فلنعش لحظات مع (لا إله إلا الله) في هذا الدرس، ولنعرف هل نحن محققون لكلمة (لا إله إلا الله) قولاً وعملاً؟ وهل نعيش تحت ظلها؟
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مسلمونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عليكُمْ رَقِيباً [النساء:1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالكمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته..
يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ [الأنبياء:101-102] من الذين سبقت لهم من الله الحسنى؟!
إنهم أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين لا يسمعون حسيس النار ولا يخلدون فيها.
فيا أهل لا إله إلا الله! ويا حملة لا إله إلا الله! (لا إله إلا الله محمد رسول الله) كلمتان يدور عليهما الإسلام، وفي مظلتهما هذا الدين، ولذلك كان عنوان هذا الحديث في (ظلال لا إله إلا الله).
ويوم يأتي المسلم ليستقرئ سيرته -صلى الله عليه وسلم- يجد أنه بدأ بلا إله إلا الله وختم بلا إله إلا الله، وقف على الصفا عليه الصلاة والسلام فجمع الناس لينذرهم فقال: (يا بني
يقول عمه أخو أبيه أبو لهب: تباً لك، ألهذا دعوتنا! فأنزل الله قوله المحرق لهذا الرعديد الفاجر: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [المسد:1-2]
ويأتي بلال من أرض الحبشة ليؤمن بلا إله إلا الله: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35] أما أهل الصفا، وأهل زمزم، وأهل الحرم، فقد كفر كثير منهم بلا إله إلا الله.
أما صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي، وخباب بن الأرت فقد ملئوا قلوبهم بلا إله إلا الله. يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدعو الناس وقبل أن يتكلم إلى البشر: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]. إذا أردت أن تدعو الناس، وأن تبدأ في طريقك وتزاول عملك، فاعلم -أولاً- أنه لا إله إلا الله هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65] هل تعلم أحداً مثيلاً لله؟!
هل تعلم أعظم من الله؟! لا والله.
أتى عدي بن حاتم (والحديث حسن) إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم -وأبوه حاتم الطائي كريم باذل جواد، ولكنه لا يساوي ذرةً في ميزان الحق؛ لأنه لم يدخل قلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله، مات كافراً مشركاً فما أفاده إيمانه بالطاغوت، ولا نفعه جوده ولا كرمه؛ يقول ابنه كما في صحيح مسلم للرسول عليه الصلاة والسلام: (يا رسول الله! إن أبي كان يكرم الضيف، ويحمل الكلَّ، ويعين على نوائب الحق، فهل ينفعه ذلك شيئاً عند الله؟ قال: لا. إن أباك طلب شيئاً فأصابه) طلب الذكر، والشهرة، والرياء، والسمعة فحظه ذلك في الدنيا حتى يتراد صيته واسمه بين مجتمعاتنا ولكنه من الخاسرين.
وكريم آخر يُسأل عنه صلى الله عليه وسلم فقال: (لا. إنه لم يقل يوماً من الأيام: رب اغفر لي خطيئتي).
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16] ويقول: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] ويقول: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: (قلت: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننت ألا يسألني أحد قبلك يا
لا إله إلا الله اعتقاد وقول وعمل، فإن بعض المشركين قالوا: لا إله إلا الله فما نفعهم ذلك؛ لأنهم ما اعتقدوا بمدلولها، وما أخلصوا في حملها، وما عرفوا العمل بها.
إن من يقول: لا إله إلا الله، لا تفوته الصلوات الخمس جماعة. ومن يعتقد لا إله إلا الله، لا يتعدى حدود الله، ولا ينتهك حرماته. ومن يقول: لا إله إلا الله، لا يجعل بيته وثناً، ولا يجعل بيته مسرحاً للمعاصي؛ والأغنية الماجنة، والمجلة الخليعة، واللعن، والسب، والشتم، والاستهزاء بآيات الله وبرسوله وبالإسلام الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا يخالف لا إله إلا الله.
وفي ظلال لا إله إلا الله -أيها المسلمون- لتعلموا أن من أكبر قضايا لا إله إلا الله هي: الإيمان بالله تبارك وتعالى، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً [مريم:96] وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
لكن ما هي التقوى؟ ما تعريفها؟
هو الله الواحد الأحد، الجليل الذي يراك إذا تسترت بالجدران، الجليل هو الذي يراقب حركاتك إذا اختفيت في الحيطان.
كثير من الناس لا يعرف الجليل، يخاف من السلطة ومن القائد والقيادة أكثر من خوفه من الله الواحد الأحد، يخاف من مراقبة المسئول أكثر من مخافته للواحد الجليل تبارك وتعالى، لا يخطئ ويقف بسمت حسن أمام هذا البشر الذي يموت ويعدم ويفتقر ويمرض، ولكنه لا يخاف من الله كخوفه من هذا المسئول: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً [مريم:81] لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [النحل:20] وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3].
الجليل هو الذي خلقك. الجليل هو الذي صورك: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ *فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الإنفطار:6-8]... يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:1-2].
أتيت أقول لكم اليوم: إن الجليل هو الله الذي أنزل لا إله إلا الله لتعيشوا في مظلتها.
علي رضي الله عنه وأرضاه يقول: [[تقوى الله هي: الخوف من الجليل]]
الإمام أحمد بن حنبل؛ الإمام العالم الجليل الزاهد العابد الذي رفعه الله بالتقوى، لا بالمنصب، ولا بالشهرة، ولا بالمال. إمام أهل السنة والجماعة يحمل الحطب على كتفيه، فيؤخذ الحطب منه ويقال له: "كيف تحمل وأنت الإمام أحمد؟
قال: نحن قوم مساكين لولا ستر الله افتضحنا".
الإمام أحمد يقول يوماً لأحد الشعراء: أتقول الشعر؟ قال: أروي الشعر. قال: ماذا تروي؟
قال: قول الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب |
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب |
فقام وأغلق عليه الباب وأخذ يبكي حتى سمع بكاؤه من خارج البيت وهو يردد:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب |
يقول علي: " التقوى هي الخوف من الجليل. وإذا لم تخف من الجليل فاعرف أنك لست متقياً إلى الآن، يا سبحان الله! من يراقب مسئوله في الصلاة فيصلي من أجل مسئوله ألا يخاف الواحد الأحد؟! هذا إنسان سلخت العقيدة من قلبه ومن دمه ومن شرايينه.
من يراقب السوط والسجن ويخاف منها ولا يخاف من الواحد الأحد، لا إله إلا الله ما أبعده عن الله!
نحن أمة ليست مخيرة في أخذ شرائعها، وفي أخذ مناهجها ومبادئها، أمة تسير بالكتاب والسنة.
فإذا علم ذلك، فليعلم الأخ الفاضل أنه لا بد أن يعمل على ضوء الكتاب والسنة، وأن يتقي الله فيهما وأن يكون على ضوئها وهي مظلة لا إله إلا الله.
ما أكثر أموالنا! وما أكثر مناصبنا، وما أكثر وظائفنا! ولكن لا شيء..
ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا |
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا |
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94] يوم تدفن لا يدفن معك إلا العمل الصالح:
{يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى العمل}.
دخل بعض الصحابة على أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وهو من كبار الصحابة، فوجدوا عنده شملة، وقعبٌ يتوضأ فيه، وصحفة يغتسل ويأكل فيها، وعنده عصا، فقالوا له: أين متاعك؟ قال: هذا متاعي. قالوا: وأين فرشك وأين طعامك؟!
وأين شرابك وملابسك؟!
قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أن أمامنا عقبة ولا يتجاوز العقبة إلا المخف}
إن الذي يكثر من ملذات الدنيا وشهواتها يكون على حساب أجره عند الله عز وجل: كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء:20].
أتى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمفاتيح كنوز الأرض، أو أن تسير له الجبال ذهباً وفضة، فقال: {لا. أعيش عبداً رسولاً، أجوع يوماً وأشبع يوماً} لأنه يعيش تحت مظلة لا إله إلا الله.
ما هي الأعمال الصالحة التي قمنا بها وحملناها لذاك المصرع وذاك القبر؟!
أعاننا الله وإياكم على ذلك القبر!
والقبر فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءة |
وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه |
والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران |
إن يك خيراً فالذي من بعـده أفضل عند ربنا لعبده |
وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ |
عمر رضي الله عنه وأرضاه يدخل عليه علي بن أبي طالب وقد طعن، ودماؤه تسيل عليه، فقال: طوبى لك يا أمير المؤمنين. قال: لا تدعني بأمير المؤمنين، فأنا اليوم لست بأمير المؤمنين، قال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين! أسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، وتوليت فكانت ولايتك رحمة. فبكى عمر وقال: [[ يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا عليَّ]] كان عمر يبكي وراء الأسوار، ويجلد نفسه بالعصا ويقول: [[يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الخلافة]].
وتقول عائشة وهي تبكي: يا ليتني كنت نسياً منسياً. إن الموقف ليس بالسهل، ماذا أعدننا أيها الأبرار، فقدنا الأجداد والأولاد، فقدنا الآباء والأمهات، فقدنا الإخوة والأخوات، إنه هادم اللذات، مفرق الجماعات، آخذ البنين والبنات..
طول الحياة إذا مضى كقصيرها والعز للإنسان كالإعسار |
يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران |
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان |
إن الذي لا يعرف الطريق إلى الله عز وجل تحت مظلة لا إله إلا الله، سوف يبقى متخلفاً وهزيلاً فاشلاً في الحياة الدنيا والآخرة؛ لأن الله عز وجل جعل على نفسه أنه من حفظه حفظه ومن ضيعه ضيعه، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يلقي هذا الحديث على الناس: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
يا أيها الجندي المسلم: إن الجندية تتطلب منك أن تحافظ على الصلوات الخمس وهي مظلة لا إله إلا الله، وإن الذي لا يعرف المسجد لا يعرف الفلاح والنجاة، ولا يعرف النصر والتفوق في الحياة الدنيا ولا في الآخرة.
ويا أيها الجندي المسلم: إن من أعظم اهتماماتك هذا الدين ويوم تترك الدين، فقل على الإسلام والدنيا السلام؛ لأن:
من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح |
من خلقها؟! من سواها!؟ من عدلها!؟
أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ *وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ *وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20] لا إله إلا الله.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد |
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد |
جاء في تفسير ابن كثير في سورة البقرة أن الإمام أحمد سئل: ما هو دليل قدرة الواحد الأحد الباري تبارك وتعالى؟ قال: "هذه البيضة بيضة الدجاجة، أما سطحها ففضة بيضاء، وأما داخلها فذهب إبريز، تُفقس فيخرج منها حيوانٌ سميع بصير، ألا يدل على السميع البصير؟!! إي والله.
والشافعي يُسأل: ما هو دليل القدرة؟
قال: "هذه الورقة تأكلها الغزال فتخرج مسكاً، وتأكلها النحلة فتخرج عسلاً، وتأكلها دودة القز فتخرج حريراً، أفلا تدل على السميع البصير؟!! "
وقيل للإمام مالك: ما دليل القدرة؟
فدمعت عيناه وقال: اختلاف الأصوات، وتعدد اللهجات، وتباين الكائنات، تدل على فاطر الأرض والسماوات ".
قل للطبيب تخطفته يد الـردى من يا طبيب بطبه أرداكا؟! |
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب من عافاكا؟! |
والنحل، قل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاَّكا؟! |
وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا |
واسأله كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا |
فالحمد لله الجليل لذاته حمداً وليس لواحدٍ إلاَّكا |
أين يذهب الإنسان الضعيف من قدرة الله؟!
يا أيها العبد! أنقذ نفسك.
إن المتكلم قد يتكلم بإنقاذ نفسه، لكن ماذا فعل السامع في إنقاذ نفسه؟
إنها حياة مصير وليست حياة محدودة، إن مصيرك يتوقف على إيمانك وعودتك إلى الله.
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرض (لا إله إلا الله) تحت مظلة (لا إله إلا الله) في الكائنات. يخبر الناس بخلق الله، وبديع صنعه وآياته.
فلا إله إلا الله ما أجحد الكافر! ولا إله إلا الله ما أظلم الكافر! إن أظلم من وجد على سطح الأرض هو الكافر يوم تنّكر الحقائق.. يستنشق الهواء، ويشرب الماء، ويمشي في الضياء، ويستظل بالسماء، ويعيش في صفاء، ثم لا يعرف الواحد الأحد الذي أنزل الكتاب على الأولياء. سبحان الله!!
فالرسول صلى الله عليه وسلم يوم يعرض (لا إله إلا الله) عرضها بالعمل، يقول: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله}.
لا إله إلا الله كلمة بلا صلاة ولا زكاة ولا صيام لا تنفع، بلا حب وولاء لله عز وجل وتبرؤ من أعدائه لا تنفع.
إن الذي يقول: (لا إله إلا الله) يراجع حسابه مع الله، إن الذي يشهد أن لا إله إلا الله ويعتقدها، يفتح باب التوبة على الله عز وجل؛ ليدخل جنة الله قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار |
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار |
إذا انغمست في الخطيئة إلى مشاش رأسك فعد إلى الواحد الباري فإنه التواب، وإذا أظلم قلبك من الذنب والمعصية، فعد إلى الباري فإنه هو التواب، وإذا كثرت عليك الفتن والمحن والزلازل والابتلاءات؛ فعد إلى الباري فإنه هو الذي يكشفها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
باب التوبة هو من أبواب (لا إله إلا الله) وتحت مظلة (لا إله إلا الله) ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يفتح باب التوبة للناس، ويخبرهم أن من مقتضيات (لا إله إلا الله) التوبة، بل يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن أرفع منزلة عند أهل السنة والجماعة هي: منزلة التوبة. لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ [التوبة:117] هذه بعد غزوة تبوك، وهي في آخر العصر النبوي، ذكر الله أنه تاب عليه بعد الجهاد، وبعد إسالة الدماء وبذل النفس، يقول الله: لَقَدْ تَابَ الله [التوبة:117].
عاش الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر نفس من حياته وفي آخر أنفاسه يوم عاش حياة الجهاد والجِلاد والتضحية والبذل والعطاء، يقول الله له قبل الموت: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3].
لا تظن أنك قدمت شيئاً، الفضل لله، والمنة له، والعطاء والخير من الله، فاستغفر الله كأنك ما قدمت شيئاً؛ ولذلك أمرنا أدبار الصلوات أن نقول كلما سلمنا: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وقال تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199] أي: إذا انتهيت من الحج فاستغفر الواحد الأحد، فكأنكم ما قدمتم شيئاً: يَمُنُّونَ عليكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا علي إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عليكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17] لا تمن إسلامك وصلاتك على الله، بل الله يمن عليك أن هداك وأدخلك الجنة؛ لأن الله عز وجل اشترى نفسك منك، وإن كنت مسلماً فقد اشتراها الله منك.
نعم. إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عليهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111] لا أحد: ومن أصدق من الله؟
لا أحد. ومن أوفى من الله؟ لا أحد.
فإذا بعت نفسك فاعلم أن السلعة هي الجنة، وهذا العقد نزل به جبريل، والذي ضمن العقد هو الله، والذي وقَّع على العقد هو محمد صلى الله عليه وسلم، والسلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين. فهل من بائع لنفسه في طاعة الله؟
إن البيعة العظيمة تقتضي منك أن تفتح لنفسك باب التوبة.
يا أيها الجندي المسلم: إذا ظللت في الخطأ فعد إلى الواحد الأحد، وتبرأ من خطئك وتب إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم آخرين يذنبون ويستغفرون الله فيغفر لهم} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والله إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفسي بيده، لو كنتم كما تكونون عندي -وفي حلق الذكر- لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا، يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت خطاياك وذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}.
يا من ترك الصلوات الخمس! إنك اقترفت أكبر جريمة في تاريخ الإنسان.. يا من أدخلت على قلبك الملهيات والمشغلات والمعاصي ثم لم تعرف ربك! إنك اقترفت ذنباً خطيراً على نفسك.. يا من ظل في بيته ولم يرب أسرته، ولم يعلم أبناءه الإسلام، ولم يدل زوجته على طريق الجنة! إنك ظلمت زوجتك وبيتك وأهلك وأبناءك، يا من نصبه الله عز وجل على ذريته يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عليهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]! إنك تؤخذ بالناصية إن لم تتب وتراجع حسابك مع الله.
إنه والله موقف صعب، فأنا ألقي هذه الأمانة من ذمتي إلى ذممكم، ومن عاتقي إلى عواتقكم.. اللهم فاشهد أنا جلسنا نخبر بآياتك وكلام رسولك صلى الله عليه وسلم ليصل البلاغ إلى أهل البلاغ، وتصل الدعوة إلى أمة الدعوة، فلم يبق هناك جهل؛ لأننا نعيش في مظلة (لا إله إلا الله).
إن من يعيش تحت مظلة (لا إله إلا الله) لا تفوته الصلوات الخمس، إن من يعيش تحت مظلة (لا إله إلا الله) لا يتناول مسكراً، إن من يعيش تحت مظلة (لا إله إلا الله) لا يزني، إن من يعيش تحت مظلة (لا إله إلا الله) حياته لله ومماته لله.
اللهم يا رب، هذا الجمع اجتمع لسماع كلامك وكلام رسولك، اللهم لا تعده إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وعمل متقبل مبرور.
اللهم فارحمنا واغفر لنا وتب علينا واهدنا وسددنا، من يغفر لنا إذا لم تغفر لنا؟! من يرحمنا إذا لم ترحمنا؟! ومن يتولانا إذا لم تتولنا يا رب العالمين؟!
قلوبنا قاسية، وعيوننا جافة، وأيدينا بخيلة، فرد إلينا من فيضك، وأسبغ علينا من نعمائك، ووفقنا لسلوك طريقك يا رب العالمين.
أنت يا ربنا! أنت المقصود، وأنت المطلوب، وأنت النافع والضار، وأنت الخالق الرازق.
سبحانك، سبحانك لا إله إلا أنت، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88] ويقول: كُلُّ مَنْ عليهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27]... وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3].
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وأسأل الله أن يتقبل منا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
سؤال آخر: ما حكم التكاسل عن أداء الصلاة بغير قصد، أو الصلاة في غير وقتها؟
الجواب: الحمد لله. تارك الصلاة مما علم من النصوص أنه كافر، وهذا أمر نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وكان عليه الصلاة والسلام يقول: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} فإذا تركها العبد عامداً متعمداً فقد كفر بالله العظيم.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم} فمفهوم المخالفة: أنهم إذا لم يفعلوا ذلك لم يعصموا دماءهم، وكان له صلى الله عليه وسلم الحق في قتالهم، ولا يقاتل إلا كافراً.
إذا علم هذا؛ فمن تركها عامداً متعمداً فقد كفر.
أما من تركها تكاسلاً فالصحيح في ذلك أنه يكفر، وليس هناك دليل لمن قال: هناك فرق بين التكاسل والعامد المتعمد لا. إنه لا يصل إلى درجة أن يترك الصلاة متكاسلاً إلا لأنه تركها عامداً.
وأما من صلاَّها في غير المسجد فهو فاسق؛ لأنه خالف النصوص التي تربوا على ثلاثة عشر نصاً صحيحاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في المساجد.
الجواب: أما التوبة فلم تحجب عنك ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو ما لم تغرغر أنت.
فبالنسبة إلى كل العالم إذا طلعت الشمس من المغرب انتهت التوبة، وبالنسبة لك ما لم تغرغر.. لكنك لا تسوف في التوبة، واعلم أن أي ذنب يغفره عز وجل بالتوبة، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كان فيمن كان قبلكم رجل أسرف على نفسه في الخطايا فلما حضرته الوفاة قال لأبنائه: إذا مت، فأحرقوني بالنار -يعني جثمانه- ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم ذي ريح، فلما مات أحرقوا جثمانه بالنار، وسحقوه وذروه ظناً أن الله لن يجمعه كما بدأه أول مرة، فأخذته الريح في كل مكان، فجمعه الذي أنشأه أول مرة وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عليمٌ [يس:78-79] فلما أصبح أمامه، قال: يا عبدي ما حملك على ما فعلت؟ قال: خفتك وخشيت ذنوبي. قال: فإني قد غفرت لك} هذا مذنب أخطأ خطأً بيناً، حتى يقول ابن تيمية: إن من أعظم خطاياه: أنه شك في القدرة. من أعظم خطايا هذا الرجل أنه شك في قدرة الله، الذي من شك فيها دخل شكه في المعتقد، لكن مع ذلك لما خاف لقاء الله، وأظهر التوبة والجزع عند الموت تاب الله عليه، وهو من عصاة الموحدين، فلا يفهم أنه كان لا يحمل توحيداً.
ماعز بن مالك زنى وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب التطهير، فطهره صلى الله عليه وسلم، فبعض الصحابة سب ماعزاً، فقال صلى الله عليه وسلم: {لا تسبه. فوالذي نفسي بيده، إني أراه ينغمس في أنهار الجنة}.
والمرأة الغامدية التي زنت طهرها النبي صلى الله عليه وسلم، فسبها بعض الصحابة وقال: "لو استترت" فقال صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم} وفي لفظ: {لو تابها صاحب مكس. -قيل: شرك، وقيل: مبتاع بالمكس- لقبل الله توبته }.
وأنت إذا أذنبت فعد إلى الواحد الأحد.
رجل قتل تسعةً وتسعين نفساً،فأتى إلى راهبٍ متخلف في صومعته فقال: هل لي من توبة؟ وهذا الراهب ليس عنده علم، فقال: ليس لك توبة. فقتله فوفى به المائة. ثم قال: دلوني على عالم، فدلوه على عالم. فقال له: هل لي توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ باب التوبة مفتوح، تب إلى الله، فتاب وقال له: اذهب إلى أهل هذه القرية فإنها صالحة،أهلها يعينونك على الصلاح، فذهب، فمات في الطريق ولم يعمل صالحاً بعد، وما تقرب بشيء ولكنه تاب، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إليهم أن قيسوا ما بين المسافتين، فقال الله عز وجل لتلك القرية: تقاربي، ولهذه: تباعدي، حتى يكون أقرب إلى القرية الصالحة، فوجدوه أقرب إليها فرحمه الله.
من يمنعك من التوبة؟ باب الله مفتوح، ونواله ممنوح، وعطاؤه يغدو ويروح. لكن إذا كان هناك من شروط فشروط التوبة:
أولاً: أن تعزم على عدم العودة.
الأمر الثاني: أن تندم على ما فات منك.
الأمر الثالث: أن ترد حقوق الناس إليهم؛ لأن حقوق الناس مبنية على المشاحة، وحقوقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مبينة على المسامحة.
إن أخذت مالاً فمع التوبة أعد ذاك المال إلى صاحبه أو تصدق به على نية صاحبه، إن خفت من الضرر الأعظم من عودة هذا المال، وإن اعتديت في ممتلكات الناس فأعدها، وإن سببت رجلاً فلك أن تستبيح منه أو تستغفر له في ظهر الغيب. هذه هي التوبة، وهنيئاً لك إذا تبت إلى الله الواحد الأحد.
وسائل آخر يقول: أنا أحاول دائماً أن أكون من المصلين في المسجد، وأتجه إلى الله وأقبل على الله أياماً، ولكن أنقطع عن ذلك وأنا غير راض أو غصباً عني كما يقال.. فماذا تنصحني؟
الجواب: أما بالنسبة للسؤال الأول، وهو: هل الإنسان مخير أم مسير؟ أنتم تعرفون أن للعبد مشيئة ولكنها تحت مشيئة الواحد الأحد، قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30] العبد مسير من جهة ومخير من جهة، فله مشيئة ولكن مشيئته تحت مشيئة الله.
فلا يصح أن نقول: مخير. ولا يصح أن نقول: مسير.
من قال: إن العبد مسير فهو من أهل الجبر، وأنه مجبور على فعل المعصية، وأنه لا حجة لمن أجبره على ذلك -نعوذ بالله من الخذلان- وإن قالوا: مخير؛ فهم نفاة القدر (القدرية) الذين قالوا: يفعل العبد ما شاء متى ما شاء بدون سابق قدر، وقد أخطئوا.
والصحيح: أن له مشيئة تحت مشيئته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه لا يفعل شيئاً إلا بإذنه تبارك وتعالى في سابق علمه.
وكثير من الناس اليوم يجعلون المعصية جبراً ويجعلون الطاعة قدراً، تقول: لماذا لم تصلِّ الفجر؟ وهي عمل ومزاولة، فيقول: قدر الله علي ألا أصلي الفجر. وتقول: لماذا تشرب الخمر؟ فيقول: كتب الله عليَّ أن أشرب الخمر. فهو جبري في الفعل لكنه قدري في الترك.
وهذه مسألة ليس هذا بسطها، وإنما قلت هذا كنموذج؛ لأن معتقد أهل السنة والجماعة أن للعبد مشيئة وله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مشيئة أعلى من ذلك.
الجواب: المسح على الخفين سنة من سننه صلى الله عليه وسلم، بل قال بعض أهل العلم: إنه ورد في القرآن الدليل الظني عليها: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6] قالوا: قد يقتضي من هذا أنه المسح على الخفين، فدلالة الآية على المسح والغسل.
وعن علي رضي الله عنه في صحيح مسلم قال: {جعل لنا صلى الله عليه وسلم على المسح على الخفين يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر} وعن ثوبان في سنن أبي داود قال: {أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين} وهي: الخفاف والعمائم. وعن المغيرة في الصحيح قال: {هويت لأنزع خفي الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين} ويمسح على الخف بشروط:
أولها: أن تدخل رجليك في خفك أو جوربيك وهما طاهرتان بعد أن توضأت وضوءاً كاملاً، ومعنى طاهرتان: أنك تكون متوضئاً ثم تدخل الخفين.
الشرط الثاني: أن يكون الخف ساتراً، فلا يظهر البشرة؛ لأن الخف في اللغة العربية ما ستر، سواء كان قائماً بنفسه أو بغيره، المهم أن يكون ساتراً.
الشرط الثالث: أن تستبقي استدامته لمدة المسح؛ لأنك إذا خلعته -على الصحيح- فقد انتهت مدة المسح، إلا عند الحسن البصري، وهذا ليس مجال الخلاف، لكن الصحيح أنك إذا خلعت الخفين فإنك قد أنهيت مدة المسح، ثم تحدد لك المدة إن كنت مقيماً فيوم وليلة من الظهر إلى الظهر -مثلاً- إلا إذا استدمت الطهارة أول حدث تخلعه، وإن كنت مسافراً فثلاثة أيام.
هذه أحكام باختصار في المسح على الخفين.
أما الجبيرة فهي الشيء أو اللفافة من أي شيء طاهر أو من قماش أو نحوه يوضع على الجرح أو الكسر، فإن كان في مواطن الوضوء فهذا الذي له حكم، أما إن كان في غير مواطن الوضوء فحكمه عند الغسل.
والجبيرة إذا وضعتها فعليك أن تمسح عليها وأن تتيمم لها إذا كانت في مواضع الغسل؛ لحديث أبي داود في صاحب الشجة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهأن يمسح عليها} وقال: {قتلوه قتلهم الله، إنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم لها} وفي لفظ: {أن يمسح عليها} فتمسح عليها مسحاً وتتيمم لها كتيممك للوضوء.
وإذا كانت في أعضاء الوضوء فإنك تترك هذه المنطقة ولا تغسلها ثم تتيمم لها احتياطاً، فالتيمم احتياطاً والمسح وارد.
الجواب: الأخ يسأل عن شراء سيارة بقيمة ثم يقسطها بقيمة أعلى، وهذا ليس فيه شيء، وإنما زيادة القيمة من أجل زيادة الأجل، وقد حقق ذلك ابن القيم.
أما حديث: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة} فلا يشمل هذا؛ لأن الناس تعارفوا جميعاً أن طول المدة يقتضي زيادة الأجر.
أما أن أبيع سيارة وأقول لصاحبها: إن سلمت قيمتها الآن فبعشرين ألفا،ً وبعد سنة بعشرين ألفاً خالفت مصالح الناس، والشريعة لا تأتي بخلاف المصلحة، ولا الإضرار بأموال الناس، ولا إهدارها.
فالصحيح أن زيادة القيمة من أجل زيادة الأجل لا يدخلها شيء من الربا، والحمد لله.
الجواب: الدفن في القبر الواحد لا بأس للحاجة، واستحب هذا أهل العلم، بل هذا هو المؤكد، بأن يكون مع مسلم؛ لأن دفن المسلم مع الكافر فيه ضرر، ولو أني لا أعرف دليلاً يحرم دفن المسلم مع الكافر، أما دفن المسلم مع المسلم في قبر واحد فقد ورد بذلك أحاديث. منها: حديث جابر في الصحيح: {كان صلى الله عليه وسلم يوم أحد يدفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد. ويقول: أيهما المتحابون في الدنيا؟} فكان يجمع بين المتحابين فيدفنهم في قبر واحد. وفي حديث أنس: {فكان يقدم صلى الله عليه وسلم صاحب القرآن. يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟} فقال أهل العلم: للحاجة، كأن يكون هناك موت عام كالطاعون، أو مرض عام في الناس فماتت مجموعات من الناس ولا يستطاع أن يحفر لكل واحد منهم قبراً واحداً، فتجمع مجموعة في قبر، أو كأن يكون هناك زلزال أو فيضان.
وأما لعدم الحاجة فالأحسن أن يكون لكلٍ واحد قبر، وهذا هو الوارد.
الجواب: زكاة الفطر مما يعلم أنها واجبة؛ لقول ابن عمر في الصحيحين {فرض صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط} وفي رواية أبي سعيد: {أو صاعاً من طعام} فهي واجبة. فمن تركها لغير فقره، أو لغير حاجته فهو آثم.
وهي لا تسقط إلا عند العجز لكنه آثم، وأرى أن يتصدق صدقة، ولكن لا تكتب له زكاة الفطر.
قال ابن عباس فيما صح عنه: [[فمن أخَّرها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات]] وقيل في لفظ لـابن عباس: [[فمن أخر لغير يوم العيد فهي صدقة من الصدقات]] لكنها لا بد أن تخرج قبل الصلاة لتكون ممحية لهذا الفرض الذي هو واجب زكاة الفطر، أما تأخرها فهي صدقة من الصدقات، فعليه أن يتصدق لكن لا تكتب له زكاة فطر.
الجواب: الدين قسمان:
قسم يطالب صاحبه في هذه الفترة في فترة أيام الحج فعليك أن تعطيه حقه؛ لأن حقوق الناس كما أسلفت على المشاحاة، وحقوقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مبنية على المسامحة، فإن كان يطلبك في هذه الأيام وفي هذا الوقت فادفع له حقه ولو عطلك عن الحج، وإن كان الأجل يستمر ولك أن تحج في هذه الفترة فقدم الحج. وقد نقل عن الحسن البصري أنه أنكر فتوى سعيد بن المسيب لما قال: لا يحج مديون، وقال: لو توقف الناس لعدم الدين ما حج أحد. لأنه ما سلم من الدين أحد، بل الصحابة حجوا وعليهم ديون، ومن بعدهم من السلف الصالح، فلابد من هذا التقسيم.
الجواب: لا تسمى هذه تميمة لكنها تسمى عقيقة. وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم تسميتها بالعقوق فقال: {أكره العقة في الإسلام، وأكره العقوق} كما في الموطأ.
والسنة فيها كما في سنن أبي داود وغيره، أنها تذبح في اليوم السابع، وعند البيهقي إن فات اليوم السابع ففي اليوم الرابع عشر، فإن فات ففي يوم الحادي والعشرين. هذه ثلاثة مواعيد وأوقات للعقيقة.
فالسنة ذبحها في اليوم السابع ولا تقدم على ذلك، فإذا فات السابع ففي الرابع عشر، فإذا فات في الرابع عشر ففي اليوم الواحد والعشرين.
والعقيقة تكون كبشان -ذبيحتان- عن الذكر المولود، وذبيحة عن الأنثى، ويؤذن في أذن المولود، وأما الإقامة في الأذن اليسرى فتحتاج إلى تصحيح والرواية فيها ضعيفة.
الجواب: أكل الأرنب حلال والحمد لله. ففي صحيح البخاري عن أنس قال: {أنفجنا أرنباً بـمر الظهران -أنفجنا أي: طردنا- فأدركتها فذبحها أبو طلحة وقدم وركها للرسول صلى الله عليه وسلم} فيجوز أكلها.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر