءم الناس بـ أبي بكر في أول صلاة، ويقولون: وجدناك وفقدنا ذاك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس إنكن لأنتن صويحبات يوسف} فأمروا أبا بكر فقام يصلي فتلعثم بالبكاء، وهو في الصلاة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088030617

    عدد مرات الحفظ

    775303665