بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ففي بداية هذا اللقاء أرحب بالإخوة الحاضرين والأخوات الحاضرات، وأسأل الله عز وجل أن يثيب القائمين على هذا المخيم، وأن يجعل هذا العمل في موازين حسناتهم إنه سميع مجيب.
الموضوع هو: الالتزام هوية أم تكاليف؟
في ظل هذا الواقع الذي تعيشه الأمة ومع تركيز الجهود على صرف الشباب من الجنسين عن دينهم خرج جيل من الشباب والفتيات بعيد عما يريده الله تبارك وتعالى، جيل لا تتمثل فيه صفات أهل الإسلام، جيل ينتسب إلى الإسلام، لكنك حين تراه لا ترى فيه خلق المسلمين وسلوكهم، ولعل ما شاهدتموه قبل قليل يعطي صورة أو جزءاً من هذا الواقع.
عاشت الأمة غربة كالحة حتى أصبح المتدين إنساناً غريباً شاذاً سواء أكان من الشباب أو الفتيات، أصبح الشاب الذي تظهر عليه مظاهر التدين يمثل نموذجاً شاذاً في المجتمع، خاصة حين يكون شاباً متعلماً، فالمفترض أن يكون شاباً راقياً، والتدين إنما يليق بالقرويين والفلاحين وغيرهم!
الفتاة حين تكون محجبة فإنها تصبح نموذجاً شاذاً، ويزيد الأمر حينما تكون طالبة متعلمة مثقفة، حينما تكون طالبة في التخصصات التي يتسابق الناس عليها ويشعرون أنه لا مكان لأمثال هؤلاء في هذه الدائرة.
بدأت الأمة تستيقظ، وبدأت ظاهرة عودة الشباب إلى الله تبارك وتعالى من الشباب والفتيات، وأصبحت اليوم في أي مكان وعلى أي مستوى لا يخطئك هذا النموذج؛ أن ترى هذا الشاب المتدين، تراه في مظهره فترى مظهره يحكي لك دون أن تعرف حاله وتعرف أخباره، هذا المظهر يعطيك انطباعاً وصورة بأنك أمام شاب متدين حريص على استقامته والتزامه.
وأصبحت أيضاً ترى الفتيات في تلك البلاد التي انتشر فيها السفور وأصبحت الفتاة تستطيع أن تلبس ما تشاء، وتستطيع أن تفعل ما تشاء، وتخرج كما تشاء في تلك البلاد أصبحت ترى الفساد ليست تلك الفتاة القروية، ليست تلك الفتاة التي تعيش في البادية أو تعيش في قبيلة محافظة إنما تلك الفتاة التي تعيش في المدن، في العواصم، تدرس في الجامعات ومع ذلك تراها محجبة تعتز بحجابها.
أصبحت هذه الظاهرة منتشرة في كل مكان، في الدول، في المدن، في الأقاليم، في القرى، في النواحي، في كافة الطبقات وكافة التخصصات، أصبحت ظاهرة تفرض نفسها، ومن هنا نشأ هذا الاصطلاح.
ربما البعض يتحفظ عليه أو يطرح بديلاً آخر لسنا في صدد نقاش هذه القضية، إنما نحن نتعامل مع أمر واقع، والمعنى واضح، فهناك شباب أصبح الالتزام سمتاً لهم وسمة لهم، وهناك فتيات أصبح الالتزام سمتاً لهن وسمة لهن، وصار الالتزام حياة ونقلة جديدة؛ ولهذا من الطبيعي أن تسمع أن فلاناً التزم واستقام.. أنني التزمت.. منذ التزمت.. أصبحت صورة واضحة، وصار هذا الوصف يعطي دلالة، فأنت حينما تصف فلاناً من الناس بأنه ملتزم أو تصف فلانة من الناس بأنها ملتزمة فهذا الوصف يعطي دلالة واضحة يفهمها الجميع ويعيها الجميع.
من هنا نشأ هذا الجيل وأصبحت له هذه الصفة، هذا المصطلح اصطلحنا عليه وإن كان البعض يتحفظ على هذا المصطلح، يتمنى أن نعبر بالمصطلحات التي دل عليها الشرع: المستقيم.. الصالح.. إلى آخره، لكن الاصطلاح إذا لم يترتب عليه محذور فلا إشكال فيه، وإن كان لو أتيح لنا الاصطلاح الشرعي الذي جاء في الكتاب والسنة فلا شك أنه أولى.
لكن لو اصطلح الناس على وصف لا يعارض الشرع فلا حرج في ذلك، فقد اصطلحت الأمة على علوم ومصطلحات، واصطلح الفقهاء على عبارات لم تكن بالضرورة قد نص عليها في الكتاب والسنة.
حينما نتأمل واقع هؤلاء الملتزمين من الشباب ومن الفتيات نرى مشكلة تؤرقنا كثيراً، تلكم المشكلة هي الشعور بالإحباط، نرى جيلاً محطماً، يأتي الشباب يلقون أسألتهم، يتحاورون، تسمع منهم، تجد أن الشباب الملتزمين المتدينين يعيشون إحباطاً، يعيشون نوعاً من عدم الثقة بالنفس، يعيش كثير منهم نوعاً من الشك في الالتزام، فتراه يطرح علامة استفهام على التزامه؛ ولهذا تجده كثيراً ما يقول: أنا شاب محسوب من الملتزمين، أنا شاب يعدني الناس من الملتزمين، وهكذا بالنسبة للفتيات؛ ولهذا ترى كثيراً منهم يضع علامة استفهام على التزامه واستقامته أصلاً.
السؤال: هذه القضية هي التي سنحاول أن نتحدث حولها حديثاً لعله أن يكون حديثاً من عفو الخاطر.
أعتقد أن عدم ضبط التوازن بين الهوية والتكاليف كان من نتائجه أن نرى هذه الصورة، يمكن أن نذكر أبرز السمات التي ارتبطت بهذا الشعور منها:
الشعور بالنقص:
ترى الشباب والفتيات الملتزمين يشعرون بنقصهم، لا نعني بذلك النقص البشري، فالبشر لابد أن يكون لديهم النقص البشري، لابد أن يكون لديهم القصور الذي هو ملازم للبشر، سواء في طبيعتهم وخصائصهم أو حتى في تدينهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أنكم تذنبون لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم).
وقال: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، فكل الناس لابد أن يقعوا في الخطأ، كل الناس لابد أن يقعوا في التقصير، فأن نشهد تقصيرنا البشري الذي هو جزء من كوننا بشراً هذا أمر طبيعي، لكن الشعور بالنقص الذي يتجاوز هذه القضية، ضعف الثقة بالنفس، سواء على مستوى الجيل والتيار أو على مستوى الأفراد.
فالآن لو سألت هذا السؤال وسألت الشباب: ما رأيك في الشباب الملتزم اليوم؟ وسألت الفتيات: ما رأيكن في الفتيات الملتزمات اليوم؟
ماذا تتوقعون أن تكون معظم الإجابات، ونحن نتحدث عن تيار عام، عن ظاهرة عامة، سنجد أن النسبة الكبيرة تنظر نظرة قاصرة، تنظر نظرة دونية، إنه يقول لك: إن جزءاً كبيراً من الالتزام الشائع اليوم مظهر أكثر منه حقيقة، إن هؤلاء كثير منهم غثاء، هؤلاء لا يتوقع منهم.. إلى آخره.
أنت ترى الحكم الآن في النهاية يدور حول الشعور بضعف هذا الجيل، بضعف هذا التيار، سواء أكان على مستوى الشباب أو كان على مستوى الفتيات، وعلى المستوى الفردي تجد معظم الشباب فاقدين للثقة بأنفسهم، يشعرون بأنهم غير مؤهلين للإنجاز، غير مؤهلين للتغيير، غير مؤهلين لأن يعيشوا حياة الالتزام الحقيقية.
مظهر آخر: سيطرة التفكير في المشكلات:
حينما ألتقي بعدد من الشباب وأستقبل أسألتهم أجد أسئلة كثيرة تدور حول مشكلات:
إنني أعاني من كذا، كيف أتخلص من كذا؟ أنا لا أحس أنني صادق في التزامي، لا أحس أنني جاد في التزامي، أنا لست جاداً في طلب العلم، لست جاداً في الدعوة، أنا عندي مشكلة كذا، أنا عندي كذا، تجد دائماً اللغة التي تسيطر علينا هي شعورنا بالمشكلات وسيطرة هذا الشعور، والأمر نفسه أيضاً تجده عند الفتيات.
لا شك -أيها الإخوة- أننا بحاجة إلى أن نشعر بالمشكلات، ومن الخطأ أن تغيب عنا مشكلاتنا، من الخطأ أن نتجاهل مشكلاتنا، والخطوة الأولى للتصحيح ولتجاوز المشكلات أن نعرفها وأن نعيها.
لكن الجيل الذي لا يفكر إلا بالمشكلات، الجيل الذي تسيطر عليه المشكلات؛ أعتقد أنه جيل غير مؤهل للإنتاج والتغيير كما سيأتي.
مشكلة أخرى ترتبط بهذه الظاهرة وهي ضعف الفاعلية: نحن نملك اليوم أعداد لا بأس بها من الشباب والفتيات الصالحين والذين نصطلح أن نصفهم بالملتزمين والملتزمات، والانتشار أفقي واسع، لا تكاد تدخل مدرسة من المدارس، بل فصلاً من الفصول في المدارس إلا وتجد فيه شاباً أو فتاة ملتزمة ومتدينة، أو تجد عدداً من المعلمين والمعلمات في هذه المدرسة أو تلك، لا تأتي حياً، لا تكاد ترى أسرة إلا وتجد هؤلاء.
أعتقد أن هذه الطاقات لو فعلت بطريقة جيدة وصحيحة لكان النتاج هائلاً، أو افترضنا أننا أمام شركة تجارية تملك مندوبين مسوقين في مدن شتى في مناطق شتى، سنتوقع تسويقاً عالياً لمنتجات هذه الشركة، ونتوقع ترويجاً عالياً لها.
إننا اليوم نملك طاقات كبيرة ومنتشرة في كافة المستويات، ولديها الرغبة في العمل والإنتاج، وأنا لست من المتشائمين، ولست من أولئك الذين يبالغون في النقد، فوافقوني أو خالفوني، وقولوا ما شئتم، لكنني أتفاءل وأقرأ في هذه الوجوه الخير، أقرأ فيها الإقبال على الخير، أقرأ فيها الإقبال على الصلاح، وأقرأ فيها ما لا يقرؤه الآخرون، لا أدري ألأني أسلط النظر على هذه الصفحة والآخرون يسلطون على تلك، أو لأني متفائل والآخرون متشائمون؟ لا أستطيع أن أفسر ذلك.
لكنني أقول: إننا نملك اليوم طاقات هائلة، وأعداداً غفيرة من الشباب والفتيات، وهي تملك الرغبة والحماس، لو وظفت توظيفاً فاعلاً لأنتجت نتاجاً هائلاً أكثر مما نتصور.
إذاً: هذا الجيل يعاني من ضعف في الفاعلية، وضعف في التأثير.
أيضاً: من آثار ذلك الإخفاقات، نجد حالات من التراجع والتقهقر والتي اصطلحنا في أدبياتنا أن نسميها بالانتكاس:
وهي حالات موجودة وكثيرة، جزء من هذه الحالات مصدره الشعور بالإحباط، أنا أرفض أن أفسر هذه الظاهرة بهذا العامل، لكن أقول: إن هذا العامل أحد العوامل التي تفسر لنا هذه الظاهرة، فهناك عدد من حالات التراجع والإخفاق مصدرها أن الشاب تمر به مواقف فيفشل فيها في السيطرة على نفسه، يفشل في التخلص من معصية يعاني منها، فيحاول ويحاول مرة أخرى فيشعر أنه غير جاد، يشعر أنه منافق، يشعر أنه غير مؤهل للالتزام فيحسم الموضوع ويتخذ قرار التراجع والتقهقر!
أيها الإخوة والأخوات، هذه صور ونماذج تعكس حال هذا الجيل الذي يعاني من إحباط، ينظر إلى الالتزام نظرة واحدة، ينظر إلى الالتزام على أنه أعباء وتكاليف، وقيود صارمة، وأنه مرتقى صعب ليس من حق أي إنسان أن يدعيه ولا أن يسلكه، بل نسمع من الكثير بلسان الحال أو لسان المقال أننا لسنا أهلاً أن نوصف هذا الوصف.
والمشكلة -أيها الإخوة والأخوات كما أشرت قبل قليل- تتجاوز الحكم الفردي، قد يكون الإنسان متواضعاً، قد ينظر إلى سيئاته وتقصيره، لكنك تراها على الجيل.
لو ألقينا سؤالاً على الحاضرين والحاضرات: ما رأيكم اليوم في الشباب الملتزمين؟ ما رأيكن في الفتيات الملتزمات؟ سنجد معظم الإجابات تنظر نظرة فيها إحباط، تنظر نظرة متشائمة، ترى أن هذا الجيل جيل غير مؤهل، جيل غير جاد في التزامه، غير صادق في التزامه.
قد نفترض -كما قلت- مقت النفس واحتقار النفس والنظر إلى قصورها في الحكم الفردي حين يحكم الإنسان على نفسه، أما حين نحكم على الجيل فأعتقد أن مثل هذا الحكم يحتاج إلى إعادة نظر ويحتاج إلى مراجعة.
أيها الإخوة والأخوات: الجيل اليوم يواجهه تحديات ضخمة، وأركز على تحديين.
التحدي الأول: الثبات في ظل عالم تعلو فيه فتن الشهوات والشبهات:
ونحن أمام عالم أصبح القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، أصبحت فتن الشبهات والشهوات تلاحق الناس في مجتمعاتهم، في شوارعهم، في منازلهم، بل في أسرتهم وفي غرفهم، وأصبحت هذه الفتن تواجه الشاب، تواجه الفتاة.
نحن أمام تحديات صعبة، ويشعر المسلم اليوم خاصة الشاب والفتاة بصعوبة استقامته والتزامه، يشعر أن فتن الشهوات والشبهات أمامه تتقاذفه وتختطفه، فهو أمام تحد، وأمام مطلب صعب.
التحدي الثاني: التغيير والإصلاح:
هذا الجيل المبارك من الجنسين هو الجيل الذي ننتظر منه بإذن الله أن يصلح، هو الجيل الذي ننتظر منه أن يرفع لواء الإصلاح والتغيير، من خلال المحيط الذي يتعامل معه ويتحرك من خلاله أو ما ننتظره في المستقبل، فنحن ننتظر أن يخرج من هؤلاء القادة والموجهين، وننتظر من هؤلاء الذين يقودون مشروع الإصلاح والتغيير الشامل.
مشروع الإصلاح الذي نتطلع إليه وننتظره -أيها الإخوة والأخوات- مشروع ضخم، ليس مجرد إلقاء كلمات هنا وهناك، ليس مجرد إلقاء مواعظ، ليس مجرد استثارة عواطف، إننا بحاجة إلى تغيير في المجتمع، والتغيير في المجتمع يحتاج إلى تحد، يحتاج إلى طول نفس، يحتاج إلى جيل مؤهل للتغيير، جيل يملك إمكانات وقدرات، يستطيع أن يفكر بطريقة صحيحة، يستطيع أن يعمل بطريقة صحيحة، يستطيع أن يفهم واقعه بطريقة صحيحة، يستطيع أن يقود عملية التغيير في كافة مجالات الحياة؛ في المجال الاجتماعي، في المجال الاقتصادي، في تدين الناس، في كافة مجالات الأمة، فنحن بحاجة إلى تغيير شامل، وصناع هذا التغيير هم هذا الجيل.
إذاً: هذا الجيل -أيها الإخوة والأخوات- يواجه تحديين: تحدي الثبات والاستقامة في ظل هذا الواقع وهذا العصر لصعوباته، وتحدي التغيير والتأهل للتغيير.
دعوني أسأل سؤالاً: هل تعتقدون أن الجيل المحبط الذي يفقد الثقة في النفس وينظر إلى نفسه نظرة دونية مؤهل لمواجهة هذه التحديات؟ حين نربي جيلاً نلهب ظهره بسياط الإحباط ونجيد صناعة الفشل، ووأد الطموح والثقة، فهل تعتقدون أنا سنخرج جيلاً يتهيأ للثبات في ظل هذا العصر ليقود عملية التغيير؟
نحن -أيها الشباب والفتيات- ننتظر منكم مشروعات طموحة، ننتظر منكم جهوداً هائلة، لا يمكن أن تكونوا عند مستوى طموحنا وتطلعنا حين تكونوا مطأطئي الرءوس، فاقدي الثقة، فإن الذي لا يستطيع أن يقود نفسه كيف يقود الآخرين؟ الذي لا يثق في نفسه كيف يمكن أن يوجه عملية التغيير وإرادة التغيير.
أعتقد أن الصورة واضحة أمامنا، ويشعر المربون والغيورون أن تحدي الثبات تحد ضخم أمامنا يواجهنا، ونشعر جميعاً أن تحدي التغيير هو الآخر تحد ضخم، وأننا بحاجة إلى أن نعد جيلاً يكون عند مستوى تطلعاتنا وعند مستوى طموحاتنا، لكن نحتاج أن نتساءل: هل ربينا هذا الجيل بالصورة التي تؤهله لأن يصل إلى هذا المستوى، بالصورة التي تؤهله أن يواجه هذه التحديات؟ أعتقد أننا بحاجة إلى مراجعة.
الجيل الذي نراه اليوم ونلمسه يقبل على الخير، يقبل على اللقاءات، جيل واعد نستبشر به، لكننا قد نخطئ بحسن نية وقد تدعونا المبالغة في الحرص فنقسو قسوة أو نسلك طريقاً ربما أدى إلى هذه النتيجة التي نعاني منها.
لماذا نرى اليوم الإحباط يسيطر على كثير من الشباب؟
لماذا نرى الشباب من الجنسين ينظر إلى الالتزام على أنه تكاليف وأعباء وقيود؟
لماذا يغفل النظرة إلى الجانب الآخر والصورة الأخرى؟
هناك عوامل ولدت هذه الظاهرة، لا يتسع الوقت لأن نستعرض كل هذه العوامل، لكني سأشير إشارات يسيرة إلى أبرزها؛ لأن موضوع الحديث ليس الحديث عن العوامل، إنما هو حديث حول هذا العنوان العريض، هي دعوة إلى أن نطرح هذا السؤال ونسعى للإجابة عليه، أن يطرحه الشباب والفتيات وأن يطرحه المربون والذين يتحدثون للشباب.
من هذه العوامل: سيطرة لغة الانتقاد والحديث عن الأخطاء:
الخطاب الموجه للشاب الملتزم والفتاة الملتزمة اليوم خطاب يسيطر عليه الانتقاد، يسيطر عليه التركيز على الأخطاء.
حينما نتحدث مع الشباب نتحدث عن آفات الشباب الملتزم، أخطاء الشباب الملتزم، أخطاء يقع فيها الشباب الملتزم، آفات، صدق الالتزام، عناوين نسمعها كثيراً، ويأتي هؤلاء الشباب، تأتي هذه الزهور المتفتحة، هذه الوجوه المشرقة وتستمع لهذه السياط التي تلهب ظهورها، وتستمع وهي تحب هذا الحديث؛ لأنه حديث من مشفق ناصح.
نعم، إن أولئك الذين يتحدثون هم يتحدثون من هذه المنابر، ويتحدثون مع هذا الجيل، ويتحدثون حديث المشفق الناصح، إنهم غيورون، إنهم حريصون على هذا الجيل، ولفرط حرصهم يحرصون أكثر على أن يبقى هذا الجيل نظيفاً، أن يبقى جيلاً طرياً فتزعجهم أي نقطة سوداء على هذا الثوب الناصع البياض.
ومن هنا قد يتجاوزون لحرصهم، شأنهم شأن ذاك الإنسان الذي وجد جوهرة ثمينة فوضعها في جيبه، فصار يتحسس جيبه بين فترة وأخرى، يخشى أن تسقط هذه الجوهرة، وهذا السلوك أفضل رسالة لأولئك الذين يحترفون النشل، تشعرهم بأن ثمة صيداً ثميناً في جيب هذا الرجل الذي يدفعه ذلك الحرص، أو ذلك الذي اقتنى منزلاً فارهاً، أو سيارة جميلة، أنفق عليها مالاً كثيراً، فتراه يسعى للحفاظ عليها، يتجنب الطرق التي يخشى أن يسمع من خلالها ضجيجاً، الطرق التي تلوح هذا الجمال الناصع الذي تتمتع به هذه السيارة وهذا المركوب.
نعم أيها الإخوة الكرام: إن هناك الغيورين الذين يتحدثون للشباب، أو الأخوات الداعيات اللاتي يتحدثن مع الفتيات، لكن أعتقد أن الانتقاد أخذ أكبر من حجمه الطبيعي وأخذ أكبر من حاجته، ونحن لسنا ضد الانتقاد، وأعتقد أن أياً منكم لو راجع شيئاً من مادتي المسموعة والمكتوبة سيجد نماذج من ذلك، ولابد أن ننتقد المظاهر الخاطئة، لكن أعتقد أن الانتقاد أخذ أكبر من حجمه، وأعتقد أننا تجاوزنا في الانتقاد، وصار حديثنا عن الأخطاء سمة بارزة؛ ولهذا فالشباب اعتادوا هذا الحديث، اعتادوا الحديث عن آفات الشاب الملتزم، عن أخطاء الشاب الملتزم، مشكلات الشاب الملتزم، هل نحن جادون في الالتزام، هل نحن ملتزمون حقاً؟ هل نحن صادقون؟ هذه عناوين نسمع بها كثيراً وعناوين براقة، وربما تعجبنا أكثر من العناوين الأخرى.
اتصلت علي فتاة، وقالت: أريد أن تلقي محاضرة عن أخطاء الملتزمات وآفات الملتزمات، قلت: لماذا؟ قالت: إن هناك مادة قدمت للشباب عن آفات الملتزمين وأخطاؤهم.
قلت: هل تعتقدين أن هناك أخطاء للملتزمات؟ قالت: نعم، وهي كثيرة.
قلت: أنا سأعد للمحاضرة، وكان هذا قديماً، وكانت المحاضرة بعنوان: القابضون على الجمر، وتحدثت فيها عن الوجه المشرق لهؤلاء، ولو كنت أشعر أن هناك مادة أخرى يمكن أن تستقل بالحديث لقدمت حديثاً خاصاً بالفتيات أيضاً حول هذه الصورة، قلت: إننا بحاجة إلى أن نبرز الصورة المشرقة، بحاجة إلى أن نتوازن، لماذا يكون حديثنا دائماً حول النقد؟ لماذا حديثنا حول الأخطاء؟ أين نحن من منهج النبي صلى الله عليه وسلم وسنشير إلى شيء من ذلك.
عامل آخر: النظرة السلبية للنفس:
حين ننظر إلى أنفسنا تسيطر علينا النظرة إلى العيوب والأخطاء وجوانب القصور.
لست أدعو إلى أن نزكي أنفسنا، لست أدعو إلى أن نبالغ في الثناء على أنفسنا، لكن هناك فرق بين أمرين: بين امتناع الإنسان عن تزكية نفسه وبين مقت النفس الذي تحدث عنه السلف وبين الثقة بالنفس والتي نعني بها شعور الإنسان أنه يمكن أن ينتج شيئاً، يمكن أن يغير، يمكن أن يصنع الشيء الكثير.
الثقة بالنفس تعني أن نشعر أننا نملك طاقات، نستطيع أن نصنع، نستطيع أن ندعو، نستطيع أن نغير في واقعنا، نملك الكثير، والإعجاب بالنفس هو رضا الإنسان عن نفسه، شعوره بأن له منزلة عند الله، شعوره.. هذا شيء وذاك شيء آخر، الخلط بينهما هو الذي يؤدي إلى أن نفهم هذه القضية فهماً خاطئاً فننظر نظرة سلبية إلى أنفسنا، إننا بحاجة -أيها الإخوة والأخوات- إلى نظرة متوازنة لأنفسنا، وإلى عيوبنا وأخطائنا، وأن ننظر إلى إمكاناتنا، وأن ننظر إلى ملكاتنا، أن ننظر إلى ما حبانا الله من قدرات ومهارات حتى نوظفها توظيفاً صحيحاً.
قد أكون شخصاً لست سخياً بالمال والإنفاق، لكنني أجيد الحديث، فلماذا لا أنظر إلى هذا الجانب وأوظف هذه القدرة في الحديث مع الناس، قد لا أجيد الحديث والخطابة، لكني أجيد الكتابة، فلماذا لا أنظر إلى هذا الجانب في نفسي وأستثمره، قد أجيد العلاقات الاجتماعية.
فما من إنسان إلا وعنده جوانب إيجابية هي جوانب نجاح، فلماذا نفرط في النظر إلى الجوانب السلبية في حياتنا؟ لماذا لا نبحث عن مجالات النجاح؟ الذي يريد أن يعمل وينتج لا ينظر إلى جوانب السلبية، بل يبحث عن جوانب النجاح، يبحث عن الجوانب التي يمكن أن ينجز من خلالها فيوظف هذه المجالات.
واليوم اتسعت مجالات الدعوة وأصبحت تستوعب الجميع من الرجال والنساء، تستوعب الصغير والكبير، تستوعب المتميز والبليد، وما من إنسان إلا وعنده مجال يمكن أن ينجح فيه، وهذا المجال يمكن أن يوظف في مجال الخير والدعوة.
عامل آخر: تعميم الصور المثالية:
إذا تحدثنا -أيها الإخوة- عن قيام الليل أوردنا صوراً مثالية من سير السلف لم يصل إليها إلا آحاد منهم، إذا تحدثنا في الورع أوردنا أقوالاً ونماذج من هؤلاء، إذا تحدثنا في الاجتهاد في طلب العلم أوردنا نماذج من هؤلاء، إذا تحدثنا في الدعوة.. في الجهاد.. في أي ميدان أوردنا نماذج من هؤلاء، ولست أعترض أبداً على الاستشهاد بهذه المواقف ولا على هذه الأقوال، لكن المشكلة أن كثيراً من هذه الأقوال شاذة إنما لم تكن طبيعية، لم تكن صفة لكل الناس في ذلك المجتمع.
فحينما نعمم هذه النماذج ونحاكم الناس إليها؛ حينما أحدثكم عن عبادة الحسن البصري رحمه الله، أو أحدثكم عن جهاد ابن المبارك ، أو أحدثكم عن دأب الإمام أحمد في طلبه للعلم، وأقول: حاكموا أنفسكم إلى هذا النموذج، أعتقد أنها صورة خاطئة وغير صحيحة، نعم نحن بحاجة إلى أن نبرز القدوات والنماذج، لكن هذا شيء وأن نحاكم الناس إلى هذا النموذج شيء آخر، فمراتب الخير تتفاوت، الرسول صلى الله عليه وسلم يأتيه أعرابي فيقول: (ماذا فرض الله علي؟ قال: خمس صلوات، قال: هل علي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع، وصوم رمضان، هل علي غيره؟لا، إلا أن تطوع. وحج البيت.. قال: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق).
وفي موقف آخر يبايع النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئاً، فهذا نموذج وذاك نموذج، ينبغي أن نبرز الصور المشرقة من سير السلف ونماذجهم والقدوات، لكن أيضاً لا نحاكم الناس إليها، ولا نعمم هذه النماذج.
ما الذي يحصل -أيها الإخوة والأخوات- حينما يأتي الشاب فيقرأ هذه النماذج ويقارن نفسه بها، فيقول: أين أنا من عبادة فلان مثلاً، أين أنا من اجتهاد فلان، أين أنا.. إذاً أنا لست شيئاً، النتيجة أنا غير مؤهل أن أغيره.
حينئذ يتكرس هذا الإحباط عند الأفراد وعند هذا الجيل، فيخرج لنا جيل فاقد للثقة بنفسه، جيل يشعر أنه غير مؤهل للإنتاج.
نحن لا نريد اليوم أن نخلق الغرور عند الجيل ونقول: إنكم ستدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، لكننا أيضاً ينبغي أن نتوازن، وفرق بين أن نورد النماذج المتميزة ليقتدي بها الناس، وبين أن نحاكمهم إليها.
صورة أخرى: تضخيم الأخطاء:
نحن نضخم الأخطاء كثيراً ونبالغ في تصويرها، وهذا لا شك سيؤدي إلى هذا الشعور.
وأعتقد أنني مضطر إلى أن أتجاوز هذه النقطة.
نحن بحاجة إلى أن ننظر إلى الالتزام على أنه تكاليف، نعم، فيه تكاليف تحتاج إلى جهد وصبر، لكن أيضاً نحتاج إلى أن نبرز الصورة الأخرى الالتزام هوية.. انتماء.. اعتزاز، نحن نريد الجيل الذي يعتز بأنه متدين، الجيل الذي يمشي وهو يرفع رأسه بإسلامه لا فخراً ولا بغياً؛ لكن ذلك السلوك الذي أمرنا القرآن أن نتأسى به: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:139-140].
اليوم يتحدث الغرب عن توظيف السلاح النووي، يتآمر العالم بمؤسساته، بحكوماته، بدوله على حرب هذا الجيل وحرب هذه الظاهرة، ويبقى هذا الجيل منتصراً، صامداً، فماذا يملك هذا الجيل؟ شباب لا يملكون وسائل إعلام، لا يملكون أنظمة تتحدث باسمهم، لا يملكون منظمات ومؤتمرات، ومع ذلك يشعر العالم أن هذا يشكل الخطر الداهم.
الشباب الأعزل اليوم في فلسطين يواجه الدبابات، يواجه المدفعية، يواجه دولة تملك ترسانة نووية هائلة، تملك جهاز مخابرات متفوق، ومع ذلك يواجهون بالحجارة هذا السلاح.
الفتاة التي يسخر منها في التمثيليات، في برامج الفن، في وسائل الإعلام؛ تحارب لأنها متحجبة، تحارب لأنها ملتزمة، ومع ذلك تصر على التزامها وعلى حجابها، وانظروا مثلاً إلى الصور التي تنقلها وسائل الإعلام من الشارع الفلسطيني، كم ترى نسبة المحجبات في ذلك المجتمع الذي يحكمه إخوان القردة والخنازير، الشباب الذين ضربوا أروع الأمثلة في الشيشان وفي أفغانستان، همتهم متوقدة للجهاد، للذب عن الدين، للبذل .. للتضحية، الشباب الذي صمد أمام كل هذه المواجهات، ونوقن بإذن الله أنه مهما ووجه فإنه سيصمد بإذن الله.
إننا بحاجة إلى الشاب الذي يعرف قيمته، يعرف منزلته، لا فخراً ولا بغياً، إنما يقول للناس: إننا الأعلون حين نكون مؤمنين، وحين يعيش الشباب هذا الشعور يثبت بإذن الله، في هذه الشدائد، ويستطيع أن يغير، ويقول: طال الزمن أم قصر فالأمر لله عز وجل، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105]، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].
إذاً: -أيها الإخوة والأخوات- إننا بحاجة إلى هذا التوازن، وهو أن يشعر الشاب الملتزم والفتاة الملتزمة أن الالتزام كما أن فيه تكاليف وأعباء فهو هوية وانتماء، وأمر يعتزون ويفتخرون به، إننا بحاجة إلى أن نقول للشباب حين نراهم: مرحباً بهذه الوجوه المشرقة، الوجوه الواعدة، إنكم أمل الأمة، إننا نستبشر حين نراكم، إننا نؤمل بإذن الله فيكم خيراً، ونشعر أن هذه الأمة التي تملك هذه الطاقات أمة مقبلة على خير طال الزمن أو قصر، والتغيير لا يقاس بالسنوات، بل يقاس بأعمار الأمم والأجيال.
فالتغيير قادم، رأيناه أو رآه الجيل الذي بعدنا أو الذي بعده، وهذه الصحوة بإذن الله عز وجل لن تنتهي إلا إلى تمكين ونصر ما دامت تملك هذه الطاقات.
أعتقد أننا بحاجة إلى أن نسمع هذه اللغة بدلاً من تلك اللغة التي تقول: إنكم غير جادين، إنكم مقصرون في عبادتكم، مقصرون في طلب العلم، أنتم لا تستحقون نصراً، أنتم لا تستحقون أن تصفوا أنفسكم بأنكم ملتزمون، أعتقد بأننا بحاجة إلى توازن.
حين نتحدث عن الأخطاء نحن بحاجة إلى أن ننقد مجتمعاتنا وبحاجة إلى أن ننقد جيل الصحوة؛ لأن النقد خطوة نحو التصحيح، لكنا بحاجة إلى اعتدال في النقد، فحينما نتحدث عن الأخطاء في صفوف الشباب والفتيات فإننا بحاجة إلى أن نعتدل في حديثنا عن هذه الأخطاء.
أولاً: في الموقف الشرعي منها:
قد نتحدث عن معصية من المعاصي هي صغيرة من الصغائر فنحولها إلى كبيرة، وهذا ليس هو المنهج الشرعي، إن المعاصي فيها صغائر وفيها كبائر، نعم، نحن لا ندعو الناس إلى أن يستخفوا بمعصية الله، ولا ندعو الناس أن يستهينوا بالمعصية، لكن لا يسوغ أن نجعل الصغيرة كبيرة، قد يقع الشاب في معصية من المعاصي وهي صغيرة من الصغائر فيتوب، فنبالغ نحن في حديثنا عن هذه المعصية، ونجعل وقوع الشاب في هذه المعصية دليلاً على نفاقه، وعدم جديته، فيضطر الشاب إلى أن يتخذ قراراً في النهاية أن يودع الالتزام والاستقامة؛ لأنه يشعر أنه فشل في هذه التجربة، لكن هذا بحاجة إلى أن نسمعه: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:54]، بحاجة أيضاً إلى أن نعتدل في إعطاء الظاهرة حجمها الطبيعي.
اعتدنا أن نسمع كثيراً: هذه الظاهرة عمت وانتشرت، عمت وطمت، ويقع فيها الجميع إلا من رحم ربك، هذه الكلمات اعتدنا أن نسمعها كثيراً، وأعتقد أنه حديث مبالغ فيه، فمتى نتعلم الاعتدال؟ متى نستطيع أن نقول: إن هذه الظاهرة خطيرة لكن انتشارها اليوم في صفوف الصالحين محدود، انتشارها قليل..، نعم لسنا بالضرورة ندعو إلى أن يقتصر حديثنا على الظواهر التي انتشرت بدرجة كبيرة، لكن حين نتحدث عن ظاهرة فلماذا نبالغ؟ لماذا نعطيها أكبر من حجمها؟ لماذا نعطيها أكبر من وزنها في ميزان الشرع؟ ولماذا أيضاً نضخم انتشارها وهي ليست كذلك؟
إذاً أيها الإخوة والأخوات، أيها المربون، أيها الغيورون، ليس من الغيرة أن نبالغ في تضخيم الأخطاء، فلنتحدث عن الأخطاء في إطارها الطبيعي وحجمها الطبيعي، وكل شيء مهما كان مطلوباً وجميلاً إذا جاوز الاعتدال أدى إلى صورة سلبية، الماء لا يمكن أن نشربه إلا بارداً، لكن لو زادت درجة برودة هذا الماء وتجاوز في الاعتدال لأصبح ضاراً.
التكييف نحتاج إليه ولا نستغني عنه، لكن لو زاد لأصبح ضاراً، مكبر الصوت الذي أتحدث من خلاله لا غنى لكم عنه، ولو زاد لأصبح مزعجاً مقلقاً.
فأقول: الحديث عن الأخطاء مطلوب، والتصحيح مطلوب، لكن ينبغي أن نتحدث بقدر، ويجب أن نعلم أننا إذا بالغنا في ذلك سيكون هذا الحديث مزعجاً، وسيؤدي إلى نتائج عكسية وجزء منها ما أشرنا إليه.
أيضاً نحن بحاجة إلى التوازن بين إبراز جانب التكليف وإبراز الصورة الإيجابية:
حينما نتحدث عن الالتزام نحن أمام كفتين، نتحدث عن الالتزام باعتبار أنه تكليف وباعتبار أن الإنسان بحاجة إلى أن يأخذ الشرع بقوة، وهذا أمر لا شك فيه، لكن أيضاً نحتاج إلى أن نبرز عند الشباب وعند الفتيات أن الالتزام هوية، لماذا لا نجعل الشاب يعتز بالتزامه، يعتز بانتمائه للملتزمين، يفتخر بأنه ينتمي إلى هذا التيار، كما هو حال كثير من الشباب الذي يفتخر مثلاً بتشجيع فريق كروي.. يفتخر بانتمائه إلى شلة.. إلى عصابة في الحارة تلبي حاجة عند الشاب في هذه المرحلة، لماذا لا نجعل هذا الشعور عند الشاب الملتزم؟ ألسنا نرى اليوم بعض الشباب إذا قابل زملاءه أو أقرانه حاول أن يظهر بصورة أنه غير متدين، حاول يعدل في مظهره أحياناً، يحاول أن يترك بعض الأشياء التي يفعلها مع الصالحين حتى لا يوصم بأنه متدين؟ لماذا لا نجد الشاب الذي يرفع رأسه ويقول: نعم أنا متدين وأفتخر وأعتز بذلك، ويسعدني أن أرى مثل هذا النموذج.
أذكر موقفاً قديماً لكني لم أنس تلك الصورة وإن كنت لم أفهمها كما أفهمها الآن، حين كنت في سن الشباب في المرحلة المتوسطة، كان أحد الشباب المتدينين يتحدث مع شاب آخر غير متدين، بغض النظر عن اللغة التي كان يتحدث بها والأسلوب، لكن كان يقول: أنت يرضيك الواقع الذي أنت عليه؟ يقول: أسألك ما هو هدفك في الحياة، ما هي رسالتك؟ هذا لا يعرف الهدف إلا في مصطلح الرياضة، فرفع رأسه قال: طيب وأنت لك هدف؟ قال: نعم أنا لي هدف، أنا أحمل رسالة، هل تعتقد أن مظهرك هذا مظهر لائق بإنسان فضلاً عن شخص ينتسب للعلم.. إلى آخره، وبدأ يلهب ظهره بهذا الحديث.
وحين سأله الآخر عن هدفه ورسالته رفع رأسه معتزاً: أنا أحمل هدفاً، أنا صاحب رسالة.. وبغض النظر عن الموقف، لكن الشعور الذي يملكه ويحمله هذا الشاب نحن بحاجة إليه، أعتقد أن الشاب الذي في المرحلة المتوسطة أو الثانوية إذا كان يعتز بالتزامه يعتز بتدينه سيكون أكثر ثباتاً، سيكون أكثر تأثيراً، فيمشي مرفوع الرأس، ويبلغ رسالته للناس.
الصورة الأخرى رأيتها حين كنت معلماً قد بدأت أفهم الموقف بشكل أفضل من ذي قبل، كان هناك شاب متدين، ومجموعة من الشباب في ممر المدرسة، فمر هذا الشاب فلمزوه ببعض الأوصاف التي يوصف بها المتدينون، فوقف وعاد وسأل الشاب: ماذا تقول؟ صدم بهذا الموقف، هو اعتاد أنه إذا وصف هؤلاء يطأطئون رءوسهم وينصرفون، تلعثم وقال: يعني: أقول إنك مطوع باللهجة التي يرددها، قال: نعم أنا أفتخر بهذا وأعتز، وأنت فاسق؟ قال: لا، ما أنا فاسق، ما عليش يا أخي، المعذرة! قال: لا، أنا إنسان متدين وأعتز وأفتخر أن أوصف بهذه الصفة، يعني: أنت أولى أن تستحي! فكأنه قال له بلسان الحال: انصرف كما كنت جهولاً.
المقصود: أن هذا الشعور الذي يملكه هذا الشاب نحن بحاجة إليه بغض النظر عن وسيلة التعبير عنه، بغض النظر عن الموقف، أتمنى أن نربي أبناءنا على هذا الاعتزاز، حينئذ سنكون أمام جيل واثق من نفسه، جيل يمكن أن يغير بإذن الله تبارك وتعالى.
أيضاً: من الأمور المهمة تأصيل معنى الالتزام وبيان أنه هو الأصل:
الصورة المترسخة عند الناس أن الالتزام طارئ، لا أنه هو الأصل، فإن الله تبارك وتعالى خلق هذا الكون كله خاضعاً له: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44]، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ [الحج:18]، فالكون كله يخضع ويسبح ويسجد لله تبارك وتعالى.
فالشاب الملتزم المتدين يعيش في تناسق مع الكون كله، مع كل هذه المظاهر التي تراها خاضعة ومسلمة لله عز وجل، فمن هو الشاذ ولو كثر عدده؟ ماذا يساوي البشر اليوم على ظهر الأرض، والمعمورة كم فيها من البحار والأشجار لكن ماذا تساوي في ظل هذا العالم الفسيح الضخم، كل هذا العالم خاضع ساجد قانت لله تبارك وتعالى إلا أولئك الغافلين المعرضين!
إذاً: فالتدين هو الأصل، الشاب حين يكون ملتزماً متديناً فهو يعيش في تناسق مع هذا الكون، يعيش حياة طبيعية، أما الآخر فهو الذي يسبح ضد التيار، فإن الله خلق الخلق ليعبدوه، فنحن حين نلتزم ونستقيم نحقق الغاية التي خلقنا من أجلها، ونسير عليها، أما أولئك فهم يتنكبون الطريق، شأنهم شأن إناء صنع لمهمة، ولو وضعته على النار لانكسر؛ لأنه لم يخلق لذلك ولم يصنع لذلك، كذلك هذا الإنسان الذي ينحرف عن طاعة الله عز وجل.
إذاً: فالالتزام هو الأصل وليس أمراً طارئاً، هذا المعنى نحتاج أن نؤصله وأن نبسطه، وتأصيل هذه المعاني ليس بمجرد كلام نقوله، وإنما تبسط هذه المعاني من خلال وسائل عديدة يعيشها الشباب في مشاعرهم، فحينئذ سيعيشون صورة الاعتزاز والتسامي والارتقاء.
الاعتناء بإبراز النماذج والصور الإيجابية، نبرز النماذج الصالحة أمام الشباب من السلف والخلف، فيتطلعون إليها ولا تكون القضية مجرد تركيز على نقد وأخطاء، وحينما نتناول النماذج والقدوات ينبغي أن نتناولها بطريقة لا تؤدي إلى الإحباط، إنما تؤدي إلى التطلع والاقتداء والرغبة في الارتقاء.
الاعتناء بإبراز الصور الإيجابية، هناك صور إيجابية مشرقة، عند هذا الجيل المبارك نراها اليوم، نحن بحاجة إلى أن نبرزها، دعوني أشير إلى طائفة منها مرة أخرى، فهم جيل الغرباء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء)، فهم الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر) هذه صورة إيجابية، صورة مشرقة.
صورة أخرى: الثبات اليوم رغم الفتن التي تواجه الشباب، الواقع كله والتيار يدعو الشباب والفتيات إلى طريق آخر، ومع ذلك يثبتون ويثنون ركبهم عند أولئك الذين يضربون ويجلدون ظهورهم بسياط اللوم والحديث عن الأخطاء ويستأنسون بهذا الحديث؛ لأنهم يرون أنه وسيلة للإصلاح، وهؤلاء الشباب الذين يتسابقون إلى حلقات القرآن، إلى المحاضرات، يرمون زملاءهم في الشوارع والملاعب، ويأتون إلينا في المحاضرات ثم نلومهم ونقول لهم: أنتم غير جادين، أنتم غير ملتزمين.
إذاً: ما الذي جاء بهؤلاء؟!إنهم يستطيعون أن يمتعوا أنفسهم بالشهوات المحرمة، يستطيعون أن يلهوا، أن يلعبوا، أن يعبثوا، ولكن ثبتهم الله عز وجل.
إن الثبات اليوم والالتزام في ظل هذا الواقع بحد ذاته إنجاز ونجاح وليس بجهد البشر، ليس بذكاء هؤلاء، لكن هذا الطريق من سار عليه ثبته الله وأعانه، ولولا تأييد الله وتوفيق الله عز وجل ودافع الفطرة لما استقام هؤلاء ولجرفهم هذا التيار الجارف.
هؤلاء الشباب تحقق فيهم معنى يسير أهونهم حالاً من يحب الصالحين ويجالس الصالحين، والذين يحبون الصالحين ويجالسون الصالحين لهم شأن عظيم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الملائكة الذين يتتبعون مجالس الذكر ثم يصعدون إلى ربهم تبارك وتعالى فيقول: (كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم يسبحونك ويحمدونك ويكبرونك، ثم يقول الله عز وجل: ماذا يسألونني؟ قالوا: يسألونك الجنة، قال: مم يستجيرون؟ قالوا: من النار، قال: أشهدكم أني أعطيتهم ما سألوا وأجره مما استجاروا، قالوا: يا رب فيهم فلان عبد خطاء ليس منهم إنما جاء لحاجة فجلس، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).
والثلاثة الذين أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم أعرض والآخر أقبل، والثالث استحيا، فالأول أعرض الله عنه، والثالث استحيا الله منه.
هؤلاء الشباب أسوأهم حالاً من يحب الصالحين ولسان حاله كما يقول الشافعي :
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سوياً في البضاعة
وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: (سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم. قال: أنت مع من أحببت)، وقال: (يحشر المرء يوم القيامة مع من أحب).
إذاً: هذه نماذج من هذا الجيل المبارك نحتاج أن نبرزها، النجاح في أمور الحياة المادية، الهمة العالية، العمل الدعوي، المنجزات التي نراها.. كل هذا نتاج هذا التدين، وظاهرة التدين التي ظهرت أمامنا هي نتاج هذا الجهد، نتاج هؤلاء الشباب والفتيات، هؤلاء الصالحين مهما كان فيهم من عيوب وتقصير فهذا نتاجهم وهذا جهدهم، سواء أكان بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة.
أقول أيها الإخوة والأخوات: إن إبراز هذه النماذج وهذه الصور أمام هؤلاء تجعل القضية يكون فيها نوع من التوازن، ولعلي أخيراً أشير إلى بعض الصور من المربي الأول صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يتعامل مع الناس.
النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه كان يتحدث عن الأخطاء ويبينها إلا أنه كان يبرز تلك الصور الأخرى، من ذلك مثلاً حديثه صلى الله عليه وسلم عن فضائل الأمة في الحديث الطويل في المقارنة بين الأمة واليهود والنصارى والذين عملوا نصف اليوم فقال: (أنتم أقل عملاً وأكثر أجراً).
وفي الحديث الآخر حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز جل)، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخاطب أصحابه ويخاطب هذه الأمة بهذه البشارات.
أيضاً: كان يثنى النبي صلى الله عليه وسلم على طوائف من أصحابه في مواقف كثيرة، وقصته في الأنصار لما قسم النبي الغنائم في غزوة حنين ولم يعط الأنصار شيئاً مشهورة، فحين وجدوا في أنفسهم جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئاً، قالوا: الله ورسوله أمن، قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لو شئتم لقلتم: جئتنا كذا وكذا، ثم قال: أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض).
وقال صلى الله عليه وسلم في شأن الأنصار: (لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق).
وأثنى على أسلم فقال: (أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها).
وأثنى على الأشعريين فقال: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم في المدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم).
أيضاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم يثني على أعمالهم، قد يعمل أصحابه أعمالاً فيثني عليهم صلى الله عليه وسلم.
من ذلك حديث المغيرة بن شعبة أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، قال المغيرة : (فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط فحملت معه إداوة قبل صلاة الفجر.. الحديث قال
وأيضاً: في حديث أبي بردة عن أبيه قال: (صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي العشاء، قال: فجلسنا فخرج علينا فقال: ما زلتم هاهنا؟ قلنا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال: أحسنتم أو أصبتم، ثم رفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: النجوم أمنة السماء).. إلى آخر الحديث، والحديث في مسلم .
وأيضاً في البخاري من حديث أنس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل، ثم أقبل علينا بوجهه بعدما صلى، فقال: صلى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة مذ انتظرتموها).
وفي رواية أخرى: (لا ينتظر هذه الصلاة أحد غيركم).
في كثير من هذه المواقف كان النبي صلى الله عليه وسلم يثني على أصحابه حين يعمل عملاً يستحق الثناء، وأما الأفراد فكان يثني عليهم كثيراً صلى الله عليه وسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أمن الناس علي في صحبته وماله
افتقد النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من أصحابه في حديث عظيم عن أبي برزة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزى له فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا، قال: لكني أفقد
وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وحينما تقرأ وتنظر في أي كتاب من كتب ودواوين السنة ستجد باباً من أبواب المناقب يذكرون فيها طائفة من مناقب القبائل والناس والأفراد، النبي صلى الله عليه وسلم كان يبرز هذه الصور أمام أصحابه ويثني عليهم، بل كان القرآن يتنزل في الثناء عليهم: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا [الفتح:29].. وغير ذلك.
أقول: بهذه التربية تربى الجيل الأول فكان جيلاً جاداً منتجاً، يسمع التصحيح، يسمع النقد، يسمع التقويم والعتاب، وفي المقابل يسمع الثناء ويسمع الصور الإيجابية، إننا بحاجة إلى هذا التوازن في التربية فلا نفرط في الحديث عن التكاليف حتى نصور للناس أن الالتزام مرتقىً لا يطيقه أحد، والله عز وجل أخبر أن الدين يسر ونبينا صلى الله عليه وسلم قال: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)، وقال: (هذا الدين يسر)، وأيضاً لا نفرط في الرجاء ونتستر على الأخطاء.
إننا بحاجة إلى أن نتحدث عن تلك الصورة وعن الصورة الأخرى، وحين نربي تربية متوازنة فإننا سنخرج بإذن الله جيلاً متوازناً، يؤمل منه أن يكون عند مستوى طموحاتنا وتطلعاتنا.
أسأل الله عز وجل أن يبارك في هذا الجيل المبارك وأن يكتب الخير على يديه، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر